المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: حركة التأليف في غريب الحديث - منهج ابن الأثير الجزري في مصنفه النهاية في غريب الحديث والأثر

[أحمد الخراط]

الفصل: ‌المبحث الأول: حركة التأليف في غريب الحديث

‌المبحث الأول: حركة التأليف في غريب الحديث

نهض العلماء منذ وقتٍ مبكرٍ لخدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعدَّدت اتجاهاتهم ومناهجهم العلمية لتحقيق هذه الخدمة، وكانوا يَعُدُّونها من أعظم العبادات. وعلم غريب الحديث مظهرٌ من مظاهر الجهود الحثيثة التي بُذِلَتْ في سبيل بيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدراك فقهه ومقاصده. وقد كان الفقهاء يكرهون التسرُّع في تفسير الغريب منه. ويذكرون أنَّ الإمام أحمد سُئل عن حرفٍ من غريبِ الحديث فقال:"سلوا أصحابَ الغريب فإني أكره أن أتكلمَ في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظنِّ فأخطئ"(1) .

وأمَّا عن بواكير التصنيف في هذا العلم، فإذا كنَّا قد وجدنا من ينسب إلى الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما شيئاً من ذلك فيما يتعلق بغريب القرآن (2) فإننا لا نجدُ من يَنْسُب إليه أو إلى أحد معاصريه أو تلاميذه شيئاً في غريب الحديث (3) .

والواقع أنَّ حركةَ التأليفِ في غريب الحديث تبدأ من أواخر القرن الثاني الهجري، وقد ترك طائفةٌ من علماء اللغة المتقدمين مصنفاتٍ أو شَذَراتٍ مختصرةً فيه، وبعضها كان في وُرَيْقاتٍ ككتاب أبي عبيدة مَعْمَر بن المثنى، إذ وصفه ابن الأثير بقوله (4) :"كتاباً صغيراً ذا أوراق معدودات"، وبعض هذه

(1) انظر: مقدمة ابن الصلاح: 245، وتدريب الراوي: 2/184.

(2)

انظر: الإتقان: 2 / 55.

(3)

المعجم العربي: ص /50.

(4)

النهاية: 1 / 5.

ص: 6

المصنفات وصل إلى خمسة وأربعين ألف ورقة، كما وَصَفَ ابن خَلِّكان كتاب أبي بكر بن الأنباري (1) .

ويَنسُب الحاكم النيسابوري (2) إلى النضر بن شُمَيْل المازني المتوفى سنة 203هـ أول مصنَّف في غريب الحديث، ويقول في وصفه:"هو عندنا بلا سماع". ومن العلماء الذين تركوا مصنفات في هذا الحقل قطرب (3) المتوفى سنة 206هـ، وأبو زيد الأنصاري (4) المتوفى سنة 215هـ، والأصمعي (5) المتوفى سنة 216هـ.

وذكر الخطيب البغدادي (6) أنَّ أوَّل من صنَّف في هذا الفن هو: أبو عبيدة مَعْمَرُ بن المثنى المتوفى سنة 210هـ، ويؤيده في ذلك لفيفٌ من المؤرخين، كياقوت (7) وابن الأثير (8) والسيوطي (9) .

وقد يكون أبو عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى السُّلَمِي سابقاً لأبي عبيدة؛ لأنه كان معاصراً ليونس بن حبيب أستاذ أبي عبيدة، إذ يقولون: "إنَّ له كتاباً في غريب الحديث ذكر فيه الأسانيد، وصنَّفه على أبواب السنن والفقه،

(1) وفيات الأعيان: 4 / 342.

(2)

معرفة علوم الحديث: 121، وانظر: الرسالة المستطرفة: ص / 154.

(3)

انظر: الفهرست: ص / 96، وغريب الحديث للخطابي: 1/ 49.

(4)

انظر: الفهرست: ص / 96.

(5)

انظر: الفهرست: ص / 96.

(6)

تاريخ بغداد: 12/ 405.

(7)

معجم الأدباء: 6/2704.

(8)

النهاية: 1/5.

(9)

بغية الوعاة: 2/294.

ص: 7

إلا أنَّه ليس بالكبير" (1) وكتاب أبي عدنان هذا دليلٌ واضح على أنَّ الاعتماد على الرواية والأسانيد في نقل تفسير الألفاظ كان المنطلق الذي انطلقت منه بواكير المؤلفات في غريب الحديث. قال ابن الصَّلاح (2) : "أصل الإسناد أولاً خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسُنَّة بالغة من السنن المؤكدة، رُوِّينا من غير وجه عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه قال: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".

ويُعَدُّ كتاب"غريب الحديث"لأبي عبيد القاسم بن سلام (3) المتوفى سنة 224هـ أول كتابٍ وصَلَنا في هذا الفن. يقول هلال بن العلاء الرَّقِّي (4) : "مَنَّ الله على هذه الأمة بأربعة، وعدَّد منهم: أبا عبيد إذ فسَّر غرائب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "وقد حظي كتاب أبي عبيد بتقدير وافر لدى علماء الغريب. يقول ابن قتيبة (5) : "وقد كان تَعَرُّف هذا وأشباهِه عسيراً فيما مضى على طلبة العلم، لحاجته إلى أن يُسأل عنه أهل اللغة. ومن يكمل فَهْمُه منهم ليفسر غريب الحديث وَفْتقَ معانيه وإظهار غوامضه قليل. فأمَّا في زماننا هذا فقد كُفِي حملةُ الحديث مؤونةَ التفسير والبحث بما ألَّفه أبو عبيد".

يبدأ أبو عبيد كتابه بسند مطوَّل يذكر فيه حديث "زُوِيت لي الأرض فأُرِيت مشارقَها ومغاربَها " فيتحدث عن معاني مادة"زوى"، وينقل شرحها من

(1) تاريخ بغداد: 12/405، وانظر: الفهرست: ص / 51، وإنباه الرواة: 4/148.

(2)

مقدمة ابن الصَّلاح: ص / 231.

(3)

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان: 4/61، سير أعلام النبلاء: 10/ 490، والبغية: 2/253.

(4)

معرفة علوم الحديث للحاكم: ص / 121.

(5)

غريب الحديث له: 1 / 150، وانظر: تاريخ بغداد: 12 / 405.

ص: 8

كتاب أبي عبيدة مَعْمر بن المثنى الذي تقدَّمه، ويستشهد بالشعر، ويسرد أقوال العلماء من أمثال: أبي زياد الكلاعي وأبي عمرو الشيباني والكسائي.

وقد نهج أبو عبيد منهج البدء بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من غير أن يراعي ترتيباً معيناً في سَرْدها، وقد رواها بالأسانيد، واستغرقت هذه الأحاديث قسماً كبيراً من كتابه، ثم أتبعها بالأحاديث المنسوبة للصحابة، فيبدأ بروايات الخلفاء الأربعة من خلال الجزء الثالث (1) ، ثم يبدأ الجزء الرابع بأحاديث الزبير (2) ، فطلحة رضي الله عنهما حتى تكمل أحاديث العشرة المبشرين بالجنة، ثم يذكر أحاديث ابن عباس، فخالد بن الوليد رضي الله عنهما وغيرهم من الصحابة، ثم أحاديث الصحابيات (3) ، فالتابعين (4) ، ويختم كتابه (5) بأحاديث لا يُعرف أصحابها.

أمَّا كتاب "غريب الحديث" لعبد الله بن مسلم بن قتيبة (6) المتوفى سنة 276هـ، فقد أفاد من صنيع من تقدَّمه. ويرى ابن قتيبة أنَّه وجد جملة من الأحاديث عند أبي عبيد مُفَسَّرة على نحوٍ مجانبٍ للصواب، فخالفه في تفسيرها، وأورد أحاديث لم يذكرها سَلَفُه. وقد ابتدأ بتفسير الألفاظ الدائرة بين الناس في الفقه وأبوابه، ثمَّ شرع في تفسير غريب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ تلاها أحاديث الصحابة فالتابعين، ومن بعدهم،

(1) غريب الحديث: 3 / 208.

(2)

غريب الحديث: 4 / 1.

(3)

غريب الحديث: 4 / 309.

(4)

غريب الحديث: 4 / 342.

(5)

غريب الحديث: 4 / 488.

(6)

انظر في ترجمته: تاريخ بغداد: 10 / 170، إنباه الرواة: 2 / 143، وفيات الأعيان: 3 / 42.

ص: 9

وبعض الخلفاء، ثمَّ أفرد باباً لتفسير غريب أحاديث النساء، ثم ختم الكتاب بذكر أحاديث غير منسوبة، سمع أهلَ اللغة يذكرونها.

ولم يحدد ابن قتيبة ضابطَ الغريب عنده، بيدَ أنَّه كان يُورد أحاديث فيها مشكل، وكان يحضُّ على معرفة معناها حتى لا يقع في الصدر عارضُ الشك فيها.

وقد وصلَتْنا المجلدةُ الخامسة من غريب الحديث للإمام أبي إسحاق إبراهيم ابن إسحاق الحربي (1) المتوفى سنة 285هـ. وقد حاول (2) أن يجمع في كتابه بين طريقة المحدِّثين- وهي جمع الأحاديث على المسانيد، أي: الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق صحابي ـ وطريقة اللغويين، وهي نظام التقاليب والمخارج من الحلق، فأول الحرف حروف الحلق، ثمَّ الأقرب فالأقرب، ثمَّ تُقَلَّب الكلمة التقاليب الستة، ويبيَّن المهمل والمستعمل من تقاليبها. وقد أطال الحربي كتابه بالأسانيد وسَوْق المتون بتمامها، ولو لم يكن في المتن من الغريب إلا لفظة واحدة (3) .

ثمَّ يأتي كتاب السَّرَقُسْطي (4) القاسم بن ثابت المتوفى سنة 302هـ"الدلائل في غريب الحديث"وقد بدأ بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة، مقدِّماً الخلفاء، فالعشرة، فالتابعين. وقد أفادَ السَّرَقُسْطي من جهود سابقيه، وأوردَ أقوالهم في تفسير ما يُورده من الغريب، وكان من منهجه

(1) انظر في ترجمته: تاريخ بغداد: 6/ 27، وإنباه الرواة: 1/ 155، وسير أعلام النبلاء: 13/ 356.

(2)

انظر: مقدمة تحقيق الكتاب: 1/ 95.

(3)

انظر: الرسالة المستطرفة: ص / 154.

(4)

انظر في ترجمته: طبقات النحويين للزبيدي: ص /284، والبغية: 2/ 252.

ص: 10

الاستطراد والابتعاد عن أصل المعنى الذي شرع فيه. أمَّا كتاب"غريب الحديث"للإمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي (1) المتوفى سنة 388هـ، فقد كان يورد الحديث، ثمَّ يتبعه بسنده، ثمَّ يفسر غريبه، ويؤيد تفسيره بحديث آخر أو بآية كريمة أو بشعر عربي فصيح، وحاول أن يستدرك على الكتب التي تقدَّمته. وقد بدأ بتفسير أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فالصحابة فالتابعين، وألْحَقَ بها مقطعات من الحديث لم يجد لها في الرواية سنداً، وختم الكتاب بإصلاح ألفاظ من مشاهير الحديث يرويها عوامُّ النقلة. يقول في مقدمته (2) :"ثم إنَّه لمَّا كَثُر نظري في الحديث، وطالت مجالستي أهلَه، وجدت ألفاظاً غريبة، لا أصل لها في كتابَيْ أبي عبيد وابن قتيبة، ولم أزَلْ أتَتَبَّعُ مظانَّها وألتقطُ آحادها، وأضمُّ نشرها، حتى اجتمع منها ما أحبَّ اللهُ أن يوفق له، ونحوتُ نَحْوَهما في الوضع والترتيب".

ثمَّ يأتي كتابُ"الغريبين"لأبي عبيد أحمد بن محمد العبدي الهَرَوِيّ (3) المتوفى سنة 401هـ، وهو أحد مصدرَيْن أفادَ منهما ابنُ الأثير في"النهاية". وقد بدأ بتفسير غريب القرآن، ثمَّ ثنَّى بغريب الحديث وآثار الصحابة والتابعين، وكان ينقل كثيراً عن أئمة الحديث واللغة قبله، وعُني بالأسانيد، وكان يأخذ من الحديث اللفظة الغريبة فيفسرها. فإن اشتمل الحديث على أكثر من كلمة غريبة فرَّق الألفاظ على المواد، ثمَّ مضى يفسِّر كل غريب في مكانه. وقد رتَّبَه

(1) انظر في ترجمته: وفيات الأعيان: 2/ 214، سير أعلام النبلاء: 17 / 23، وبغية الوعاة: 1/ 546.

(2)

غريب الحديث: 1/ 46.

(3)

انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء: 17 / 146، طبقات الشافعية للسبكي: 4 / 84، البغية: 1/ 371.

ص: 11

وَفْقَ حروف المعجم، وهو أول كتاب وصَلنا ينحو فيه مؤلفُه هذا المَنْحى. وقد سَبَقَه إلى ذلك شَمِر بن حمدويه المتوفى سنة 255هـ، في كتابه"الجيم"الذي قال فيه ياقوت (1) :"رتَّبَه على حروف المعجم، ابتدأ فيه بحرف الجيم، لم يسبقه إلى مثله أحدٌ تقدَّمه، وأودعَه تفسير القرآن وغريب الحديث".

يقول الهَرَوِيّ (2) في مقدمته: "ونعمل لكل حرف باباً، ونفتح كل باب بالحرف الذي يكون أوله الهمزة ثمَّ الباء ثمَّ التاء إلى آخر الحروف"، ويقول (3) :"وكنت أرجو أن يكون سَبَقَني إلى جَمْعها، وضمِّ كلِّ شيءٍ إلى لِفْقِهِ (4) منها، على ترتيب حسن واختصار كاف، سابقٌ، فكفاني مؤونة الدَّأَب وصعوبة الطلب، فلم أجد أحداً عمل ذلك إلى غايتنا هذه".

أمَّا كتابُ الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني (5) المتوفى سنة 581هـ، فهو"المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث"، وكان ثانيَ مصدَرَيْن من مصادر ابن الأثير في"النهاية"بعد كتاب"الغريبين"المتقدم. قال ابن الأثير في مقدمته (6) :"كان أبو موسى إماماً في عصره، حافظاً متقناً تُشَدُّ إليه الرِّحالُ، وتُناط به من الطلبةِ الآمالُ، ولمَّا وقفتُ على كتابه وجدتُه في غاية الحسن والكمال".

(1) معجم الأدباء: 3 / 1420.

(2)

مقدمة الغريبين: 1/ 6.

(3)

مقدمة الغريبين: 1 / 6.

(4)

الِّلفْق: شقة من شِقتي المُلاءة.

(5)

انظر في ترجمته: تذكرة الحفاظ: 4 / 1334، طبقات الشافعية للسبكي: 6/ 160.

(6)

النهاية: 1/ 9.

ص: 12

وقد استحسن أبو موسى كتابَ الهرويِّ المتقدم، بيدَ أنَّه (1) وجد كلماتٍ كثيرة شذَّت عن كتابه"إذ لايُحاط بجميع ما تُكُلِّم به من غريب الكَلِم، فلم أزلْ أتتبَّع ما فاته، وأكتب ما غفل عنه". وذكر في مقدمته أنَّ شرطه في كتابه: الاختصار، إلا إذا اختلَّّ الكلام دونه، وتَرْكُ الاستشهاد بالشواهد الكثيرة إلا إذا لم يُسْتَغْن عنها. واختار أبو موسى منهج الترتيب الهجائي وَفْقَ الحرف الأول، وهو المنهج الذي استقرت عليه المصنفات التالية للهروي.

ويُعَدُّ كتابُ"الفائق في غريب الحديث"لـ جار الله محمود بن عمر الزمخشري (2) المتوفى سنة 538هـ، من المصنفات المهمة في منهج الترتيب الهجائي وَفْق الحرف الأول، غير أنَّه كان يُورد نص الحديث كاملاً، ولا يوزِّعه وَفْقَ حروف كلمات ألفاظه، ومن هنا كان البحث عن الغريب المنشود يَعْتَوره بعضُ العُسْر. وقد لحظ ابنُ الأثير (3) في مقدمة نهايته ذلك فقال:"ولكنْ في العثور على طلب الحديث منه كُلْفَةٌ ومشقة....... فيجيء شرحُ كل كلمة غريبةٍ يشتمل عليها ذلك الحديث في حرفٍ واحدٍ من حروف المعجم، فترِدُ الكلمةُ في غيرِ حرفها، وإذا تطلَّبها الإنسانُ تَعِبَ حتى يجدَها".

وتتوالى بعد ذلك المصنفاتُ مختارةً منهج الترتيب الهجائي وَفْقَ الحرف الأول. ويُعَدُّ كتابُ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجَوْزي (4) المتوفى سنة

(1) المجموع المغيث: 1 / 3.

(2)

انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء: 20 / 151، البغية: 2 / 279.

(3)

النهاية: 1/ 9.

(4)

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان: 3 / 140، سير أعلام النبلاء: 21 / 365.

ص: 13

597هـ من أهم المصنفات في القرن السادس، وكان يأمل -كما ذكر في مقدمته- (1) أن يُغني كتابه عن جميع ما صُنِّف في ذلك. وقد اعتمد اعتماداً كبيراً على كتاب الهروي.

وآخرُ مصنف من المصنفات المهمة هو: "مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار"للشيخ محمد طاهر الصديقي الفَتَّني (2) المتوفى سنة 986هـ، وقد سارَ فيه على منهج الترتيب الهجائي وَفْقَ الحرف الأول، وهو المنهج الذي استقرت عليه المؤلفات في هذا الفن، وقد أفادَ من التراث الضخم الذي تركه السلف في غريب الحديث والأثر، ويُقِرُّ في مقدمته (3) بأنَّ كتاب"النهاية"كان أصلاً له"ولم أغادر منه إلا ما نَدَرَ أو شاعَ بينهم وانتشر، وأضم إلى ذلك ما في ناظر عين الغريبين من الفوائد، وما عثرت عليها من غير تلك الكتب من الزوائد". وقد وضع الفَتَّني رموزاً لبيان ما اقتبسه من كل مصدر من المصادر التي أشار إليها في مقدمته، وجاء كتابه في خمسة مجلدات كبيرة.

ومن مناهج التأليف في علم غريب الحديث كتب الاستدراك على المتقدمين وإصلاح الغلط الذي جرى على مصنفاتهم. ومن هذه المصنفات كتاب لُغْذة الأصبهاني (4) الحسن بن عبد الله المتوفى سنة 280هـ في"الرد على أبي عُبَيْد في غريب الحديث"، وكتاب"التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها

(1) غريب الحديث: 1/ 4.

(2)

انظر في ترجمته: الأعلام: 6 / 172.

(3)

مجمع بحار الأنوار: 1 / 24.

(4)

انظر: معجم الأدباء: 2 / 873، البغية: 1 / 509.

ص: 14

وضبطها تصحيف وخطأ في كتاب الغريبين (1) " لأبي الفضل محمد بن ناصر (2) المتوفى سنة 550هـ.

وكتب المختصرات والتهذيب وإعادة الترتيب ضرب من ضروب التأليف في علم غريب الحديث. ومن هذه المؤلفات"تقريب المرام في غريب القاسم بن سلام"للمحبِّ الطبري (3) المتوفى سنة 694هـ، و"تهذيب غريب الحديث"ليحيى ابن علي التبريزي (4) المتوفى سنة 502هـ، و"مختصر الغريبين"لمجد الدين أبي المكارم علي بن محمد (5) المتوفى سنة 561هـ.

ومن مناهج التأليف شرح غريب حديث معيَّن، أو غريب كتاب معيَّن من كتب الحديث. ومن ذلك كتاب"شرح حديث أم زَرْع"لإسماعيل بن أبي أويس (6) المتوفى سنة 226هـ، ولأحمد بن عبيد أبي جعفر النحوي (7) المتوفى سنة 278هـ.

وقد خصَّص الحافظ ابن حجر الفصل الخامس من مقدمة"فتح الباري"للألفاظ الغريبة في صحيح البخاري، ورتَّبها على حروف المعجم (8) ، كما خصَّص ابنُ الصَّلاح النوع الثاني والثلاثين من"مقدمة في علوم

(1) انظر: هدية العارفين: 2 / 93، ومعاجم غريب الحديث والأثر: ص / 75.

(2)

انظر في ترجمته: تذكرة الحفاظ: 4 / 1289، والبداية والنهاية: 16 / 374.

(3)

انظر: معاجم غريب الحديث والأثر: ص / 78.

(4)

انظر: معاجم غريب الحديث والأثر: ص/ 77.

(5)

انظر: البغية: 2 / 201، وكشف الظنون: 2 / 1209.

(6)

فتح الباري: 9 / 164، وانظر: سير أعلام النبلاء: 10 / 395.

(7)

فتح الباري: 9 / 164، وانظر: بغية الوعاة: 1 / 333.

(8)

مقدمة فتح الباري: ص/ 77.

ص: 15

الحديث" للغريب (1) ، وقال في تعريفه: "هو عبارة عمَّا وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم لقلة استعمالها"

ومن المناهج التي نلقاها في شرح الغريب تفسير الأحاديث الطويلة المأثورة ويمثلها كتاب"منال الطالب في شرح طوال الغرائب"لابن الأثير.

(1) مقدمة ابن الصَّلاح: ص / 245، وانظر: تدريب الراوي: 2/ 184.

ص: 16