المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القيام بمكان مرتفع حال الخطبة - الخطابة عند العرب

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌القيام بمكان مرتفع حال الخطبة

‌القيام بمكان مرتفع حال الخطبة

يقفُ الخطيبُ بمكانٍ مرتفعٍ لكي يمتدَّ صوتُه إلى مدًى أبعدَ مما يبلغه لو كان قائمًا بمكانٍ مُسَاوٍ لمقاعدِ المستمعين، ومن دواعي ارتفاع الخطيب أن يشهدَ الحاضرون إشاراتِه الممثِّلة لبعض المعاني المعقولة. ووقوفُ الخطيب بمرأى من المستمعين يدعوهم إلى الإقبال عليه بأوفى مما لو كانوا يسمعون حديثَه وهو غائبٌ عن أبصارهم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة مُسنِدًا ظهرَه إلى جِذْعٍ منصوبٍ في المسجد، ثم أَمَر فَصُنِعَ له منبرٌ من طَرْفَاءِ الغَابة، وكان المنبرُ مُرَكَّبًا من ثلاثة درج، وبقي بهذه الهيئة حتى زاده مروان في خلافة معاوية سِتَّ درجات من أسفله، وقال:"إنما زِدْتُ فيه حين كَثُرَ الناس".

وكان العرب يخطبون مِنْ قيامٍ، ولا يخالفون هذه العادةَ إلا في خطبة النكاح؛ فإنهم يُلقُونَها مِنْ جلوسٍ؛ إذ ليس مِنْ شأنِها أن تحتوي معانيَ تدعو الحاجةُ إلى أن يَسمَعها جميعُ الحاضرين.

ص: 194

وكان عليه الصلاة والسلام يخطُب قائمًا، وكذلك كان شأنُ الخلفاء الراشدين، وروي أنَّ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خَطَب جالسًا، وذكروا في وجه الاعتذار عنه أنه جَلَس للخطبة حينما ثَقُلَ جِسْمُه. وروى مسلمٌ في صحيحه أنَّ عبد الرحمن بن الحكم خَطَب في يوم جمعةٍ قاعدًا، فأنكرَ عليه بعض الصحابة، وقال: انظروا إلى هذا يخطُب قاعدًا والله تعالى يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}

[الجمعة: 11].

وقد اتفق العلماء على أنَّ القيام في الخطبة مشروعٌ، وإنما اختلفوا في تقدير المشروعية، فذهب فريقٌ أنه شرطٌ في صحة الخطبة. وقال آخرون: إنه واجب، ولو خَطَب مِنْ جلوسٍ لَصحَّت الخطبةُ وارتكب إثمًا. والذي اعتمده الحنفية أنه سنة، ولا يبلغ حَدَّ الوجوب، فلو خَطَب قاعدًا مضت الخطبةُ على ما نَقَصَها من أدبٍ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحافظُ عليه ما دام حيًّا.

ص: 195