الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شر خطير ويؤذن بالفوضى التي تضعها المزاعم الكاذبة والدعاوى الفارغة 1.
الفرق بين سيادة الرأي العام في الإسلام والنظم الديمقراطية:
(أ) ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن الأمة حين تبدي رأيها عن طريق ممثليها في قضية من القضايا فلرأيها السيادة ولحكمها النفاذ في النظم الديمقراطية الغربية، أما في الإسلام فإن أهل الحل والعقد لا ينفذ رأيهم إلا في الأمور التي لم ينص عليها الشرع
…
فإذا جَاء الله بحكم فليس لجماعة من الأمة أن تعارضه وليسر للأمة بمجموعها إن تبطله.
ومن هنا كانت المسائل الفقهية الخاضعة لرأي الجماعة مقيدة بأمرين:
أ- ألا يكون قد نزل فيها نص صريح.
2-
أن يرجع أهل الحل والعقد في بيان الرأي فيها إلى أصول الشريعة ومقاصدها العامة.
(ب) أن القانون أو الحكم حين تصدره الدولة نابعاً من عقيدة الأمة ودستورها، تجد اقتناع الرأي العام به قوياً صادقاً، وتنفيذه سهلاً ميسوراً، بينما نجد حرمان القوانين الوضعية من هذه الميزة. وخير مثال يوضح هذه الفكرة المقارنة بين تحريم الخمر في الإسلام الذي تهيأ الرأي العام لقبوله وبين تحريمه في أمريكا
…
فنجح في المجتمع الإسلامي ولم ينجح هناك.
2 رواه البخاري.
4-
رفع الروح المعنوية للأمة وتقوية أواصرها وتعاونها:
من أهم وظائف الرأي العام في المجتمع الإسلامي رفع الروح المعنوية عند الجماهير التي تكونه، لأن وحدة الجماعة المسلمة على رأي واحد من شأنه أن يبرز قوة هذه الجماعة وتعاونها، ويعطيها الزاد والقوة على تحقيق أهدافها مهما بلغت التكاليف.
لقد وضع القرآن الكريم القاعدة المباركة لوحدة الجماعة المسلمة على الهدف الكريم بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . (المائدة: 2) . وبقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} . (الصف: 2) . وبقوله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر "2.
1 المرجع السابق (201) .
2 رواه البخاري.
وتظهر أثر هذه التربية الإيمانية للجماعة المسلمة في وحدتها وتآلفها، في وقوفها في وجه المحن والشدائد صفاً واحداً، ومن أبرز الأمثلة على ذلك في تاريخ الإسلام خروج المسلمين، في اليوم التالي لغزوة أحد، للثأر من عدوهم، ومسح آثار مصيبتهم، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:172) .
لقد حرص الإسلام على دعم أهدافه بسلطة الرأي العام، وإيجاد روح التعاون بين أبناء الأمة الإسلامية، والتقارب بين فئات الشعب، لتتوحد اتجاهاتها، وتسيطر على مبدأ أساسي في حياة الأمة، وهو الاتفاق على الأهداف، وهذا الاتفاق يؤدي حتما إلى نجاح الأمة في بلوغ غايتها وتحقيق أمانيها.
إن الأذان الذي يتردد كل يوم خمس مرات، عالياً مدوياً معبراً عن أهداف الإسلام الكبيرة، وإن الصلوات التي تقام كل يوم خمس مرات جامعة للأمة موحدة لرأيهَا، وإن الجُمَع، والجماعات، وفريضة الحج التي من شأنها أن يظهر وحدة الأمة على أهدافها، وإن القرآن الذي يتلى في كل صلاة جامعا للأمة على أهدافه وغاياته، إن هذا كله جدير بأن يحقّق في المجتمع الإسلامي وحدة الأهداف ووحدة الرأي العام على هذه الأهداف، ويرفع معنويات الأمة لأداء دورها الكبير ورسالتها العظيمة في الحياة، ولنتأمل في روحِ العزة التي يصنعها الإسلام بالإيمان والعمل الصالح {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} .
وإلى رفع هذه الروح المعنوية في ضمير الأمة بالتقائها على أهدافها ووحدة رأيها يشير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
"يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار".
"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"1.
إن البنيان الذي يشد بعضه بعضا يصور لنا الروح المعنوية العالية التي يعطيها وحدة الرأي العام لأفراد الأمة كما يصور لنا معاني التعاون على أهداف الإسلام الكريمة في
1 رواه البخاري ومسلم والترمذي.