الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستثنى خوخة أبي بكر إكراما له وخصوصية لأنهما كانا لا يفترقان غالبا)
وفي (تفسير ابن كثير):
(كره بعض العلماء المرور فيه إلا لحاجة إذا وجد مندوحة عنه)
قلت: وقد جاء ما يدل على جواز المرور في المسجد كما يأتي في المباحات فقرة (1) فينبغي أن يحمل على أنه لحاجة وعلى الندرة بحيث أنه لا يؤدي إلى استطراقه. هذا ما ظهر لي في الجمع ولم أر أحدا تعرض لذلك. والله أعلم
ج - المباحات:
(1 - المرور فيه أحيانا لحاجة لقوله عليه الصلاة والسلام: (من مر في شيء من مساجدانا أو أسواقنا (وفي لفظ: إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا. وفي لفظ: بسوق أو مجلس أو مسجد) ومعه نبل فليمسك على نصالها. أو قال: (فليقبض على نصالها ثلاثا) أن يصيب أحدا من المسلمين [بشيء]. (وفي لفظ: لا يعقر بها أحدا)
الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه والطحاوي وأحمد من طريق بريد (بالباء الموحدة تصغير برد وهو ابن عبد الله بن أبي بردة) عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري مرفوعا باللفظ الثاني. واللفظ الأول للبخاري وحده في رواية. واللفظ الأخير للطحاوي وللبخاري معناه. والزيادة الأخيرة للشيخين وابن ماجه
وقد تابعه ثابت عن أبي بردة به نحوه
أخرجه مسلم وأحمد من طريق حماد بن سلمة عنه. وفيه الزيادة الأولى واللفظ الثالث لكن ليس فيه عند مسلم: (أو مسجد)
وتابعه أيضا ليث - وهو ابن أبي سليم - عند أحمد بنحوه
ثم إن اللفظ الأخير عند أحمد أيضا من طريق أبي أحمد: ثنا بريد بن عبد الله به عن أبي موسى قال:
(إذا مر أحدكم. . .) الحديث
هكذا وقع في (المسند) موقوفا عليه وهو عند الطحاوي من هذا الوجه من طريقين عن أبي أحمد مرفوعا فلا أدري أهكذا وقعت الرواية في (المسند) أم سقط منه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
والحديث دليل على جواز المرور في المسجد حتى ولو كان حاملا للسلاح وقد ترجم له البخاري بما ذكرنا فقال:
(باب المرور في المسجد). قال الحافظ:
(أي: جوازه وهو مستنبط من حديث الباب من جهة الأولوية)
قلت: لكن ينبغي أن يحمل على الحاجة والندرة بحيث لا يؤدي إلى استطراق المسجد المنهي عنه كما سبق. والله أعلم
2 -
إتيانه من النساء بشرطين:
الأول: أن يخرجن غير متطيبات ولا متبرجات بزينة لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا شهدت إحداكن المسجد (وفي لفظ: (العشاء) فلا تمس طيبا)
الحديث من رواية زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أخرجه مسلم والنسائي وأبو عوانة وأحمد واللفظ الثاني له من طريق محمد بن عجلان: ثني بكير بن عبد الله ابن الأشج عن بسر بن سعيد عنها
وهذا سند حسن
وقد تابعه محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بكر به باللفظ الثاني
أخرجه أحمد والطيالسي وكذا النسائي وتابعه عنده الليث بن سعد باللفظ الأول
وأخرجه مسلم من طريق مخرمة عن أبيه عن بسر بن سعيد به
وفي الباب عن أبي هريرة وغيره كما يأتي:
(والثاني: أن يستأذن أزواجهن وعليهم الإذن لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد [بالليل] إذا استأذنكم إليها [ولكن ليخرجن تفلات] [وبيوتهن خير لهن])
الحديث من رواية ابن عمر رضي الله عنه عنهما
وله عنه طرق:
1 -
الزهري عن سالم بن عبد الله عنه
أخرجه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد من طرق عنه. واللفظ لمسلم وأحمد والزيادة الأولى للبخاري وزاد مسلم:
فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سب مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟
وهي عند أحمد أيضا دون قوله:
(سبا. . .) إلخ. (1)
2 -
مجاهد عنه بنحوه وفيه الزيادة الأولى
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
(1) وزاد في رواية: قال: وكانت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصلي في المسجد فقال لها: إنك لتعلمين ما أحب فقالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني. قال: فطعن عمر وإنها لفي المسجد. وأخرجه في مسند عمر (1/ 40) من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سالم بن عبد الله قال: كان عمر رجلا غيورا فكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة ابنة زيد فكان يكره خروجها ويكره منعها وكان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث. ورجاله ثقات رجال الستة غير أنه منقطع كما في (الفتح)(2/ 306) فإن سالما لم يسمع من عمر كما قال شيخه في (المجمع)(2/ 33)
والطيالسي وأحمد من طرق عنه. وزادوا جميعا إلا البخاري:
(فقال ابن لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلا. قال: فزبره ابن عمر قال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا ندعهن؟)
وفي رواية لمسلم وأحمد:
(فلطم في صدره)
وزاد أحمد في رواية أخرى:
(فما كلمه عبد الله حتى مات)
وإسنادها صحيح
وعنده في رواية رابعة الزيادة الثانية من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد
وليث ضعيف لكن هذه الزيادة صحيحة لورودها في أحاديث أخرى كما يأتي
3 -
نافع عنه بلفظ:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد من طرق عنه. وزاد البخاري في أوله:
(كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد
فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره
4 -
عبد الله بن يزيد المقرئ: ثنا سعيد بن أبي أيوب: ثنا كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا بلفظ:
(لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم) فقال بلال: والله لنمنعهن فقال له عبد الله: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت: لنمنعهن؟
5 -
حبيب بن أبي ثابت عنه وفيه الزيادة الأخيرة وهو بلفظ:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)
أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد عن يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب: أخبرني حبيب به. وقال الحاكم:
(صحيح على شرطهما). ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) وكذلك صححه النووي في (المجموع) والعراقي في (التقريب)
6 -
عمرو بن دينار عنه:
(لا تمنعوا النساء أن يأتين المساجد. فقال ابنه: والله لنمنعهن فقال ابن عمر: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا؟)
أخرجه الطيالسي: ثنا هشام الدستوائي عن عمرو
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة
وللحديث شواهد:
منها عن أبي هريرة مرفوعا:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات)
أخرجه أبو داود والدارمي وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه
وهذا سند حسن وسكت عليه المنذري في (مختصره) ورواه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) وعزاه العراقي في (التقريب) لمسلم وهو وهم
ومنها عن يزيد بن خالد الجهني مرفوعا مثله
أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن اسحاق عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بسر بن سعيد عنه. وفي (المجمع):
(رواه أحمد والبزار والطبراني في (الكبير) وإسناده حسن)
كذا قال ورجال أحمد رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام قال في (الخلاصة):
(روى عن بكير بن الأشج وعنه إبراهيم بن سعد وثقه ابن حبان)
وفي (التقريب):
(إنه مقبول)
والحديث رواه ابن حبان أيضا كما في (الفتح)
ومنها عن عائشة مثله
أخرجه أحمد: ثنا الحكم: ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال فقال أبي يذكره عن أمه عنها به. قالت عائشة:
(ولو رأى حالهن اليوم منعهن)
وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ كما في (التقريب)
وأم أبي الرجال اسمها عمرة بنت عبد الرحمن
وقد رواه عنها يحيى بن سعيد مقتصرا على قول عائشة بلفظ:
(لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل)
أخرجه مالك ومن طريقه البخاري وكذا أبو داود ورواه مسلم وأحمد من طرق عن يحيى به
ولأبي هريرة حديث آخر في الباب بلفظ:
(أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة)
أخرجه مسلم وأبو داود (1) من طريق بسر بن سعيد عنه
(1) ورواه أيضا النسائي (2/ 283) وأحمد (2/ 304)
ثم رواه هو وابن ماجه من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة قال:
لقيته امرأة وجد منها ريح الطيب ولذيلها إعصار فقال: يا أمة الجبار جئت من المسجد؟ قالت: نعم قال: وتطيبت: قالت: نعم قال: إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة)
وهذا سند ضعيف
عاصم بن عبيد الله ضعيف
وشيخه عبيد مولى أبي رهم - وهو ابن أبي عبيد - مقبول كما في (التقريب)
ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي وأحمد ثم أخرجه من طريق زائدة عن ليث عن عبد الكريم عن مولى أبي رهم به نحوه
وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف
وشيخه عبد الكريم هذا غير معروف كما في (التعجيل)
وقد جاء من طريق أخرى خير من هذه مختصرا:
(إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة)
أخرجه النسائي من طريق إبراهيم بن سعد قال: سمعت صفوان بن سليم - ولم أسمع من صفوان غيره - يحدث عن رجل ثقة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال النسائي عقبه:
(مختصر)
ورجاله ثقات كلهم غير الرجل الذي لم يسم فإنه مجهول عندنا ولعله عبيد مولى أبي رهم المسمى في الطريق الأولى
وفي الحديث دليل على جواز حضور النساء المساجد للصلاة بالشروط المذكورة ومع ذلك فصلاتهن في بيوتهن خير لهن كما قال عليه الصلاة والسلام في الزيادة الأخيرة وفي معناها أحاديث أخرى لعلها تأتي إن شاء الله تعالى في (صلاة الجماعة)
وفي (الفتح):
(قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عام في النساء إلا أن الفقهاء خصوه بشروط: منها أن لا تتطيب وهو في بعض الروايات: (وليخرجن تفلات). قلت: هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي: غير متطيبات ويقال: امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح. قال: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال. وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن
عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل وقد ورد في بعض طرق الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد)
قلت: فذكر الزيادة الأخيرة وما في معناها مما أشرنا إليه ثم قال:
(ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا. وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقت على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت: لو رأى لمنع. فيقال عليه: لم ير ولم يمنع. فاستمر الحكم حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثن والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة وكذلك التقييد بالليل كما سبق)
قلت: وهذا التقييد يدل على أن الإذن إنما يؤمر به الرجال الأزواج إذا كان طلب الخروج منهن إلى المسجد ليلا وأما إن كان نهارا فلا يؤمرون به فإن شاؤوا أذنوا وإن شاؤا منعوا. قال الحافظ في (شرح التقريب):
(قال ابن بطال: وفي هذه الرواية دليل على أن النهار بخلاف ذلك لنصه
على الليل قال: وهذا الحديث يقضي على المطلق ألا ترى إلى قول عائشة: ما يعرفهن أحد من الغلس)
(وشرط ثالث: وهو أن ينصرفن إلى بيوتهن فور سلامهن مع الإمام الذي يمكث في مكانه ومن وراءه من الرجال حتى يخرجن منه ف (إن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله [وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل [أن يدركهن] الرجال] [فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم] فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال)
الحديث من رواية أم سلمة
أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طرق عن ابن شهاب: أخبرتني هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة أخبرتها به والسياق للبخاري والنسائي وأحمد. والزيادة الأولى لأبي داود والبيهقي وأحمد. وللبخاري نحوها وفيها زيادة:
(أن يدركهن)
والزيادة الأخيرة له أيضا
قال الحافظ:
(وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما
قد يفضي إلى المحذور وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالال فقط أن لا يستحب هذا المكث وعليه حمل ابن قادمة حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أخرجه مسلم وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد)
(3 - دخول الحائض لا سيما لحاجة لحديث عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله:
(ناوليني الخمرة من المسجد) فقلت: إني حائض فقال:
(إن حيضتك ليست في يدك)[فناولتها إياه])
الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي والطيالسي وأحمد من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عنها. والزيادة للطيالسي وليس عنده: (من المسجد)
وقد تابعه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن ثابت بن عبيد به
أخرجه أحمد
وهذه متابعة قوية عبد الملك هذا ثقة احتج به الستة. وقد أخرجه مسلم عنه وعن حجاج معا عن ثابت
وله طريق أخرى:
أخرجه ابن ماجه عن أبي الأحوص والطيالسي عن سلام كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله البهي عنها به
وهذا إسناد صحيح
وخالفهما إسرائيل فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن عبد الله بن عمر عنها
أخرجه أحمد
وكذلك رواه شريك عن أبي إسحاق
رواه أحمد أيضا
وخالفهم جميعا زهير فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة. . . الحديث
أخرجه أحمد
فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن عائشة وأغلب الظن أن هذا الاختلاف إنما هو من أبي إسحاق نفسه لا من الرواة عنهم فإنه كان قد اختلط في آخر عمره
ويترجح عندي أن الصواب رواية من قال عنه عن البهي عنها. فقد تابعه إسماعيل السدي
أخرجه الدارمي وأحمد والعباس بن ذريح عند أحمد كلاهما عن البهي عنها به
وفي رواية السدي: أنه عليه الصلاة والسلام كان في المسجد حين قال ذلك. لكن السدي هذا - وهو الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن - وإن كان ثقة ففيه كلام وفي (التقريب):
(صدوق يهم)
فمثله إذا تفرد بزيادة دون جميع الرواة لا تطمئن النفس لثبوتها. أقول هذا وإن كانت هذه الزيادة قد صحت عن صحابي آخر وهو أبو هريرة كما يأتي إلا أنه يحتمل أن تكون هذه قصة أخرى بل هذا هو الأقرب إلى ظاهر الرواية ولفظها
عن أبي هريرة قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال:
(يا عائشة ناوليني الثوب) فقالت: إني حائض فقال:
(إن حيضتك ليست في يدك). فناولته
أخرجه مسلم والنسائي وأحمد عن يحيى بن سعيد عن يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عنه
ويدلك أن الواقعة متعددة أن المطلوب في هذه هو: (الثوب) وفي تلك: (الخمرة) - وهي حصير أو نسيج خوص ونحوه من النباتات كما سبق - والقول
بأنها واقعة واحدة يحتاج إلى كثير من التكلف كما بينه السندي في حاشيته على مسلم:
أولا أن المطلوب في الأصل هو الخمرة والثوب معا لكن بعض الرواة اقتصر على ذكر أحدهما أو نسي. وهذا فيه توهيم الراوي ونسبته إلى القصور بدون أي دليل ولا يخفى ما فيه
ثانيا: أن قوله: (من المسجد) ليس من صلب الحديث ولا من كلامه عليه الصلاة والسلام وإنما هو من قول عائشة فهو متعلق بقولها: قال. أفاده النووي في (شرح مسلم) نقلا عن القاضي. فأصل الحديث عندهم هكذا: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد: (ناوليني الخمرة) وهذا خلاف ظاهر الحديث ويبعد جدا أن يكون أصل الحديث ما ذكروا ثم يتفق جميع الرواة على روايته بصورة لا يتبادر إلى الذهن إلا أن قوله: (من المسجد) هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق بقوله: (من المسجد) هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق (ناوليني) يؤيد ما ذكرنا أن أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي ترجموا للحديث بما يدل عليه ظاهره فقالوا:
(باب الحائض تتناول الشيء من المسجد). وقال الترمذي:
(حديث عائشة حسن صحيح وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك: بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد). وقال الخطاب في (المعالم):
(وفي الحديث من الفقه أن للحائض أن تتناول الشيء بيدها من المسجد
وأن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه ما لم يدخله جميع بدنه)
وكلامه هذا يشير إلى أنه فهم من الحديث أن عائشة إنما أدخلت يدها فقط إلى المسجد ولذلك استنبط منه ما ذكر من الحلف وهو فهم خفي وتقييد للحديث بما ليس فيه مما يدل عليه ولعل الخطابي ممن يرون أن ليس للحائض الدخول إلى المسجد لدليل قام عنده بذلك فقيد الحديث به. وهذا كان سائغا لو أن الدليل صح بذلك ولكنه لم يصح كما سيأتي فينبغي إبقاء الحديث على إطلاقه
وقد جاء ما يؤيد الإطلاق والعموم فقال الإمام: ثنا سفيان عن منبوذ عن أمه قالت:
كنت عند ميمونة فأتاها ابن عباس فقالت: يا بني ما لك شعثا رأسك؟ قال: أم عمار مرجلتي حائض. قالت: أي بني وأين الحيضة من اليد؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدنا بخمرتها فتضعها في المسجد. أي بنى وأين الحيضة من اليد؟
وأخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان به مختصرا بلفظ:
(فتبسطها وهي حائض). قال الشوكاني:
(ومحمد بن منصور ثقة ومنبوذ وثقه ابن معين وقد أخرجه بنحو هذا اللفظ عنها عبد الرزاق وابن أبي شيبة والضياء في (المختارة)
وللحديث شواهد
قلت: لكن أم منبوذ قال في (التقريب):
(مقبولة)
وكذلك قال في ابنها أنه:
(مقبول)
فالإسناد حسن في الشواهد
ثم قال الشوكاني:
(فهو حجة لمن قال بجواز دخول الحائض المسجد للحاجة ومؤيد لتعليق الجار والمجرور في الحديث الأول بقوله: (ناوليني) لأن دخولها المسجد لوضع الخمرة فيه لا فرق بينه وبين دخولها لإخراجها)
ومن شواهد الحديث التي أشار إليها الشوكاني فيما سبق:
عن ابن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:
(ناوليني الخمرة من المسجد) قالت: إنها حائض قال:
(إنها ليست في كفك)
أخرجه أحمد من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عنه
ورجاله رجال الشيخين غير ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ
وقد خالفه عبيد الله بن عمر فرواه موقوفا على ابن عمر
(إنه كان يأمر جاريته أن تناوله الخمرة من المسجد فتقول: إني حائض. فيقول: إن حيضتك ليست في كفك. فتناوله)
هكذا أخرجه الدارمي: أخبرنا محمد بن عيينة عن علي بن مسهر عنه
وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عيينة وقد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات. لكن الحديث وإن كان موقوفا فإنه من حيث المعنى مرفوع لأنه لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم
ومنها عن أبي بكرة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخادمه:
(ناوليني الخمرة من المسجد) فقالت: إني حائض فقال:
(ناوليني). قال في (المجمع):
(رواه الطبراني في (الكبير) ورجاله موثقون)
ومنها عن أم أيمن قالت:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ناوليني الخمرة من المسجد). قلت: إني حائض قال:
(إن حيضتك ليست في يدك). قال الهيثمي:
(رواه الطبراني في (الكبير) وفيه أبو نعيم عن صالح بن رستم فإن كان هو أبو نعيم الفضل بن دكين فرجاله ثقات كلهم وإن كان ضرار بن صرد فهو ضعيف)
وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود من طريق الأفلت بن خليفة قال: ثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنه تقول:
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد) ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد فقال:
(وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)(1)
فهو حديث مختلف فيه ولا يصح لاضطرابه ولتفرد جسرة بنت دجاجة به وهي ليست بالمشهورة فرواه أفلت عنها هكذا
ورواه محدوج الذهلي عنها قالت: أخبرتني أم سلمة به مختصرا بلفظ:
(1) وأخرجه البيهقي (2/ 442 - 443) وزاد: إلا لمحمد وآل محمد. وأشار إلى ضعف الحديث
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته:
(إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض)
أخرجه ابن ماجه وابن أبي حاتم في (العلل) كلاهما من طريق أبي نعيم: ثنا ابن أبي غنية عن أبي الخطاب الهجري عن محدوج به. وزاد في (العلل): (إلا للنبي ولأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمد). قال في (الزوائد):
(إسناد ضعيف: محدوج لم يوثق وأبو الخطاب مجهول)
وكذلك قال ابن حزم في أبي الخطاب وقال في (محدوج) أنه:
(ساقط يروي المعضلات عن جسرة). ثم قال ابن أبي حاتم:
(قال أبو زرعة: يقولون: عن جسرة عن أم سلمة. والصحيح عن عائشة)
وفيه إشارة إلى أن محدوجا لم ينفرد به وهو كذلك فقد قال ابن حزم:
(رويناه عن عبد الوهاب عن عطاء الخفاف عن ابن أبي غنية عن إسماعيل عن جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة به وفيه الزيادة). ثم رده ابن حزم بقوله:
(عطاء الخفاف هو عطاء بن مسلم: منكر الحديث وإسماعيل مجهول)
قلت: كذا في (المحلى):
(عبد الوهاب عن عطاء الخفاف). وعلى هامشه:
(في اليمنية: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وهو خطأ)
قلت: وما في النسخة اليمنية هو الموافق لما نقله ابن القيم في (تهذيب السنن) عن ابن حزم ولتعقبه عليه من حيث قال:
(ثم رواه (يعني ابن حزم) من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف. . . قال ابن حزم: عبد الوهاب بن عطاء منكر الحديث وإسماعيل مجهول. وليس الأمر كما قال أبو محمد (يعني ابن حزم) فقد قال ابن معين: إنه ثقة. . . وقال صالح بن محمد: أنكروا على الخفاف حديثا رواه لثور بن يزيد عن مكحول عن كريب عن ابن عباس في فضل العباس وما أنكروا عليه غيره. . . وأما إسماعيل فإن كان إسماعيل بن رجايء بن رشد الزبيدي فإنه ذكر في ترجمة ابن أبي عتبة (كذا ولعل الأصل: غنية كما في (المحلى) وإن كان وقع في نقل أبن القيم أيضا عنه عتبة كما هنا والله أعلم) أنه روى عن إسماعيل هذا ولم يذكر في شيوخه إسماعيل غيره فهو ثقة روى له مسلم في (الصحيح). وبعد فهذا الاستثناء (يعني الزيادة المتقدمة) باطل موضوع من زيادة بعض غلاة الشيعة ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث)
والخلاصة أن ابن حزم إنما ألان القول في (عطاء بن مسلم الخفاف) كما صريح كلامه المذكور آنفا وابن القيم ظن أنه إنما عنى به ولده عبد الوهاب بن عطاء فشرع في الرد على ابن حزم ونقل أقوال الأئمة في الثناء عليه وهو بلا شك أحسن حالا من أبيه عطاء كما يتبين ذلك بمراجعة أقوال الأئمة فيهما. وفي (التقريب):
(عبد الوهاب بن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ) وقال في ترجمة والده عطاء:
(صدوق يخطيء كثيرا)
لكن لم يتبين لي هل راوي الحديث عن ابن أبي غنية هو الوالد أو الولد نظرا لاختلاف النسخ كما سبق وإن كان المعلق على (المحلى) وهو القاضي أحمد محمد شاكر جزم بالأول وخطأ النسخة المخالفة ولعل حجته في ذلك كلام ابن حزم على عطاء دون عبد الوهاب وعليه يرد هذا السؤال: من يكون عبد الوهاب هذا؟ فإن قيل: إنه ابن عطاء المذكور قلنا بأنا لم نجد من ذكره في الرواة عن أبيه وإن كان غيره فلم أعرفه. والله أعلم
وعلى كل حال فمدار هذا الحديث على جسرة كما في الذين قبله وهي ليست مشهورة بالثقة والعدالة بحيث تطمئن النفس بالاحتجاج بخبرها استقلالا ولم يوثقها أحد من المتقدمين ممن توثيقهم حجة بل قد غمزها البخاري كما يأتي ولذلك ضعف حديثها جماعة من المحدثين أشار إليهم الخطابي في (المعالم) وقال أبو محمد عبد الحق:
(لا يثبت من قبل إسناده)
وتعقبه ابن القطان بما لا يكفي ولا يشفي حيث قال: كما في (نصب الراية):
(وجسرة بنت دجاجة تابعية وقول البخاري في (تاريخه الكبير):
(عندها عجائب) لا يكفي في إسقاط ما روت روى عنها أفلت وقدامة بن عبد بن عبده العامري)
قلت: فكان ماذا؟ وقدامة هذا ليس بالمشهور أيضا وفي (التقريب):
(قيل هو فليت العامري مقبول)
وذكر في (التهذيب) في الرواة عنه: محدوجا وهو مجهول كما سبق وعمر بن عمير بن محدوج ولم أجد له ترجمة
وبالجملة فكل من روى عن جسرة غير معروف بالعدالة - حاشا أفلت - فيكف تجعل روايته عنها توثيقا لها. نعم قد صرح بتوثيقها العجلي وابن حبان حيث ذكرها في (الثقات) وتساهله في التوثيق وكذا العجلي معروف لدى من يتبع كلامهما في الرواة المختلف فيهم. ولذلك ترى الحافظ لم يعتمد على توثيقهما بالرغم من نقله ذلك عنهما في (التهذيب) فقال في (التقريب):
(إنها مقبولة)
يعني أن حديثها ضعيف إذا تفردت كما ذكر في المقدمة وهو قوله:
(السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ: (مقبول) حيث يتابع وإلا فلين الحديث)
ومما سبق بيانه تعلم أن قول الشوكاني أن الحديث صحيح تبعا لابن خزيمة غير صحيح وقوله:
(قال ابن سيد الناس: ولعمري إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج)
ففيه نظر أيضا لأن هذه الشواهد كلا شواهد لأن مدارها على جسرة كما سبق فلم يردالحديث من غير طريقها من وجه مقبول وإلا لذهبنا إليه
نعم رواه ابن حزم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يجلس في المسجد ولا يمر فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب
ثم قال:
(ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب وكثير بن زيد مثله)
كذا قال وكثير بن زيد هو الأسلمي السهمي ولم ينحط إلى هذه المنزلة ولم يتهم بالكذب وإنما هو مختلف فيه وثقه بعضهم وضعفه آخرون وفي (التقريب):
(صدوق يخطئ)
وقال في ابن زبالة:
(كذبوه)
فهو علة الحديث
والمطلب بن عبد الله هو المخزومي وهو كثير التدليس والإرسال كما قال الحافظ فالحديث مرسل أيضا
وأخرجه الترمذي والبزار أيضا كما في (تخريج الكشاف) من طريق سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا:
(يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك). وقال:
(حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه)
قلت: وهذا سند ضعيف لأن عطية هو العوفي ضعيف
وسالم بن أبي حفصة صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال كما في (التقريب) وقال البزار:
(كان شيعيا لكنه لم يترك ولم يتابع على هذا)(1)
ثم رواه البزار من رواية الحسن بن زياد عن خارجة بن سعد عن أبيه سعد مثله سواء. وقال:
(لا نعلمه عن سعد إلا بهذا الإسناد)
قلت: والحسن بن زياد هو اللؤلؤي تلميذ أبي حنيفة وقد كذبه جماعة الأئمة كابن معين وغيره
فتبين مما تقدم أنه لا يثبت أي حديث في تحريم دخول الحائض وكذا
(1) ثم رأيت ابن كثير قال في (التفسير)(1/ 501): (إنه حديث ضعيف لا يثبت سالم هذا متروك وشيخه عطية ضعيف)
الجنب إلى المسجد والأصل الجواز فلا ينقل عنه إلا بناقل صحيح تقوم به الحجة لا سيما وقد صح ما يؤيد هذا الأصل وهو قوله عليه الصلاة والسلام المذكور في الاصل: (ناوليني الخمرة من المسجد) وغيره مما يأتي:
قال ابن حزم:
(وجائز للحائض والنفساء أن يتزوجا وأن يدخلا المسجد وكذلك الجنب لأنه لم يأتي نهي عن شيء من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جماعة كثيرة ولا شك في أن فيهم من يحتلم فما نهوا قط عن ذلك
وقال قوم: لا يدخل المسجد الجنب والحائض إلا مجتازين. هذا قول الشافعي وذكروا قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء / 43] فادعوا أن زيد بن أسلم أو غيره قال: معناه: لا تقربوا مواضع الصلاة
قال ابن حزم: ولا حجة في قول زيد ولو صح أنه قاله لكان خطأ منه لأنه لا يجوز أن يظن أن الله تعالى أراد أن يقول: لا تقربوا مواضع الصلاة. فيلبس علينا قوله فيقول: {لا تقربوا الصلاة} وروي أن الآية في الصلاة نفسها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة
وقال مالك: لا يمر فيه أصلا
وقال أبو حنيفة وسفيان: لا يمرا فيه فإن اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرا فيه واحتج من منع ذلك بحديث. . .)
قلت: فساق حديث عائشة وأم سلمة والمطلب بن عبد الله المتقدم آنفا وقال:
(وهذا كله باطل)
ثم بين عللها بنحو ما سبق ثم ما روى من طريق البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين:
أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش. قال ابن حزم:
(فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة والسلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما لم ينه عليه الصلاة والسلام عنه فمباح). قال:
(ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه الصلاة والسلام عائشة إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه الصلاة والسلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف. وهذا قول المزني وداود وغيرهما)
وفي (تفسير القرطبي):
(ورخصت طائفة في دخول الجنب المسجد واحتج بعضهم بقول النبي
صلى الله عليه وسلم: (المؤمن ليس بنجس) قال ابن المنذر: وبه نقول)
قلت: وتوسط بعضهم فقال بجواز الدخول إذا توضأ ففي (تفسير العماد ابن كثير):
(وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى هو وسعيد بن منصور في (سننه) بسند صحيح: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. والله أعلم)
قلت: ورواه الدارمي من حديث جابر بلفظ:
(كنا نمشي في المسجد ونحن جنب لا نرى بذلك بأسا)
أخرجه من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عنه
ورجاله ثقات. لكن ابن أبي ليلى سيء الحفظ
وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه
وقد رواه عنه هشيم أيضا بنحوه
أخرجه البيهقي
ولعل الوضوء مستحب لعمل الصحابة. والله أعلم
وبالجملة فلا دليل على تحريم دخول الحائض وكذا الجنب المسجد والأصل الجواز وقد اقترن به ما يؤيده كما سبق. والله تعالى ولي التوفيق
(4 - الدخول بالسلاح غير مسلول ف (إنه عليه الصلاة والسلام أمر رجلا كان يتصدق بالنبل في المسجد أن لا يمر إلا وهو أخذ بنصولها [كي لا يخدش مسلما])
الحديث من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري
وله عنه طريقان:
1 -
الليث بن سعد عن أبي الزبير عنه والسياق له
أخرجه مسلم وأبو داود والطحاوي وأحمد من طرق عنه
2 -
سفيان بن عيينه عن عمرو بن دينار عنه مختصرا نحوه دون ذكر التصدق
أخرجه البخاري ومسلم أيضا والنسائي والدارمي وابن ماجه وأحمد أيضا وإسناده ثلاثي
وقد تابعه حماد بن زيد عن عمرو وفيه الزيادة
أخرجه الشيخان لكن البخاري ليس عنده: (كي)
وللحديث شاهد صحيح من رواية أبي موسى الأشعري وقد سبق في الفقرة الأولى من هذا الفصل
وله شاهد آخر أخرجه الطبراني في (الأوسط) عن محمد بن عبيد الله قال: كنا عند أبي سعيد الخدري في المسجد فقلب رجل نبلا فقال أبو سعيد: أما كان هذا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تقليب السلاح في المسجد. قال الهيثمي:
(وفيه أبو البلاد ضعفه أبو حاتم). قال الحافظ:
(وفي الحديث إشارة إلى تعظيم قليل الدم وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال المسجد السلاح)
ونحوه في (العمدة)
(5 - إدخال الصبيان وفيه أحاديث:
(أ) قال أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه:
بينا نحن في المسجد جلوس [إذ] خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع - وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صبية يحملها [على عاتقه] فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها [على عاتقه] إذا قام [فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه] حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها) وقد مضى مختصرا في (طهارة الثوب) المسألة الرابعة)
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والزيادة الأولى له وأحمد عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي عنه
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي عنه
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وغيرهما من طرق عن عمرو به مختصرا وقد سبق تخريجه في المكان المشار إليه في الأصل والزيادة الثانية لأبي داود وأحمد ولهذا وحده الثالثة والرابعة
والحديث ترجم له النسائي بما ترجمنا له فقال:
(إدخال الصبيان المساجد)
وقد أشار إلى ذلك الحافظ في (الفتح) فقال:
(واستدل به على جواز إدخال الصبيان المساجد). وقال بدر الدين العيني في (العمدة):
(ومن فوائد هذا الحديث جواز إدخال الصغار المساجد)
(ب): قال أبو بكرة الثقفي:
كان عليه الصلاة والسلام يصلي [بالناس] فإذا سجد وثب الحسن على ظهره وعلى عنقه فيرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعا رفيقا لئلا يصرع فعل ذلك غير مرة فلما قضى صلاته [ضمه إليه وقبله ف] قالوا: يا رسول الله رأيناك صنعت بالحسن شيئا ما رأيناك صنعته [بأحد]؟ قال: إنه ريحانتي من الدنيا وإن ابني هذا سيد وعسى الله تبارك وتعالى أن
يصلح به بين فئتين [عظيمتين] من المسلمين)
الحديث أخرجه أحمد: ثنا عفان: ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن: أخبرني أبو بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان. . . إلخ
ثم أخرجه في موضع: ثنا هاشم: ثنا المبارك: ثنا الحسن: ثنا أبو بكرة به نحوه. وفيه الزيادة الأولى والثالثة
وأخرجه الطيالسي: ثنا ابن فضالة به نحوه. وفيه الزيادة الثانية
وهذا إسناد جيد متصل بالسماع
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي أخرجه البيهقي في (الدلائل) وفيه الزيادة الأخيرة كما في (الفتح)
وقد ورد الحديث من طرق أخرى مختصرا عن الحسن البصري:
1 -
إسرائيل أبو موسى قال: سمعت الحسن يقول: لقد سمعت أبا بكرة يقول:
رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو مقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله. . . . الحديث
أخرجه البخاري والنسائي وعندهما الزيادة الأخيرة وأحمد
2 -
محمد بن عبد الله الأنصارى: ثنا الأشعث بن عبد الملك عن الحسن عن أبي بكرة قال:
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال. . . الحديث. وفيه الزيادة المشار إليها آنفا
أخرجه أبو داود والترمذي وقال:
(حديث حسن صحيح)
3 -
حماد بن زيد عن علي بن زيد عن الحسن عن أبي بكرة قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن بن علي فصعد إليه المنبر فضمه النبي صلى الله عليه وسلم إليه ومسح على رأسه وقال:. . . الحديث. وفيه الزيادة
أخرجه أبو داود وأحمد
وعلي بن زيد هو ابن جدعان وفيه ضعف
وقد أخرجه الحاكم في (المستدرك) من الوجهين الأخيرين وسكت عليهما
وإسناد الأول منهما صحيح
وللحسن رضي الله عنه قصتان أخريان إحداهما في ركوبه على ظهره عليه الصلاة والسلام وهو ساجد وإطالته السجود من أجله وقوله لما سئل عن ذلك: (إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) ولعلها تأتي في (السجود) إن شاء الله تعالى
والأخرى في نزوله عليه الصلاة والسلام من المنبر حين رأى الحسن وأخاه الحسين يعثران في قميصهما. وعسى أن تأتي في الخطبة يوم الجمعة
(ج) قال أنس:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة)
أخرجه مسلم والدارقطني والبيهقي وأحمد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عنه
وأكد ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله:
(د): قال صلى الله عليه وسلم:
(إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به)
هذا من حديث أنس أيضا
أخرجه البخاري ومسلم أيضا وابن ماجه والبيهقي أيضا وأحمد من طرق عن سعيد بن أبي عروبة قال: ثنا قتادة عنه به
وله شاهد من حديث أبي قتادة في البخاري وغيره ولعله يأتي
قال الحافظ:
(واستدل بهذا الحديث (يعني: حديث أبي قتادة) على جواز إدخال الصبيان المساجد وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه)
قلت: هذا الاحتمال بعيد لا سيما وفي حديث أنس الأول: (يسمع بكاء الصبي مع أمه) فإن ظاهره - بل هو نص على - أن الصبي كان يكون مع أمه في المسجد. فبطل الاحتمال المذكور
وفي هذه الأحاديث جواز إدخال الصبيان المساجد ولو كانوا صغارا يتعثرون في سيرهم حتى ولو كان من المحتمل الصياح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك ولم ينكره بل شرع للأئمة تخفيف القراءة لصياح صبي خشية أن يشق على أهله
ولعل من الحكمة في ذلك تعويدهم على الطاعة وحضور الجماعة منذ نعومة أظفارهم فإن لتلك المشاهد التي يرونها في المساجد وما يسمعونه - من الذكر وقراءة القرآن والتكبير والتحميد والتسبيح - أثرا قويا في نفوسهم - من حيث لا يشعرون - لا يزول أو من الصعب أن يزول حين بلوغهم الرشد ودخولهم معترك الحياة وزخارفها ومن هذا القبيل الأذان في أذن المولود قال المحقق ابن القيم في (تحفة المولود):
(وسر التأذين - والله أعلم - أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المنتظمة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام
فكان ذلك كالتلقين له بشعائر الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر. . . إلخ)
ولعل علم النفس الحديث يؤيد تأثر الطفل الصغير ولو في المهد بما يسمع ويرى. ويخيل إلي أنني كنت قرأت بحثا مفيدا حول هذا الموضوع لبعض الكتاب ولكني الآن لا استذكر من هو ولا في أي كتاب هو
وأما كبار الأطفال فتأثرهم بذلك واضح مسلم غير أنه إذا وجد فيهم من يلعب في المساجد ويركض فعلى آبائهم وأولياء أمرهم تأديبهم وتربيتهم أو على القيم والخادم أن يطردهم وعلى هذا عمل ما ذكره الحافظ ابن كثير:
(وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى صبيانا يلعبون في المسجد ضربهم بالمخففة - وهي الدرة - وكان يفتش المسجد بعد العشاء فلا يترك فيها أحدا)
وأما حديث: (جنبوا مساجدكم صبيانكم) فهو ضعيف عند ابن حجر وابن كثير وغيرهما فلا يقاوم الأحاديث المتقدمة وقد سبق تخريجه في الكلام عليه تحت الفقرة ألأولى من (آداب المساجد)
(6 - إدخال الميت للصلاة عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ([ما] صلى على سهيل ابن بيضاء (وفي لفظ: ابني بيضاء: سهيل وأخيه)[إلا] في [جوف] المسجد)]
الحديث من رواية عائشة رضي الله عنها
وله طريقان:
1 -
عباد بن عبد الله بن الزبير عنها
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والطحاوي وأحمد من طرق عنه وفي الزيادة الأولى والثانية عند الجميع إلا الترمذي
وعند مسلم وأحمد زيادة تبين سبب رواية عائشة للحديث وهي:
(أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسي الناس؟ ما صلى. . . .) إلخ
وكذلك رواه الطحاوي وزاد فيه أحمد:
(فمر به عليها) وفي لفظ:
(فشق به في المسجد فدعت له)
وفي رواية له وكذا مسلم - والسياق له -:
عن عائشة:
أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته
في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه - أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد - فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت:
ما أسرع الناس إلا أن يعيبوا ما لا علم لهم به؟ عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخرجاه من طريق موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة عن عباد. وفيه عند مسلم الزيادة الأخيرة وهي عند النسائي أيضا من هذا الوجه
2 -
الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها به باللفظ الثاني
أخرجه مسلم وأبو داود ولفظه عند الأول:
(لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكر ذلك عليها فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) إلخ
وهو عند الطحاوي بتمامه إلا أن المرفوع منه عنده باللفظ الأول
وكذلك رواه مالك في (الموطأ) عن أبي النضر عن عائشة فأسقط من الإسناد أبا سلمة. قال ابن عبد البر:
(هكذا هو في (الموطأ) عند الجمهور والرواة منقطعا ورواه حماد بن خالد الخياط عن مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة فانفرد بذلك عن مالك)
ثم روى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال:
صلي على عمر بن الخطاب في المسجد
قلت: وإسناده صحيح كالشمس
وعن عروة قال:
صلي على أبي بكر في المسجد
أخرجه والذي قبله سعيد بن منصور كما في (المنتقى)
وقال الحافظ في (التلخيص):
(وقد ثبت أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وصهيبا صلى على عمر في المسجد وهو في (الموطأ) وغيره)
قلت: فليس في (الموطأ) إلا الصلاة على عمر وقد أورده الشوكاني في (النيل) بلفظ (التلخيص) وقال:
(رواه ابن أبي شيبة) ثم قال الشوكاني:
(والحديث يدل على جواز إدخال الميت إلى المسجد والصلاة عليه فيه وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق والجمهور قال ابن عبد البر: ورواه المدنيون في رواية عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والهادوية وكل من قال بنجاسة الميت وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على أن الصلاة على ابني بيضاء وهما كانا
خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز بالاتفاق ورد بأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بإدخال الجنازة المسجد وأجابوا ايضا بأن الأمر استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا على عائشة كانوا من الصحابة. ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وأن الأمر استقر على الجواز. ويدل على ذلك الصلاة على أبي بكر وعمر في المسجد كما تقدم. وأيضا العلة التي لأجلها كرهوا الصلاة على الميت في المسجد هي زعمهم أنه نجس وهي باطلة لما تقدم أن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا. وأنهض ما استدلوا به على الكراهة ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له). وأخرجه ابن ماجه ولفظه: (. . . فليس له شيء). وفي إسناده صالح مولى التوأمة وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة قال النووي: وأجابوا عنه - يعني الجمهور - بأجوبة:
أحدها: أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد: هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف
والثاني: أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من (سنن أبي داود): (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) فلا حجة لهم حينئذ
والثالث: أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه: (لا شيء له) لوجب تأويله بأن (له) بمعنى: عليه ليجمع بين الروايتين قال: وقد جاء بمعنى عليه كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} [الإسراء / 7]
الرابع: أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه. انتهى)
قلت: والراجح عندي في حديث أبي هريرة من حيث النقل رواية من قال: (فليس له شيء) أو (فلا شيء له) لأنه كذلك عند جميع من أخرج الحديث ممن وقفنا عليه حاشا أبا داود فإنه أخرجه من طريق يحيى ابن سعيد عن ابن أبي ذئب: ثني صالح مولى التوأمة عنه بلفظ:
(فلا شيء عليه)
وخالفه وكيع عند ابن ماجه وأحمد وحجاج ويزيد بن هارون عند أحمد وأسد ومعن بن عيسى عند الطحاوي كلهم عن ابن أبي ئب بلفظ:
(فلا شيء له). إلا الأول منهم فقال:
(فليس له شيء)
والمعنى واحد
ولا يطمئن قلبي لشيء من الأجوبة التي ذكرها النووي إلا الجواب الأول وهو أن الحديث ضعيف فلا حجة فيه. غير أن ما حكاه النووي من تضعيفه لا يكفي في الإقناع به فقد قال النووي نفسه في (شرح المهذب):
(إنه ضعيف باتفاق الحفاظ وممن نص على ضعفه الإمام أحمد بن حنبل وابو بكر بن المنذر والبيهقي وآخرون وقال أحمد: هذا الحديث مما انفرد
به صالح مولى التوأمة. وهو مختلف في عدالته لكن معظم ما عابوا عليه الاختلاط قالوا: وسماع ابن أبي ذئب ونحوه منه قبل الاختلاط وهذا الحديث من رواية ابن أبي ذئب عنه)
قلت: وفي (التقريب):
(صدوق اختلط بآخره قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج)
قلت: فإذا كان ابن أبي ذئب روى عنه قبل الاختلاط وهذا الحديث من روايته عنه فكيف إذن يكون حديثه هذا ضعيفا. ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في (الزاد) بعد أن نقل أقوال الأئمة فيه التي تدور حول ما أفاده ابن عدي:
(وهذا الحديث حسن فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل اختلاطه فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط)
قلت: وهذا هو الحق لو أن ابن أبي ذئب لم يسمع منه بعد ذلك وليس كذلك فقد (قال الترمذي عن البخاري عن أحمد ن حنبل قال: سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا وروى عنه منكرا). حكاه ابن القطان عن الترمذي هكذا
قلت: وفي هذا بيان لسبب تضعيف أحمد للحديث وهو أنه روى ابن أبي ذئب عنه بعد الاختلاط أيضا ولعله عمدة ابن حبان في قوله في (كتاب الضعفاء):
(اختلط بآخره ولم يتميز حديث حديثه من قديمه فاستحق الترك). ثم ذكر له هذا الحديث وقال:
(إنه باطل وكيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد)
فتبين بهذا علة الحديث وأنه ضعيف فلا يقاوم حديث عائشة الصحيح
فالحق أن إدخال الجنازة إلى المسجد والصلاة فيه جائز بدون كراهة لكن لم يكن ذلك من عادته عليه الصلاة والسلام بل الغالب عليه الصلاة عليها خارج المسجد فهو أولى كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في (الجنائز)
(7 - إدخال المشرك لحاجة وفيه أحاديث:
(أ) قال أبو هريرة:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال [سيد أهل اليمامة] فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [له]: (ماذا عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي يا محمد خير: إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل [تعط] منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد فقال: (ما عندك يا ثمامة؟) قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل [تعط] منه ما شئت. فتركه [رسول الله] حتى كان من (وفي لفظ: (بعد)
الغد فقال: (ما عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي ما قلت لك [إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت] فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: (أطلقوا ثمامة). فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (وفي لفظ يارسول الله) يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه [كلها] إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين [كله] إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد [كلها] إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحديث أخرجه البخاري ومسلم - والسياق له - وأبو داود والبيهقي ولكنهما لم يسوقاه بتمامه وأحمد عن الليث بن سعد قال: ثني سعيد أنه سمع أبا هريرة به. والزيادات كلها لمسلم وأحمد إلا الثانية فهي لأحمد وحده. واللفظ الثاني والثالث له وللبخاري أيضا
وقد تابعه عند مسلم عبد الحميد بن جعفر: ثني سعيد بن أبي سعيد به مثله
وقد تابعه ابن عجلان عن سعيد به نحوه وزاد في آخره:
(قال عمر: لقد كان والله في عيني أصغر من الخنزير وإنه في عيني أعظم من الجبل خلي عنه فأتى اليمامة حبس عنهم فضجوا وضجروا فكتبوا: تأمر بالصلة. قال: وكتب إليه)
هكذا أخرجه أحمد
وإسناده حسن
ثم أخرجه مختصرا من طريق عبد الله بن عمر عن سعيد المقبري به:
أن ثمامة بن أثال الحنفي أسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينطلق به إلى حائط أبي طلحة فيغتسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(قد حسن إسلام صاحبكم)
وهذا سند ضعيف لأن عبد الله بن عمر هذا - وهو العمري المكبر - سيئ الحفظ وقد أتى بما تفرد دون الثقات في هذا الحديث
(ب) قال جبير بن مطعم:
أتيت المدينة في فداء بدر (وفي رواية: فداء المشركين) قال: وهو يومئذ مشرك قال: فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة المغرب فقرأ فيها ب {الطور} [فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون. أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون
أم عندهم خزائن
ربك أم هم المسيطرون. [أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين} [الطور / 38]] كاد قلبي أن يطير] (وفي الرواية الأولى: فكأنما صدع قلبي لقراءة القرآن)
الحديث أخرجه الطيالسي وعنه البيهقي والسياق له - وأحمد - والرواية الثانية له - من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: ثني بعض إخوتي عن أبي جبير بن مطعم به
وكذلك أخرجه الطحاوي عن وهب بن جرير والخطيب في (تاريخه) عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي كلاهما عن شعبة به وقال الحضرمي: عن سعد بن إبراهيم عن أخيه. وليس عندهما ذكر المسجد. ثم قال الخطيب:
(تابعه غندر وغيره عن شعبة ورواه أبو عمر الحوضي عن شعبة عن سعد ابن إبراهيم عن بعض إخوته عن جبير بن مطعم. وخالفه أبو الوليد الطيالسي فرواه عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن جبير بن مطعم وحديث يعقوب الحضرمي ومن تابعه الصواب)
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله رجاله كلهم ثقات رجال الستة وأخو سعد بن إبراهيم هو يعقوب بن إبراهيم فإنه هو المعروف برواية أخيه سعد عنه
وقد أخرجه البخاري من طريق سفيان بن عيينة قال: حدثوني
عن الزهري عن محمد بن جبير به نحوه ببعض اختصار وفيه الزيادة الأولى
وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن الصباح: أنبأنا سفيان عن الزهري به وفيه الزيادة الأخرى
هكذا رواه ابن الصباح عن سفيان عن الزهري بدون واسطة ولعل الصواب الرواية الأولى لكن الحافظ لم يذكر ولم يسم هؤلاء الذين حدثوا ابن عيينة به وكأنه لم يقف على ذلك
وقد أخرجه البخاري أيضا في (أفعال العباد) من طريق محمد ابن إسحاق عن الزهري به بلفظ:
قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء سبايا فنمت في مسجد بعد العصر وأنا على شركي فوالله ما أنبهني إلا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب ب {الطور. وكتاب مسطور}
ورجاله ثقات كلهم رجال مسلم غير محمد بن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس وقد عنعنه
وهو في (الصحيحين) و (الموطأ) و (سنن) أبي داود والنسائي و (المسندين) أيضا من طرق عن الزهري مختصرا بلفظ:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ب {الطور} في المغرب
وقد وجدت للحديث طريقا ثالثا أخرجه الطبراني في (معجمه الكبير) فقال: ثنا أحمد بن زهير التستري وعبد الله بن محمد بن شعيب الرجافي
قالا: ثنا محمد بن عمر البحراني: أنا أبو عامر العقدي: أنا أبو عمرو السدوسي عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أخبرني عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير عن جبير بن مطعم قال:
قدمت المدينة إذا قدمتها وأنا غير مسلم يومئذ وقد أصابني كرى شديد قدمت في المسجد حتى فزعت بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغرب وهو يقرأ في {الطور. وكتاب مسطور} فاسترجعت حتى خرجت من المسجد وكان أول ما دخل قلبي الإسلام
وهذا سند صحيح رجال كلهم ثقات رجال مسلم عدا شيخي الطبراني ولم أجد من ترجمهما
وأبو عمر السدوسي هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام العدوي
وفي الباب عن أبي هريرة قال:
اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم في رجل وامرأة زنيا منهم
أخرجه أبو داود ومن طريقه البيهقي عن معمر عن الزهري: ثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عنه. قال المنذري:
(رجل من مزينة مجهول)
قلت: ثم أخرجه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق
ويونس عن الزهري: سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه. به أتم منه
وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي: أن وفد ثقيف قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا ولا يستعمل عليهم من غيرهم فقال:
(لا تحشروا ولا تعشروا ولا تجبوا ولا يستعمل عليكم من غيركم ولا خير في دين ليس فيه ركوع)
أخرجه الطيالسي ومن طريقه أبو داود والبيهقي وأحمد من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عنه
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم فهو صحيح إن كان الحسن سمعه من عثمان. ثم قال البيهقي:
(ورواه أشعث عن الحسن مرسلا ببعض معناه زاد:
فقيل: يا رسول الله أنزلتهم في المسجد وهم مشركون فقال:
(إن الأرض لا تنجس إنما ينجس ابن آدم)
والحديث رواه ابن أبي شيبة والطبراني أيضا من رواية الحسن عن عثمان كما في (تخريج الكشاف)
وأما هذه الزيادة المرسلة فقد رواها بعضهم موصولة فقال أبو بكر الجصاص في (أحكام القرآن):
(وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص:
أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم قبة في المسجد فقالوا: يا رسول الله قوم أنجاس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما أنجاس الناس على أنفسهم)
وروى يونس عن الزهري بن المسيب:
أن أبا سفيان كان يدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام لقول الله: {فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة / 28] قال أبو بكر: فأما وفد ثقيف فإنهم جاؤا بعد فتح مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والآية نزلت في السنة التي حج فيها أبو بكر وهي سنة تسع فأنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وأخبرأن كونهم أنجاسا لا يمنع دخولهم المسجد وفي ذلك دلالة على أن نجاسة الكفر لا يمنع الكافر من دخول المسجد. واما أبو سفيان فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتجديد الهدنة وذلك قبل الفتح وكان أبو سفيان مشركا حينئذ والآية وإن كان نزولها بعد ذلك فإنما اقتضت النهي عن قرب المسجد الحرام ولم تقتض المنع من دخول الكفار سائر المساجد)
وبالجملة فهذه الزيادة في ثبوتها في الحديث نظر لأنها مرسلة عند البيهقي ولم نقف عليها موصولة إلا فيما أورده أبو بكر الجصاص معلقا
أقول هذا وإن كان احتج بها صديق حسن خان في (الروضة الندية)
ولا ندري سنده في ذلك. هذا مع العلم أن أصل الحديث في ثبوته نظرا لما سبق من علته. والله أعلم
(والمساجد كلها في ذلك سواء إلا المسجد الحرام فإنه لا يجوز تمكينهم من قربانه لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة / 28])
والآية دليل على تحريم دخول الكفار والمشركين إلى المسجد الحرام وهذا اللفظ يدل على جميع الحرم وهو مذهب عطاء بن أبي رباح قال: (الحرم كله قبلة ومسجد فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم لقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام} وإنما رفع من بيت أم هانئ)
ذكره القرطبي ثم قال:
(فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول)
قلت: وتخصيص المسجد الحرام بالذكر في الآية الكريمة يدل على أن غيره من المساجد ليس في حكمه فيجوز دخول المشركين إليها ويؤيد ذلك الأحاديث المتقدمة. وإلى هذا ذهب ابن حزم في (المحلى) فقال:
(ودخول المشركين في جميع المساجد جائز حاشا حرم مكة كله المسجد وغيره فلا يحل البتة أن يدخله كافر. وهو قول الشافعي وأبي سليمان وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يدخله اليهودي والنصراني ومنع منه سائر الأديان
وكره مالك دخول أحد من الكفار في شيء من المساجد قال الله تعالى: {إنما المشركون نجس. . .} الآية قال ابن حزم: فخص الله المسجد الحرام فلا يجوز تعتديه إلى غيره بغير نص)
قلت: واحتج أتباع مالك لمذهبه بالتعليل المذكور في الآية فأجروه في سائر المساجد فقال القرطبي:
(قال الشافعي رحمه الله: الآيةعامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام ولا يمنعون من دخول غيره فأباح دخول اليهود والنصارى في سائر المساجد). قال ابن العربي:
(وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله عز وجل: {إنما المشركون نجس} [التوبة / 28] تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة). قال صديق خان في (نيل المرام):
(ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه صلى الله عليه وسلم لثمامة بن أثال في مسجده وإنزال وفد ثقيف فيه)
قلت: أما ربط ثمامة فقد أجاب عنه ابن العربي نفسه بأنه كان قبل نزول الآية وبمثل هذا أجاب عنه ابن العربي نفسه كان قبل نزول الآية وبمثل هذا أجاب عن دخول أبي سفيان المسجد كما سبق
وأما نزول وفد ثقيف فيه فلو صح إسناده لكان حجة عليهم لا جواب لهم عنه لأنه كان بعد نزول الآية كما سبق ذكره عن أبي بكر الجصاص
قلت: وقد اختلف النقل عن أبي حنيفة في هذه المسألة فابن حزم نقل
عنه - كما سبق - جواز دخول اليهودي والنصراني فقط إلى المسجد الحرام وغيره من المساجد وهو موافق لما حكاه الجصاص في (الأحكام) والعيني في (العمدة) عن أبي حنيفة. قال العيني:
(واحتج بما رواه أحمد في (مسنده) بسند جيد عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم).)
وغير هؤلاء نسبوا إلى أبي حنيفة القول بجواز دخول المشرك أيضا ففي (فتح الباري):
(وفي دخول المشرك المسجد مذاهب فعن الحنفية الجواز مطلقا وعن المالكية والمزني المنع مطلقا وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية وقيل: يؤذن للكتابي خاصة وحديث الباب يرد عليه فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب)
ويؤيد هذا النقل ما في (فيض الباري):
(وأما الحنفية فإنهم قالوا: إن المشرك ليس بنجس وله أن يدخل المسجد الحرام وغيره كما في (الجامع الصغير) فأشكلت عليهم الآية. قلت: وفي (السير الكبير) أنه لا يدخل المسجد الحرام عندنا أيضا كما هو ظاهر النص واختاره في (الدر المختار) لأنه آخر تصانيف محمد رضي الله عنه
ثم صرح الشيخ الكشميري صاحب (الفيض) باختياره وعلل ذلك بقوله فيما سبق من الكتاب:
(فإنه أوفق بالقرآن وأقرب إلى الأئمة)
قلت: وأما حديث جابر الذي احتج به أبو حنيفة فلا يصح لأنه من رواية شريك عن أشعث بن سوار عن الحسن عنه وهو في (المسند) من طريقين عن شريك. وله علتان:
الأولى: عنعنة الحسن البصري وهو مدلس كما في (التقريب) وغيره
والأخرى: ضعف شريك - وهو القاضي - من قبل حفظه
وقد جاء بإسناد قوي موقوفا على جابر وهو الصواب فقال أبو بكر الجصاص بعد أن ذكره من هذا الوجه معلقا:
(وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال: ثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال: أخبرنا عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام}: إلا أن يكون عبدا أو واحدا من أهل الذمة)
قلت: وهذا إسناد صحيح: عبد الله بن محمد بن إسحاق هو أبو القاسم المعروف بحامض رأسه ترجمه الخطيب في (تاريخه) وقال:
(قال البرقاني: وسألت الأبهري عنه فقال: ثقة مات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة)
وشيخه الحسن بن أبي الربيع الجرجاني من شيوخ ابن ماجه وهو الحسن ابن يحيى بن الجعد بن نشيط ترجمه الخطيب أيضا وقال:
(قال ابن أبي حاتم الرازي: سمعت منه مع أبي وهو صدوق)
وكذا قال الحافظ في (التقريب) أنه:
(صدوق)
وبقية رجال الإسناد ثقات على شرط مسلم
ومن هذا تعلم أن قول ابن العربي:
(إنه سند ضعيف)
غير صحيح
ثم قال أبو بكر الجصاص:
(فوقفه أبو الزبير على جابر (يعني ورفعه الحسن) وجائز أن يكونا صحيحين فيكون جابر قد رفعه تارة وأفتى به أخرى)
قلت: وهذا الجمع حسن ولكنه إنما يصار إليه إذا كان من رفعه حجة في روايته وحفظه وقد علمت أن في الرواية المرفوعة علتين بخلاف هذه الموقوفة فكانت هي الراجحة
(لطيفة): قال ابن العربي:
(ولقد كنت أرى بدمشق عجبا: كان لجامعها بابان: باب شرقي وهو باب جيرون وباب غربي وكان الناس يجعلونه طريقا يمشون عليها نهارهم كله في حوائجهم وكان الذمي إذا اراد المرور وقف على الباب حتى يمر به مسلم
مجتاز فيقول له الذمي: يا مسلم اتأذن لي أن أمر معك؟ فيقول: نعم فيدخل معه وعليه الغيار - علامة أهل الذمة - فإذا رآه القيم صاح به: ارجع ارجع فيقول له المسلم: أنا أذنت له. فيتركه القيم)
هذا ولابن حزم في هذا المقام بحث قيم في تحقيق أن لفظ (المشركين) في الآية السابقة يشمل اليهود والنصارى خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فلا بد من نقله لما فيه من الفوائد ودفع بعض الشبهات حول بعض الآيات مما قد لا يوجد في كتاب آخر فقال رحمه الله:
(وأما قول أبي حنيفة فإنه قال: إن الله تعالى قد فرق بين المشركين وبين سائر الكفار فقال تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين} [البينة / 1] وقال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم} [الحج / 17] قال: والمشرك هو من جعل لله شريكا لا من لم يجعل له شريكا
قال ابن حزم: لا حجة له غير ما ذكرنا
فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما لأن الله تعالى قال: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن / 68] والرمان من الفاكهة وقال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة / 98] وهما من الملائكة وقال تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى} [الأحزاب / 7] وهؤلاء من النبيين
إلا أنه كان يكون ما احتج به أبو حنيفة حجة إن لم يأت برهان بأن اليهود والنصارى والمجوس والصابئين مشركون لأنه لا يحمل شيء معطوف على شيء إلا أنه غيره حتى يأتي برهان بأنه هو أو بعضه. فنقول وبالله التوفيق:
أن أول مخالف لنص الآيتين أبو حنيفة لأن المجوس عنده مشركون وقد فرق الله تعالى في الذكر بين المجوس وبين المشركين فبطل تعلقه بعطف الله تعالى إحدى الطائفتين على الأخرى
ثم وجدنا الله تعالى قد قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء / 48] فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك وهذا لا يقوله مسلم
ثم روى ابن حزم من طريق مسلم بإسناده إلى ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك
ومن طريقه أيضا بسنده عن أبي بكرة قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور)
وعنه أيضا عن أبي هريرة مرفوعا:
(اجتنبوا السبع الموبقات). قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال:
(الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)
قال علي بن حزم: فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان ذلك الكفر خارجا عن الكبائر ولكان عقوق الوالدين وشهادة الزور أعظم منه وهذا لا يقوله مسلم فصح أن كل كفر شرك وكل شرك كفر وأنهما اسمان شرعيان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد
وأما حجته بأن المشرك هو من جعل لله شريكا فقط فهي منتقضة عليه من وجهين:
أحدهما: أن النصارى يجعلون لله شريكا يخلق كخلقه وهو يقول: إنهم ليسوا مشركين. وهذا تناقض ظاهر
والثاني: أن البراهمة والقائلين بأن العالم لم يزل وأن له خالقا واحدا لم يزل والقائلين بنبوة علي بن أبي طالب والمغيرة وبزيغ - كلهم لا يجعلون لله تعالى شريكا وهم عند أبي حنيفة مشركون. وهو تناقض ظاهر
ووجه ثالث: وهو أنه لم يكن المشرك إلا ما وقع عليه اسم التشريك في اللغة - وهو من جعل الله تعالى شريكا فقط - لوجب أن لا يكون الكفر إلا من كفر بالله تعالى وأنكره جملة لا من أقر به ولم يجحده فيلزم من هذا أن لا يكون الكفار إلا الدهرية فقط وأن لا يكون اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا البراهمة كفارا لأنهم كلهم مقرون بالله تعالى وهو لا يقول بهذا ولا مسلم
على ظهر الأرض أو كان يجب أن يكون كل من غطى شيئا كافرا فإن الكفر في اللغة: التغطية. فإذ كل هذا باطل فقد صح أنهما اسمان نقلهما الله تعالى عن موضوعهما في اللغة على كل من أنكر شيئا من دين الإسلام يكون بإنكاره معاندا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النذارة إليه. وبالله تعالى التوفيق)
قلت: والإلزام المذكور في الوجه الثالث لم يتبين لي صوابه لأن من يقول بأن الشرك غير الكفر يجعله أخص منه ومن المعلوم أن الأخص يدخل في الأعم كدخول النصارى واليهود في المشركين عند ابن حزم في الآية السابقة وعند غيره من سلف الصحابة والتابعين في قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة / 221] الآية
فكل من أشرك فقد كفر اتفاقا فالإلزام غير وارد غير أن ابن حزم يقول العكس أيضا وهو أن كل من كفر بشيء من المكفرات فقد أشرك والأدلة التي ساقها تؤيد ذلك ولا أعلم ما يباين ذلك من الكتاب والسنة بل إن ظاهر قوله تعالى في سورة الكهف: {واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنيتن من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا} [الكهف / 32] إلى قوله تعالى: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا. ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله
ربي
ولا أشرك بربي} الآيات [الكهف / 34 - 38] إلى قوله تعالى: {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا} [الكهف / 42]
فقد أطلق سبحانه على هذا الرجل الذي أنكر البعث والحشر أنه أشرك به تعالى. هذا هو الظاهر من سياق الآيات فإنه تعالى لم يحك عنه من الكفر غير ما ذكر ثم حكى ندمه حين رأى ما حل بثمره وجنتيه بقوله: {يا ليتني لم أشرك بربي أحدا} فأطلق الشرك على الكفر المذكور ولعل وجهه أن جحوده البعث مصير منه إلى أن الله تعالى لا يقدر عليه وهو تعجيز الرب سبحانه وتعالى ومن عجزه سبحانه وتعالى شبهه بخلقه فهو إشراك). كذا ذكره القرطبي بنحوه. والله أعلم
(8 - إدخال الدابة للحاجة لأنه عليه الصلاة والسلام دخل المسجد الحرام طائفا على ناقته كما قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف ويسألوه [ف] إن الناس غشوه)
الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله. والسياق لأحمد والزيادة لمسلم وأبي داود ورواية لأحمد
وله شاهد من حديث عائشة عند مسلم والنسائي بلفظ:
طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن بمحجنه. زاد مسلم:
كراهية أن يضرب عنه الناس
وأخر من حديث أبي الطفيل. وفي الباب عن أم سلمة في طوافها راكبة وسيأتيان في (الحج) إن شاء الله تعالى
وقد ترجم البخاري لحديث أم سلمة في (كتاب الصلاة) ب:
(باب إدخال البعير في المسجد لعلة)
أي: الحاجة
قال ابن بطال:
(في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب. وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز مع الحاجة بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول)
واعترضه العيني في (شرحه) بقوله:
(وفيه نظر لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (طوفي وأنت راكبة (يعني أم سلمة) لا يدل على أن الجواز وعدمه دائران مع التلويث بل ظاهره يدل على الجواز مطلقا عند الضرورة. وقيل: إن ناقته كانت مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث وهي سائرة. قلت: سلمنا هذا في ناقة النبي عليه الصلاة والسلام
لكن ما يقال في الناقة التي كانت عليها أم سلمة وهي طائفة؟ ولئن قيل: إنها كانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: يحتاج إلى بيان ذلك بالدليل)
(9 - الوضوء ف (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ في المسجد)
الحديث أخرجه أحمد: ثنا وكيع عن أبي خالد عن أبي العالية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:
حفظت لك أن. . . إلخ
وهذا إسناد حسن كما قال الهيثمي
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي خالد وهو مهاجر بن مخلد أبو مخلد ويقال: أبو خالد مولى البكرات روى عن عبد الرحمن بن أبي بكرة وأبي العالية الرايحي وعنه عوف الأعرابي ووهيب وخالد الحذاء وحماد بن زيد وأخوه سعيد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي. وكان وهيب يعيبه ويقول:
(لا يحفظ). وقال ابن معين:
(صالح). وقال أبو حاتم:
(لين الحديث ليس بذاك وليس بالمتقن يكتب حديثه)
وذكره ابن حبان في (الثقات). وقال الساجي:
(هو صدوق معروف وليس من قال فيه: مجهول. بشيء)
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف
وقد صح أن أبا هريرة توضأ على ظهر المسجد
أخرجه أحمد ومسلم
وفي الحديث جواز الوضوء في المسجد قال النووي في (شرح مسلم):
(وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على جوازه ما لم يؤذ به أحدا)
قلت: وقال العراقي في (شرح التقريب):
(وحكى ابن بطال جوازه عن أكثر أهل العلم وحكى عن مالك وسحنون كراهته تنزيها للمسجد)
قلت: والحديث حجة عليهما
نعم يجب أن لا يقترن به ما يخل شرعا كما هو الواقع اليوم في أكثر المساجد التي جر إليها ماء الفيجة لما يسمع من الصوت الشديد من أثر اندفاع الماء من (الحنفيات) واصطدامه بالبلاط مما يحصل منه ضوضاء وتشويش على المصلين فيه ولذلك نرى أنه من الضروري جعل الميضأة في مكان محصور بجنب المساجد لا داخله كما هو الأمر في جامع (عيسي باشا) تجاه سوق الحميدية وغيره
(10 - الاجتماع والتحلق لدراسة القرآن والعلم لحديث:
بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد [فلما وقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما] فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس
خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟)[قالوا: بلى يا رسول الله قال:]
(أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)
الحديث من رواية أبي واقد الليثي رضي الله عنه
أخرجه البخاري - والسياق له في رواية - ومسلم والترمذي ثلاثتهم عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره عنه
وعزاه الحافظ للنسائي أيضا وقال:
(وهو في (الموطأ)
قلت: ولم أجده الآن عندهما
والزيادة الأولى للترمذي وهي عند النسائي أيضا وأكثر رواة الموطأ كما في (الفتح)
وقد أخرجه أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير: ثني إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة به نحوه. وفيه الزيادة الأخرى
(1) ثم وجدته في (الموطأ)(3/ 132 - 133) وفيه الزيادة الأولى. وقد وجدت للحديث شاهدا من رواية أنس نحوه. أخرجه الحاكم (4/ 255) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حسن الإسناد
وأخرجه مسلم أيضا من هذا الوجه لكنه لم يسق لفظه بل أحال على ما قبله بقوله:
(بمثله في المعنى)
قال النووي في شرح الحديث:
(فيه استحباب جلوس العالم لأصحابه وغيرهم في موضع بارز ظاهر للناس والمسجد أفضل فيذاكرهم العلم والخير وفيه جواز حلق العلم والذكر في المسجد واستحباب دخولها ومجالسة أهلها وكراهة الانصراف عنها من غير عذر. . . إلخ). قال الحافظ:
(وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: (ما لي أراكم عزين). فلا معارضة بينه وبين هذا لأنه إنما كره تحلقهم على ما لا فائدة فيه ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان لسماع العلم والتعلم منه)
قلت: هذا الحديث ليس فيه إنكاره عليه الصلاة والسلام تحلقهم مطلقا بل إنما أنكر عليهم تفرقهم حلقا حلقا وهذا هو معنى قوله: (عزين). قال النووي:
(أي: متفرقين جماعة جماعة وهو بتخفيف الزاي الواحدة عزة معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع)
قلت: ويؤيد ذلك أنا أبا داود أخرج الحديث من طريق الأعمش ثم روى عقب ذلك عنه أنه قال:
(كأنه يحب الجماعة)
فالحديث إذن لا علاقة له بالتحلق لا سلبا ولا إيجابا
(و (خرج على حلقة من أصحابة فقال: (ما أجلسكم؟) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به (وفي لفظ: (بك) علينا قال: (آلله ما أجلسك إلا ذاك؟) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال:
(أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني: أن الله يباهي بكم الملائكة)
الحديث من رواية معاوية بن أبي سفيان
أخرجه مسلم - والسياق له - والنسائي والترمذي وأحمد من طريق مرحوم بن عبد العزيز عن أبي نعامة السعدي عن أبي عثمان عن أبي سعيد الخدري عنه. واللفظ الآخر للنسائي وأحمد
(وقال عليه الصلاة والسلام: (ما اجتمع قوم (وفي لفظ: (ما من قوم يجتمعون) في بيت من بيوت الله تعالى يتلون [ويتعلمون] كتاب الله ويتدراسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)
الحديث من رواية أبي هريرة
أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد
عن الأعمش عن أبي صالح عنه. واللفظ الآخر والزيادة لأحمد. ثم هو قطعة من حديث عند مسلم وابن ماجه وقد عزاه بتمامه المنذري لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في (صحيحه) والحاكم وقال:
(صحيح على شرطهما)
قال النووي في (شرح مسلم):
(قيل المراد بالسكينة هنا الرحمة وهو الذي اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه. وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن. وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال مالك: يكره. وتأوله بعض أصحابه)
قلت: ولعل التأويل المشار إليه هو أن الذي كره مالك من الاجتماع ما خالف هديه عليه الصلاة والسلام فيه كالاجتماع على القراءة بصوت واحد فإنه بدعة لم تنقل عنه عليه الصلاة والسلام ولا عن أحد من الصحابة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته كما كان ابن مسعود يقرأ عليه وقال: (إني أحب أن أسمعه من غيري) وكان عمر يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون فتارة يأمر أبا موسى وتارة يأمر عقبة بن عامر. رواه الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) ثم قال:
(وذكر حرب أنه رأى أهل دمشق وأهل حمص وأهل مكة وأهل البصرة يجتمعون على القرآن بعد صلاة الصبح ولكن أهل الشام يقرؤون القرآن كلهم
جملة من سورة واحدة بأصوات عالية وأهل مكة وأهل البصرة يجتمعون فيقرأ أحدهم عشر آيات والناس ينصتون ثم يقرأ آخر عشر آيات حتى يفرغوا قال حرب: وكل ذلك حسن جميل. وقد أنكر مالك ذلك على أهل الشام)
قلت: وهذا الذي أنكره مالك هو الحق إن شاء الله تعالى لمخالفته السنة كما سبق
(غير أن ذلك لا يجوز قبل صلاة الجمعة خاصة كما سبق في (المناهي) فقرة (5)
(11 - إنشاد الشعر الحسن أحيانا ولا سيما إذا كان في الذب عن الإسلام فإنه حينئذ من الجهاد فقد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي لفظ: (ينافح عنه بالشعر) وفي آخر: يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله [ل] يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحديث من رواية عائشة رضي الله عنه
أخرجه أبو داود - واللفظ الثالث له - والترمذي والحاكم - والسياق له - وأحمد - واللفظ الثاني وكذا الزيادة له - من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام بن عروة عن عروة عنها
وهذا إسناد حسن وقال الترمذي:
(حسن صحيح). وقال الحاكم:
(صحيح الإسناد). ووافقه الذهبي:
وهو في (صحيح مسلم) من طريق أخرى عنها لكن ليس فيه وضع المنبر في المسجد وفيه: وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(هجاهم حسان فشفى واستشفى) قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
الأبيات بتمامها
(وقد (مر عمر رضي الله عنه بحسان وهو ينشد [الشعر] في المسجد [فلحظ إليه] [فقال: مه] قال: [- في حلقة فيهم أبو هريرة -]: كنت أنشد وفيه من هو خير منك [ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أجب عني اللهم أيده بروح القدس)؟ قال: نعم] [فانصرف عمر وهو يعرف أنه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم])
الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد - والسياق له - كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال. . . فذكره. والزيادة الأولى لمسلم والثانية للجميع إلا البخاري والسادسة لهم إلا أبا داود
ورواه معمر عن الزهري به مختصرا دون ذكر المسجد وإنكار عمر على حسان. وفيه الزيادة الخامسة
أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد:
ورواه إبراهيم بن سعد عنه دون المرفوع منه وفيه الزيادة الثالثة والأخيرة
أخرجه أحمد
ثم أخرجه من طريق محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن قال: مر عمر. . . الحديث بنحو رواية إبراهيم وفيه الزيادة الرابعة
ثم تبين لي أن هذا الإسناد منقطع فإن يحيى بن عبد الرحمن هذا هو ابن حاطب بن أبي بلتعة ولم يذكروا له رواية عن الصحابة وقد كانت وفاته سنة (104) ووفاة عمر سنة (23) فيبعد أن يكون شاهد القصة. ولذلك وجب الضرب على هذه الزيادة وقد فعلنا
ثم الحديث أخرجه البخاري ومسلم من طرق عن الزهري أيضا قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس)؟ قال أبو هريرة: نعم
(وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه
والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل)
هو من حديث كعب بن مالك:
أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
إن الله عز وجل قد أنزل في الشعر ما أنزل. فقال. . . فذكره
أخرجه أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه به
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين
وله شاهد من حديث أنس قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وابن رواحة بين يديه يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
قال عمر: يا ابن رواحة في حرم الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول هذا الشعر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خل عنه فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل)
أخرجه النسائي والترمذي من طريق عبد الرزاق قال: ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عنه
وهذا سند صحيح على شرط مسلم
وفي حديث حسان: جواز الشعر الحسن في المسجد وقد ترجم له النسائي بقوله:
(الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد)
وإلى هذا ذهب الكثرة من العلماء
وأما تناشد الأشعار فمنهي عنه كما سبق بيانه في (المناهي) فقرة (6) وقد قال البيهقي:
(ونحن لا نرى بإنشاد مثل ما كان يقول حسان في الذب عن الإسلام وأهله بأسا في المسجد ولا في غيره والحديث الأول ورد في تناشد أشعار الجاهلية وغيرها مما لا يليق بالمسجد. وبالله التوفيق)
(13 - نصب الخيمة للمريض وغيره للحاجة قالت عائشة رضي الله عنه: (أصيب سعد [ابن معاذ] يوم الخندق [رماه رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة] في الأكحل فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد [ل] يعوده من قريب [فلم يرعهم - وفي المسجد [معه] خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما مات عنها])
الحديث أخرجه البخاري - والسياق له - ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد من طريق هشام عن أبيه عنها. والزيادة الثانية لأحمد وكذا
البخاري ومسلم في رواية لهما والثالثة لمسلم وحده والرابعة للجميع إلا هو والأخيرة للشيخين والزيادة فيها لمسلم
وله طريق أخرى أخرجه أحمد عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص عنها بنحوه أتم منه وفيه الزيادة الأولى
وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في (الفتح)
والحديث ترجم له البخاري ب:
(باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم). قال الحافظ:
(أي: جواز ذلك). وفي (العمدة):
(قال ابن بطال: فيه جواز سكنى المسجد للعذر والباب مترجم به). وفي (شرح مسلم):
(فيه جواز النوم في المسجد وجواز مكث المريض فيه وإن كان جريحا) وفي (نيل الأوطار):
(والحديث يدل على جواز ترك المريض في المسجد وإن كان في ذلك مظنة لخروج شيء منه يتنجس به المسجد)
(وقد (كان عليه السلام يعتكف في العشر الأواخر من رمضان (قالت عائشة رضي الله عنه: فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله [وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب][فاستأذنته عائشة أن تعتكف فاذن لها فضربت فيه قبة] [وسألت
حفصة عائشة أن تستأذن لها [رسول الله صلى الله عليه وسلم] ففعلت] [فأمرت ببنائها فضرب] فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر [وكانت امرأة غيورا] فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي لفظ: (فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغداة)[إلى المكان الذي أراد أن يعتكف]) رأى الأخبية فقال: (ما هذا)؟ [قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آلبر ترون بهن؟ (وفي رواية: (آلبر أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف) وفي أخرى: ما حملهن على هذا؟ آلبر؟ انزعوها فلا أراها فنزعت وفي لفظ: (فأمر ببنائه فقوض وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت) فترك الاعتكاف في ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال)
الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري: حدثتني عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة به. والسياق للبخاري والزيادة الثانية له وكذا الثالثة والرابعة له ولأحمد وله الزيادة التي فيها وكذا التي بعدها. والزيادة الأولى لأبي داود ولمسلم نحوها والزيادة السادسة لأبي عوانة كما في (الفتح) والزيادة السابعة للبخاري وكذا الثامنة والتاسعة ولأحمد أيضا هذه الأخيرة واللفظ الثاني والرواية الثانية والثالثة للبخاري واللفظ الثالث لأبي داود
والحديث ترجم له النسائي كا ترجم للحديث الأول بقوله:
(ضرب الخباء في المساجد). وقال الحافظ:
(ومنه جواز ضرب الأخبية في المسجد)
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري قال:
اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهروا (كذا) بالقراءة وهو في قبة له فكشف الستور وقال: (ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة) أو قال: (في الصلاة)
أخرجه أحمد: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن إسماعيل بن أمية عن أبي سملة بن عبد الرحمن عنه
وهذا سند صحيح على شرط الستة. وقد أخرجه منهم أبو داود من هذا الوجه
(14 - اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب لما فيه من التدرب على القتال والتقوي للجهاد فقد (دخل عمر رضي الله عنه والحبشة يلعبون [في المسجد] فزجرهم عمر (وفي رواية: فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهم يا عمر [فإنما هم بنو أرفدة])
الحديث من رواة أبي هريرة رضي الله عنه
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عنه. والسياق للنسائي والرواية الأخرى هي رواية للشيخين ورواية لأحمد والزيادة الأولى
للجميع إلا مسلما والأخرى للنسائي وأحمد وهي عند أبي عوانة ايضا في (صحيحه) كما في (الفتح)(2/ 356) وقال:
(كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم)
وللحديث شاهد من رواية عائشة رضي الله عنه وهو:
(قالت عائشة رضي الله عنها: (فدعاني صلى الله عليه وسلم [والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد] [في يوم عيد] [فقال لي: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم] [فأقامني وراءه] [فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم] فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده] فنظرت من فوق منكبيه (وفي رواية: (من بين أذنه وعاتقه)[وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة][قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا] حتى شبعت) (وفي رواية: (حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت: نعم قال: فاذهبي) وفي أخرى: قلت: لا تعجل فقام لي ثم قال: حسبك قلت: لا تعجل قالت: وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه [وأنا جارية][فاقدروا قدر الجارية [العربة] الحديثة السن الحريصة على اللهو])
الأول: عروة عنها
أخرجه البخاري ومسلم
والنسائي والطيالسي وأحمد من طرق عنه يزيد بعضهم على بعض. والسياق لأحمد والزيادة الأولى للجميع إلا أن النسائي والطيالسي ليس عندهم: (بحرابهم) والزيادة الثانية للنسائي وأحمد وللشيخين معناها والرابعة للشيخين والخامسة لأحمد وحده وسندها صحيح على شرط الستة والسابعة للشيخين والتاسعة لمسلم والعاشرة لهم جميعا إلا الطيالسي والزيادة التي فيها لمسلم وحده وزاد أحمد في رواية:
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ:
(لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنيفية سمحة)
أخرجها من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: قال لي عروة أن عائشة قالت:
وعبد الرحمن هذا حسن الحديث وفي حفظه ضعف ولذلك قال ابن عدي:
(بعض ما يرويه لا يتابع عليه)
ولذلك تنكبت زيادته هذه حيث تفرد بها دون كل من روى الحديث عن عروة
وقد عزاه الحافظ للسراج من طريق أبي الزناد به. وسكت عليه فإن كان من طريق ابنه عنه فقد علمت ما فيه وإن كان من طريق غيره فيجب النظر فيه. والله أعلم
والرواية الثانية لأحمد وحده. وإسناده صحيح على شرط الستة أيضا وهي في الطريق الثاني أيضا
الثاني: عبيد بن عمير عنها نحوه وفيه الرواية الثانية
أخرجه مسلم وأحمد
الثالث: يحيى بن عبد الرحمن عنها مختصرا وفيه معنى الزيادة الخامسة
أخرجه أحمد: ثنا خلف بن الوليد قال: ثنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو عنه
وهذا إسناد رجاله ثقات غير أنه منقطع بين يحيى وعائشة كما قد سبق
الرابع: أبو سلمة عنها. وفيه الزيادة الثالثة والسادسة والثامنة والرواية الثالثة
قال الحافظ بعد أن عزاه للنسائي ولعله يعني (سننه الكبرى):
(إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا)
وكذا قال العراقي في (تخريج الإحياء) إن سنده صحيح
والحديث ترجم له النسائي بقوله:
(اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك). وقال الحافظ في شرح قوله: (والحبشة يلعبون في المسجد):
فيه جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي: أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة: أما القرآن فقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} [النور / 36] وأما السنة فحديث: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم). وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ. وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد. وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهم). واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه)
وهذا فيه تقييد اللعب الجائز في المسجد بما فيه مصلحة عامة. وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى
وقد تعقب ذلك الصنعاني في (سبل السلام) باللفظ الذي تقدم: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة. . .) إلخ فقال:
(وهذا يدفع قول الطبري أنه يغتفر للحبش ما لا يغتفر لغيرهم فيقر حيث ورد ويدفع قول من قال: إن اللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواضع الحروب والاستعداد للعدو ففي ذلك من المصلحة التي تجمع عامة المسلمين ويحتاج إليها في إقامة الدين فأجيز فعلها في المسجد)
قلت: وقد علمت مما سبق أن هذا اللفظ لا يصح بل هو ضعيف فلا يجوز الاعتماد عليه في هذا البحث لا سيما وهو مناف للإطلاق المذكور في الآية السابقة. والله أعلم
(15 - ربط الأسير بالسارية للحديث المتقدم فقرة (7): (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال - سيد أهل اليمامة - فربطوه بسارية من سواري المسجد) الحديث)
وهو حديث صحيح متفق عليه وقد سبق تخريجه هناك مع ذكره بتمامه. وقد ترجم له بما ذكرنا البخاري والنسائي وقال البخاري:
(وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس إلى سارية المسجد). قال الحافظ:
(وقد وصله معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه فإن أعطى الحق وإلا أمر به إلى السجن)
(وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن عفريتا من الجن جعل يتفلت علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فذعته (وفي رواية: (فخنقته) فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم ثم ذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص / 35] فرده الله خاسئا)
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه
وله عنه طريقان:
الأول: عن شعبة عن محمد بن زيادة قال: سمعت أبا هريرة يقول. . . فذكره
أخرجه البخاري ومسلم والدارقطني
الثاني: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه به نحوه مختصرا بالرواية الثانية
أخرجه البيهقي
وهذا سند حسن
وقد جاءت هذه القصة عن جمع من الصحابة غير أبي هريرة:
منهم أبو الدرداء
عند مسلم والنسائي والبيهقي
ومنهم جابر بن سمرة
عند الدارقطني وأحمد والطبراني في (الكبير)
وإسناده صحيح على شرط مسلم
ومنهم أبو سعيد الخدري
عند أحمد بسند حسن ولعله يأتي في (السترة). وقال الهيثمي:
(ورجاله ثقات)
والحديث ترجم له البخاري بعدة تراجم منها:
(باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد). قال شارحه العيني:
(فيه دليل على إباحة ربط الأسير في المسجد وعلى هذا بوب البخاري الباب ومن هذا قال المهلب: إن في الحديث جواز ربط من خشي هروبه بحق عليه أو دين والتوثق منه في المسجد أو غيره)
(16 - القضاء واللعان لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر من القرآن من أمر المتلاعنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قضى الله فيك وفي امرأتك. قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد. . . . الحديث)
أخرجه البخاري - والسياق له - ومسلم من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب عن الملاعنة وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلا. . . إلخ
وترجم له البخاري ب: (باب التلاعن في المسجد)
وقد أخرجه مختصرا في موضعين أخرين من هذا الوجه وترجم له فيهما ب: (باب القضاء واللعان في المسجد)
والحديث رواه مالك عن ابن شهاب به نحوه
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والدارمي وأحمد كلهم عن مالك به
وذكر البخاري تعليقا:
(ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر وكان الحسن وزرارة بن أبي أوفى يقضيان في الرحبة خارجا من المسجد)
وقد ذكر الحافظ في (شرحه) من وصل هذه الآثار فليرجع إليه فلا نطيل بذكر ذلك. ثم قال الحافظ:
(قال ابن بطال: استحب القضاء في المسجد طائفة وقال مالك: هو الأمر القديم لأنه يصل إلى القاضي فيه المرأة والضعيف وإذا كان في منزله لم يصل إليه الناس لإمكان الاحتجاب. قال: وبه قال أحمد وإسحاق وكرهت ذلك طائفة وكتب عمر بن عبد العزيز إلى القاسم بن عبد الرحمن أن لا تقضي في المسجد فإنه يأتيك الحائض والمشرك. وقال الشافعي: أحب إلي أن يقضي في غير المسجد لذلك. وقال الكرابيسي: كره بعضهم الحكم في
المسجد من أجل أنه قد يكون الحكم بين مسلم ومشرك فيدخل المشرك المسجد. قال: ودخول المشرك المسجد مكروه. ولكن الحكم بينهم لم يزل من صنيع السلف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره. ثم ساق في ذلك أثارا كثيرة. قال ابن بطال: وحديث سهل بن سعد حجة للجواز وإن كان الأولى صيانة المسجد وقد قال مالك: كان من مضى يجلسون في رحاب المسجد إما في موضع الجنائز وإما في رحبة دار مروان قال: وإني لأستحب ذلك في الأمصار ليصل إليه اليهودي والنصراني والحائض والضعيف وهو أقرب إلى التواضع)
قلت: وقول الكرابيسي:
(ودخول المشرك المسجد مكروه)
مما لا دليل على إطلاقه بل السنة تدل على جواز إدخالهم المساجد إلا المسجد الحرام كما سبق بيانه في الفقرة السابعة ويؤيد ذلك الآثار التي استدرك بها هو نفسه على قول هذا فتنبه
وفي (العمدة) ما ملخصه:
(وإنما ذكر البخاري هذا الحديث مختصرا لأجل جواز القضاء في المسجد وهو عند عامة العلماء وعن الشافعي كراهيته في المسجد إذا أعده لذلك دون ما إذا اتفقت له حكومة فيه. وقال أصحابنا جميعا: والمستحب أن يجلس في مجلس الحكم في الجامع فإن كان مسجدا بجنب داره فله ذلك وإن قضى في داره جاز والجامع أرفق المواضع بالناس وأجدر أن لا يخفى على أحد
جلوسه ولا يوم حكمه وقد كان الشعبي يقضي في الجامع وشريح يقضي في المسجد ويخضب بالسواد وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده بين الأنصار في مواريث تقادمت)
قلت: هذا الحديث لم أقف عليه الآن فليراجع
وقول الشافعي هو الأقرب إلى النظر لأنه لا يدفع ما ذكرنا من السنة كما أنه لا يلزم منه أي محذور في المسجد بخلاف ما لو أعد للقضاء فإنه حينئذ من الصعب تنزيهه من الغوغاء والضوضاء. والله أعلم
(17 - الاستلقاء لحديث عبد الله بن زيد المازني: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى)
أخرجه البخاري ومسلم ومالك وعنه أبو داود وكذا النسائي ومحمد في (موطأه) والترمذي والدارمي والطيالسي وأحمد من طرق عن الزهري قال: أخبرني عباد بن تميم عن عمه به. وقال الترمذي:
(حديث حسن صحيح)
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة صححه ابن حبان كما في (الفتح)
والحديث دليل على ما ذكرنا من جواز الاستلقاء في المسجد وبذلك ترجم له البخاري والنسائي وعلى ذلك جرى شرح (الصحيحين) وغيرهما. وقال الحافظ في (الفتح):
(والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم قال الخطابي: وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة وقال الداودي: فيه أن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا)
وأعلم أنه قد ثبت في (صحيح مسلم) وغيره من حديث جابر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره
ومن الواضح أنه لا يعارض ما ذكرنا من الاستلقاء المطلق وإنما هو بظاهره يعارض الاستلقاء بالصورة المذكورة في الحديثين وقد جمع العلماء بينهما بأن حملوا هذا النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك. والله أعلم
وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني من حديث قتادة بن النعمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله لما قضى خلقه استلقى فوضع رجله على الأخرى وقال: لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا)
ففي ثبوته نظر فقد قال الهيثي في (المجمع):
(رواه الطبراني عن مشايخ ثلاثة: جعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين المصري وأحمد بن داود المكي. فأحمد بن رشدين ضعيف والاثنان لم أعرفهما وبقية رجاله رجال الصحيح)
وأنا أستبعد جدا صحة هذا الحديث لأنه يوحي بالمعنى الذي قاله اليهود المغضوب عليهم: (خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع) وهو يوم السبت وهم يسمونه يوم الراحة وقد رد الله تعالى عليهم في غير آية فقال تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} [ق / 38]
ويغلب على الظن أن أصل الحديث من الإسرائيليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض أهل الكتاب ثم وهم فيه بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في (مسند أحمد) وهو خطأ كما بينه الحافظ ابن كثير في (التفسير) وغيره
(18 - النوم والقيلولة للمحتاج من الرجال ولو لغير غريب على أن لا يتخذ مبيتا ومقيلا وفي ذلك أحاديث:
(أ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه:
أنه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله
تعالى عليه وسل
وفي لفظ عنه قال:
(كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ننام في المسجد [و] نقيل فيه ونحن شباب)
الحديث صحيح متفق عليه
وله عنه طريقان:
الأول: عن عبيد الله بن عمر قال: ثني نافع قال: أخبرني عبد الله به
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طرق عنه. واللفظ الثاني هو لفظ أحمد وكذا ابن ماجه إلا أنه ليس عنده: (ونقيل. . .) إلخ
وقد تابعه عبيد الله بن عمر - وهو المصغر - العمري وهو عبد الله بن عمر المكبر وهو أخوه
أخرجه أحمد
الثاني: عن عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به نحوه
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد ولفظ الترمذي مثل اللفظ الثاني إلا أنه لم يقل: (ونقيل فيه). وقال:
(حديث حسن صحيح)
وقد تابعه عن الزهري صالح بن أبي الأخضر
أخرجه أحمد
(ب) عن سهل بن سعد قال:
جاء رسول الله ببيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال: (أين ابن عمك؟) قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: (انظر أين هو؟) فجاء فقال: يا رسول الله هو [ذا] في المسجد راقد [في فيء الجدار] فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه (وفي لفظ: عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره) فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول:
(قم أبا تراب قم أبا تراب)
أخرجه البخاري ومسلم من طريق أبي حازم عنه. والزيادة الأولى للبخاري في (الأدب المفرد) ورواية في (صحيحه) والثانية للطبراني كما في (الفتح) وهي عند البخاري أيضا لكنه لم يذكر لفظة: (فيء) واللفظ الآخر له أيضا في رواية. والحديث أخرجه البيهقي أيضا
وفي الباب أحاديث أخرى وسيأتي بعضها
وفي الحديثين وما في معناهما جواز النوم والقيلولة في المسجد على
التفصيل الذي ذكرنا وقد ترجم لهما البخاري بنحو ذلك فقال:
(باب نوم الرجال في المسجد). قال الحافظ:
(أي جواز ذلك وهو قول الجمهور وروي عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة وعن ابن مسعود مطلقا وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح). ثم قال الحافظ في شرح حديث (ب):
(فيه مراد الترجمة لأن حديث ابن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له وكذا بقية أحاديث الباب إلا قصة علي فإنها تقتضي التعميم لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار)
وفي الترمذي:
(وقد رخص قوم من أهل العلم في النوم في المسجد. وقال ابن عباس: لا يتخذه مبيتا ومقيلا وقوم من أهل العلم ذهبوا إلى قول ابن عباس)
وقال البيهقي:
(وروينا عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن النوم في المسجد؟ فقال: فأين كان أهل الصفة؟ يعني: ينامون فيه. وروينا عن ابن مسعود وابن عباس ثم عن مجاهد وسعيد بن جبير ما يدل على كراهيتهم النوم في المسجد فكأنهم استحبوا لمن وجد مسكنا أن لا يقصد المسجد للنوم فيه)
وأما قولنا: (على أن لا يتخذ مبيتا ومقيلا) فذلك لأن المساجد لم تبن لهذا فالإكثار من ذلك فيها لا سيما لغير حاجة مما يتنافى مع القصد من بنائها ولذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتوى له في هذا الصدد:
(فيجب الفرق بين الأمر اليسير وذوي الحاجات وبين ما يصير عادة ويكثر وما يكون لغير ذوي الحاجات ولهذا قال ابن عباس: لا تتخذوا المسجد مبيتا ومقيلا)
(19 - السكن في ناحية منه لمن لا مأوى له من الرجال أو النساء وفيه أحاديث:
(أ) عن طلحة بن عمرو البصري قال: [قدمت المدينة مهاجرا و] كان الرجل [منا] إذا قدم المدينة ف [إن] كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن له عريف نزل الصفة فقدمتها [وليس لي بها عريف] فنزلت الصفة. . . الحديث)
أخرجه بتمامه الحاكم والبيهقي - والسياق له - من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عنه. والزيادات للبيهقي إلا الثانية منها فهي لشيخه الحاكم وقال:
(صحيح الإسناد). ووافقه الذهبي
وهو كما قالأ ورجاله إلى طلحة ثقات رجال مسلم
وقد أخرجه أحمد أيضا من هذا الوجه ببعض اختصار. وأخرجه ابن حبان أيضا في (صحيحه) كما في (تعجيل المنفعة) والطبراني كما في (الإصابة)
(ب) عن أبي هريرة قال: (كان أهل الصفة أضياف [أهل] الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال)
هو قطعة من حديث له طويل أخرجه البخاري والترمذي والحاكم - والسياق لهما والزيادة للأول منهما - وصححه والبيهقي وأحمد من طرق عن عمر ابن ذر: ثنا مجاهد عنه به. قال الحافظ:
(وفي مرسل يزيد بن عبد الله بن قسيط عند ابن سعد:
كان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره
وله من طريق نعيم بن المجمر عن أبي هريرة:
كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل أو أكثر فيبقى من بقي عشرة أو أقل أو أكثر فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه فإذا فرغنا قال: ناموا في المسجد)
قلت: الرواية الأولى في (طبقات ابن سعد) من باب ذكر أهل الصفة وأما الرواية الأخرى باللفظ المذكور فلم أجده في هذا الموضع المشار إليه من (الطبقات) وقد راجعت ترجمة أبي هريرة منها فلم أجده أيضا فالله أعلم بمكان هذه الرواية من (الطبقات)
وروى البيهقي عن عثمان بن اليمان معضلا قال:
لما كثر المهاجرون إلى المدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة فكان يجالسهم ويأنس بهم
(والصفة: موضع مظلل في المسجد النبوي)
كذا في (الفتح)
(ج) عن عائشة رضي الله عنه:
أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور قال: فوضعته أو وقع منها فمرت به حدياة وهو ملقى فحسبته لحما فخطفته قالت: فالتمسوه فلم يجدوه قالت: فاتهموني به قالت: فطفقوا يفتشون قال: حتى فتشوا في قبلها قالت: فوالله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته قالت: فوقعت بينهم قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة وهو ذا هو قالت: فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت
قالت: عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا أنه من بلدةالكفر أنجاني
قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعدا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث)
أخرجه البخاري من طريق أبي أسامة عن هشام عن أبيه عنها به
ثم أخرجه عن علي بن مسهر عن هشام به نحوه
والحديث رواه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) قال ابن بطال:
(فيه أن من لم يكن له مسكن ولا مكان مبيت يباح له بالمبيت في المسجد سواء كان رجلا أو امرأة عند حصول الأمن من الفتنة وفيه اصطناع الخيمة وشبهها للمسكين رجلا كان أو امرأة). نقله في (العمدة)
قلت: والحديثان الأولان يدلان لذلك أيضا في خصوص الرجال وأما استيطان المسجد كله لضرورة - كما وقع في هذه الأيام حيث هاجر نحو سبعين ألفا من الفلسطينيين إلى سوريا هربا من فظائع اليهود فأنزلت الدولة بعضهم في كثير من المساجد - فأعتقد جواز ذلك بشرط أن لا يؤدي إلى تعطيل صلاة الجماعة بأن تكون الجوامع والمساجد كثيرة فينزل المهاجرون بعضها من التي لا يؤدي إغلاقها في وجوه المصلين إلى التعطيل المشار إليه. والله تعالى أعلم
(30 - قسمة المال لحديث:
أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين (وفي رواية: أن العلاء بن الحضرمي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين بثمانين ألفا) فقال: (انثروه في المسجد) - وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي الرواية الأخرى: فأمر بها فنشرت على حصير ونودي بالصلاة) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه [وجاء الناس حين رأوا المال وما كان يومئذ عدد ولاوزن ما كان إلا قبضا فما كان
يرى أحدا إلا أعطاه إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلا [يوم بدر ولم يكن لعقيل مال] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذ) فحثا في ثوبه (وفي الرواية الأخرى: في خميصة كانت عليه) ثم ذهب يقله فلم يستطع [فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله مر بعضهم برفعه إلي قال: (لا) قال: فارفعه أنت علي [فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج ضاحكه أو نابه] قال: (لا)[لكن أعد في المال طائفة وقم بما تطيق] فنثر منه ثم ذهب يقله [فلم يرفعه] فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه علي قال: (لا) قال: فارفعه أنت قال: (لا) فنثر منه ثم حمله فألقاه على كاهله ثم انطلق [وهو يقول: أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزها ولا أدري ما يصنع في الأخرى يعني قوله: {قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} [الأنفال / 70] فهذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة]- فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم)
الحديث أخرجه البخاري هكذا مطولا ومختصرا وهو معلق حيث قال: وقال إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال. . . فذكره قال الحافظ:
(وقد وصله أبو نعيم في (مستخرجه) والحاكم في (مستدركه) من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان وقد
أخرج البخاري بهذا الإسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث)
قلت: وقد طلبت الحديث في مظانه من (المستدرك) فلم أجده فالله أعلم بمكانه منه وإنما وجدت فيه الرواية الأخرى وهي في ترجمة العباس رضي الله عنه من طريق هاشم بن القاسم: ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد ابن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري: أن العلاء بن الحضرمي به نحوه وفيه الزيادات كلها إلا الزيادة السادسة فهي في رواية للبخاري
وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) عن شيخه هاشم بن القاسم به والسياق له. ثم قال الحاكم:
(حديث صحيح على شرط مسلم). ووافقه الذهبي
وهو كما قالا
ثم إن الحديث قد ترجم له البخاري ب:
(باب القسمة وتعليق القنو في المسجد). وقال الحافظ:
(فيه جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر ويستفاد منه وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول وبالله تعالى التوفيق)
قلت: ولم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا في تعليق القنو مع أنه
ترجم له فكأنه أشار بذلك إلى بعض الأحاديث الواردة في ذلك كما يأتي ولم يذكرها وإن كانت صحيحة لأنها ليست على شرطه
(31 - تعليق العذق أو العنقود للفقراء فقد (أمر صلى الله عليه وسلم من كل حائط بقنو للمسجد)
الحديث أخرجه الحاكم من طريق سعيد بن أبي مريم: ثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر. . . إلخ. وقال:
(صحيح على شرط مسلم)
وهو كما قال وقد أقره الذهبي
ورواه أيضا الطبراني في (الأوسط). قال الهيثمي:
(ورجاله رجال الصحيح). وفي (الفتح):
(أخرجه ثابت (في الدلائل) بلفظ: يعلق في المسجد - يعني للمساكين - وفي رواية له: وكان عليها معاذ بن جبل أي: على حفظها أو على قسمتها)
وذكر له الحاكم شاهدا من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى ابن حبان عن عمه واسع عن حبان عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة وقال: (في جاذ كل عشرة أوسق قنو يوضع للمساكين في المسجد). وقال:
(إنه صحيح على شرط مسلم)
وليس كذلك وإن أقره الذهبي لأن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ثم إن مسلما لم يحتج به وإنما روى له مقرونا أو متابعة
(ولذلك (كانت الأنصار تخرج - إذا كان جذاذ النخل - من حيطانها أقناء البسر فيتعلقونه على حبل بين إسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل منه فقراء المهاجرين. . . الحديث)
وتمامه: (فيعمد أحدهم فيدخل قنوا فيه الحشف يظن أنه جائز في كثرة ما يوضع من الإقناء فنزل فيمن فعل ذلك: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة / 267] يقول: لا تعمدوا للحشف منه تنفقون {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} [البقرة / 267] يقول: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه غيظا أنه بعث إليكم ما لم يكن لكم فيه حاجة {واعلموا أن الله غني} عن صدقاتكم {حميد}
أخرجه ابن ماجه والحاكم من طريق أسباط ابن نصر عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب في قوله سبحانه: {ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة / 267] قال. . . . فذكره. وقال الحاكم:
(صحيح على شرط مسلم). ووافقه الذهبي
وهو كما قالا
ورواه ابن جرير أيضا وابن مردويه كما في ابن كثير
(وقال عوف بن مالك الأشجعي: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه العصا وفي المسجد أقناء معلقة فيها قنو فيه حشف فغمز القنو بالعصا التي في يده قال: (لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها إن رب هذه الصدقة ليأكل الحشف يوم القيامة)
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد - والسياق له - عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عنه
وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير صالح بن أبي عريب قال الذهبي في (الميزان):
(قال ابن القطان: لا يعرف حاله ولا يعرف من روى عنه غير عبد الحميد ابن جعفر. قلت: بلى روى عنه حيوة بن شريح والليث وابن لهيعة وغيرهم له أحاديث وثقه ابن حبان)
قلت: وقد أخرج حديثه هذا في (صحيحه) وكذا ابن خزيمة كما في (الترغيب)
قلت: وقد صحح له الحاكم حديثا ووافقه الذهبي في (تلخيصه) ولذلك قال الحافظ في (شرح البخاري) بعد أن ساق هذا الحديث من طريق النسائي:
(وليس هو على شرطه - يعني البخاري - وإن كان إسناده قويا)
وسكت عليه المنذري في (مختصره) ثم وجدته في (المستدرك) وصححه هو والذهبي
وفي هذين الحديثين دليل على جواز تعليق القنو - بكسر القاف وسكون النون - وهو العذق وهو العرجون بما فيه. ومثله في الحكم العنقود ونحوه. وقد سبق كلام الحافظ في ذلك في الفصل الماضي وفي (العمدة):
(وقال ابن القاسم: وسئل مالك عن الأقناء في المسجد وما يشبه ذلك فقال: لا بأس بها. وسئل عن الماء الذي يسقى في المسجد أترى أنه يشرب منه؟ قال: نعم إنما جعل للعطش ولم يرد به أهل المسكنة فلا أرى أنه يترك شربه ولم يزل هذا من أمر الناس)
(32 - السؤال من المحتاج والتصدق عليه لحديث:
(هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟) فقال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في عبد الرحمن فأخذتها [منه] فدفعتها إليه)
الحديث أخرجه أبو داود - والزيادة له - والحاكم من طريق مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مرفوعا. وقال الحاكم:
(صحيح على شرط مسلم). ووافقه الذهبي
وقد وهما فإن المبارك هذا ليس من رجال مسلم مطلقا وهو صدوق لكنه
مدلس وقد عنعن ومع ذلك فقد قال النووي في (المجموع):
(إن إسناده جيد). وقال المنذري في (مختصره):
(قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد وذكر أنه روي مرسلا)
قلت: فهذا المرسل مما يقوي هذا الموصول ثم قال:
(وقد أخرجه مسلم في (صحيحه) والنسائي في (سننه) من حديث أبي حازم سلمان الأشجعي عن أبي هريرة بنحوه أتم منه)
قلت: الحديث في (صحيح مسلم) كما ذكر المنذري لكن ليس فيه أن الصدقة كانت في المسجد بل هو مطلق. وأما النسائي فلم أجده في (سننه الصغرى) ولا عزاه إليه النابلسي في (الذخائر) فالظاهر أنه في (سننه الكبرى) وقال السيوطي في رسالة (بذل العسجد لسؤال المسجد) من (الحاوي) له بعد أن نقل كلام المنذري:
(قلت أخرجه: وأخرجه البخاري في (أحكام المساجد) للزركشي)
كذا في الأصل وفي العبارة تشويش ظاهر وعلى كل حال فالحديث ليس في البخاري. والله أعلم
وفي الباب عن ابن عباس قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أعطاك أحد شيئا؟)
قال: نعم قال: (من؟) قال: ذاك الرجل القائم. قال: (على أي حال أعطاكه؟) قال وهو راكع قال: وذلك علي بن أبي طالب قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وهو يقول:
({ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة / 56]
وفي بعض الكتب أنه تلا الآية التي قبل هذه وهي: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}
ولكنه حديث ضعيف أخرجه بهذا اللفظ ابن مردويه في (تفسيره) من طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عنه. قال الحافظ ابن كثير:
(وهذا إسناد لا يفرح به: الكلبي متروك ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب نفسه وعمار بن ياسر وأبي رافع وليس يصح منها شيء بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة لرجالها). وأما السيوطي فقال في الرسالة المذكورة:
(فهذه طرق لنزول هذه الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشد بعضها بعضا)
وما أظن أن هذا صواب لأن كون كثرة الطرق يقوي الحديث ليس على إطلاقه كما هو مذكور في كتب المصطلح بل ذلك مقيد فيما إذا كان في
الطرق بعض من في حفظهم ضعف وهم في أنفسهم ثقات لم يتركوا وما أعتقد أن هذه الطرق قد وجد فيها هذا الوصف. أقول هذا وإن لم أقف على رجالها إلا الطريق الأولى ففيها الكلبي وهو متروك فحديثه مطروح لا يعتضد به. والله أعلم. ثم لو أن هذه الطرق يصح أن يقال فيها ما ذهب إليه السيوطي لذكر ذلك ابن كثير نفسه لا سيما وهو أعلم بالحديث وعلله من السيوطي كما لا يخفى
وبالجملة فالعمدة في هذا الباب على حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه. وفيه دليل على ما ذكرنا من جواز السؤال والتصدق في المسجد وقد ترجم له ببعض ذلك أبو داود حيث قال:
(باب المسألة في المساجد)
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة فأجاب رحمه الله بما نصه:
(أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا بتخطيه رقاب الناس ولا بغير تخطيه ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل الخطيب والخطيب يخطب أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز والله أعلم)(فتاوى) له
وقال السيوطي في الرسالة السابقة الذكر ما ملخصه:
(السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها وليس بمكروه فضلا عن أن يكون حراما. هذا هو المنقول والذي دلت عليه الأحاديث)
ثم نقل عن النووي أنه قال:
(لا بأس بأن يعطى السائل في المسجد لهذا الحديث). قال السيوطي:
(والحديث الذي أورده فيه دليل للأمرين معا: أن الصدقة عليه ليست مكروهة وأن السؤال في المسجد ليس بمحرم لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بإخبار الصديق ولم ينكره ولو كان حراما لم يقر عليه بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال في المسجد. وبذلك يعرف أن النهي عن السؤال في المسجد - إن ثبت - محمول على الكراهة والتنزيه وهذا صارف له عن الحرمة قال: وما وقع في (المدخل) لابن الحاج من حديث: (من سأل في المساجد فاحرموه) فإنه لا أصل له وإنما قلنا بالكراهة أخذا من حديث النهي عن نشد الضالة في المسجد وقوله: (إن المساجد لم تبن لهذا)
ويدل على جواز التصدق في المسجد الحديث الآتي أيضا وهو مما فات السيوطي فلم يورده في رسالته بل ولا أشار إليه وهو:
(ودخل رجل المسجد [في هيئة بذة] فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا له ثيابا فطرحوا فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به (وفي لفظ: (فانتهره) وقال: (خذ ثوبك)
الحديث من رواية أبي سعيد الخدري
أخرجه أبو داود - والسياق له - والنسائي واللفظ الآخر له والطحاوي والحاكم وأحمد من طريق ابن عجلان: ثنا عياض عنه
وهذا سند حسن. وقال الحاكم:
(صحيح على شرط مسلم). ووافقه الذهي
وليس كذلك كما سبق التنبيه عليه مرارا. والزيادة لأحمد وكذا النسائي وهو عندهما أتم فيه الأمر بصلاة تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة وهذا القدر منه رواه الترمذي وقد سبق لفظه في الأدب السابع الحديث رقم (4) فليرجع إليه من شاء
وفي الباب عن جرير بن عبد الله قال:
كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار متقلدي السيوف. . . فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل وخرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب الناس فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة. . .} إلى آخرالآية: {إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء / 1] والآية التي في الحشر: {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} [الحشر / 19]: تصدق رجل من ديناره. . . الحديث وفيه أن رجلا من الأنصار ابتدأ الصدقة ثم تتابع الناس بعده وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من سن في الإسلام سنة حسنة. . .) الحديث
أخرجه مسلم وغيره. راجع تعليقنا على (الترغيب)
(23 - الكلام المباح أحيانا بحيث أن لا يجعل ذلك ديدنه لقول جابر ابن سمرة رضي الله عنه:
شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة [في المسجد] وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم)
الحديث أخرجه الترمذي والطيالسي وأحمد من طريق شريك عن سماك عنه. والسياق مع الزيادة لأحمد وقد قرن الطيالسي مع شريك قيس بن الربيع
فالإسناد حسن بل صحيح فقد قال الترمذي:
(هذا حديث حسن صحيح وقد رواه زهير عن سماك أيضا)
قلت: رواية زهير هذه عند مسلم وأحمد بمعناه
وتابعه عند مسلم أبو خيثمة ولفظه:
كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح والغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم
وفي (الفتاوى) لشيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه:
(مسألة في النوم في المسجد والكلام والمشي بالنعال في أماكن الصلاة هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: أما النوم أحيانا للمحتاج مثل الغريب والفقير الذي لا مسكن له فجائز وأما اتخاذه مبيتا ومقيلا فينهون عنه وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسن وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريما وكذلك المكروه ويكره فيه فضول المباح. وأما المشي بالنعال فجائز كما كان الصحابة يمشون بنعالهم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لكن ينبغي للرجل إذا أتى المسجد أن يفعل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر في نعله فإن كان بهما أذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور. والله أعلم)
قلت: وأما الحديث المشهور على ألسنة الناس والمعلق على جدران كثير من المساجد: (الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو كما تأكل البهائم الحشيش) فقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء):
(لم أقف له على أصل). وقال الصغاني في (موضوعاته):
(ومن الأحاديث الموضوعة قولهم: (من تكلم بكلام الدنيا في المساجد أو في المسجد أحبط الله أعماله أربعين سنة) ومنها الأحاديث الموضوعة في فضيلة السراج والقناديل والحصير في المسجد لم يثبت منها شيء بل كانت الصحابة يتكلمون في بعض الأحايين في المسجد وينامون فيه أيضا لكن
بالأدب التام والحشمة والاحترام وكذا في المقابر وخلف الجنازة)
(34 - الأكل والشرب أحيانا لحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه قال:
كنا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة فوضع لنا طعام فأكلنا فأقيمت الصلاة فصلينا ولم نتوضأ. وفي رواية عنه قال:
كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم)
الحديث أخرجه أحمد وكذا ابنه عبد الله فقال: ثني أبي: ثنا هارون - قال أبو عبد الرحمن: وسمعت أنا من هارون - قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح قال: أخبرني عقبة بن مسلم عنه بالرواية الأولى
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير عقبة وهو ثقة
وأما الرواية الأخرى فأخرجها ابن ماجه فقال: ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وحرملة بن يحيى قالا: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: ثني سليمان بن زياد الحضرمي: أنه سمع عبد الله بن الحارث به. قال في (الزوائد):
(إسناده حسن رجاله ثقات ويعقوب مختلف فيه)
قلت: وإنما تكلم فيه من قبل حفظه وروايته هذه متابع عليهامن قبل حرملة بن يحيى وهو ثقة فقد صح الحديث عن ابن وهب وبقية الرجال
فوقه كلهم ثقات (1) فالحديث صحيح الإسناد والاقتصار على تحسينه قصور
وقد تابعه ابن لهيعة عن سليمان بن زياد وقال مرة: عن خالد بن أبي عمران وسليمان بن زياد الحضرمي به نحوه
أخرجه أحمد
وابن لهيعة سيئ الحفظ فإن كان قد حفظ فللحديث ثلاثة طرق عن عبد الله بن الحارث
وفي الباب عن ابن عمر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بفضيخ في مسجد الفضيخ فشربه فلذلك سمي
أخرجه أحمد: ثنا وكيع ثني عبد الله بن نافع عن أبيه عنه
ورجاله ثقات رجال الستة غير عبد الله بن نافع وهو ضعيف كما في (التقريب)
ومن طريقه أخرجه أبو يعلى ولفظه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجر فضيخ بسر وهو في مسجد الفضيخ فشربه فلذلك سمي مسجد الفضيخ. ذكره في (المجمع)
(1) وقول الشوكاني في (النيل)(2/ 137): (وهؤلاء كلهم من رجال الصحيح إلا يعقوب ابن حميد وقد رواه معه حرملة بن يحيى) ليس بصحيح بل كان يجب أن يستثني مع يعقوب سليمان بن زياد الحضرمي فإنه ليس من رجال الصحيح أيضا