الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر مؤمناً كان أو كافراًً
…
وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي: اسمع مني كلمة فأعرض عنه وقال: "ولا نصف كلمة" 1 وروى عن عائشة- رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام "2.
1 تفسير القرطبي: (7/13) .
2 المرجع السابق، وانظر تفسير المنار (ج7/506) والتحرري والتنوير (ج7/288) للشيخ محمد بن عاشور.
3-
حسن استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها
، وإعطاء الرأي في قضايا الأمة المهمة:
المقصود بهذا العنوان إظهار الأهمية التي يعطيها الإسلام للرأي العام من خلال بيان الرابطة بين جمهور الأمة وأهل الحل والعقد فيها، وبيان صلاحيات أهل الحل والعقد، ودورهم في بيان أحكام الشريعة باعتبارهم ممثلين شرعيين لجمهور الأمة، ومعبرين عن رأيها العام في أمور الشريعة، وهذا يقتضي التعريف بأهل الحل والعقد وأهم أعمالهم.
أهل الحل والعقد كما يسميهم جمهور العلماء، أو أهل الاختيار كما يسميهم الماوردي وغيره 3 أو أهل الاجتهاد كما يسميهم البغدادي 4 هم جماعة معينة من فضلاء الأمة يوكل إليهم النظر في مصالحها الدينية والدنيوية ومنها اختيار رئيس الدولة، فهم المسؤولون عن تصفح أحوال الذين يمكن صلوحهم لتولي هذا المنصب الخطير، والاجتهاد في ذلك، وهذه الجماعة لا تقوم باختيار الإمام إلا نيابة عن الأمة جميعاً، فهم بمباشرتهم هذا الاختيار لا يمثلون أنفسهم، بل يمثلون الأمة كلها، ولهذا فإنه عند مبايعة أهل الحل والعقد للإمام تجب مبايعته والانقياد له على سائر أفراد الأمة 5.
وقد بين العلماء أن أهل الحل والعقد هم: "العلماء والرؤساء، ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم " 6 ويرى الشيخ محمد رشيد رضا أن أهل الحل والعقد هم المقصودون بأولي الأمر في قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . (النساء: 83) . وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} . (النساء: 59) . وليس المراد بأولي الأمر في الآيتين الأمراء والسلاطين كما يرى بعض العلماء بدليل أن الآية الأولى
3 الأحكام السلطانية للماوردي (ص6) والأحكام السلطانية أبي يعلى.
4-
5 رسالة الدولة في الفقه الإسلامي. د: محمد رأفت عثمان (256-257) ط دار الكتاب الجامعي-القاهرة.
6 نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي (7/3990) .
نزلت في أولي الأمر الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هناك أمراء ولا سلاطين، قال: "وما كان هناك إلا أهل الرأي من كبار الصحابة- عليهم الرضوان- الذين يعرفون وجوه المصلحة مع فهم القرآن
…
" وهكذا يجب أن يكون في الأمة رجال أهل بصيرة ورأي في سياستها، ومصالحها الاجتماعية، وقدرة على الاستنباط، يرد إليهم أمر الأمن والخوف وسائر الأمور الاجتماعية والسياسية وهؤلاء الذين يسمون في عرف الإسلام أهل الشورى وأهل الحل والعقد
…
1.
فيفهم من هذا القول ومما ذكره الفقهاء أن أهل الحل والعقد هم المتبوعون في الأمة الحائزون على ثقتها ورضاها لما عرفوا به من التقوى والعدالة 2.
أما علاقة أهل العقد والحل في الأمة فهي علاقة النائب والوكيل 3 أما كيف ينالون هذه المنزلة فإن الأمة هي التي ترفعهم إلى هذه المنزلة باختيارها لهم صراحة أو ضمنا، وأن السوابق التاريخية تبين لنا وكالة أهل الحل والعقد عن الأمة في عصر الإسلام الأول- عصر الخلفاء الراشدين- كانت وكالة ضمنية لأنهم كانوا معروفين بتقواهم وإخلاصهم وكفاءتهم وعلمهم شهد لهم القرآن الكريم والنبي صلوات الله وسلامه عليه بالثناء العام والخاص عليهم، فما كان هناك من حاجة لقيام الأمة بانتخابهم وتوكيلهم عنها صراحة.
ومن المقاييس المهمة في معرفة نبل هذا العالم أو ذاك لثقة الجماهير رجوعُها إليه في الفتوى، وحضورها دروسه، وترددها على مجالسه، وأخذها برأيه، في أمور حياتهم المختلفة.
ومع ذلك فإننا إذا أخذنا في الوقت الحاضر بنظام الانتخاب المباشر لأهل الحل والعقد ضمن شروط يقرها الإسلام، منها أنه يجب أن تتوافر فيمن يرشح نفسه للانتخاب:
(أ) العدالة الجامعة لشروطها.
(ب) العلم.
(ج) الرأي والحكمة والخبرة 4.
وإن مثل هذا الانتخاب على هذا النحو المذكور جدير بأن يترجم إرادة الأمة صراحة وتوكيلها لهؤلاء، وهو المناسب لعصرنا لأن إجازة التوكيل الضمني في هذا الزمن قد يفتح
1 تفسير المنار: للشيخ السيد محمد رشيد رضا (7/11) .
2 أصول الدعوة للدكتور: عبد الكريم زيدان (199) وتفسير المنار (5/181) .
3 المرجع السابق. (/199)
4 الأحكام السلطانية للماوردي (6) ، وأصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (200) .