الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثانية
(وخبر العثور على بقية الكتاب)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد سبق لنا قبل ثمان سنوات مضت تحقيق هذا الكتاب، وكانت النسخة الخطية الوحيدة للكتاب آنذاك ناقصة من أولها نحو 10 ورقات تقديرًا ذهبت بمقدمة الكتاب كاملة وما بعدها. كما شرحناه في المقدمة.
وقبيل أشهر قليلة وصلتني رسالة إلكترونية من شخص لا أعرفه تبشّرني بوجود هذا النقص (المقدمة مع أوائل الكتاب) في نسخة أخرى غير النسخة التي عندنا، فطِرتُ فرحًا بهذا الخبر الذي أتى بلا ميعاد ولا اجتهاد ولا سابق معرفة بمن وجدها.
وسألني الأخ الفاضل (في رسالته) إن كنتُ أريد هذه النسخة؟! وتعجبّت منه يسألني هذا السؤال؟ فكتبت إليه: لا نريدها فقط بل نرحل إليها، ونَبذلُ فيها الثمنَ، وهل للعلم ثمن؟!
فبادر جزاه الله خيرًا إلى إرسالها على البريد الإلكتروني سَمْحةً بها نفسُه، فإذا بها نسخة جيدة في (28 ورقة) محفوظة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تكمل النقص الواقع في الكتاب، وهو نحو (14) ورقة، وتتفق مع النسخة الأولى في (14 ورقة) أخرى، تتضمن زيادات في مواضع متعددة، لكنها للأسف ناقصة نحو ثلثي الكتاب، وإن خَتَمها الناسخُ بما يوحي باكتمالها وعدم نقصها، كما شرحناه تفصيلًا عند وصف النسخة.
فكان ذلك كله داعيًّا لإعادة طبع الكتاب من جديد لتحقيق هذا الجزء
الناقص من جهة، وحافزًا لإعادة النظر في نشرتنا الأولى قراءة وضبطًا من جهة أخرى، لتخرج طبعة مكتملةً للكتاب، مع زيادات وتصحيحاتِ النسخةِ الجديدةِ مما استدركناه على طبعتنا السابقة.
فالحمد لله على توفيقه، ونسأله المزيد من فضله، والشكر للأخوين الفاضلين الكريمين: الأخ الذي عثر على النسخة (ولم أعرف اسمه)، والأخ الذي تواصل معي بخصوصها، وأرسلها إليَّ، وهو أبو ربيعة عارف الغيثي، جزاهما الله خيرًا وبارك فيهما.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
علي بن محمد العمران
تحريرا في 28 / ربيع الثاني / 1437
في مكة المكرمة
مقدمة التحقيق
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. وأصلي وأسلم على مَن بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، من تمسَّك بغَرْزه نجى، ومن اقتفى أثره وسلك سبيله ولزم محجَّتَه هُدي إلى صراط مستقيم. ومَن تنكَّب سبيله وحاد عن منهجه أو استبدل به غيره تنازعَتْه الأهواءُ وتشعَّبت به السُبل.
أما بعد؛ فهذا أثر عزيز من آثار الإمام العلامة أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمة الله عليه، خصصه هذه المرة لجواب سؤال وردَ إليه عن «حزب البحر» لأبي الحسن الشاذلي (ت 656)، ثم جاد الشيخُ (وجُودُه العلميُّ سابغ) ببيان ما في حزبه الآخر المسمّى «حزب البر» من الأخطاء العقدية، والعبارات الملتبسة، والأدعية الممنوعة الباطلة. ثم أَتْبَعَه بنقد كلامه فيما «صنَّفَه في آداب الطريق في علم الحقيقة» .
ولا يخفى أنّ أتْبَاعَ الطرق الصوفية قد استبدلوا الأدعيةَ المرتبة والأحزاب الصوفية المخترعة بما جاء في السنة المطهرة على لسان مَن لا ينطق عن الهوى، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ فوقعوا في مخالفة الشرع الحنيف، وفاتهم الخير العظيم.
وقد نبَّه المؤلف على ذلك في مواضع من كتبه، قال: «المشروع للإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة، فإن الدعاء من أفضل العبادات، وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه، فينبغي لنا أن نتّبع فيه ما شرَعَ وسَنَّ، كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات.
والذي يعدل عن الدعاء المشروع إلى غيره ــ وإن كان من أحزاب بعض المشايخ ــ الأحسنُ له أن لا يفوته الأكمل الأفضل وهي الأدعية النبوية؛ فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك وإن قالها بعض الشيوخ
…
ومن أشد الناس عيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان حزبًا لبعض المشايخ ويدع الأحزابَ النبويةَ التي كان يقولها سيد بني آدم وإمام الخلق وحجة الله على عباده»
(1)
اهـ.
وقال أيضًا: «وأما ما يفعله من يريد التقرب إلى الله من واجب ومستحب؛ فكلهم يأخذه عن الكتاب والسنة، فإنّ القرآن والحديث مملوء من هذا، وإن تكلم أحدهم في ذلك بكلام لم يسنده هو يكون هو أو معناه مسندًا عن الله ورسوله، وقد ينطق أحدهم بالكلمة من الحكمة فتجدها مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
ولكن كثير من أهل العبادة والزهادة أعرض عن طلب العلم النبوي الذي يُعرف به طريق الله ورسوله فاحتاج لذلك إلى تقليد شيخ.
وفي السلوك مسائل تنازع فيها الشيوخ لكن يوجد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على الصواب في ذلك ما يفهمه غالب السالكين، فمسائل السلوك من جنس مسائل العقائد كلها منصوصة في الكتاب والسنة، وإنما اختلف أهلُ الكلام لمّا أعرضوا عن الكتاب والسنة، فلما دخلوا في البدع وقع الاختلاف. وهكذا طريق العبادة عامةُ ما يقع فيه من الاختلاف إنما هو
(1)
«مجموع الفتاوى» : (22/ 525).
بسبب الإعراض عن الطريق المشروع، فيقعون في البدع، فيقع فيهم الخلاف»
(1)
اهـ.
وقد كان للمؤلف رحمه الله نشاط كبير في تصحيح عقائد الناس والتحذير من البدع، وكشف تلبيساتهم على العوام، فوقع بينه وبين كثير من الصوفية على اختلاف طرقهم ومذاهبهم: نزاعاتٌ ومناظراتٌ وردود كثيرة، سواء في دمشق أو إبَّان إقامته بمصر (بين سنتي 705 - 712)، ومن أشهرها ما وقع مع زعيمهم ابن عطاء الله السَّكَنْدري (ت 709) ــ تلميذ أبي العباس المرسي (ت 686) أبرز أتباع أبي الحسن الشاذلي (ت 656) ــ. حتى بلغ الأمر أن استعدى ابنُ عطاء الله السلطةَ في ذلك الوقت على الشيخ، بحجة أنه يتكلم في مشايخ الطريقة. وفي إحدى المرات جمعَ ابنُ عطاء الله أكثر من خمس مئة من الصوفية والعوام، وطلعوا إلى قلعة الجبل حيث نائب السلطنة لشكاية الشيخ، والنيل منه، لكنهم لم يظفروا بطائل
(2)
.
وقد كتب شيخ الإسلام سلسلةً من حلقات النقد خصَّصها للصوفية وكتبهم وأفكارهم، فمنها:
- نَقْد كتاب «فتوح الغيب» لعبد القادر الجيلاني. مطبوع.
- ونَقَد «الرسالة القشيرية» في كتابه «الاستقامة» . مطبوع.
- ونَقَد كتابَ ابنِ العريف في التصوف «محاسن المجالس» بكتاب مستقل. ذكره ابن رُشيِّق.
- ونقد أبا إسماعيل الهروي وكتابه «منازل السائرين» .
- ونقد «المرشدة» لابن التومرت. طبع.
- ونقد الحكيمَ الترمذي وكتابه «ختم الأولياء» .
- وكتب رسالة إلى أصحاب الشيخ عدي بن مسافر. طبع.
- وكتب كثيرًا في الرد على ابن عربي وغيره من متفلسفة المتصوفة. طبع بعضها.
- وكتب عن الأبدال والأوتاد والأقطاب عدة رسائل. طبع بعضها.
- وكتب عن السماع رسائل عديدة.
- وكتب عن الصوفية ونشأتها وطوائفها وأعلامها والرد عليهم، في كتب خاصة ورسائل كثيرة
(1)
.
ويأتي هذا الرد على أبي الحسن الشاذلي في أحزابه وطريقته في السلوك حلقةً جديدة في هذه السلسلة.
وسنتكلم عن هذا الكتاب في المباحث التالية:
(1)
انظر لهذه الكتب وغيرها «مجموع الفتاوى» المجلدين العاشر والحادي عشر، و «جامع المسائل» ، و «جامع الرسائل» ، وبعض هذه الكتب لم يطبع.