المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النصب والخفض، بفتح نونها في كل حال. و"فئين" بالرفع بإعراب - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٥

[ابن جرير الطبري]

الفصل: النصب والخفض، بفتح نونها في كل حال. و"فئين" بالرفع بإعراب

النصب والخفض، بفتح نونها في كل حال. و"فئين" بالرفع بإعراب نونها بالرفع وترك الياء فيها، وفي النصب"فئينا"، وفي الخفض"فئين"، فيكون الإعراب في الخفض والنصب في نونها. وفي كل ذلك مقرة فيها"الياء" على حالها. فإن أضيفت قيل:"هؤلاء فئينك"، (1) بإقرار النون وحذف التنوين، كما قال الذين لغتهم:"هذه سنين"، في جمع"السنة"=:"هذه سنينك"، بإثبات النون وإعرابها وحذف التنوين منها للإضافة. وكذلك العمل في كل منقوص مثل"مئة" و"ثبة" و"قلة" و"عزة": فأما ما كان نقصه من أوله، فإن جمعه بالتاء، مثل"عدة وعدات"، و"صلة وصلات".

* * *

وأما قوله:"والله مع الصابرين" فإنه يعني: والله معين الصابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته، وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصادين عن سبيله، المخالفين منهاج دينه.

* * *

وكذلك يقال لكل معين رجلا على غيره:"هو معه"، بمعنى هو معه بالعون له والنصرة. (2)

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ‌

(250) }

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ولما برزوا لجالوت وجنوده"، ولما برز طالوت وجنوده لجالوت وجنوده.

* * *

(1) في المطبوعة: " فئنك"، وهو خطأ.

(2)

انظر تفسير"فيما سلف 3: 214.

ص: 353

ومعنى قوله:"برزوا" صاروا بالبراز من الأرض، وهو ما ظهر منها واستوى. ولذلك قيل للرجل القاضي حاجته:"تبرز"، لأن الناس قديما في الجاهلية، إنما كانوا يقضون حاجتهم في البراز من الأرض. وذلك كما قيل:(1)"تغوط"، لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في"الغائط" من الأرض، وهو المطمئن منها، فقيل للرجال:"تغوط" أي صار إلى الغائط من الأرض.

* * *

وأما قوله:"ربنا أفرغ علينا صبرا"، فإنه يعني أن طالوت وأصحابه قالوا:"ربنا أفرغ علينا صبرا"، يعني أنزل علينا صبرا.

* * *

وقوله:"وثبت أقدامنا"، يعني: وقو قلوبنا على جهادهم، لتثبت أقدامنا فلا نهزم عنهم="وانصرنا على القوم الكافرين"، الذين كفروا بك فجحدوك إلها وعبدوا غيرك، واتخذوا الأوثان أربابا.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فهزموهم"، (2) فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت.

وفي هذا الكلام متروك، ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر منه عليه. وذلك أن معنى الكلام:"ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت

(1) في المخطوطة والمطبوعة: "لذلك كما قيل"، والسياق يقتضي ما أثبت، وليست"لذلك" من تمام الجملة السالفة.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة: "يعني تعالى ذكره بقوله فهزم طالوت

"، والسياق يقتضي زيادة"فهزموهم" من نص الآية.

ص: 354

أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"، فاستجاب لهم ربهم، فأفرغ عليهم صبره وثبت أقدامهم، ونصرهم على القوم الكافرين="فهزموهم بإذن الله" ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله:"فهزموهم بإذن الله"، على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به.

* * *

ومعنى قوله:"فهزموهم بإذن الله"، فلوهم بقضاء الله وقدره. (1) يقال منه:"هزم القوم الجيش هزيمة وهزيمى". (2)

* * *

"وقتل داود جالوت". وداود هذا هو داود بن إيشى، (3) نبي الله صلى الله عليه وسلم. وكان سبب قتله إياه، كما: -

5740-

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكار بن عبد الله قال، سمعت وهب بن منبه يحدث قال: لما خرج= أو قال: لما برز= طالوت لجالوت، قال جالوت: أبرزوا إلي من يقاتلني، فإن قتلني فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم! فأتي بداود إلى طالوت، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته، (4) وأن يحكمه في ماله. فألبسه طالوت سلاحا، فكره داود أن يقاتله بسلاح، (5) وقال: إن الله لم ينصرني عليه، لم يغن السلاح! فخرج إليه بالمقلاع، وبمخلاة فيها أحجار، ثم برز له. قال له جالوت: أنت تقاتلني! ! قال داود:

(1) انظر معنى الإذن فيما سلف قريبا: 352، تعليق:3. ومراجعة هناك، وأما قوله"فلوهم"، فهو من قولهم: " فللت الجيش فلا"، هزمته وكسرته. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "قتلوهم" من القتل، وهو خطأ لا خير فيه، فإن الهزيمة الانكسار، لا القتل. وهزمه: كسره، لا قتله.

(2)

" هزيمى" بكسر الهاء وتشديد الزاى المكسورة، وميم مفتوحة للألف المقصورة.

(3)

(يسى) في كتاب القوم، (صموئيل الأول: الإصحاح السابع عشر) .

(4)

قاضاه على كذا: صالحه عليه، وهو من القضاء الفصل والحكم، ومثله ما جاء في صلح الحديبية:"هذا ما قاضى عليه محمد".

(5)

قوله" بسلاح" ليست في المطبوعة ولا المخطوطة، وهي لا غنى عنها، زدتها من نص الأثر في الدر المنثور 1: 318- 319.

ص: 355

نعم! قال: ويلك! ما خرجت إلا كما يخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! (1) لأبددن لحمك، (2) ولأطعمنّه اليوم الطير والسباع! فقال له داود: بل أنت عدو الله شر من الكلب! فأخذ داود حجرا ورماه بالمقلاع، فأصابت بين عينيه حتى نفذ في دماغه، (3) فصرع جالوت وانهزم من معه، واحتز داود رأسه. فلما رجعوا إلى طالوت، ادّعى الناس قتل جالوت، فمنهم من يأتي بالسيف، وبالشيء من سلاحه أو جسده، وخبأ داود رأسه. فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الذي قتله! فجاء به داود، ثم قال لطالوت: أعطني ما وعدتني! فندم طالوت على ما كان شرط له، وقال: إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق وأنت رجل جريء شجاع، فاحتمل صداقها ثلثمئة غلفة من أعدائنا. (4) وكان يرجو بذلك أن يقتل داود. فغزا داود وأسر منهم ثلثمئة وقطع غلفهم، وجاء بها. فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه، ثم أدركته الندامة. فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل، فنهض إليه طالوت فحاصره. فلما كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه، فهبط إليهم داود فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ، وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه، (5) ثم رجع داود إلى مكانه فناده: أن [قد نمت ونام] حرسك، (6) فإني لو شئت أقتلك البارحة فعلت، فإنه هذا إبريقك، وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك! وبعث [به] إليه، (7) فعلم طالوت أنه لو شاء قتله، فعطفه ذلك عليه فأمنه، وعاهده بالله لا يرى منه بأسا. ثم انصرف. ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله. وكان طالوت لا يقاتل عدوا إلا هزم، حتى مات= قال بكار: وسئل وهب وأنا أسمع: أنبيا كان طالوت يوحى إليه؟ فقال: لم يأته وحي، ولكن كان معه نبي يقال له أشمويل يوحى إليه، وهو الذي ملك طالوت.

5741-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، كان داود النبي وإخوة له أربعة، معهم أبوهم شيخ كبير، فتخلف أبوهم، وتخلف معه داود من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له، وكان من أصغرهم. وخرج إخوته الأربعة مع طالوت، فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض.

= قال ابن إسحاق: وكان داود، فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن وهب بن منبه: رجلا قصيرا أزرق، (8) قليل شعر الرأس، وكان طاهر القلب نقيه= (9) فقال له أبوه: يا بني، إنا قد صنعنا لإخوتك زادا يتقوون به على عدوهم، فاخرج به إليهم، فإذا دفعته إليهم فأقبل إلي سريعا! فقال: أفعل. فخرج وأخذ معه ما حمل لإخوته، ومعه مخلاته التي يحمل فيها الحجارة، ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنمه. حتى إذا فصل من عند أبيه، فمر بحجر فقال: يا داود! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر يعقوب! فأخذه فجعله في مخلاته، ومشى. فبينا هو يمشي إذ مر بحجر آخر فقال: يا داود! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي

(1) في المخطوطة: "أما رحب إلا كما تخرج"، وفي المطبوعة:"إما تخرج إلي إلا كما يخرج" والذي في الدر المنثور، إقرب إلى ما في المخطوطة، مع نسخ الناسخ في هذا الموضع خاصة.

(2)

في المخطوطة: "لأردن لحمك"، وكأن ما في المطبوعة هو الصواب، وكذلك هو في الدر المنثور.

(3)

في المطبوعة والدر المنثور: "فأصابت بين عينيه ونفذت"، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)

الغلفة والغرلة والقلفة (بضم أولها وسكون ثانيها"، هو الغشاء الذي يقع عليه الختان من عورة الرجل.

(5)

هدب الثوب وهدبته: طرفه مما يلي طرته.

(6)

في المطبوعة والمخطوطة: "فناداه أن

حرسك" بياض بينهما، وهكذا رأيت أن تكون ولو اختار أن تكون: "أن بدل حرسك"، لكان حسنا أيضًا.

(7)

ما بين القوسين زيادة يتقضيها السياق.

(8)

قوله: "أزرق"، يريد أزرق العينين، وكانت العرب تتشاءم من الزرق. (انظر الحيوان 5: 330- 333) .

(9)

هذه الفقرة من الأثر، رواها أبو جعفر في تاريخه 1:247.

ص: 356

جالوت، فإني حجر إسحاق! فأخذه فجعله في مخلاته، ثم مضى. فبينا هو يمشي إذ مر بحجر فقال: يا داود! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر إبراهيم! فأخذه فجعله في مخلاته. ثم مضى بما معه حتى انتهى إلى القوم، فأعطى إخوته ما بعث إليهم معه. وسمع في العسكر خوض الناس بذكر جالوت وعظم شأنه فيهم، (1) وبهيبة الناس إياه، وبما يعظمون من أمره، (2) فقال لهم: والله إنكم لتعظمون من أمر هذا العدو شيئا ما أدري ما هو! ! والله إني لو أراه لقتلته! فأدخلوني على الملك. فأدخل على الملك طالوت، فقال: أيها الملك، إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو! والله إني لو أراه لقتلته! فقال: يا بني! ما عندك من القوة على ذلك؟ (3) وما جربت من نفسك؟ (4) قال: قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه، فآخذ برأسه، فأفك لحييه عنها، فآخذها من فيه، (5) فادع لي بدرع حتى ألقيها علي. فأتي بدرع فقذفها في عنقه، ومثل فيها ملء عين طالوت ونفسه ومن حضره من بني إسرائيل، (6) فقال طالوت: والله، لعسى الله أن يهلكه به! فلما أصبحوا رجعوا إلى جالوت، فلما التقى الناس قال داود: أروني جالوت! فأروه إياه على فرس عليه لأمته، (7) فلما رآه جعلت الأحجار الثلاثة تواثب من مخلاته، فيقول هذا: خذني! ويقول هذا: خذني! ويقول هذا: خذني! فأخذ أحدها فجعله في مقذافه، ثم فتله به، ثم أرسله، فصك به بين عيني جالوت فدمغه، (8) وتنكس عن دابته، فقتله. ثم انهزم جنده، وقال الناس: قتل داود جالوت! وخلع طالوت وأقبل الناس على داود مكانه، حتى لم يسمع لطالوت بذكر= إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود، هم بأن يغتال داود وأراد قتله، فصرف الله ذلك عنه وعن داود، وعرف خطيئته، والتمس التوبة منها إلى الله.

* * *

وقد روي عن وهب بن منبه في أمر طالوت وداود قول خلاف الروايتين اللتين ذكرنا قبل، وهو ما: -

5742-

حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه قال: لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت، أوحى إلى نبي بني إسرائيل:(9) أن قل لطالوت فليغز أهل مدين، فلا يترك فيها حيا إلا قتله، فإني سأظهره عليهم. فخرج بالناس حتى أتى مدين، فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره، وساق مواشيهم. فأوحى الله إلى أشمويل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمري فاختل فيه، (10) فجاء بملكهم أسيرا، وساق مواشيهم! فالقه. فقل له: لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة، فإني إنما أكرم من أطاعني، وأهين من هان

(1) في المخطوطة: "سمع دوحرص الناس بذكر جالوت"، ولم يتبين لي كيف كانت، ولا ما هي، فتركت ما في المطبوعة على حاله، فإنه قريب المعنى صحيحه.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة: "ومما يعظمون"، وما أثبت أشبه بالسياق. والمخطوطة كثيرة التحريف والتصحيف هنا كما ترى.

(3)

في المطبوعة: "فأتني ما عندك من القوة"، وهو كلام سخيف. والصواب من المخطوطة، لم يحسن الطابع أو الناسخ قراءتها. والنظر ما سيأتي في الأثر: 5742، وقوله:"يا بني"، وسؤاله:"هل آنست من نفسك شيئا"، ص:

(4)

في المخطوطة والمطبوعة: "ومما جربت"، والسياق يوجب ما أثبت.

(5)

اللحيان العظمان اللذان فيهما الأسنان. وهما حائطا الفم، الواحد"لحى"(بفتح فسكون) .

(6)

في المطبوعة: " ومثل فيها فملأ عين طالوت"، وفي المخطوطة:"وسل فيها مل عين طالوت".

غير منقوطة ولا بينة. وأثبت"مثل" من المطبوعة، وكأنها قربية من الصواب. وفي المطبوعة:"ومن حضر"، وأثبت في المخطوطة.

(7)

اللأمة (بفتح فسكون) : الدرع الحصينة وبيضة الرأس، من لباس الحرب.

(8)

دمغه دمغا: شجه، حتى بلغت الشجة الدماغ. وهذه الشجة تسمى"الدامغة".

(9)

في المخطوطة: "أوحى إلى بني بني إسرائيل"، وفي المطبوعة:"أوحى إلى نبي بني إسرائيل"، وأثبت ما في تاريخ الطبري.

(10)

في المطبوعة: "فاختان فيه"، من الخيانة. وكان في المخطوطة:" فاختار فيه"، من الاختيار، أي اختار ما شاء منه ولم ينفذه على وجهه تماما. وأثبت ما في التاريخ. و"اختل" من الخلل: وهو الفساد والوهن في الأمر، وترك إبرامه وإحكامه. يقال:"أخل بالأمر"، لم يف به. و"أخل بمكانه": غاب عنه وتركه. فمعنى"أختل فيه". أي ضعف فيه وأدخل عليه الخلل. ولم أجد نصها في كتب اللغة، ولكنها عربية البناء.

هذا، وكان في المخطوطة والمطبوعة:" إذ أمرته فاختان"، بحذف"بأمري"، وأثبتها من التاريخ.

ص: 358

عليه أمري! فلقيه فقال له: (1) ما صنعت!! لم جئت بملكهم أسيرا، ولم سقتَ مواشيهم؟ قال: إنما سقت المواشي لأقربها. (2) قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك، ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة! فأوحى الله إلى أشمويل: أن انطلق إلى إيشى، فيعرض عليك بنيه، فادهن الذي آمرك بدهن القدس، يكن ملكا على بني إسرائيل. فانطلق حتى أتى إيشى فقال: اعرض علي بنيك! فدعا إيشى أكبر ولده، فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه فقال: الحمد لله، إن الله لبصير بالعباد! فأوحى الله إليه: إن عينيك يبصران ما ظهر، وإني أطلع على ما في القلوب، ليس بهذا! فقال: ليس بهذا، (3) اعرض علي غيره، فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول: ليس بهذا. فقال: هل لك من ولد غيرهم؟ فقال: بلى! لي غلام أمغر، (4) وهو راع في الغنم. فقال: أرسل إليه. فلما أن جاء داود، جاء غلام أمغر، فدهنه بدهن القدس وقال لأبيه: اكتم هذا، فإن طالوت لو يطلع عليه قتله. فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل، فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر، وتهيئوا للقتال. فأرسل جالوت إلى طالوت: لم يقتل قومي وقومك؟ (5) ابرز لي، أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي، وإن قتلتني كان الملك لك. فأرسل طالوت في عسكره صائحا: من يبرز لجالوت، فإن قتله فإن الملك يُنْكحه ابنته، ويشركه في ملكه. (6) فأرسل إيشى داود إلى إخوته= قال الطبري، هو أيشى، ولكن قال المحدث: إشى = (7) وكانوا في العسكر فقال: اذهب فزود إخوتك، (8) وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا؟ فجاء إلى إخوته وسمع صوتا: إن الملك يقول: من يبرز لجالوت! فإن قتله أنكحه الملك ابنته. فقال داود لإخوته: ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله وينكح ابنة الملك؟ فقالوا: إنك غلام أحمق! ومن يطيق جالوت، وهو من بقية الجبارين!! فلما لم يرهم رغبوا في ذلك قال: فأنا أذهب فأقتله! فانتهروه وغضبوا عليه، فلما غفلوا عنه ذهب حتى جاء الصائح فقال: أنا أبرز لجالوت! فذهب به إلى الملك، فقال له: لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل، هو هذا! قال: يا بني، أنت تبرز لجالوت فتقاتله! قال: نعم. قال: وهل آنست من نفسك شيئا؟ قال: نعم، كنت راعيا في الغنم فأغار علي الأسد، فأخذت بلحييه ففككتهما. فدعا له بقوس وأداة كاملة، فلبسها وركب الفرس، ثم سار منهم قريبا، ثم صرف فرسه، فرجع إلى الملك، فقال الملك ومن حوله: جبن الغلام! فجاء فوقف على الملك، فقال: ما شأنك؟ قال داود: إن لم يقتله الله لي، لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح! فدعني فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بني. فأخذ داود مخلاته فتقلدها، وألقى فيها أحجارا، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به، (9) ثم مضى نحو جالوت. فلما دنا من عسكره قال: أين جالوت يبرز لي؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله، فلما رآه جالوت قال: إليك أبرز؟! قال نعم. قال: فأتيتني بالمقلاع والحجر كم يؤتى إلى الكلب! قال: هو ذاك. قال: لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض! قال داود: أو يقسم الله لحمك! فوضع داود حجرا في مقلاعه ثم دوره فأرسله نحو جالوت، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه، فوقع من فرسه. فمضى داود إليه فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به في مخلاته، وبسلبه يجره، حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرحوا فرحا شديدا. وانصرف طالوت، فلما كان داخل المدينة سمع الناس يذكرون داود، فوجد في نفسه. (10) فجاءه داود فقال: أعطني امرأتي! فقال: أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود: ما اشترطت علي صداقا، وما لي من شيء!! قال: لا أكلفك إلا ما تطيق، أنت رجل جريء، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس، (11) وهم غلف، فإذا قتلت منهم مئتي رجل فأتني بغلفهم. (12) فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط، حتى نظم مئتي غلفة. ثم جاء بهم إلى طالوت فألقى بها إليه (13) فقال: ادفع إلي امرأتي، قد جئت بما اشترطت. فزوجه ابنته، (14) وأكثر الناس ذكر داود، وزاده عند الناس عجبا. (15) فقال طالوت لابنه: لتقتلن داود! قال: سبحان الله، ليس بأهل ذلك منك! قال: إنك غلام أحمق! ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك! فلما سمع ذلك من أبيه انطلق إلى أخته فقال لها: إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره ويتغيب منه. فقالت له امرأته ذلك، فتغيب. فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته. فلما جاء رسول طالوت قال: أين داود؟ ليجب الملك! فقالت له: بات شاكيا ونام الآن، ترونه على الفراش. فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعة ثم أرسل إليه، فقالت: هو نائم لم يستيقظ بعد. فرجعوا إلى الملك فقال: ائتوني به وإن كان نائما! فجاؤوا إلى الفراش فلم يجدوا عليه أحدا، فجاؤوا الملك فأخبروه، فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبين؟ قالت: هو أمرني بذلك، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني! وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت وملك داود بعده.

5743-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان طالوت أميرا على الجيش، فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لي فأقتل جالوت؟ قال: لك ثلث ملكي، وأنكحك ابنتي. (16) فأخذ مخلاته، فجعل فيها ثلاث مروات، (17) ثم سمى حجارته تلك:"إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب"، ثم أدخل يده فقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب! فخرج على"إبراهيم"، فجعله في مرجمته، فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه.

5744-

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر، مع ثلاثة عشر ابنا له، وكان داود أصغر بنيه. فأتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه، ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته! فقال: أبشر يا بني! فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك. ثم أتاه مرة أخرى فقال: يا أبتاه، لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا، فركبت عليه فأخذت بأذنيه، فلم يهجني! (18) قال: أبشر يا بني! فإن هذا خير يعطيكه

(1) في المطبوعة والمخطوطة بإسقاط"له"، وأثبتها من التاريخ.

(2)

أي: لأجعلها قربانا لله، يذبحها قربانا.

(3)

قوله: " فقال: ليس بهذا"، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة، وأثبتها من التاريخ.

(4)

في المخطوطة والمطبوعة: "بني لي غلام

"، وأثبت ما في التاريخ. وقوله"أمغر" هنا، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة، وأثبتها من التاريخ. والأمغر: الذي في وجهه حمرة وبياض. وفي كتاب القوم (صموئيل الأول، الإصحاح السادس عشر) أنه كان أشقر.

(5)

في المطبوعة: "لم تقتل قومي وأقتل قومك"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.

(6)

عند هذا الموضع، انتهى ما رواه الطبري في تاريخه 1: 247- 248 من هذا الأثر.

(7)

هذه الجملة المعترضة ثابتة في المخطوطة، وحذفت من المطبوعة.

(8)

في المخطوطة والمطبوعة: "فرد إخوتك"، وليس صحيحا، بل الصحيح أنه أرسله بزاد إلى إخوته كما سلف في الماضية، وكأن الصواب"فزود"، أو"بزاد إخوتك".

(9)

هكذا في المخطوطة والمطبوعة، وأجدر أن يقال:"يرمي به".

(10)

وجد في نفسه: أي غضب، فلم يظهر غضبه، وحسده على ما أصاب من ذكر الناس له.

(11)

الجراجمة: نبط الشام. واحتربه: استلبه وانتهبه، يقول: هم لصوص يستلبون الناس وينتهبونهم.

(12)

الغلف (بضم فسكون) جمع أغلف"، وهو الذي لم يختتن. وأما"فأتني بغلفهم" فهو جمع غلفة (بضم فسكون) : وهي الغرلة التي يقع عليها الختان.

(13)

في المخطوطة: "مئتي غلفة إلى طالوت"، وما بينهما بياض، وقد تركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه سياق لا بأس به، إلا أنه كان فيها:"ثم جاء بهم إلى طالوت فألقى إليه"، فجعلتها كما ترى.

(14)

في المخطوطة: "قد

وأكثر الناس" ما بعد"قد" بياض، وتركت ما في المطبوعة على حاله، لوفائه بالسياق.

(15)

كأنها في المخطوطة تقرأ: " ورأوه عند الناس عجبا"، ولكني لم أستطع تحققها، فتركت ما في المطبوعة كما هو، فهو قريب المعنى.

(16)

في المطبوعة: "ثلث مالي"، والذى في المخطوطة:"ثلث مللى"، فرجحت أنها"ملكي" لما سيأتي في الأثر رقم: 5744، 5747.

(17)

مروات جمع مروة، والمرو: حجارة بيض براقة، تكون فيها النار، والمرو أصلب الحجارة.

(18)

هاج الشيء يهيجه: أزعجه ونفره. يعني: لم يزعجني عن مكاني منه.

ص: 360

الله. ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبّح، فما يبقى جبل إلا سبح معي! فقال: أبشر يا بني! فإن هذا خير أعطاكه الله. وكان داود راعيا، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام. (1) فأتى النبي (2)[عليه السلام] بقرن فيه دهن، (3) وسَنَوَّرٍ من حديد، (4) فبعث به إلى طالوت فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه، ولا يسيل على وجهه، يكون على رأسه كهيئة الإكليل، ويدخل في هذا السَّنَوَّر فيملأه. (5) فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم به، فلم يوافقه منهم أحد. (6) فلما فرغوا، قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك من ولد لم يشهدنا؟ قال: نعم! بقي ابني داود، وهو يأتينا بطعام. (7) فلما أتاه داود، مر في الطريق بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن له: خذنا يا داود تقتل بنا جالوت! قال: فأخذهن فجعلهن في مخلاته. وكان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي. فلما جاء داود، وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه، ولبس السَّنَوَّر فملأه= وكان رجلا مسقاما مصفارا= (8) ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه. فلما لبسه داود تضايق الثوب عليه حتى تنقض. (9) . ثم مشى إلى جالوت= وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم= فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه، فقال له: يا فتى! ارجع، فإني أرحمك أن أقتلك! قال داود: لا بل أنا أقتلك! فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة، كلما رفع حجرا سماه، (10) فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثاني باسم أبي إسحاق، والثالث باسم أبي إسرائيل. ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت، فنقبتُ رأسَه فقتلته، (11) ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه، تنفذ منه حتى لم يكن يحيا لها أحد. فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت، ورجع طالوت، فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه. فمال الناس إلى داود فأحبوه. فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده، فأراد قتله. فعلم به داود أنه يريد به ذلك، فسجى له زق خمر في مضجعه، (12) فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود، فضرب الزق ضربة فخرقه، فسالت الخمر منه، فوقعت قطرة من خمر في فيه، فقال: يرحم الله داود! ما كان أكثر شربه للخمر!! ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم، فوضع سهمين عند رأسه، وعند رجليه، وعن يمينه وعن شماله سهمين سهمين، (13) ثم نزل. فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها، فقال: يرحم الله داود! هو خير مني، ظفرت به فقتلته، وظفر بي فكف عني! ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس، فقال طالوت: اليوم أقتل داود! = وكان داود إذا فزع لا يدرك= فركض على أثره طالوت، ففزع داود فاشتد فدخل غارا، (14) وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا. فلما انتهى طالوت إلى الغار، نظر إلى بناء العنكبوت فقال: لو كان دخل ها هنا لخرق بيت العنكبوت!! فخيل إليه، (15) فتركه. (16)

5745-

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار. وإن جالوت برز لهم فنادى: ألا رجل لرجل! فقال طالوت: من يبرز له؟ وإلا برزت له؟ فقام داود فقال: أنا! فقام له طالوت فشد عليه درعه، فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع، (17) فعجب من ذلك طالوت، فشد عليه أداته كلها= وإن داود رماهم بحجر من تلك الحجارة، فأصاب في القوم، ثم رمى الثانية بحجر، فأصاب فيهم، ثم رمى الثالثة فقتل جالوت. فآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء، وصار هو الرئيس عليهم، وأعطوه الطاعة.

5746-

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني ابن زيد في قول الله تعالى ذكره:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، فقرأ حتى بلغ:(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، قال: أوحى الله إلى نبيهم: إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت، ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه فيفيض ماء. فأتاه فقال: إن الله أوحى إلي أن في ولدك رجلا

(1) في تاريخ الطبري: "يأتي أبيه وإلي إخوته"، والصواب ما في التفسير.

(2)

قوله: "فأتى النبي

" إلى آخر الكلام، يوهم القارئ أنه منقطع، وليس كذلك، فإن الطبري كعادته يقسم الأثر ويجزئه في مواضع من تفسيره. وهذا الأثر الذي هنا، تتمة الآثار السالفة: 5720، 5732، كما أشرنا إليه في التعليق هناك، وكما سنشير إليه بعد. والنبي هو شمعون، كما مضى في تلك الآثار.

(3)

انظر تفسير"القرن" فيما سلف: 307، تعليق:1.

(4)

في المطبوعة: "وبثوب من حديد" ومثله في الدر المنثور، وهو خطأ، وفي المخطوطة في المواضع الآتية كلها، وفي تاريخ الطبري، وتفسير البغوي:"وتنور من حديد"، والتنور: نوع من الكموانين، وهو لا يصلح هنا. أما"السنور" (بفتح السين والنون والواو المشدة المفتوحة) : فهو لبوس من قد (وهو الجلد المبوغ) يلبس في الحرب كالدرع. ورجح ذلك ما روي آنفًا ص: 358، أن داود أتي بدرع فقذفها في عنقه. وما سيأتي في رقم: 5746، 5747.

(5)

في المطبوعة: "وبثوب من حديد" ومثله في الدر المنثور، وهو خطأ، وفي المخطوطة في المواضع الآتية كلها، وفي تاريخ الطبري، وتفسير البغوي:"وتنور من حديد"، والتنور: نوع من الكموانين، وهو لا يصلح هنا. أما"السنور" (بفتح السين والنون والواو المشدة المفتوحة) : فهو لبوس من قد (وهو الجلد المبوغ) يلبس في الحرب كالدرع. ورجح ذلك ما روي آنفًا ص: 358، أن داود أتي بدرع فقذفها في عنقه. وما سيأتي في رقم: 5746، 5747.

(6)

في المخطوطة والمطبوعة: "فجربهم فلم يوافقه" بإسقاط"به" وأثبت ما في التاريخ.

(7)

في المطبوعة: "بطعامنا"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.

(8)

رجل مسقام، وامرأة مسقام أيضًا: كثير السقم لا يكاد يبرأ. مصفار من قولهم: اصفار لونه: غلبته، وذلك من المرض والضعف.

(9)

يقال: تنقضت الغرفة وغيرها: تشققت، وسمع لها نقيض، وهو صوت التكسر والتشقق.

وكان في المطبوعة: "ينقض" بالياء التحتية، والصواب من المخطوطة والتاريخ.

(10)

زدت"منها" من التاريخ.

(11)

في المطبوعة: "فنقب رأسه فقتله"، والصواب من التاريخ، ومن المخطوطة على بعض الخطأ فيها.

(12)

سجى الشيء والميت: غطاه ومد عليه ثوبا. والزق (بكسر الزاى) : جلد الشاة يسلخ من رجل واحدة، ومن رأسه وعنقه، ثم يعالج حتى يكون سقاء، وكانوا أكثر ما يتخذونه للخمر.

(13)

في المخطوطة والمطبوعة: "سهمين" مرة واحدة، وأثبت ما في التاريخ، وهو الصواب.

وقوله بعد: "ثم نزل"، زيادة من التاريخ ليست في المخطوطة ولا المطبوعة.

(14)

اشتد: عدا عدوا سريعا. والشد: العدو السريع.

(15)

قوله: "خيل إليه"، يعني دخلته الشبهة في أمره، لما أشكل عليه، ولم أجد هذا التعبير بنصه في كتب اللغة، ولكنه صحيح العربية، من قولهم:"أخال الشيء": أي اشتبه.

(16)

الأثر: 5744-هو تمام الآثار السالفة التي أشرت إليها في التعليق على الأثرين: 5720، 5732، كما أشرت إليه آنفًا في التعليقات القريبة. وهو في الدر المنثور1: 319، وتفسير البغوي (بهامش ابن كثير) 1: 604-608، بغير هذا اللفظ، وإن كان قريبا منه.

(17)

شخص يشخص شخوصا: ارتفع وعلا.

ص: 364

يقتل الله به جالوت! (1) فقال: نعم يا نبي الله! قال: فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري، (2) وفيهم رجل بارع عليهم، (3) فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا، فيقول لذلك الجسيم: ارجع! فيردده عليه. فأوحى الله إليه: إنا لا نأخذ الرجال على صورهم، ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم. قال: يا رب، قد زعم أنه ليس له ولد غيره! فقال: كذب! فقال: إن ربي قد كذبك! وقال: إن لك ولدا غيرهم! فقال: صدق يا نبي الله، (4) . لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس، فجعلته في الغنم! قال: فأين هو؟ قال في شعب كذا وكذا، من جبل كذا وكذا. فخرج إليه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين البقعة التي كان يريح إليها، (5) قال: ووجده يحمل شاتين يجيز بهما ولا يخوض بهما السيل. (6) فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه! هذا يرحم البهائم، فهو بالناس أرحم! قال: فوضع القرن على رأسه ففاض. (7) فقال له: ابن أخي! هل رأيت ها هنا من شيء يعجبك؟ (8) قال: نعم، إذا سبحت، سبحت معي الجبال، وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة، قمت إليه فافتح لحييه عنها فلا يهيجني! قال: وألفى معه صفنه. (9) قال: فمر بثلاثة أحجار ينتزى بعضها على بعض، (10) كل واحد منها يقول: أنا الذي يأخذ! ويقول هذا: لا! بل إياي يأخذ! ويقول الآخر مثل ذلك. قال: فأخذهن جميعا فطرحهن في صُفْنِه. فلما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا، قال لهم نبيهم:"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا"، فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه، وقرأ حتى بلغ:"والله مع الصابرين". قال: واجتمع أمرهم وكانوا جميعا، وقرأ:"وانصرنا على القوم الكافرين". (11) وبرز جالوت على بِرْذَوْن له أبلق، في يده قوس نُشَّاب، (12) فقال: من يبرز؟ أبرزوا إلي رأسكم! قال: ففظع به طالوت، (13) قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: من رجل يكفيني اليوم جالوت؟ فقال داود: أنا. فقال: تعال! قال: فنزع درعا له، فألبسه إياها. قال: ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه. قال: فرمى بنشابة فوضعها في الدرع. قال: فكسرها داود ولم تضره شيئا، ثلاث مرات، ثم قال له: خذ الآن! فقال داود: اللهم اجعله حجرا واحدا. قال: وسمى واحدا إبراهيم، وآخر إسحاق، وآخر يعقوب. قال: فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا. قال: فأخذهن وأخذ مقلاعا، فأدارها ليرمي بها فقال: أترميني كما يرمي السبع والذئب؟ أرمني بالقوس! قال: لا أرميك اليوم إلا بها! فقال له مثل ذلك أيضا، فقال: نعم! وأنت أهون علي من الذئب! فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله. قال: فخلى سبيلها مأمورة. قال: فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه، (14) ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا، وهزمهم الله.

5747-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: لما قطعوا ذلك= يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت لجنوده:"إن الله مبتليكم بنهر"= وجاء جالوت، وشق على طالوت قتاله، فقال طالوت للناس: لو أن جالوت قتل، أعطيت الذي يقتله نصف ملكي، وناصفته كل شيء أملكه! فبعث الله داود= وداود يومئذ في الجبل راعي غنم، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود، وهم أبدّ منه، (15) وأغنى منه، (16) وأعرف في الناس منه، وأوجه عند طالوت منه، فغزوا وتركوه في غنمهم= فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى، وأكرمه: لأستودعن ربي غنمي اليوم، ولآتين الناس، (17) فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت! فأتى داود إخوته، فلاموه

(1) في المطبوعة: "أن في ولد فلان

" مرة أخرى، والصواب من المخطوطة والتاريخ.

(2)

السواري جمع السارية: وهي الأسطوانة، من حجارة أو آجر، وفي الحديث أنه نهى أن يصل بين السواري، وهي أسطوانة المسجد، وذلك في صلاة الجماعة، من أجل انقطاع الصف.

(3)

برع يبرع فهو بارع: تم في كل فضيلة وجمال، وفاق أصحابه في العلم وغيره. ويقال: امرأة بارعة: فائقة الجمال والعقل. وكل مشرف يفوق ويعلو، فهو بارع وفارغ. وفي التاريخ"بارع" بحذف"عليهم" وهما سواء، وسيأتي وصفه بعد قليل بأنه"الجسيم"، وهما بمعنى متقارب.

(4)

في المطبوعة: "صدق" بإسقاط"قد"، وهي في المخطوطة والتاريخ.

(5)

في المخطوطة والمطبوعة: "بينه وبين التي يريح

": والصواب من التاريخ. وأراح غنمه وأبله يريحها إراحة. ردها إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلا. والمراح (بضم الميم) : مأوى الإبل والغنم.

وهو من الرواح، وهو السير بالعشي.

(6)

في المطبوعة والمخطوطة: "يحمل شاتين، يجوز بهما، ولا يخوض" بإسقاط"شاتين""الثانية" وأسقطت المطبوعة: "السيل" الأولى، فأثبت ما في التاريخ وهو الصواب. يقال:"جاز المكان وأجازه" بمعنى واحد. وفي حديث الصراط: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيز عليه" بضم الياء.

(7)

عند هذا الموضع انتهى ما رواه الطبري في تاريخه من هذا الأثر الطويل 1: 247.

(8)

أعجبه الأمر يعجبه: استخرج عجبه به، إذ يراه أمرا عجيبا.

(9)

في المطبوعة، أسقط بين الكلامين:"قال"، وهي لا بد منها، لأن الحديث غير متصل، كما سترى الذي يليه: "قال فمر

"، يعني دواد. والصفن (بضم فسكون) : خريطة الراعي، يكون فيها طعامه وزاده وما يحتاج إليه.

(10)

في المطبوعة: "يأثر بعضها على بعض"، وهو كلام بلا معنى. وفي المخطوطة:" ينترى" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها. وانتزى فلان على فلان وتنزى عليه: إذا تسرع إليه بالشر وتواثبا.

من"النزو"، وهو الوثب.

(11)

عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:

"يتلوه: وبرز جالوت على برذون أبلق في يده قوس نشاب

وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيرا"

ثم بعد ذلك:

"بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر".

(12)

في المطبوعة: "قوس ونشاب"، وأثبت ما في المخطوطة.

(13)

أفظعه الأمر، وفظع به فظاعة وفظعا (بفتحتين) واستفظعه وأفظعه: رآه فظيعا، فهاله وغلبه، فلم يثق بأن يطيقه.

(14)

أظل الشيء يظل: أقبل ودنا. وفي حديث مالك: "فلما أظل قادما حضرني بثى".

(15)

في المطبوعة: أند منه"، ولا يظهر لها معنى. وفي المخطوطة"أند" غير منقوطة، وقرأتها كذلك من"البدد"، وهو عرض ما بين المنكبين، وعظم الخلق، وتباعد ما بين الأعضاء. وهذه صفة إخوته كما سلف في آثار ماضية. هذا على أنهم يقولون في الصفة: "رجل أبد، وامرأة بداء".

(16)

في المطبوعة: "وأعتى منه"، وفي المخطوطة:" وأعنى منه"، وكأن الصواب ما أثبت.

(17)

في المخطوطة: "ولا / ببر"، في سطرين، وكأن الصواب ما في المطبوعة.

ص: 367

حين أتاهم، فقالوا: لم جئت؟ قال: لأقتل جالوت، فإن الله قادر أن أقتله. (1) فسخروا منه= قال ابن جريج، قال مجاهد: كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سماهن"إبراهيم" و"إسحاق" و"يعقوب"= قال ابن جريج، قالوا: وهو ضعيف رث الحال، فمر بثلاثة أحجار فقلن له: خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت! فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته. فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا. قال الثاني: أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا. قال الثالث: أنا حجر داود الذي أقتل جالوت! فقال الحجران: يا حجر داود، نحن أعوان لك! فصرن حجرا واحدا. وقال الحجر: يا داود، اقذف بي، فإني سأستعين بالريح= وكانت بيضته، فيما يقولون والله أعلم، فيها ستمئة رطل= (2) فأقع في رأس جالوت فأقتله! قال ابن جريج، وقال مجاهد: سمى واحدا إبراهيم، والآخر إسحاق، والآخر يعقوب، وقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب! وجعلهن في مرجمته- قال ابن جريج: فانطلق حتى نفذ إلى طالوت (3) فقال: إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تملكه! أفلي ذلك إن قتلته؟ قال: نعم! والناس يستهزئون بداود، وإخوة داود أشد من هنالك عليه. وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده، فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنها. (4) وكانت درعا سابغة من دروع طالوت، فألبسها داود، فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم. فتقدم داود، فقام مقاما لا يقوم فيه أحد، وعليه الدرع. فقال له جالوت: ويحك! من أنت؟ إني أرحمك! ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك! أنت إنسان ضعيف مسكين! فارجع. فقال داود: أنا الذي أقتلك بإذن الله، ولن أرجع حتى أقتلك! فلما أبي داود إلا قتاله، تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه، فأخرج الحجر من المخلاة، فدعا ربه ورماه بالحجر، فألقت الريح بيضته عن رأسه، فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه فقتله= قال ابن جريج، وقال مجاهد: لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا، قال الله تعالى:"وقتل داود جالوت". فقال داود لطالوت: ف لي بما جعلت. (5) فأبى طالوت أن يعطيه ذلك. فانطلق داود فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل حتى مات طالوت. فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود فجاؤوا به فملّكوه، وأعطوه خزائن طالوت، وقالوا: لم يقتل جالوت إلا نبي! قال الله:"وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء".

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء="والهاء" في قوله:"وآتاه الله"، عائدة على داود ="والملك" السلطان (6)"والحكمة"، النبوة. (7) وقوله:"وعلمه مما يشاء"، يعني: علمه صنعة الدروع والتقدير في السرد، كما قال الله تعالى ذكره: (وعلمناه صنعة لبوس

(1)"قادر" من قولهم: "قدر الله الشيء وقدره"، قضاه.

(2)

ما بين الخطين، كلام معترض بين كلام الحجر. والضمير في"بيضته"، لجالوت.

(3)

قوله: "فانطلق" الضمير لداود.

(4)

القدر (بفتحتين، وفتح وسكون) : المقدار، أي على مقداره وعلى قدره.

(5)

في المطبوعة: " وف بما جعلت"، وفي المخطوطة"ولي بما جعلت"، وصواب قراءتها ما أثبت وقواه:"ف" هو الأمر من قولهم: " وفى له بالشيء يفي". أمر على حرف واحد.

(6)

انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148- 150/ 2: 488/ وهذا: 311، 312، 314.

(7)

انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 3: 87، 88، 211/ وهذا: 16، 17.

ص: 370

لكم لتحصنكم من بأسكم) [سورة الأنبياء: 80] .

* * *

وقد قيل إن معنى قوله:"وآتاه الله الملك والحكمة"، أن الله آتَى داودَ ملك طالوت ونبوَّة أشمويل.

* ذكر من قال ذلك:

5748-

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: مُلِّك داودُ بعدما قتل طالوتَ، وجعله الله نبيًّا، وذلك قوله:"وآتاه الله الملك والحكمة"، قال: الحكمة هي النبوة، آتاه نبوّة شمعون وملك طالوت.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) }

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولولا أنّ الله يدفع ببعض الناس= وهم أهل الطاعة له والإيمان به= بعضًا، وهم أهلُ المعصية لله والشرك به- كما دفعَ عن المتخلِّفين عن طالوتَ يوم جالوت من أهل الكفر بالله والمعصية له، وقد أعطاهم ما سألوا ربَّهم ابتداءً: من بَعْثةِ ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله= بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر، جالوتَ وجنوده= (1)"لفسدت الأرض"، يعني: لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم، ففسدت بذلك الأرض= (2) ولكن الله ذو منٍّ على خلقه وتطوُّلٍ عليهم، بدفعه بالبَرِّ من خلقه عن الفاجر، وبالمطيع عن العاصي منهم، وبالمؤمن عن الكافر.

* * *

(1) سياق هذا الجملة"كما دفع عن المتخلفين عن جالوت

بمن جاهد معه

جالوت وجنوده"، على دأب أبي جعفر في الفصل الطويل المتتابع.

(2)

انظر معنى"الفساد فيما سلف 1: 287، 416/ 4: 239، 243، 244.

ص: 372

وهذه الآية إعلامٌ من الله تعالى ذكره أهلَ النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، المتخلِّفين عن مَشاهده والجهادِ معه للشكّ الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم، والمشركين وأهلِ الكفر منهم، وأنه إنما يدفع عنهم معاجَلَتهم العقوبة على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله، الذين هم أهل البصائر والجدّ في أمر الله، وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعدَه على جهاد أعدائه وأعداء رسوله، من النصر في العاجل، والفوز بجنانه في الآجل. (1)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5749-

حدثني محمد بن عمر قال، حدثنا أبو عاصم عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، يقول: ولولا دفع الله بالبَرِّ عن الفاجر، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض، (2)"لفسدت الأرض"، بهلاك أهلها.

5750-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، يقول: ولولا دفاع الله بالبَرِّ عن الفاجر، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض (3) لهلك أهلها.

5751-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حنظلة، عن أبي مسلم قال: سمعت عليًّا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.

(1) في المطبوعة: "في الآخرة"، وفي المخطوطة:"في الأخر"، ولو شاء أن يجعلها على ذلك لقال:"من النصر في العاجلة، والفوز بجنانه في الآخرة". ولكني أجده تصحيف ما أثبت.

(2)

في المطبوعة: "بالبار"، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)

في المخطوطة والدر المنثور 1: 320" أخلاق الناس"، والأخلاف جمع خلف، بمعنى الذين خلفوا الصالحين من أهل البر والصلاح والتقوى.

ص: 373

5752-

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، يقول: لهلك من في الأرض.

5753-

حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا حفص بن سليمان، عن محمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مئةِ أهلِ بيت من جيرانه البلاءَ"، ثم قرأ ابن عمر:"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض". (1)

5754-

حدثني أحمد أبو حميد الحمصي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال:

(1) الحديث: 5753-أحمد بن المغيرة، أبو حميد الحمصي-شيخ الطبري: هو أحمد بن محمد بن المغيرة بن سيار، نسب هنا إلى جده. وهو ثقة، روى عنه النسائي ووثقه. وترجمه ابن أبي حاتم 1/ 1/ 72، باسم:"أحمد بن محمد بن سيار"، وقال"كتب عنه، وهو صدوق ثقة".

يحيى بن سعيد: هو العطار الأنصاري، أبو زكريا، الشامي الحمصي. ضعفه ابن معين وغيره. وقال أبو داود:"جائز الحديث". وقال محمد بن مصفي الحمصي الحافظ: "حدثنا يحيى بن سعيد العطار، ثقة". فهذا بلديه وتلميذه يوثقه، والظن أن يكون أعرف به من غيره. وترجمه البخاري في الكبير 4/2/277، فلم يذكر فيه جرحًا. وجازف ابن حبان -في كتاب المجروحين -مجازفة شديدة دون برهان، فقال:"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، والمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به بحال، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار لأهل الصناعة".

حفص بن سليمان: هو الأسدي البزاز الكوفي القارئ، صاحب"قراءة حفص" المعروفة، التي يقرأ لها الناس بمصر وغيرها. وهو ضعيف جدًا، متروك الحديث، على إمامته في القراءة. وقد بينت ضعفه مفصلا في شرح المسند:1267.

محمد بن سوقة -بضم السين المهملة - الغنوي الكوفي العابد: ثقة متفق عليه.

وبرة بن عبد الرحمن: تابعي ثقة معروف، أخرج له الشيخان وغيرهما.

والحديث ذكره ابن كثير 1: 606 607، عن هذا الموضع. وقال:"وهذا إسناد ضعيف. فإن يحيى بن سعيد هذا: هو العطار الحمصي، هو ضعيف جدًا".

وذكره الذهبي في الميزان، في ترجمة"يحيى بن سعيد العطار" 3: 290 -عن يحيى هذا، بهذا الإسناد.

ص: 374

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليُصلح بصلاح الرجل المسلم ولدَه وولد ولدِه، وأهلَ دُوَيْرَته ودُويْراتٍ حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم. (1)

* * *

قال أبو جعفر: وقد دللنا على قوله:"العالمين"، وذكرنا الرواية فيه. (2)

* * *

وأما القرأة، فإنها اختلفت في قراءة قوله:"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض".

فقرأته جماعة من القرأة: (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ) على وجه المصدر، من قول القائل:

(1) الحديث: 5754 -عثمان بن عبد الرحمن: هكذا في نقل ابن كثير إياه عن هذا الموضع. فإنه يكنه يكن"عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص المدني"، فهو من الطبقة، ولكنه لم يذكر في شيوخ"يحيى بن سعيد العطار"، ولا في الرواة عن"محمد بن المنكدر". ولم نجد فيما رأينا من ترجم من اسمه"عثمان بن عبد الرحمن" -من يستقيم به الإسناد غيره.

وهذا الوقاصي: ضعيف جدًا، رماه ابن معين بالكذب. وقال أبو حاتم:"متروك الحديث، ذاهب الحديث، كذاب". وقال البخاري في الضعفاء، ص: 25: "تركوه".

والراجح -عندي-أن اسم هذا الراوي محرف في نسخ الطبري. وأكاد أجزم أن صوابه"عنبسة بن عبد الرحمن" فهو الذي يروي عن محمد بن المنكدر، ويروي عنه يحيى بن سعيد العطار.

وقد يؤيد ذلك: أن كاتب المخطوطة رسم هذا الاسم بدون ألف بعد الميم -على الكتبة القديمة-"عثمن". ولكن يظهر أنه كتبه على تردد، عن نسخة غير واضحة الرسم. لأنه بسط آخر الكلمة فكتب النون مبسوطة كأنها سين، ثم اشتبه عليه الاسم، فاصطنع الحرف المبسوط جعله نونًا. وتغيير الحرفين قبله سهل: ينقط النون بثلاث نقط فتصير ثاء مثلثة، ثم يدير نبرة الباء فتكون ميما. ويخرج الاسم من"عنبسة" إلى"عثمن".

وأيًا ما كان الراوي هنا"عثمان" أو"عنبسة" -فالحديث واهي الإسناد منهار، لا تقول له قائمة.

فإن"عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص": ضعيف جدًا.

قال أبو حاتم: "هو متروك الحديث، كان يضع الحديث".

واسم جده"عنبسة" كاسمه. ووقع في التهذيب محرفًا"عيينة". وهو خطأ مطبعي.

والحديث ذكره ابن كثير 1: 607، وقال:"وهذا أيضًا غريب ضعيف، لما تقدم أيضًا"! يريد لضعف"يحيى بن سعيد العطار". وقد بينا في الحديث السابق أنه غير ضعيف.

وذكره السيوطي 1: 320، ونسبه الطبري"بسند ضعيف". ثم لم ينسبه لغير الطبري.

(2)

انظر ما سلف 1: 143 -146/ 2: 23 -26.

ص: 375

"دفعَ الله عن خلقه فهو يدفع دفعًا". واحتجت لاختيارها ذلك، بأن الله تعالى ذكره هو المتفرِّد بالدفع عن خلقه، ولا أحد يُدافعه فيغالبه.

* * *

وقرأت ذلك جماعة أُخَر من القرأة: (1)(وَلَوْلا دِفَاعُ اللهِ النَّاسَ) على وجه المصدر، من قول القائل:"دافع الله عن خلقه فهو يُدافع مدافعة ودفاعًا" واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرًا من خلقه يعادون أهل دين الله وولايته والمؤمنين به، فهو بمحاربتهم إياهم ومعادتهم لهم، لله مُدافعون بظنونهم، (2) ومغالبون بجهلهم، والله مُدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به.

* * *

قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القرأة، وجاءت بهما جماعة الأمة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالةُ معنى الآخر. وذلك أن من دافع غيره عن شيء فمدافعه عنه بشيء دافع. (3) ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع، فهو لمدافعه مدافع. (4) ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده محاولين مغالبة حزب الله وجنده، وكان في محاولتهم ذلك محاولةُ مغالبة الله ودفاعه عما قد تضمن لهم من النُّصرة. وذلك هو معنى"مدافعة الله" عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه. فبيِّنٌ إذًا أن سَواءً قراءةُ من قرأ:(5)(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)، وقراءة من قرأ:(ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض) ، في التأويل والمعنى.

* * *

(1) في المطبوعة: "جماعة أخرى من القراء"، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

في المطبوعة: "مدافعون بباطلهم"، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)

في المطبوعة: "فمدافعه عنه دافع"، وفي المخطوطة:"فمدافعة عنه ليس دافع" غير واضحة، والصواب ما أثبت. وذلك لأن الله دافع الكفار عما تضمن للمؤمنين من النصرة ببعض الناس. فصح إذًا أن عبارة الطبري تقتضي أن تكون الكلمة"بشيء".

(4)

في المطبوعة: "لمدافعه مدافع" والصواب من المخطوطة.

(5)

في المطبوعة: "فتبين إذًا"، والصواب من المخطوطة.

ص: 376