الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أ) الآداب وهي تشمل الواجبات والمستحبات:
(1 - تطهيرها وتكنيسها وتطييبها بالخلوق وغيره وجوبا فقد (أمر عليه السلام ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب)
الحديث من رواية عائشة رضي الله عنها. وهو صحيح وقد سبق ذكره مع شواهده في أول الفصل
وأخرج ابن ماجه (1/ 253) من طريق الحارث بن نبهان: ثنا عتبة بن يقظان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع مرفوعا:
(جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراركم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع). قال في (الزوائد):
(إسناده ضعيف فإن الحارث بن نبهان متفق على ضعفه). ولذلك قال ابن كثير (3/ 293):
(وفي إسناده ضعف). وأشار إلى ذلك المنذر وقال: (1/ 120):
(ورواه الطبراني في (الكبير) عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة ورواه في (الكبير) أيضا بتقديم وتأخير من رواية مكحول عن معاذ ولم يسمع منه)
قلت: وفي طريق الطبراني الأول العلاء بن كثير الليثي الشامي وهو ضعيف كما في (المجمع)(2/ 26) ولذلك أيضا (أورده ابن الجوزي في (الواهيات) وقال:
(لا يصح). وقال ابن حجر في (تخريج الهداية):
(له طرق وأسانيد كلها واهية). وقال عبد الحق:
(لا أصل له)
كذا في (الفيض)
وأخرج أبو يعلى من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه (كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة). قال الهيثمي (2/ 11):
(وفيه عبد الله بن عمر العمري: وثقه أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به). وقال ابن كثير:
(إسناده حسن لا بأس به والله أعلم)
قلت: ورواه ابن أبي شيبة أيضا كما في (المنتخب)(3/ 261)
قال في (المرقاة)(1/ 459) بعد أن ذكر حديث عائشة:
(قال ابن حجر: وبه يعلم أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور خلافا لمالك حيث كرهه فقد كان عبد الله بن عمر يجمر المسجد إذا قعد عمر رضي الله عنه على المنبر واستحب بعض السلف بالزعفران والطيب ووري عنه عليه الصلاة والسلام فعله وقال الشعبي: هو سنة. وأخرج ابن أبي شيبة: أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك. وأنه يستحب أيضا كنس
المسجد وتنظيفه وقد روى ابن أبي شيبة أنه عليه الصلاة والسلام كان يتتبع غبار المسجد بجريدة)
قلت: والحديث يفيد وجوب التطهير والتطييب لأنه أمر بهما والأمر يفيد الوجوب وقد قال به في الأول منهما ابن حزم دون الآخر فقال (4 و / 239):
(وتكره المحاريب في المساجد وواجب كنسها ويستحب أن تطيب)
قلت: ولا أدري ما حمله على صرف الأمر إلى الاستحباب في التطييب. والله أعلم
(وقال: (عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد)
الحديث وله تتمة وهي:
(وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها الرجل ثم نسيها)
أخرجه أبو داود (1/ 76) والترمذي (2/ 150) قالا: ثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق البغدادي: ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن المطلب بن حنطب عن أنس مرفوعا به. وقال الترمذي:
(حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) قال:
(وذاكرت به محمد بن إسماعيل (يعني: البخاري) فلم يعرفه واستغربه
قال محمد: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله: ثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس)
وقال المنذري بعد أن نقل كلام الترمذي هذا (1/ 119):
(قال أبو زرعة: المطلب ثقة أرجو أن يكون سمع من عائشة ومع هذا ففي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وفي توثيقه خلاف)
قلت: وفي (التقريب) أن عبد المجيد هذا:
(صدوق يخطئ)
ولهذا وذاك قال في (الفتح)(9/ 70):
(في إسناده ضعف)
والحديث رواه البيهقي (2/ 440) من طريق أبي داود ثم قال:
(رواه محمد بن إسحاق بن خزيمة عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق)
قلت: وهو ثقة
وقد خالفه في إسناده محمد بن يزيد الآدمي وهو ثقة أيضا فقال: ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن الزهري عن أنس به
أخرجه الطبراني في (الصغير)(ص 113) فجعل الزهري مكان المطلب ابن عبد الله والزهري سمع من أنس. والله أعلم بالصواب
وأيا ما كان فإن للحديث شاهدا مرسلا نحوه أخرجه ابن أبي داود كما في (الفتح) فهو به حسن إن شاء الله تعالى وقد صححه ابن خزيمة
ثم رجعت عن هذا وذهبت إلى أن الحديث ضعيف فانظر (ضعيف أبي داود)(رقم 71)
(تنبيه): قد عزا الحديث المنذري (1/ 119 و 212 - 213) لابن ماجه أيضا وما أراه إلا وقد وهم فإني لم أجده عنده ولا نسبه إليه أحد ممن وقفت على تخريجه إياه كالحافظ في (الفتح)(1) وأبي البركات في (المنتقى) والسيوطي في (الجامع) كما أن النابلسي لم يعزه في (الذخائر)(1/ 46) إلا إلى أبي داود وحده
قوله: (القذاة) بتخفيف الذال المعجمة والقصر: الواحدة من التبن والتراب وغير ذلك قال أهل اللغة:
(القذى): في العين والشراب مما يسقط فيه ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا. قال ابن رسلان في (شرح السنن):
(فيه ترغيب في تنظيف المساجد مما يحصل فيها من القمامات القليلة أنها تكتب في أجورهم وتعرض على نبيهم وإذا كتب هذا القليل وعرض فيكتب الكبير ويعرض من باب الأولى ففيه تنبيه بالأدنى على الأعلى وبالطاهر على النجس والحسنات على قدر الأعمال). قال:
(1) وفي (بلوغ المرام) ونص كلامه فيه: (رواه أبو داود والترمذي واستغربه وصححه ابن خزيمة)
(وسمعت بعض المشايخ أنه ينبغي لمن أخرج قذاة من المسجد أو أذى من طريق المسلمين أن يقول عند أخذها: لا إله إلا الله ليجمع بين أدنى شعب الإيمان (يعني: إماطة الأذى) وأعلاها: وهي كلمة التوحيد وبين الأفعال والأقوال وإن اجتمع القلب مع اللسان كان ذلك أكمل. انتهى. إلا أنه لا يخفى أن الأحكام الشرعية تحتاج إلى دليل وقوله: ينبغي حكم شرعي) كذا في (نيل الأوطار)(2/ 128)
(ولذلك (لما ماتت المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد وتلتقط الخرق والعيدان منه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام فقيل له: إنها ماتت فقال: فهلا آذنتموني؟ فقالوا: إنه كان ليلا قال: فكأنهم صغروا أمرها قال: فدلوني على قبرها. فأتى القبر فصلى عليها)
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. وله عنه طريقان:
الأول: عن حماد بن زيد بن عن ثابت عن أبي رافع عنه
أخرجه البخاري (1/ 438 - 439 و 440 و 3/ 159) ومسلم (3/ 56) وابن ماجه (1/ 465) والطيالسي (321 رقم 2446) وأحمد (2/ 353 و 388) يزيد بعضهم على بعض
وقد تابعه عن ثابت: أبو عامر الخزاز صالح بن رستم عند الطيالسي قرنه بحماد بن زيد وكلهم قالوا: إن رجلا أسود أو امرأة. هكذا على الشك إلا ابن ماجه فقال: إن امرأة سوداء. بدون شك
وإسناده صحيح كما قال المنذري (1/ 118) ويقوي هذه الرواية الطريق:
الثاني: عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة سوداء كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد فقال: أين فلانة؟ قالوا: ماتت. . . وذكر الحديث
أخرجه البيهقي (2/ 440) وكذلك أخرجه ابن خزيمة في (صحيحه) من هذا الوجه كما في (الفتح) وقال:
(رواه البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها أم محجن وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله أبو بكر الصديق وفيه: (كانت مولعة بلقط القذى من المسجد)
قلت: وقد روي الحديث أيضا عن أبي سعيد الخدري عند ابن ماجه وابن عباس عند الطبراني وعبيد بن مرزوق مرسلا عند الأصبهاني وفي أسانيدها ضعف وفيها كلها القطع بأن صاحبة القصة امرأة فراجع - إن شئت (الترغيب). قال الحافظ:
(وفي الحديث فضل تنظيف المسجد والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير. . . إلخ)
(و (رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا)
الحديث من رواية أنس رضي الله عنه
أخرجه النسائي (1/ 119) وابن ماجه (1/ 257) من طريق عائذ بن حبيب قال: ثنا حميد الطويل عنه
وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير عائذ بن حبيب وهو صدوق كما في (التقريب) وأشار إليه في (الفتح)(1/ 403) وسكت عليه وهو في البخاري وغيره بلفظ آخر عن حميد ولعله يأتي
وله شاهد من حديث ابن عمر مختصرا بلفظ:
رأى نخاعة في قبلة المسجد فحكها وخلق مكانها
أخرجه أحمد (2/ 18 و 34 - 35) من طريق ابن أبي رواد: ثني نافع عنه
وهذا سند حسن
وقد أخرجه أبو داود (1/ 78) من طريق أيوب عن نافع به إلا أنه قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به
وكذلك رواه الإسماعيلي كما في (الفتح)(1/ 404) وهو في (الصحيحين) بدون ذكر التخليق وسيأتي إن شاء الله تعالى في (المناهي)(1)
(1) وفي الباب عن جابر بن عبد الله: قال عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت:
أتينا جابرا وهو في مسجده فقال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا وفي يده عرجون ابن طاب فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة فاقبل عليها فحتها بالعرجون ثم قال:
(أيكم يحب أن يعرض الله عنه) ثم قال: =
(الخلوق) بفتح الخاء المعجمة: طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب
وفي الحديث دليل على تنظيف المسجد وتنزيهه عما يستقذر وتطييبه بالخلوق أو غيره. قال ابن عبد البر:
(وفي حكم البصاق في المسجد تنزيهه عن أن يؤكل فيه مثل البلوط والزبيب لعجمه وما له دسم وتلويث وحب دقيق وما يكنسه المرء من بيته). ذكره العراقي في (شرح التقريب)(2/ 385)
(ولذلك فإنه لا يجوز أن يلقى في المسجد شيئا من الحشرات ونحوها مما في معناها من بدنه لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا وجد أحدكم القملة في ثوبه فليصرها ولا يلقها في المسجد)
الحديث أخرجه أحمد (5/ 410): ثنا إسماعيل: ثني حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن رجل من الأنصار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . فذكره
= (إن أحدكم إذا قام يصلي. . .) الحديث. وفيه:
ثم قال: أروني عبيرا فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في راحته فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العرجون ثم لطخ به على أثر النخامة
قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم
أخرجه مسلم (8/ 232) وأبو داود (1/ 78 - 79) والبيهقي (2/ 294) وسيأتي في (المناهي) فقرة (10) الحديث الرابع الطريق الأولى
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير الحضرمي بن لاحق وهو لا بأس به كما في (التقريب) لكنه ذكر أنه من الطبقة السادسة أي: الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة وعلى هذا فالحديث منقطع (1) وقد قال الهيثمي (2/ 20):
(رواه أحمد ورجاله موثقون)
قلت: لكنه يتقوى بشاهده الذي ساقه في (المجمع) عقب هذا (عن شيخ من أهل مكة من قريش قال: وجد رجل في ثوبه قملة فأخذها ليطرحها في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل ردها إلى ثوبك حتى تخرج من المسجد). رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن محمد بن إسحاق عنعنه وهو مدلس)
قلت: ولم أجده الآن في (المسند)
(2 - إنارتها بما لا إسراف فيه لقوله عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس: (ائتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله) وقد مضى)
الحديث رواه أبو داود وهذا لفظه ورواه أحمد وابن ماجه بلفظ آخر سبق ذكره مع تخريجه في الكلام على المسجد الأقصى
(1) ثم رأيت البيهقي صرح بذلك فقال: (2/ 294) بعد أن ساق الحديث من هذا الوجه: (وهذا مرسل حسن في مثل هذا)
والحديث فيه مشروعية إيقاد السرج في المساجد لإنارتها وأقل ما يفيده الاستحباب وقد ترجم له أبو داود وكذا البيهقي ب:
(باب السرج في المساجد)
وأخرج ابن ماجه (1/ 356) عن خالد بن إياس عن يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن أبي سعيد الخدري قال: أول من أسرج في المساجد تميم الداري. قال في (الزوائد):
(هو موقوف وفي إسناده خالد بن إياس اتفقوا على ضعفه)
وقد روي هذا مفصلا في (تفسير القرطبي)(12/ 274):
(روى سعيد بن زبان: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي الله عنه قال: حمل تميم - يعني الداري - من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة فأمر غلاما يقال له: أبو البزاد فقام فنشط المقط وعلق القناديل وصب فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتيل فلما غربت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو بها تزهر فقال: (من فعل هذا؟) قالوا: تميم الداري يا رسول الله فقال: (نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها) قال نوفل بن الحارث: لي ابنة يا رسول الله تسمى المغيرة بنت نوفل فافعل بها ما أردت. فأنكحه إياها
زبان (بفتح الزاي وتشديدها بنقطة واحدة من تحتها) ينفرد بالتسمي
به سعيد (1) وحده فهو أبو عثمان سعيد بن زبان بن فائد بن زبان أبي هند
وأبو هند هذا مولى ابن بياضة حجام النبي صلى الله عليه وسلم
و (المقط): جمع المقاط: وهو الحبل فكأنه مقلوب القماط. والله أعلم)
قلت: هذا كله كلام القرطبي وسكت على الحديث وما كان ينبغي له السكوت عليه فإنه شديد الضعف فإن سعيدا هذا أورده الذهبي في (الميزان) وسمى أباه زيادا - بالمثناة التحتية - وساق له أحاديث بإسناد هذا المذكور عن آبائه عن أبي هند مرفوعا:
(من لم يرض بقضائي فليطلب ربا سوائي). وبه:
(نعم الطعام الزبيب يشد العصب ويذهب الوصب ويطفئ الغضب ويطيب النكهة ويذهب البلغم ويصفي اللون). قال الأزدي:
(متروك. وساق ابن حبان له هذا وقال: لا أدري البلية ممن هي؟ منه أو من أبيه أو جده)
قلت: والظاهر أن القناديل لم تكن معهودة الاستعمال في عهده عليه الصلاة والسلام لا في المساجد ولا في البيوت إلا أن يكون نادرا فإنه لم ينقل إلينا - فيما علمت - أي حديث يثبت ذلك. بل قد جاء ما ينفي ذلك في أحاديث:
(1) كذا في القرطبي ولعل الصواب: والد سعيد. فإنك ترى أن زبان اسم أبيه وقد ذكر الحافظ عبد الغني بن سعيد في (المؤتلف والمختلف)(ص 59) أن زبان بن قائد يكنى أبا جوين حمراوي
الأول: عن عائشة قالت:
كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني. . . الحديث وفيه قالت عائشة: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح
متفق عليه
الثاني: عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه:
أنه عليه الصلاة والسلام كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه
متفق علي أيضا
وهو ظاهر في أنه لم يكن في المساجد مصابيح يعرفون بها وجوه بعضهم بعضا ولذلك جعل انتهاء صلاته عليه الصلاة والسلام من الفجر حين ذهاب الغلس وابتداء انتشار النور الذي يكشف عن الوجوه. والله أعلم
(راجع (التراتيب الإدارية) فصل: هل أوقدت الشموع في المدينة على عهده عليه الصلاة والسلام. ج 1 ص 85)
ولكن ذلك لا ينفي مشروعية تنوير المسجد طالما أنه عليه الصلاة والسلام قد رغب إلى ذلك في الحديث السابق وعليه جرى العمل فيما بعد. وإنما قيدنا ذلك (بما لا إسراف فيه) لأن الإسراف لا خير فيه ولأنه من إضاعة المال سدى وقد نهينا عنه. فما اعتاده الناس من زيادة وقود القناديل الكثيرة من الأنوار الكهربائية في كثير من المساجد بمناسبة بعض المواسم والأعياد
- كأول جمعة من رجب وليلة النصف من شعبان وشهر رمضان كله والعيدين - محرم ممنوع لا سيما في العيدين فإن الأنوار فيهما تبقى متقدة إلى الضحوة فيهما
وقد قال ابن الحاج رحمه الله في (المدخل) في أثناء الكلام على بدع ليلة النصف من شعبان (1/ 308):
(ألا ترى إلى ما فعلوه من زيادة الوقود الخارج الخارق حتى لا يبقى في الجامع قنديل ولا شيء مما يوقد إلا أوقده حتى إنهم جعلوا الحبال في الأعمدة والشرفات وعلقوا فيها القناديل وأوقدوها وقد تقدم التعليل الذي لأجله كره العلماء رحمهم الله التمسح بالمصحف والمنبر والجدران. . . إلى غير ذلك إذ إن ذلك كان السبب في ابتداء عبادة الأصنام وزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر وإن لم يعتقدوا ذلك لأن عبدة النار يوقدونها حتى إذا كانت في قوتها وشعشعتها اجتمعوا إليها بنية عبادتها وقد حث الشارع صلوات الله وسلامه على ترك تشبه المسلمين بفعل أهل الأديان الباطلة حتى في زيهم المختص بهم. وانضم على ذلك اجتماع كثير من النساء والرجال والولدان الصغار الذي يتنجس الجامع بفضلاتهم غالبا وكثرة اللغط واللغو الكثير مما هو أشد وأكثر وأعظم من ليلة السابع والعشرين من رجب وقد تقدم ما في ذلك من المفاسد وفي هذه الليلة أكثر وأشنع وأكبر وذلك بسبب زيادة الوقود فيها فانظر رحمنا الله وإياك إلى هذه البدع كيف يجر بعضها إلى بعض حتى ينتهي ذلك إلى المحرمات). ا. هـ كلامه
وفي (الباعث على إنكار البدع والحوادث)(ص 22 - 23) نقلا عن أبي بكر الطرطوشي رحمه الله أنه قال:
(ومما أحدثه المبتدعون وخرجوا به عما وسمه المتشرعون وجروا فيه على سنن المجوس واتخذوا دينهم لهوا ولعبا الوقيد ليلة النصف من شعبان ولم يصح فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد صدوق من الرواة وما أحدثه [إلا] متلاعب بالشريعة المحمدية راغب في دين المجوسية لأن النار معبودهم. وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطغام وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه من سنن الإيمان ومقصودهم عبادة النيران وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا كان ذلك إلى النار التي أوقدوا ومضت على ذلك سنون وأعصار تبعت بغداد فيها سائر الأمصار هذا مع ما يجتمع في تلك الليلة من الرجال والنساء واختلاطهم فالواجب على السلطان منعهم وعلى العالم ردعهم. وإنما شرف شعبان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه فقد صح الحديث في صيامه صلى الله عليه وسلم شعبان كله أو أكثره)
ثم قال ابن أبي شامة (ص 25):
(فهذا كله فساد ناشئ من جهة المتنسكين المضلين فكيف بما يقع من فساد الفسقة المتردين وإحياء تلك الليلة بأنواع من المعاصي الظاهرة والباطنة وكلهم بسبب الوقيد الخارج عن المعتاد الذي يظن أنه قربة وإنما هو إعانة على معاصي الله تعالى وإظهار المنكر وتقوية لشعائر أهل البدع ولم يأت في الشريعة
استحباب زيادة في الوقيد على قدر الحاجة في موضع ما أصلا وما يفعله عوام الحجاج يوم عرفة بجبال عرفات وليلة يوم النحر بالمشعر الحرام فهو من هذا القبيل يجب إنكاره ووصفه بأنه بدعة ومنكر وخلاف الشريعة المطهرة)
(3 - أن يمشي إلى المسجد بالسكينة والوقار ولا يسرع لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة (زاد في حديث آخر: والوقار) فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)
الحديث من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: (ما شأنكم؟) قالوا: استعجلنا إلى الصلاة قال: (فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة. . .) الحديث
أخرجه البخاري (2/ 92) ومسلم (2/ 100 - 101) والدارمي (1/ 294) والبيهقي (2/ 298) وأحمد (5/ 306) عن يحيى بن أبي كثير: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره به. والزيادة في الحديث الآخر هي من حديث أبي هريرة وقد سبق لفظه في (الإقامة) في المسألة التاسعة مع ذكر طرقه فأغنى عن إعادته
قال الترمذي (2/ 149):
(اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى
الصلاة ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا: العمل على حديث أبي هريرة وقال إسحاق: إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشي)
أقول: الصواب كراهة الإسراع مطلقا فوت التكبير أو لا وقد سبق بيانه فيما تقدمت الإشارة إليه فليراجع هناك
(4 - يجب أن يدلك نعليه بالتراب إن أراد الدخول بهما إليه لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما)
الحديث من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقد سبق بغير هذا اللفظ وهو لأبي داود وإسناده صحيح كما ذكرنا هناك في المسألة الثالثة من طهارة المكان
(5 - أن يبتدئ دخوله بالرجل اليمنى فإن ذلك من السنة كما قال أنس ابن مالك رضي الله عنه: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى)
أخرجه الحاكم (1/ 218) ومن طريقه البيهقي (2 /) عن شداد أبي طلحة قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عنه به واختلفا فيه فقال الحاكم:
(صحيح على شرط مسلم فقد احتج بشداد بن سعيد أبي طلحة الراسبي) ووافقه الذهبي
وخالفه تلميذه البيهقي فقال:
(تفرد به شداد بن سعيد أبو طلحة الراسبي وليس بالقوي)
والحق ما قاله الحاكم أنه على شرط مسلم لكن الراسبي هذا متكلم فيه فينزل حديثه عن رتبة الصحيح إلى منزلة الحسن فقد قال فيه الذهبي إنه:
(صالح الحديث). وقال الحافظ في (التقريب):
(إنه صدوق يخطيء)
وأورده حديثه هذا في (الفتح)(1/ 415) ولم يضعفه فالحديث حسن
وله شاهد موقوف فقال البخاري:
(باب التيمن في دخول المسجد وغيره: وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى)
هكذا أخرجه تعليقا. وقال الحافظ:
(ولم أره موصولا)
والقسم الأول منه يؤيده عموم حديث عائشة رضي الله عنه قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله
أخرجه البخاري (1/ 216 و 415) ومسلم (1/ 155 - 156)
وقد احتج به البخاري في هذا الباب
وقال الحافظ بعد أن ساق حديث أنس السابق:
(والصحيح أن قول الصحابي: من السنة كذا محمول على الرفع لكن لما لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار إليه بأثر ابن عمر وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضا ويحتمل أن يقال: في قولها: ما استطاع احترازا عما لا يستطاع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج من المسجد وكذا تعاطي الأشياء المستقذرة باليمين كالاستنجاء والتمخط وعلمت عائشة رضي الله عنه حبه صلى الله عليه وسلم لما ذكرت إما بإخباره لها بذلك وإما بالقرائن)
(6 - أن يقول عند الدخول استحبابا: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم)
الحديث أخرجه أبو داود (1/ 76) من طريق عقبة بن مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال. . . فذكره وفي آخره قوله المذكور: فإذا قال ذلك. . . إلخ
وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عقبة بن مسلم هذا وإسماعيل بن بشر بن منصور شيخ أبي داود فيه وهما ثقتان وقال النووي في (الأذكار):
(حديث حسن إسناده جيد)
قلت: وعزاه الحافظ ابن كثير في (تفسيره)(3/ 293) ل (صحيح البخاري) وذلك وهم منه رحمه الله
(ويقول أيضا كما كان عليه الصلاة والسلام يقول: (بسم الله اللهم صل على محمد وسلم اللهم افتح لي أبواب رحمتك)
جاء هذا في أحاديث:
الأول: عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: (بسم الله اللهم صل على محمد وإذا خرج قال: بسم الله اللهم صل على محمد)
أخرجه ابن السني في (عمل اليوم والليلة)(ص 31 رقم 86) قال: ثني الحسن بن موسى الرسعني: ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي: ثنا إبراهيم بن محمد بن البحتري - شيخ صالح بغدادي -: ثنا عيسى بن يونس عن معمر عن الزهري عنه
وهذا سند حسن أو محتمل للتحسين
الحسن بن موسى هو ابن ناصح بن يزيد أبو سعيد الخفاف قال الخطيب (7/ 429):
(قدم بغداد وحدث بها عن ابن سليمان وسعيد بن عبد الملك الحراني والحسن بن عمر بن شقيق البلخي وعقبة بن مكرم الضبي روى عنه محمد ابن خلف بن وكيع ويحيى بن محمد بن صاع ومحمد بن مخلد وعبيد الله
ابن عبد الرحمن السكري وأبو ذر القراطيسي)
ثم ساق له حديثا واحدا من طريق سعيد بن عبد الملك الحراني: ثنا الوليد ابن مسلم عن أبي إسحاق الفزاري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال فقال: يا بلال ناد في الناس أن الخليفة من بعد عمر عثمان قال: فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: يا بلال امض أبى الله إلا ذلك. ثلاث مرات)
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد روى عنه جمع من الثقات كما رأيت لكن هذا الحديث منكر جدا بل موضوع لكن الحمل فيه ليس عليه بل على شيخه سعيد بن عبد الملك الحراني ففي ترجمته أورده الذهبي من طريق الخطيب ثم قال:
(فهذا موضوع والرسعني إن شاء الله محله الصدق)
وإبراهيم بن الهيثم البلدي قال الخطيب (6/ 207):
(ثقة ثبت لا يختلف شيوخنا فيه)
وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الستة غير إبراهيم بن محمد بن البحتري فلم أجد من ذكره ولم يورده الخطيب في (تاريخه) بالرغم من كونه على شرطه وقد وثق في هذه الرواية كما ترى. والله أعلم
الثاني: عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: (رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي
أبواب رحمتك)
وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: (رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)
أخرجه الترمذي (2/ 127 - 128) وابن ماجه (1/ 259) وأحمد (6/ 282 - 283 و 283) من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى رضي الله عنها واللفظ للترمذي وأحمد وزادا: قال إسماعيل بن إبراهيم: فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة فسألته عن هذا الحديث فحدثني به قال: (كان إذا دخل قال: رب افتح لي باب رحمتك وإذا خرج قال: رب افتح لي باب فضلك)
ولفظ ابن ماجه مثل لفظهما إلا أنه قال: (بسم الله والسلام على رسول الله) بدل: (صلى الله على محمد وسلم). في الموضعين. وهو رواية لأحمد
وأخرجه ابن السني (ص 31 رقم 85) من طريق سعير بن الخمس عن عبد الله بن الحسن به بلفظ:
حمد الله وسمى
في الموضعين أيضا والباقي مثله سواء
وذكر الحمد فيه شاذ بل منكر فإنه من رواية إبراهيم بن يوسف الكندي عن سعير وهو وإن كان صدوقا عند مطين وغيره فقد قال النسائي:
(ليس بالقوي)
ولذلك قال الحافظ في (التقريب):
(صدوق فيه لين)
فلا يحتج بما تفرد به
ثم إن الحديث قال الترمذي إنه:
(حديث حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشهرا)
قلت: فالإسناد ضعيف لانقطاعه وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده التي نحن بصدد ذكرها والله أعلم
وبعد كتابة ما تقدم وجدت لإبراهيم بن يوسف الكندي متابعا على ذكر الحمد فيه وهو عبد العزيز بن محمد الدراوردي فقال أبو العباس الثقفي: ثنا أبو رجاء: ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا عبد العزيز - هو ابن محمد - عن عبد الله بن حسن عن أمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة ابنته رضي الله عنها:
(إذا دخلت المسجد فقولي: بسم الله والحمد لله اللهم صل على محمد وسلم اللهم اغفر لي وسهل لي أبواب رحمتك. فإذا خرجت من المسجد فقولي كذلك إلا أنه قال: وسهل لي أبواب رزقك)(1)
فقد تابعه عبد العزيز بن محمد وزاد عليه وعلى من سبق أنه جمع بين الحمد والتسمية وبين الصلاة والسلام وهذه مخالفة
(1) أورده ابن القيم في (جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام)(ص 52)
الثانية من الدراوردي وهو وإن كان ثقة واحتج به مسلم ففيه شيء قال في (التقريب):
(صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ)
فلا يحتج به أيضا إذا خالف الثقات مثل إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية الثقة الحافظ
وقد أخطأ الدراوردي خطأ آخر حيث إنه جعل الحديث من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة بينما الحديث من روايتها عنه صلى الله عليه وسلم من فعله كما رواه سائر الرواة فتنبه
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:
(إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم)
أخرجه ابن ماجه (1/ 260) والحاكم (1/ 207) وعنه البيهقي (2/ 442) وابن السني (ص 31 رقم 84) من طريق أبي بكر الحنفي: ثنا الضحاك بن عثمان: ثني سعيد المقبري عنه. وقال الحاكم:
(صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي
وليس كما قالا وإنما هو على شرط مسلم وحده فإن الضحاك بن عثمان لم يخرج له البخاري
والحديث رواه ابن خزيمة أيضا وابن حبان في (صحيحهما) كما في (الجلاء)(ص 262) و (تفسير ابن كثير)(3/ 294) وعزاه الشوكاني في (تحفة الذاكرين)(ص 94) لمسلم وهو وهم منه أو سبق قلم وقال في (الزوائد):
(إسناده صحيح رجاله ثقات)
الرابع: عن أبي حميد أو عن أبي أسيد مرفوعا بلفظ:
(إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك)
أخرجه مسلم (2/ 155) والدارمي (2/ 293) والبيهقي (2/ 441) من طرق عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد أو عن أبي أسيد
وقد تابعه عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة به على الشك
أخرجه أبو داود (1/ 76) والدارمي (1/ 324) والبيهقي
وعمارة بن غزية عند مسلم والبيهقي عن بشر بن مفضل عنه
وخالفه إسماعيل بن عياش بن عمارة بن غزية فقال: عن أبي حميد وحده
أخرجه ابن ماجه (1/ 259)
وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها
وهو من الطريق الأولى عند النسائي (1/ 119) وأحمد (3/ 497 و 5/ 425)
عن أبي عامر قال: ثنا سليمان بن بلال به إلا أنه قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان: فجمعهما معا. ولعل الرواية الأولى أقرب إلى الصواب وأولى لأن أكثر الرواة عن سليمان بن بلال عليها ولأنه قد تابعه الدرواردي عليها بدون خلاف عليه وليس كذلك الروايات الأخرى. والله أعلم
هذا وعند أبي داود وابن ماجه والدارمي في رواية والبيهقي زيادة: (فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول فقط
وكذلك رواه أبو عوانة في مسنده الصحيح (ج 1 ص 414) بنحو رواية أبي داود وزاد فيه: (وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم كما في (نزل الأبرار)(ص 72)
وعلى هذا فهو مثل حديث أبي هريرة تماما
وهما يفيدان وجوب هذا الذكر ولذلك قلنا:
(وهذا الدعاء واجب لأمره عليه الصلاة والسلام به في قوله: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم)
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه
وله شاهد من حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنه وقد سبق تخريجهما آنفا
قال النووي في (شرح مسلم):
(فيه استحباب هذا الذكر)
قلت: القول: بالاستحباب فقط يحتاج إلى دليل يخرج الأمر المفيد بظاهره الوجوب إلى الاستحباب ولا دليل فيما علمنا. ولو كان هناك أي دليل لذكره النووي نفسه أو غيره ولذلك ذهب إلى وجوبه الإمام ابن حزم فقال في (المحلى)(4/ 60):
(وواجب على من دخل المسجد أن يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج منه فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك. وهذا إنما هو من شروط دخول المسجد متى دخله لا من شروط الصلاة فصلاة من لم يقل ذلك جائزة وقد عصى في تركه قوله ما أمر به)
ثم ساق الحديث من طريق مسلم عن أبي حميد أو أبي أسيد. ولم تقع في رواية مسلم: فليسلم. كما سبقت الإشارة إليه وكأن ابن حزم لم يقف عليها في الروايات الأخرى ولا على حديث أبي هريرة الذي فيه الزيادتان وإلا لذكرهما ولقال بوجوب السلام أيضا
ثم إن ظاهر الحديث يفيد وجوب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقط دون الصلاة عليه فإنها مستحبة لثبوتها من فعله عليه الصلاة والسلام كما سبق إلا أنه قد يقال: إن السلام فيه مجمل وقد بينه عليه الصلاة والسلام بفعله حيث كان يجمع بين الصلاة والسلام وذلك هو مقتضى قوله تعالى:
{إن
الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب / 56]. فكما أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تشمل السلام عليه أيضا كما بينته الآية الكريمة وكما في التشهد فلعل السلام عليه يشمل الصلاة عليه أيضا عند الإطلاق. هذا ما عن لي في هذا الموضع ذكره فإن كان صوابا فمن الله تعالى وإن كان غير ذلك فاستغفر الله وأرجو تصحيحه ممن قدر عليه
قال السندي:
(وإنما شرع (السلام) على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المصلي المسجد وعند خروجه لأنه السبب في دخوله المسجد ووصول الخير العظيم فينبغي أن يذكره بالخير. وتخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج لأن الدخول وضع لتحصيل الرحمة والمغفرة وخارج المسجد هو محل طلب الرزق وهو المراد بالفضل)
(تنبيه): قال شيخ الإسلام في (الرد على الإخنائي) (ص 150:
(في (سنن أبي داود) وغيره أنه يقال عند دخول المسجد: (اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا)
قلت: الحديث في الأدب من (سنن أبي داود) من حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولج الرجل في بيته فليقل: اللهم. . .)
إلخ. وإسناده ضعيف وهو كما ترى من أوراد دخول الدار لا المسجد ولذلك ترجم له أبو داود ب (باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول) فالظاهر أن شيخ الإسلام قد وهم في جعله من أوراد دخول المسجد ولم أجد من ذكر ذلك غيره نعم علق بعضه شيخ الإسلام عن ابن سيرين: كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد فذكر الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وبسم الله دخلنا وبسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك
(7 - أن يصلي ركعتين قبل القعود وجوبا لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) وفي لفظ: (فلا يجلس حتى يركع ركعتين [ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته])
الحديث من رواية أبي قتادة الأنصاري
أخرجه مالك في (الموطأ)(1/ 176) ومن طريقه محمد (ص 150) وكذا البخاري (1/ 426) ومسلم (2/ 155) وأبو داود (1/ 76) والنسائي (1/ 119) والترمذي (2/ 129) وقال: حسن صحيح والدارمي (1/ 323) وابن ماجه (1/ 317) والطحاوي (1/ 217) وأحمد (5/ 295 و 303) والخطيب (5/ 236 و 12/ 318) كلهم من طريق مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عنه
وتابعه عن عامر: عبد الله بن سعيد عند البخاري (3/ 37) واللفظ الثاني له وأبو عميس عتبة بن عبد الله عند أبي داود وأحمد (5/ 311) والزيادة له
عند الأول منهما بإسناد صحيح على شرطهما وفليح بن سليمان عند الدارمي وعثمان بن أبي سليمان ومحمد بن عجلان عند الطحاوي وأحمد (5/ 296 و 305) ويحيى بن سعيد الأنصاري عند الطبراني في (الصغير)(ص 76) باللفظ الثاني أيضا كلهم قالوا: عن عامر بن عبد الله عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة
وخالفهم سهيل بن أبي صالح فقال: عن عامر بن عبد الله عن عمرو بن سليم الزرقي عن جابر بن عبد الله مرفوعا به
أخرجه الطحاوي والخطيب (3/ 47) وقال:
(وهو وهم خالف سهيل الناس في روايته والصواب: عن أبي قتادة)
وذكر نحوه الترمذي وحكاه عن ابن المديني
قلت: وحديث جابر إنما هو في الصلاة في المسجد عند القدوم من السفر كما يأتي إن شاء الله تعالى
وتابع عامرا: محمد بن يحيى بن حبان عن عمرو بن سليم بن خلدة الأنصاري عن أبي قتادة قال: دخلت المسجد. . . الحديث ويأتي في الأصل
أخرجه مسلم وأحمد باللفظ الثاني. وفيه فائدة سبب ورود الحديث وهي عزيزة
وله طريق أخرى بلفظ آخر فقال الحافظ بعد أن ذكر سبب الورود:
(وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة: أعطوا المساجد حقها. قيل له: وما حقها؟ قال: ركعتين قبل أن تجلس)
قلت: وقد أخرجه الخطيب من طريق عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعا بلفظ:
(إذا دخلت المسجد فحيه ركعتين قبل الإمام)
وإسناده ضعيف فيه جماعة لا يعرفون
وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا مثل رواية عبد الله بن سعيد
أخرجه ابن ماجه من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عنه. وفي (الزوائد):
(رجاله ثقات إلا أنه منقطع قال أبو حاتم: المطلب بن عبد الله عن أبي هريرة مرسل)
والحديث دليل بظاهره على وجوب ركعتي تحية المسجد لأنه في الرواية الأولى أمر بهما والأمر للوجوب وفي الأخرى نهى عن الجلوس قبل الصلاة وذلك يفيد التحريم وقد ذهب إلى هذا الظاهرية حاشا ابن حزم منهم فإنه صرح في (المحلى) بأنها سنة وهو قول الجمهور وأجابوا عن الحديث بأن الأمر فيه للندب واحتجوا على ذلك بأدلة لا تنهض بما ادعوه وقد ساقها المحقق الشوكاني وتعقبها مبينا عدم صلاحيتها لصرف الأمر من الوجوب إلى الندب من ذلك على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يتخطى:
(اجلس فقد آذيت) ولم يأمره بصلاة. قال الحافظ:
(كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر). قال الشوكاني:
(ولعل وجهه أنه لا مانع له من أن يكون قد فعلها في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه أو أنه كان ذلك قبل الأمر بها والنهي عن تركها)
وهكذا كل ما احتجوا به لا دليل فيه فانظر تفصيل ذلك في (نيل الأوطار)
(وهذه الصلاة تعرف ب (تحية المسجد)(1) وهي لا تفوت بالجلوس ولو بدون عذر النسيان ونحوه يدل لذلك سبب ورود الحديث فقال أبو قتادة رضي الله عنه:
دخلت مسجد رسول الله بين ظهراني الناس قال: فجلست فقال رسول الله: (ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟) قال: فقلت: يا رسول الله رأيتك جالسا والناس جلوس قال. . . فذكر الحديث)
الحديث رواه مسلم وأحمد كما سبق قريبا
وفي الباب عن جابر ويأتي بعد هذا
(1) وقد روى أحمد في (الزهد) عن ميمون بن مهران (وهو تابعي فقيه مات سنة (117) أنه كان يقول: (تحية المسجد إذا دخلت أن تركع ركعتين). قال النجم: (وهذا الكلام يجري على ألسنة الفقهاء. ومن العجب أن بعض المتفقهين في العصر زعم أنه لا يقال تحية المسجد مع ورود مثل ذلك وجريانة على ألسنة الفقهاء قديما وحديثا) كذا في (كشف الخفاء)(1/ 299)
وعن أبي ذر:
أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(أركعت ركعتين؟). قال: لا قال:
(قم فاركعهما)
رواه ابن حبان في (صحيحه) كما في (الفتح)
قلت: وقد أخرجه أيضا الطيالسي وأحمد من طريق المسعودي عن أبي عمرو الشامي عن عبيد بن الخشخاش عنه
وهذا سند ضعيف المسعودي كان قد اختلط
وشيخه أبو عمرو ويقال: أبو عمر: ضعيف
وعبيد بن الخشخاش - بمعجمات وقيل: بمهملات - لين كما في (التقريب)
والحديث رواه البزار أيضا والطبراني في (الأوسط) كما في (المجمع) وقال:
(وفيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط)
قلت اقتصر على هذا في تضعيف الحديث وهو قصور ولو أنه أضاف إليه شيخه ومن فوقه أو اقتصر عليهما لكان أولى لما عرفت من حالهما والمسعودي خير منهما
وهذا الحديث ترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس. وقال الحافظ:
(صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك وفيه نظر لحديث ابن حبان هذا ومثله قصة سليك كما سيأتي وقال المحب الطبري: يحتمل أن يقال: وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال: وقتهما قبله أداء وبعده قضاء ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل)
قلت: وهذا الاحتمال الأخير هو الأقرب لأنه عليه الصلاة والسلام في هذه الأحاديث بادر إلى الأمر ولم يؤجل. والله أعلم
ثم إن الحديث يدل بعمومه على جواز تحية المسجد في الأوقات المكروهة وقد اختلف العلماء في ذلك والأرجح ما أفاده عموم الحديث لأنه لم يأت ما يقوى على تخصيصه كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه وتفصيله
(وكذلك فإنها لا تسقط عن الداخل يوم الجمعة والخطيب على المنبر يخطب بل لا بد من الإتيان بها غير أن يخففها فقد:
جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس [قبل أن يصلي] فقال له: يا سليك [أصليت ركعتين؟ قال: لا قال:]
(قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما)(زاد في حديث آخر: فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب) ثم [أقبل على الناس ف] قال:
(إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين [خفيفتين] يتجوز فيهما [ثم ليجلس])
الحديث ورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنه مطولا ومختصرا فمنهم:
(1)
جابر بن عبد الله الأنصاري وحديثه أتم وله عنه طرق أكملها وأتمها الطريق:
1 -
الأعمش عن أبي سفيان عنه
أخرجه مسلم والسياق له وأبو داود وابن ماجه والطحاوي وأحمد والزيادتان الأخيرتان لهما
وقد تابعه الوليد أبو بشر عن سفيان واسمه طلحة الإسكاف وفيه الزيادة التي قبلهما
أخرجه أبو داود وأحمد والدارقطني
2 -
عمرو بن دينار عنه مختصرا:
جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة يخطب فقال له:
(أركعت ركعتين؟) قال: لا قال: (فاركع)
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
والترمذي وابن ماجه والطحاوي وأحمد من طرق عنه وبعض أسانيده عند أحمد ثلاثي
ورواه شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب:
(إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعيتن)
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والطحاوي والطيالسي وأحمد والدارقطني (1)
3 -
عن الليث عن أبي الزبير عن جابر:
نحو رواية عمرو بن دينار وزاد تسمية الرجل سليكا وفيه الزيادة الأولى. أخرجه مسلم وكذا الطحاوي
وتابعه يزيد بن إبراهيم عن أبي الزبير
أخرجه الطحاوي وأحمد وزاد: قال: قال: وكان جابر يقول: إن صلى في بيته يعجبه إذا دخل أن يصليهما
(2)
ومنهم سليك نفسه
رواه هشام بن حسان عن الحسن عنه أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب
(1) وله عنده طريق رابعة عن ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عنه. وفيه بعد: (اركع ركعتين: ولا تعد لمثل هذا) وهذا إسناد رجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعن وبهذه الزيادة رواه ابن حبان في (صحيحه) وقال: (يريد الإبطاء لا الصلاة) كما في (نصب الراية)(2/ 203)
على المنبر يوم الجمعة فقال له: (أركعت ركعتين؟) قال: لا قال: (صل ركعتين وتجوز فيهما)
أخرجه الطحاوي: ثنا يزيد بن سنان قال: ثنا صفوان بن عيسى قال: ثنا هشام بن حسان
وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين غير يزيد بن سنان وشيخه صفوان وهما ثقتان كما في (التقريب) إن كان الحسن - وهو البصري - سمعه من سليك
وقد ورد عنه مرسلا فقد قال الربيع بن صبيح البصري: رأيت الحسن يصلي ركعتين والإمام يخطب. وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين يتجوز فيهما)
أخرجه الدارمي عن سفيان الثوري عنه
والربيع بن صبيح صدوق سيء الحفظ كما في (التقريب)
وقد تابعه في الموقوف منه العلاء بن خالد القرشي قال:
رأيت الحسن البصري دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فصلى ركعتين ثم جلس
أخرجه الترمذي ثم قال:
(إنما فعل الحسن اتباعا للحديث وقد روى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا
الحديث). والعلاء هذا رماه أبو سلمة (التبوذكي) بالكذب وتناقض فيه ابن حبان
(3)
ومنهم أبو هريرة
أخرجه أبو داود وابن ماجه من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وعن أبي صالح عن أبي هريرة به نحو حديث سليك نفسه
وهذا سند صحيح على شرط مسلم
وحديثه عن أبي سفيان عن جابر تقدم
(4)
ومنهم أبو سعيد الخدري
وله طريقان:
1 -
عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح:
أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروان يخطب فقام يصلي فجاء الحرس ليجلسوه فأبى حتى صلى فلما انصرف أتيناه فقلنا: رحمك الله إن كادوا ليقعوا بك فقال: ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أن رجلا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فأمره فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب
أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي واحمد من طرق عنه. وأخرجه كذلك الطحاوي وابن خزيمة وابن حبان كما في (الفتح) ورواه الدارمي وابن ماجه مختصرا
والإسناد حسن. وقال الترمذي:
(حديث حسن صحيح)
2 -
عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري أنه قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فدخل أعرابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فجلس الأعرابي في آخر الناس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(أركعت ركعتين؟) قال: لا
قال: فأمره فأتى الرحبة التي عند المنبر فركع ركعتين
أخرجه أحمد
وإسناده حسن في المتابعات والشواهد
ثم قال الترمذي:
(والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم: إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي. وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة والقول الأول أصح)
قلت: وبه قال الدارمي أيضا صاحب (السنن) وهو كما قال الترمذي رحمه الله أنه الأصح وقد تكلف الإمام الطحاوي رحمه الله كثيرا في رد هذا النص الصريح وغاية ما احتج به من النقل هو قوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا قلت
لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) وذلك لأن الأمر بالمعروف أعلى من ركعتي التحية فإذا منع منه منع منهما بالأولى
هذه هي وجهة نظر الحنفية في احتجاجهم بالحديث المذكور كما قرره السندي ولكنه رحمه الله لم يرتض ذلك بل رده بقوله:
(وفيه بحث: أما أولا: فلأنه استدلال بالدلالة أو القياس في مقابلة النص فلا يسمع. وأما ثانيا: فلأن المضي في الصلاة لمن شرع فيها قبل الخطبة جائز بخلاف المضي في الأمر بالمعروف لمن شرع فيه قبل فكما لا يصح قياس الصلاة بالأمر بالمعروف بقاء لا يصح ابتداء. والله تعالى أعلم)
قلت: ونحن لا نسلم أن الأمر أعلى من تحية المسجد بل نقول العكس وهو ظاهر النص أي: إن التحية أعلى من الأمر بالمعروف في ذلك الوقت ولذلك أمر بها دون هذا وذلك من أدلة وجوبها كما سبق تقريره قريبا. فتأمل
ولوضوح الحجة في هذه المسألة أمسك عن التعرض لبقية الوجوه والآراء المشار إليه آنفا ونقضها وأحيل من أراد الاطلاع عليها بتوسع وبسط على (فتح الباري) و (نيل الأوطار) وإنما أنبه هنا على ما روي مرفوعا مما لو صح لكان حجة للحنفية وهو ما أخرجه الطبراني في (الكبير) عن ابن عمر مرفوعا:
(إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام). قال الهيثمي (2/ 184):
(وفيه أيوب بن نهيك وهو متروك ضعفه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطيء)
وأشار الحافظ في (الفتح) لضعفه
وأورده صاحب (الهداية) مرفوعا بلفظ:
(إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام). وقال مخرجه الزيلعي:
(قلت: غريب مرفوعا قال البيهقي: رفعه وهم فاحش إنما هو من كلام الزهري). ثم قال (ص 204):
(وذكرأبو محمد عبد الحق في (أحكامه) قال: وروى أبو سعيد الماليني في كتابه عن محمد بن أبي مطيع عن أبيه عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعا: لا تصلوا والإمام يخطب)
وسكت عليه الزيلعي ولعله لظهور ضعفه فالحارث هذا هو الأعور وهو ضعيف
وكذلك محمد بن جابر - وهو السحيمي - وأبو مطيع - وهو البلخي واسمه الحكم بن عبد الله - كلهم ضعفاء ولذلك قال الحافظ في (الدراية):
(وإسناده واه)
(1) بل صرح بذلك حيث قال: (ضعيف فيه أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث قاله أبو زرعة وأبو حاتم)
(8 - أن يبدأ به فيصلي فيه صلاة القدوم من السفر فقد:
(كان عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس)
الحديث من رواية كعب بن مالك رضي الله عنه
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طريق عبد الله بن كعب وعبيد الله بن كعب عنه. وهو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وتوبته
وله شاهد من حديث ابن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من حجته دخل المدينة فأناخ على باب مسجده ثم دخل فركع فيه فركعتين ثم انصرف إلى بيته
قال نافع: فكان ابن عمر كذلك يصنع
رواه أبو داود وأحمد عن ابن إسحاق: ثني نافع عن ابن عمر
وهذا سند حسن:
وآخر من حديث أبي ثعلبة بلفظ:
كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يثني بفاطمة ثم يأتي أزواجه. وفي لفظ:
ثم بدأ ببيت فاطمة ثم أتى بيوت نسائه
رواه الطبراني وغيره كما في (الفتح) وفي نسختنا بياض مكان الغير
والحديث الأول ظاهره أن الصلاة هذه كانت لأجل الجلوس في المسجد لا للقدوم من السفر لكن شاهداه صريحان - لا سيما الأخير منهما - بأنها كانت للقدوم من السفر ومثله حديث جابر الآتي في الأعلى. ولذلك قال النووي في (شرح مسلم) تعليقا عليه وعلى حديث كعب:
(في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته)
وقال ابن القيم في صدد ذكره الحكم والفوائد التي اشتملت عليها قصة الثلاثة الذين خلفوا:
(ومنها أن السنة للقادم من السفر أن يدخل البلد على وضوء وأن يبدأ ببيت الله قبل بيته فيصلي فيه ركعتين ثم يجلس للمسلمين عليه ثم ينصرف إلى أهله)
(وقد أمر صلى الله عليه وسلم بذلك فينبغي الاهتمام به فقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا المدينة قال لي: ائت المسجد فصل فيه ركعتين [قال: فدخلت فصليت ثم رجعت])]
الحديث أخرجه الطيالسي: ثنا شعبة عن محارب ابن دثار قال: سمعت جابرا يقول. . . . فذكره
وهذا سند صحيح غاية
وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد من طرق عن شعبة به
وقد تابعه مسعر: ثنا محارب به نحوه
أخرجه البخاري وأحمد
وتابعه وهب بن كيسان عن جابر نحوه وفيه الزيادة
أخرجه مسلم
وظاهر الأمر يفيد وجوب صلاة القدوم من السفر في المسجد لكني لا أعلم أحدا من العلماء ذهب إليه فإن وجد من قال به صرنا إليه. والله أعلم
(9 - أن يبدأ الخروج منه بالرجل اليسرى عكس الدخول فإنه من السنة كما سبق هناك)
في الدخول إلى المسجد فقرة (5) فراجعه
(10 - وأن يقول عند ذلك: (بسم الله اللهم صل على محمد وسلم اللهم إني أسألك من فضلك) وتارة يقول: (اللهم اعصمني (وفي لفظ: أجرني وفي آخر: أعذني) من الشيطان الرجيم) وهذا كله واجب قوله للأمر به كما مضى)
في الفقرة السادسة
وتنبه هنا على ما لا بد منه وهو:
أن اللفظ الأول: (اعصمني) هو رواية ابن ماجه وكذا ابن السني في رواية
واللفظ الثاني: (أجرني) رواية الحاكم والبيهقي
والثالث: (أعذني) رواية لابن السني
والظاهر أنه اختلاف من الرواة فيأتي مرة بهذا وبهذا لأنه لم يترجح عندي الأصح منها
(11 - أن يخرج منه وفي نيته أن يعود إليه لعله يصير من السبعة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم:
(سبعة يظلهم الله [يوم القيامة] في ظله (وفي حديث آخر: ظل عرشه) يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل [حتى توفي على ذلك] ورجل قلبه معلق بالمسجد (وفي لفظ: كأنما قلبه معلق في المسجد زاد في الحديث الآخر: من حبها) إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله خاليا (وفي لفظ: في خلأ) ففاضت عيناه [من خشية الله] ورجل دعته امرأة ذات حسب (وفي لفظ: ذات منصب) وجمال [إلى نفسها] فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه (وفي لفظ: تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله)
الحديث أخرجه مالك في (الموطأ) ومن طريقه الترمذي وقال: (حسن صحيح) ومسلم أيضا والبيهقي في (الأسماء والصفات) كلهم عنه عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره على الشك بين أبي سعيد وأبي هريرة
وقد رواه عبيد الله بن عمر عن خبيب به فقال: (عن أبي هريرة) وحده
أخرجه البخاري وله الزيادة الأولى وكذا النسائي ومسلم والترمذي وصححه أيضا وأحمد من طرق عنه نحوه وفيه عند الجميع اللفظ الثالث وعند البخاري والنسائي اللفظ الثاني
وزاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر الزيادة الثانية وعنده اللفظ الأول والرابع وهو الأخير
أخرجه الجوزقي كما في (الفتح). والزيادة الرابعة وهي الأخير أيضا عند البخاري والنسائي وأحمد والزيادة الثالثة عند الجوزقي وكذا الثانية
والحديث أخرجه أيضا الطيالسي والخطيب من طريق المبارك بن فضالة قال الأول: عن خبيب بن عبد الرحمن وقال الآخرون: عن عبيد الله عن خبيب به نحوه
وفيه عند الأول الزيادة الثالثة وعند الآخر اللفظ الثاني وعند الأول: (حتى يرجع إليه) بدل قوله: (إذا خرج منه حتى يعود إليه)
وأخرجه البيهقي في (الأسماء) من طريق جعفر بن محمد بن الليث: ثنا عمر بن مرزوق: أنا شعبة عن خبيب به مع اختلاف في بعض الجمل لفظا ومعنى وقال: (تحت عرشه)
وجعفر بن محمد بن الليث ضعيف لكن لم يتفرد بذكر العرش فيه فقد قال البيهقي:
(وروي لفظ العرش في الحديث المرفوع) ثم ساق هذا الحديث ثم قال:
(وروي ذلك أيضا عن عبد الله بن عمر بن حفص عن خبيب وروي أيضا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة)
قلت: وقد وجدت له طريقا ثالثا عن أبي هريرة أخرجه الخطيب من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا بلفظ:
(تحت ظل عرشه)
وعبد الله بن عامر الأسلمي ضعيف
ومن طريق أخرجه البيهقي في (الشعب) كما في (الفتح) ولم يسق لفظه ثم قال:
(وعبد الله بن عامر ضعيف لكنه ليس بمتروك وحديثه حسن في المتابعات)
قلت: ويقويه الحديث الآخر المشار إليه والذي فيه هذه الزيادة وهو من حديث سلمان عن سعيد بن منصور بإسناد حسن موقوفا عليه. قال الحافظ:
(لكن حكمه الرفع)
قلت: ورواه البيهقي أيضا من طريق قتادة أن سلمان قال:
(التاجر الصدوق مع السبعة في ظل عرش الله تعالى يوم القيامة) ثم ذكر السبعة المذكورين في الخبر المرفوع
وفي (الجامع الصغير) حديث: (سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله. . .) الحديث وفيه:
(ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها. . .) الحديث
رواه ابن زنجويه عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن أبي هريرة
وبالجملة فهذه الزيادات التي أوردناها في صلب الحديث ثابتة في مجموع طرق الحديث وهي تكشف المعنى أو نحوه وتدفع الاختلاف الذي قد يدور حوله كما يتبين لك ذلك بمراجعة الشروح
والمقصود من إيراد الحديث هنا هو قوله عليه الصلاة والسلام:
(ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه). قال المناوي:
(كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة فلا يصلي صلاة إلا
في المسجد ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه فهو ملازم للمسجد بقلبه فليس المراد دوام الجلوس فيه)
(12 - والأفضل لمن كان فارغا لا عمل له أو كان غنيا عن الكسب أن يبقى فيه انتظارا للصلاة الأخرى فإن فيه فضلا عظيما لقوله صلى الله عليه وسلم: (من جلس في المسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة)
الحديث رواية سهل بن سعد الساعدي
أخرجه النسائي وأحمد من طريق عياش بن عقبة قال: ثني يحيى بن ميمون قال: وقف علينا سهل بن سعد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. . . فذكره:
واللفظ لأحمد وقال النسائي:
(كان) بدل: (جلس)
وهذا إسناد جيد: عياش بن عقبة وشيخه يحيى بن ميمون قال النسائي في كل منهما:
(لا بأس به) وفي (التقريب) أنهما:
(صدوقان)
(وقوله: (منتظر الصلاة من بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه)(أي: عدوه) تصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم وهو في الرباط الأكبر)
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أخرجه أحمد من طريق نافع بن سليمان عن عبد الرحمن بن مهران عنه
وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم رجال مسلم غير نافع بن سليمان وقد وثقه ابن معين وقال أبو حاتم:
(صدوق) كما في (التعجيل). وفي (الترغيب):
(رواه أحمد والطبراني في (الأوسط) وإسناد أحمد صالح)
قلت: ويشهد له الحديث الذي بعده وقوله عليه الصلاة والسلام:
(ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) قالوا: بلى يا رسول الله قال:
(إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط)
أخرجه مسلم ومالك وعنه النسائي والترمذي وأحمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أيضا
(وقوله: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها [لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة] ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد: اللهم اغفر له اللهم ارحمه [اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه] ما
لم يحدث)
فقال رجل [أعجمي] من حضرموت: وما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: [إن الله لا يستحيي من الحق] فساء أو ضراط])
الحديث من رواية أبي هريرة أيضا وله عنده طرق تزيد على العشر:
1 -
همام بن منبه عنه
أخرجه مسلم والترمذي والسياق له والبيهقي وأحمد والزيادة الأخيرة له والترمذي وليس له: (إن الله لا يستحيي من الحق)
2 -
أبو الزناد عن الأعرج عنه. وفيه الزيادة الأولى
أخرجه مالك وعنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي وأحمد كلهم عن مالك به
3 -
سعيد بن أبي سعيد المقبري عنه
أخرجه البخاري وفيه زيادة: (أعجمي) وتفسير الحدث وأحمد
4 -
الأعمش عن أبي صالح عنه
أخرجه مسلم وفيه الزيادة الثانية وابن ماجه وكذا البخاري وابن ماجه أيضا وأحمد
5 -
أيوب السختياني عن ابن سيرين عنه
رواه مسلم وأحمد
6 -
حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عنه. وفيه تفسير الحدث
مسلم وأبو داود وأحمد
7 -
ابن شهاب عن ابن هرمز عنه
مسلم وأحمد
8 -
أبو سلمة عنه
أخرجه النسائي والدارمي والطيالسي وأحمد وهو صحيح على شرطهما وأخرجه مالك أيضا
9 -
محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه
أخرجه أحمد
ورجاله ثقات غير أن ابن إسحاق قد عنعنه
10 -
كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه
أخرجه أحمد
وسنده حسن
11 -
محمد بن حميد قال: ثنا سعيد بن المهدي عن أبيه عنه
أخرجه الطيالسي
وهذا سند ضعيف مجهول: محمد بن حميد هو الرازي حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه كما في (التقريب)
وسعيد بن المهدي ووالده لم أعرفهما
وقد احتج النسائي لعدم الوجوب بما لم يتعرض لذكره الشوكاني لذلك رأيت من الفائدة إيراد ما احتج به للتنبيه عليه
وهو ما أخرجه من طريق عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب ابن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال:
وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس. . . الحديث. وفيه: فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال: (تعال) فجئت حتى جلست بين يديه فقال لي:
(ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟)
فقلت: يا رسول الله إني - والله - لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه لقد أوتيت جدلا ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب لترضى به عني ليوشك أن الله عز وجل يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك) فقمت فمضيت
وترجم له ب:
(الرخصة في الجلوس في المسجد والخروج منه بغير صلاة)
ولكن الحديث كالذي قبله ليس صريحا في أنه جلس بدون صلاة أو أنه كان بعد أمره عليه الصلاة والسلام بالتحية بل هو يحتمل خلاف ذلك وليس فيه ما يدفع هذا الاحتمال وإذ قد طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال والله أعلم
ولذلك قال الشوكاني بعد أن فند كل ما احتجوا به:
(فإذا عرفت هذا لاح لك أن الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب)
وسبقه إلى اختيار الوجوب الأمير الصنعاني في (سبل السلام) قال:
(لكثرة الأوامر الواردة به)
قلت: ويؤيد ذلك ما يأتي من أمره عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر يخطب يوم الجمعة سليكا الغطفاني بهذه الصلاة ثم أمر بذلك كل من يدخل المسجد ولو كان الإمام يخطب فهذا من أقوى الأدلة على وجوبها لأمور:
الأول قطعه عليه الصلاة والسلام الخطبة
الثاني: أمره بها بعد أن جلس سليك
الثالث - وهو أقواها -: انه أمر بها في أثناء الخطبة فإنه من المعلوم أنه في هذه الحال لا يجوز لأحد أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)
رواه الشيخان وغيرهما. فإذا أمر عليه الصلاة والسلام بالتحية في هذه الحالة دل ذلك على أنها أعظم عنده من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين في الأصل. وهذا واضح لا يخفى والحمد لله
وبالجملة فالحديث متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن سعيد بن المسيب عنه
وهذا إسناد حسن في الشواهد
قوله: (ما لم يحدث) قد فسره الراوي بخروج صوت أو ريح فلا يلتفت إلى خلافه قال الحافظ:
(لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب أولى لأن الأذى منهما يكون أشد. أشار إلى ذلك ابن بطال)
وقد أطال الكلام في شرح الحديث وذكر فوائده العراقي في (شرح التقريب) فمن شاء فليرجع إليه
(وقوله: (لا يوطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله به [من حين يخرج] كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم)
هو من حديث أبي هريرة أيضا
أخرجه ابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد من طرق عن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا. والزيادة للحاكم وأحمد وللطيالسي معناها ثم قال الحاكم:
(صحيح على شرط الشيخين وقد خالف الليث بن سعد ابن أبي ذئب فرواه عن المقبري عن أبي عبيدة عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة مرفوعا بنحوه)
قلت: وقد وافقه الذهبي. وهو من الطريق الأولى على شرطهما كما قالا وفي الطريق الأخرى: أبو عبيدة هذا لم أعرفه
وقد أخرجه من هذا الوجه الإمام أحمد من طرق عن الليث. ورواه ابن خزيمة في (صحيحه) كما في (الترغيب) وقال في (الزوائد):
(إسناده صحيح رجاله ثقات)
قوله: (تبشبش): أصله فرح الصديق بمجيء الصديق واللطف في المسألة والإقبال والمراد هنا: تلقيه ببره وتقريبه وإكرامه
وفي الباب أحاديث أخرى في انتظار الصلاة بعد الصلاة ولزوم المساجد وفيما ذكرنا منها غنية وكفاية ومن رام الزيادة فعليه ب (الترغيب)
وفيها على اختلاف ألفاظها ومعانيها الترغيب على انتظار الصلاة