المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثالثزيارة المسجد النبوي وما فيها من أحكام وآداب - الحج والعمرة والزيارة

[عبد الله بن محمد البصيري]

الفصل: ‌القسم الثالثزيارة المسجد النبوي وما فيها من أحكام وآداب

‌القسم الثالث

زيارة المسجد النبوي وما فيها من أحكام وآداب

في أحكام الزيارة وآدابها1

وتسن زيارة مجسد النبي صلي الله عليه وسلم، قبل الحج أو بعده لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألْفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحَرام" وعن ابن عمر، أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال:"صلاةٌ في مسْجدي هذا أَفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" رواه مسلم. وعن عبد الله بن الزبير–رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا". أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه"، أخرجه أحمد وابن ماجه والأحاديث في هذا المعنى كثيرة فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول:"بسم الله والصلاة والسلام

1 من كتاب "التحقيق والإيضاح" للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وغفر له.

ص: 75

على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلي الله عليه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، لقوله صلي الله عليه وسلم:"ما بَينَ بَيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلي الله عليه وسلم، وقبرَي صاحبيه، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيقف تجاه قبر النبي صلي الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه، عليه الصلاة والسلام قائلاً:"السلام عليك يا رسول الله ورحمةُ الله وبركاته"، لما في سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"ما من أحَدٍ يُسَلِّم عليَّ إلا رَدَّ الله عليَّ روحي حَتَّى أَرُدَ عليه السلام"، وإن قال الزائر في سلامه:"السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك ياخيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده"، فلا بأس بذلك؛ لأن هذا كله من أوصافه صلي الله عليه وسلم، ويصلي عليه، عليه الصلاة والسلام، ويدعو له، لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه، عملاً بقوله تعالى:{ياأهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ، ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويدعو لهما ويترضى عنهما وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلي الله عليه وسلم

ص: 76

وصاحبيه، لا يزيد غالباً على قوله:"السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه"، ثم ينصرف وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم، "أنه لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج" وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو مشروع في حق الجميع لما تقدم من الأحاديث في ذلك.

ويسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة اغتناماً لما في ذلك من الأجر الجزيل.

ويستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة، لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها، وهو قول النبي صلي الله عليه وسلم:"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم، من الحث والترغيب في الصف الأول. ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح بل هو بدعة منكرة!

ص: 77

ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلي الله عليه وسلم قضاء حاجة أو تفريج كربة أو شفاء مريض أو نحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده. والثاني: ألا يعبد إلا بما شرعه الله والرسول صلي الله عليه وسلم.

وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

تنبيه

ليست زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم واجبة ولا شرطاً في الحج كما يظنه بعض العامة وأشباههم، بل هي مستحبة في حق من زار مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، أو كان قريباً منه أما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحل لقصد زيارة القبر، ولكن يسن له شد الرحل لقصد المسجد الشريف، فإذا وصله زار القبر الشريف وقبر الصاحبين، ودخلت الزيارة لقبره عليه السلام وقبر صاحبيه تبعاً لزيارة مسجده صلي الله عليه وسلم، وذلك لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسْجد الحرام ومَسْجدي هذا والمسجد الأقْصَى"

ص: 78

فصل

في استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع

ويستحب لزائر المدينة أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه، لما في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال:"كان النبي صلي الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين"وعن سهل بن حُنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"من تَطهَّر في بيته ثم أَتَى مسجد قُبَاء فصلَّى فيه صلاةً كان له كأجْر عُمْرة".

ويسن له زيارة قبور البقيع وقبور الشهداء وقبر حمزة رضي الله عنه؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله صلي الله عليه وسلم:"زُورُوا القُبُور فإنَّها تُذَكِّركم الآخرة" أخرجه مسلم وكان النبي صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية" أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال:"السلام عليكم يا أهل القُبور يَغْفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر" ومن هذه الأحاديث يعلم أن الزيارة الشرعية للقبور يقصد منها

ص: 79

تذكّر الآخرة والإحسان إلى الموتى والدعاء لهم والترحم عليهم فأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال الله بهم أو بجاههم ونحو ذلك، فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم، بل هي من الهجر الذي نهى عنه الرسول صلي الله عليه وسلم، حيث قال:"زُورُوا القُبور ولا تَقُولُوا هُجْراً "وهذه الأمور المذكورة تجتمع في كونها بدعة ولكنها مختلفة المراتب فبعضها بدعة وليس بشرك كدعاء الله سبحانه عند القبور وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك وبعضها من الشرك الأكبر كدعاء الموتى والاستعانة بهم ونحو ذلك، وقد سبق بيان هذا مفصلاً فيما تقدم، فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق فهو سبحانه الموفق والهادي لا إله غيره، ولا رب سواه هذا آخر ما أردنا إملاءه والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 80

توجيهات

أخي الحاج: احرص على أداء الصلاة في الجماعة وحافظ عليها واجتهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتنب ما حرمه الله من الكفر والشرك والبدع والمعاصي عموماً والتي منها أكل الربا والسرقة والغش في المعاملات والظلم والخيانة في الأمانات وشرب المسكرات والدخان وإسبال الثياب وقراءة المجلات السيئة المدمرة للفضيلة الناشرة للرذيلة والحسد والغيبة والنميمة والكبر واستماع الغناء وحلق اللحى وتصوير ذوات الأرواح وغير ذلك.

أخي الحاج: بادر إلى نفع إخوانك الحجاج والإحسان إليهم بالقول والفعل من اسداء النصيحة أو اهداء كتاب نافع أو شريط مفيد وهذا من أعظم النفع لعنايتك بصلاح القلب وكل هذا من وسائل الدعوة إلى الله، قدم لهم الطعام وخاصة المحتاج منهم او مشروبات ونحو ذلك.

أخي الحاج: احذر من ضياع الوقت فيما لا فائدة منه كالتجول في منى مثلاً من مكان لآخر -لا تكثر من النوم- لا تقرأ ولا تسمع إلا ما كان فيه فائدة - احفظ الله يحفظك، احفظ لسانك وبصرك وسمعك ويدك ورجلك عن الحرام تجنب كثرة المزاح المفرط- تذكر الموت واعلم أنك سوف تُقْدِم على مولاك وستكون مرتهن بعملك والأعمال بالخواتيم

ص: 81

- اقتصد في الأكل ولا تكثر منه حتى لا يكون ذلك سبباً في الخمول والكسل عن الطاعة - جدد توبتك واستغفر ربك مراراً وتكراراً - قاطع المعاصي من غير رجعة واستحضر عظمة الله ولا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت-حاسب نفسك وفتِّش عن مواطن التقصير واسأل الله العون والسداد-اسأل عن كل ما أُشكل عليك في أمور دينك ودنياك عند من تثق بعلمه ودينه وأمانته من العلماء الأفاضل واجعل لهم في قلبك قدراً من المحبة والاحترام-أن تحب لإخوانك المسلمين ما تحب لنفسك- ليكن في قلبك همّ لهذا الدين-لا تنس الدعاء لنفسك ولوالديك وإخوانك وأخواتك وذريتك والمسلمين عامة والمجاهدين في سبيل الله خاصة بالثبات على الدين وقبول الأعمال الصالحة والفوز بالجنة والنجاة من النار.

أخي الحاج: إن خير ما يشغل الوقت في منى حضور مجالس الذكر والصدقة على المستحقين سواء لفقراء مكة أو خارجها ومن ذلك كثرة قراءة القرآن والأذكار المطلقة-الزيارة في الله وقراءة كتاب مفيد نافع وغير ذلك من الأنشطة الدعوية المباركة لأن الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات فيها عظيمة.

ص: 82

تحذيرات

أيها الحاج الكريم:

1-

احذر أن تفعل شيئاً من محظورات الإحرام وهي أخذ الشعر وتقليم الأظافر ولبس المخيط للرجل وتغطية رأسه والطيب وقتل صيد البر والجماع وعقد النكاح.

2-

احذر أن تصحب معك آلات اللهو وما يشغلك عن ذكر الله.

3-

احذر أن تتجاوز الميقات بغير إحرام.

4-

احذر أن تقطع شيئاً من نبات الحرم وشجره الأخضر سواء كنت محرماً أو غير محرم.

5-

احذر أن تقف خارج حدود عرفات فلا حج لمن فعل ذلك.

6-

احذر أن تنصرف من عرفات قبل غروب الشمس.

7-

احذر أن تنصرف من مزدلفة قبل نصف ليلة العيد.

8-

احذر أن تبيت خارج حدود منى لغير عذر.

9-

احذر الرفث والفسوق والجدال والمعاصي كلها في الحج وغيره.

10-

احذر أن تكون نفقات حجك من مال حرام.

11-

احذر أن تسعى بين الصفا والمروة قبل أن تطوف بالبيت.

12-

احذر أن تذبح هديك قبل يوم العيد.

ص: 83

13-

احذر أن ترمي الجمرات أيام التشريق قبل زوال الشمس، واحذر أن ترميها وأنت بعيد عنها، أو أن ترميها بحذاء أو حجر كبير.

14-

احذر أن تترك الصلاة متعمداً فتكون من الخاسرين.

15-

احذر أن تمنع زكاة مالك فيكون عذاباً عليك.

16-

احذر أن تؤخر حج الفريضة مع القدرة عليه فتموت عاصياً قبل أن تحج.

17-

احذر أن تخرج من مكة قبل انتهاء أعمال الحج وطواف الوداع.

18-

احذر أن ترجع إلى المعاصي بعد الحج فتأثم ويفوتك الأجر.

ص: 84