المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث - الحبة السوداء في الحديث النبوي والطب الحديث

[عبد الله بن عمر با موسى]

الفصل: ‌المبحث الثاني: كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث

‌المبحث الثاني: كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث

أ – تعريف الحبة السوداء:

قال ابن القيم رحمه الله: "الحبة السوداء هي: الشونيز في لغة الفرس. وهي: الكمون الأسود، وتسمى: الكمون الهندي. قال الحربي عن الحسن رضي الله عنه : إنها الخردل. وحكى الهروي: أنها الحبة الخضراء، ثمرة البطم. وكلاهما وهم. والصواب: أنها الشونيز"(1)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله قوله: "الحبة السوداء الشونيز" كذا عطفه على تفسير ابن شهاب للسام، فاقتضى ذلك أن تفسير الحبة السوداء، أيضا له. والشونيز بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي

وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهرة، الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر على العكس والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر الأشهر، وهي الكمون الأسود. ويقال له أيضا الكمون الهندي (2) .

(1) الطب النبوي ص 229

(2)

فتح الباري ج 10 / 145.

ص: 10

ما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم "شفاء من كل داء" *.

هل المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم "شفاء من كل داء" العموم أو الخصوص. على قولين للعلماء.

1-

القائلون بالتخصيص:

قال الخطابي: "هذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص وليس يجمع في طبع شيء من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها، وتباين طبعها، وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم. وذلك أنه حار يابس فهو شفاء بإذن الله للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة. وذلك أن الدواء أبداً بالمضاد، والغذاء بالمشاكل"(1) .

وقال أبو بكر بن العربي: "العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل "فيه شفاء للناس" الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى"(2) .

*من الغرائب أنني قرأت لأحد المعاصرين من المجربين في طب الأعشاب (كتاب: الشفاء في الحبة السوداء بين التجربة والبرهان) أن من مدلول قوله صلى الله عليه وسلم (فيها شفاء) وليس هي شفاء: وجوب استخدامها مع أعشاب أخرى وعدم استخدامها بمفردها (!!) ذلك لأن الشفاء من أحد مركباتها. وسبب مثل هذه الغرائب الخوض فيما لا يحسن المرء فإن مثل هذا القول كما ترى في هذا المبحث لم يقل به عالم من علماء الشرع الذين عرفوا اللغة ومدلولات النصوص الشرعية، ومن جهة أخرى تشهد البحوث الطبية المعاصرة على أن الحبة السوداء مفيدة بمفردها كما سنرى في الفصل الثاني من هذا البحث.

(1)

تحفة الأحوذي ج 6 / 163.

(2)

فتح الباري10/ 145.

ص: 11

وقال الطيبي: "

ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} وقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} في إطلاق العموم وإرادة التخصيص" (1) .

وقال ابن القيم: "وقوله "شفاء من كل داء"؟ مثل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ، أي كل شيء يقبل التدمير، ونظائره” (2) .

وقال المناوي: ((

"شفاء من كل داء" يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور

)) (3) .

2-

القائلون بالعموم:

قال أبو محمد بن أبي جمرة: "تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولاخفاء بغلط قائل ذلك، لأننا إذا صدقنا أهل الطب – ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم"(4) .

وقال المباركفوري: "

وقيل: هي باقية على عمومها وأجيب عن قول الخطابي ليس يجمع في طبع شيء

إلخ بأنه:

ليس من الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

(1) تحفة الأحوذي 6/ 163.

(2)

الطب النبوي / 229.

(3)

فيض القدير م 4/ 352.

(4)

فتح الباري ج10 ص 145.

ص: 12

أما قول الطيبي ونظيره إلخ ففيه أن الآيتين يمنع حملهما على العموم على ما هو عند كل أحد معلوم، وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله صلى الله عليه وسلم فيها: إلا السام. كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر الآية:2-3] " (1) .

3-

الجمع بن القولين:

قال ابن حجر: "يؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطاً وضماداً وغير ذلك"2) .

وقال رحمه الله بعد ذكر الخلاف بين القائلين بالخصوص والعموم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "شفاء من كل داء" ((

وقد تقدم" يعني الكلام أعلاه "توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب، ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث والله أعلم" (3) .

وهذا الذي ذكره رحمه الله يشهد له ما سنذكر في هذا البحث من فوائد عديدة للحبة السوداء في علاج أمراض مختلفة، مما يرجح القول بالعموم، ولكن بالمشاركة مع غيرها من الأدوية أحيانا وبالاستخدامات المختلفة لها، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر.

(1) تحفة الأحوذي، 6 / 163.

(2)

فتح الباري 10/144.

(3)

فتح الباري 10/145.

ص: 13