الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
0بسم الله الرحمن الرحيم
الحج والعمرة والزيارة
حكم، فضائل، وصايا، نصائح، فوائد، آداب، منافع، توجيهات، مناسك، أحكام، تنبيهات، فتاوى
جمع واختيار
الدكتور عبد الله بن محمد البصيري
"
مقدمة
"
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإنه لما كان الحج أحد أركان الإسلام وتأديته على الوجه الصحيح واجب على كل مسلم ومسلمة ولما كان للحج الكثير من الأحكام التي يجهلها الكثير من الناس فقد رأيت أن أؤلف كتاباً أجمع فيه كل ما يتعلق بالحج والعمرة والزيارة من الأحكام والفضائل والمناسك وكل ما يحتاجه الحاج، وقبل أن أبدأ بالتأليف جمعت الكثير من الكتب والرسائل والفتاوى والتنبيهات والتوجيهات التي كتبت عن الحج، وهي كثيرة، ونظرت فيها فإذا هي تتضمن فوائد عظيمة لا يستغني عنها الحاج وقد بذل مؤلفوها جهوداً كبيرة في تأليفها وقد انتفع بها المسلمون فجزاهم الله خيراً وأحسن ثوابهم، لكني بعد الاستقراء والنظر فيها لم أجد فيها كتاباً جمع كل ما يتعلق بالحج والعمرة والزيارة وكل ما يحتاجه الحاج على نحو شامل جامع، بل رأيتها تكاد تنحصر في ثلاثة أقسام:
القسم الأول منها -وهو الأكثر- هو ما يتعلق بالحج والعمرة وفضائلهما ومناسكهما وما فيهما من أحكام.
7-
شروط الحج: 1-الإسلام 2-العقل 3-البلوغ 4-الحرية5-الاستطاعة 6-ويزاد في حق المرأة شرط سادس وهو وجود المحرم الذي يسافر معها إذ يحرم عليها السفر للحج وغيره بدون محرم لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم"1 متفق عليه.
فضل الحج والعمرة
ورد في فضل الحج والعمرة أحاديث كثيرة صحيحة منها:
ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟
قال:"الإيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال:"الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال:"حج مبرور" 2 متفق عليه. وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال:"لكن أفضل من الجهاد حج مبرور "3.وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"
1 البخاري 2/659 رقم 1086) ، مسلم رقم 1338) .
2 صحيح البخاري 1/97 رقم 26) ، مسلم 1/88 رقم 83) .
3 البخاري 3/446 رقم 1520) .
1.
وفيهما عنه –رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"2.وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " 3.وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي"4.العمرة لغة: الزيارة.
شرعاً: هي قصد بيت الله الحرام لأداء نسك مكون من الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير وأركان العمرة وواجباتها وأحكامها مثل الحج إلا الوقوف بعرفة وما يتبعه من إفاضة إلى المزدلفة فمنى فرمي جمار، وتختلف العمرة عن الحج في الميقات الزمني فالحج له زمن مخصوص لا يجوز في غيره، أما العمرة فتجوز في كل أيام السنة إلا أيام النحر الأربعة على الحاج، أما على غيره فتجوز عمرته فيها، أما عند أحمد والشافعي فلا تكره العمرة فيها.
1 البخاري 3/446 رقم 1521) ، مسلم رقم 1350) .
2 البخاري 3/698 رقم 1773) ، مسلم رقم 1349) .
3 مسلم رقم 1348) .
4 البخاري رقم 1782) ، مسلم رقم 1256) .
.
حكم العمرة
اختلف العلماء في حكمها على قولين:
الأول: القول بوجوبها، وهو المشهور عن أحمد والشافعي وجماعة من أهل الحديث وغيرهم رحمهم الله، ومن أدلتهم على ذلك: ما رواه أهل السنن وغيرهم عن أبي رزين العقيلي -وافد بني المنتفق- أنه أتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، فقال:"حج عن أبيك واعتمر" 1، صححه الترمذي، وقال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا أصح منه. وبحديث عمر في رواية الدارقطني وفيه قال صلي الله عليه وسلم:"وتحج البيت وتعتمر"2.وبحديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال:"عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" 3.واستأنسوا بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمرَةَ للهِ} [البقرة:196] .
الثاني: أنها سنة وليست بواجبة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الشافعي وأحمد، وقول أكثر أهل العلم، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أدلة ذلك:
1 رواه الترمذي رقم 930) ، والنسائي 5/88-89، وابن ماجه رقم 2906) .
2 رواه ابن خزيمة في صحيحه 1/4، والدارقطني 2/282.
3 أخرجه أحمد 6/165، وابن ماجه رقم 2901) .
والقسم الثاني: هو ما يتعلق بالأخطاء التي تقع من بعض الحجاج والتنبيه عليها.
والقسم الثالث: هو ما يتعلق بالفتاوى.
وقد عزمت على تأليف كتاب أجمع فيه كل هذه الأمور وما يحتاجه الحاج على نحو جامع وشامل
وفي ختام هذه الكلمة أكرر القول أني سبقت في هذا الموضوع والسبق والفضل فيه لغيري، وإن تكن لي من حسنة فهي الجمع والترتيب فجزاهم الله خيراً، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني وأن ينفع به إخواني المسلمين، إنه سميع عليم. هذا وقد جعلته في خمسة أقسام هي:
القسم الأول: وصايا، نصائح، فوائد، آداب، منافع، توجيهات، تحذيرات.
القسم الثاني: مناسك الحج والعمرة وصفتهما.
القسم الثالث: زيارة المسجد النبوي وما فيها من أحكام وآداب.
القسم الرابع: تنبيهات على أخطاء تقع من بعض الحجاج.
القسم الخامس: الفتاوى.
1-
تعريف الحج لغة:
قصد الشيء المعظم وإتيانه.
2-
تعريف الحج شرعاً: الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة روحية اجتماعية،
بدنية مالية، ومعناه القصد إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة لأداء النسك فيه وفيما جاوره من الأماكن الشريفة.
3-
فرضية الحج: فرض الحج في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله1، وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله:"فرض الحج سنة تسع من الهجرة عند أكثر أهل العلم وجزم به غير واحد من أهل التحقيق"2.
4-
حكم الحج: فرض فرضه الله على عباده وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله تعالى على أهل الإسلام بقوله سبحانه:{وَللهِ عَلَى النَّاسِ حجُّ البَيت مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيه سَبِيلاً وَمَنْ كَفَر فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين} [سورة آل عمران:97] وقوله تعالى: {الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [سورة البقرة193] وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمرةَ للهِ} [سورة البقرة:166] وقد جاءت السنة الصحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم بالتصريح بأنه أحد أركان
1 انظر: زاد المعاد 100-101.
2 حاشية الروض المربع 2/499.
الإسلام ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام"1.وفي حديث جبريل في رواية عمر رضي الله عنه عند مسلم أنه قال للنبي صلي الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال:"أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" 2، وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" 3، وأحاديث كثيرة -في الصحيحين وغيرهما- في هذا المعنى، وبفرضه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة، وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه إجماعاً ضروياً، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفاً عن سلف.
5 -
أركان الحج: 1 -الإحرام 2-الوقوف بعرفة 3- طواف الزيارة 4-السعي.
6-
واجبات الحج: 1-الإحرام من الميقات.2-الوقوف بعرفة إلى الليل 3-المبيت بمزدلفة-المبيت بمنى. 5-الرمي 6-الحلق أو التقصير 7- طواف الوداع
1 البخاري 1/64 رقم 8) ، ومسلم 1/45 رقم 16) .
2مسلم 1/36 رقم 8) .
3 مسلم 2/975 رقم 1337) .
حديث جابر –رضي الله عنه مرفوعاً: سئل -يعني النبي صلي الله عليه وسلم - عن العمرة: أواجبة هي؟ قال:"لا، وأن تعتمر خير لك" 1، صححه الترمذي. قلت: وأصح القولين -والله أعلم- هو القول بوجوبها، وذلك لكثرة الأدلة وقوتها وهو ما ذهب إليه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وغفر له- في كتابه التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة ص8، حيث قال رحمه الله:وقد وردت أحاديث تدل على وجوب العمرة منها ثم ساق بعض الأدلة التي تدل على الوجوب.
أركان العمرة: ثلاثة، هي1 - الإحرام2- الطواف 3- السعي.
شروط العمرة: خمسة، هي:1- الإسلام.2-العقل. 3-البلوغ4-الحرية5-الاستطاعة.
واجبات العمرة: اثنان، وهما:1-الإحرام من الميقات2-الحلق أو التقصير. ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلامرةواحدة، لقول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"الحج مرة فمن زاد فهو تطوع"2.
1 الترمذي رقم 931) ، النسائي 5/83.
2 أخرجه أبو داود رقم 1721) ، والنسائي 5/83، وابن ماجه رقم 2866) من حديث الأقرع بن حابس.
القسم الأول: وصايا، نصائح، فوائد، آداب، منافع، توجيهات، تحذيرات
…
أخي المسلم أختي المسلمة!
هذه بعض الوصايا التي يجدر بنا أن نتدبرها ونعمل بالصواب منها إذا أردنا أن نستفيد من الحج ونخرج منه كيوم ولدتنا أمهاتنا بحج مبرور نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه صواباً على هدى نبيه صلي الله عليه وسلم
أولاً: الإخلاص:
وهو مطلبُ عظيم وشرطٌ أساسي لصحة وقبول العمل {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} [الآية البينة] وقال صلي الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ر واه الستة، وصح عنه إن الله تعالى قال:"أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " رواه مسلم، فليست العبرةُ بكثرة الأعمال ولا بالتعب والنصب فيها فقد أخبر الله تعالى عن عذاب أقوام عاملين لم يحققوا الإخلاص والمتابعة {وجُوه يَومَئِذ خَاشِعَة، عَامِلَة نَاصِبَة، تَصْلَى نَاراً حَامية} [الغاشية] وإنما المطلوب هو الإخلاص والسداد كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُم أَيّكُم أَحْسَن عَملاً} [الملك] أي أخلصه وأصوبه.. فلابد أن يكون العمل لله خالصاً صواباً على سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم
فاحرص على إخلاص العمل لله وحده ولا تشرك معه أحداً فتدعو غيره أو ترجوه أو تطوف حول قبر أو غيره ولا تطلب رضى أحد وإنما راقب الله وحده وليكن رضاه هو همك وغايتك، ليسلم لك العمل ويُقبل قال صلي الله عليه وسلم:"إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه" رواه النسائي عن أبي أمامة بسند حسن صحيح - صحيح النسائي رقم 2943.
ثانياً: المتابعة:
وهذا هو الشرط الثاني لقبول العمل وصحته.. قال صلي الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري، ومسلم عن عائشة وفي رواية "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم وهي معنى شهادة أن محمداً رسول الله أي أن لا تعبد الله إلا بما شرع فلابد من إتباع هدى الرسول صلي الله عليه وسلم في سفرك وإحرامك ومناسك حجك وسائر أعمالك لتبرهن صدق محبتك لله {قُل إِن كُنْتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِر لَكُم ذُنُوبِكُم} الآية وقد أمرنا المصطفى صلي الله عليه وسلم بأن نأخذ هدي المناسك منه وحده "خذوا عني مناسككم"وطريق المتابعة هو العلم الشرعي فلا يمكنك معرفة هدي النبي ومتابعتك له إلا بالعلم الشرعي الصحيح فلابد من تعلم أحكام الحج..
من العلماء الربانيين الذين عُرفوا باتباع الدليل.
ثالثاً: التوبة الصادقة:
فتب إلى الله وتطهر من جميع الذنوب والآثام بالإقلاع عنها "والندم توبة" حديث صحيح والعزم على عدم العودة إليها واحذر أن تكون ممن يروغ كروغان الثعالب ومن عُباد المواسم والأماكن الفاضلة وهو ينوي الرجوع إلى المعاصي بعدها بل اعزم واجزم على ترك المعاصي وسل ربك الثبات والاستقامة على الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنَوا تُوبُوا إلى اللهِ تَوبَة نُصُوحاً} .ولا تقنط من رحمة ربك واعلم بأن باب التوبة مفتوح لك ولغيرك مهما عملت. {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِر الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [الزمر] .
رابعاً: التحلل من الحقوق ورد المظالم والديون إلى أهلها وطلب السماح منهم:
فقد صح عنه صلي الله عليه وسلم:"من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجُعلت عليه" رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة.. فإن كان لأحد حق أو دين عندك فرده إليه أو اطلب منه السماح إن كان الدين قد حل أجله.
وإن كنت قد ظلمت أحداً فرد إليه مظلمته واطلبه السماح وإن كان الأمر معنوياً كغيبة ونحوها ووجدت حرجاً ومشقة في إخباره وطلب السماح منه وخشيت أن يزيد الأمر قطيعة وفرقة وعداوة.. فاستغفر له وادع له.. واذكره بخير كما ذكرته بالسوء أولاً وليكن نصب عينيك حديث المصطفى صلي الله عليه وسلم:"أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فُيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "..رواه مسلم عن أبي هريرة - مختصر مسلم 1836.
خامساً: الاستئذان من الوالدين والزوج:
فاحرص على رضاهما فرضى الرب في رضاهما واطلب دعوتهما لك بالخير فدعوتهما مستجابة، فإن كان الحج عليك لأول مرة -أي فرض عين عليك- فلا يحق لهما منعك من الحج.. ولكن استئذنهما تطييباً لنفوسهما وكذا الزوجة مع زوجها تلتمس رضاه وتستئذنه فإن رضى وإلا حجت فرضها بشرط وجود محرم معها وأما في حج التطوع فلابد من الاستئذان.
سادساً: اطلب النفقة والزاد الطيب الحلال:
فإياك ثم إياك أن تحج بمال حرام من ربا أو رشوة أو يمين غموس كاذبة أو غش أو بيع محرم كدخان ومجلات ماجنة ونحو ذلك"فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" كما في صحيح مسلم وكيف يليق بك أن تحج بهذا المال؟! فتدعو في الطواف والسعي وغيره ثم تقف بعرفة بين يدي ربك رافعاً يديك تسأله وتدعوه وترجوه.. ومطعمك ومشربك وزادك وراحلتك من حرام فأنى وكيف يستجاب لك؟!!
سابعاً: الوصية:
فلا تخرج-أخي الحبيب- من بيتك إلا وقد كتبت وصيتك. وهذا مطلوب منك في كل حين.. ولكن تذكر هذا قبل سفرك. فاكتب وصيتك ولتكن على السنة فأوص أهلك بالتقوى والاستقامة وألاّ يبتدعوا بعد موتك سواء في كفنك ودفنك وقبرك أو النياحة ونحوها أو في سائر أمور حياتهم وتكتب فيها الذي لك والذي عليك من الديون والحقوق وتطلب من أهلك قضاءها وسدادها وأن يطلبوا السماح ممن له حق عليك وتوصى بثلث مالك في مشاريع الخير والبر قال صلي الله عليه وسلم:"ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" رواه البخاري ومسلم.
ثامناً: الرفقة الصالحة:
احرص -أخي الحبيب- على رفقة صالحة تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك على ذلك إذا ذكرت من أهل العلم والطاعة والتقوى. تتعاون أنت وإياهم في عمل الصالحات. وتطبيق هدي المصطفى صلي الله عليه وسلم في السفر والمناسك وبقية الأعمال الصالحة واحذر رفقة السوء التي تضيع عليك أعمالك أو تُنقص أجرك باللهو المحرم والقيل والقال واللغو نحوه ومنه قول المصطفى صلي الله عليه وسلم:" المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي وحسنه الألباني وقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيح:" مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي يهديك- أو تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً خبيثة" ولا تنس أيضاً: القيام بحقوق الإخوة من التعاون والتعاطف والرحمة والذلة بين المؤمنين والتواضع والإيثار وخدمة إخوانك والتسابق في ذلك والتنافس على الخير ونصح الجاهل وتعليمه وأمر المخطئ بالمعروف ونهيه عن المنكر بالحكمة والأسلوب الحسن وغير ذلك من حقوق الإخوة وآدابها التي تديم المودة وتصلها وتقطع الطريق على
الشيطان وجنوده أن ينزغوا بينكم. {وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِي أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُم} .
تاسعاً: الإكثار من النفقة الحلال:
وذلك لمواساة المحتاج ومساعدة الفقير وإغاثة الملهوف ونحوه وتذكر بأن "بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام" حديث حسن رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني.
عاشراً: حفظ الجوارح وخاصة اللسان عما يخدش الحج:
أخي الحبيب:
احفظ جوارحك عن المحرمات فغض بصرك عن الحرام.. واحفظ سمعك عن الفُحش والغناء والخنا وصن لسانك من الوقوع في الغيبة والنميمة والفُحش والسب والشتم ونحوه وإياك من شرب الحرام كالدخان والشيشة ونحوها واحذر من حلق اللحية وقضاء الأوقات في سماع الحرام أو قوله أو أكله أو شربه بل كن ممن يعمر وقته بذكر الله وطاعته واجتهد في حُسن خُلقك مع الناس وعاملهم بالحسنى فلا تضايق ولا تزاحم ولا تجرح بلسانك واعلم بأن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم ولا فُحش كما قال النووي رحمه الله قال صلي الله عليه وسلم:"والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه مسلم.. وتذكر
بأن "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه ولا تنس قول خالقك وربك ومولاك: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الْحَجِّ} [البقرة] واحذر ثم احذر أن يخالف قولك عملك. فأنت تلبي وتقول:"لبيك اللهم لبيك" أي جئتك يا رب طائعاً مجيباً منيباً ثم تخالف ذلك بعملك ومعصيتك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون كَبُر مَقْتاً عنْدَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون} [الصف] .
الحادي عشر: الحرص على آداب السفر المشروعة:
وذلك بمعرفة هدي النبي صلي الله عليه وسلم الثابت الصحيح في أدعية السفر والركوب والخروج والدخول ونزول المنزل وغير ذلك واحرص على التبكير في السفر فالبركة في البكور وعليك باستغلال الوقت في سفرك بما ينفع ويفيد!!
الثاني عشر: الاجتهاد في الطاعة:
اجتهد أخي الحبيب في الطاعة من نوافل الصلاة والصدقة والإنفاق والقراءة وغيرها.
حافظ على الصلوات في أوقاتها وفي المساجد مع المسلمين ولا تضيعها فتؤخرها عن وقتها فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
ومر بالمعروف وانه عن المنكر وجادل بالتي أحسن اجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله بحضور قلب وتدبر لما تقول واتبع هدي نبيك في الدعاء ولا تعتد في الدعاء.. فتدعو بما لا يجوز أو تبتدع أو تدعو دعاءً جماعياً فهذا لم يرد من فعله صلي الله عليه وسلم
وكل خير في اتباع من سلف
وكل شر في ابتداع من خلف
واحرص على جوامع الكلم في الأدعية وأكثر من الدعاء يوم عرفة. أكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير وخاصة يوم عرفة أكثر من ذكر الله في أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى أكثر من الاستغفار وتلاوة القرآن وبذل المعروف ابذل الوسع والطاقة في عمل الصالحات والتقرب إلى الله بأنواع القربات سدد الله خطاك.
الثالث عشر: استشعار وتدبر أسرار الحج ومنافعه الدنيوية والأخروية:
أخي الحبيب:
استشعر معاني الأعمال الصالحة التي تقوم بها وتذبر أسرار
المناسك ولتكن بمثابة المحطات الإيمانية التي تتزود منها لآخرتك ودنياك كما قال تعالى: {لِيشهدُوا منَافع لَهُم} أي في الدنيا والآخرة فليذكرك السفر، سفرك إلى الدار الآخرة وهل أعددت لها الزاد والعمل والإخلاص كما حملت الزاد في سفر الدنيا.
وليذكرك الإحرام والاغتسال قبله الكفن والموت الذي كلنا إليه صائر.
كل ابن انثى وإن طالت سلامته
يوماً على آله حدباء محمول
وكفى بالموت والقبر واعظاً ومذكراً بالآخرة وتدبر ماذا بعد الموت.
وليذكرك أيضاً يوم عرفة "في شدة حره وعطشه واجتماع الناس فيه بلباس واحد. كلهم سواسية" ذلك اليوم العظيم الذي تقف فيه بين يدي رب العالمين والذي تدنو فيه الشمس من الخلائق فمن الناس من يصل عرقة إلى ركبتيه إلى حقويه إلى ترقوته ومنهم من يلجمه -يغطيه- العرق إلجاماً على قدر الذنوب والمعاصي.
تذكر. {يَوم لا يَنْفَعُ مَال وَلا بنُون إِلَاّ مَن أَتَى اللهُ بِقَلْبٍ سَليم} .
وتذكر. {يَوم تَرَونَها تَذْهَل كُل مُرضِعَة عَمَّا أَرْضَعَت وَتَضع كُل ذات حَمل حَملهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَاب الله شَدِيد} [الحج] تذكر "يحشر الناس حفاة عراة غرلاً -أي غير مختونين-" حديث صحيح
وتذكر أيضاً أن هناك أناساً في ذلك اليوم العصيب تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله من المتحابين في الله والعادلين في حكمهم والباكي في خلوته من ذكر ربه والمعلق قلبه في المسجد والشاب الناشئ في طاعة الله وغيرهم كما في حديث السبعة وغيره. تذكر وتذكر وتذكر واعمل لإنقاذ نفسك ونجاتها.
أخي الحبيب:
تدبر مناسك الحج وخذ منها العبرة والعظة والزاد لآخرتك وتعلّم منها أيضاً دروساً كثيرة من التأخي والتآلف والوحدة الحقيقية التي لابد أن تكون على منهج الله ورسوله وطريقة السلف الصالح وتعلّم التساوي بين المسلمين جميعاً على جميع مستوياتهم وطبقاتهم كلهم يقفون بلباس واحد وفي مكان ووقت واحد وغير ذلك من الفوائد التي تحتاج إلى رسالة بل رسائل مستقلة.
وختاماً أخي الحبيب:
إياك ثم إياك أن تعود إلى المعاصي والفجور بعد أن خرجت من الحج طاهراً نظيفاً كيوم ولدتك أمك حافظ على هذه النظافة والطهارة واستقم على شرع الله ولا تكن ممن ينقض الغزل "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها" بل كن ممن يعبد ربه ويستقيم على شرعه حتى يأتيه اليقين ويلقى ربه وهو عنه راض وهو نظيف طاهر من الأوساخ والأدران
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل حجنا مبروراً وسعينا مشكوراً وذنبنا مغفوراً وأن يعيننا على العمل بما في هذه الوصايا من حق وصواب
السفر فوائد، آداب، أحكام
قال الله تبارك وتعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَات لِلْمُوقِنِين. وَفِي أَنفُسِكُم أَفَلا تُبْصِرُون} [الذاريات: الآيتان:20،21]، وقال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَات لأُولِي الأَلْبَابِ الذينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهم ويَتَفَكَّرُون فِي خَلق السَّموات وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار} [آل عمران:190،191] وقال تعالى: {فَسِيْحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة:2]، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك:15] لذا فاعلم أيها الحاج، أن السياحة في الأرض والتأمل في عجائب المخلوقات، مما يزيد العبد معرفة بربه عز وجل ويقيناً بأن لهذا الكون مدبراً، لا رب غيره ولا معبود بحق سواه. فالمسافر يتأمل، ثم يتدبر ثم يخشى، كل ذلك حينما يرى عجيب صنع الله وعظيم قدرته
فيا عجباً كيف يُعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحدُ
وقد أنكر الله -عزوجل- على أناس يسيحون في الأرض ولا يتأملون في خلقه قال تعالى: {وكَأَين مِن آيَة فِي السَّمواتِ وَالأَرضِ يَمُرونَ عَلَيْهَا وَهُم عَنْها مُعرِضُون} [يوسف:105] .
قال الشاعر:
تأمل في نبات الأرض وانظر
إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لُجَيْن شاخصات
بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك
والسفر في العموم لا يخلو من فوائد وهي كثيرة، وقد ذكر الشافعي رحمه الله بعضاً من هذه الفوائد حيث قال في شعر له:
تغرب عن الأوطان في طلب العُلى
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرُّجُ هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
والسفر في هذه الآونة، يختلف عن السفر في أيام مضت، فقد مهدت الطرق وجرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة، فهي تسير بهم على الأرض إن شاءوا، أو تقلهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا، أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا، كما أن الأزمنة قد تقاصرت فما كان يتم في شهور بشق الأنفس، أضحى يتم في أيام قصيرة، بل ساعات قليلة وبجهود محدودة.
ومع هذه الراحة الميسرة، فإن الأخطار المبثوثة في البر والبحر والجولم تنعدم بل إنها في ازدياد عن ذي قبل مما يؤكد الاحتماء بالله، وارتقاب لطفه، واللجؤ إليه.
ثم اعلم أيها الحاج الكريم: أن خروجك من بلدك مسافراً لأداء فريضة الحج يذكرك بسفر الآخرة، الذي كتبه الله على خلقه، فالموت كأس وكل الناس شاربه، وهو بكلٍ ضيف ولابد للضيف أن يرتحل، قال تعالى:{كُلّ مَن عَلَيْهَا فَانٍ. ويَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَام} [الرحمن:26،27]، وقال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] قال أحد السلف لولده: يا بني جدد السفينة، فإن البحر عميق، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد، وأحسن العمل فإن الناقد بصير. اهـ وخير ما يتزود به العبد تقوى الله عز وجل والعمل الصالح وفي ختام هذه الوقفة يطيب لي أن أقدم للحاج الكريم بعضاً من الآداب التي ينبغي أن يراعيها المسلم عندما يريد السفر في العموم، ويدخل السفر إلى الحج في هذا العموم.
من آداب السفر إلى الحج:
1-
وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم:
إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج استحب له أن يوصى أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه وينبغي
أن يكتب ما له وما عليه من الدَّيْن ويشهد على ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي لقوله تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وحقيقة التوبة هي الإقلاع من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم أو تحللهم منها قبل سفره لما صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:"من كان عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"1.
2-
وينبغي أن ينتخب لحجه نفقة طيبة من مال حلال لما صح عنه صلي الله عليه وسلم: أنه قال"إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً"2.
3-
وينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم لقوله صلي الله عليه وسلم:"ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله"3.
4-
وإن يقصد بحجه وجه الله والدار الآخرة ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها أو الرياء والسمعه يقول تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيا وَزِيْنَتَها نُوفّ إِلَيْهِم أَعْمَالَهُم فِيهَا وهُم فِيهَا لا يَبْخَسُون،
1 البخاري.
2 مسلم.
3 البخاري.
أولئِكَ الذينَ لَيس لَهُم في الآخرة إلا النَّار وحبط ما صَنَعوا فيهَا وباطلٌ ما كانوا يعَمَلُون} 1، وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى:" أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" 2، وينبغي له أيضاً أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين ويحذر من صحبة السفهاء والفسقة وينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه ليكون على بصيرة فإذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسمى الله سبحانه وبحمده ثم يكبر ثلاثاً يقول:{سُبحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين وَإِنَّا إِلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبون} [الزخرف:13]"اللهم إني أسلك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل"3، ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار ودعاء الله سبحانه والتضرع إليه وتلاوة القرآن وتدبر معانيه ويحافظ على الصلوات في الجماعة ويحفظ لسانه من الكذب والغيبة والنميمة ومن كثرة القيل والقال.
1 هود الآيتان 15،16) .
2 مسلم.
3 مسلم.
صلاة المسافر
دين الإسلام دين اليسر والسهولة لا حرج فيه ولا مشقة وكلما وجدت المشقة فتح الله لليسر أبواباً قال الله تعالى: {هُوَ اجْتَباكُم وَمَا جَعَل عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَج} ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم:"الدين يسر"، وقال أهل العلم رحمهم الله: المشقة تجلب التيسير ولما كان السفر مظنة المشقة غالباً خففت أحكامه فمن ذلك:
1-
جواز التيمم للمسافر إذا لم يجد الماء أو كان معه من الماء ما يحتاجه لأكله وشربه، لكن متى غلب على ظنه أنه يصل إلى الماء قبل خروج الوقت المختار فالأفضل تأخير الصلاة حتى يصل إلى الماء ليتطهر به.
2-
إن المشروع في حق المسافر أن يقصر الصلاة الرباعية فيجعلها ركعتين من حين يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه ولو طالت المدة لما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين وأقام النبي صلي الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة"لكن إذا صلى المسافر خلف إمام يصلي أربعاً فإنه يصلي أربعا تبعاً لإمامه سواء أدرك الإمام من أول الصلاة أو في أثنائها، فإذا سلم الإمام أتى بتمام الأربع لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"، وعموم قوله:"فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا أئتم بمقيم، فقال: تلك السنة، وكان عمر رضي الله عنه إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلى وحده صلى ركعتين.
3-
إن المشروع في حق المسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا احتاج إلى الجمع مثل أن يكون مستمراً في سيره والأفضل حينئذ أن يفعل ما هو الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير أما إذا كان غير محتاج إلى الجمع فإنه لا يجمع مثاله أن يكون نازلاً في محل لا يريد أن يرتحل منه إلا بعد دخول وقت الصلاة الثانية فهذا لا يجمع بل يصلي كل فرض في وقته لأنه لا حاجة به إلى الجمع.
منافع الحج
وفي الحج من المنافع الدينية والدنيوية والاجتماعية والصحية ما لا يعد ولا يحصى قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم} [الحج:28] ، ففيه امتثال لأمر الله وتوحيد وتعظيم له وإظهار لذكره وشكره وخضوع وخشوع وتذلل لعظمته، وفيه مغفرة للذنوب وتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات، وفيه تذكير بأحوال الأنبياء والمرسلين والسلف الصالحين فيوجب ذلك محبتهم والاقتداء بهم، وفيه يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين الوافدين إلى هذا البيت من مشارق الأرض ومغاربها فيتعارفون،
ويتشاورون، ويحلون مشاكلهم وفي الحج رياضة للأبدان وصحة لها، وفيه يتفكر المسلم في مخلوقات الله في الأرض والأنفس على اختلاف ألوانها وأجناسها ولغاتها {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم:22] وفي هذه الأيام يتجه المسلمون إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج تاركين في سبيل ذلك أوطانهم وأولادهم وأموالهم متجهين إلى مكان واحد في وقت واحد قاصدين رباً واحداً وهدفاً واحداً، فإذا وصلوا إلى الميقات خلعوا ثيابهم ولبس كل واحد منهم إزاراً ورداءًا كأنها أكفان الموتى وكأنهم مسافرون إلى الآخرة لا فرق في ذلك بين الصغير والكبير والغني والفقير والرئيس والمرؤوس، وكذلك يستوي في هذا الشعار المتواضع النجدي والشامي واليمني والمغربي والهندي والعربي والعجمي.. فالكل جاء يقطع البلاد جوًا وبرًا وبحرًا لحضور هذا الاجتماع الإسلامي الكبير استجابة لنداء الله على لسان خليله وشوقاً إلى لقائه فيدخلون في حرم الله محرمين خاضعين خاشعين متذللين قد تركوا مألوفاتهم واتجهوا إلى الله بقلوبهم وأبدانهم فيترددون في تلك المشاعر العظيمة من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار وذبح الهدي على اسم الله والحلق أو التقصير والمبيت بمنى إلى أن يودعوا البيت كل ذلك بقلوب خاشعة وأعين دامعة وألسنة ملبية مكبرة مهللة
داعية، وإذا وقفوا بعرفة اطلع الله عليهم وباهى بهم الملائكة وقال انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ومغفرتي فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل لغفرتها لهم، وما من يوم أكثر من أن يعتق الله عبيده من النار من يوم عرفة، وبعد انتهاء الحج وتوديع البيت يرجع الحجاج الأبرار إلى أوطانهم كما ولدتهم أمهاتهم، قد غفرت ذنوبهم واستجيب دعاؤهم واستحقوا العتق من النار ودخول الجنة، كما قال صلي الله عليه وسلم:"والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه، فالحج فرصة ثمينة ومناسبة عظمى لا تحصل لغير المسلمين فحقيق بالمؤمن وخصوصاً من لم يحج وتوفرت فيه شروط الحج أن يبادر إليه ما دام في العمر فسحة ومن الوقت مهلة قبل حلول الأجل وهجوم الموت وفوات الأوان قال الله تعالى:{اسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [المائدة:48]، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133] .
مواقيت الحج
وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: المواقيت الزمانية:
وتبتدئ المواقيت الزمانية بدخول شهر شوال، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة أي بيوم العيد، أو بآخر يوم من أيام ذي الحجة وهو القول الراجح، لقوله تعالى:{الحَجُّ أشْهرٌ مَعْلُوماتٌ} و"أشهره" جمع، والأصح في الجمع أن يراد به حقيقته ومعنى هذا الزمن: أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة وليس يُفعل في أي منها، فإن الحج له أيام معلومة، إلا أن مثل الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرها عن ذلك اللهم إلا لعذر، كما لو نَفِست المرأة قبل طواف الإفاضة وبقي عليها النفاس حتى خرج ذي الحجة، فهي إذن معذورة في تأخير طواف الإفاضة هذه هي المواقيت الزمانية للحج:
أما العمرة فليس لها ميقات زمني؛ فإنها تُفعل في أي يوم من أيام السنة، لكنها في رمضان تعدل حجة، وفي أشهر الحج اعتمر النبي صلي الله عليه وسلم كل
عُمره، وعمرة الحديبية كانت في شهر ذي القعدة، وعمرة القضاء كانت في ذي القعدة، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل لاختيار النبي صلي الله عليه وسلم هذه الأشهر لها.
مسألة حكم الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج:
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج، فمنهم من قال: إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرماً بالحج، إلا أنه يكره له أن يحرم بالحج قبل أشهره ومنهم من قال: إنه إذا أحرم بالحج قبل أشهره، فإنه لا ينعقد، ويكون عمرة أي يتحول إلى عمرة؛ لأنه كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: دخلت العمرة في الحج، وسماها النبي صلي الله عليه وسلم لحج الأصغر، كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور الذي تلقاه الناس بالقبول.
القسم الثاني: المواقيت المكانية:
ومواقيت الحج المكانية خمسة وهي: ذو الحليفة، والجحفة، يلملم، قرن المنازل، ذات عرق
أما ذو الحليفة: فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي، وهي قريبة من المدينة، وتبعد عن مكة نحو عشر مراحل، وهي أبعد المواقيت عن مكة، وهي لأهل المدينة ولمن مر بها من غير أهل المدينة.
فأما الجحفة: فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة، وبينها
وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وقد خربت القرية وصار الناس يحرمون من رابغ بدلاً منها.
وأما يلملم: فهو جبل أو مكان في طريق لأهل اليمن في طريقهم إلى مكة، ويسمى اليوم"السعدية" وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما قرن المنازل: فهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة، ويسمى الآن"السيل الكبير"، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما ذات عرق: فهي مكان في طريق أهل العراق إلى مكة، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضاً.
فأما الأربعة الأولى فقد وَقَّتَها النبي صلي الله عليه وسلم، وأما ذات عرق فقد وقَّتها النبي صلي الله عليه وسلم أيضاً كما رواه أهل السنة من حديث عائشة رضي الله عنها، وصح عن عمر رضي الله عنه أنه وقَّتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين: إن النبي صلي الله عليه وسلم وقّت لأهل نجد قرناً وإنها جور عن طريقنا، فقال لهم عمر رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم وعلى كل حال فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فالأمر ظاهر، وإن لم يثبت فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أُمرنا باتباعهم، والذي جرت موافقاته لحكم الله عز وجل في عدة مواضع، منها هذا إذا لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه وقتها، وهو أيضاً مقتضى القياس فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه، فإذا حاذاه صار كالمار به.
وفي أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فائدة عظيمة في وقتنا هذا، وهو أن الإنسان إذا كان قادماً إلى مكة بالطائرة، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل إلى جدة كما يفعله كثير من الناس، فإن المحاذاة فلا فرق بين أن تكون في الأرض أو في الجو أو في البحر، ولهذا يحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذى يلملم أو رابغاً فيحرمون منها إذا حاذوا هذين الميقاتين.
مسألتان مهمتان
الأول حكم الإحرام قبل المواقيت المكانية:
يكره للإنسان أن يحرم قبل المواقيت المكانية؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم وقَّتها، وكون الإنسان يُحرم قبل أن يصل إليها، فيه شيء من تقدم حدود الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم في الصيام:"لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومه فليصمه" وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها فإن إحرامه ينعقد وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها: وهي أن الرسول صلي الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت قال:"هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة"
فمن كان من أهل نجد ومر بالمدينة، فإنه يحرم من ذي الحليفة -أبيار علي الآن- ومن كان من أهل الشام ومر بالمدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة، ولا يحل له أن ينتظر حتى يصل إلى ميقات أهل الشام الأصلي على القول الراجح من أقوال أهل العلم.
الثانية: حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام:
من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين:
1-
أن يكون مريداً للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
2-
إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج والعمرة، فإنه لا شيء عليه، سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في مروره هذا، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة، وما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات لا يريد الحج ولا العمرة.
القسم الثاني: مناسك الحج والعمرة وصفتهما
الأنساك وأفضلها
الأنساك ثلاثة: التمتع والقران والإفراد.
فالتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج أي بعد دخول شهر شوال - ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من عامه والقران: أن يقرن بين الحج والعمرة فيحرم بهما جميعاً أو يحرم بالعمرة وحدها ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها.
الإفراد: أن يحرم بالحج وحده.
وجمهور العلماء على أن الإنسان مخير بين هذه الأنساك، واختلفوا في الأفضل منها، والصحيح أن الأفضل التمتع؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أمر به أصحابه، وحثهم عليه؛ ولأنه أكثر عملاً؛ لأنه يأتي بأفعال العمرة كاملة، وبأفعال الحج كاملة، ولأنه أيسر من غيره لمن قدم مكة في وقت مبكر حيث يتمتع بالحل فيما بين العمرة والحج ويجب بالتمتع هدي شكران لا جبران مما يجزئ في الأضحية من شاة أو سبع بدنه أو بقرة، يذبحه يوم العيد أو في الأيام الثلاثة بعده، ويعرفه بمنى أو بمكة ويأكل منه؛ فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج لا يتجاوز بهن الأيام الثلاثة بعد العيد، وسبعة إذا رجع إلى أهله والقارن كالمتمتع في وجوب الهدي أو بدله، أما المفرد فلا هدي عليه.
صفة التمتع من ابتداء الإحرام إلى انتهاء الحج
العمرة1:
أولاً: إذا أراد أن يحرم بالعمرة اغتسل كما يغتسل للجنابة، وتطيب بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته، ولبس إزاراً ورداءً أبيضين، والمرأة تلبس ما شاءت من الثياب بشرط ألا تتبرج بزينة.
ثانياً: ثم يصلي الفريضة إن كان وقت فريضة ليحرم بعدها، فإن لم يكن وقت فريضة صلى ركعتين بنية سنة الوضوء لا بنية سنة الإحرام؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن للإحرام سنة.
ثالثاً: ثم إذا فرغ من الصلاة نوى الدخول في العمرة فيقول:"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك""لبيك اللهم عمرة" يرفع الرَّجُل صوته بذلك وتخفيه المرأة، ويُسن الإكثار من التلبة حتى يبدأ بالطواف، فإذا بدأ بالطواف قطعها.
رابعاً: فإذا وصل إلى مكة بدأ بالطواف من حين قدومه، فيقصد الحجر الأسود فيستلمه -أي يمسه بيده اليمنى- ويقبّله إن تيسر بدون
1 من كتاب "صفة الحج" للشيخ محمد بن عثيمين.
مزاحمة، وإلا أشار إليه ويقول:"بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك صلي الله عليه وسلم "ثم ينحرف ويجعل البيت عن يساره، فإذا مر بالركن اليماني وهو آخر ركن يمر به قبل الحجر استلمه بيده اليمنى إن تيسر بدون تقبيل، ويطوف سبعة أشواط، يرمل الرجل في الثلاثة أشواط الأولى ويضطبع في جميع الطواف، والرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، ويذكر الله ويسبحه في طوافه، ويدعو بما أحب في خشوع وحضور قلب، وكلما أتى الحجر الأسود "كبَّر" ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .وأما التقيد بدعاء معين لكل شوط فليس له أصل من سنة الرسول صلي الله عليه وسلم بل هو بدعة محدثة وينبغي أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام، فتجده يدخل من باب الحجر ويخرج من الباب الثاني، ولا يطوف بالحجر مع الكعبة، وهذا خطأ؛ لأن الحجر أكثره من الكعبة، فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني لم يكن قد طاف بالبيت فلا يصح طوافه.
خامساً: فإذا انتهى من الطواف صلى ركعتين وزار مقام إبراهيم، ولو بعد
عنه، يقرأ في الركعة الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . ويسن تخفيف هاتين الركعتين كما جاءت به السنة، من أجل أن يدع المكان لمن هو أحق به منه.
سادساً: ثم يطوف بالصفا والمروة -أي بينهما-سبعة أشواط، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، والسنة إذا أقبل على الصفا أن يقرأ قوله تعالى:{إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَليه أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خيراً فَإنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .
ليستحضر ذلك أنه إنما يسعى من أجل تعظيم شعائر الله عز وجل. ويصعد على الصفا ويقف مستقبل القبلة رافعاً يديه ويكّبر الله ويحمد ويقول:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" ثم يدعو بعد ذلك ثم يعيد الذكر، ثم يدعو ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة، والسنة للرجل أن يسعى بين العلمين الأخضرين سعياً شديداً إن تيسر له إن لم يتأذ أو يؤذ أحداً، ثم يمشي بعد العلم الثاني فيمشي مشياً عادياً، وإذا وصل إلى المروة صعد عليها واستقبل القبلة، ورفع يديه وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط.
سابعاً: فإذا أتم السعي قصَّر من شعر رأسه يعمه بالتقصير، وتقصر المرأة منه قدر أنملة، وبذلك تمت العمرة وحل من إحرامه، فيستمتع بكل ما أحل الله له قبل الإحرام من اللباس والطيب والنكاح وغير ذلك.
الحج وكيفية أداء مناسكه
أولاً: الإحرام بالحج:
إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم من يريد الحج بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه، ولا يسنُّ أن يذهب إلى المسجد فيحرم منه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فيما نعلم، ففي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لهم:" أقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج". . الحديث، ولمسلم عنه رضي الله عنه قال:" أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لما أهللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح" وإنما أهلوا من الأبطح لأنه كان مكان نزولهم ويفعل عند أحرامه بالحج كما يفعل عند إحرامه بالعمرة فيغتسل ويتطيب ويصلي سنة الوضوء ويهل بالحج بعدها، وصفة الإهلال والتلبية بالحج كصفتهما بالعمرة، إلا أنه في الحج يقول:"لبيك حجاً" بدل "لبيك عمرة"ويشترط أن محِلي حيث حبستني إن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام نسكه، وإلا فلا يشترط.
ثانياً: الخروج إلى منى:
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً من غير جمع، لأن النبي صلي الله عليه وسلم فعل كذلك، وفي صحيح مسلم عن
جابر رضي الله عنه قال:"فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب النبي صلي الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر"، وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته"، ولم يكن صلي الله عليه وسلم يجمع في منى بين الصلاتين في الظهر والعصر أو المغرب والعشاء ولو فعل ذلك لنقل عنه كما نقل جمعه في عرفة ومزدلفة ويقصد أهل مكة وغيرهم؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي بالناس في حجة الوداع في هذه المشاعر ومعه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام، ولو كان الإتمام واجباً عليهم لأمرهم به كما أمرهم به عام الفتح حين قال لهم:"أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سَفْر".
ثالثاً: الوقوف بعرفة:
فإذا طلعت الشمس عن اليوم التاسع سار من منى إلى عرفة فنزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر له، وإلا فلا حرج عليه؛ لأن النزول بنمرة سنة وليس بواجب، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم، كما فعل الرسول صلي الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال:"وأمر -يعني النبي صلي الله عليه وسلم- بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحّلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذّن ثم أقام وصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل
بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس. الحديث"والقصر والجمع في عرفة لأهل مكة وغيرهم، وإنما كان الجمع جمع تقديم ليتفرغ الناس للدعاء، ويقف الناس على منازلهم.
ما يستحب من الدعاء
والسنة للحاج أن يتفرغ في آخر يوم عرفة للدعاء والذكر والقراءة، ويحرص على الأذكار والأدعية الواردة عن النبي صلي الله عليه وسلم فإنها من أجمع الأدعية وأنفعها، فيقول:"اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك ربي مآبي، ولك ربي تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح، اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير مَن خضعتْ لك رقبته وفاضت لك عيناه وذل لك جسدُه ورَغِم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً يا خير المسئولين ويا خير المعطين، اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح وشر بوائق الدهر، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني
أعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وقهر الرجال، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر، اللهم اغسل عني خطاياي بالماء والثلج والبَردَ ونقِ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب"
ما يستحب للحاج في عرفة من الذكر والدعاء:
ويستحب للحاج في هذا الموقف أن يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء وإن لبّى أو قرأ شيئاً من القرآن فحسن، ويسن أن يكثر من قول:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير"، لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم، أنه قال:"خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحْيي ويُميتُ، وهو على كل شيء قدير". وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:"أحَبُّ الكلام إلى الله أربع:"سُبْحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" فينبغي الإكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب، وينبغي الإكثار أيضاً من الأذكار والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت ولا سيما في هذا الموضع وفي هذا اليوم العظيم ويختار جوامع الذكر
والدعاء ومن ذلك:
سبحان الله، وبحمده، سبحان الله العظيم.
{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] .
لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر.
أعوذ بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال، أعوذ بك اللهم من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام.
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي.
اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن
خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.
اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني.
اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي.
اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير.
اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سلمياً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك علام الغيوب.
اللهم رب النبي محمد صلي الله عليه وسلم، اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأعذني من مضلات الفتن ما أبقيتني.
اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، أقض عني الدين وأغنني من الفقر.
اللهم أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بك بعزتك أن تضلني لا إله إلا أنت، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي.
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
اللهم إني أسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى.
اللهم إني أسألك الهدى والسداد.
اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلي الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد صلي الله وسلم.
اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ
بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ويستحب في هذا الموقف العظيم أن يكرر الحاج ما تقدم من الأذكار والأدعية، وما كان في معناها من الذكر والدعاء والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم، ويلح في الدعاء، ويسأل ربّه من خيري الدنيا والآخرة.
فالدعاء يوم عرفة خير الدعاء، قال النبي صلي الله عليه وسلم:"خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
وإذا لم يُحط بالأدعية الواردة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، دعا بما يعرف من الأدعية المباحة، ودعا بما يريد لنفسه من أمور الدنيا والآخرة وينبغي أن يكون حال الدعاء مستقبل القبلة، وإن كان الجبل خلفه أو يمينه أو شماله؛ لأن السنة استقبال القبلة، ويرفع يديه، فإن كان في
إحداهما مانع رفع السليمة لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:"كنت ردف النبي صلي الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى " رواه النسائي ويظهر الافتقار والحاجة إلى الله عز وجل، ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة، ولا يعتدى في دعائه بأن يسأل ما لا يجوز شرعاً أو ما لا يمكن قدراً، فقد قال الله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وليتجنب أكل الحرام فإن أكل الحرام من أكبر موانع الإجابة، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.. الحديث" وفيه ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" فقد استبعد النبي صلي الله وسلم إجابة من يتغذى بالحرام ويلبس بالحرام مع توفر أسباب القبول في حقه وذلك لأنه يتغذى بالحرام وإذا تيسر له أن يقف في موقف النبي صلي عليه وسلم عند الصخرات فهو أفضل، وإلا وقف فيما يتيسر له من عرفة، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"نحرت ههنا، ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا وجمع -يعني مزدلفة- كلها موقف" رواه أحمد ومسلم ويجب على الواقف بعرفة أن يتأكد من حدودها، وقد نصبت عليها علامات يجدها من يتطلبها، فإن كثيراً من الحجاج يتهاونون جداً فيقفون خارج حدود عرفة جهلاً منهم وتقليداً لغيرهم، وهؤلاء الذين وقفوا خارج حدود عرفة ليس لهم حج؛ لأن الحج عرفة لما روى عن عبد الرحمن
بن يعمر: أن أناساً من نجد أتوا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة فسألوه، فأمر منادياً ينادي:"الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك منى ثلاثة أيام، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه، وأردف رجلاً ينادي بهن"رواه الخمسة فيجب العناية بذلك والتأكد من حدود عرفة؛ لأنه مهم جداً حتى يتيقن الإنسان أنه داخل حدودها ومن وقف بعرفة نهاراً وجب عليه البقاء إلى غروب الشمس؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم وقف إلى الغروب وقال: لتأخذوا عني مناسككم، ولأن الدفع قبل الغروب من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بمخالفتها، ويمتد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع يوم العيد لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك" فإن طلع فجر العيد قبل أن يقف بعرفة فقد فاته الحج، فإن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه:"إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" تحلل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط فإنه يتحلل بعمرة فيذهب إلى الكعبة ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق، وإن كان معه هدي ذبحه، فإذا كان العام القادم قضى الحج الذي فاته وأهدى هدياً، فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لما روى مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"أمر أبا أيوب وهبّار بن الأسود حين فاتهما الحج فأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالاً ثم يحجا عاماً قابلاً ويهديا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله".
رابعاً: المبيت بمزدلفة:
ثم بعد الغروب يدفع الواقف بعرفة إلى مزدلفة، فيصلي بها المغرب والعشاء ويصلي المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، وفي الصحيحين عن أسامة ابن زيد رضي الله عنهما قال:"دفع النبي صلي الله عليه وسلم في عرفة فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء، قلت يا رسول الله: الصلاة، قال: الصلاة أمامك فجاء مزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها" فالسنة للحاج أن لا يصلي المغرب والعشاء إلا بمزدلفة اقتداءً برسول الله صلي الله وعليه وسلم، إلا أن يخشى خروج وقت العشاء بمنتصف الليل، فإنه يجب عليه أن يصلي قبل خروج الوقت في أي مكان كان ويبيت بمزدلفة ولا يُحيي الليل بصلاة ولا غيرها، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، وفي صحيح البخاري حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:"جمع النبي صلي الله وعليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع -أي بمزدلفة- ولم يسبّح بينهما شيئاً، ولا على إثر كل واحدة منهما" وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه:"أن النبي صلي الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع حتى طلع الفجر" ويجوز للضعفة من الرجال والنساء أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل لما في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"بعث بي رسول الله صلي الله وسلم بسحر من جمع في ثقل رسول الله صلي الله عليه وسلم"، وفي الصحيحين من
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقدّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلي الله عليه وسلم وأما من ليس ضعيفاً ولا تابعاً لضعيف فإنه يبقى بمزدلفة حتى يصلي الفجر اقتداءً برسول الله، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:"استاذنتْ سودة رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفع قبله، وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، فأذن لها رسول الله صلي الله عليه وسلم، وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه؛ ولأن أكون استأذنت رسول الله صلي الله عليه وسلم كما استأذنت سودة فأكون أدفع بإذنه أحب إلى من مفروح به" وفي رواية أنها قالت: "وليتني كنت استأذنت رسول الله صلي الله عليه وسلم كما استأذنْته سودة "فإذا صلى الفجر أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وهلله ودعا بما أحب حتى يسفر جداً، وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"وقفت ههنا وجمع كلها موقف"
خامساً: السير إلى منى والنزول بها:
ينصرف الحجاج المقيمون بمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الانتهاء من الدعاء والذكر، فإذا وصل الحاج إلى منى عمل ما يأتي:
أولاً: رمى جمرة العقبة، وهي الجمرة الكبرى التي تلي مكة في منتهى منى، فليلقط سبع حصيات مثل حصى الخزف أكبر من الحمّص قليلاً، ثم
يرمي بهن الجمرة واحدة بعد الأخرى، ويرمي من بطن الوادي إن تيسر له فيجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه لحديث ابن مسعود رضي الله عنه:"أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزل عليه سورة البقرة" متفق عليه، ويكبر مع كل حصاة فيقول: الله أكبر ولا يجوز الرمي بحصاة كبيرة ولا بالخفاف والنعال، ويرمي خاشعاً خاضعاً مكبراً الله عز وجل، ولا يفعل كما يفعل كثير من الجهال من الصياح واللغط والسب والشتم، فإنَّ رمي الجمار من شعائر الله {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} وفي الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" ولا يندفع إلى الجمرة بعنف وقوة فيؤذي إخوانه المسلمين أو يضرهم.
ثانياً: ثم بعد الجمرة يذبح الهدي إن كان معه هدي أو يشتريه فيذبحه.
ثالثاً: ثم بعد ذبح الهدي يحلق رأسه إن كان رجلاً أو يقصّره، والحلق أفضل؛ لأن الله تعالى قدَّمَه في قوله:{مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} ، ولأنه فِعل النبي صلي الله وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: خذ وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس" رواه مسلم، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم:"دعا للمحلِّقين ثلاثاً وللمقصرين مرة"، ولأن الحلق أبلغ تعظيماً لله عز وجل حيث يلقى به جميع شعر رأسه
ويجب أن يكون الحلق أو التقصير شاملاً لجميع شعر الرأس لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} ، والفعل المضاف إلى الرأس يشمل الجميع، ولأن حلق بعض الرأس دون بعض منهي عنه شرعاً لما في الصحيحين عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن القزع فقيل لنافع: ما القزع؟ قال: أن يحلق بعض من رأس الصبي، ويترك بعضه"، وإذا كان القزع منهياً عنه لم يصح أن يكون قُربة إلى الله عزوجل، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم حلق جميع رأسه تعبّداً لله عز وجل، وقال:" لتأخذوا عني مناسككم "، وأما المرأة فتقصر من شعر رأسها بقدر أنملة فقط وإذا فعل ما سبق حل له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، فيحل له الطيب واللباس، وقص الشعر والأظافر، وغيرها من المحظورات ما عدا النساء، لقول عائشة رضي الله عنها:"كنت أُطيّب النبي صلي الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" متفق عليه واللفظ لمسلم وفي لفظ له "كنت أطيب النبي صلي الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك" ولا يتوقف الحل على فعل هذه الأشياء كلها، بل إذا رمى الجمرة وحلق أو قصر حل له كل شيء من محظورات الإحرام إلا النساء.
رابعاً: الطواف بالبيت: وهو طواف الزيارة والإفاضة: لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلي الله عليه وسلم قال:"ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر.. الحديث" وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"حججنا
مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر
…
الحديث " متفق عليه وإذا كان متمتعاً أتى بالسعي بعد الطواف؛ لأن سعيه الأول كان للعمرة، فلزمه الإتيان بسعي الحج، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً"ففي صحيح مسلم عنها أنها قالت:" ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته من لم يَطُف بالصفا والمروة" ذكره البخاري تعليقاً، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"ثم أمرنا -يعني رسول الله صلي الله عليه وسلم- عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي" ذكره البخاري في باب "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"وإن كان مفرداً أو قارناً، فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم لم يُعِد السعي مرة أخرى، لقول جابر رضي الله عنه:"لم يطف النبي صلي الله عليه وسلم، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول " رواه مسلم وإن كان لم يسع، وجب عليه السعي؛ لأنه لا يتم الحج إلا به كما سبق عن عائشة رضي الله عنها وإذا طاف طواف الإفاضة، وسعى للحج بعده أو قبله -إن كان مفرداً أو قارناً- فقد حل التحلل الثاني، وحل له جميع المحظورات، لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلي الله وسلم قال:"ونحر
هديه يوم النحر وأفاض، فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه" والأفضل ترتيب الأعمال كما يلي:
1-
رمي جمرة العقبة 2- ذبح الهدي. 3- الحلق أو التقصير.
4-
الطواف ثم السعي إن كان متمتعاً أو كان مفرداً وقارناً ولم يسع مع طواف القدوم، لأن النبي صلي الله عليه وسلم رتبها هكذا، وقال:"لتأخذوا عني مناسككم" فإن قدَّم بعضها على بعض فلا بأس لحديث ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي صلي الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير، فقال: افعل ولا حرج" متفق عليه، وللبخاري عنه قال:" كان النبي صلي الله عليه وسلم يُسأل يوم النحر بمنى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج، وقال: رميت بعدما أمسيت؟ قال لا حرج" وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم: سئل عن تقديم الحلق على الرمي، وعن تقديم الذبح على الرمي، وعن تقديم الإفاضة على الرمي، فقال:"ارمِ ولا حرج"، قال: فما رأيته يومئذ سئل عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج"وإذا لم يتيسر له الطواف يوم العيد جاز له تأخيره، والأولى ألا يتجاوز به أيام التشريق إلا من عذر كمرض وحيض ونفاس.
سادساً: المبيت بمنى ورمي الجمرات أيام التشريق:
يمكث الحاج في منى بقية يوم العيد وأيام التشريق ولياليها، لأن النبي
صلي الله عليه وسلم كان يمكث فيها هذه الأيام والليالي، ويلزمه المبيت بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر، إن تأخر، لأن النبي صلي الله عليه وسلم بات فيها وقال:"لتأخذوا عني مناسككم "، ويجوز ترك المبيت لعذر يتعلق بمصلحة الحج، أو الحجاج، لما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:" إن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه استأذن النبي صلي الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له" وعن عاصم بن عدي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم "رخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى.. " الحديث رواه الخمسة وصححه الترمذي ويرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام التشريق كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يكّبر مع كل حصاة، ويرميها بعد الزوال، فيرمي الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً، فيدعو رافعاً يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً، فيدعو هو رافع يديه، ثم يرمي جمرة العقبة، فينصرف ولا يقف للدعاء بعدها. هكذا رواه البخاري عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وإذا لم يتيسر له طول القيام بين الجمرات، وقف بقدر ما يتيسر له ليحصل له إحياء هذه السنة التي تركها أكثر الناس إما جهلاً وإما تهاوناً، ولا ينبغي ترك هذا الوقوف فتضيع السنة، فإن السنة كلما أضيعت، كان فعلها أوكد لحصول فضيلة العمل ونشر السنة بين الناس
والرمي في هذه الأيام -يعني أيام التشريق- لا يجوز إلا بعد زوال الشمس، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال وقد قال:"لتأخذوا عني مناسككم" فعن جابر رضي الله عنه قال:"رمى النبي صلي الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضُحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس" رواه المسلم، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون الرمي ففي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "سئل متى أرمي الجمار؟ قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" ولو كان رمي الجمرات في أيام التشريق قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلي الله عليه وسلم لأنه أيسر للأمة، وما خُيّر النبي صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلما لم يختر الأيسر وهو الرمي أول النهار، علم أنه إثم وإذا رمى الجمار في اليوم الثاني عشر، فقد انتهى من واجب الحج، فهو بالخيار إن شاء بقي في منى لليوم الثالث عشر ورمى الجمار بعد الزوال، وإن شاء نفر منها لقوله تعالى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ومَنْ تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَن اتَّقَى} والتأخر أفضل؛ لأنه فِعل النبي صلي الله عليه وسلم؛ ولأنه أكثر عملاً حيث يحصل له المبيت ليلة الثالث عشر ورمي الجمار من يومه، لكن إذا غربت الشمس في اليوم الثاني عشر قبل نفره من منى فلا يتعجل حينئذ؛ لأن الله سبحانه قال:{فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ} فقيد التعجل في اليومين ولم يطلقه، فإذا انتهى اليومان فقد انتهى وقت التعجل، واليوم ينتهي بغروب شمسه، وفي
الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول:"من غربت له الشمس من أوسط أيام التشريق وهو بمنى فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد"لكن إذا كان تأخره إلى الغروب بغير اختياره، مثل أن يتأهب للنفر ويشد رحله فيتأخر خروجه من منى بسبب زحام السيارات أو نحو ذلك، فإنه ينفر ولا شيء عليه، ولو غربت الشمس قبل أن يخرج من منى وهنا أحب بأن أنبه على خطأ فهمه بعض الناس، وهو قوله تعالى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ} حيث ظنوا أن اليوم الثاني هو يوم الحادي عشر، وظنوا أن اليوم الأول هو يوم العيد، وليس الأمر كذلك، وإنما اليومان: هما اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر.
سابعاً: الاستنابة في الرمي:
رمي الجمار نسك من مناسك الحج، وجزء من أجزائه، فيجب على الحاج أن يقوم به بنفسه إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، سواء كان حجه فريضة أم نافلة، لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فالحج والعمرة إذا دخل فيهما الإنسان وجب عليه إتمامها، وإن كانا نفلاً، ولا يجوز للحاج أن يوكل من يرمي عنه، إلا إذا كان عاجزاً عن الرمي بنفسه لمرض أو كبر أو صغر أو نحوها، فيوكل حينئذٍ من يثق بعلمه ودينه فيرمي عنه، سواء لقط الموكل الحصى وسلمها للوكيل، أو لقطها الوكيل ورمى بها عن موكله.
وكيفية الرمي في الوكالة: أن يرمي الوكيل عن نفسه أولاً سبع حصيات ثم يرمي عن موكله بعد ذلك، فيعينه بالنية فقط أو بالنية واللفظ جميعاً.
ثامناً: الرمي في الليل:
الأفضل للإنسان أن يرمي الجمرات في النهار، فإن كان يخشى من الزحام، فلا بأس أن يرميها ليلاً، وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم وَقَّتَ ابتداء الرمي ولم يوقت انتهاءه، فدل هذا على أن الأمر في ذلك واسع، ومن شاهد أحوال الناس اليوم، وشاهد ما يجدونه من المشقة والتعب في كونهم يرمون جميعاً في نصف يوم واحد، علم أن القول بجواز الرمي ليلاً لابد منه لما في ذلك من التيسير على المسلمين في أمر لم ترد السنة بخلافه.
تاسعاً: طواف الوداع:
إذا نفر الحاج من منى وانتهت جميع أعمال الحج وأراد السفر إلى بلده، فإنه لا يخرج حتى يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط، لأن النبي صلي الله عليه وسلم طاف للوداع وقال:"لتأخذوا عني مناسككم"، ولأنه صلي الله عليه وسلم قال:"لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وعلى هذا فيجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء، فلا يجوز البقاء بعده بمكة، ولا التشاغل بشيء إلا ما يتعلق بأغراض السفر وحوائجه كشد الرحل، وانتظار الرفقة، أو انتظار السيارة إن كان قد وعدهم في وقت معين فتأخروا عنه ونحو ذلك فإن أقام لغير ما ذُكر وجب عليه إعاة الطواف ليكون آخر عهده بالبيت
وهنا أحب أن أنبه على أمر، يفعله بعض الناس حيث ينزلون في ضحى اليوم الثاني عشر أو ضحى اليوم الثالث عشر من منى، فيطوفون للوداع ثم يرجعون إلى منى فيرمون الجمرات بعد الزوال، ثم يغادرون إلى بلادهم وهذا أمر لا يجوز، لأنهم إذا فعلوا ذلك لم يكن آخر عهدهم بالبيت، بل كان آخر عهدهم برَمي الجمرات، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلي الله عليه وسل ولا يجب طواف الوداع على الحائض والنفساء، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:"أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض" متفق عليه، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:"حاضت صفية بنت حُيَيّ بعدما أفاضت، قالت عائشة فذكرت حيضتها لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: أحابستنا هي؟ فقلت يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الأفاضة، فقال النبي صلي الله الله عليه وسلم: فلتنفر" والنفساء كالحائض؛ لأن الطواف لا يصح منهما.
عاشراً: محظورات الإحرام: ومحظورات الإحرام هي الأشياء المحرمة في الإحرام بسبب الإحرام وتتلخص فيما يأتي:
1-
إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره، وألحق جمهور العلماء به شعر بقية الجسم.
2-
إزالة الظفر من اليدين أو الرجلين وقد ألحقه جمهور العلماء بالشعر
بجامع الترفه.
3-
استعمال الطيب بعد الإحرام في البدن أو الثوب أو المأكول أو المشروب.
4-
لبس القفازين وهما شراب اليدين.
5-
المباشرة لشهوة.
وفدية هذه المحظورات الخمسة على التخيير كما ذكره الله تعالى في القرآن في حلق الرأس، وقيس عليه الباقي، فيخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة، ويفرق الطعام والشاة على المساكين إما في مكة أو في مكان فِعل المحظور:
6-
الجماع في الفرج، وإذا وقع الجماع في الحج قبل التحلل الأول ترتب عليه أربعة أمور:
أولاً: فساد النسك الذي وقع فيه الجماع.
ثانياً: وجوب المضى فيه.
ثالثاً: وجوب قضائه في العام القادم.
رابعاً: فدية وهي بدنة ينحرها ويفرقها على المساكين في مكة أو في مكان الجماع.
7-
عقد النكاح: وليس فيه فدية، ولكن النكاح يفسد، سواء كان المحرم الزوج أو الزوجة أو الولي أو وكيله فيه.
8-
قتل الصيد البري المتوحش وعليه جزاؤه، وهو ذبح مثله، يفرقه على
فقراء الحرم، أو يقوِّمه بطعام يفرقه على فقراء الحرم، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً وهذا المحظورات الثمانية حرام على كل مُحرم ذكراً كان أم أنثى، ويختص الذكر بالمحظورين التاليين:
أولاً: تغطية الرأس بملاصق، فأما غير الملاصق كالخيمة وسقف السيارة والشمسية فلا بأس به.
ثانياً:لبس المخيط وهو كل ما خيط على قدر البدن أو على جزء منه أو عضو من أعضائه كالقميص والسراويل والخفين، فأما الإزار أو الرداء المرقع فلا بأس به، وكذلك لا بأس بلبس الخاتم والساعة ونظارة العين وسماعة الأذن، ووعاء النفقة ونحوها وتختص الأنثى بالمحظور التالي: وهو تغطية الوجه على أي صفة كانت وقال بعض العلماء: المحظور عليها هو النقاب فقط، وهو أن تغطي وجهها بغطاء منقوب لعينيها فيه، والأولى ألا تغطيه مطلقاً، وفدية هذه المحظورات الخاصة على التخيير كفدية الخمسة السابقة.
الحادي عشر: حكم فاعل محظورات الإحرام:
لفاعل المحظورات السابقة ثلاثة حالات:
الأولى: أن يفعل المحظور بلا حاجة ولا عذر، فهذا آثم وعليه فديته.
الثاني: أن يفعله لحاجة، فليس بآثم وعليه فديته، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ،