المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني مكانة الصحابة رضي الله عنهم في فهم التشريع الإسلامي - موقف الصحابة من أحداث العنف في عهد الخلفاء الراشدين

[حصة بنت عبد الكريم]

الفصل: ‌المبحث الثاني مكانة الصحابة رضي الله عنهم في فهم التشريع الإسلامي

‌المبحث الثاني مكانة الصحابة رضي الله عنهم في فهم التشريع الإسلامي

للصحابة رضي الله عنهم مكانة وفضل عظيمان، حيث دلت النصوص المتواترة من الكتاب والسنة على المنزلة العظيمة للصحابة رضوان الله عليهم، وعلى وجوب حبهم وتعظيمهم وتوقيرهم والاحتجاج بإجماعهم والاستنان بآثارهم (1) . ومما يؤكد فضل الصحابة ومكانتهم العظيمة أن الله سبحانه وتعالى أثنى عليهم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم مشيرًا فيها إلى أفضليتهم منوهًا بفضلهم ومن ذلك (2) :

قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (3) .

فلقد أثنى الله - تعالى - في هذه الآية الكريمة على المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله بأن وعدهم بالمغفرة والرزق الكريم.

(1) انظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، 1 / 125.

(2)

انظر:الجامع لأحكام القرآن، 8 / 58.

(3)

سورة الأنفال، الآية (74) .

ص: 9

وقال تعالى في مدح الصحابة من المهاجرين والأنصار: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) .

ففي الآية الكريمة دلالة على فضل المهاجرين والأنصار ووعد الله لهم بجنات تجري من تحتها الأنهار (2) .

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (3) .

ففي هذه الآية أخبر الله - تعالى - بأن المؤمنين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوا نبيهم صلى الله عليه وسلم بإخلاص تحت الشجرة في غزوة الحديبية وهي المسماة ببيعة الرضوان، قد رضي عنهم وأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا وهو فتح خيبر ليأخذوا منها ومما فتحه الله عليهم من سائر البلاد والأقاليم مغانم كثيرة (4) .

(1) سورة التوبة، الآية (100) .

(2)

انظر: تفسير القرطبي، 8 / 235.

(3)

سورة الفتح، الآيتان:(18 - 19) .

(4)

انظر: تفسير ابن كثير 4 / 190 - 191.

ص: 10

وتؤكد السنة النبوية على هذا الفضل لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك:

ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» (1) ". (2)

كما يتبين لنا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في نص هذا الحديث فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نهى عن سبهم ، ووصفهم بالصحبة، وأضافها إلى نفسه، تنويهًا بفضلهم، وبيانًا لشرف منزلتهم، ثم بين أيضًا أنهم يفضلون غيرهم لكونهم ينفقون أموالهم في سبيل الله، لأن نفقاتهم كانت في وقت الضرورة وضيق الحال ونصرة للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم. من هنا كان إنفاق مُد طعامهم أو نصفه من أحدهم أفضل عند الله من إنفاق مثل جبل أُحد ذهبًا من غيرهم. (3)

وقد أثنى على الصحابة رضوان الله عليهم علماء الأمة مقدرين فضلهم وأسبقيتهم في الدفاع عن دعوة الإسلام في بداياتها الأولى، وشاهدين بعدالتهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحملهم الأذى في سبيل الله ومن ذلك:

(1) النصيف يأتي بمعنى النصف ويأتي بمعنى الخمار، انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 5 / 65.

(2)

صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، 4 / 1967 رقمه (2540) .

(3)

انظر: فتح الباري 7 / 34، شرح النووي على صحيح مسلم، 16 / 93.

ص: 11

قال الإمام أحمد رحمه الله:ومن الحجة الواضحة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدًا منهم أو تنقصه أو طعن عليهم أو عرَّض بعيبهم أو عاب أحدًا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص. (1)

وقال ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة رسالته المشهورة: "وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يُذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن به أحسن المذاهب "(2) .

(1) انظر: «السنة» ، ص 78.

(2)

متن الرسالة، ص 11.

ص: 12

وعليه فإنه ينبغي للمسلم أن يرد كل خبر يطعن في هذه العدالة، وأن ينزه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ما يُسيء إليهم، أو يطعن في عدالتهم، فيكفيهم فضل الصحبة التي خصوا بها ونالوا بها من الفضل ما لم يدركه أحد بعدهم.

قال أبو زرعة الرازي شيخ الإمام مسلم:"إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن الكريم حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة "(1) .

وقال ابن الصلاح:"ثم إن الأمة المسلمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانًا بهم، ونظرًا إلى ما تمهّد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم"(2) .

(1) الكفاية في علم الرواية، ص 97، وانظر: الإصابة، 1 / 10.

(2)

معرفة علوم الحديث، ص 428.

ص: 13

ومن هنا يتبين مكانة الصحابة رضوان الله عليهم وفضلهم ووجوب حبهم خاصة وأنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد من إنزالهم المنزلة التي أنزلها لهم الله سبحانه وتعالى والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فلهم أسبقية الخير والفضل وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الفضائل تحتم علينا جميعًا أن نشيد بفضلهم وخيريتهم وأن نبتعد عن الخوض فيما دار بينهم من خلافات في الرأي، أو ما إلى ذلك فيكفيهم فضل الصحبة والأسبقية.

وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم بهذه المكانة سبقا إلى الخير وفضلا ومنزلة ومكانة وصواب نهج وتزكية من الله جل شانه لهم ولعملهم. فإن من الرشد أن نستلهم منهجهم الرشيد في مواجهة الفتن والغلو والتطرف.

وهذا هو الذي دعاني إلى التقديم بهذه المقدمة بين يدي التعريف بمواقف الصحابة رضي الله عنهم في مواجهة الغلو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.

إذ من أهم الواجبات علينا استلهام هذا المنهج والاحتكام إلى تلك التجربة الرشيدة المزكاة والاستنارة بها وخاصة في مثل هذه المواقف الحرجة التي تستدعي التأني والتروي لصعوبة القرار وعظمة النتائج.

ص: 14