المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: "مآخذ على ابن الأثير - منهج ابن الأثير الجزري في مصنفه النهاية في غريب الحديث والأثر

[أحمد الخراط]

الفصل: ‌المبحث الخامس: "مآخذ على ابن الأثير

‌المبحث الخامس: "مآخذ على ابن الأثير

"

1 ـ كان منهج صاحب"النهاية"في ترتيبه الهجائي الذي اختاره: أن يُورد كثيراً من ألفاظ الغريب وَفْقَ لفظِها المنطوقِ به، وليس وَفْقَ منهج أصحاب المعاجم: في تجريد الكلمة من الأحرف الزائدة، وإيرادها وَفْقَ جذرها الثلاثي، أو الرباعي. وحجته في ذلك كما يقول (1) :"وإنما أَوْرَدْنَاها هاهنا حملاً على ظاهر لفظها". ويقول (2) : "إلا أني وجدت في الحديث كلماتٍ كثيرة، في أوائلها حروف زائدة، قد بُنِيت الكلمة عليها حتى صارت من نفسها، وكان يلتبس موضعها الأصلي على طالبها، لاسيما وأكثر طلبة غريب الحديث لا يكادون يُفَرِّقون بين الأصلي والزائد، فرأيت أن أُثبتها في باب الحرف الذي هو في أولها وإن لم يكن أصلياً، ونَبَّهْتُ عند ذكرِه، لئلا يراها أحدٌ في غير بابها، فيظن أني وضَعْتُها فيه للجهل بها".

وفي هذا المنهج نظر لا يخفى على أرباب الفن، لأنَّ الأصل في الترتيب الهجائي، لدى مصنف المعجم أن يكون مراعياً لجَذْرِ الكلمة، وتجريدِها من حروف الزيادة، فلا تَرِدُ اللفظةُ إلا في موضعها الصحيح، بغضِّ النظر عن لفظها، وينبغي أن يكون لذلك اطِّرادٌ وعنايةٌ دقيقة، وذلك للوصول إلى طريقة واحدة، يتمُّ من خلالِها معالجة جميع المفردات اللغوية، الواردة في المعجم.

(1) النهاية: 1 / 14.

(2)

النهاية: 1/ 11.

ص: 70

نعم، قد يجوز له أن يذكر الكلمة حسب لفظها، مراعاةً -كما يرى - لمن ليس له معرفةٌ بالتمييز بين الحروف الزائدة والأصلية للكلمة المنشودة، ولكنه لا يتحدَّث عنها بشيءٍ، وإنما يأخذ بنظام الإحالة على موضعها الصحيح اللازم وَفْقَ قواعد الصرف في المجرد والمزيد والحذف. أمَّا ابن الأثير فقد اختار بعض كلماتٍ، وذكرها وَفْقَ لفظها، لا وَفْقَ جذرها، ولم يُعِدْ ذِكْرَها في موضعها الصحيح، ولو أراد التيسير على طلبة الغريب، لعَمَدَ إلى منهج مُطَّرد؛ لأنَّ المُراجِع على طريقة ابن الأثير لا يدري: هل المؤلفُ يراعي اللفظ أو الجذر فيما ينشده من غريب؟ وقد يلزمه أن يعود إلى مادتين، وفي ذلك هدرٌ للوقت، وضربٌ من الاضطراب، وقد لا يكون قد قرأ مقدمته، فيظنُّ أنَّه قد أغفل هذا الغريب المنشود، لأنَّه لم يجده وَفْقَ ما يفترضه. ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:

أورد في مادة (أبرد)(1) في باب الهمزة، حديث:"إنَّ البطيخ يقلَعُ الإبْرِدَة"، وشرحها، ثم قال:"وهمزتها زائدة، وإنما أوردناها هاهنا حملاً على ظاهر لفظها". وفي مادة (برد) لم يُورد هذا الحديث، ولم يُشر إلى شيءٍ منه.

وأورد في مادة (أجدل)(2) في باب الهمزة حديث: "يهوي هُوِيَّ الأجادل"، وشرحها ثم قال:"والهمزة فيه زائدة". وفي مادة (جدل) لم يُورد الحديث.

(1) النهاية: 1 / 14.

(2)

النهاية: 1 / 25.

ص: 71

وأورد في مادة (إذْخر)(1) في باب الهمزة حديث: "إلا الإِذْخِر"، ثم قال:"وهمزتها زائدة، وإنما ذكرناها هاهنا حملاً على ظاهر لفظها". وفي مادة (ذخر) لم يورد الحديث.

بيدَ أنَّه ذكر لفظة"مأدبة"في مادة (أدب)(2) ، وفي مادة"مأدبة"من باب الميم لم يذكرها. وفرَّق بين"مزهر"و"مأدبة"، إذ يُورد"مزهر"في الميم (3) ، مع أنَّ الميم زائدة، ويُوْرِدُ"مأدبة"في الهمزة، مع أنَّ الميم زائدة أيضاً.

وذكر لفظة"تهمة"في مادة (تهم)(4) مراعاةً للفظها مع أنَّ التاء بدل من الواو، ولم يراع أصلها، وذكر لفظة"تَخِدُ"في مادة (وخد) (5) مراعاةً لأصلها. ومن هنا نقول: إنَّه وقع اختياره على بعض الكلمات، فَذَكرها وَفْقَ التلفُّظ بها، وأغفل كثيراً غيرَها، فأوردها في مكانها وَفْقَ جذرها.

وهذا التردد يجعل المُراجِع في حيرة من أمره؛ لأنَّه لم يجد ابن الأثير صاحب منهج مطَّرد. وقد لحظ ابن منظور في"اللسان"(6) هذا الاضطراب في منهج ابن الأثير فقال: "غير أنه لم يضع الكلمات في محلِّها، ولا راعى زائد حروفها من أصلها".

(1) النهاية: 1 / 33.

(2)

النهاية: 1 / 30.

(3)

النهاية: 4 / 325.

(4)

النهاية: 1 / 201.

(5)

النهاية: 5 / 163.

(6)

اللسان: 1 / 8.

ص: 72

2 ـ وأمَّا المأخذ الثاني: فقد كان من منهجه إيرادُ اسم راوي الحديث من الصحابة أو التابعين في أول ذكره للحديث كأن يقول: "وفي حديث عمر"،"وفي حديث طلحة"، أو يقول:"في حديث الحسن" أو"النخعي" أو"مسروق"، وقد يذكر طرفاً من مناسبة الحديث، كأن يقول:"وفي حديث التراويح"(1) . أو يقول (2) : "ومنه حديث صاحب النِّسْعة"، أو يقول (3) :"في حديث أهلِ البيت"، أو يقول (4) :"في حديث الخَرْص". ولكنه قد يضرب صفحاً عن هذه الأعلام أو هذه المناسبات، فيذكر الحديث مباشرة دون تَقْدِمة، كأن يقول:"ومنه الحديث"، أو يقول:"وفيه"، أي: وفي هذه المادة، وهو في هذا كله يسير وَفْقَ ما نصَّ عليه في مقدمته (5) ، في إضافة الحديث إلى مسمّى، أو كونه لا يضيفه إلى أحد. وكنا نُفَضِّل لو أنَّ الإمام ابن الأثير ذكر المصنِّف الذي خرَّج الحديث في مصنَّفه كأصحاب الكتب الستة، فيقول مثلاً: وفي حديث البخاري عن ابن عمر. أو أصحاب كتب السُّنة كعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والطبراني، والدارقطني، فيقول

(1) النهاية: 4 / 296.

(2)

النهاية: 4 / 296.

(3)

النهاية: 5 / 159.

(4)

النهاية: 5 / 167.

(5)

النهاية: 1 / 12.

ص: 73

مثلاً: وفي حديث الطبراني عن طلحة.

صحيح أنه من خلال مناقشاته لأصحاب المصنفات قد يذكر أسماء مصنفاتهم واختلاف رواياتهم، ويجيء بأقوالهم منسوبةً إليهم، ولكنه كثيراً ما يضرب عن هذا الذكر صفحاً، وفي هذا الإغفال لاسم مُخَرِّج الحديث بعض العنت على المراجِع الذي يودُّ الاطلاع على رواية نصِّ الحديث كاملاً في مظانه، ولاسيما أنَّ منهج ابن الأثير أنَّه يكتفي بذكر قطعة من الحديث، وهي التي تحوي لفظة الغريب الذي يشرحه.

ويتأكد ذلك إذا علمنا أنَّ نصَّ الحديث الذي يُورِده قد يكون فيه ضمير يعود على لفظ متقدِّم من الحديث لم يُورِده ابنُ الأثير. من مثل:

-لأكوننَّ فيها مثل الجَمَل الرَّداح. (1)

- كأنَّه الرِّئْبال الهَصُور (2) .

إنَّ ذِكْرَ مُخَرِّج الحديث يُيَسِّر على المراجِع الوصول إلى نصه في الكتاب الأصل. صحيح أنَّ إضافة اسم الصحابي أو التابعي أحياناً فيها طَرَفٌ من الإضاءة والعون، ولكن فائدة ذلك محدودة، لا تساعد كثيراً في الوصول إلى نصِّ الحديث كاملاً، في المصنفات الكبيرة، وكنَّا نأمل أن يكون ابن الأثير قد وحَّد طريقته في جميع الأحاديث التي يُوردها، فيذكر اسم راوي الحديث؛ من الصحابة أو التابعين مع ذِكْرِه لمخرِّجه، ولا يميّز بين بعض الأحاديث وبعضها

(1) النهاية: 5 / 257.

(2)

النهاية: 5 / 264.

ص: 74

الآخر، فيذكر أحياناً، ويغفل أحياناً، بحجة أنه أبرأ الذمَّة في المقدمة وأشار إلى طريقته.

3 ـ وأمَّا المأخذ الثالث: فقد اجتهد ابنُ الأثير في حصر رواياتِ غريب الحديث الواحد، وشرح ألفاظها، في ضوء اختلافات الروايات، وقد يَسَّر على المُراجِع بذكر الروايات وَفْقَ الترتيب الهجائي. فكان يذكر الحديث الواحد أكثر من مرة، حسب اختلاف المحدِّثين في نصه، وقد تتبَّعتُ هذه الإحالات فوجدتهُ قد وَفَّى بها، فكان يُعيد ذكر الحديث. ويبدو أنَّه اتَّبع نظام البطاقات، الذي نسير عليه اليوم في بحوثنا، وذلك لضمان حَصْرِ هذا القدر الضخم من الأحاديث، التي تَصَدَّى لغريبها من ناحية، وللروايات المتعددة لكثير منها.

ولم تختلَّ هذه الإحالات فتغدو تائهة، إلا في خمسة مواضع، فلم يوفِّ ما وَعَدَ به من ذِكْرِه في مكانها الآخر، وَفْقَ الرواية الثانية. وهذه المواضع هي:

1 ـ في مادة"جلب"(1) يذكر الحديث: "قدم أعرابي بجلوبة"فشرح اللفظ ثم قال: "هكذا جاء في كتاب أبي موسى، في حرف الجيم، والذي قرأناه في سنن أبي داود"بحلوبة"وهي الناقة التي تُحْلَبُ، وسيجيء ذكرها في الحاء". وفي مادة"حَلَبَ"لم يذكر هذا الحديث، ولعله اكتفى بحديث يشبهه وهو:(2)"لا حلوبة في البيت".

2 ـ يقول (3) : ومنه حديث ابن الزبير: "يريد أن يحزبهم"، والرواية بالجيم والراء، وقد تقدَّم". ولم يتقدم شيء في (جرب) .

(1) النهاية: 1 / 282.

(2)

النهاية: 1 / 422.

(3)

النهاية: 1 / 377.

ص: 75

3 ـ يقول في حديث (1) : "من كان معه أسير فليُذْئِفْ". ويروى بالدال المهملة وقد تقدَّم". ولم يتقدَّم شيء في (دأف) .

4 ـ يقول في حديث (2) : "فدعا بإناء يُرْبِضُ الرَّهْط"ويروى بالياء، وسيجيء". ولم يجئ شيء في (ريض) .

5 ـ يورد حديث (3) : "وعليها ثيابٌ مَراجِلُ"في (مَرْجل) . ويقول: "ويروى بالجيم والحاء، والروايتان معاً من باب الراء، والميم فيهما زائدة، وقد تقدَّم"ولم يتقدم في باب (رحل) .

4 ـ وأمَّا المأخذ الرابع فهو تابعٌ لما ذكره في مقدمته، ويظهر منه دقة التوثيق والأمانة العلمية وعَزْو المادة إلى أصولها. يقول في مقدمته (4) :"وجعلتُ على ما فيه من كتاب الهروي (هاء) بالحمرة، وعلى ما فيه من كتاب أبي موسى سيناً، وما أضفته من غيرهما مهملاً، بغير علامة؛ ليتميَّز ما فيهما عمَّا ليس فيهما". ويعني بذلك أنَّ ما اقتبسه من كلٍ من الكتابين بَيِّنٌ معلوم، وهذا في علم مناهج البحث في عصرنا أمرٌ ذو بال، يحرص عليه أهل العلم والتصنيف، ويضاف إلى محاسن الكتاب.

بيد أنَّ الموازنة بين ماهو مسجَّل على النسخة المطبوعة من"النهاية" والنسخة المطبوعة لكلٍ من كتابي: الهروي وأبي موسى، تُظْهِرُ أنَّ ما ذكره ابن

(1) النهاية: 2 / 151.

(2)

النهاية: 2 / 184.

(3)

النهاية: 4 / 315.

(4)

النهاية: 1 / 11.

ص: 76

الأثير غير دقيق؛ لأنَّ كثيراً من النصوص التي ليس لها علامة، ويُفْترض أنَّها ليست فيهما، هي مودعةٌ في أحد الكتابين، كما أنَّ كثيراً من النصوص المسبوقة بعلامة لأحدهما ليست فيه، وإنما هي لغيره أو لصاحبه.

نودُّ أن نقرر بادئ ذي بدء: أنَّ هذه العلامات لا تعني رمزاً لاقتباس المادة العلمية التابعة للتأصيل اللغوي، أو شرح مقاصد الحديث، وإنما تعني اقتباس نصّ الحديث الغريب فقط، وعزوه لأحد الكتابين:"الغريبين"، أو"المجموع المغيث"؛ وذلك لأننا لدى الموازنة بين المادة العلمية الواردة في"النهاية"وهذين الكتابين، نجد أنَّ عملية الاقتباس لا تنضبط، فكثير من هذه المادة العلمية الواردة في"النهاية"مسبوقة بـ (هـ) و (س) ليست في كتابَيْ الهروي وأبي موسى، وكثير من المادة الواردة في"النهاية"مسبوقة بـ (هـ) وحدها ليست في كتاب الهروي، أو مسبوقة بـ (س) وحدها ليست في كتاب أبي موسى. وكذلك قد تَرِد مادةٌ علمية في"النهاية"غير مسبوقة بعلامة (هـ) أو (س) ، وهي واردة فعلاً في أحد الكتابين، وهذا الأمر فاش في"النهاية"لا يحتاج إلى تمثيل، وإنَّما يظهر بأدنى تأمل.

وممَّا يؤكد أنَّ علامتي (هـ) ، (س) - في ذهن ابن الأثير لا تعني اقتباس مادة علمية، وإنما تعني اقتباس نصّ حديث غريب- قوله في مقدمته (1) وهو يصف الكتابين"فاتهما الكثير الوافر، فحيث عرفتُ ذلك، تنبَّهتُ لاعتبار غير

(1) النهاية: 1 / 10.

ص: 77

هذين الكتابين من كتب الحديث المدوَّنة المصنَّفة، في أول الزمان وأوسطه وآخره، فتتبَّعْتُها واستقريت ما حضرني منها، وأضفتُ ما عثرتُ عليه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها".

لقد لحظ ابن الأثير إذاً: أنَّ ثمة مادةً من غريب الحديث قد فاتت هذين الكتابين فاضطر للبحث عنها في غيرهذين الكتابين، يقول (1) :"فتتبعتُها وأضفت ماعثرت عليه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها"فهو إذاً يأخذ من كتابَيْ الهروي وأبي موسى أحاديث غريبة ويميزها بين الحرفين (هـ) ، (س) ، والذي ترجَّح لي أنَّه لا يعني المادة العلمية، وإنَّما يعني نصوص غريب الحديث.

مثال ذلك: ورد في"النهاية"في مادة"أبل"(2) بعد الحرف (س) : "وقيل: هو من الوبال، فإن كان من الأول فقد قُلبت همزته في الرواية الثانية واواً، وإن كان من الثاني فقد قُلبت واوه في الرواية الأولى همزة". وهذا كله ليس في كتاب أبي موسى (3) .

وأورد ابن الأثير في المادة نفسها (4) : " (س) يعني أنَّ المَرْضِيَّ المنتخب من الناس في عزَّة وجوده، كالنجيب من الإبل القوي على الأحمال والأسفار الذي لا يوجد في كثير من الإبل. قال الزهري:...........". وهذا كله ليس في كتاب أبي موسى (5)، وإنَّما في كتاب أبي موسى نصّ الحديثين: "لا

(1) النهاية: 1 / 10.

(2)

النهاية: 1 / 15.

(3)

انظر: المجموع المغيث لأبي موسى: 1 / 19.

(4)

النهاية: 1/ 15.

(5)

انظر: المجموع المغيث: 1 / 19.

ص: 78

تبع الثمرة"، و"الناس كإبل مئة".

بناءً على هذا أرجِّح أن تكون علامتا (س، هـ) الواردتان في"النهاية"رمزين لاقتباسه نصَّ حديث غريب من كتابَيْ الهروي وأبي موسى، ولا تدلان على اقتباس مادة علمية في شرح الحديث الغريب.

وننتقل إلى الجانب الثاني من الاقتباس: هل كان ابن الأثير يلتزم بدقةٍ هذين الرمزين؟ تبيَّن لنا أنَّ الالتزام ليس بدقيق. من ذلك قول ابن الأثير (1) في مادة (أبن) : "س، وفي حديث المبعث: هذا إبَّان نجومه". وهذا الحديث لم يرد عند أبي موسى. وقول ابن الأثير (2) في مادة (أبه) : "س، ومنه حديث عائشة في التعوذ من عذاب القبر: "أشيءٌ أَوْهَمْتُه لم آبَهْ له". وهذا الحديث لم يَرِدْ عند أبي موسى.

وهذه أمثلة من الموازنة بين النهاية والغريبين:

في"النهاية"(3) : "هـ: ومنه حديث تبوك: "والعين تَبِضُّ بشيء من ماء". ولم يرد هذا الحديث في"الغريبين".

وفي"الغريبين"(4) : "أنَّه كان يُبْعِد في المذهب إلى الخلاء". وورد في"النهاية"(5) من غير إشارة إلى كتاب الهروي.

(1) النهاية: 1 / 17.

(2)

النهاية: 1 / 18.

(3)

النهاية: 1 / 132.

(4)

الغريبين: 1 / 185.

(5)

النهاية: 1 / 139.

ص: 79

وورد في"الغريبين"(1) : "العجوةُ شفاءٌ من السّم ونزل بَعْلُها من الجنة" وورد كذلك في"النهاية"(2) من غير أن يتقدمه الحرف (هـ) .

وثمة احتمال قوي عندي بأنَّ أصل النسخة الخطية التي كتبها ابن الأثير أو كتب توثيقه عليها، حدَّدَت بدقة ما اقتبسه من أحاديث غريبة من كتابَيْ أبي موسى والهروي، بيد أنَّ هاتين العلامتين (هـ، س) أصابهما الاختلاط لدى النسَّاخ الذين كانوا لا يميزون بين العلامتين، أو لا يتقيدون بإثباتهما، فلم يَعُدْ لهما مع تعدُّد النسخ قيمة موضوعية في التحديد الدقيق لمصدر الأحاديث، فما هو لأبي موسى قد يُسْبَق بـ:(هـ)، وما هو للهروي قد يُسْبَق بـ:(س) ، وما هو من غيرهما قد يُسْبَق بإحدى هاتين العلامتين

وبناءً على ما سبق فإنَّ ثمة مأخذاً على ابن الأثير يَرِدُ على ظاهر ما هو مُسَجَّلٌ في النسخة المطبوعة من كتابه، فلم يكن دقيقاً في تحديد ما اقتبسه من كتابي الهروي وأبي موسى من أحاديث غريبة. والراجح لديَّ أنَّ ذلك ليس مَأْخذاً عليه، وإنما كان ملتزماً بالتعيين الدقيق على أصل نسخةٍ لديه، ثم تعاوره النُّساخ بالتبديل والعبث، فلم يعد لهذه العلامات قيمة موضوعية، وضاع التحديد الدقيق الذي يريده من العَزْوِ. والله أعلم.

(1) الغريبين: 1 / 188.

(2)

النهاية: 1 / 142.

ص: 80