المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هذا والله السلطان لا سلطان هارون الرشيد - من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌هذا والله السلطان لا سلطان هارون الرشيد

‌هذا والله السلطان لا سلطان هارون الرشيد

- قال أبو أسامة: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس1.

- وعن علي بن الحسن بن شقيق، قال:

كان ابن المبارك إذا كان الحج إجتمع عليه إخوانه من أهل مرو فيقولون نصحبك يا أبا عبد الرحمن؟، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق فيقفل عليها، ثم يكترى لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلواء ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زى وأجمل مرؤة حتى يصلوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟، فيقول كذا، فيشتري لهم ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا وصلوا إلى مكة- وقضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري في متاع مكة؟، فيقول كذا وكذا، فيشتري لهم ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فإذا وصل إلى مرو جصّص- أبوابهم ودورهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل واحد منهم صرته2.

1 تاريخ بغداد: 10/156، سير أعلام النبلاء: 8/ 340.

2 تاريخ بغداد: 10/158، سير أعلام النبلاء: 8/ 341-342.

ص: 43

وعن أشعث بن شعبة المصيصي، قال:

قدم هارون الرشيد الرقة، فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين الرشيد من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس، قالت:

ما هذا؟، قالوا: عالم من أهل خرسان قدم الرقة، يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان1.

- أخرج الخطيب البغدادي بإسناده إلى الحمادين2، قالا: كان عبد الله ابن المبارك يتجر في البز، وكان يقول لولا خمسة ما أتجرت، فقيل له من الخمسة يا أبا عبد الرحمن؟، فقال: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ومحمد بن السماك وإسماعيل بن علية.

قالا: وكان يخرج فيتجر إلى خراسان، فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة، قالا: وقدم سنة، فقيل له قد ولي ابن علية القضاء، فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة، فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قدم فركب إليه فتنكس على رأسه، فلم يرفع به عبد الله رأساً ولم يكلمه فانصرف، فلما كان من غد كتب إليه رقعة:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أسعدك الله بطاعته، وتولاك بحفظه، وحاطك بحياطته قد كنت منتظراً لبرك وصلتك أتبرك بها وجئت أمس فلم تكلمني ورأيتك واجداً علي، فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه؟.

1 تاريخ بغداد: 10/ 156، سير أعلام النبلاء..: 8/ 340.

2 حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار إمامان مشهوران.

ص: 44

فلما وردت الرقعة على عبد الله بن المبارك دعا بالدواة والقرطاس، وقال: يأبى هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا، ثم كتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم:

يا جاعل العلم له بازياً

يصطاد أموال المساكين

إلى آخر الأبيات وقد سبق ذكرها كاملة في الكلام عن شعره.

فلما وقف ابن علية على هذه الأبيات، قام من مجلس القضاء، فوطيء بساط هارون الرشيد وقال: يا أمير المؤمنين الله الله إرحم شيبتي، فإني لا أصبر للخطأ، فقال له هارون: لعل هذا المجنون أغرى عليك؟، فقال: الله الله أنقذني أنقذك الله، فأعفاه من القضاء، فلما إتصل بعبد الله ذلك وجه إليه بالصرة1.

1 تاريخ بغداد: 6/ 235- 236.

* هذه النصوص وأمثالها في فرار أئمة السلف من تولي القضاء والتحريض عل تركه محمولة عل أمرين:

ا- علمهم بوجود من يقوم به.

2-

تركه ورعاً وحيطة لدينهم.

أما إذا ترتب على ذلك خلو القضاء ممن يقوم به أو تسلط الكفرة أو الفجرة عليه فتفسد مصالح الناس وتعطل أحكام الشريعة فلا.

ولا يفهم من ذلك أنهم يحرضون على إعتزال المجتمع والحياة كما يفعل دراويش الصوفية وخوارج هذا العصر.

ص: 45