المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحمد لله تعالى رجاء المؤمنين - منازل الأحزان وعبرة اليقظان النار

[أزهري أحمد محمود]

الفصل: ‌الحمد لله تعالى رجاء المؤمنين

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الحمد لله تعالى رجاء المؤمنين

، وعصمة الموحدين، والصلاة والسلام على النبي الرَّحمة، والسراج بعد العَمَى والظُّلمة، على آله وأصحابه زَيْن الأُمة.

وبعد:

أخي: كم هذا الإنسان ضعيفًا .. واهِن القوة! يؤلمه الجوع .. ويؤذيه الحر .. ويقرصه البرد .. ويُضْعفه المرض!

إن شَاكتْه شوكة تأوَّه! وإن عثر بثوبه تَطوَّح! ضعيف .. عاجز!

أخي: كم مرة رأيت نار الدنيا؟ ! كم مرة أصابك لفحُها ووهجُها؟ ! كم مرة تألَّمت وقد أصابك شيء من حرها؟ !

فيا لله كم لنارنا هذه من وَهَج! وحرارة! يعرفه من ذاقه! أو من دنا منه!

أخي المسلم: وأنت تبصر وهَج نار الدنيا؛ أما سألت نفسك يومًا: من أين خرجت هذه النار الحارقة؟ !

أخي: يا لشدة الخطب عندما تعلم أن نارنا هذه جزء من سبعين جزءًا من تلك النار الحامية التي أعدها الله تعالى يوم القيامة لأعدائه وأشقياء سخطه!

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من جهنَّم! ! » .

ص: 5

ففزع الصحابة رضي الله عنهم ونزل بهم الخوف! فقالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله!

فقال: «فإنها فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلها مثل حرها! » رواه البخاري ومسلم.

أخي في الله: إنها (النار! النار! ) فيا شدَّة يوم نَردُ فيه عليها! ويومها ناج أو مُكَرْدسٌ فيها!

ألا قلت أخي معي كما قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم أن بكى وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم].

فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ ! !

فرضي الله عنك يا ابن رواحة، فأنتم الذين شهد لكم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتبوأتم منها منزلاً ..

ولكن! قل لي أخي كيف بنا نحن؟ ! كيف بمن غدا وراح! وضَحك! ومرح! وهو لا يدري أين مقعده؟ ! في الجِنان؟ أم في النيران؟ !

أخي: أعاذني الله وإياك من النار .. وعافاني الله وإياك من مساخطه وأسباب غضبه.

أخي المسلم: إنها (النَّار! ) أعظم من أن يصفها واصف! وأشد من أن يطيقها مخلوق!

جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له: حدثنا عن النار كيف هي؟ !

ص: 6

فقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو رأيتها لزال قلبك من مكانه! ).

أخي: إنها (النَّار! النَّار! ) كم أفزعت من قلوب .. وكم أسالتْ من دُموع سُكُوب .. وكم طردت النوم عن جفون الصالحين .. وكم تفطَّرت لذكرها قلوب المُخبتين .. وكم تردَّد في ظلمات الليل لذكرها أنين الصادقين ..

أخي: إنها (النَّار! ) لما خلقت طارت من هولها قلوب الملائكة المقربون! واستوحش لمكانها أهل السماوات الأعلون!

عن محمد بن المنكدر رحمه الله: (لما خلقت النار فزعت الملائكة حتى طارت أفئدتها! فلما خلق الله آدم سكن ذلك عنهم وذهب ما كانوا يجدون! )

أخي: إنها (النَّار! النَّار! )؛ لا يغفل عنها إلا جاهل! ولا يأمن شرورها وهولها إلا غافل!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلما خلق الله النَّار، قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي ربِّ وعزَّتك لا يسمعُ بها أحد فيدخلها! فحفَّها بالشهوات! ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزَّتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها! » رواه أبو داود والترمذي/ صحيح أبي داود: 4744

*

*

*

ص: 7

أخي: يا لشدَّة يوم! ويا للكَرْب! يوم يؤتى فيه بجهنم لها زفير وشهيق!

قال نبينا الصادق صلى الله عليه وسلم: «يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام! مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها! » . رواه مسلم والترمذي.

أخي: لها سبعون ألف زمام! لا يعلم مقدارها وعظمها إلا الله تعالى .. يجرها سبعون ألف ملك! لا يعلم عظم الواحد منهم إلا الذي خلقهم تبارك وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر].

أخي: يا لشقاء من صارت النَّار مقيله! ويا لحسرة من أصبح وقودًا للنار!

فيها غِلاظٌ شدَادٌ من ملائكةٍ

قُلوبهُمُ شِدَّةً أقسَى من الحَجَرِ

لهم مَقَامعُ للتَّعذيب موحشَةً

وكلُّ كسْر لديهم غير مُنْجبرِ

أخي: إنها (النَّار! )؛ من دخلها نسي كل نعيم! ومن مسه لهبها ذهل فؤاده عن الأخ والحميم!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ (يُغمس) في النار صبغة! ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيتَ خيرًا قط؟ ! هل مر بك نعيم قط؟ ! فيقول: لا والله يا رب! ويُؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة! فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ ! هل مر بك شدة قط؟ ! فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط! ولا رأيتُ شدة قط! » . رواه مسلم.

ص: 8