المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس: التعليق على جمل من المقال - الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال

[عبد المحسن العباد]

الفصل: ‌الباب السادس: التعليق على جمل من المقال

‌الباب السادس: التعليق على جمل من المقال

التعليق على جُمل من المقال

اشتمل مقال الشيخ محمد الأشقر على القدح في حديث أبي بكرة رضي الله عنهم: "لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة" من جهة إسناده ومتنه، أمَّا قدحه في إسناده، فعلَّتُه عنده كونه من رواية أبي بكرة رضي الله عنه، وقد أسرف على نفسه، فنال من أبي بكرة رضي الله عنه ووصفه بالكذب والوضع، وعاب على البخاري وغيره إخراج حديثه؛ فقد جاء في مقاله قوله: "وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من مرويات أبي بكرة رضي الله عنه هو أمر غريب لا ينبغي أن يُقبل بحال

"!! وقوله: "

وهذا منطبق على أبي بكرة؛ فإنَّ الآية تدمغه بالفسق والكذب، وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا انفرد به، كهذا الحديث العجيب "لن يفلح قوم تملكهم امرأة"، فينبغي أن يُضَمَّ هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم"!!.

ص: 42

وهذا الكلام في أبي بكرة رضي الله عنه من أبطل الباطل وأقبح ما يكون من الكلام، ومن أعجب العجب أن يُقدح في إسناد حديث من أجل صحابيِّه الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأوَّل مرة في حياتي أسمع القدح في حديث في صحيح البخاري من رجل من أهل السنة له اشتغال بالعلم الشرعي، من أجل الصحابي الذي رواه ووَصْفه بأسوأ صيغ الجرح، وهي: وضع الحديث والكذب فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّها - والله! - لإحدى الكبر أن يأتي آت في القرن الخامس عشر فيتفوَّه في صحابي جليل بما لم يسبقه إليه بشر، وإنَّ ذلك لبهتان عظيم وإفك مبين!

وكان الأليق بقائل هذا الكلام أن يتَّهم رأيه ولا يتَّهم هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه.

وأمَّا قدحه في متن الحديث، فقد قال: "على أنَّا نقول جَدلاً: لو صحَّ هذا الحديث افتراضاً جدليًّا لكان حجةً فقط في منع أن تتولى المرأة الملك أو رئاسة الدولة، ولا

ص: 43

يصلح حجة لمنع أن تتولى المرأة القضاء أو إمارة قرية أو مدينة

مَن احتج بهذا الحديث على ذلك فهو مخطئٌ خطأ كبيراً بل إنني أعتبره يسيء الفهم جدًّا"!!

وقال: "على أنَّ مما يدلُّ على بطلان هذا الحديث أنَّه يقتضي أنَّه لا يمكن أن يفلح قومٌ تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال، ومعنى هذا أنَّه لو وُجدت امرأة على رأس إحدى الدول ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية فيكون ذلك دالاًّ على أنَّ هذا الحديث كذبٌ مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وُجد في العصور الحديثة دولٌ كثيرة تولَّت رئاستها نساءٌ، ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء

"!!

والجواب عن الإيراد الأول أنَّ الحديث شامل لمنع المرأة من الولاية العامة والخاصة، وقد مرَّ عن الإمام النسائي الاستدلال به على منع المرأة من القضاء، حيث أورده في كتاب القضاء، في "باب النهي عن استعمال

ص: 44

النساء في الحكم"، واستدلَّ به أيضاً الشوكاني في السيل الجرار (4/273) ، فقال: "وليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد، ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل، فدخوله فيها دخولاً أوَّليًّا"، وكذا ما تقدَّم من احتجاب النساء ومنع اختلاطهنَّ بالرجال، وأنَّ المرأة لا تسافر إلَاّ مع ذي محرم، ولا يخلو بها رجل إلَاّ مع ذي محرم، فإنَّ الحكم في ذلك يشمل الولاية العامة والخاصة، وأيضاً ما تقدَّم نقله عن صاحب المغني من عدم وجود الولايات الخاصة للنساء في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين وما بعد ذلك إلى زمنه في القرن السابع.

والجواب عن الإيراد الثاني أنَّه لو تسلَّطت امرأة على الرجال أو سلَّطوها على أنفسهم - وهو غير جائز لهم شرعاً - وحصل لها نجاح في سياستها إن سُلِّم ذلك النجاح، فإنَّ ذلك من الأمور النادرة، والنادر لا حكم له، وإنَّما الحكم للغالب، وعلى هذا فالواجب اتهام العقول واحترام النقول

ص: 45

وتعظيمها، ومثل هذا العموم في الحديث العموم في قول الله عز وجل:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 43] ، فإنَّ المراد به الغالب، قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان عند تفسير هذه الآية {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (7/218) :"لأنَّ الأنثى غالباً لا تقدر على القيام بحجَّتها، ولا الدفاع عن نفسها".

ومثل هذا العموم أيضاً حديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري (7068) : "لا يأتي عليكم زمان إلَاّ والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربَّكم"، قال الحافظ ابن حجر في شرحه في الفتح (13/21) :"وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب"، وقال أيضاً:"واستدلَّ ابن حبان في صحيحه بأنَّ حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً".

ص: 46

والواجب فهم النصوص وفقاً لما فهمه السلف، لا أن تُفهم النصوص فهوماً خاطئة ثم يُقدح فيها بناءً على ذلك.

وأمَّا ما ذكره من أنَّ نفي الفلاح في الحديث إنَّما هو في الأمور الدنيوية، فجوابه أنَّ الحديث شامل لنفي الفلاح الدنيوي والأخروي، أمَّا الدنيوي فواضح، وأمَّا الأخروي فلأنَّ الكفَّار - في أصحِّ قولي العلماء - مخاطَبون بفروع الشريعة؛ وفائدة ذلك أنَّهم يُؤاخذون على ترك الأصول والفروع، ولهذا فإنَّ من كفر وصدَّ عن سبيل الله أعظم جرماً وعذاباً مِمَّن كفر ولم يصدَّ عن سبيل الله، والكفار في النار دركات، بعضهم أسفل من بعض، كما أنَّ أهل الجنَّة فيها درجات بعضهم فوق بعض، قال الله عز وجل:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88] .

ومن أوضح ما يتبيَّن به نفي الفلاح الأخروي في ولاية المرأة أنَّها لا يمكنها الإلزام بتنفيذ أحكام الشرع

ص: 47

المتعلقة بالنساء من القرار في البيوت وترك التبرج ومنع الاختلاط بالرِّجال والخلوة بالنساء وسفرهنَّ بدون محرم وغير ذلك؛ لأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه.

وأمَّا استشهاده بقصَّة المرأة التي ملكت اليمن، وجاءت قصتها في سورة النمل، فالجواب أنَّه لا يُستدل بها على ولاية المرأة على الرجال؛ لأنَّه حكاية عمَّن كان قبلنا، وليس فيه ذكر أنَّها شريعة من الشرائع، بل كانت وقومها كفَّاراً يسجدون للشمس، ومع ذلك فقد جاء في شريعتنا ما يدلُّ على خلاف ذلك، ومنها الأدلة الثمانية التي أوردتها، وقد نقل ابن كثير في تفسير قوله تعالى:{وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33] قول الحسن البصري رحمه الله ذامًّا الذين فوَّضوا الأمر إليها: "فوَّضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها".

وقول الشيخ محمد الأشقر في معرض ثنائه على نجاحها: "حيث استطاعت تجنيب قومها وبلادها من

ص: 48

إفساد الجيوش الغازية وإذلالهم لقومها"، لا يصح هذا الإطلاق في كلامه، بل يتعيَّن تقييده بما يفيد أنَّ إفساد تلك الجيوش إنَّما كان في ظنِّها في أوَّل الأمر، لأنَّه لا يسوغ أن توصف جيوش سليمان عليه السلام بالإفساد.

وقد زعم في مقاله أنَّ في مشاركة المرأة في المجالس النيابية خيراً كثيراً، وأوصى بوضع الضوابط لهذه المشاركة!

والجواب أنَّ في زجِّ المرأة في هذه الميادين تعطيلاً لوظيفتها ومهمَّتها، وهي القرار في البيت ورعاية الأولاد، وليس للمرأة أن تتولَّى على غيرها من الرجال، ولا أن تشارك الرِّجال في تولية الرِّجال، ومن المعلوم أنَّ سقيفة بني ساعدة التي تمَّت مبايعة أبي بكر رضي الله عنه فيها في أول الأمر لم يكن فيها امرأة واحدة، ولو كان في تميكن النساء من المشاركة في هذه الأمور خيرٌ لسبق إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّهم السبَّاقون إلى كلِّ خير، لكنَّه شرٌّ سلَّمهم الله منه وسلَّم منه قروناً كثيرة بعدهم، وابتُلي به كثير من المسلمين

ص: 49

تقليداً لأعدائهم في هذا الزمن الذي انفلتت فيه النساء

وأمَّا وصيته بوضع ضوابط لمشاركة النساء لمنع الانفلات المخالف للشرع، فإنَّ الدعوة إلى تولي المرأة وإلى مشاركتها في تولية غيرها مخالف للشرع لما سبق ذكره من الأدلة، والدعوة إلى مشاركة المرأة في هذه الأمور مع وضع الضوابط المزعومة لمنع الانفلات يصدق عليه قول الشاعر:

ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له

إيَّاك إيَّاك أن تبتلَّ بالماء

وقد ختم مقاله بدعاء فقال: "والله تعالى المسؤول أن يوفق العاملين لمصلحة البلاد إلى ما فيه خيرها، وأن يجنِّبهم المزالق والأضرار".

وأقول: إنَّ ما اشتمل عليه مقاله من قدح في الصحابي أبي بكرة رضي الله عنه ومروياته التي انفرد بها في صحيح البخاري وغيره، واهتمامه بتمكين النساء من الولايات العامة والخاصة على الرجال، وأن تشارك في تولية غيرها، أقول:

ص: 50