الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السدي:"إعصار فيه نار فاحترقت" أما الإعصار فالريح، وأما النار فالسموم.
6115 -
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"إعصار فيه نار"، يقول: ريح فيها سموم شديد.
* * *
وقال آخرون: هي ريح فيها برد شديد.
* ذكر من قال ذلك:
6116 -
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الحسن يقول في قوله:"إعصار فيه نار فاحترقت"، فيها صِرٌّ وبرد. (1)
6117 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك:"إعصار فيه نار فاحترقت"، يعني بالإعصار، ريح فيها بَرْدٌ.
* * *
القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
266}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: كما بيَّن لكم ربُّكم تبارك وتعالى أمَر النفقة في سبيله، وكيف وجْهُها، وما لكم وما ليس لكم فعله فيها = كذلك يبين لكم الآيات سوى ذلك، فيعرّفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضح لكم حُججها، إنعامًا منه بذلك عليكم ="لعلكم تتفكرون"، يقول: لتتفكروا بعقولكم، فتتدبّروا وتعتبروا بحجج الله فيها، وتعملوا بما فيها من أحكامها، فتطيعوا الله به.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1) الصر (بكسر الصاد) . البرد الذي يضرب النبات ويحرقه.
* ذكر من قال ذلك:
6118 -
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، قال: قال مجاهد:"لعلكم تتفكرون" قال: تطيعون.
6119 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"يا أيها الذين آمنوا"، صدقوا بالله ورسوله وآي كتابه.
* * *
ويعني بقوله:"أنفقوا"، زكُّوا وتصدقوا، كما:-
6120 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"أنفقوا من طيبات ما كسبتم" يقول: تصدَّقوا.
* * *
القول في تأويل قوله: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}
يعني بذلك جل ثناؤه: زكوا من طيّب ما كسبتم بتصرُّفكم= إما بتجارة، وإما بصناعة= من الذهب والفضة.
ويعني ب"الطيبات"، الجياد، يقول: زكوا أموالكم التي اكتسبتموها حلالا وأعطوا في زكاتكم الذهبَ والفضة، الجيادَ منها دون الرديء، كما:-
6121 -
حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" قال: من التجارة.
6122 -
حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
6123 -
حدثني حاتم بن بكر الضبّي، قال: حدثنا وهب، عن شعبة، عن الحكم، عن جاهد، مثله.
6124 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في قوله:"أنفقوا من طيبات ما كسبتم"، قال: التجارة الحلال.
6125 -
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن معقل:"أنفقوا من طيبات ما كسبتم"، قال: ليس في مال المؤمن من خبيث، ولكن لا تيمموا الخبيث منه تنفقون.
6126 -
حدثني عصام بن روّاد بن الجراح، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عن قوله:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" قال: من الذهب والفضة.
6127 -
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"من طيبات ما كسبتم"، قال: التجارة.
6128 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
6129 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"أنفقوا من طيبات ما كسبتم" يقول: من
أطيب أموالكم وأنفَسِه. (1) .
6130 -
حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم"، قال: من هذا الذهب والفضة. (2) .
* * *
القول في تأويل قوله جل وعز: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأنفقوا أيضا مما أخرجنا لكم من الأرض، فتصدقوا وزكوا من النخل والكرم والحنطة والشعير، وما أوجبت فيه الصدقة من نبات الأرض. كما:-
6131 -
حدثني عصام بن رواد، قال: ثني أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليا صلوات الله عليه عن قول الله عز وجل:"ومما أخرجنا لكم من الأرض"، قال: يعني من الحب والثمر وكل شيء عليه زكاة.
6132 -
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"ومما أخرجنا لكم من الأرض"، قال: النخل.
6133 -
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:"ومما أخرجنا لكم من الأرض"، قال: من ثمر النخل.
(1) الأثر: 6129 -في الدر المنثور 1: 346، وسيأتي الأثر بتمامه في رقم: 6152 وقوله: "من أطيب أموالكم وأنفسه"، وهو صحيح في العربية، يعود ضمير المفرد، على الجمع في"أفعل"، وقد مضى ما قلنا في ذلك التعليق على الأثر: 5968، وإن اختلفت العبارتان وافترقتا. وانظر همع الهوامع 1:59.
(2)
في المطبوعة: حذف"هذا" لغير شيء!! .
6134 -
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد قوله:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم"، قال: من التجارة="ومما أخرجنا لكم من الأرض"، من الثمار.
6135 -
حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"ومما أخرجنا لكم من الأرض"، قال: هذا في التمر والحب.
* * *
القول في تأويل قوله جل وعز: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه"ولا تيمموا الخبيث"، ولا تعمدوا، ولا تقصدوا.
* * *
وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: (ولا تؤموا) من"أممت"، (1) وهذه من"يممت"، (2) والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ.
* * *
يقال:"تأممت فلانا"، و"تيممته"، و"أممته"، بمعنى: قصدته وتعمدته، كما قال ميمون بن قيس الأعشى:
تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمه ذي شزن (3)
وكما:-
(1) في المطبوعة: "ولا تأمموا"، وكذلك في القرطبي، ولكن أبا حيان في تفسيره 1: 328 قد نص على أن الطبري حكى قراءة عبد الله: "ولا تأملوا" من"أمت"، فوافق ما في المخطوطة، فأثبتها كذلك، وهي الصواب إن شاء الله.
(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "تيممت"، وهو سقيم، والصواب ما أثبت. وأموا المكان ويموه، بمعنى واحد، وهي على البدل، أبدلت الهمزة ياء، ولذلك كانت في مادة (أمم) من دواوين اللغة، غير الجوهري.
(3)
ديوانه: 16، وسيأتي في التفسير 5: 69 (بولاق) . وهو من قصيدته التي أثنى فيها على قيس بن معد يكرب الكندي، وهي أول كلمة قالها له. وقد مضت منها أبيات في 1: 345، 346، /3: 191/5: 390 وامهمه: الفلاة المقفرة البعيدة، لا ماء بها ولا أنيس، والشزن والشزونة: الغلظ من الأرض.
6136 -
حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"ولا تيمموا الخبيث"، ولا تعمدوا.
6137 -
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:"ولا تيمموا" لا تعمدوا.
6138 -
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه ب"الخبيث": الرديء، غير الجيد، يقول: لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد.
* * *
وذلك أن هذه الآية نزلت في سبب رجل من الأنصار علق قنوا من حشف - (1) في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم- صدقة من تمره.
* ذكر من قال ذلك:
6139 -
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من
(1) القنو: الكباسة، وهي العذق التام بشماريخه ورطبه، هو في التمر، بمنزله العنقود من العنب، وجمعه: أقناء. والحشف: هو من التمر ما لم ينو، فإذا يبس صلب وفسد، لا طعم له ولا لحاء ولا حلاوة.
الأرض" إلى قوله:"والله غني حميد"، قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر، يظن أن ذلك جائز.
فأنزل الله عز وجل فيمن فعل ذلك:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، قال لا تيمموا الحشف منه تنفقون. (1) .
6140 -
حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، زعم السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب بنحوه= إلا أنه قال: فكان يعمد بعضهم، فيدخل قنو الحشف= ويظن أنه جائز عنه= في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، القنو الذي قد حشف، ولو أهدي إليكم ما قبلتموه. (2) .
6141 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب، قال: كانوا يجيئون في الصدقة بأردإ
(1) الأثر: 6139 -الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، مضى في رقم 1625: 1883، وهو لين يتكلمون فيه. وأبوة: عمرو بن محمد، ثقة جائز الحديث. أخرجه الحاكم في المستدرك،: 2: 285 من طريق عمرو بن طلحة القناد، عن أسباط بن نصر، وقال:"هذا حديث غريب صحيح على شرطه مسلم، ولم يخرجاه"، وافقه الذهبى. وذكره ابن كثير في تفسير 2: 40، 41 ونسبه للحاكم، وأنه قال:"صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه" فاختلف نص كلام الحاكم.
وسيأتي تمامه برقم: 6159، 6167.
قوله: "جذاذ النخل"بالذال هنا وفي المستدرك. وجذ النخل جذاذا، صرمه. والأشهر فيه بالدال المهملة:"جد النخل يجده جدادا"، صرمه وقطف ثمره. والحيطان جمع حائط: وهو بستان النخل يكون عليه حائط، فإذا لم يكن عليه حائط. فهو ضاحية.
وقوله: "أقناء البسر" الأقناء جمع قنو، وقد سلف في التعليق الماضي. والبسر: التمر قبل أن يرطب، سمى كذلك لغضاضته، واحدته بسرة، ثم هو بعد البسر، رطب، ثم تمر.
(2)
الأثر: 6140 -هذا إسناد آخر للخبر السالف وسيأتي تمامه برقم: 6160 وحشف التمر: صار حشفا. وقد مضى تفسيره في التعليق ص: 559 رقم: 1. وقوله: "جائز عنه"، أي سائغ مجزي عنه من قولهم: "جاز جوازا"، وأجاز له الشيء وجوزه: إذا سوغ له ما صنعه وأمضاه. وهو تعبير نادر لم تقيده كتب اللغة، ولكنه عربي معرق.
تمرهم وأردإ طعامهم، فنزلت:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" الآية. (1) .
6142 -
حدثني عصام بن رواد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: سألت عليا عن قول الله:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، قال: فقال علي: نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه، (2) فيعزل الجيد ناحية. فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء، فقال عز وجل:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون".
6143 -
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أن ابن شهاب حدثه، قال: ثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال: هو الجعرور، ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة. (3) .
(1) الأثر: 6141 -رواه البيهقي في السنن 4: 136 من طريق أبي حذيفة، عن سفيان، عن السدي بغير هذا اللفظ، وأتم منه.
(2)
صرم النخل والشجر يصرمه صرما وصراما: قطع ثمرها واجتناها، مثل الجذاذ والجداد فيما سلف في التعليقات ص:560.
(3)
الأثر: 6143 -عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أبو مالك المصري. روي عن الزهري، ويحيى بن سعيد وأيوب السختياني، وروى عنه ابن عجلان، وهو من أقرانه، وموسى بن سلمة، وابن وهب، وغيرهم من المصريين. قال النسائي، "ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة 148، مترجم في التهذيب. وهذا الأثر روته النسائي، عن يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين، عن ابن وهب، عن عبد الجليلي بن حميد، في السنن 5: 43، وآخره"
…
أن تؤخذ الصدقة الرذالة". وروي من طرق أخرى في سنن أبي داود 2: 149 رقم: 1607، والحاكم في المستدرك 2: 284 من طريق سفيان ابن حسين عن الزهري، ومن طريق سليمان بن كثير عن الزهري وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن 4: 136، وانظر تفسير ابن كثير 2: 42، 43.
الجعرور (بضم الجيم) . ضرب من التمر صغار لا خير فيه. واللون: نوع من النخل، قيل: هو الدقل، وقيل: النخل كله ما خلا البرني والعجوة، تسميه أهل المدينة"الألوان". وابن حبيق: رجل نسب إليه هذا النخل الرديء، فقيل: لون الحبيق. وتمره رديء أغبر صغير، مع طول فيه.
6144 -
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، قال: كانوا يتصدقون - يعني من النخل- بحشفه وشراره، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه.
6145 -
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" إلى قوله:"واعلموا أن الله غني حميد"، ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدق به، ويخلط فيه من الحشف، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه.
6146 -
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، قال: تعمد إلى رذالة مالك فتصدق به، (1) ولست بآخذه إلا أن تغمض فيه.
6147 -
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: كان الرجل يتصدق برذالة ماله، فنزلت:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون".
6148 -
حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنا عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدا يقول:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، قال: في الأقناء التي تعلق، (2) فرأى فيها حشفا، فقال:
(1) رذالة كل شيء: أردؤه حين ينتقى جيده، ويبقي رديئه. وهو من رذالة الناس ورذالهم. (بضم الراء فيها جميعا) .
(2)
قوله: "التي تعلق" مكانها بياض في المخطوطة. وقوله بعد: "فرأى فيها حشفا"، أي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما هذا؟ = قال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ بئسما علق هذا!! فنزلت:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون".
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تيمموا الخبيث من الحرام منه تنفقون، (1) .
وتدعوا أن تنفقوا الحلال الطيب.
* ذكر من قال ذلك:
6149 -
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد - وسألته عن قول الله عز وجل:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، - قال: الخبيث: الحرام، لا تتيممه تنفق منه، فإن الله عز وجل لا يقبله.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه عمن حكينا [عنه] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، [لصحة إسناده] ، واتفاق أهل التأويل في ذلك= (2)
دون الذي قاله ابن زيد. (3) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولستم بآخذي الخبيث في حقوقكم، و"الهاء" في قوله:"بآخذيه" من ذكر الخبيث="إلا أن تغمضوا فيه"، يعني: إلا أن تتجافوا في أخذكم إياه عن بعض الواجب لكم من حقكم، فترخصوا فيه لأنفسكم.
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "فيه تنفقون"، وهو خطأ بين.
(2)
الزيادة بين الأقواس لا بد منها حتى يستقيم الكلام. (عنه) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة.
أما الزيادة الثانية، فمكانها بياض في المخطوطة، فأغفله الطابع وساق الكلام سياقا واحدا
(3)
في المخطوطة: "قاله ابن" وبعد ذلك بياض. والذي في المطبوعة هو الصواب.
يقال منه:"أغمض فلان لفلان عن بعض حقه، فهو يغمض، ومن ذلك قول الطرماح بن حكيم:
لم يفتنا بالوتر قوم وللضيـ م رجال يرضون بالإغماض (1)
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: ولستم بآخذي الرديء من غرمائكم في واجب حقوقكم قبلهم، إلا عن إغماض منكم لهم في الواجب لكم عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
6150 -
حدثنا عصام بن رواد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: سألت عليا عنه فقال:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له.
6151 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، يقول: لو كان لرجل على رجل، فأعطاه ذلك لم يأخذه، إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه. (2) .
(1) ديوانه: 86، من قصيدة مجد فيها قومه، وقبله:: إننا معشر شمائلنا الصبر،
…
إذا الخوف مال بالأحفاض
نصر للذليل في ندوة الحي،
…
مرائيب للثأي المنهاض
من يرم جمعهم يجدهم مر
…
اجيح حماة للعزل الأحراض
الأحفاض: الإبل الصغار الضعاف، ويعنى الضعاف من الناس، لا يصبرون في حرب. مرائيب: من الرأب، وهو الإصلاح، مصلحون. والثأى: الفساد. والمنهاض: الذي فسد بعد صلاح فلا يرجى إصلاح إلا بمشقة. مراجيح: حلماء لا يستخفهم شيء. والأحراض: الضعاف الذين لا يقاتلون. والإغماض: التغاضي والمساهلة. يقول نحن أهل بأس وسطوة، فما أصاب منا أحد فنجا من انتقامنا، ولسنا كأقوام يرضون بالضيم، فيتغاضون عن إدراك تأثرهم ممن نال منهم.
(2)
الأثر: 6151 -هو من تمام الأثر: 6141.
6152 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، يقول: لو كان لكم على أحد حق، فجاءكم بحق دون حقكم، لم تأخذوا بحساب الجيد حتى تنقصوه، فذلك قوله:"إلا أن تغمضوا فيه"، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسها؟ (1) .
وهو قوله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) . [سورة آل عمران: 92] .
6153 -
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل.
6154 -
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، وذلك أن رجالا كانوا يعطون زكاة أموالهم من التمر، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة، فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه، لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه.
6155 -
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" يقول: لو كان لك على رجل دين فقضاك أردأ مما كان لك عليه، هل كنت تأخذ ذلك منه إلا وأنت له كاره؟
6156 -
حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم"
(1) في المطبوعة: "وأنفسها" وأثبت ما في المخطوطة. وهذا الأثر بنصه وتمامه في الدر المنثور 1: 346، وانظر التعليق على الأثر: 6129، وقوله:"وأنفسه" بضمير الإفراد.
إلى قوله:"إلا أن تغمضوا فيه" قال: كانوا -حين أمر الله أن يؤدوا الزكاة- يجيء الرجل من المنافقين بأردإ طعام له من تمر وغيره، فكره الله ذلك وقال:"أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"، يقول:"لستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، يقول: لم يكن رجل منكم له حق على رجل فيعطيه دون حقه فيأخذه، إلا وهو يعلم أنه قد نقصه= فلا ترضوا لي ما لا ترضون لأنفسكم= فيأخذ شيئا، وهو مغمض عليه، أنقص من حقه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث - إذا اشتريتموه من أهله -بسعر الجيد، إلا بإغماض منهم لكم في ثمنه.
* ذكر من قال ذلك:
6157 -
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن الحسن:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، قال: لو وجدتموه في السوق يباع، ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه.
6158 -
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، يقول: لستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يغمض لكم فيه.
* * *
وقال آخرون: معناه: ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث لو أهدي لكم، إلا أن تغمضوا فيه، فتأخذوه وأنتم له كارهون، على استحياء منكم ممن أهداه لكم.
* ذكر من قال ذلك:
6159 -
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، قال: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه، أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة. (1) .
(1) الأثر: 6159 -هو تمام الأثر السالف: 6139.
6160 -
حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، قال: زعم السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء نحوه= إلا أنه قال: إلا على استحياء من صاحبه، وغيظا أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة. (1) .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرديء من حقكم إلا أن تغمضوا من حقكم.
* ذكر من قال ذلك:
6161 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ابن معقل:"ولستم بآخذيه"، يقول: ولستم بآخذيه من حق هو لكم="إلا أن تغمضوا فيه"، يقول: أغمض لك من حقي.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا على ما فيه من الإثم عليكم في أخذه.
* ذكر من قال ذلك:
6162 -
حدثني يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قوله:"ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" -قال: يقول: لست آخذا ذلك الحرام حتى تغمض على ما فيه من الإثم = قال: وفي كلام العرب: أما والله لقد أخذه، ولقد أغمض على ما فيه" = وهو يعلم أنه حرام باطل.
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل حث عباده على الصدقة وأداء الزكاة من أموالهم، وفرضها عليهم فيها، (2) .
فصار ما فرض من ذلك في أموالهم، حقا لأهل سهمان الصدقة. ثم أمرهم تعالى ذكره أن
(1) الأثر: 6160 -هو تمام الأثر السالف: 6140.
(2)
"وفرضها عليهم" أي الزكاة. "فيها": في أموالهم.
يخرجوا من الطيب- وهو الجيد من أموالهم- الطيب. (1) وذلك أن أهل السهمان شركاء أرباب الأموال في أموالهم، بما وجب لهم فيها من الصدقة بعد وجوبها.
فلا شك أن كل شريكين في مال فلكل واحد منهما بقدر ملكه، وليس لأحدهما منع شريكه من حقه من الملك الذي هو فيه شريكه، بإعطائه -بمقدار حقه منه- من غيره مما هو أردأ منه أو أخس. (2) فكذلك المزكي ماله، حرم الله عليه أن يعطي أهل السهمان= مما وجب لهم في ماله من الطيب الجيد من الحق، فصاروا فيه شركاء= (3) من الخبيث الرديء غيره، ويمنعهم ما هو لهم من حقوقهم في الطيب من ماله الجيد، كما لو كان مال رب المال رديئا كله غير جيد، فوجبت فيه الزكاة وصار أهل سهمان الصدقة فيه شركاء بما أوجب الله لهم فيه لم يكن عليه أن يعطيهم الطيب الجيد من غير ماله الذي منه حقهم.
فقال تبارك وتعالى لأرباب الأموال: زكوا من جيد أموالكم الجيد، ولا تيمموا الخبيث الرديء، تعطونه أهل سهمان الصدقة، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيد الطيب في أموالكم، (4) ولستم بآخذي الرديء لأنفسكم مكان الجيد الواجب لكم قبل من وجب لكم عليه ذلك من شركائكم وغرمائكم وغيرهم، إلا عن إغماض منكم وهضم لهم وكراهة منكم لأخذه. يقول: ولا تأتوا من الفعل إلى من وجب له في أموالكم حق، ما لا ترضون من غيركم أن يأتيه إليكم في حقوقكم الواجبة لكم في أموالهم.
فأما إذا تطوع الرجل بصدقة غير مفروضة، فإني وإن كرهت له أن يعطي فيها إلا أجود ماله وأطيبه، لأن الله عز وجل أحق من تقرب إليه بأكرم الأموال
(1) قوله: "الطيب" الثانية، مفعول"يخرجوا".
(2)
في المطبوعة"أو أحسن"، وهو فاسد كل الفساد. والصواب من المخطوطة.
(3)
سياق الجملة: أن يعطى أهل السهمان
…
من الخبيث الرديء غيره.
(4)
في المطبوعة: "وتمنعونهم الواجب
…
"، والذي في المخطوطة صواب، معطوف على: "ولا تيمموا الخبيث".
وأطيبها، والصدقة قربان المؤمن= فلست أحرم عليه أن يعطي فيها غير الجيد، لأن ما دون الجيد ربما كان أعم نفعا لكثرته، أو لعظم خطره= وأحسن موقعا من المسكين، وممن أعطيه قربة إلى الله عز وجل= من الجيد، لقلته أو لصغر خطره وقلة جدوى نفعه على من أعطيه. (1) .
* * *
وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك:
6163 -
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه"، قال: ذلك في الزكاة، الدرهم الزائف أحب إلي من التمرة.
6164 -
حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن ذلك، فقال: إنما ذلك في الزكاة، والدرهم الزائف أحب إلي من التمرة.
6165 -
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه"، فقال عبيدة: إنما هذا في الواجب، ولا بأس أن يتطوع الرجل بالتمرة، والدرهم الزائف خير من التمرة.
(1) سياق هذه الجملة: ربما كان أعم نفعا لكثرته
…
وأحسن موقعا من المسكين
…
من الجيد لقلته
…
6166 -
حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين في قوله:"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال: إنما هذا في الزكاة المفروضة، فأما التطوع فلا بأس أن يتصدق الرجل بالدرهم الزائف، والدرهم الزائف خير من التمرة.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واعلموا أيها الناس أن الله عز وجل غني عن صدقاتكم وعن غيرها، (1) وإنما أمركم بها، وفرضها في أموالكم، رحمة منه لكم ليغني بها عائلكم، (2) .
ويقوي بها ضعيفكم، ويجزل لكم عليها في الآخرة مثوبتكم، لا من حاجة به فيها إليكم.
* * *
ويعني بقوله:"حميد"، أنه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله. كما:-
6167 -
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قوله:"والله غني حميد" عن صدقاتكم. (3) .
* * *
(1) انظر تفسير"غنى"فيما سلف من هذا الجزء 5: 521.
(2)
العائل: الفقير. عال الرجل يعيل علية: افتقر.
(3)
الأثر: 6167 -هو تمام الأثر السالف: 6139.
القول في تأويل قوله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا}
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره:"الشيطان يعدكم"، أيها الناس- بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم (1) - أن تفتقروا="ويأمركم بالفحشاء"، يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل، وترك طاعته= (2)"والله يعدكم مغفرة منه"(3) يعني أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون="وفضلا" يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم. (4) .
كما:-
6168 -
حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اثنان من الله، واثنان من الشيطان:"الشيطان يعدكم الفقر"، يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه= ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه"، على هذه المعاصي="وفضلا" في الرزق.
6169 -
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا"، يقول: مغفرة لفحشائكم، وفضلا لفقركم.
6170 -
حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب،
(1) قوله: "بالصدقة
…
"، أي بسبب الصدقة، وهي جملة فاصلة، والسياق"يعدكم
…
أن تفتقروا"، كما هو بين.
(2)
انظر ما سلف في تفسير"الفحشاء" 3: 302.
(3)
انظر تفسير"المغفرة"، فيما سلف من فهارس اللغة.
(4)
انظر تفسير"الفضل" فيما سلف 2: 344 /ثم 5: 164.
عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة من ابن آدم، وللملك لمة: فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء". (1)
6171 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير بن سليمان، قال: حدثنا عمرو، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، قال: إن للإنسان من الملك لمة، ومن الشيطان لمة. فاللمة من الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، واللمة من الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وتلا عبد الله:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا"= قال عمرو: وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئا، فليستغفر الله وليتعوذ من الشيطان. (2) .
6172 -
حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص= أو عن مرة= قال: قال عبد الله: ألا إن للملك لمة وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وذلكم بأن الله يقول:(3) .
"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم"، فإذا وجدتم من هذه شيئا فاحمدوا الله عليه، وإذا وجدتم من هذه شيئا فتعوذوا بالله من الشيطان. (4) .
(1) الحديث: 6170 -أبو الأحوص: هو سلام بن سليم الكوفي الحافظ. سبق توثيقه: 20158.
عطاء بن السائب: مضى في: 158، 4433 أنه تغير في آخر عمره، وأن من سمع منه قديما فحديثه صحيح. والظاهر من مجموع كلامهم أن اختلاطه كان حين قدم البصرة. قال أبو حاتم:"في حديث البصريين عنه تخاليط كثيرة، لأنه قدم عليهم في آخر عمره". وعطاء كوفي، والراوي عنه هنا أبو الأحوص كوفي أيضًا. فالظاهر أنه سمع منه قبل الاختلاط.
مرة: هو مرة الطيب، وهو ابن شراحيل الهمداني الكوفي. مضت ترجمته:2521.
عبد الله: هو ابن مسعود.
والحديث رواه الترمذي 4: 77 -78، عن هناد -وهو ابن السري، شيخ الطبري هنا -بهذا الإسناد. وقال:"هذا حديث حسن غريب [وفي بعض نسخه: حسن صحيح غريب] . وهو حديث أبي الأحوص. لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص".
وذكره ابن كثير 2: 44، من رواية ابن أبي حاتم، عن أبي زرعة، عن هناد. ووقع في إسناده هناك تخليط من الناسخين. ثم أشار إلى بعض رواياته مرفوعا وموقوفا.
وذكر ابن كثير أنه رواه أيضًا النسائي في كتاب التفسير من سننه، عن هناد بن السري. وأنه رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي يعلي الموصلي، عن هناد. وكتاب التفسير في النسائي إنما هو في السنن الكبرى.
وذكره السيوطي 1: 348، وزاد نسبته لابن المنذر، والبيهقي في الشعب.
وسيأتي بنحوه، موقونا على ابن مسعود: 6171، 6172، 6174، 6176، من رواية عطاء، عن مرة، عن مسعود. ويأتي موقونا أيضًا: 6173، من رواية الزهري، عن عبيد الله، عن ابن مسعود. و: 6175، من رواية المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن ابن مسعود.
وكأن الترمذي -وتبعه ابن كثير -يريدان الإشارة إلى تعليل هذا الإسناد المرفوع، برواية الحديث موقوفا. ولكن هذه علة غير قادحة بعد صحة الإسناد. فإن الرفع زيادة من ثقة، فهي مقبولة.
وأيضًا: فإن هذا الحديث مما يعلم بالرأي، ولا يدخله القياس، فلا يعلم إلا بالوحي من المعصوم صلى الله عليه وسلم. فالروايات الموقوفة لفظا، هي مرفوعة حكما.
(2)
الحديث: 6171 -الحكم بن بشير بن سلمان: مضت ترجمته في: 1497. ووقع اسم جده في المطبوعة هنا"سليمان"، وهو خطأ.
عمرو: هو ابن قيس الملائي. مضت ترجمته في: 886.
والحديث في معنى ما قبله. وهو هنا موقوف لفظا، ولكنه مرفوع حكما، كما ذكرنا. ولكن قول عمرو بن قيس في آخره: "وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال
…
" -يكون بلاغا منقطعا في هذا الإسناد، وأن كان صحيحا في ذاته بالأسانيد الأخر.
(3)
في المطبوعة: "وذلكم بأن الله
…
" بزيادة واو، وأثبت ما في المخطوطة.
(4)
الحديث: 6172 -أبو الأحوص -شيخ عطاء بن السائب: هو عوف بن مالك ابن نضلة، وهو تابعي ثقة معروف، وثقه ابن معين وغيره.
وتردد عطاء بن السائب في أنه عن"أبي الأحوص" هذا، أو عن"مرة الطيب" -لا يؤثر في صحة الحديث، فأنه انتقال من ثقة إلى ثقة. ولعله مما أخطأ فيه عطاء، لأن ابن علية بصري، فيكون ممن سمع منه بعد تغيره. وقد نص على ذلك الدار قطي، كما في ترجمة عطاء في التهذيب.
ولكن ذكر ابن كثير 2: 44 أنه رواه"مسعر، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن ابن مسعود. فجعله من قوله. فهذا يثبت حفظ رواية عطاء إياه عن أبي الأحوص أيضًا. لأن مسعر بن كدام كوفي قديم، من طبقة شعبة والثوري، فهو ممن سمع من عطاء قبل تغيره.
ولم يشر ابن كثير إلى شيء من الروايات الموقوفة لهذا الحديث، إلا إلى رواية مسعر وحده. والروايات الموقوفة بين يديه في الطبري ستة كما ترى.
6173 -
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود في قوله:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء"، قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله؛ ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله. (1) .
6174 -
حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني أن ابن مسعود قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاده بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. (2) فمن أحس من لمة الملك شيئا فليحمد الله عليه، ومن أحس من لمة الشيطان شيئا فليتعوذ بالله منه. ثم تلا هذه الآية:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم". (3) .
6175 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن فطر، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن عبد الله، بنحوه. (4) .
(1) الحديث: 6173 -وهذا إسناد صحيح آخر للحديث، من وجه آخر، يؤيد رواية عطاء بن السائب. وهو وإن كان موقوفا لفظا فهو مرفوع حكما، كما قلنا من قبل.
(2)
في المطبوعة: "إيعاد بالخير
…
إيعاد بالشر" بغير إضافتها إلى الضمير. وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. وصواب أيضًا يقرآا جميعا"ايعادةٌ"، على معنى المرة من"الإيعاد".
(3)
الحديث: 6174 -وهذا إسناد صحيح. لأن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل تغيره، كما نص عليه يعقوب بن سفيان وابن الجارود، في نقل التهذيب عنهما 7:207.
(4)
الحديث: 6175 -فطر -بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة وآخره راء: هو ابن خليفة الكوفي، وهو ثقة، وثقه أحمد، وابن معين، وغيرهما.
المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي: تابعي ثقة، مضى في:128.
عامر بن عبدة -بفتح العين المهملة والباء الموحدة -البجلي، أبو إياس الكوفي: تابعي ثقة، والكني للدولابي 1: 115، والمشتبه للذهبي، ص:339.
وهذا إسناد ثالث للحديث صحيح، من وجه آخر، يؤيد روايات عطاء عن مرة، وأبي الأحوص عن ابن مسعود، ورواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود.
6176 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن للشيطان لمة، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه. ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان. ثم قرأ:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا". (1) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره:"والله واسع" الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه= (2)"عليم" بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدقون بها، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم.
* * *
(1) الحديث: 6176 -وهذا إسناد حسن، لأن سماع جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي -من عطاء كان بعد تغيره ولكنه يرتفع إلى درجة الصحة بالمتابعات السابقة الصحيحة.
(2)
انظر تفسير"واسع عليم"فيما سلف 2: 537 /ثم 5: 516.
القول في تأويل قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم، فقد أوتي خيرا كثيرا.
* * *
واختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم،"الحكمة" التي ذكرها الله في هذا الموضع، هي: القرآن والفقه به.
* ذكر من قال ذلك:
6177 -
حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله:(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
6178 -
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"يؤتي الحكمة من يشاء"، قال: الحكمة: القرآن، والفقه في القرآن.
6179 -
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"، والحكمة: الفقه في القرآن.
6180 -
حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية:
"ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"، قال: الكتاب والفهم به. (1) .
6181 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قوله:"يؤتي الحكمة من يشاء" الآية، قال: ليست بالنبوة، ولكنه القرآن والعلم والفقه.
6182 -
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الفقه في القرآن.
* * *
وقال آخرون: معنى"الحكمة"، الإصابة في القول والفعل.
* ذكر من قال ذلك:
6183 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت مجاهدا قال:"ومن يؤت الحكمة"، قال: الإصابة.
6184 -
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:"يؤتي الحكمة من يشاء"، قال: يؤتي إصابته من يشاء.
6185 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"يؤتي الحكمة من يشاء"، قال: الكتاب، يؤتي إصابته من يشاء.
* * *
(1) الأثر: 6180 -"محمد بن عبد الله الهلالي" هو: محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي، أبو مسعود البصري، روي عن جده عبيد بن عقيل، وعثمان بن عمر بن فارس، وعمرو ابن عاصم الكلابى وغيرهم، وروى عنه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم. قال النسائي:"لا بأس به". وقال مسلمة: "ثقة". "مسلم بن إبراهيم" الأزدي الفراهيدي، أبو عمرو البصري الحافظ. قال ابن معين:"ثقة مأمون". وكان يقول: "ما أتيت حلالا ولا حراما قط"، وقال أبو حاتم:"كان لا يحتاج إليه". وكان من المتقنين. مات سنة 222. "مهدي بن ميمون" الأزدي المعولي. كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة 171. "شعيب بن الحبحاب" و"المعولي" بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو.
وكان في المطبوعة: "والفهم فيه". وهي صواب في المعنى، جيد في العربية وأثبت ما في المخطوطة، وهو أيضًا صواب جيد.
وقال آخرون: هو العلم بالدين.
* ذكر من قال ذلك:
6186 -
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد:"يؤتي الحكمة من يشاء" العقل في الدين، وقرأ:"ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا".
6187 -
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الحكمة: العقل.
6188 -
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: وما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له.
* * *
وقال آخرون:"الحكمة" الفهم.
* ذكر من قال ذلك:
6190 -
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، قال: الحكمة: هي الفهم. (1) .
* * *
وقال آخرون: هي الخشية.
* ذكر من قال ذلك:
6191 -
حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة" الآية، قال:"الحكمة" الخشية، لأن رأس كل شيء خشية الله. وقرأ:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) . [سورة فاطر: 28] .
* * *
(1) الأثر: 6190 -"أبو حمزة" هو أبو حمزة الأعور القصاب الكوفي، وهو صاحب إبراهيم النخعي. قال البخاري:"ليس بذاك". وقال: "ضعيف ذاهب الحديث". قال أبو موسى: "ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن: سفيان، عن أبي حمزة، قط". وقال ابن عدي: "وأحاديثه خاصة عن إبراهيم، مما لا يتابع عليه". مترجم في التهذيب.
وقال آخرون: هي النبوة.
* ذكر من قال ذلك:
6192 -
حدثني موسى قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة"، الآية، قال: الحكمة: هي النبوة.
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى"الحكمة"- وأنها مأخوذة من"الحكم" وفصل القضاء، وأنها الإصابة - بما دل على صحته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع. (1) .
* * *
وإذا كان ذلك كذلك معناه، (2) كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلا فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة. وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهما خاشيا لله فقيها عالما، (3) .
وكانت النبوة من أقسامه. لأن الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في بعض الأمور،"والنبوة" بعض معاني"الحكمة".
* * *
فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا.
* * *
(1) انظر تفسير"الحكمة"فيما سلف 3: 87، 88، 211 /ثم 5: 15، 16، 371.
(2)
في المطبوعة: "فإذا كان ذلك
…
" بالفاء، ولا معنى لتغيير ما هو في المخطوطة.
(3)
في المطبوعة: "فهما خاشيا
…
". وفي المخطوطة: "ففهما"، والصواب قراءتها كما أثبت، بدليل معناه الذي أراده، من إدخال الأنبياء في معنى ذلك، وبدليل قوله بعد: "مفهمون
…
".