الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد شيخ الإسلام على مذهب الجهمية
وقد تكلم الشيخ (1) رحمه الله على الجهمية (2) ، والهذيلية (3) ، الفارابية، ورجح أدلة أهل السنة، وهدم شبه أهل البدعة، وأشار إلى بعض أدلة غلبة الرضا على الغضب، فقال رحمه الله:
وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال (4) :
قيل: ببقائهما، وقيل: بفنائهما، وقيل: ببقاء الجنة، دون النار.
أما القول بفنائها (5) : فما رأينا أحدا حكاه عن أحد من السلف، من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وإنما حكوه عن الجهم بن صفوان، وأتباعه الجهمية.
وهذا مما أنكر عليه أئمة الإسلام، بل ذلك مما أكفروهم به، كما ذكره
(1) مراده: شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد جاء مصرحا به في نسخة "س" كما سيأتي "ص52" هامش 6.
(2)
هم أتباع جهم بن صفوان الضال المبتدع المقتول سنة 128هـ أنكر أسماء الله وصفاته وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط وأن الكفر هو الجهل به، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أن الإنسان مجبور إلى غير ذلك من انحرافاته وانظر "الملل والنحل" للشهرستاني 1/86، و"الفرق بين الفرق" للبغدادي "ص211"، و"التبصير في الدين" لأبي المظفر الأسفرايني "ص63".
(3)
هم أتباع الهذيل العلاف أحد شيوخ المعتزلة، اختلف في سنة 235هـ وله في الدين فضائح قام العلماء بنشرها تحذيرا للأمة منها - انظر الفرق بين الفرق "ص121" والملل والنحل 1/49، والتبصير في الدين "ص42".
(4)
ذكر هذه الأقوال العلامة ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح" الباب 67 "ص340" بتصرف يسير نقلا عن شيخه ابن تيمية.
(5)
مقابلة بالأصل عنوان جانبي نصه: "القول بفناء الجنة والنار" ولم يشر لدخوله في الصلب.
عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة"(1) والأثرم في: كتاب "السنة"(2) ، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب "خلق أفعال العباد"(3) ، وغيرهم عن خارجة بن مصعب، أنه قال:
كفرت الجهمية بآيات من كتاب الله عز وجل، في غير موضع بأربع آيات من كتاب الله:
بقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} (4)، وهم يقولون: لا يدوم.
ويقول الله تعالى (5) : {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (6) ، وهم يقولون ينفد.
وبقوله تعالى: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} (7)، فمن قال: إنها تنقطع، فقد كفر.
(1)"السنة" للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل تحقيق محمد بسيوني زغلول "ص20".
(2)
السنة للأثرم لم أعثر على هذا الكتاب مطبوعا، والأثرم هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ. إمام حافظ، وعالم فاضل توفي في حدود الستين ومائتين، "طبقات الحنابلة" للقاضي أبي يعلى 1/66 "وسير أعلام النبلاء" للذهبي 12/623.
(3)
"خلق أفعال العباد" للإمام أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري تحقيق د/عبد الرحمن عميرة "ص32"، أخرجه البخاري عن علي بن الحسن سمعت ابن مصعب يقول: فساقه بنحوه.
(4)
سورة الرعد، الآية:35.
(5)
بالأصل "وبقوله" وصوبت في الهامش كما أثبتها وأيضا كتب فوقها بالأصل "ويقول" مع الإشارة عليه بحرف "خ" إلى أنه جاء هكذا في نسخة أخرى.
(6)
سورة ص، الآية:54.
(7)
سورة الواقعة، الآية:33.
وبقوله (1) تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (2) . أي: غير مقطوع. فمن قال: إنه (3) ينقطع، فقد كفر (4) .
"وهذا قاله جهم، لأصله الذي اعتقده، وهو: امتناع وجود ما يتناهى من الحوادث كما بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع (5) - وهو عمدة أهل الكلام الذين (6) استدلوا على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يخل من الحوادث بها (7) ، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم، فرأى الجهم: أن ما يمنع من وجود ما لا يتناهى بمنعه (8) في (9) المستقبل، كما يمنعه في الماضي، فيلزم (10) أن يكون الفعل الدائم ممتنعا على الرب في المستقبل كما كان ممتنعا عليه في الماضي وأبو الهذيل العلاف "2/أ" شيخ المعتزلة وافقه على هذا الأصل، لكن قال: هذا إنما يقتضي
(1) فوقه بالأصل بخط صغير "قال" ولعل ذلك من النسخة الأخرى السابق الإشارة إليها.
(2)
سورة هود، الآية:108.
(3)
مقابل هذا بهامش الأصل ما نصه: "إنها تغني فقد كفر" مع الإشارة لكونه هكذا في نسخة أخرى، بوضع حرف "خ" فوقه.
(4)
في رواية البخاري زيادة بعد هذا قال - يعني خارجة بن مصعب - أبلغوا أنهم كفار، وأن نساءهم طوالق.
(5)
انظر "منهاج السنة النبوية" لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/146-148، 310 تحقيق د. محمد رشاد سالم.
(6)
"حادي الأرواح "التي.
(7)
بالأصل "لها" وكتب فوقها "بها" مع وضع علامة التصحيح عليها.
(8)
في الأصل "فمنعه" ومصححه - فوقها "يمنعه" مع وضع علامة التصحيح عليها، وكذا حرف "خ" للإشارة إلى أنها هكذا في نسخة أخرى.
(9)
بعده في الأصل "الماضي" ومضروب عليها.
(10)
مقابلة بالهامش"فلزم" وعليها علامة "صح" وحرف "خ" إشارة إلى كونها هكذا في نسخة أخرى.
فناء الحركات، فقال: إنه تفنى حركات أهل الجنة، والنار حتى يبقوا في سكون دائم لا يقدر أحد منهم على حركة" (1) .
وزعم طائفة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها، كأبي الحسن بن الزاغواني (2) ، أن هذا القول هو المقتضى القياس العقلي، لكن السمع لما جاء ببقاء الجنة، والنار، قلنا به (3) ، ولم يعلم أن ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء السمع بوقوعه، فإن السمع لا يخبر بوجود ما كان ممتنعا في العقل (4) .
والأكثرون الذين وافقوا جهما، وأبا الهذيل على أصلها، فرقوا بين الماضي، والمستقبل من جهة العقل، بأن الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل، والممتنع إنما هو أن يدخل في الوجود ما لا يتناهى.
وقد بسط الكلام على هذه الأقوال في غير هذا الموضع (5) ، وبُيِّنَ غلط أصحابها، وأن الماضي إذا قيل: لا يتناهى، فإنما المراد أنه لا ابتداء له، فلم ينته من طرف الابتداء، وإلا فإذا قدر ماضيا منتقضا، فقد تناهى.
(1) ما بين القوسين ذكره الإمام ابن القيم في حادي الأرواح ص 340 وعزاه لشيخ الإسلام.
(2)
هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة، كان من بحور العلم كثير التصانيف مع دين وتقوى وزهد وعبادة توفي سنة 527هـ سير أعلام النبلاء 19/605.
(3)
يريد بالسمع الدليل الشرعي من الكتاب والسنة.
(4)
وعليه فإنه لا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك كتابا كبيرا يقع في عشرة مجلدات بعنوان "درء تعارض العقل والنقل" أو "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" تحقيق د. محمد رشاد سالم، وهكذا الإمام ابن القيم أبطل شبهة من يزعم بأن هناك تعارضا بين الشرع والعقل الصريح الخالي من الشبهات وذلك من مائتين وخمسين وجها" الصواعق المرسلة ج3، ج4 تحقيق د. علي الدخيل الله.
(5)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 8/153-154، 12/45.، "درء تعارض العقل والنقل" 8/345.
ففرض مالا يتناهى مطلقا، وجعله قاضيا منقضيا جمع بين النقيضين (1) .
ولهذا كانت أدلتهم عليه جامعة بين النقيضين، مثل قولهم: يلزم أن يكون اليوم، وما سواه من الحوادث متوقفا على انقضاء ما نهاية له، وانقضاء ما لا نهاية له محال.
فإنه يقال لهم نعم، ما لا يتناهى لا في الابتداء، ولا في الانتهاء، فانقضاؤه محال، أما إذا قدرتموه حتى مضى، وانتهى إلى حد.
فقولهم بعد ذلك:
أن انقضاءه محال، كلام متناقض، فإنكم فرضتموه قد انقضى وانتهى من هذا الجانب، جانب النهاية، دون جانب البداية، ومثل قولهم في دليل ذلك التطبيق، إذا فرضنا الحوادث إلى حين الطوفان، والحوادث إلى حين الهجرة، ثم طبقنا بينهما: فإما أن يتماثلا، وإما أن يتفاضلا، والتماثل ممتنع، والتفاضل يقتضي وقوع التفاضل فيما لا يتناهى، وهو محال، فإنه يقال لهم:
هذه الحوادث، هي بعينها لكنها زادت بما بين الوقتين: وقت الطوفان، ووقت الهجرة، وسواء قدر أنها هي، أو أنها غيرها، فهذه أكثر من هذه، وهذا تفاضل فيما انتهى، وهو الماضي، فهو تفاضل فيما تناهى من أحد "2/أ" طرفيه من الطرف المتناهي، فإن كان تناهى ما لا ابتداء له في المستقبل ممكنا، فالتفاضل وقع من جهة كونه متناهيا، لا من جهة كونه غير متناه - أي - لا بداية له. وإن كان تناهى ما لا ابتداء له غير ممكن، فقولكم: تناهى الحوادث إلى زمان (2) الطوفان، أو الهجرة (3) ، باطل، وذلك أنه إذا قيل: إنه لم يزل الرب متكلما
(1) النقيضان هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان في آن واحد بل يلزم من وجود أحدهما عدم الآخر مثل: العدم والوجود، الموت والحياة "التعريفات" للجرجاني -باب الضاد- "العنوان" ص 179.
(2)
في الأصل "زمن" ومصححه فوقهما بما أثبته.
(3)
بالأصل هنا فوقه كلمة "قول" ومشار إلى أنها موجودة بنسخة أخرى.
بمشيئته، وقدرته، أو لم يزل فعالا لما يشاء، نحو ذلك مما يقتضي كونه فاعلها، كان هذا النوع قديما، وما وجب قدمه، امتنع عدمه، وذلك يقتضي امتناع انقضاء فعل الرب، نقيض قول الجهم، فإن عنده يجب انقضاء فعله وانقطاعه، ويمتنع عنده دوامه أبدا كما امتنع دوامه أزلا، ويجب عنده أن يكون لم يزل غير فاعل في الماضي، ولا في الأبد إذا فنيت الجنة والنار.
وحقيقة قوله: أنه لم يزل غير قادر، ثم صار قادرا، ثم يصير غير قادر وهو يقول: ما كان له بداية، وجب أن يكون له نهاية.
فأما إذا قدر أن الرب لم يزل قادرا على الفعل، والكلام بمشيئته، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء فعالا لما يشاء، فهنا وجب وجود ما لا ابتداء له، ولا نهاية لابتدائه، فإذا قدر انتهاء هذا النوع كان باطلا، فإذا قيل: إن الحوادث انتهت إلى الطوفان أو الهجرة.
فإن قيل: يقدر (1) الرب ما بقي بفعل شيئا، فهذا تقدير خلاف الواقع، بل هو ممتنع. وإن قيل: يقدر (2) فضلا في الذهن بين ما مضى وبين ما يستقبل، فهذا التقدير الذهني لا يغير الحقائق، بل الفعل الدائم في نفسه، ثم إذا قدر هذا في الذهن، فقد قدرت الحوادث الماضية انتهت إلى هذا الحد.
وإذا انتهت قبلت الزيادة والنقصان، فإن ما ينتهي من الحوادث يقبل الزيادة والنقصان، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع (3) ، ولكن نبهنا هنا على أصل قول الجهم الذي أوجب له أن يقول بفناء الجنة والنار، حتى أنكر ذلك
(1) رسمت الكلمة بالهامش هكذا "نقدر" صح ومعنى ذلك أنها تصبح بالياء أو بالنون في أولها.
(2)
رسمت بالأصل هكذا "نقدر" إشارة إلى صحة الوجهين فيها.
(3)
انظر أدلة القائلين بامتناع ما نهاية له من الحوادث، وجواب الشيخ على هذه الأدلة في منهاج السنة النبوية 1/432-436.
عليه أئمة الإسلام، وجمهورهم كفروه. والذين وافقوه على الأصل خالفوه في لوازمه فتناقضوا (1) .
وفرق من فرق بين الماضي والمستقبل، بأن الماضي دخل في الوجود بخلاف المستقبل، فرق ضعيف "3أ" لوجوه:
أحدها: إن الماضي قد جعله متناهيا، فلم يقع التفاضل إلا فيما تناهى دون ما لا تناهى كما تقدم، وحينئذ فما دخل في الوجوه إلا ما يتناهى من هذا الجانب، فهو تقدير يتناهى فما قدر متناهيا، ثم هذا إذا قدر أن تنهايه ممكن، فكيف إذا كان ممتنعا؟.
الثاني: أن الدليل شامل للنوعين، فإنه يمكن أن يقال: الحوادث من الهجرة، ومن الطوفان إلى ما لا يتناهى، هل هما متفاضلان؟ أم متماثلان. فإن تماثلا فهو محال، لأن أحدهما أزيد من الآخر، وإن تفاضلا فهو محال، لأن التفاضل في ما لا يتناهى محال.
فإن (2) قيل: هذا تقدير التفاضل، والتماثل في ما لم يكن بعد.
قيل: نعم، لكنه تقدير التفاضل والتماثل، بتقدير وجوده لا في حال كونه معدوما، كما أن الماضي قدرتهم فيه التماثل، والتفاضل بعد عدمه بعد عدمه لا في حال وجوده، لكن قدرتهم تلك الحوادث الماضية التي عدمت كأنها موجودة.
ففي كلا الموضعين إنما هو تقدير التفاضل، والتماثل فيما هو معدوم.
فإن صح في أحد الموضعين صح في الآخر، وإن امتنع في أحدهما امتنع في الآخر.
(1) تحته بالأصل "تناقضوا" مع الإشارة إلى مجيئه هكذا بنسخة أخرى وأنه صحيح أيضا.
(2)
فوقه بالأصل "وإذا".
الوجه الثالث: أن يقال: كون الشيء ماضيا، ومستقبلا أمرا إضافي بالنسبة إلى المتكلم المخبر، فيما مضى قبل كلامه، كان ماضيا، وما يكون بعده يكون مستقبلا، وبنسبة أحدهما إلى الآخر، فالماضي ماض على ما يستقبل، والمستقبل مستقبل لما قد مضى، وما من ماض إلا وقد كان مستقبلا، وما من مستقبل إلا وسيصير ماضيا، فليس ذلك فرقا يعود إلى صفات النوعين، حتى يقال: إن أحدهما ممكن، والآخر ممتنع، بل هذا الماضي كان مستقبلا، وهذا المستقبل يصير ماضيا، فتتصف كل الحوادث بالمضي والاستقبال، فلم يكن في ذلك ما هو لازم للنوعين يوجب الفرق بينهما.
وبسط الكلام على ذلك له موضع آخر (1) .
"والمقصود هنا: أن هذا القول "هو القول بفناء الجنة، والنار قول لم يعرف عن أحد من السلف: من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، والذين قالوه لم يقولوه تلقيا له من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وإعلامه وبيانه، ولا من قياس معقول دل عليه الرسول، وإنما قالوه عن قياس قاسوه بعقولهم، وهو خطأ في نفس الأمر" (2) ، وإن كان قد اشتبه على كثير من أهل الكلام فاعتقدوه حقا، حتى بنوا عليه وجوب حدوث ما لم يخل من الحوادث، بل وجوب حدوث ما تقوم به الحوادث "13/ب".
ومن هذا قالوا: إن القرآن مخلوق هو، وغيره من كلام الله، وإن الله يمتنع أن يكون لم يزل متكلما إذا شاء، وعليه - أيضا - بنوا نفي الصفات، لأنها أعراض
(1) انظر: الصفدية لشيخ الإسلام ابن تيمية 2/30-32.
(2)
ما بين القوسين ذكره ابن القيم في "حادي الأرواح" الباب: 67 ص343 بتصرف.
لا تقوم بإلا بجسم (1)، ثم منهم من قال: إنه صار يتكلم بمشيئته، بعد أن لم يكن يتكلم بمشيئته، وهؤلاء منهم من قال: الكلام لا يقوم به، فيكون مخلوقا بائنا عنه، ومنهم من قال: بل يقوم بذاته، فيكون جنس كلامه حادثا، والذين وافقوا السلف على أنه لم يزل متكلما وافقوا الجهم على أصله، قالوا: إن كلامه قديم العين، وهو لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل هو لازم لذاته كالحياة، ثم من هؤلاء من قال: إنه معنى واحد، هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي، وهو معنى التوراة. والإنجيل، والزبور وكل كلام يكلم به عبادة المؤمنين، ملائكته وغيرهم.
ومنهم من قال: بل هو حروف، أو حروف وأصوات أزلية، لم تزل ولا تزال لازمة لذاته، لا تتعلق بمشيئته وقدرته فهذه الطوائف الأربعة قد دخل في كل طائفة كثير من أهل النظر المعدودين من أكابر النظار، وأهل العلم، الناصرين للإسلام، أو للإسلام، والسنة وأصل أمرهم موافقتهم لجهم على قوله بامتناع دوام الحوادث، وأن الله يمتنع أن يكون لم يزل متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء، فوافقوه على أن كلام الرب (2) وفعله يمتنع أن يكون دائما بقدرته، ومشيئته، وعلى أن يمتنع أن يكون كلمات الله لا نهاية لها، وقد قال تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} إلى قوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (3) .
(1) هذه هي الطريقة التي سلكها المبتدعة في تنزيه الرب، وهي لا تصح شرعا ولا عقلا، وقد ناقش شيخ الإسلام هذا المسلك، وبين بطلانه - انظر: كتاب "الصفدية" 2/33-53، وكلامه هنا واضح في الحكم بتخطيئته ورده.
(2)
فوقه بالأصل "الله" مشارا إلى كونه هكذا في نسخة أخرى.
(3)
سورة الكهف، الآية:109.
روى ابن أبي حاتم في "تفسيره"(2) عن سليمان بن عامر، قال: سمعت البيع بن أنس يقول: "إن مثل علم العباد كلهم في علم الله ربهم، كقطرة من هذه البحور كلها، وقد أنزل في ذلك:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3) .
ذلك الذي عني في هذا الحديث، يقول: لو كان البحر مداداً لكلمات ربي، والشجر كلها أقلام، لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة دائمة (5) لا يفنيها شيء، لأن أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا يثني عليه كما ينبغي، حتى يكون هو (6) الذي يثني على نفسه، إن ربنا كما نقول، وفوق ما نقول، ثم إن مثل نعيم الدنيا أوله وآخره في نعيم الآخرة، كحبة من خردل في خلال الأرض كلها" "4/أ".
(1) سورة لقمان الآية:27.
(2)
لم يتيسر لي تفسير ابن أبي حاتم. وهذا النص أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره: 3/108و451وبدون سوق سنده إلى ربيع فقال وقال الربيع
…
إلخ.
(3)
سورة لقمان، الآية:27.
(4)
سورة الكهف، الآية:109.
(5)
مقابلة بالأصل "قائمة" ومشار لكونها هكذا في نسخة أخرى.
(6)
مقابل هذا بهامش الأصل كلمة "بلغ" إشارة مقابلة النسخة بأصلها إلى هنا.
قلت (1) : ومثل هذا الكلام يقصد به التعبير عن عدم النهاية والنفاد والانقضاء.
والمراد: أن كلمات الله لا انتهاء لها، فلا تنفد، ولا تنقضي، وقد ذكر الربيع مع ذلك نعيم الجنة، فإن الله تعالى - قال:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (2) .
فاخبر أنه: لا ينفد، فلا يكون له انقضاء، ولا فراغ وآخر ينتهي عنده (3) .
وهذه الأقوال، والكلام عليها مبسوطة في غير هذا الموضع (4) ، والمقصود هنا في (5) فناء الجنة والنار، فقد تبين أن القول بفناء الجنة لم يعرف عن أحد من السلف، ولا الأئمة، وإنما هو قول جهم، ونحوه، وقد عرف فساده عقلا، ونقلا.
وأما القول (6) بفناء النار: ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين، ومن بعدهم.
(1) بالأصل "قال" وأشير فوقها إلى أنها هكذا في نسخة أخرى، ثم كتب بالهامش "قلت" مع التخريج لدخولها في الصلب، فأثبتها.
(2)
سورة ص، الآية:54.
(3)
بالأصل "ينتهي عنه" ومضروب عليها ومصححة بالهامش كما أثبتها.
(4)
بسط الشيخ رحمه الله هذه الأقوال في "منهاج السنة" 2/358-360، والعقل والنقل" 2/255-304-308، "الصفدية" 2/54.
(5)
كتب بالأصل بعد لفظة "في" كلمة "بقاء" وأشير فوقها إلى أنها هكذا في نسخة أخرى، ولكن بقية الكلام في الأصل متسق مع لفظ "فناء" فأثبته.
(6)
مقابلة بهامش الأصل عنوان هكذا "القول بفناء النار" ولم يشر لدخوله في الصلب، وجاء في نسخة "س" وهو بدايتها ما نصه "قال الشيخ الإسلام أبو العباس أحمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في رسالة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه: وأما القول بفناء النار
…
الخ".
وأورد هذا النص ابن القيم في "حادي الأرواح" ص 344. وعزاه لشيخ الإسلام، انظر مقدمة كتاب: "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للشيخ الألباني ص53-55.
وهذا (1) أحد المأخذين في دوام عذاب من يدخلها، فإن الذين يقولون: إن عذابهم له حد ينتهي إليه ليس بدائم، كدوام نعيم الجنة قد يقولون: إنها قد تفنى، وقد يقولون: إنهم يخرجون منها، فلا يبقى فيها أحد، لكن قد يقال: إنهم لم يريدوا بذلك أنهم يخرجون مع (2) بقاء العذاب فيها على غير أحد، بل يفنى عذابها، وهذا هو معنى فنائها.
"وقد نقل هذا القول عن عمر، ابن مسعود، وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم".
وقد روى عبد بن حميد - وهو من أجل علماء الحديث - في تفسيره المشهور، قال: أنا سليمان بن حرب، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن البصري، قال: قال عمر: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج (3) ، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه".
وقال: أنبأ حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، أن عمر بن الخطاب قال:"لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه"(4) .
(1) أي القول.
(2)
لفظ "مع" مكرر مرتين في الأصل.
(3)
مكان يقع "بين فيد والقريات" ينزلها بنو بحتر من طيء، وهي على طريق مكة، "معجم البلدان" لياقوت الحموي 4/70.
(4)
جاء بهامش الأصل مقابل هذا ما نصه "رواة هذا الأثر ثقات، والحسن سمعه من بعض التابعين، والله أعلم "وستأتي إشارة المؤلف بعد قليل إلى كون الحسن سمعه من التابعين، ولهذا ضعف الشيخ الصنعاني هذا الأثر من طريقيه، بانقطاع السند بين الحسن البصري وبين عمر رضي الله عنه لكون الحسن لم يدركه، ثم أيد الشيخ الألباني ما قرره انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة الموضوعة" للشيخ الألباني 2/73 و"رفع الأستار" للصنعاني ص 65 مع تعليق الألباني عليه.
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (1) .
وهذا يبين (2) أن مثل الشيخ الكبير (3) من علماء الحديث والسنة (4) يروي عن مثل هؤلاء الأئمة في الحديث، والسنة مثل سليمان بن حرب والذي هو من أجل علماء السنة والحديث، ومثل حجاج بن منهال في كلامهما (5) عن حماد بن سلمة مع جلالته في العلم، والسنة، والذي يروي من وجهين: من طريق سلمة مع جلالته في العلم، والسنة، والذي يروى من وجهين: من طريق ثابت (6) ، ومن طريق حميد (7) هذا عن الحسن من بعض التابعين فسواء كان هذا قد حفظ (8) هذا عن عمر، أو لم يحفظ (9) ، كان مثل
(1) سورة النبأ الآية 23.
(2)
في الأصل "بين" ومضروب عليها، بالهامش كما أثبتها.
(3)
يعني: عبد بن حميد.
(4)
والسنة هنا ضد البدعة، فإن العالم قد يكون من أهل الحديث وهو مبتدع، ولهذا يمدح العالم إذا جمع هاتين الخصلتين: الاشتغال بحديث رسول الله، وكون مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة، انظر:"فتاوى ابن الصلاح"1/213.
(5)
تحت هذه الكلمة بهامش الأصل كلمة "بلغ" إشارة إلى مقابلة النسخة بأصلها المنقولة منه.
(6)
هو ثابت البناني ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين، وله ست وثمانون، تقريب التهذيب" 1/115.
(7)
هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة مدلس من الخامسة مات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وهو قائم يصلي وله خمس وسبعون "تقريب التهذيب" 1/202.
(8)
ضبطت الكلمة بالأصل هكذا "حفظ" ولعل ذلك قبل إضافة كلمة "هذا" في مقابلة النسخة بأصلها، لأنها مضافة بعد نهاية كلمة "حفظ" ومشار لدخولها في الصلب بعلامة "صح".
(9)
ضبطت بالصلب هكذا "يحفظ" ولعل هذا قبل إضافة كلمة "هذا" في المقابلة بالأصل كما أشرت، لأن مع وجودها لا يستقيم المعنى على الضبط المذكور.
وأيضا جاء بهامش الأصل مقابل "يحفظ" ما نصه: "يحفظه" مع الإشارة لوجوده هكذا بنسخة أخرى.
هذا الحديث متداولاً بين هؤلاء العلماء الأئمة لا ينكرونه، وهؤلاء كانوا ينكرون على من خرج عن السنة (1) من الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والجهمية.
وكان أحمد بن حنبل يقول: "أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا (2) في حلوق المبتدعة"(3) .
فهؤلاء من أعظم أعلام السنة الذين ينكرون من البدع ما هو دون هذا لو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للكتاب والسنة، والإجماع، كما يظنه طائفة من الناس.
وعبد بن حميد ذكر هذا في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (4) .
ليبين قول من قال: الأحقاب لها أمد ينفذ، ليست كالرزق الذي ماله من نفاذ، ولا ريب أنه من قال هذا القول، قول عمر، ومن نقله عنه، إنما أرادوا بذاك جنس أهل النار الذين هم أهلها.
فأما قوم أصيبوا بذنوب، فأولئك قد علم هؤلاء، وغيرهم، بخروجهم منه، وأنهم لا يلبثون فيها قدر رمل عالج، ولا قريبا من ذلك.
والحسن كان يروي حديث الشفاعة في أهل التوحيد، وقد ذكره
(1) ما بين القوسين أورده ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح" ص 346-347، وعزاه لشيخ الإسلام.
(2)
الشجا هو "ما ينشب في الحلق من عظم وغيره" كالشوك "مختار الصحاح "ص330"، وجاء مقابلة بهامش الأصل ما نصه معنى "الشجا" الشوك.
(3)
انظر ثناء الإمام أحمد على حماد بن سلمة في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي 7/450-452.
(4)
سورة النبأ الآية 23.
البخاري (1) ، ومسلم عنه (2) ، وكذلك حماد بن سلمة كان يجمعها، ويحدث بها، وكذلك سليمان بن حرب، وأمثاله، فهذا عندهم لا يقال فيه مثل هذا، ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين، بل يختص بمن عداهم، كما قاتل النبي صلى الله عيه وسلم:"أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها، ولا يحيون"(3) . وقوله: يخرجون منها، أي يخرجون من جهنم بعد أن يفنى عذابها، وينفذ وينقطع.
فهم لا يخرجون منها يعني جهنم، بل هم خالدون في جهنم كما أخبر الله سبحانه وتعالى.
لكن إذا انقضى أجلها، وفنيت كما تفنى الدنيا، لم يبق فيها عذاب، وذلك أن العالم لا يعدم، وجهنم في الأرض، والأرض لا تعدم بالكلية ولكن فناؤها بتغير (4) حالها، واستحالتها من حال إلى حال (5) كما قال تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (6) ، وهم لا يعدمون (7) بل يموتون، ويهلكون، كما قال تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (8) .
(1)"صحيح البخاري "مع شرحه "فتح الباري" كتاب التوحيد - باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، حديث رقم "7510"-13/481.
(2)
"صحيح مسلم": كتاب الإيمان 1/182 رقم الحديث "326"، ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي.
(3)
"صحيح مسلم" كتاب الإيمان" باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار" 1/172 رقم الحديث "306" من رواية أبي سعيد الخدري.
(4)
في هامش الأصل مقابل هذا ما نصه "بتغيير" مع الإشارة إلى أنها هكذا في نسخة أخرى.
(5)
اختلف العلماء في تبديل الأرض يوم القيامة هل هو تبديل ذات أو تبديل صفة، انظر: تفسير الطبري 13/249-254، اختاره رحمه الله أن هذه الأرض التي نحن عليها اليوم تبدل يوم القيامة غيرها، ولم يتعرض للتبديل هل هو تبديل صفة أو تبديل ذات لكونه لم يرد شيء من ذلك.
(6)
سورة الرحمن، الآية:26.
(7)
مقابلة بهامش الأصل ما نصه "يعذبون" مع الإشارة إلى كونه في نسخة أخرى.
(8)
سورة النحل، الآية:96.
فإذا أنفذه (1) الرجل فقد نفذ ما عنده، إن كان لم يعدم، بل يعدم، بل انتقل من حال إلى حال (2) .
وفي "تفسير علي بن أبي طلحة (3) الوالبي""5/أ"، عن ابن عباس - وهو معروف مشهور، ينقل منه عامة المفسرين الذين يسندون كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي والذين يذكرون الإسناد مجملا، كالثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون كالماوردي، وابن الجوزي، قال: قوله: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (4) .
قال: "وفي هذه الآية إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا"(5) .
قال الطبري (6) : "وروي عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء:
(1) تحته بهامش الأصل ما نصه "أنفذه" مع الإشارة لكونها هكذا في نسخة أخرى.
(2)
" قوله من حال إلى حال" هذا نهاية المقطع الأول من مخطوطته "س" وأشار إليه بقوله "انتهى" انظر صورة المخطوطة في مقدمة الشيخ الألباني لكتاب "رفع الأستار للصنعاني""ص11، 54".
(3)
مقابلة بهامش الأصل ما نصه "طرة""الوالبي ثقة، لكنه لم يدرك ابن عباس، إنما أخذ عن أصحابه، والله أعلم، وأرسل عنهم" اهـ. وكلمة "طرة" معناها الوريقة التي تلحق بالمخطوط، فالمعنى: أن لكلام المذكور وجد بوريقة صغيرة ملحقة بالأصل المنقول عنه تلك النسخة هـ.
أقول: وتوثيق علي بن أبي طلحة صرح به العجلي، ولكن تكلم فيه محمد بن عبد الله بن نمير ولخص ابن حجر حاله بقوله: صدوق يخطئ، تهذيب التهذيب 7/339 والتقريب 2/39.
(4)
سورة الأنعام، الآية:128.
(5)
سيأتي الحكم على هذا الأثر قريبا "ص 58".
(6)
" تفسير الطبري - جامع البيان" 8/34.
أن الله تعالى جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته ثنا عبد الله (1) ثنا معاوية (2) ، عن علي (3) ، عن ابن عباس، قال:{النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا} (4) .
قال في هذه الآية: "إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا"(5) .
وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة (6) فإنه قال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (7) . "فأولياؤهم (8) من الإنس" لفظ يدخل فيه الكفار قطعا، فإنهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين.
(1) عند الطبري: حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح.
(2)
عند الطبري: حدثنا معاوية بن صالح.
(3)
عند الطبري: عن علي بن أبي طلحة.
(4)
سورة الأنعام، الآية:128.
(5)
قال الشيخ الألباني معلقا على هذا الأثر: "قلت هذا أثر منقطع لأن علي ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وإن كان معناه صحيحا ثم إن في الطريق إليه عبد الله بن صالح وهو ضعيف.." انظر "رفع الأستار""ص 71" هامش 24.
(6)
أهل القبلة عرفهم شارح الطحاوية بقوله: المارد بأهل قبلتنا: من يدعي الإسلام، ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل المعاصي ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم "شرح الطحاوية""ص351".
(7)
سورة الأنعام، الآيتان:128-129.
(8)
مقابلة بهامش الأصل "وأولياؤهم" مع الإشارة إلى كونه هكذا بنسخة أخرى.
وقال تعالى: {جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} (2) .
وقال تعالى: {فَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} (6) .
وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (7) .
"15/ب".
فأمر بقتال أولياء الشيطان، وهم الكفار، وقال:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (8) .
(1) سورة النحل، الآيتان: 99، 100.
(2)
سورة الأعراف، الآية:27.
(3)
بالأصل "طيف" وما أثبته هو الموافق لرسم المصحف.
(4)
سورة الأعراف، الآيتان: 201-202.
(5)
سورة سبأ، الآيتان: 40-41.
(6)
سورة الكهف، الآية:50.
(7)
سورة النساء، الآية:76.
(8)
سورة المجادلة، الآية:19.
وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (1) .
فأخبر أنهم يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوكم (2) ، فهذه وأمثالها تبين أن الكفار أولياء الشياطين، فهم أحق الناس بدخول في قوله:{وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (3) .
وقد قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس:"إن هذه الآية تقتضي أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا"(4) .
فدل على أن هذا الاستثناء عنده دفع العذاب عنهم، وهذا مدلول الآية، وأنه لأجل هذه الآية يجب أن يتوقف، فلا يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ونارا، وهذا يناقض قول من يقول (5) سوى ما شاء الله من أنواع العذاب، وإلا مدة مقامهم قبل الدخول من حين بعثوا إلى أن دخلوا، فإن ذلك معلوم أنه قبل الدخول لم يكونوا فيها، وقول من يقول في أهل الجنة فإنها صريحة في تناول الكفار.
لكن ذكر البغوي، أن ابن عباس قال:"الاستثناء يرجع إلى قوم سبق فيهم علم الله وأنهم يسلمون فيخرجون من النار"(6) . ولم يذكر من نقل (7) هذا عن ابن
(1) سورة الأنعام، الآية:121.
(2)
مقابلة بهامش الأصل "ليجادلوا المؤمنين "مع الإشارة إلى كونه هكذا بنسخة أخرى.
(3)
سورة الأنعام، الآية:128.
(4)
الأثر سبق تخريجه "ص58".
(5)
فوقها بالأصل "قال" مع الإشارة لكونها بنسخة أخرى.
(6)
تفسير البغوي المسمى: "معالم التنزيل" 2/131.
(7)
في الأصل "قال" ومكتوب فوقها "نقل" وعليها علامة التصحيح وعلامة كونها هكذا أيضا في نسخة أخرى.
عباس، فإن أريد بذلك من أسلم في الدنيا فليس كذلك، فإن الخطاب إنما هو لمن كان من أولياء الشيطان (1) والجن الذين استمتع بعضهم ببعض وهؤلاء من جملة المسلمين، وجميع من أسلم سبق فيه علم الله، وأنه يسلم، وكأن قائل هذا القول ظن أن هذا خطاب للأحياء، وليس كذلك، بل هذا خطاب لهم يوم القيامة، وإن أراد أنهم يسلمون في جهنم فيخرجون منها، وهذا خلاف ما دل عليه القرآن في غير موضع، فعن عبد الله بن مسعود قال:"ليأتين على جهنم زمان، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا، وهؤلاء هم الكفار، وعن أبي هريرة ومثله"(2) قال البغوي: "ومعناه عند أهل السنة - إن ثبت - ألا يبقى فيها أحد من؟ أهل الإيمان"(3) .
فيقال: إنهما لم يريدا ذلك، فإنهما بعد ما يلبثون فيها أحقابا وهؤلاء هم الكفار المذكورون في قوله تعالى:{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً} (4) .
وهذا الوصف الذين كذبوا بآيات الله {كِذَّاباً} أي تكذيبا، فهو تكذيب مؤكد بالمصدر، ولم أجد نقلا مشهورا عن أحد من الصحابة يخالف ذلك، بل أبو سعيد وأبو هريرة هما رويا حديث ذبح الموت (5) ، وأحاديث الشفاعة، وخروج
(1) مقابلة بالهامش "الشياطين" مع الإشارة إلى كونه بنسخة أخرى.
(2)
أورده البغوي في تفسيره "معالم التنزيل" 2/403.
(3)
المرجع السابق نفسه.
(4)
سورة النبأ، الآيات: 21-28.
(5)
حديث ذبح الموت رواه أبو سعيد الخدري، كما في "صحيح البخاري" مع شرجه "فتح الباري" كتاب التفسير باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} 8/282 رقم الحديث "4730"، رواه أبو هريرة كما في "مسند أحمد" 2/423.
أهل التوحيد (1) وغيرهما، قالا في فناء النار ما قالا، وقد نقل البغوي: روى السدي، عن مرة، عن عبد الله، قال:"لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا"(2) .
وقد استفاض عن غير واحد من السلف تقدير الحقب بحد محدود، والأحقاب، جمع حقب، فروى ابن أبي حاتم عن عطية، عن ابن عباس قال في قوله تعالى:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (3) . قال: "سنين"(4) .
وعن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة قال:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (5) .
قال: الحقب: ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة (6) ، اليوم منها كالدنيا كلها.
قال ابن أبي حاتم، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهلال الهجري والضحاك، وذكوان، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعمرو بن ميمون أنهم قالوا: الحقب: ثمانون سنة (7) .
وعن هشام، عن الحسن البصري أنه سئل عن قوله تعالى:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} فقال: الله أعلم بالأحقاب (8) فليس فيها عدد إلا الخلود، ولكنه بلغنا أن
(1) انظر المصدر السابق ص 14.
(2)
موضع هذا النص الذي بين المعقوفتين بياض في الأصل، فاستدركه من المصدر الذي عزاه المؤلف إليه وهو معالم التنزيل للبغوي 4/438.
(3)
سورة النبأ، الآية:23.
(4)
أورده السيوطي في" الدر المنثور" 8/394 وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(5)
سورة النبأ، الآية:23.
(6)
أخرجه الإمام الطبري في "تفسير" 30/11.
(7)
انظر "تفسير ابن كثير" 4/463.
(8)
مقابلة بهامش الأصل "ما الأحقاب؟ " مع الإشارة إلى كونه هكذا جاء بنسخة أخرى.
الحقب الواحد: سبعون ألف سنة، كل يوم من تلك الأيام كألف سنة مما تعدون (1) .
وعن هشام، عن الحسن قال:"الأحقاب" لا يدري أحد ما هي؟ ولكن الحقب الواحد: سبعون ألف سنة، اليوم منها كألف سنة مما تعدون (2) وقوله: الله أعلم ما الأحقاب، ولا يدري ما هي؟ يقتضي أن لها عددا الله أعلم، ولو كانت لا عدد لها لعلم كل أحد أنه لا عدد "16/ب" لها، ويؤيد ما نقله الحسن، عن عمر بن الخطاب كما تقدم (3)، قول الحسن:"ليس فيها عدد إلا الخلود" حق أيضا، فإنهم خالدون فيها، لا يخرجون منها ما دامت باقية، فأقوال الحسن يصدق بعضها بعضا.
وأما خلودهم في النار فهو حق كما أخبر الله.
وعن السُّدي: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} قال: "سبعمائة حقب، كل حقب سبعون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم كألف سنة مما تعدون"(4) .
وعن عبد الله بن عمرو قال: "الحقب: أربعون سنة"(5) .
وقد تنازع الناس في الأحقاب، هل هي مقدرة محدودة؟ على قولين: فعلى قول السدي وغيره: هي محدودة، مقدرة، وهو قول الزجاج، وغيره، لكن قال الزجاج:"المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا"(6) .
(1)"تفسير الطبري" 30/ 11-12، و"تفسير ابن كثير" 4/463
(2)
"تفسير الطبري" 30/12
(3)
"ص53".
(4)
"تفسير ابن كثير" 4/464.
(5)
المصدر السابق 4/463.
(6)
"لسان العرب" لابن منظور مادة "حقب 1/326- عزاه للزجاج.
قال الزجاج: "وبيانه: أن الأحقاب حدّ لعذابهم بالحميم والغساق، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب"(1) .
وهذا الذي قاله الزجاج شاذ، خلاف ما عليه الأولون والآخرون، وهو خلاف ما دل عليه القرآن، فإن هذا يقتضي أنهم يبقون بعد الأحقاب فيها، ولكن لا يذوقون البرد والشارب حينئذ، وهذا باطل قطعا، ثم إذا ذاقوا البرد والشارب فهذا نعيم، فكيف يكونون معذبين فيها ذلك؟
وقال بعضهم: هذه الآية منسوخة (2)، وقيل:"هي في أهل التوحيد"(3) .
قال عبد الحق بن عطية في "تفسيره"(4) .
"ومن الناس من ظن لذكر الأحقاب أن مدة العذاب تنحصر وتتم، فطلبوا التأويل لذلك، فقال مقاتل بن حيان: الحقب سبع عشرة ألف سنة وهي منسوخة بقوله تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} (5) . قال: وقد ذكرنا فساد هذا القول (6) .
(1)" زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي 9/8 وعزاه للزجاج.
(2)
وممن ذهب إلى ذلك مقاتل بن حيان حيث قال: وهذه الآية {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} منسوخة نسختها {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} 2 يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل تفسير البغوي "معالم التنزيل" 4/438، تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" 19/179.
(3)
وبه قال خالد بن معدان، والإمام الطبري. "تفسير الطبري" 30/12.
(4)
تفسير ابن عطية هو المحرر الوجيز تفسير الكتاب العزيز" وقد طبع نصف الكتاب في دولة قطر، ولا يزال النصف الأخير تحت الطباعة ثم طبع كاملا في المغرب.
(5)
سورة النبأ لآية: 30.
(6)
وعلل الإمام الطبري فساد هذا القول بقوله: "إنه لا معنى للنسخ لأن قوله {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ وإنما النسخ في الأمر والنهي" 30/12.
وقال آخرون: الموصوف (1) باللبث أحقابا عصاة المؤمنين (2) قال: وهذا أيضا ضعيف فما (3) بعده من السورة يرد عليه.
وقال آخرون: إنما المعنى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (4) غير ذائقين بردا ولا شرابا، فهذه الحال: يلبثون أحقابا، ثم يبقى العذاب سرمدا وهم يشربون أشربة جهنم (5) .
والقول الثاني: إنها غير مقدرة "7/1"، وقال هؤلاء: هذا لا يدل على غاية، لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب، ولو أنه قال: لابثين فيها عشرة أحقاب، أو خمسة أحقاب دل على غاية، هذا قول ابن قتيبة (6) وغيره.
قال أبو الفرج بن الجوزي: وهذا قول ابن قتيبة والجمهور (7) وبيانه: إن زمان أهل الجنة والنار يتصور دخوله تحت العدد كقوله تعالى: {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} (8) ، ومثل هذا، أن كلمات الله داخلة تحت العدد وإن لم يكن لها نهاية، فيقال: هذا ممنوع، فما لا نهاية يمتنع أن يدخل تحت العدد، وإنما يدخل تحت العدد ما له مقدار محدود وهو المعدود، لكن إذا أخذ بعض من أبعاضه دخل تحت العدد كالبكرة والعشي، وهو مقدار يوم من أيام الجنة، ويعرف ذلك بنور يظهر لهم يزيد (9) على
(1) مقابلة بهامش الأصل "الموصوف" مع الإشارة إلى كونه هكذا في نسخة أخرى.
(2)
انظر تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" 19/178.
(3)
فوقه بالأصل "ما" ومشار لكونه هكذا بنسخة أخرى.
(4)
سورة النبأ، الآية:23.
(5)
أخرج نحوه ابن جرير في تفسيره "جامع البيان" 30/12 وقال: "وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية".
(6)
"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة، تحقق السيد أحمد صقر ص 509.
(7)
انظر: "زاد الميسر في علم التفسير" لابن الجوزي 9/8.
(8)
سورة مريم الآية:62.
(9)
مقابلة بهامش الأصل "زائد" لكونه هكذا بنسخة أخرى.
النور المعتاد، يعرفون به البكرة والعشي، كما تظهر الشمس لأهل الدنيا، لكن الجنة ليس فيها ظلمة.
وقوله: كلمات الله داخلة تحت العدد (1) ممنوع إنما يدخل منها تحت العدد بعض من أبعاضها مثل الآيات المنزلة، وإلا فيما لا نهاية له كيف يكون معدودا وكلما عد بقدر معدود فهو ما حد، وما يقدره الإنسان بلسانه وذهنه من العدد فله حد، والذي لا يتناهى ليس له مقدار لا في ذهنه ولا في لسانه.
وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (2) ، {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (3) .
قال ابن أبي حاتم: ذكر عن جعفر بن سليمان، عن الجريري قال: سمعت أبا نضرة يقول: ينتهي القرآن إلى هذه الآية: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (4) .
وقد روى حرب الكرماني، وأبو بكر البيهقي عن أبي سعيد الخدري، وعن قتادة في قوله:{فَأَمَّا (5) الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (6) . والله أعلم بتثنيته على ما وقعت (7) .
(1) جواب الشيخ على من زعم أن كلمات الله داخلة تحت العدد.
(2)
ليس في الأصل وأثبته تبعا لسياق الآية في موضعها.
(3)
سورة هود، الآية:107.
(4)
هذا الأثر أورده الشوكاني في "تفسيره" وقال: أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي "فتح القدير" 2/527.
(5)
في الأصل "وأما" والصواب ما أثبته.
(6)
سورة هود، الآيتان: 106-107.
(7)
أخرج نحو الطبري في "تفسيره" عن قتادة 13/114 وأورده السيوطي وعزاه لبعد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة "الدر المنثور" 4/478.
وروى الطبري، عن يونس، نا ابن وهب، نا ابن زيد. في قوله:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فقرأ حتى بلغ: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (1) فأخبرنا الذي شاء لأهل الجنة، فقال:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار (2) .
وعن السُّدي: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . عن هذه الآية يوم نزلت كانوا يطعمون في الخروج.
قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} (3)، ذكر البغوي عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال: قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي لأهل الجنة، فقال:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار (4) .
وقد روى علماء السنة والحديث في ذلك آثارا عن الصحابة والتابعين مثل ما روى حرب الكرماني، وأبو بكر البيهقي، وأبو جعفر الطبري وغيرهم عن الصحابة في ذلك.
وفي المسند (5) للطبراني: ذكر فيه "أنه ينبت فيها الجرجير"(6) ، وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة ولا أقوال الصحابة -.
منها ما رواه حرب، والبيهقي قال حرب الكرماني: "سألت إسحاق عن
(1) سورة هود الآيتان: 107-108.
(2)
تفسير الطبري ط جامع البيان" 13/119.
(3)
ذكر الله تأييد الخلود في النار في مواضع منها: سورة النساء الآية: 169، سورة الأحزاب، الآية: " 65، وسورة الجن، الآية:23.
(4)
"معالم التنزيل" للبغوي 2/403.
(5)
مقابلة بهامش الأصل" وفي المسند"، الحديث" ومشار انه جاء هكذا في نسخة أخرى.
(6)
لم أقف على هذا الأثر في مظانه من كتب الطبراني، وقد أورده القرطبي في "التذكرة""ص528". وعزاه للخطيب البغدادي.
قول الله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (1) . قال: أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن (2) .
قال إسحاق: ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا معتمر بن سليمان، قال: قال لي أبي: ثنا أبو نضرة، عن جابر، أو أبي سعيد، أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (3) .
قال المعتمر: قال أبي: عنى كل وعيد في القرآن (4) .
رواه أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره (5) قال: ثنا الحسن بن يحيى، أنا عبد الرزاق، أنا ابن التيمي، عن أبيه أبي نضرة، عن جابر، أو أبي سعيد، أو عن رجل من؟ أصحاب النبي صلى لله عليه وسلم في قوله سبحانه:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (6) . قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله، فيقول: حيث كان في القرآن: {خَالِدِينَ فِيهَا} تأتي عليه (7) .
وقال ابن جرير، حدثت عن ابن المسيب، عمن ذكره عن ابن عباس:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (8) . قال: استثنى الله عز وجل قال: يأمر النار أن تأكلهم (9) .
(1) سورة هود، الآية:107.
(2)
لم أقف على هذا الأثر في مظانه.
(3)
سورة هود، الآية 107.
(4)
أخرجه البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" ص 205.
(5)
مقابلة بهامش الأصل ما نصه "هذا" إسناد صحيح على شرط مسلم.
(6)
سورة هود، الآية:107.
(7)
تفسير الطبري ط جامع البيان" 13/118 قال السيوطي وأخرجه عبد الرزاق وابن الضريس، وابن جرير وابن منذر والطبراني والبيهقي "الدر المنثور" 4/476.
(8)
سورة هود، الآية:107.
(9)
تفسير الطبري 13/18 "بتصرف" وفي هامش الصب "أمر الله النار" وعليها علامة التصحيح وعلامة أنها هكذا جاءت في نسخة أخرى.
قال (1) : وقال ابن مسعود: "ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا"(2) .
وقال ثنا محمد بن حميد الرازي (3) ، ثنا جرير، عن بيان (4)، عن الشعبي قال:"جهنم أسرع الدارين عمرانا، وأسرعهما خرابا"(5) .
وقال حرب الكرماني، عن إسحاق بن راهوية، ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي، ثنا شعبة، عن أبي بلج، سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال:"ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، ليس أحد"(6) ، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا.
(1) القائل هو ابن جرير الطبري.
(2)
المصدر السابق نفسه.
(3)
جاء بهامش الأصل مقابله ما نصه "متكلم فيه، محمد بن حميد الرزاي، تكلم فيه، وابن جرير الطبري يكثر عنه، ومن لفظه"، وقد لخص ابن حجر العسقلاني حالة بقوله: حافظ ضعيف "التقريب" 2/156.
(4)
جاء مقابله بهامش الأصل ما نصه: "بيان ثقة، خرج له في الصحيحين" وهو بيان ابن بشر الأحمسي، ثقة ثبت روى له الجماعة "التقريب" ترجمة "789".
(5)
أخرجه ابن جرير في تفسيره "جامع البيان" 13/118 وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/478.
(6)
هذا الأثر أورده الذهبي في ميزان الاعتدال، في ترجمة "أبو بلج العزازي" وعدَّ الذهبي هذا الأثر من بلاياه وحكم عليه بقوله "وهذا منكر" "ميزان الاعتدال" 4/384. انظر:"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" للشيخ الألباني 2/72.
وقال إسحاق، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة وعن أبي هريرة، قال: أما الذي أقول: "إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، وقرأ:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} الآية (1) .
(1) الآية رقم 106 من سورة هود، والأثر أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/478، عزاه لإسحاق بن راهويه عن أبي هريرة، وجاء بهامش الأصل مقابله ما نصه:"هذا الإسناد جيد، ويحيى بن أيوب، هو البجلي الجريري، من ولد جرير بن عبد الله، صدوق. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس" اهـ.
أقول: وقد قال ابن حجر عنه في "التقريب""ترجمة 7510" لا بأس به. وباقي رجاله ثقات، فالحكم بأن هذا إسناد جيد، في محله.