المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الخامس: ذكر الأدلة على أن المرأة ليست من أهل الولاية العامة ولا مادونها من الولاية على الرجال - الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال

[عبد المحسن العباد]

الفصل: ‌الباب الخامس: ذكر الأدلة على أن المرأة ليست من أهل الولاية العامة ولا مادونها من الولاية على الرجال

‌الباب الخامس: ذكر الأدلة على أن المرأة ليست من أهل الولاية العامة ولا مادونها من الولاية على الرجال

ذكر الأدلة على أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية

العامة ولا ما دونها من الولاية على الرجال

دلَّت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية على الرجال، ومنها ما يلي:

الدليل الأول: قول الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109]، وقوله:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقوله:{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، ففي الآية الأولى: أنَّ رسل الله من الرجال لا من النساء، وفي ذلك تفضيل لهم عليهن، وفي الآية الثانية: بيان أنَّ القوامة إنما هي للرجال على النساء، لما فُضلوا به عليهن، وفي الآية الثالثة: تفضيل الرجال على النساء؛ لأنَّ لهم عليهن درجة، وهذا فيه دلالة على أنَّ الولاية العامة إنما تكون لمن جعل الله الرسالة فيهم، وهم الرجال ومن جعلهم الله قوامين

ص: 31

على النساء، وجعل لهم عليهن درجة، وأنَّها لا تكون لمن لم يُرسل منهن أحد، ومن هن مَقُوم عليهن لا قوّامات، ومن هن دون الرجال درجة، وقد جاءت الشريعة بتفضيل الرجال على النساء في الميراث والشهادة والعتق والعقيقة والدية، حيث جُعلت المرأة على النصف من الرجل في هذه الخمس.

الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه في موضعين (4425) و (7099) بهذا اللفظ، وليس في صحيحه:"أسندوا أمرهم إلى امرأة" كما ذكر ذلك الشيخ محمد الأشقر، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (20402) ، (20474)، (20477) بلفظ:"أسندوا أمرهم إلى امرأة" و (20438) ، (20478)، (20517) بلفظ:"تملكهم امرأة" و (20508) بلفظ: "ما أفلح قوم تلي أمرهم امرأة"، وأخرجه النسائي في كتاب القضاء من سننه (5388)

ص: 32

[باب: النهي عن استعمال النساء في الحكم]، ولفظه:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وأخرجه الترمذي (2262) بمثل لفظ البخاري والنسائي، وقال:"هذا حديث صحيح".

وهذا الحديث واضح الدلالة على أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية العامة، بل في ذكر النسائي له في كتاب القضاء، دلالة على أنَّها ليست أهلاً لما دون ذلك وهو القضاء.

وتصحيح الحديث والاعتماد عليه في أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية العامة هو الذي عليه العلماء سلفاً وخلفاً، ولا عبرة بمخالفة الشيخ محمد الأشقر وحده لهم في الطعن في الحديث وفي تسويغ تولِّي المرأة الولاية العامة؛ فإنَّ القدح في هذا الحديث والصحابي الذي رواه من محدثات القرن الخامس عشر.

الدليل الثالث: أنَّ الشريعة جاءت باحتجاب النساء عن الرجال، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء، وقد

ص: 33

قال صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي (1173) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال:"هذا حديث حسن صحيح غريب"، وانظر إرواء الغليل (273)، وقال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عن هذا الحديث في كتابه "أضواء البيان" في تفسير سورة الأحزاب (6/596) :"وما جاء فيه من كون المرأة عورة يدل على الحجاب للزوم ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة".

ومن أوضح ما يستدل به من السنة على وجوب تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب، ما جاء فيها أنَّ النساء يغطين أقدامهن، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبراً"، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن! قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" رواه أهل السنن وغيرهم وقال الترمذي (1731) : "هذا حديث حسن

ص: 34

صحيح"، فإنَّ مجيء الشريعة بتغطية النساء أقدامهن يدل دلالة واضحة على أنَّ تغطية الوجه واجب؛ لأنَّه موضع الفتنة والجمال من المرأة، وتغطيته أولى من تغطية الرجلين.

وفي صحيح البخاري (870) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مُقامه يسيراً قبل أن يقوم، قال: نرى - والله أعلم - أنَّ ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال" ورواه النسائي (1333) ولفظه: "أنَّ النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ إذا سلّمن من الصلاة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال"، وقد جاء في القرآن الكريم أنَّ ترك الاختلاط بين الرجال والنساء كان في الأمم السابقة، قال الله عز وجل عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى

ص: 35

يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا} [القصص:23-24] ، ففي هذه القصة أنَّ هاتين المرأتين احتاجتا إلى سقي غنمهما وانتظرتا حتى ينتهي الرجال من سقي أغنامهم، واعتذرتا لموسى عليه الصلاة والسلام بأنَّ أباهما شيخ كبير لا يتمكن من الحضور لسقي الغنم مع الرجال، فسقى لهما موسى عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أنَّ ولاية المرأة لا تتأتى إلاّ مع الاختلاط، وقد جاءت الشريعة بمنعه، وفي كون النساء يحتجبن عن الرجال دلالة على أنَّهن لسن أهلاً للولاية العامة، بل ولا ما دونها من الولايات التي يكنَّ فيها مرجعاً للرجال.

قال ابن القيم في الطرق الحكمية (ص:280) : "ومن ذلك أنَّ ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومجامع الرجال"، وقال (ص:281) : "ولا ريب أنَّ تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنَّه من أسباب فساد أمور العامة

ص: 36

والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة".

الدليل الرابع: أنَّ المرأة ممنوعة من السفر إلاّ ومعها محرم، وممنوعة من خلوة الرجل الأجنبي بها إلاّ ومعها محرم، ففي صحيح البخاري (1862) ومسلم (3272) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلاّ ومعها محرم"، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج؟ فقال: "اخرج معها"، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل السائل في هذا الحديث إلى ترك الجهاد ليسافر مع امرأته للحج، وقد وردت أحاديث أخرى في تحريم الخلوة بالمرأة إلاّ مع ذي محرم، وتحريم سفرها إلاّ مع ذي محرم، وهي دالة على أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية العامة ولا ما دونها من الولايات على الرجال، وكيف تلي الأمر من لا تسافر إلاّ مع ذي محرم؟ ومن لا

ص: 37

يخلو بها رجل إلاّ مع ذي محرم؟

الدليل الخامس: أنَّ ولي الأمر إذا كان في جماعة وحضرت الصلاة، أولى بالإمامة من غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا يؤُمَنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلاّ بإذنه" رواه مسلم (1533) عن أبي مسعود رضي الله عنه، ورواه النسائي (783) بلفظ:"لا يُؤَم الرجل في سلطانه، ولا يُجلس على تكرمته إلاّ بإذنه"، أورده في ترجمة (اجتماع القوم وفيهم الوالي) ، والمرأة لا يجوز أن تؤم الرجال في الصلاة، فلا تؤمهم في أمور الدنيا، والنساء لا تجب عليهن الجماعة، وصلاتهن في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المساجد، وإذا حضرن إلى المساجد ابتعدن عن الرجال، لقوله صلى الله عليه وسلم:"خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه مسلم (985) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الدليل السادس: أنَّ من صفات النساء الضعف والجزع، والرجال أشد منهن قوة وأكثر تحملاً، ولهذا جاء

ص: 38

الوعيد في النياحة على الميت مضافاً إلى النساء، لأنَّ الجزع وعدم الصبر غالب عليهن، وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ على النساء عند البيعة ألاّ يَنحن، فعن أم عطية رضي الله عنهم قالت:"أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح" رواه البخاري (1306) ومسلم (2164) . وفي صحيح مسلم (288) عن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "برىء من الصالقة والحالقة والشاقة"، والصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق رأسها، والشاقة التي تشق ثوبها، والولاية في الشرع ثبتت لأهل القوة والصبر، لا لذوات الجزع والضعف، و (تاتشر) البريطانية، التي استشهد الشيخ محمد الأشقر بولايتها لبريطانيا، لما وقعت الحرب بين بريطانيا والأرجنتين، على جزر (فوكلاند) وضُربت إحدى السفن البريطانية، بكت كما أذيع في حينه؛ لأنَّ الجزع والضعف من صفات النساء.

الدليل السابع: أنَّ تاريخ الإسلام خال من ولاية النساء الولاية العامة، بل وحتى الولايات الخاصة التي

ص: 39

تكون فيها النساء مرجعاً للرجال، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تولية امرأة في قضاء أو إمارة قرية، أو غير ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث العرباض بن سارية: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين

" الحديث.

قال ابن قدامة في المغني (14/13) : "ولا تصلح للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا مَن بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلدٍ، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يَخلُ منه جميع الزمان غالباً"، وكانت وفاة ابن قدامة سنة (620هـ) .

الدليل الثامن: أنَّ الأمة مجمعة على أنَّ المرأة لا تتولى الولاية العامة، حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم ابن حزم، قال في كتابه الفصل (4/179) : "وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة

"، وقال البغوي في شرح السنة (10/77) : "اتفقوا

ص: 40

على أنَّ المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً؛ لأنَّ الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز"، وقال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (1/55) : "من شروط الإمام الأعظم كونه ذكراً، ولا خلاف في ذلك بين العلماء "، والقول بأنَّ المرأة لا تتولى القضاء ولا غيره من الولايات التي تكون فيها المرأة مرجعاً للرجال، هو الذي دلت عليه الأدلة التي تقدم ذكرها، من أنَّ المرأة تحتجب عن الرجال ولا تخالطهم، وكذا خُلُوّ تاريخ الإسلام من ذلك، كما ذكره صاحب المغني، وتقدم قريباً.

وكما أنَّ المرأة ليست أهلاً للولاية العامة، فهي أيضاً ليست أهلاً لأنَّ تولي غيرها، ولهذا لما بايع الصحابة رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه لم يُنقل أنَّه كان فيهم امرأة واحدة، لا في سقيفة بني ساعدة، ولا في المسجد بعد ذلك، بل الولاية يتولاها الرجال، والذين يُولونها غيرهم هم الرجال.

ص: 41