المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الجواب المفصل - الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌ الجواب المفصل

فصل

وأما المسألة التاسعة

(1)

وهي قول السائل: ما الأسباب التي يعذَّب بها أصحاب القبور؟

فجوابها من وجهين: مجمل ومفصَّل.

أما المجمل: فإنهم يعذَّبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه. فلا يعذِّب الله روحًا عرفته، وأحبَّته، وامتثلت أمرَه، واجتنبت نهيَهُ؛ ولا بدَنًا

(2)

كانت فيه أبدًا، فإنّ عذاب القبر وعذاب الآخرة أثرُ غضب الله وسُخْطِه على عبده، فمَن أغضب الله وأسخطَه في هذه الدار، ثم لم يتب، ومات على ذلك

(3)

، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضبِ الله وسخطهِ عليه؛ فمستقِلٌّ ومستكثِر، ومصدِّقٌ ومكذِّب.

وأما‌

‌ الجواب المفصَّل

، فقد أخبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجلين الذين رآهما يعذَّبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك

(4)

الآخرُ الاستبراءَ من البول

(5)

. فهذا ترَكَ الطهارة الواجبة، وذلك ارتكب السببَ المُوقِعَ للعداوة بين الناس بلسانه، وإن كان صادقًا. وفي هذا تنبيه على أنَّ المُوقِعَ بينهم العداوةَ بالكذب والزُّور والبهتان أعظمُ عذابًا، كما أنَّ

(1)

في (ن): «العاشرة» ولم يرد فيها «فصل وأما» .

(2)

(ب، ج): «ولابدمَا» وكذا كان محرّفًا في (ط) أيضًا فأصلحه بعضهم.

(3)

«على ذلك» ساقط من (ن).

(4)

(ب، ن، ج): «ترك» .

(5)

تقدم الحديث في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 150).

ص: 223

في ترك الاستبراء من البول تنبيهًا على أنَّ مَن تَرَك الصلاة التي الاستبراءُ من البول بعضُ واجباتها وشروطها

(1)

، فهو أشدُّ عذابًا. وفي حديث شعبة:«أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس»

(2)

. فهذا مغتاب، وذلك نمَّام.

وقد تقدَّم

(3)

حديث ابن مسعود في الذي ضُرب سوطًا امتلأ القبر عليه به

(4)

نارًا، لكونه صلَّى صلاة واحدة بغير طهور، ومرَّ على مظلوم فلم ينصره.

وقد تقدَّم

(5)

حديث سَمُرة في صحيح البخاري في تعذيب من يكذب الكذبة، فتبلغ الآفاق؛ وتعذيب من يقرأ القرآن، ثم ينام عنه بالليل، ولا يعمل به بالنهار؛ وتعذيب الزُّناةِ والزواني، وتعذيب آكل الربا، كما شاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم [50 أ] في البرزخ.

وتقدَّم

(6)

حديث أبي هريرة الذي فيه رَضْخُ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقُلِ رؤوسهم عن الصلاة، والذين يسرحون بين الضَّريع والزقّوم لتركهم زكاة أموالهم، والذين يأكلون اللحم المنتِنَ الخبيث لزناهم، والذين تُقرَض شفاهُهم بمقاريض من حديث لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب.

(1)

(ن): «وأعظم شروطها» .

(2)

تقدّم في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 177).

(3)

في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 171).

(4)

«به» في (أ، ق، غ).

(5)

في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 169).

(6)

في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 172).

ص: 224

وتقدَّم

(1)

حديث أبي سعيد وعقوبة أرباب تلك الجرائم. فمنهم مَن بطونُهم أمثالُ البيوت، وهم على

(2)

سابلة آل فرعون، وهم أَكَلة الربا. ومنهم من تُفتَح أفواههم فيُلقَمون الجمرَ حتى

(3)

يخرج من أسافلهم، وهم أَكَلة

(4)

أموال اليتامى. ومنهم المعلَّقات بثُدِيِّهنَّ، وهنَّ الزواني. ومنهم من تُقطَع جنوبهم ويُطعَمون لحومَهم، وهم المغتابون. ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمِشون وجوههم وصدورهم، وهم الذين يمزّقون أعراض الناس.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحب الشَّملة التي غلَّها من المغنم أنها تشتعل عليه نارًا في قبره

(5)

. هذا، وله فيها حقٌّ، فكيف بمن ظلم غيرَه بما

(6)

لا حقَّ له فيه!

فعذابُ القبر من معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، والبدنِ كلِّه.

فالكذَّابُ

(7)

، والنمَّام، والمغتاب، وشاهد الزور، وقاذف المحصَن، والمُوضِع في الفتنة، والداعي إلى البدعة، والقائل على الله ورسوله ما لا علمَ له به، والمجازف في كلامه.

(1)

في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 175).

(2)

ساقطة من (ن).

(3)

في (ب، ط، ج): «ويخرج» .

(4)

(ب، ط، ج): «أكلوا» ولعل المقصود: «آكِلو» ، فقد ضبطت الكاف بالكسرة في (ب).

(5)

سيأتي نصه في (ص 347).

(6)

كذا في الأصل. وفي غيرها: «ما» . وغيّره بعضهم في (ن) إلى «فيما» .

(7)

(ب، ن، ج): «كالكذاب» .

ص: 225

وآكلُ الربا، وآكل أموال اليتامى، وآكل السُّحت من الرشوة والبِرْطِيل

(1)

ونحوهما، وآكل مالِ أخيه المسلم بغير حقٍّ أو مال المعاهَد، وشارب المسكِر، وآكل لقمة الشجرة الملعونة، والزاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر

(2)

، والمخادع، والماكر، وآخذ الربا

(3)

، ومعطيه، وكاتبه

(4)

، وشاهداه؛ والمحلل والمحلَّل له، والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه، ومؤذي المسلمين، ومتَّبع عوراتهم.

والحاكم بغير ما أنزل الله

(5)

، والمفتي بخلاف

(6)

ما شرَعَه الله، والمعين على الإثم والعدوان، وقاتل النفس التي حرم الله، والملحِد في حرم الله، والمعطِّل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحِد

(7)

فيها، والمقدِّم رأيَه

(8)

وذوقَه وسياسته على سنَّة [50 ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والنائحةُ والمستمِعُ إليها، ونوَّاحو

(9)

جهنَّم ــ وهم المغنُّون

(10)

الغناءَ الذي حرَّمه الله ورسولُه ــ والمستمعُ إليهم، والذين يبنون المساجد على

(1)

البِرطيل: الرشوة.

(2)

(ب): «الغالّ» .

(3)

(ب، ط، ج): «آكل الربا وموكله» .

(4)

ساقط من (ب، ط، ن، ج).

(5)

«والحاكم

» ساقط من (ب، ج).

(6)

(ط): «بغير» .

(7)

(ب، ط، ن): «والملحد» .

(8)

«رأيه» ساقط من (ب، ج).

(9)

في جميع النسخ: «ونوّاحي» ، وهو معطوف على مرفوع.

(10)

(أ، ق، غ): «المغنيون» .

ص: 226

القبور، ويُوقدون عليها القناديل والسرج؛ والمطفِّفون في استيفاء ما لهم إذا أخذوه، وهَضْمِ ما عليهم إذا بذلوه، والجبَّارون، والمتكبِّرون، والمراؤون

(1)

والهمّازون، واللمّازون، والطاعنون

(2)

على السلف، والذين يأتون الكَهَنة والمنجِّمين والعرَّافين

(3)

، فيسألونهم، ويصدِّقونهم.

وأعوانُ الظلَمَة الذين قد باعوا آخِرَتهم بدنيا غيرهم

(4)

، والذي إذا خوَّفتَه بالله وذكَّرته به لم يرعَوِ، ولم ينزجر؛ فإذا خوَّفته بمخلوقٍ مثلِه خاف، وارعوى، وكفَّ عمَّا هو فيه.

والذي يُهدَى بكلام الله ورسوله، فلا يهتدي، ولا يرفع به رأسًا؛ فإذا بلغه عمَّن يُحسِنُ به الظنَّ، ممَّن يصيب ويخطئ، عضَّ عليه بالنواجذ، ولم يخالفه. والذي يُقرأ عليه القرآنُ، فلا يؤثِّر فيه، وربما استثقَلَ به؛ فإذا سمع قرآن الشيطان، ورقية الزنا، ومادّة النفاق= طاب سِرُّه

(5)

، وتواجَدَ، وهاج من قلبه دواعي الطرب، وودَّ أنَّ المغنِّي لا يسكتُ. والذي يحلف بالله، ويكذب، فإذا حلف بالبندق

(6)

، أو

(1)

ساقط من (ن).

(2)

أسقط ناسخ (ن): «اللمازون» ، وكتب:«الطعانون» .

(3)

(ط): «الطرقين» ، تحريف.

(4)

سقط «غيرهم» من (ج). وفي (ب، ط): «بدنياهم ودنيا غيرهم» .

(5)

(ب): «مسرة» . (ط): «مرةً» . (ن): «مشربه» . وكله تحريف.

(6)

كان رماة البندق يحلفون به في عهودهم فيما بينهم. انظر: مجموع الفتاوى (1/ 204). وانظر عن شرع البندق وعهود رماته: مجموع الفتاوى (11/ 451)، (25/ 407). وفي (ن):«حلف بأبيه» . ولعل «بالبندق» خفي على ناسخها أو ناسخ أصلها، فتصرَّف في المتن.

ص: 227

برأس شيخه

(1)

أو تُربته

(2)

أو سراويل الفتوة

(3)

، أو حياة من يحبُّه ويعظِّمه من المخلوقين= لم يكذب، ولو هُدِّد وعُوقب.

والذي يفتخرُ بالمعصية، ويتكثَّر بها بين إخوانه وأضرابه، وهو المجاهر؛ والذي لا تأمنُه على مالك وحرمتك

(4)

، والفاحش اللسان البذيء

(5)

الذي تركه الناس

(6)

اتقاءَ شرَّه وفُحْشه.

والذي يؤخِّر الصلاة إلى آخر وقتها، وينقُرُها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلًا، ولا يؤدِّي زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه، ولا يحجُّ مع قدرته على الحجِّ، ولا يؤدِّي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها، ولا يتورَّع من لَحْظةٍ

(7)

ولا لفظةٍ ولا أَكلةٍ ولا خَطوةٍ، ولا يبالي بما حصّل المال من حلال أو حرام، ولا يصلُ رَحِمه؛ ولا يرحم [51 أ] المسكين، ولا الأرملَة ولا اليتيمَ، ولا الحيوان البهيمَ؛ بل يدُعُّ اليتيم، ولا يحضُّ على طعام المسكين، ويرائي العالمين،

(1)

«برأس» تحرّف في أكثر النسخ المطبوعة إلى «برئ من» .

(2)

في (أ، ق، غ): «قريبه» ، وهو تصحيف. ويبدو أنّ الحلف بتُرَب الأنبياء والصالحين كان رائجًا في عهد المصنف. وقد ذكره شيخ الإسلام مع أيمان البندق وسراويل الفتوة في رسالته في التوسل. مجموع الفتاوى (1/ 204).

(3)

كان الحلف بها شائعًا عند أهل الفتوة. انظر المصدر السابق. وفي (ن): «لباس الفتوة» . وهو تصرّف في المتن.

(4)

غيّره بعضهم في الأصل إلى «حريمك» !

(5)

ساقط من (ب، ط).

(6)

«الناس» ساقط من (ق). وفي (ب، ط) مع هذا السقط: «تتركه» ، يعني: أنت. وكأنه إصلاح للجملة.

(7)

(ن): «في لحظة» .

ص: 228

ويمنع الماعون، ويشتغل بعيوب الناس عن عيبه، وبذنوبهم عن ذنبه.

= فكلُّ هؤلاء وأمثالُهم يعذَّبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسَبِ كثرتها وقلِّتها، وصِغَرها وكِبَرها

(1)

.

ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذَّبين، والفائزُ منهم قليل. فظواهر القبور تراب، وبواطنها

(2)

حسرات وعذاب. ظواهرُها بالتراب والحجارة المنقوشة مَبْنِيَّات، وفي باطنها الدواهي والبَلِيَّات، تغلي بالحسرات، كما تغلي القدور بما فيها. ويحِقّ لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.

تالله لقد وعظَتْ، فما تركت لواعظٍ مقالًا، ونادت: يا عُمَّار الدنيا لقد أعمرتم

(3)

دارًا موشكة بكم زوالًا، وخرَّبتم دارًا أنتم مسرعون

(4)

إليها انتقالًا. عمَّرتم بيوتًا لغيركم منافعُها وسُكنْاها، وخرّبتم بيوتًا ليس لكم مساكنُ سواها: هذه دار الاستيفاء

(5)

، ومستودعُ الأعمال، وبَيدَر الزرع

(6)

.

(1)

(أ، ق، غ): «صغيرها وكبيرها» .

(2)

ما عدا (أ، ق، غ): «فظاهر

وباطنها».

(3)

ما عدا (أ، غ): «عمرتم. ثم جاءت السجعتان: «زوالًا» وانتقالًا في (ب، ط) بعد «سواها» .

(4)

(ب، ن): «تسرعون» .

(5)

كذا في جميع النسخ. والمراد بها المساكن التي خرّبوها، وهي مساكن البرزخ والدار الآخرة. فلمَّا توهم ناشرو الكتاب أن المراد بهذه دار الدنيا، وبما بعدها دار الآخرة، غيَّر كثير منهم «الاستيفاء» إلى «الاستباق» ، وزادوا واوًا قبل «محلّ العبر» .

(6)

كذا في جميع النسخ. وغيّره الناشرون لوهمهم المذكور إلى «بذر» .

ص: 229

هذه محلُّ العبر

(1)

، رياض من رياض الجنة، أو حُفرة

(2)

من حُفَر النار.

(1)

(ق): «الغير» . (ن): «الصبر» . وفي النسخ المطبوعة: «وهذه محلٌّ للعبر» .

(2)

في (ج): «حُفَر» ، وهو أشبه بالسياق.

ص: 230

فصل

وأمَّا المسألة العاشرة

(1)

وهي قوله: ما هي الأسباب المنجية من عذاب القبر؟

فجوابها أيضًا من وجهين: مجمل، ومفصّل.

أمَّا المجمل، فهو تجنُّب

(2)

تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر. ومن أنفعها

(3)

: أن يجلس الإنسان

(4)

عندما يريدُ النومَ لله

(5)

ساعةً، يحاسبُ نفسه فيها

(6)

على ما خسِره وربِحه في يومه، ثم يجدِّد له

(7)

توبةً نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزِم على أن لا يعاوِدَ الذنب إذا استيقظ. ويفعل هذا

(8)

كلَّ ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبِلًا للعمل، مسرورًا بتأخير أجله حتى يستقيل ربَّه، ويستدرِكَ ما فاته.

وليس للعبد أنفعُ من هذه التوبة

(9)

ولاسيَّما إذا عقَّب

(10)

ذلك بذكر الله

(1)

في (ن): «الحادية عشرة» . ولم يرد فيها «فصل وأما» .

(2)

(أ، ق، غ): «بحسب» ، تصحيف.

(3)

يعني الأسباب المنجية.

(4)

ما عدا (أ، غ): «الرجل» .

(5)

ساقط من (ن).

(6)

ما عدا (أ، ق، غ): «فيها نفسه» .

(7)

ساقط من (ط).

(8)

(ط): «هكذا» .

(9)

ساقط من (ط). وفي (ب، ق، ن): «النومة» ، تصحيف.

(10)

(ط، ن): «أعقب» .

ص: 231

واستعمال السُّنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[51 ب] عند النوم، حتى يغلبَه النوم. فَمَن أراد الله به خيرًا وفَّقه لذلك، ولا قوة إلا بالله.

وأما الجواب المفصَّل، فنذكر أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُنجِي من عذاب القبر.

فمنها: ما رواه مسلم في صحيحه

(1)

عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رِباطُ يومٍ وليلةٍ

(2)

خيرٌ من صيام شهر وقيامه. وإن مات أُجري عليه عملُه الذي كان يعمله

(3)

، وأجري عليه رزقُه، وأمِنَ الفَتَّانَ».

وفي جامع الترمذي

(4)

من حديث فَضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ ميِّت يُخْتَم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر» . قال الترمذي

(5)

: هذا حديث حسن صحيح.

وفي سنن النسائي

(6)

عن راشد بن سعد، عن رجل من أصحاب

(1)

برقم (1913).

(2)

زاد في (ط): «في سبيل الله» .

(3)

(ط): «يعمل» .

(4)

برقم (1621)، وأخرجه أبو داود (2500)، والإمام أحمد (23951)، وابن حبان (4624)، والحاكم (2/ 79) من طريق أبي هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك الجَنْبِي، عن فضالة بن عبيد. وقال الحاكم:«صحيح على شرط مسلم» . قلت: عمرو بن مالك الجنبي المصري ثقة لكنه ليس من رجال الشيخين. (قالمي).

(5)

في (ن) مكان «الترمذي» : «ت» ، وحذف بعده «هذا» . وفي أول هذه الفقرة، وفيما يأتي أيضًا استعمل هذا الرمز أحيانًا.

(6)

برقم (2053)، وصحح إسناده الألباني في أحكام الجنائز (ص 50). (قالمي). وسيأتي شرح الحديث.

ص: 232

النبي

(1)

صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله ما بالُ المؤمنين

(2)

يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنةً» .

وعن المقدام

(3)

بن معدِ يكَرِب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للشهيد عند الله ستُّ خصال: يُغفَر له في أول دَفعةٍ من دمه

(4)

، ويُرَى مقعدَه من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُوضَع على رأسه تاج الوقار، الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوَّج ثنتين

(5)

وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفَّع في سبعين من أقاربه»

(6)

رواه ابن ماجه، والترمذيُّ

(7)

، وهذا لفظه، وقال: هذا حديث حسن صحيح

(8)

.

(1)

(ط): «رسول الله» .

(2)

بعدها سقطت ورقة من (ج).

(3)

(ط): «المقداد» ، تحريف.

(4)

«من دمه» لم يرد في (ب، ط). وكذلك في بعض نسخ الجامع.

(5)

(ط): «بثنتين» .

(6)

«من أقاربه» ساقط من (ن).

(7)

أخرجه الترمذي (1663) من طريق بقية بن الوليد.

وأخرجه ابن ماجه (2799)، وسعيد بن منصور في سننه (2562)، وعبد الرزاق في مصنفه (9559)، والإمام أحمد (17182)، وابن أبي عاصم في الجهاد (204) من طريق إسماعيل بن عياش كلاهما عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معديكرب. وصحّح إسناده الألباني في أحكام الجنائز (ص 50). (قالمي).

(8)

في (ب، ن): «حسن صحيح غريب» . وكذا في النسخ المطبوعة للجامع، وتذكرة القرطبي (419).

ص: 233

وعن ابن عباس قال: ضرَبَ رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خِباءَه على قبر، وهو لا يحسَبُ أنه قبرٌ؛ فإذا

(1)

إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ضربتُ خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا

(2)

قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم [52 أ]: «هي المانعة، هي المنجيةُ، تُنجِيه من عذاب القبر»

(3)

.

قال

(1)

(ب، ط): «فإذا هو» .

(2)

(ب، ط): «فإذا هو» .

(3)

أخرجه الترمذي (2890) قال: ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا يحيى بن عمرو بن مالك، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس.

ومن هذا الوجه أخرجه البزار في مسنده (5300)، والطبراني في المعجم الكبير (12801)، وابن عدي في الكامل (7/ 205)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 81)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (165).

وفيه يحيى بن عمرو بن مالك النُّكريّ له ترجمة في التهذيب، وهو متفق على ضعفه، وقال العقيلي:«لا يتابع على حديثه» ، وترجمه ابن عدي في الكامل وعدّ له هذا الحديث من جملة ما أنكر عليه، وقال في آخر ترجمته:«وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن يحيى بن عمرو بن مالك عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس كلها غير محفوظة تفرد بها يحيى بهذا الإسناد» .

وفي الباب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «يؤتى الرجل في قبره من قبل رجليه فتقول رجلاه: ليس لكم على ما قبلي سبيل، قد كان يقوم عليّ بسورة الملك. قال: فيؤتى جوفه فيقول جوفه: ليس لكم على ما قبلي سبيل، قد وعى فيَّ سورة الملك. قال: فتؤتى رأسه فيقول لسانه ليس لكم على ما قبلي سبيل، قد كان يقوم فيّ بسورة الملك. فقال عبد الله: هي المانعة بإذن الله عز وجل من عذاب القبر، وهي في التوارة سورة الملك، ومن قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب» .

رواه عبد الرزاق (6025)، والفريابي في فضائل القرآن (32، 34، 35)، وابن الضريس في فضائل القرآن (232، 233)، والحاكم (2/ 498) وإسناده جيد، وصحَّحه الحاكم. وهو في حكم المرفوع. (قالمي).

ص: 234

الترمذي: هذا حديث حسن غريب

(1)

.

ورُوِّينا في «مسند عبد بن حُميد»

(2)

، عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه،

(1)

في بعض نسخ «الجامع» : «حديث غريب» فقط كما في تحفة الأشراف (5367)، وتفسير ابن كثير (8/ 174) وهو الأنسب لحال إسناده. (قالمي).

(2)

المنتخب من المسند (601)، وأخرجه البزار (2305. كشف الأستار)، والطبراني في المعجم الكبير (11616) من طريق سلمة بن شبيب، عن إبراهيم بن الحكم، به، مقتصرًا على المرفوع، وزاد في آخره:«يعني {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}» وعند البزار: «يعني يس» . وقال البزار: «لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد» .

قلت: وإسناده ضعيف جدًّا؛ علّته إبراهيم بن الحكم هو ابن أبان له ترجمة في التهذيب (1/ 115 ــ 116) وهو مجمع على ضعفه، ضعّفه جدًّا ابن معين، والبخاري وأبو داود والنسائي والعقيلي وغيرهم، ونقل ابن عدي في الكامل (1/ 242) عن عباس بن عبد العظيم يقول: وذكرنا له أو ذكر له إبراهيم بن الحكم بن أبان فقال: كانت هذه الأحاديث في كتبه مراسيل ليس فيها ابن عباس ولا أبو هريرة يعني أحاديث أبيه عن عكرمة. وأورد له ابن عدي أحاديث يرويها عن أبيه عن عكرمة موصولة، ثم قال:«ولإبراهيم بن الحكم غير هذه الأحاديث عن أبيه، وبلاؤه مما ذكروه أنه كان يوصل المراسيل عن أبيه، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه» .

وبه أعلّ الحديث الحافظ ابن كثير في تفسيره (8/ 174 ــ 175)، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 127)، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (6/ 291).

ولكن لم يتفرد به بل توبع عليه، فأخرجه الحاكم (1/ 565) من طريق حفص بن عمر العدني، حدثني الحكم بن أبان، به. وقال:«هذا إسناد عند اليمانيين صحيح» . فتعقبه الذهبي بقوله: «حفص واهٍ» يعني حفص بن عمر بن ميمون العدني، له ترجمة في التهذيب (2/ 410 ــ 411) قال ابن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء، وفي رواية عنه: منكر الحديث، وقال العقيلي: يحدث بالأباطيل، وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظ، وبالجملة فهو لا يختلف عن إبراهيم بن الحكم في الضعف إن لم يكن أسوأ حالًا منه. (قالمي).

ص: 235

عن عكرمة، عن ابن عباس أنَّه قال لرجل: ألا أُتحِفُك بحديثٍ تفرح به؟ قال الرجل: بلى. قال: اقرأ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] احفَظْها، وعَلِّمها أهلَك وولدَك وصبيانَ بيتك وجيرانك، فإنّها المنجيةُ، والمجادِلةُ، تجادلُ ــ أو تخاصمُ

(1)

ــ يوم القيامة عند ربِّها لقارئها، وتطلبُ له إلى ربِّها أن يُنجِيَه من عذاب النار، إذا كانت في جوفه. وينجي الله بها صاحبَها

(2)

من عذاب القبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لودِدْتُ أنها في قلب كل إنسان من أمتي» .

قال أبو عمر بن عبد البر

(3)

: وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن سورة ثلاثين آيةً شفعت في صاحبها حتى غُفِر له {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}»

(4)

.

(1)

(ط، ن): «وتخاصم» .

(2)

(ق): «صاحبتها» ، خطأ.

(3)

في التمهيد (7/ 262).

(4)

أخرجه أبو داود (1400)، والترمذي (2891)، والنسائي في الكبرى (11612)، وابن ماجه (3786)، والإمام أحمد (7975)، وابن حبان (787، 788)، والحاكم (1/ 565) من طرق عن شعبة، عن قتادة، عن عباس الجشمي، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فذكره).

وحسنه الترمذي، وصحح إسناده الحاكم. ورجاله ثقات سوى عباس الجشمي فلم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه إلا قتادة وسعيد الجريريّ.

وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الطبراني في الأوسط (3654)، والصغير (490) ومن طريقه ضياء الدين المقدسي في المختارة (1739). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 127):«رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح» . قلت: سوى شيخ الطبراني سليمان بن داود بن يحيى الطبيب فلا يعرف بجرح أو تعديل. (قالمي).

ص: 236

وفي «سنن ابن ماجه»

(1)

من حديث أبي هريرة يرفعه: «من مات مريضًا مات شهيدًا، ووُقِيَ فتنة القبر، وغُدِيَ ورِيحَ عليه برزق من الجنّة» .

وفي «سنن النسائي»

(2)

عن جامع بن شداد قال: سمعت عبد الله بن

(1)

برقم (1615) من طريق ابن جريج، أخبرني إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة.

ومن هذا الوجه أخرجه عبد الرزاق (9622)، وأبو يعلى الموصلي (6145)، والطبراني في الأوسط (5262)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 216).

وقال ابن الجوزي عقبه: «هذا حديث لا يصح، ومدار الطرق على إبراهيم وهو ابن أبي يحيى، وقد كانوا يدلسونه لأنه ليس بثقة

وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي واسم أبي يحيى سرحان، قال مالك ويحيى بن سعيد وابن معين: هو كذاب، وقال أحمد بن حنبل: قد ترك الناس حديثه، وقال الدارقطني: هو متروك».

ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: «إنما هو من مات مرابطًا وليس هذا الحديث بشيء» اهـ. وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، كما في العلل لابن أبي حاتم (1065).

وسيأتي تنبيه المصنف رحمه الله على ضعف الحديث وأن ابن ماجه انفرد بتخريجه من بقية أصحاب الكتب الستة وفي إفراداته غرائب ومنكرات. (قالمي).

(2)

برقم (2052) من طريق شعبة، عن جامع بن شداد، بهذا الإسناد.

ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود الطيالسي (1384)، والإمام أحمد (18310، 18311)، وابن حبان (2933). وزادوا جميعًا:«قال الآخر: بلى» . قال الحافظ ابن حجر في فتاوى له مطبوعة مع الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع (ص 81): «إسناده صحيح» .

وأخرجه الترمذي (1064)، والإمام أحمد (18312) من طريق أبي سنان سعيد الشيباني، عن أبي إسحاق، قال: مات رجل صالح فأُخرج بجِنازته، فلما رجعنا تلقانا خالد بن عرفطة وسليمان بن صُرَد. وكلاهما قد كانت له صحبة. فذكره. وقال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب في هذا الباب، وقد روي من غير هذا الوجه» . (قالمي).

ص: 237

يسار

(1)

يقول: كنت جالسًا مع سليمان بن صُرَد وخالد بن عُرْفُطة، فذكروا أنَّ رجلًا مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شَهِدا جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يقتله بطنه لم يعذَّب في قبره» ؟

وقال أبو داود الطيالسي في «مسنده»

(2)

: ثنا شعبة، حدَّثني أحمد بن جامع بن شدَّاد قال: حدَّثني

(3)

أبي، فذكره، وزاد: فقال الآخر: بلى

(4)

.

وفي «الترمذي»

(5)

من حديث ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو

(1)

(أ، ق، غ): «يشكر» ، تحريف.

(2)

برقم (1384).

(3)

«حدثني أحمد بن جامع .... أبي» كذا في جميع النسخ. ولا أدري ما هذا! فإن إسناد الطيالسي كإسناد النسائي: «حدثنا شعبة قال: أخبرني جامع بن شداد، عن عبد الله بن يسار» . ولا يعرف ابن لجامع يسمى أحمد ويروي عنه. والمصنف ينقل عن تذكرة القرطبي (422) والسند فيها على الصواب.

(4)

تابع المصنف في ذلك القرطبي. وهو غريب، فإن الزيادة المذكورة واردة في سنن النسائي: المجتبى والكبرى كلتيهما.

(5)

برقم (1074). وأخرجه الإمام أحمد (6582) من طريق هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، به. وإسناده منقطع كما قاله الترمذي.

ولكن جاء موصولًا من وجه آخر، كما ذكره المصنف فيما أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1514، 1569) من طريق بشر بن عمر، والطبراني في المعجم الكبير (14251) من طريق خالد بن نزار. كلاهما عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف الإسكندراني، عن عياض بن عقبة الفهري، عن عبد الله بن عمرو، به.

وعياض بن عقبة مجهول لا يعرف. لكن له طريق أخرى أخرجها الإمام أحمد (6646، 7050)، والطبراني في الكبير (14747)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (173) من طرق عن بقية بن الوليد، عن معاوية بن سعيد التجيي، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، به.

ومعاوية بن سعيد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات (9/ 166)، وبقية رجاله ثقات؛ أبو قبيل اسمه حُيي بن هانئ المصري وثقه الإمام أحمد وابن معين وأبو زرعة والفسوي وأحمد بن صالح المصري، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (تهذيب التهذيب 3/ 73)، وبقية بن الوليد صرَّح بالتحديث في جميع السند عند أحمد والبيهقي.

وله طريق أخرى عند البيهقي في إثبات عذاب القبر (174) من طريق ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن سيار بن عبد الرحمن الصدفي، أن عبد الله بن عمرو كان يقول:«من توفي يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي الفتّان» .

وفيه ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ غير أنّ رواية العبادلة عنه أعدل من غيرها وهذه منها، ولكن فيه انقطاع فإن سيار بن عبد الرحمن الصدفي المصري لم يدرك عبد الله بن عمرو وهو معدود عند الحافظ في الطبقة السادسة الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة؛ ولذا قال ابن حبان بعد أن ترجمه في ثقات التابعين (4/ 335):«يروي المراسيل» ثم أعاد ترجمته في ثقات أتباع التابعين (6/ 421).

وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه أبو يعلى (4113). قال الهيثمي في المجمع (2/ 319):«وفيه يزيد الرقاشي وفيه كلام» .

وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه وشاهده قابل للتحسين. والله أعلم. (قالمي).

ص: 238

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة

ص: 239

إلا وقاه الله فتنةَ القبر». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب

(1)

. وليس إسناده بمتصل، ربيعةُ بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي

(2)

عن عبد الله بن عمرو، ولا يُعرف لربيعة بن سيف سماع من عبد الله بن عمرو. انتهى.

[52 ب] وقد روى الترمذي الحكيم

(3)

من حديث ربيعة بن سيف

(4)

هذا عن عِياض بن عُقبة الفِهْري عن عبد الله بن عمرو.

وقد رواه أبو نعيم الحافظ

(5)

عن محمد بن المنكدر

(6)

، عن جابر مرفوعًا، ولفظه:«من مات ليلةَ الجمعة أو يوم الجمعة أُجيرَ من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابَعُ الشهداء» . تفرَّد به عمر بن موسى الوَجِيهي

(7)

،

(1)

في النسخ المطبوعة وتحفة الأشراف: «حديث غريب» من غير تحسين، فلعله هو الصواب لحكمه عليه بالانقطاع. (قالمي).

(2)

(ق): «الحيلي» ، تصحيف.

(3)

في نوادر الأصول برقم (1514، 1569). وفي (ب، ط): «روى الحاكم» ، سقط وتحريف. وانظر: تذكرة القرطبي (422).

(4)

«بن سيف» ساقط من (ب).

(5)

في حلية الأولياء (3/ 155)، وقال:«غريب من حديث جابر ومحمد (يعني ابن المنكدر) تفرد به عمر بن موسى وهو مدني فيه لين» . هو عمر بن موسى بن وجيه الوجيهي والمشهور أنه حمصي، ويقال: كوفي، وهو هالك، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال: أبو حاتم: ذاهب الحديث كان يضع الحديث، وقال ابن عدي: هو في عداد من يضع الحديث متنًا وإسنادًا. انظر: لسان الميزان (4/ 332 ــ 334). (قالمي).

(6)

في (ب، ط): «من حديث محمد بن المنذر» ، تصرف وتحريف.

(7)

(ب): «الوجهين» ، تحريف.

ص: 240

وهو مدني ضعيف

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة» معناه

(2)

ــ والله أعلم ــ أنَّه: قد

(3)

امتُحِن نفاقُه من إيمانه ببارقة السيف على رأسه، فلم يفِرَّ. فلو كان منافقًا لما صبر لبارقة السيف على رأسه

(4)

، فدلَّ على أنَّ إيمانه هو الذي حمله على بذل نفسه لله وتسليمها له، وهاجَ من قلبه حميةَ

(5)

الغضبِ لله ورسوله وإظهارِ دينه وإعزاز كلمته. فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره، حيث

(6)

برز للقتل، فاستغنى بذلك عن الامتحان في قبره.

قال أبو عبد الله القُرطبيُّ

(7)

: إذا كان الشهيد لا يُفتَن، فالصِّدِّيق أجلُّ خطرًا وأعظم أجرًا

(8)

أن لا يُفتَن؛ لأنه مقدَّمٌ ذكرُه في التنزيل على الشهداء.

(1)

وانظر: تذكرة القرطبي (423). وقال المصنف في تهذيب السنن (1/ 368): «متروك، منسوب إلى الوضع» .

(2)

أصل هذا التفسير للحكيم الترمذي في نوادر الأصول (2/ 1218). نقله المصنف من تذكرة القرطبي (424) مع التصرف في صياغته.

(3)

(ق): «أعلم وقد» .

(4)

«فلم يفر

رأسه» ساقط من (ب).

(5)

هنا انتهى السقط في (ج).

(6)

(ن): «حين» .

(7)

في التذكرة (424). ولكنه ليس من كلام القرطبي، وإنما هو تتمة كلام الحكيم الترمذي السابق في شرح الحديث. وقد ختمه القرطبي بعزوه إليه:«قاله الترمذي الحكيم» ، ثم قال: «قلت: وإذا كان الشهيد

» فاقتطع هذه التتمة من كلام الحكيم، وفصل بينها وبينه بالعزو!

(8)

كذا في جميع النسخ. وفي التذكرة بعده: «فهو أحرى أن لا يفتن» . وفي نوادر الأصول: «أجلّ خطرًا، فهو أحرى

». وأخشى أن يكون في نسخة منه: «أحرا» بالألف فقرأه ناسخ بالجيم فزاد قبله: «أعظم» .

ص: 241

وقد صحَّ في المُرابط الذي هو دون الشهيد أنه لا يُفتن

(1)

، فكيف بمن هو أعلى رتبةً منه ومن الشهيد؟

والأحاديث الصحيحة تردُّ هذا القول، وتُبيِّن أنَّ الصدِّيق يُسأل في قبره كما يُسأل غيرُه. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأس الصدِّيقِين، وقد قال للنبي

(2)

صلى الله عليه وسلم لما أخبره عن سؤال الملك

(3)

في القبر، فقال: وأنا على مثل حالتي هذه؟ فقال: «نعم» وذكر الحديث

(4)

.

(1)

(ق): «لا يفتتن» .

(2)

ما عدا (أ، ق، غ): «النبي» ، تصحيف.

(3)

(ب، ن): «الملكين» .

(4)

أخرجه أبو بكر بن أبي داود في البعث والنشور (7) عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا مفضل بن صالح أبو جميلة، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي شهر، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كنت في أربعة أذرع في ذراعين، ورأيت منكرًا ونكيرًا؟

» الحديث.

ومن هذا الوجه أخرجه الذهبي في الميزان (4/ 167 ــ 168) وقال: «أبو شهم ــ ويقال: أبو شمر ــ فيه جهالة» ، وقال في ترجمة أبي شهر (4/ 537): عن عمر، وعنه ابن أبي خالد بخبر منكر في منكر ونكير. لا يعرف، وقيل: مصحّف أبو شهم، وقيل: أبو شمر، وقيل: أبو سهيل» اهـ.

وأخرجه البيهقي في إثبات عذاب القبر (118) والاعتقاد (ص 127) من طريق علي بن المديني، ثنا مفضل بن صالح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، كيف أنت إذا كنت في أربع من الأرض في ذراعين فرأيت منكرًا ونكيرًا

» الحديث.

قال البيهقي في الاعتقاد: «غريب بهذا الإسناد، تفرّد به مفضّل هذا، وقد رويناه من وجه آخر عن ابن عباس، ومن وجه آخر صحيح عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا

».

ومفضل بن صالح هذا، قال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. تهذيب التهذيب (10/ 272).

وأما رواية عطاء المرسلة فأخرجها الحارث بن أبي أسامة (281 ــ بغية الباحث) والبيهقي في إثبات عذاب القبر (116) من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب (الحديث).

قال البوصيري في إتحاف الخيرة (2/ 492): «مرسل ورجاله ثقات» . (قالمي).

ص: 242

وقد اختلف الناس

(1)

في الأنبياء: هل يسألون في قبورهم؟ على قولين، وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره

(2)

. ولا يلزم من هذه الخاصِّية

(3)

التي اختصَّ بها الشهيد أن يشاركه الصدِّيق في حُكمها، وإن كان أعلى منه، فخواصُّ الشهداء قد تنتفي عمَّن هو أفضلُ منهم، وإن كان أعلى منهم درجة.

وأما حديث «ابن ماجه» : «من مات مريضًا مات شهيدًا، ووُقِيَ فتنةَ القبر» فمن أفراد ابن ماجه، وفي أفراده غرائبُ ومنكراتٌ. ومثل هذا الحديث مما يُتوقف فيه

(4)

ولا يشهد به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن صحَّ فهو مقيَّد بالحديث

(5)

الآخر، وهو الذي يقتله بطنه. فإنَّه

(6)

صحَّ عنه أنه قال:

(1)

«الناس» ساقط من (ق).

(2)

انظر: جامع المسائل (3/ 238).

(3)

(ن): «الخاصة» .

(4)

«فيه» ساقط من (ب، ط، ج).

(5)

(ق): «للحديث» .

(6)

(ب، ق): «فإن» ، خطأ.

ص: 243

«المبطون شهيد»

(1)

، فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيَّد. والله أعلم.

وقد جاء فيما يُنجي من عذاب القبر حديث فيه الشفاء، رواه أبو موسى

(2)

المديني، وبنى عليه كتابه

(3)

في «الترغيب والترهيب» ، وجعله شرحًا له

(4)

. رواه

(5)

من حديث الفَرَج

(6)

بن فَضَالة، حدَّثنا هلالٌ أبو جَبَلة، عن سعيد بن المسيِّب، عن عبد الرحمن بن سَمُرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في صُفَّة بالمدينة، فقام علينا، فقال:

«إني رأيتُ البارحةَ عجبًا، رأيتُ رجلًا من أمتي أتاه ملكُ الموت ليقبضَ روحَه، فجاءه

(7)

برُّه بوالديه، فردَّ ملكَ الموت عنه.

ورأيتُ رجلًا من أمتي قد بُسط عليه عذابُ القبر، فجاءه

(8)

وضوؤه، فاستنقذه من ذلك

(9)

.

ورأيت رجلًا من أمتي قد احتوشَتْه الشياطين، فجاءه

(10)

ذكرُ الله،

(1)

أخرجه البخاري (5733) ومسلم (1914) من حديث أبي هريرة.

(2)

(ب، ج): «أبو علي» ، خطأ.

(3)

(ق): «وبيّن علَّته في كتابه» ، تصحيف طريف.

(4)

أورده المصنف أيضًا في الوابل الصيب (199 ــ 205) وقال نحو هذا، وسيأتي كلام المصنف على رواته.

(5)

«رواه» ساقط من (ط).

(6)

(أ، ق، غ): «أبي الفرج» ، وهو خطأ، وسيأتي فيها مرة أخرى على الصواب.

(7)

ما عدا (أ، ن، غ): «فجاء» .

(8)

(ب، ط): «فجاء» .

(9)

«ورأيت

ذلك» ساقط من (ق).

(10)

(ب، ط): «فجاء» .

ص: 244

فطرد

(1)

الشياطين عنه.

ورأيتُ رجلًا من أمتي قد احتوشَتْه ملائكةُ العذاب، فجاءته صلاتُه

(2)

، فاستنقذَتُه من أيديهم

(3)

.

ورأيت رجلًا من أمتي يلهثُ عطَشًا، كلَّما دنا من حوضٍ مُنِعَ وطُرِد، فجاءه صيامُ شهر رمضان

(4)

، فأسقاه وأَرواه

(5)

.

ورأيتُ رجلًا من أمتي ورأَيتُ النبيين جلوسًا حَلَقًا حَلَقًا

(6)

، كلَّما دنا إلى حَلْقةٍ طُرِد، فجاءه غُسلُه من الجنابة، فأخذ بيده، فأقعدَه

(7)

إلى جنبي.

ورأيتُ رجلًا

(8)

من أمتي من بين يديه ظُلمةٌ، ومن خَلْفه ظُلمة

(9)

، وعن يمينه ظُلْمةٌ، وعن يساره ظُلمةٌ، ومن فوقه ظُلمةٌ، وهو مُتحيِّر فيه. فجاءه حَجُّه وعُمرته، فاستخرجاه من الظُّلمة، وأدْخلاه في النور.

ورأيت رجلًا من أمتي يتَّقي بوجهه وَهَجَ النار وشَررَها. فجاءته صدقتُه، فصارتْ سُتْرةً بينه وبين النار، وظلًّا

(10)

على رأسه.

(1)

(ق): «فطيّر» .

(2)

(أ، ب): «صلواته» .

(3)

هذه الفقرة ساقطة من (ن).

(4)

(ط): «صيام رمضان» .

(5)

«وأرواه» ساقط من (ب).

(6)

ساقط من (ن).

(7)

(ط): «وأقعده» .

(8)

ساقط من (ب).

(9)

«ومن خلفه ظلمة» ساقط من (ط).

(10)

(ق، ج، غ): «ظلل» . وفي الأصل غيَّر بعضهم «ظلا» إلى «ظلل» . وفي (ب): «ظلل» . وفي الوابل الصيب: «وظللت» .

ص: 245

ورأيت رجلًا من أمتي يُكلِّم المؤمنين، ولا يُكلّمونه، فجاءته صلتُه لرحمه، فقالت: يا معشر المسلمين إنَّه كان وَصُولًا لرحِمه، فَكلِّموه. فكلَّمه المؤمنون، وصافحوه، وصافَحهم.

ورأيت رجلًا من أمتي قد احتوشَتْه الزَّبانية. فجاء أمره بالمعروف ونَهيْه عن المنكر، فاستنقَذَه من أيديهم، وأَدخله في ملائكة الرحمة.

ورأيتُ رجلًا من أمتي جاثيًا على رُكبتَيْه، وبينه وبين الله حِجابٌ فجاءه حسنُ خُلُقه، فأخذ بيده، فأدخله

(1)

على الله عز وجل.

ورأيتُ رجلًا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قِبَل شماله، فجاءه

(2)

خوفُه من الله عز وجل، فأخذ صحيفتَه، فوضعها في يمينه.

ورأيت رجلًا من أمتي خَفَّ ميزانُه، فجاءه أفراطُه

(3)

فثقَّلوا ميزانَه.

ورأيتُ رجلًا من أمتي قائمًا على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل، فاستنقذه من ذلك، ومضى.

ورأيتُ رجلًا من أمتي قد هوى في النار. فجاءته

(4)

دمعتُه التي بكى من خشية الله عز وجل، فاستنقذتْه من ذلك.

ورأيتُ رجلًا من أمتي قائمًا على الصراط، يُرعَدُ كما ترعدُ السَّعَفةُ في

(1)

(ط): «وأدخله» .

(2)

(ط): «فجاء» .

(3)

يعني: أولاده الصغار.

(4)

(ب): «فجاءه» .

ص: 246

ريح عاصف. فجاءه حسنُ ظنِّه بالله عز وجل، فسكَّن رُوعَه

(1)

، ومضى.

ورأيتُ رجلًا من أمتي يزحَفُ

(2)

على الصراط، ويَجثو

(3)

أحيانًا، ويتعلّق أحيانًا. فجاءته صلاتُه عليَّ، فأقامته على قدميه، وأنقذتُه.

ورأيتُ رجلًا من أمتي انتهى إلى باب الجنة

(4)

، فَغُلِّقت الأبوابُ دونه. فجاءته «أشهد

(5)

أن لا إله إلا الله» ففَتحَتْ له الأبوابَ، وأدخلَتْه الجنة»

(6)

.

(1)

في حاشية الأصل إشارة إلى أن في نسخة: «رعدة» .

(2)

(ق، ج): «يرجف» ، تصحيف.

(3)

ما عدا (أ، ق، غ): «يحبو» .

(4)

ما عدا (أ، غ): «أبواب» .

(5)

ما عدا (أ، غ): «شهادة» .

(6)

ومن هذا الوجه أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1165)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 406 ــ 407). وسيأتي تعليق المصنف رحمه الله على هذه الرواية.

وأخرجه بحشل في تاريخ واسط (ص 169 ــ 170)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (49)، والطبراني في الأحاديث الطوال (39 ــ آخر المعجم الكبير)، وعبد الملك بن بشران في الأمالي (250)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (526)، وابن حبان في المجروحين (3/ 43 ــ 44)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1682، 2518)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1166) من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، به. بطوله إلا الخرائطي وابن حبان وابن الجوزي فببعضه.

وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1329) من طريق ابن أبي فديك، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن سعيد بن المسيب، به، بطوله.

وله طرق أخرى غير هذه لكن لا تخلو من صاحب مناكير أو مجهول لا يعرف، وقد تتبعها ودرسها وتكلم على رواتها محقق كتاب «الوابل الصيب» الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن قائد فجزاه الله خيرًا وخلص إلى ضعف الحديث، وسبقه إلى ذلك العلامة الألباني رحمه الله في «السلسلة الضعيفة» (1084)، وقبلهما الحافظ ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 211) فقال:«هذا حديث لا يصح» .

ومع ذلك فقد كان بعض أهل العلم يعظِّم شأنه، كما ذكر المصنّف ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وأورده في الوابل الصيب (ص 199)، فقال:«هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه» ، ثم نقل عن شيخ الإسلام بنحو ما نقله عنه ههنا، وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة (2/ 595):«هذا حديث عظيم؛ ذكر فيه أعمالًا خاصة تنجي من أهوال خاصة» . وقال المناوي في فيض القدير (3/ 34) معلقًا على كلام المصنف فيما نقله عن شيخ الإسلام أن أصول السنة تشهد له: «ورونق كلام النبوة يلوح عليه، وهو من أحسن الأحاديث الطوال، ليس من دأب المصنف إيرادها في هذا الكتاب (يعني السيوطي في الجامع الصغير) لكنه لكثرة فوائده وجموم فرائده وأخذه بالقلوب اقتحم مخالفة طريقته فأورده إعجابًا بحسنه وحرصًا على النفع به» . قلت: وعلى هذا المعنى يُنزَّل قول أبي موسى المديني رحمه الله: «هذا حديث حسن جدًا» لا أنه أراد به الحسن الاصطلاحي، فتنبه.

ولا ريب أنَّ كلَّ كلام ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حسن عظيم، ولكن ليس كلُّ كلام حسن جميل يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ابن الجوزي في مقدمة كتابه الموضوعات (1/ 41 ــ 42) عن قوم استجازوا وضع الأسانيد لكل كلام حسن، ونقله عنه الشيخ اللكنوي في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص 16) وعلَّق عليه بقوله:«زعمًا منهم أن الحسن كله أمر شرعي لا بأس بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم حسن صادق، وعكس الكلية لا يصدق؛ فلا يصح كون كلّ حسن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فنسبته إليه كذب» اهـ. (قالمي).

ص: 247

قال الحافظ أبو موسى: هذا حديثٌ حسنٌ جدًّا، رواه عن سعيد بن

ص: 248

المسيِّب عمر

(1)

بن ذرٍّ، وعليُّ بن زيد بن جُدعان.

ونحو هذا الحديث ممَّا قيل فيه: إن رؤيا الأنبياء وحي

(2)

، فهي على ظاهرها؛ لا

(3)

كنحو ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيتُ كأنَّ سَيفي انقطع، فأوَّلتُه كذا وكذا، ورأيتُ بقرًا تُنحَر»

(4)

، و «رأيتُ كأنَّا في دار عُقبةَ بن رافع»

(5)

.

وقد روى في رؤياه الطويلة من حديث سَمُرة في «الصحيح»

(6)

ومن حديث عليٍّ

(7)

، وأبي أُمامةَ

(8)

. ورواياتُ هؤلاء الثلاثة قريبٌ بعضها من بعض، مشتملة على ذكر عقوبات جماعةٍ من المعذَّبين في البرزخ. فأما في

(1)

(ق): «وعمر» . وفي (ن): «عمرو» ، وكلاهما خطأ.

(2)

روي عن عبيد بن عمير في صحيح البخاري (138) وعن ابن عباس في جامع الترمذي (3689).

(3)

«لا» ساقطة من (ب، ط).

(4)

من حديث أبي موسى. أخرجه البخاري (3622) ومسلم (2272).

(5)

أخرجه مسلم (2270) من حديث أنس.

(6)

تقدم في المسألة الملحقة بالسادسة.

(7)

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 123 ــ 124) مختصرًا، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 451) مطولًا، وفي سنده عمرو بن خالد الكوفي ثم الواسطيّ كذبه الإمام أحمد وابن معين وغيرهما. (قالمي).

(8)

أخرجه ابن خزيمة (1986)، وابن حبان (7491)، والحاكم (2/ 209 ــ 210)، والطبراني في الكبير (7667)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (111).

وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم» . وعزاه الهيثمي في المجمع (1/ 77) للطبراني في الكبير وقال: «ورجاله رجال الصحيح» .

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (3286) مختصرًا. (قالمي).

ص: 249

هذه الرواية، فذَكَر العقوبةَ، وأتبعها بما يُنجي صاحبها من العمل

(1)

.

وراوي

(2)

هذا الحديث عن ابن المسيِّب هلالٌ أبو جبَلة، مدنيٌّ، لا يُعرف بغير هذا الحديثِ

(3)

. ذكره ابنُ أبي حاتم

(4)

عن أبيه هكذا، وذكره الحاكمُ أبو أحمد والحاكمُ أبو عبد الله:«أبو جبل» بلا هاء، وحَكَياه عن مسلم

(5)

.

وراويه

(6)

عنه الفَرَج بن فَضالةَ. وهو وسطٌ في الرواية، ليس بالقويِّ [54 أ] ولا المتروك

(7)

. وراويه عنه بشرُ بن الوليد الفقيهُ المعروف بأبي الخطيب

(8)

. كان حسنَ المذهب جميلَ الطريقة.

(1)

(ب، ط): «الغل» ، تحريف. و «صاحبها» ساقط من (ب، ط، ن، ج).

(2)

(ن): «وروى» .

(3)

قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1166): مجهول.

(4)

في الجرح والتعديل (9/ 77).

(5)

انظر: الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (1236)، والكنى والأسماء لمسلم (611)، والمقتنى (1215) وفيها جميعًا «أبو جيل» بالياء المثناة، وهو تصحيف.

(6)

(ق): «ورواه» هنا وفيما يأتي.

(7)

قال عبد الرحمن بن مهدي: «حديث فرج بن فضالة عن أهل الحجاز أحاديث مقلوبة منكرة» . وهو هنا يروي عن مدني مجهول. وقال أبو عبد الله الحاكم: «ممن لا يحتج بحديثه» . انظر: تهذيب التهذيب (8/ 260).

(8)

في (ق، ب) بالسين مع علامة الإهمال. وهو القاضي بشر بن الوليد الكندي، من أخصّ أصحاب القاضي أبي يوسف. توفي سنة 238. وكنيته المذكورة في ترجمته: أبو الوليد. فلا أدري أتحرّف «الوليد» إلى «الخطيب» هنا أم هي كنية أخرى له. انظر: تاريخ بغداد (7/ 80 ــ 84).

ص: 250

وسمعتُ

(1)

شيخَ الإسلام يُعظِّم أمرَ هذا الحديث، وقال: أصول السنة تشهدُ له، وهو من أحسن الأحاديث

(2)

. والله التوفيق.

(1)

وقال في الوابل الصيب (205): «وكان شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ يعظم شأن هذا الحديث. وبلغني عنه أنه كان يقول: «شواهد الصحة عليه» .

(2)

قوله: «من أحسن الأحاديث» كقول أبي موسى: «حديث حسن جدًّا» ، ليس المقصود منه الحسن الاصطلاحي كما سبق في تخريج الحديث. وانظر تعقيب الألباني على قوله:«أصول السنة تشهد له» في الضعيفة (14/ 1239).

ص: 251

فصل

وأمّا المسألة الحادية عشرة

(1)

وهي أن السؤال في القبر هل هو عامٌّ في حقِّ المسلمين والمنافقين والكفار، أو يختصُّ بالمسلم والمنافق؟

فقال أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب «التمهيد»

(2)

: والآثارُ الدالَّة

(3)

على أنَّ الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمنٍ أو منافق ممَّن

(4)

كان منسوبًا إلى أهل القبلةِ ودين الإسلام بظاهر الشهادة. وأمّا الكافر الجاحد

(5)

المبطل، فليس ممّن يُسأل عن ربِّه ودينه ونبيِّه. وإنما يُسأل عن هذا أهل الإسلام، فيُثبِّتُ الله الذين آمنوا، ويرتابُ المبطلون

(6)

.

والقرآن والسنَّة تدلُّ على خلاف هذا القول

(7)

، وأنَّ السؤالَ للكافر

(1)

(ب، ط، ج): «عشر» بالتذكير. وفي (ن): «الثانية عشرة» ، ولم يرد فيها «فصل وأمَّا» .

(2)

(22/ 252). والنقل من كتاب التذكرة للقرطبي (413 ــ 414).

(3)

كذا في الأصل. وفي غيره: «الدالَّة تدلُّ» ، ومثله في التذكرة، وصوابه في التمهيد:«الآثار الثابتة تدلّ» .

(4)

ما عدا الأصل: «مَن» ، خطأ.

(5)

(ق، ن): «والجاحد» .

(6)

كذا في التذكرة. وفي التمهيد مكان «فيثبت

المبطلون» قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا .. } الآية.

(7)

«القول» ساقط من (ط). وذكر الحافظ ابن حجر أن مستند القائلين به ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين قال: «إنما يفتن رجلان: مؤمن ومنافق. وأما الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه» ثم قال: «وهذا موقوف، والأحاديث الناصة على أن الكافر يُسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة، فهي أولى بالقبول» . ثم نقل كلام ابن عبد البر وتعقيب ابن القيم عليه. فتح الباري (3/ 239). وقد ردَّ السيوطي في شرح الصدور (199) على ابن القيم.

ص: 252

والمسلم. قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]، وقد ثبت في الصحيح

(1)

أنها نزلت في عذاب القبر حين يُسأل: من ربُّك، وما دينُك.

وفي «الصحيحين»

(2)

: عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن العبدَ إذا وُضِع في قبره وتولَّى عنه أصحابُه إنه ليسمع قَرْعَ نعالهم» وذكر الحديث. زاد البخاري: «وأما المنافقُ والكافر فيقال له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنتُ أقول ما يقول الناسُ. فيقال: لا دَريتَ ولا تَليت. ويُضرب بمطرقةٍ من حديد، يصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين» .

هكذا في البخاري: «وأما المنافق والكافر» بالواو

(3)

.

وقد تقدَّم

(4)

في حديث أبي سعيدٍ الخدري الذي رواه ابن حبّان

(5)

(1)

(ن): صحيح مسلم. وقد سبق في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 154).

(2)

تقدَّم في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 157).

(3)

كذا في باب ما جاء في عذاب القبر (1374). ولكن في باب الميت يسمع خفق النعال (1338): «الكافر أو المنافق» بالشك. وانظر: فتح الباري (3/ 238).

(4)

كذا السياق في جميع النسخ. وحديث أبي سعيد لم يتقدم. فلعل قوله: «وقد تقدم» متعلق بالحديث السابق إذ تقدَّم في المسألة الملحقة بالسادسة، ثم لعله كان في الأصل: «وفي حديث أبي سعيد

» فسقطت الواو من النسخ.

(5)

كذا في جميع النسخ التي بين يديّ. وفي نشرة العموش وغيرها: ابن ماجه. ولم أجد عزوه إلى ابن ماجه ولا إلى ابن حبان. وقد عزاه السيوطي في شرح الصدور (184) إلى أحمد، والبزار، وابن أبي الدنيا، وابن أبي عاصم في السُّنة، وابن مردويه، والبيهقي. أما ابن حبَّان فقد أخرج حديث أبي هريرة، وقد تقدَّم في المسألة الملحقة بالسادسة.

ص: 253

والإمام أحمدُ

(1)

:

كنّا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناسُ إنَّ هذه الأمةَ تُبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دُفِنَ

(2)

وتولَّى عنه أصحابه جاءه ملك

(3)

وفي يده مِطراقٌ

(4)

، فأقعدَه فقال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنًا قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، [54 ب] وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله. فيقول له: صدقتَ، فيَفتح له بابًا إلى النار، فيقول له

(5)

: هذا منزلُكَ لو كفرتَ بربك.

(1)

في المسند (17/ 32). وأخرجه البزَّار (872 كشف الأستار) من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمرو، ثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.

قال البزَّار: لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد. وأورده الهيثمي في «المجمع» (3/ 48) وقال: «ورواه أحمد والبزَّار ورجاله رجال الصحيح» . قلت: بل عباد بن راشد إنما أخرج له البخاري حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره، كما في هدي الساري (ص 412)، ولذلك لما أورده ابن كثير في تفسيره (4/ 498) من طريق الإمام أحمد قال:«وهذا إسناد لا بأس به؛ فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقرونًا، ولكن ضعَّفه بعضهم» . (قالمي)

(2)

(ط): «فإن الإنسان إذا دفن» .

(3)

(ط): «الملك» .

(4)

(ط): «مطرق» .

(5)

«له» ساقط من (ب، ط، ق).

ص: 254

وأما الكافر والمنافق، فيقول له

(1)

: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريتَ ولا اهتديتَ! ثم يَفتح له بابًا إلى الجنة، فيقول له

(2)

: هذا منزلك

(3)

لو آمنتَ بربك. فأمَّا إذ كفرتَ، فإنّ الله أبدلك به هذا. ثم يَفتح له بابًا

(4)

إلى النار. ثم يقمعه الملكُ بالمطراق

(5)

قمعةً يسمعه خلقُ الله إلا الثقلين».

فقال بعضُ الصحابة: يا رسول الله، ما أحدٌ يقوم على رأسه ملَكٌ إلا هِيلَ

(6)

عند ذلك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]» .

وفي حديث البراء بن عازب الطويل

(7)

: «وأما الكافر إذا كان في قُبل من الآخرة وانقطاعٍ من الدنيا نزل عليه ملائكة من السماء معهم مُسوح» . وذكر الحديث إلى أن قال: «ثم تعاد روحُه في جسده في قبره» ، وذكر الحديث.

(1)

ساقط من (ط).

(2)

ساقط من (ن).

(3)

(ب، ن، ج): «مقعدك» .

(4)

(ب، ط، ج): «باب» .

(5)

(ب، ط، ج): «بالمطارق» .

(6)

أي فزع من الهول. وفي (ق، ب، ط، ج) بالباء الموحدة، وضبط في (ط):«هَبُل» . وهو تصحيف.

(7)

سبق تخريجه في المسألة السادسة (ص 131).

ص: 255

وفي لفظ: «فإذا كان فاجرًا

(1)

جاءه ملك الموت فجلس عند رأسه». فذكر الحديث إلى قوله: «ما هذه الرُّوح الخبيثة؟ فيقولون: فلان، بأسوأ أسمائه. فإذا انتُهي به

(2)

إلى السماء الدنيا أُغلقتْ دونه». قال: «فيُرمى به من السماء» . ثم قرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]. قال: «فتعاد إليه روحه في جسده، ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فيُجلِسانه، وينتهرانه، فيقولان: من ربُّك؟ فيقول: هاه لا أدري. فيقولان: لا دريتَ! فيقولان: ما هذا النبي

(3)

الذي بُعِث فيكم؟ فيقول: سمعتُ الناس يقولون ذلك، لا أدري. فيقولون له: لا دريتَ! وذلك قوله تعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]». وذكر الحديث.

واسمُ «الفاجر» في عُرف القرآن والسنّة يتناول الكافرَ قطعًا، كقوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14]، وقوله:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7].

وفي لفظ آخر في حديث البراء: «وإنَّ الكافرَ إذا كان في قُبُل من الآخرة وانقطاعٍ [55 أ] من الدنيا نزل إليه ملائكة شِداد

(4)

غِضاب، معهم ثيابٌ من

(1)

(أ، ق، غ): «كافرًا» . والمثبت من غيرها هو الشاهد. وهذا اللفظ في مسند الطيالسي (789).

(2)

ساقط من (ب، ط، ن، ج).

(3)

(ب، ط، ج): «هذا الذي» .

(4)

ساقط من (ط).

ص: 256

نار، وسرابيلُ من قَطِران، فيحتوشونه، فتُنزَع

(1)

روحُه كما يُنزَع السَّفُّود الكثيرُ

(2)

الشُّعَب من الصوف المبتلِّ. فإذا خرجت لعنه كلُّ ملكٍ بين السماء والأرض وكلُّ ملك في السماء». وذكر الحديث إلى أن قال: «إنه لَيسمعُ خفق نعالهم إذا ولَّوا مدبرين، فيقال: يا هذا، من ربُّك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري. فيقال: لا دريت!» وذكر الحديث. رواه حمَّاد بن سلمة، عن يونس بن خبَّاب

(3)

، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء

(4)

.

وفي حديث عيسى بن المسيّب، عن عدي بن ثابت، عن البراء: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وذكر الحديث إلى أن قال: «وإن الكافرَ إذا كان في دُبر من الدنيا، وقُبل

(5)

من الآخرة، وحضره الموتُ= نزلتْ عليه من السماء

(6)

ملائكة معهم كفن من نار وحَنوط من نار». فذكر الحديث إلى أن قال: «فَتُردُّ روحُه إلى مَضْجعه، فيأتيه منكرٌ ونكيرٌ يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصانِ

(7)

الأرض بأشعارهما، أصواتُهما كالرعد القاصف، وأبصارُهما كالبرق الخاطف، فيُجلِسانه، ثم يقولان: يا هذا، من

(1)

(ق): «فتنتزع» .

(2)

(ق): «الكبير» ، تصحيف.

(3)

(ط): «حِبّان» ، تصحيف.

(4)

أخرجه أحمد في المسند من طريق معمر عن يونس (30/ 577) ومن طريق حماد بن زيد عن يونس (3/ 579) مثله.

(5)

(ب، ط، ج): «إقبال» .

(6)

لم يرد في (أ، ق، غ).

(7)

(ب، ط): «يفصحان» ، تصحيف.

ص: 257

ربُّك؟ فيقول: لا أدري. فينادى من جانب القبر: لا دَريتَ! فيضرِبانه بمِرْزبة من حديدٍ لو اجتمع عليها

(1)

مَن بين الخافقين لم يُقِلَّ

(2)

ويضيَّق عليه قبرُه حتى تختلف أضلاعه». وذكر الحديث.

رواه الإمام أحمدُ في «مسنده»

(3)

عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، حدثنا عيسى بن المسيّب، فذكره.

وفي حديث محمد بن سلمة، عن خُصيفٍ، عن مجاهد، عن البراء قال: كنّا في جِنازة رجل من الأنصار، ومعنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فذكر الحديث إلى أن قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا وُضِعَ الكافرُ في قبره

(4)

أتاه منكر ونكير، فيُجلِسانه، فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان له: لا [55 ب] دَريتَ!». الحديث وقد تقدَّم

(5)

.

وبالجملة فعامَّةُ من روى حديثَ البراء

(6)

بن عازب قال فيه: «وأما الكافر» بالجزم. وبعضهم قال: «وأما الفاجر» . وبعضهم قال: «وأما المنافق

(1)

«عليها» ساقط من (ب، ط، ن).

(2)

ضُبط في (ط): «يُقَلّ. وفي (ن): «تُقَلَّ» .

(3)

لم أجده في المسند من هذا الطريق. وقد أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ــ مسند عمر (723)، وابن منده في كتاب الروح والنفس، ومنه قد أورده المصنف في المسألة السادسة.

(4)

«في قبره» لم يرد في (أ، ق، غ).

(5)

في المسألة السادسة.

(6)

(ب، ط): «فعامة ما روى البراء» .

ص: 258

أو المرتاب»

(1)

. وهذه اللفظة

(2)

من شكّ بعض الرواة هكذا في الحديث: لا أدري أيّ ذلك قال. وأما مَن ذكر الكافر والفاجرَ فلم يشكَّ، وروايةُ من لم يشكّ مع كثرتهم أولى من رواية من شكَّ مع انفراده؛ على أنه لا تناقضَ بين الروايتين، فإنّ المنافق يُسأل كما يُسأل الكافرُ والمؤمن، فَيُثبِّتُ الله الذين آمنوا بالإيمان

(3)

، ويُضِلُّ الله الظالمين، وهم الكفار والمنافقون.

وقد جمع أبو سعيد الخدري في الحديث الذي رواه أبو عامر العَقَدي

(4)

، حدثنا عبَّاد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة. فذكر

(5)

الحديث، وقال: «وإن كان كافرًا أو منافقًا يقول له

(6)

: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري»

(7)

وهذا صريحٌ في أنَّ السؤالَ للكافر والمنافق.

وقولُ أبي عمر رحمه الله: «وأما الكافر الجاحد المبطِل، فليس ممن يُسأل عن ربه ودينه» . فيقال له: ليس كذلك، بل هو من جملةِ المسؤولين، وأولى بالسؤال من غيره. وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه يَسأل الكفارَ

(8)

(1)

في حديث أسماء، أخرجه البخاري (86) ومسلم (905). وفي (أ، ق، غ): «والمرتاب» خطأ.

(2)

«اللفظة» ساقطة من الأصل.

(3)

ما عدا (أ، غ): «أهل الإيمان» .

(4)

زاد في (ط): «قال» .

(5)

(ط): «وذكر» .

(6)

«له» ساقط من (ط). وفي (ب، ج): «يقولوا» .

(7)

سبق تخريجه قريبًا.

(8)

(ق، ن): «الكافر» . وفي الأصل: «يسأل يوم القيامة» دون هذه الزيادة.

ص: 259

يومَ القيامة قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، وقال تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، وقال تعالى:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6]، فإذا سئلوا يومَ القيامة، فكيف لا يُسألون في قبورهم؟

(1)

فليس لما ذكَره أبو عمر رحمه الله وجه.

(1)

لخص الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 239) جواب ابن القيم، وأورد على الاستدلال بالآيات المذكورة هنا أن «للنافي أن يقول: إن هذا السؤال يكون يوم القيامة»، ولم يلتفت إلى آخر كلام ابن القيم: «فإذا سئلوا

» إلخ.

ص: 260

فصل

وأما المسألة الثانية عشرة

(1)

وهي

(2)

أنَّ سؤالَ منكرٍ ونكيرٍ هل هو مختصٌّ بهذه الأمة،

أو يكون لها ولغيرها؟

فهذا موضعٌ قد

(3)

تكلَّم فيه الناس. فقال أبو عبد الله الترمذي

(4)

: إنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصّةً؛ لأنّ الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة، فإذا أبوا كفَّت الرسل، واعتزلوهم، وعوجلوا بالعذاب. فلما بَعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرحمة أمانًا

(5)

للخلق كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] أمسك عنهم العذابَ، وأعطى السيفَ، حتى يدخل في دين الإسلام مَن دخل لمهابة

(6)

السيف، ثم يرسخ الإيمان في قلبه، فأُمهِلوا. فمِن هاهنا ظهر أمرُ النِّفاق، فكانوا يُسِرُّون الكفر، ويُعلِنون الإيمان، فكانوا بين المسلمين في سِتْر. فلما ماتوا قيَّض الله لهم فتَّانَي القبر ليستخرج سرّهم بالسؤال. و {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]،

(1)

ما عدا الأصل: «عشر» بالتذكير. وفي (ن): «الثالثة عشرة» ولم يرد فيها «فصل وأمَّا» .

(2)

«وهي» ساقط من (ب، ج). والواو ساقطة من (ط).

(3)

ساقطة من (ب، ط، ن، ج).

(4)

في نوادر الأصول ــ المسندة (1020). والمؤلف صادر عن تذكرة القرطبي (414).

(5)

(ق، ن): «إمامًا» ، تصحيف. وفي النوادر:«وأمانًا» .

(6)

كان في الأصل: «من مهابة» ، ثم ضرب على «من» ، ولم تظهر اللام في الصورة. وفي غيره والتذكرة والنوادر ما أثبتنا. ولو قيل:«مهابةَ السيف» لكان صوابًا أيضًا.

ص: 261

فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27].

وخالف

(1)

في ذلك آخرون، منهم عبدُ الحق الإشبيليُّ والقرطبيُّ

(2)

، وقالوا

(3)

: السؤال لهذه الأمة ولغيرها

(4)

.

وتوقَّف في ذلك آخرون، منهم أبو عمر بن عبد البر، فقال: وفي حديث زيد

(5)

بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها»

(6)

. ومنهم

(7)

من يرويه: «تُسأل»

(8)

. وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خُصَّت بذلك، فهذا

(9)

أمر لا يُقطَع عليه

(10)

.

وقد احتجَّ مَن خصَّه بهذه الأمة بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ هذه الأمة تُبتلى في

(1)

(ب، ط، ن، ج): «وخالفه» .

(2)

«منهم

القرطبي» ساقط من (ب، ج). و «القرطبي» فقط ساقط من (ط).

(3)

(أ، غ): «وقال» .

(4)

(ب، ط، ن، ج): «وغيرها» . وانظر قول عبد الحق في كتاب العاقبة (246). وقد صوَّبه القرطبي في التذكرة (415).

(5)

(ب، ط، ج): «يزيد» . وكان في الأصل أيضًا هكذا ثم أصلح. وقد سبق الحديث في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 150).

(6)

(ب، ط، ج): «قبورهم» .

(7)

الواو ساقطة (ب، ط، ن، ج).

(8)

تحرف في (ب، ج) إلى «قال» ، ثم زاد قبله في (ط) «يسأل». وفي (ن):«ولا يسأل» ، خطأ.

(9)

(ب، ط، ج، ن): «وهذا» .

(10)

التمهيد (22/ 253). وانظر تذكرة القرطبي (414).

ص: 262

قبورها»، وبقوله:«أوحي إليَّ أنَّكم تُفتَنون في قبوركم»

(1)

. وهذا ظاهر في الاختصاص بهذه الأمة. قالوا: ويَدلُّ عليه قول الملَكين له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعثَ فيكم؟ فيقول المؤمن: أشهد أنه عبد الله ورسوله

(2)

. فهذا خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقوله في الحديث الآخر: «إنّكم بي تُمتَحنون، وعنّي تُسألون»

(3)

.

وقال الآخرون: لا يدلُّ هذا على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم، فإنّ قوله: «إنّ

(4)

هذه الأمة» إما أن يراد به أمّة الناس، كما قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] وكلُّ جنس من أجناس الحيوان يُسمَّى أمّةً، وفي الحديث: «لولا أنّ الكلاب أمةٌ من الأمم لأمَرْتُ بقتلها

(5)

»

(6)

. وفيه أيضًا حديث النبي الذي

(1)

أخرجه البخاري (86) ومسلم (505) من حديث أسماء.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

قطعة من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد (25089)، والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (37، 38) من حديث عائشة رضي الله عنها، بلفظ:«وأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تُسألون» . وكذا رواه إسحاق بن راهويه (1170، مسند عائشة) بلفظ: «وأما فتنة القبر فإنهم يسألون عني» . وصحَّح إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (5184). (قالمي)

(4)

ساقطة من (ب، ط، ج).

(5)

(أ، غ): «بقتلهم» .

(6)

أخرجه أبو داود (2845)، والترمذي (1486)، والنسائي (4280)، وابن ماجه (3205)، وأحمد (6788)، وابن حبان (5657) من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه. وإسناده صحيح. والحسن صرَّح بالتحديث عند ابن حبان (5656) من وجه آخر. (قالمي)

ص: 263

قرصته نملةٌ، فأمَرَ بقرية النمل، فأُحرِقت، فأوحى الله إليه

(1)

: من أجل أن قرصتك

(2)

نملةٌ واحدةٌ [56 ب] أحرقْتَ أمّةً من الأمم تسبِّح

(3)

؟

وإن كان المراد به أمته صلى الله عليه وسلم الذين

(4)

بُعِث فيهم، لم يكن فيه ما ينفي سؤالَ غيرهم من الأمم؛ بل قد يكون ذكرُهم إخبارًا بأنهم مسؤولون

(5)

في قبورهم، وأنَّ ذلك لا يختصُّ بمن قَبْلَهم لفضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أوحي إلي أنّكم تُفتنون في قبوركم» ، وكذلك إخباره عن قول الملكين:«ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟» هو إخبارٌ لأمته بما تُمتَحن به في قبورها.

والظاهر ــ والله أعلم ــ أنّ كلَّ نبيٍّ

(6)

مع أمته كذلك، وأنَّهم معذَّبون

(7)

في قبورهم بعد السؤال لهم، وإقامةِ الحجّة عليهم، كما يعذَّبون في الآخرة بعد السؤال

(8)

وإقامة الحجَّة

(9)

، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

«إليه» ساقط من (ن).

(2)

«أن قرصتك» ساقط من (ب).

(3)

أخرجه البخاري (3019) من حديث أبي هريرة.

(4)

(ق، غ): «الذي» . وكذا كان في الأصل، فأصلح.

(5)

الأصل: «مساولون» . يعني: مساءلون.

(6)

في (ب، ط) زيادة: «أرسل» .

(7)

(ط): «يعذبون» .

(8)

في (ط، ن) زيادة: «لهم» .

(9)

في (ب، ط، ن) زيادة: «عليهم» . وقال الحافظ في الفتح (3/ 240): «ظاهر الأحاديث الأول، وبه جزم الحكيم الترمذي

وجنح ابن القيم إلى الثاني. وقال

» فنقل جوابه. وانظر تلخيص المسألة من كتابنا هذا في شرح الطحاوية (397).

ص: 264

فصل

وأما المسألة الثالثة عشرة

(1)

وهي أنَّ الأطفال هل يمتحنون

(2)

في قبورهم؟

اختلفَ الناس في ذلك على قولين، هما وجهان لأصحاب أحمد

(3)

.

وحجة من قال إنهم يُسألون: أنه تُشرَع

(4)

الصلاة عليهم، والدعاء لهم، وسؤالُ الله أن يَقِيَهم عذاب القبر وفتنة القبر؛ كما ذكر مالكٌ في موطَّئه

(5)

عن أبي هريرة أنه

(6)

صلَّى على جنازة صبيٍّ، فسُمِع من دعائه: «اللهم قِهِ عذاب

(1)

(ق، غ): «عشر» بالتذكير. وفي (ن): «الرابعة عشر» ولم يرد فيها «فصل وأمّا» .

(2)

(أ، غ): «تمتحن» .

(3)

انظر: مجموع الفتاوى (4/ 277، 280)، قال:«أحدهما أنه لا يمتحن ــ يعني الصغير ــ وأن المحنة إنما تكون على من كلف في الدنيا. قاله طائفة منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل. والثاني: أنه يمتحن، وهو قول أكثر أهل السُّنة. ونقله أبو الحسن بن عبدوس عن أصحاب الشافعي» .

(4)

(ق): «لم تشرع» ، وهو خطأ غريب.

(5)

في كتاب الجنائز برقم (610). ولفظه: «اللهم أعِذْه من عذاب القبر» . ولعل المؤلف اعتمد على كلام شيخه. انظر: جامع المسائل (4/ 222).

(6)

في الأصل بعده: «صلى الله عليه وسلم» . (ونحوه في مجموع الفتاوى 4/ 277، 280). وفوق السطر قبل «صلى» : مِن، وبعد «سلم»: إلى. يعني أنها زائدة. ثم جاء بعض القراء، فضرب على الكلمتين. ولعل مردّ هذه الزيادة وحذفها إلى ما ذكر شيخ الإسلام في جامع المسائل (3/ 238) أنه «ثبت عن أبي هريرة ــ وروي مرفوعًا ــ أنه صلَّى على طفل

». والمرفوع أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 374) والبيهقي في إثبات عذاب القبر (160). والصواب هو الموقوف.

ص: 265

القبر».

واحتجُّوا بما رواه علي بن معبد

(1)

عن عائشة أنَّه مُرَّ عليها بجنازة صبيٍّ صغير، فبكت، فقيل لها: ما يُبكيك يا أمَّ المؤمنين؟ فقالت: هذا

(2)

الصبي بكيتُ له شفقةً عليه من ضَمَّة القبر.

واحتجوا بما رواه هنَّاد بن السَّريّ

(3)

، ثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد، عن سعيد

(4)

بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: إن كان لَيُصلِّي على المنفُوسِ، ما إن عمل خطيئةً قطُّ، فيقول: اللهم أَجِرْه من عذاب القبر.

قالوا: والله سبحانه يُكمِل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم، ويُلهَمون

(5)

الجوابَ عما يُسألون عنه.

قالوا: وقد دلَّ على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يُمتحنون في الآخرة. وحكاه الأشعريُّ عن أهل السنّة والحديث

(6)

، فإذا امتُحِنوا في

(1)

في كتاب الطاعة والمعصية. وقد سبق.

(2)

ساقط من (ط).

(3)

في كتاب الزهد (351).

(4)

«عن سعيد» ساقط من (ط، ن).

(5)

(ق): «ويكتمون» ، تحريف.

(6)

يعني امتحانهم في الآخرة. ومثله في طريق الهجرتين (873) ومجموع الفتاوى (4/ 278): «وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره» . وانظر: الفتاوى (4/ 281، 303) وجامع المسائل (3/ 238).

ونصّ ما ذكره الأشعري في المقالات (296) من قول أصحاب الحديث وأهل السُّنة: «أن الأطفال أمرهم إلى الله؛ إن شاء عذّبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد» . وفي الإبانة (194) نقل حديثًا يدلّ على امتحان الأطفال في الآخرة.

ص: 266

الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور.

قال الآخرون: السؤال إنما يكون لمن عَقَل الرسولَ والمرسِل

(1)

[57 أ]، فيُسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا؟ فيقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فأما الطفلُ الذي لا تمييزَ له بوجه ما، فكيف يقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ ولو رُدَّ إليه عقله في القبر فإنه لا يُسأل عما لم يتمكَّن من

(2)

معرفته والعلم به، فلا فائدة في هذا السؤال

(3)

.

وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة، فإنَّ الله سبحانه يُرسل إليهم رسولاً، ويأمرُهم بطاعة أمره، وعقولُهم معهم. فمن أطاعه منهم نجا، ومن عصاه أدخله النار. فذلك امتحانٌ بأمر

(4)

يأمرهم به يفعلونه ذلك الوقت، لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعةٍ أو عصيانٍ كسؤال الملكين في القبر.

وأما حديث أبي هريرة فليس المرادُ بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعلِ معصية قطعًا، فإنّ الله لا يعذِّب أحدًا بلا ذنبٍ عَمِله، بل عذاب القبر قد يراد به الألمُ الذي يحصلُ للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبةً على عملٍ عَمِله

(5)

. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الميِّت لَيُعَذَّبُ ببكاء أهله

(1)

«والمرسل» ساقط من (ب).

(2)

ساقط من (ب، ط، ج).

(3)

(ق): «ولا فائدة

». (أ، غ): «ولا فائدة بهذا السؤال» .

(4)

«بأمر» ساقط من (ب، ن، ج).

(5)

(ب، ط، ج): «على عمله» .

ص: 267

عليه»

(1)

. أي: يتألَّم بذلك

(2)

ويتوجَّع منه، لا أنه يعاقَبُ بذنب الحيِّ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «السفر قطعة من العذاب»

(3)

. فالعذابُ أعمُّ من العقوبة. ولا ريبَ أنَّ في القبر من الآلام والهموم

(4)

والحسرات ما قد يَسْري أثرُه إلى الطفل فيتألمُ به، فيشرعُ للمصلِّي عليه أن يسأل الله تعالى له أن يَقِيَه ذلك العذاب

(5)

. والله أعلم

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري (1286) ومسلم (927) من حديث ابن عمر.

(2)

(ب، ط، ج): «من ذلك» .

(3)

أخرجه البخاري (1804) ومسلم (1927) من حديث أبي هريرة.

(4)

في (ب، ط، ن، ج) زيادة: «والغموم» .

(5)

(ب، ط، ج): «يقيه عذاب القبر» .

(6)

لم يرد «والله أعلم» في (ن).

ص: 268

فصل

وأما المسألة الرابعة عشرة

(1)

وهي قوله: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟

(2)

فجوابها أنه نوعان:

نوع دائم، سوى ما وردَ في بعض الحديث

(3)

أنه يخفَّف عنهم ما بين النفختين، فإذا قاموا من قبورهم قالوا:{يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}

(4)

[يس: 52].

ويدلُّ على دوامه قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46].

ويدلُّ عليه ما تقدَّم

(5)

في حديث سَمُرة الذي رواه البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «فهو يُفعَل به ذلك إلى يوم القيامة» . وفي [57 ب] حديث ابن عبّاس في قصة الجريدتين: «لعله يخفَّف عنهما ما لم يَيْبَسا» . فجعل التخفيف مقيَّدًا بمدّة رطوبتهما فقط.

(1)

(أ، ق، غ): «عشر» . وفي (ن): «الخامسة عشرة» ولم يرد فيها «فصل وأمَّا» .

(2)

(ب، ط، ن، ج): «ينقطع» .

(3)

لم أجد فيه حديثًا مرفوعًا. ولعله يشير إلى ما روي عن أُبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين، فيرقدون. تفسير البغوي (3/ 644). وانظر: تفسير الطبري (19/ 456) وتذكرة القرطبي (478) وتفسيره (17/ 464 ــ 465).

(4)

فيما عدا (أ، ن، غ): «

مرقدنا هذا».

(5)

في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 169)، وكذا الحديثان الآتيان (ص 150، 172).

ص: 269

وفي حديث الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة:«ثم أتى على قوم ترضَخ رؤوسهم بالصخر، كلما رُضخت عادت، لا يفتَّر عنهم من ذلك شيء» وقد تقدَّم.

و

(1)

في الصحيح

(2)

في قصة الذي لبس بُردين، وجعل يمشي يتبختر:«فخَسَف الله به الأرض، فهو يتجَلجَل فيها إلى يوم القيامة» .

وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر: «ثمّ يُفتَح له بابٌ

(3)

إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة». رواه الإمام أحمد

(4)

. وفي بعض طرقه: «ثمّ يخرِقُ له خرقًا إلى النار، فيأتِيه من غَمِّها ودخانها إلى يوم القيامة»

(5)

.

النوع الثاني: إلى

(6)

مدّةٍ، ثم ينقطع. وهو عذابُ بعض العصاة الذين خفَّت جرائمهم، فيعذَّب بحسَب جُرْمه

(7)

، ثم يخفَّفُ عنه؛ كما يعذَّب في النار مدّةً، ثم يزول عنه العذاب.

وقد ينقطع عنه العذاب بدعاءٍ أو صدقة أو استغفار، أو ثواب حج، أو قراءةٍ تصل إليه من بعض أقاربه أو غيرهم. وهذا كما يشفع الشافع في

(1)

الواو ساقطة من (أ، ب، غ).

(2)

أخرجه البخاري (5789) ومسلم (2088) من حديث أبي هريرة.

(3)

(ق): «بابًا» .

(4)

سبق تخريجه في المسألة السادسة (ص 131).

(5)

نحوه في فتاوى ابن حجر في آخر كتابه الإمتاع (75). ولعله صادر عن كتاب الروح.

(6)

(ب): «أنه» ، تحريف.

(7)

(ط): «جريمته» .

ص: 270

المعذَّب في الدنيا

(1)

، فيخلصُ من العذاب بشفاعته

(2)

؛ لكن هذه شفاعة قد تكون بدون

(3)

إذن المشفوع عنده. والله تعالى لا يتقدَّم أحدٌ بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع إذا أراد أن يرحمَ المشفوعَ له

(4)

.

ولا يُغترَّ

(5)

بغير هذا، فإنه شركٌ وباطل يتعالى الله عنه:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}

(6)

[يونس: 3]، {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 44].

وقد ذكر ابنُ أبي الدنيا

(7)

: حدَّثني محمد بن موسى الصائغ، حدثنا عبد الله بن نافع، قال: مات رجل من أهل المدينة، فرآه رجل كأنه من أهل النار، فاغتمَّ لذلك. ثم إنه بعد سابعة أو ثامنة رآه كأنه من أهل الجنة، فقال

(8)

:

(1)

«في الدنيا» ساقط من (ط).

(2)

(أ، غ): «بشفاعة» . و «الشافع

بشفاعته» ساقط من (ب). وكذا «في المعذب

بشفاعته» ساقط من (ج).

(3)

(ق): «بذلك» ، تحريف.

(4)

(ب، ط، ج): «الميت المشفوع له» .

(5)

(ب، ط، ج): «فلا يغتر» . (ن): «فلا تغتر» .

(6)

ما عدا (أ، غ): «فما

»، وهو خطأ. ولم ترد هذه الآية في (ن).

(7)

في كتاب القبور (139).

(8)

(ب، ط، ج): «قال» .

ص: 271

ألم تكن قلت إنّك من أهل النار؟ قال: قد كان ذلك إلا أنه دُفن معنا رجل من الصالحين [58 أ]، فشفَع في أربعين من جيرانه، فكنت أنا

(1)

منهم.

قال ابنُ أبي الدنيا

(2)

: وحدَّثنا أحمد بن يحيى

(3)

قال: حدثني بعضُ أصحابنا

(4)

قال: مات أخي

(5)

، فرأيته في النوم، فقلت: ما كان حالُك حين وُضِعْت في قبرك؟ قال: أتاني آتٍ بشهابٍ من نار، فلولا أنّ داعيًا دعا لي لرأيت أنه سيضربني به

(6)

.

وقال عمرو

(7)

بن جرير: إذا دعا العبد لأخيه الميت أتاه بها ملَكٌ إلى القبر، فقال: يا صاحب القبر الغريب

(8)

، هديةٌ من أخ عليك شفيق

(9)

.

وقال بشَّار بن غالب: رأيت رابعةَ في منامي، وكنتُ كثير الدعاء لها، فقالت لي: يا بشَّار بن غالب، هداياك تأتينا على أطباقٍ من نور مخمَّرةٍ بمناديل الحرير. قلت: وكيف ذاك؟ قالت: هكذا دعاءُ المؤمنين الأحياء إذا

(1)

ساقط من (ب، ط، ن، ج).

(2)

عزاه إليه ابن رجب في الأهوال (22) والسيوطي في شرح الصدور (366).

(3)

الأهوال وشرح الصدور: أحمد بن بجير.

(4)

(ن): «يحيى عن بعض أصحابه» .

(5)

(ط، ن، ج): «أخ لي» . وكذا في الأهوال وشرح الصدور.

(6)

هذا الخبر ساقط من (ب).

(7)

(ط): «عمر» .

(8)

في الأصل وضع بعض القراء علامة بعد «الغريب» وكتب في الحاشية: «لعله هذه» . يعني: هذه هدية. فظنه ناسخ لحقًا، وأقحم في (غ) في المتن.

(9)

أخرجه ابن أبي الدنيا كما في الأهوال (125) وشرح الصدور (396).

ص: 272

دَعَوا للموتى فاستُجيب لهم، جُعِل

(1)

ذلك الدعاء على أطباقِ النور، وخُمِّرَ بمناديل الحرير، ثم أُتِيَ

(2)

الذي دُعِيَ

(3)

له من الموتى، فقيل: هذه هدية فلان إليك

(4)

.

قال ابنُ أبي الدنيا: وحدَّثني أبو عبد الله بن بُجير

(5)

قال: حدثني بعض أصحابنا

(6)

قال: رأيتُ أخًا لي في النوم بعد موته، فقلت: أيصل إليكم دعاء الأحياء؟ قال: إي والله، يترفرف

(7)

مثلَ النور، ثم نَلبَسه

(8)

!

وسيأتي ــ إن شاء الله تعالى ــ تمامٌ لهذا

(9)

في جواب السؤال عن

(10)

انتفاع الأموات بما يُهديه إليهم الأحياء.

(1)

(ب، ط، ن، ج): «يجعل» .

(2)

زاد بعده في (ط): «به» .

(3)

(ب، ط، ن، ج): «دعا» .

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا كما في الأهوال (125) وشرح الصدور (397).

(5)

(أ، غ): «أبو عبد بن بحتر» . وفي (ق) أيضًا: «أبو عبد» وفي (ن): «عبد الله بن بجير» . والصواب المثبت من غيرها.

(6)

(ن): «

بجير عن بعض أصحابه».

(7)

(أ، ق): «يترفون» . وفي حاشية الأصل: «لعله يترفرف» .

(8)

كذا بالنون في (ق) والمصادر الأخرى. ولم يتضح أوله في الأصل. وفي غيرها: «يلبسه» . والخبر عزاه إلى ابن أبي الدنيا: ابن رجب في الأهوال (125) والسيوطي في شرح الصدور (396).

(9)

ما عدا (أ، ن، غ): «لهذه» .

(10)

«جواب السؤال عن» ساقط من (ن).

ص: 273

فصل

وأمّا المسألة الخامسة عشرة

(1)

وهي: أين

(2)

مستقرُّ الأرواح ما بين الموت إلى القيامة؟ هل هي في السماء أم

(3)

في الأرض؟ وهل هي في الجنة والنار

(4)

أم لا؟ وهل تُودَع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها، فتنعَّم وتعذَّب فيها، أم تكون مجرَّدة؟

فهذه مسألة عظيمة تكلَّم فيها الناس، واختلفوا فيها. وهي إنما تُتلقَّى من السمع فقط، واختُلِف في ذلك

(5)

.

فقال قائلون: أرواح المؤمنين عند الله في الجنة ــ شهداء كانوا أم غير شهداء ــ إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرةٌ ولا دَيْن، وتلقَّاهم

(6)

ربّهم بالعفو عنهم والرحمة لهم. وهذا مذهب أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو

(7)

.

(1)

(ق، غ): «عشر» بالتذكير. وفي (ن): «السادسة عشر» . ولم يرد فيها «فصل وأمَّا» .

(2)

ما عدا الأصل: «أن» .

(3)

(ن): «هل هو في السماء أو» .

(4)

(ق، ن): «أو النار» .

(5)

لخَّص هذه المسألة من كتاب الروح شارح الطحاوية (398 ــ 401) دون الإشارة إليه.

(6)

في (أ، ب، ط، ج): «يلقاهم» . والمثبت من (ق) والتمهيد لابن عبد البر (11/ 59).

(7)

في (أ، ق، غ): «عبد الله بن عمر» ، وكذا في التمهيد، ولعل الصواب:«عبد الله بن عمرو» كما أثبتنا من النسخ الأخرى. وسيأتي هكذا في الأصل أيضًا. وكذا نقله ابن رجب في الأهوال (105) عن ابن عبد البر. والعبارة «فقال قائلون

عمرو» منقولة من التمهيد، وسيأتي النص على ذلك.

ص: 274

وقالت طائفة: هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من رَوْحها [58 ب] ونعيمها ورزقها.

وقال طائفة: الأرواح على أفنية قبورها.

وقال مالك: بلغني أنَّ الروح مرسَلة تذهب حيث شاءت

(1)

.

وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: أرواح الكفار

(2)

في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة

(3)

.

وقال أبو عبد الله بن منده: وقال طائفة من الصحابة والتابعين: أرواح المؤمنين عند الله عز وجل، ولم يزيدوا على ذلك.

قال: وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنّ

(4)

أرواح المؤمنين بالجابية، وأرواح الكفار ببَرَهُوتَ: بئرٌ بحضرموت

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا عنه في كتاب ذكر الموت. كذا في مجموع الفتاوى (4/ 295) ولم أجده في المطبوع منه. وذكره ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 88).

(2)

(ب، ط، ج، ن): «إن أرواح» .

(3)

كذا حكاه القاضي أبو يعلى ومن اتبعه عن عبد الله بن أحمد عن أبيه. ولم ينقله عبد الله، وإنما نقله حنبل. قاله ابن رجب في الأهوال (103). وفي مسائل عبد الله (546): سألت أبي عن أرواح الموتى: أتكون في أفنية قبورها، أم في حواصل طير، أم تموت كما تموت الأجساد؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نسمة المؤمن طائر يعلق

» الحديث. ثم ذكر قول عبد الله بن عمرو: إن أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر

إلخ.

(4)

لم ترد «أن» في (ب، ط، ج، ن).

(5)

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت (544) عن عبد الله بن عمرو.

ص: 275

وقال صفوان بن عمرو: سألت عامر بن عبد الله أبا اليمان: هل لأنفس المؤمنين مجتمَع؟ فقال: إنَّ الأرض التي يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] قال: هي الأرض التي يجتمع إليها أرواح المؤمنين

(1)

حتى يكون البعث

(2)

، وقالوا: هي الأرض التي يُورِثها الله المؤمنين في الدنيا.

وقال كعب: أرواح المؤمنين في علِّيين في السماء السابعة، وأرواح الكفار في سجِّينٍ في الأرض السابعة تحت خَدّ إبليس

(3)

.

وقالت طائفة: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكفار ببئر بَرَهُوتَ

(4)

.

وقال سلمان الفارسي: أرواح المؤمنين

(5)

في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، وأرواح الكفار في سجِّين

(6)

. وفي لفظ عنه: نَسَمةُ المؤمن

(1)

زاد في (ط): «في الدنيا» .

(2)

قال السيوطي في شرح الصدور (330): «أخرجه ابن منده. وهذا غريب جدًّا. وتفسير الآية بذلك أغرب» . وأخرجه ابن جرير في تفسيره (16/ 437). وانظر: الأهوال (114). وسيأتي الكلام على الآية.

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (1223) والطبري في التفسير (24/ 194، 195) وسيأتي الأثر كاملاً عند مناقشة القائلين بأن أرواح المؤمنين عند الله تعالى ولم يزيدوا على ذلك.

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت (541، 542) عن علي بن أبي طالب.

(5)

(ط): «إن أرواح المؤمنين» . وقد سقط من (ب، ج): «أرواح

من الأرض».

(6)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (429) وابن أبي الدنيا في ذكر الموت (543).

ص: 276

تذهب في الأرض حيث شاءت

(1)

.

وقالت طائفة: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله.

وقالت طائفة أخرى منهم ابن حزم

(2)

: مستقرُّها حيث كانت قبل خلق أجسادها.

قال

(3)

: والذي نقول به

(4)

في مستقَرِّ الأرواح هو ما قاله الله عز وجل ونبيُّه صلى الله عليه وسلم، لا نتعداه. فهو البرهان الواضحُ، وهو أنَّ الله عز وجل قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ

(5)

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [الأعراف: 11]، فصحَّ أنَّ الله تعالى خلق الأرواح جملةً. وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم:«أنّ الأرواح جنودٌ مجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»

(6)

. وأخذ الله عهدها وشهادتها له

(7)

بالربوبية، وهي

(1)

صفة الصفوة (1/ 555).

(2)

(ن): «أبو محمد ابن حزم» .

(3)

في الفِصَل (2/ 321 ــ 322).

(4)

(ن): «نعوِّل عليه، ونقول به» .

(5)

كذا في جميع النسخ على قراءة أبي عمرو من السبعة. ولم يثبت ناسخ (ن) الآية كاملة.

(6)

أخرجه البخاري من حديث عائشة (3336)، ومسلم من حديث أبي هريرة (2638).

(7)

«له» ساقط من (ن). وفي (ط): «وأخذ شهادتها له» . وفي (ب، ج): «وأخذ الله شهادتها له» .

ص: 277

مخلوقة مصوَّرة عاقلة، قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم، وقبل أن يُدخلَها في الأجساد، والأجسادُ يومئذ تراب وماء. ثم أقرَّها

(1)

حيث شاء، وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت. ثم لا يزال يبعث منها الجملةَ بعد الجملة، فينفخها في الأجساد المتولِّدة من المنيِّ.

إلى أن قال: فصحَّ أنَّ الأرواح أجسام حاملة

(2)

لأعراضها من التعارف والتناكر، وأنَّها عارفة مميزة. فيبلوهم الله في الدنيا كما يشاء، ثم يتوفّاها، فترجعُ إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به عند سماء الدنيا. أرواحُ أهل السعادة عن يمين آدم، وأرواح أهل الشقاء عن يساره، وذلك عند منقطع العناصر. وتُعجَّل أرواحُ الأنبياء والشهداء إلى الجنة.

قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه. قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم.

قال ابن حزم: وهو قول جميع أهل الإسلام. قال: وهذا هو قول الله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 8 ــ 14]

(3)

، وقوله تعالى:{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88 ــ 89] إلى

آخرها.

(1)

(ب، ط): «أخرها» . (ج): «أخرجها» . وكلاهما تصحيف.

(2)

(ب، ط، ق، ج): «كاملة» ، تصحيف.

(3)

لم يثبت ناسخ (ن) إلا الآيتين (8، 9).

ص: 278

فلا تزال

(1)

الأرواح هنالك حتى يتمَّ عدد الأرواح

(2)

كلِّها بنفخها في الأجساد، ثم برجوعها

(3)

إلى البرزخ، فتقوم الساعة، ويعيد الله عز وجل الأرواح إلى الأجساد ثانيةً

(4)

، وهي الحياة الثانية، ويحاسب الخلق: فريق في الجنة، وفريق في السعير، مخلَّدين أبدًا. انتهى.

وقال أبو عمر بن عبد البرّ: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامَّة المؤمنين على أفنية قبورهم. [59 ب] ونحن نذكر كلامه وما احتجَّ به، ونبيِّن ما فيه.

وقال ابن المبارك، عن ابن جريج، فيما قرئ

(5)

عليه عن مجاهد: ليس هي في الجنة، ولكن يأكلون من ثمارها، ويجدون ريحها

(6)

.

وذكر معاويةُ بن صالح عن سعيد بن سويد أنه سأل ابن شهاب عن أرواح المؤمنين، فقال: بلغني أنَّ أرواح الشهداء كطير خضر معلَّقة بالعرش، تغدو وتروح إلى رياض الجنة، تأتي ربَّها في

(7)

كلِّ يوم، تسلِّمُ عليه

(8)

.

(1)

(ن): «ولا تزال» .

(2)

(ن): «عددها» .

(3)

(ن): «يرجعها» ولعله إصلاح من الناسخ؛ لأنه أثبت قبله: «ينفخها» .

(4)

(ن): «ثانيًا» .

(5)

كذا في الأصل والتمهيد. وفي (ب، ط، ق، ج): «قرأ» ، ومثله في تفسير ابن المنذر. وفي (ن):«قرأه» .

(6)

أخرجه من هذا الطريق ابن عبد البر في التمهيد (11/ 63) وابن المنذر في تفسيره (1179). وانظر تفسير مجاهد (21). وقوله: «هي» أي أرواح الشهداء. وانظر: الاستذكار (3/ 90).

(7)

ساقطة من (ن).

(8)

عزاه ابن رجب في الأهوال (93) إلى ابن منده. وفيه: «يحيى بن صالح عن سعيد» . وانظر: شرح الصدور (305).

ص: 279

وقال أبو عمر بن عبد البرّ

(1)

في شرح حديث ابن عمر: «إنّ أحدكم إذا مات عُرِض عليه مقعدُه بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة»

(2)

. قال

(3)

: وقد استدَلَّ به مَن ذهب إلى أنَّ الأرواح على أفنية القبور. وهو أصحُّ ما ذُهِب إليه في ذلك ــ والله أعلم ــ لأنَّ الأحاديث بذلك أحسنُ مجيئًا وأثبتُ نقلاً من غيرها

(4)

.

قال: والمعنى عندي أنَّها قد تكون على أفنية قبورها، لا على أنها تلزم

(5)

ولا تفارقُ أفنية القبور. بل هي

(6)

كما قال مالك

(7)

رحمه الله: إنه

(8)

بلغنا أنَّ الأرواح تسرح حيث شاءت.

قال: وعن مجاهد أنه قال: الأرواح على أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفنِ الميت، لا تفارق ذلك. والله أعلم

(9)

.

وقالت فرقة: مستقرُّها العدمُ المحض. وهذا قول من يقول: إنّ النفس

(1)

(ب، ط، ج): «وقال أبو عمرو» وهو خطأ.

(2)

أخرجه البخاري (1379) ومسلم (2866).

(3)

ساقط من (ن). وفي (ب، ط): «وقال» .

(4)

«لأن

غيرها» ساقط من (ق).

(5)

(ن): «لا تلزم» ، وهو خطأ. وفي الاستذكار:«لا تريم» ولعله تحرّف في (ن).

(6)

«بل هي» ساقط من (أ، ق، غ). ولا يستقيم المعنى بدونها.

(7)

(ق): «الإمام مالك» .

(8)

«إنه» ساقط من (أ، غ).

(9)

الاستذكار (3/ 88).

ص: 280

عرَض من أعراض البدن كحياته وإدراكه، فتُعدَم بموت البدن، كما تُعدَم سائرُ الأعراض المشروطة بحياته. وهذا قولٌ مخالفٌ لنصوص القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين، كما سنذكر ذلك إن شاء الله. والمقصود: أنَّ عند هذه الفرقة المبطِلة مستقَرّ الأرواح بعد الموت العدمُ المحض.

وقالت فرقة: مستقرُّها بعد الموت أبدان أُخَر تُناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها، فتصيرُ كلُّ روح إلى بدن حيوانٍ يشاكِلُ تلك الأرواحَ. فتصيرُ النفس السَّبُعيّةُ إلى أبدان السباع، والكَلبيةُ إلى أبدان الكلاب، والبهيميةُ إلى أبدان البهائم، والدنيَّة السُّفليَّة

(1)

إلى أبدان الحشرات. وهذا قول التناسُخيَّة منكري المعاد [60 أ] وهو قول خارج عن أقوال أهل الإسلام كلّهم.

فهذا ما تلخَّص لي من جميع

(2)

أقوال الناس في مصير أرواحهم بعد الموت، ولا تظفر

(3)

به مجموعًا في كتاب واحد غير هذا

(4)

البتَّة. ونحن نذكر مآخذ هذه الأقوال، وما لكل قول وما عليه، وما هو الصواب من ذلك الذي دلَّ عليه الكتاب والسنَّة، على طريقتنا التي مَنَّ الله بها، وهو مَرجوُّ الإعانة

(5)

والتوفيق.

(1)

(ق): «والسفلية» .

(2)

كذا في (أ، ن). وهي ساقطة من (غ). وفي غيرها: «جمع» .

(3)

(ب، ط، ن): «يظفر» وضبطت الياء في (ط) بالضم.

(4)

(ق): «واحد هكذا» .

(5)

(ب، ط، ج): «المرجو للاعانة» . وقد تحرّف «المرجو» في (ن) إلى «الموجد» .

ص: 281

فصل

فأمَّا

(1)

من قال: هي في الجنة، فاحتجَّ بقوله تعالى:{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88، 89].

قال: وهذا ذكره سبحانه عقيبَ ذكر

(2)

خروجها من البدن بالموت، وقسَّم الأرواح إلى

(3)

ثلاثة أقسام: مقرَّبين، وأخبر أنّهم

(4)

في جنّة نعيم

(5)

؛ وأصحاب يمين

(6)

، وحكم لها بالسلام

(7)

، وهو يتضمَّن سلامتها من العذاب. ومكذِّبةٍ ضالَّةٍ، وأخبر أنَّ لها نُزُلاً من حميم وتصليةَ جحيم.

قالوا: وهذا بعد مفارقتها للبدن قطعًا. وقد ذكر سبحانه حالها يوم القيامة في أول السورة. فذكر

(8)

حالها بعد الموت، وبعد البعث.

واحتجُّوا بقوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 ــ 30]. وقد قال غيرُ واحد من الصحابة والتابعين: إنَّ هذا يقال لها عند خروجها من الدنيا، يبشِّرها

(1)

(ط): «وأما» .

(2)

ساقط من (ق).

(3)

(ق): «على» .

(4)

كذا في الأصل و (غ). وفي غيرهما: «أنّها» .

(5)

ما عدا (أ، ن، غ): «النعيم» .

(6)

(ط): «اليمين» .

(7)

(ن): «السلامة» .

(8)

ما عدا (أ، ق، غ): «وذكر» ، تصحيف.

ص: 282

الملَك بذلك. ولا ينافي ذلك قولَ من قال: إن هذا يقال لها

(1)

في الآخرة، فإنه يقال لها عند الموت وعند البعث

(2)

.

وهذه من البشرى التي قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]

(3)

. وهذا التنزُّل

(4)

يكون عند الموت، ويكون في القبر، ويكون عند البعث، وأول بشارة الآخرة عند الموت.

وقد تقدَّم في حديث البراء بن عازب

(5)

أنَّ الملَك يقول لها عند قبضها: أبشري برَوْح ورَيحان. وهذا من ريحان الجنّة.

واحتجُّوا بما رواه مالك في الموطأ

(6)

، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أنّه

(7)

أخبره أنَّ أباه كعب بن مالك كان يحدِّث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نَسَمةُ المؤمن طائرٌ يعلُق في شجر الجنة حتى يَرجِعه الله إلى جسده

(8)

يوم يبعثه».

(1)

«عند خروجها

لها» ساقط من (ن).

(2)

انظر: مدارج السالكين (2/ 178 ــ 179).

(3)

اختصر ناسخ (ن) الآية.

(4)

(ط): «النزل» . (ن): «التنزيل» . وكلاهما تصحيف.

(5)

بل في حديث أبي هريرة. وقد سبق في المسألة السادسة (ص 139).

(6)

برقم (569). وانظر التمهيد (11/ 56).

(7)

«أنه» ساقط من (ن). و «بن مالك» ساقط من (ب، غ).

(8)

(أ، ق، غ): «إلى حياة» ، تحريف.

ص: 283

قال أبو عمر

(1)

: وفي رواية مالكٍ هذه بيانُ سماع الزهري لهذا الحديث من عبد الرحمن بن كعب بن مالك. وكذلك [60 ب] رواه يونس عن الزهري قال: سمعت عبد الرحمن بن كعب بن مالك

(2)

يحدِّث عن أبيه. وكذلك رواه الأوزاعيُّ عن الزهري: حدثني عبد الرحمن بن كعب.

وقد أَعَلَّ محمد بن يحيى الذُّهلي هذا الحديث بأنَّ شعيب بن أبي حمزة، ومحمد ابن أخي الزهري، وصالح بن كيسان= روَوْه عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جدِّه كعب، فيكون منقطعًا

(3)

. وقال صالح بن كيسان: عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن أنَّه بلغه أنَّ كعب بن مالك كان يحدِّث. قال الذهلي: وهذا المحفوظ عندنا، وهو الذي يُشبه حديث صالح وشعيب وابن أخي الزهري.

وخالفه في هذا غيرُه من الحفَّاظ، فحكموا لمالك والأوزاعي

(4)

.

قال أبو عمر

(5)

: فاتفق مالك، ويونس بن يزيد، والأوزاعي، والحارث بن فُضَيل على رواية هذا الحديث عن الزهري، عن

(1)

في كتاب التمهيد (11/ 56 ــ 57).

(2)

«وكذلك

مالك» ساقط من (ب، ج، ن).

(3)

على رأي من يرى عدم سماعه من جده، وهو قول الذهلي حيث قال في علل حديث الزهري:«ما أظنه سمع من جدِّه شيئًا» . وقال الدارقطني: «روايته عن جده مرسل» . انظر: تهذيب التهذيب (9/ 215). (قالمي)

(4)

(ب، ط، ن، ج): «للأوزاعي» . ولم ترد هذه الفقرة في التمهيد، فلعله من كلام المؤلف.

(5)

التمهيد (11/ 57).

ص: 284

عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه. وصححه الترمذي وغيره

(1)

.

قال أبو عمر

(2)

: ولا وجهَ عندي لما قاله

(3)

محمد بن يحيى من ذلك، ولا دليل عليه. واتفاقُ

(4)

مالك ويونس بن زيد والأوزاعيِّ ومحمد بن إسحاق أولى بالصواب، والنفسُ إلى قولهم وروايتهم أسكنُ، وهم من الحفظ والإتقان بحيث لا يقاس بهم مَن خالفهم في هذا الحديث

(5)

. انتهى

(6)

.

وقد قال محمد الذهلي: سمعت علي بن المديني يقول: وُلِدَ لكعبٍ

(7)

خمسة: عبد الله، وعبيد الله، ومعبد، وعبد الرحمن، ومحمد. قال الذهلي: فسمع الزهري من عبد الله

(8)

بن كعب، وكان قائد أبيه حين عمِيَ، وسمع

(1)

إنما صحَّحه الترمذي (1641) من رواية سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه. بلفظ:«إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمرة الجنة أو شجر الجنة» .

ولكن صحَّحه ابن حبان (4657) من رواية الليث عن الزهريّ، به، بمثل رواية مالك سندًا ومتنًا. (قالمي)

والجملة «وصححه الترمذي وغيره» لم ترد في التمهيد (الإصلاحي).

(2)

التمهيد (11/ 58).

(3)

(ب، ج): «والأوجه عندي ما قاله» ، تحريف عكس المعنى.

(4)

(ط): «ولا دليل على اتفاق» تحريف أفسد السياق.

(5)

انظر: الاستذكار (8/ 357)، وللمزيد يراجع كتاب الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ لأبي العباس الداني (2/ 182 ــ 187)(قالمي).

(6)

يعني كلام أبي عمر، لا النقل من كتابه، فإن الفقرة الآتية منقولة منه (11/ 56).

(7)

(ب، ط، ج): «ولدُ كعبٍ» .

(8)

(ب، ط، ن): «عبيد الله» . والصواب ما أثبتنا من غيرها والتمهيد. وانظر: تهذيب التهذيب (5/ 369).

ص: 285

من عبد الرحمن بن كعب، وسمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب

(1)

. وروى عن بَشير

(2)

بن عبد الرحمن بن كعب، ولا أراه سمع منه. انتهى.

فالحديث إن كان لعبد الرحمن

(3)

عن أبيه كعبٍ ــ كما قال مالك ومَن معه ــ فظاهرٌ. وإن كان لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن جدِّه ــ كما قال شعيب ومَن معه ــ فنهايته أن يكون مرسَلاً من هذه الطريق، وموصولاً من الأخرى. والذين وصلوه ليسوا بدون الذين أرسلوه قَدْرًا ولا عددًا

(4)

. فالحديث من صحاح الأحاديث، وإنما لم يخرِّجه صاحبا الصحيح لهذه العلّة، والله أعلم.

قال أبو عمر

(5)

: وأما قوله: «نسمة المؤمن» ، فالنسمة هاهنا: الروح.

(1)

هذه الجملة ساقطة من (ن).

(2)

ضبط في الأصل بضم الباء. وفي (ن): «بشر» . والصواب ما أثبتنا. انظر: الإكمال لابن ماكولا (1/ 284).

(3)

(ن): «لعبد الله» ، خطأ.

(4)

ويجوز أن يكون ذلك كله محفوظًا عن الزهري لاختلاف أصحابه الثقات الكبار عليه، فكان تارة يحدث به عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وتارة عن ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. ونظير ذلك روايته عنهما في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه في غزوة تبوك، وقد أخرج البخاري بعضه عنه عن عبد الرحمن بن كعب، وبعضه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب. قال الحافظ في الفتح (6/ 114):«وقد سمع الزهري منهما جميعًا» . (قالمي).

(5)

التمهيد (11/ 58).

ص: 286

يدلُّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: «حتى يَرْجِعَه الله إلى جسده يوم يبعثه» . وقيل: النسمة: الروح والنفس والبدن. وأصل هذه اللفظة، أعني النسمة: الإنسان بعينه، وإنما قيل للروح: نسمةٌ ــ والله أعلم ــ لأن

(1)

حياة الإنسان بروحه

(2)

، فإذا فارقته

(3)

عُدم أو صار كالمعدوم. والدليل على أنّ النسمة الإنسان قوله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق نسمةً مؤمنةً»

(4)

، وقولُ عليٍّ رضي الله عنه:«والذي فلَقَ الحبَّةَ وبرأ النسمة»

(5)

. وقال الشاعر

(6)

:

(1)

ما عدا (أ، غ): «أن» .

(2)

(ب، ط، ن، ج): «روحه» .

(3)

(ب، ن، ج): «وإذا فارقه» . (ط): «فإذا فارقه» .

(4)

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/ 466)، وابن أبي شيبة في المصنف (12634)، والنسائي في الكبرى (4877)، والطبراني في المعجم الكبير (186)، والأوسط (3738) من حديث فاطمة بنت علي بن أبي طالب، عن أبيها رضي الله عنه. وإسناده حسن لولا أن فيه انقطاعًا؛ فإن فاطمة وهي الصغرى قال أبو حاتم في المراسيل (969):«لم تسمع من أبيها شيئًا، وقد رأت أباها» . وكذا قال العجلي في ثقاته (2346).

وله شاهد من حديث أبي قلابة عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، أخرجه عبد الرزاق (154) في حديث طويل، وفيه انقطاع أيضًا؛ فإن أبا قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي عن عمرو بن عبسة مرسل، قاله المزي في تهذيب الكمال (22/ 120. ترجمة عمرو بن عبسة).

وروي من وجوه كثيرة عن عمرو بن عبسة، لكن بلفظ:«من أعتق رقبة» أو نحوه، انظر: السلسلة الصحيحة (2681). وهو بهذا اللفظ في الصحيحين وغيرهما. (قالمي)

(5)

البخاري (3047)، ومسلم (78).

(6)

كذا في التمهيد (11/ 58). ولكن في الاستذكار (3/ 91) نسب البيت إلي ذي الرمة. والصواب أنه للأعشى من قصيدة يمدح بها قيس بن معديكرب.

وصلة البيت قبله في ديوانه (1/ 200):

وما أيْبُليٌّ على هَيكلٍ

بناه وصلَّبَ فيه وصارا

يُراوِح من صلَوات المليـ

ـكِ طورًا سجودًا وطورًا جُؤارًا

بأعظم منك ...................

...............................

وفي الديوان: «منه» . وقد تصحفت «نقضن» و «تقى» و «منك» في النسخ الخطية.

ص: 287

بأعظمَ منك تُقًى في الحسابِ

إذا النَّسَماتُ نَفَضْنَ الغُبارا

يعني: إذا بُعِث الناس من قبورهم يوم القيامة.

وقال الخليل بن أحمد: النسمة: الإنسان. قال: والنسمة الروح. والنسيم: هبوب الريح

(1)

.

وقوله: «تعلق في شجر الجنَّة» ، يُروىَ بفتح اللام، وهو الأكثر، ويروى بضمِّ اللام، والمعنى واحد، وهو: الأكل والرعي. يقول: تأكل من ثمار الجنة، وترعى

(2)

وتسرحُ بين أشجارها

(3)

. والعَلوقة والعَلاق والعَلوق: الأكل والرَعي

(4)

. تقول العرب: ما ذاق اليوم عَلوقًا أي: طعامًا. قال الربيع بن زياد يصف الخيل

(5)

:

(1)

كتاب العين (7/ 275).

(2)

«ترعى» لم ترد في (أ، ق، غ).

(3)

كذا قال في التمهيد (11/ 59) إن معنى «تعلق» بضم اللام وفتحها واحد. وفي الاستذكار (3/ 90): «وفي قول ابن مسعود: «تسرح بالجنة» ما يعضد رواية من روى «تعلَق» بفتح اللام؛ لأن معنى ذلك: تسرح. ومن روى «تعلُق» فالمعنى فيه عند أهل اللغة: تأكل وترعى». وما قاله في التمهيد أصح.

(4)

يقصد ما يؤكل وما يُرعى، أي الاسم لا المصدر.

(5)

من أبيات له في الحماسة (1/ 495) والأغاني (17/ 130) وغيرهما. وكذا «علوقة» في التمهيد والاستذكار. والرواية: عدوفًا وعدوفةً، بالدال والذال. انظر قصة أبي عمرو مع يزيد بن مزيد الشيباني في اللسان (عدف). وانظر: إصلاح المنطق (390) والتعازي والمراثي (281) والمستقصى (2/ 322).

ص: 288

ومجنَّباتٍ ما يَذُقْنَ عَلوقةً

يمصَعْن بالمُهُرات والأمهار

وقال الأعشى

(1)

:

وفَلاةٍ كأنّها ظهرُ تُرْسٍ

ليس فيها غيرَ الرَّجيعِ علاقُ

قلت

(2)

: ومنه قول عائشة: والنساءُ إذ ذاك خِفافٌ، لم يغشَهنَّ اللحمُ، إنَّما يأكلن العُلْقَة من الطعام

(3)

. وأصل اللفظة من التعلُّق، وهو ما يَعلَقُ القلبَ والنفسَ من الغذاء.

قال

(4)

: واختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال قائلون منهم: أرواح المؤمنين عند الله في الجنة، شهداءَ كانوا أم غيرَ شهداء، إذ لم يحبِسْهم عن الجنَّة كبيرةٌ ولا دَين، وتلقَّاهم ربُّهم بالعفو عنهم والرحمة لهم.

قال: واحتجّوا بأنَّ هذا الحديث لم يخُصَّ فيه شهيدًا من غير شهيد.

(1)

من قصيدة في ديوانه (2/ 55). والرواية المشهورة: ليس إلا الرجيعَ فيها علاق.

وفي التمهيد: «ليس فيها إلا

». وكذا في المحكم (1/ 124). وفي (أ، ق): «فيها الرجيع» . وفي طرّة الأصل: «من» مع علامة صح. يعني: «فيها من الرجيع» كما في (غ). وفي النسخ الأخرى: «غير الرجيع» كما أثبتنا. ولا أدري أكان في أصل المؤلف هكذا، أم سقطت «إلا» من الأصل ــ والمصدر: التمهيد ــ فأكمل النساخ بزيادة «غير» ، فاستقام الوزن، وصحّ المعنى!

(2)

والقائل: ابن القيم.

(3)

أخرجه البخاري (2661)، ومسلم (2770).

(4)

التمهيد (11/ 59 ــ 61).

ص: 289

واحتجُّوا أيضًا بما رُويَ عن أبي هريرة

(1)

: إنَّ أرواح الأبرار في علِّيين، وأرواحَ الفُجَّار في سجين

(2)

. وعن عبد الله بن عمرو

(3)

مثلُ ذلك

(4)

.

قال أبو عمر: وهذا قول يعارضه من السنّة ما لا مَدْفعَ في صحة نقله، وهو قوله:«إذا مات أحدُكم عُرِض عليه [61 ب] مقعدُه بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. يقال له: هذا مقعدك، حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة»

(5)

.

وقال آخرون

(6)

: إنما معنى هذا الحديث في الشهداء دون غيرِهم، لأن القرآن والسنةَ إنما يدُلان على ذلك. أما القرآن فقوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية [آل عمران: 169، 170].

وأما الآثار، فذكَرَ حديث أبي سعيد الخُدريِّ

(7)

من طريق بقيِّ بن مخلد مرفوعًا: «الشهداء يغدون ويروحون

(8)

، ثم يكون مأواهم إلى قناديلَ معلَّقةٍ بالعرش، فيقول لهم الربُّ تبارك وتعالى: هل تعلمون كرامةً أفضلَ من

(1)

فيما عدا (أ، ق، غ) زيادة: «قال» .

(2)

لم أجده في غير التمهيد.

(3)

كذا في جميع النسخ. وفي التمهيد: «ابن عمر» .

(4)

(أ، غ): «مثل هذا الحديث» .

(5)

تقدم قبل قليل (ص 280).

(6)

(ب، ط، ن، ج): «الآخرون» .

(7)

(ب، ط، ج): «فذكر عن أبي سعيد الخدري» .

(8)

بعده في التمهيد: «إلى رياض الجنة» .

ص: 290

كرامةٍ أكرَمْتُكموها؟ فيقولون: لا، غير أنا وددنا أنَّك أعدْتَ أرواحنا في أجسادنا حتَّى نقاتلَ مرةً أخرى، فنُقتَل في سبيلك». رواه عن هنَّاد، عن إسماعيل بن المختار، عن عطيَّة، عنه

(1)

.

ثم ساق حديث ابنِ عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمَّا أصيب إخوانكم ــ يعني يومَ أحد ــ جعل الله أرواحَهم في أجواف طير خُضْرٍ تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ مذلَّلةٍ

(2)

في ظلّ العرش. فلما وجدوا طيبَ مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلِّغ إخواننا أنَّا أحياءٌ

(3)

في الجنة نُرزَق لئلا ينكُلوا عن الحرب، ولا يزهَدوا في الجهاد؟ قال: فقال الله تعالى: أنا أبلِّغهم عنكم، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]»

(4)

.

والحديث في مسند أحمد، وسُنن أبي داود

(5)

.

(1)

أخرجه هنّاد بن السري في الزهد (156). ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1411). وإسناده ضعيف، فيه علتان: عطية وهو ابن سعد العوفي سيئ الحفظ وهو مدلس وقد عنعن، وشيخ هنّاد إسماعيل بن المختار لا يُعرف، وقال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 374):«عن عطية، سمع منه هنَّاد بن السري فيه نظر لم يصح حديثه» . وانظر: لسان الميزان (1/ 438). (قالمي)

(2)

في (أ، غ): «مدلية» ، ولعل صوابها:«مدلّاة» . وفي غيرهما: «مدللة» وصوابها ما أثبتنا ــ وكذا في التمهيد ــ من ذُلِّل الكرْمُ: دُلِّيت عناقيده. قال تعالى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14].

(3)

«أحياء» ساقط من (أ، غ).

(4)

«وأما الآثار

يرزقون» ساقط من (ن).

(5)

المسند (4/ 218)، أبو داود (2520). وقد سبق في المسألة الخامسة (ص 112).

ص: 291

ثم ذكر حديث الأعمش عن عبد الله بن مُرَّة عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

(1)

[آل عمران: 169] فقال: أمَا إنَّا قد سألنا عن ذلك، فقال: «أرواحُهم في جَوْف طير خُضْر تسرَح في الجنة في أيِّها شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل. فاطَّلع إليهم ربُّك اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: وأيَّ شيء

(2)

نشتهي، ونحن [62 أ] نسرَحُ من الجنة حيث نشاء! ففعَل بهم ذلك

(3)

ثلاثَ مرات، فلما رأَوْا أنهم لم يُترَكوا من أن يُسألوا قالوا: يا ربِّ نريدُ أن تَرُدَّ أرواحَنا في أجسادنا حتى نُقتَل في سبيلك مرّةً أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجةٌ تُرِكوا».والحديث في صحيح مسلم

(4)

.

قلتُ: وفي صحيح البخاري

(5)

عن أنس أنَّ أمَّ الرُّبَيِّع بنت البراء ــ وهي

(6)

أمُّ حارثة بن سُراقة ــ أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبيَّ الله، ألا تحدِّثني عن حارثة؟ ــ وكان قُتِل يومَ بدر، أصابه سهمٌ غَرْبٌ

(7)

ــ فإن كان في الجنة صبرتُ، وإن كان غير ذلك اجتهدتُ عليه في البكاء. قال: «يا أمَّ حارثة، إنّها جِنان

(8)

، وإنَّ ابنكِ أصاب الفردوس الأعلى».

(1)

الآية فيما عدا (أ، ق، غ) إلى {أمواتًا} .

(2)

ما عدا (أ، ق، غ): «أي شيء» دون الواو.

(3)

(ق): «ذلك بهم» .

(4)

برقم (1887) وقد تقدم في المسألة الخامسة (ص 112).

(5)

برقم (2809).

(6)

«وهي» ساقط من (ط).

(7)

وهو الذي لا يُدرى راميه.

(8)

بعدها في (ق): «في الجنة» . وكذا في الصحيح في كتاب الجهاد.

ص: 292

ثم ساق

(1)

من طريق بَقي بن مخلد، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا ابن عيينة، عن عبيد الله

(2)

بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: أرواحُ الشهداء تَجُول في أجواف طير خضر تَعْلُق في ثمر الجنة.

ثم ذكر عن معمر، عن قتادة قال: بلغنا أنَّ أرواح الشهداء في صُوَر طيرٍ بيضٍ تأكل من ثمار الجنة.

ومن طريق أبي عاصم النبيل، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعْدان، عن عبد الله

(3)

بن عمرو

(4)

: «أرواح الشهداء في طير كالزرازير يتعارفون ويُرزَقون من ثمر الجنة» .

قال أبو عمر

(5)

: وهذه الآثار كلّها تدلُّ على أنهم الشهداءُ دون غيرهم. وفي بعضها: في صُوَر طير، وفي بعضها: في أجواف طير، وفي بعضها: كطير خضر.

قال: والذي يُشبِه عندي ــ والله أعلم ــ أن يكون القول

(6)

قولَ من قال: كطير

(7)

، أو صور طير؛ لمطابقته لحديثنا

(8)

المذكور. يريد حديث كعب بن

(1)

التمهيد (11/ 63 ــ 64).

(2)

(أ، ن، غ): «عبد الله» ، تصحيف.

(3)

(ط): «عبيد الله» ، تصحيف.

(4)

زاد في (ط): «أنّ» .

(5)

التمهيد (11/ 64 ــ 65).

(6)

(ب، ج): «العدل» ، تصحيف.

(7)

(ب، ط): «كطير خضر» . وبعده في (ط): «أو صور طير خضر» .

(8)

(ب، ط، ج): «حديثنا» .

ص: 293

مالك، وقوله فيه: نسمة المؤمن طائر، ولم يقل: في جوف طائر

(1)

.

قال: وروى عيسى بن يونس حديث ابن مسعود

(2)

عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن مسروق، عن عبد الله:«كطير خضر» .

قلت: والذي في صحيح مسلم: «في أجواف طير خُضر» .

قال أبو عمر: فعلى هذا التأويل، كأنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسَمَةُ المؤمن من الشهداء طائر

(3)

يعلق في شجر الجنة».

قلتُ: لا تنافي بين قوله صلى الله عليه وسلم: «نسمة المؤمن طائر [62 ب] يعلق في شجر الجنة» وبين قوله: «إن أحدكم إذا مات عُرِض عليه مقعدُه بالغداة والعَشِيِّ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار» .وهذا الخطاب يتناول الميِّتَ على فراشه والشهيدَ، كما أنَّ قوله:«نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» يتناول الشهيدَ وغيرَه. ومع كونه يُعرَض عليه مقعده بالغداة والعشيِّ تَرد روحُه أنهارَ الجنة، وتأكل من ثمارها. وأما المقعدُ الخاص به والبيتُ الذي أُعِدَّ له، فإنَّه إنما يدخله يوم القيامة.

ويدلُّ عليه أنَّ منازلَ الشهداء ودُورَهم وقصورَهم التي أَعدَّ الله لهم ليست هي

(4)

تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحُهم في البرزخ قطعًا. فهم

(1)

«ولم

طائر» ساقط من (ن).

(2)

في الأصل ضرب بعضهم على «مسعود» وكتب في الطرّة: «منصور» مع علامة صح. وهو غلط منه إذ ظنَّ أن «ابن مسعود» هنا يروي عن الأعمش! وكذا «ابن منصور» في (غ).

(3)

(ب، ج): «كطائر» . وأشار إلى هذه النسخة في طرّة (ط). وهو خطأ.

(4)

(ب، ط، ج): «من» ، تحريف.

ص: 294

يَرَوْن منازلهم ومقاعدهم من الجنّة، ويكون مستقرُّهم في تلك القناديل المعلَّقة بالعرش، فإنَّ الدخول التامّ الكامل إنما يكون يوم القيامة، ودخولُ الأرواح الجنة في البرزخ أمرٌ دون ذلك.

ونظير هذا: أهلُ الشقاء تُعرَض أرواحُهم على النار غدوًّا وعشيًّا، فإذا كان يومُ القيامة دخلوا منازلهم ومقاعدهم التي كانوا يُعرضون عليها في البرزخ. فتنعُّمُ الأرواحِ بالجنة في البرزخ شيء، وتنعُّمُها مع الأبدان بها يوم القيامة شيء آخر. فغذاء الروح من الجنة في البرزخ دون غذائها

(1)

مع بدنها يوم البعث. ولهذا قال: «تعلُق في شجر الجنة» ، أي: تأكل العلقة، وأما تمامُ الأكل والشرب واللبس والتمتُّع فإنما

(2)

يكون إذا رُدَّت

(3)

إلى أجسادها يوم القيامة. فظهر

(4)

أنه لا يعارِض هذا القولَ من السنّة شيءٌ، وإنما تُعاضدِهُ السنَّةُ وتوافقه.

وأما قول من قال: إنَّ حديث كعب في الشهداء دون غيرهم، فتخصيصٌ ليس في اللفظ ما يدلُّ عليه. وهو حَمْلُ اللفظ العامِّ على أقلِّ مسمَّياته، فإنّ الشهداء بالنسبة إلى عموم المؤمنين قليلٌ جدًّا، والنبي صلى الله عليه وسلم علَّق هذا الجزاء بوصفِ الإيمان، فهو المقتضي له، لم يعلِّقه بوصف الشهادة.

ألا ترى أنَّ الحكم الذي اختَصَّ [63 أ] بالشهداء عُلِّق بوصف الشهادة، كقوله في حديث المقدام بن معديكرب: «للشهيد عند الله ستُّ خصال:

(1)

(ق): «عذابها» .

(2)

(ب، ط، ج): «إنما» .

(3)

زاد في (ق): «الأرواح» .

(4)

(ق): «وظهر» .

ص: 295

يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعدَه من الجنة، ويُحلَّى حُلَّة الإيمان، ويزوَّجُ من الحور العين، ويجارُ من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضعُ على رأسه تاجُ الوَقار، الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوَّج اثنتين وسبعين من الحور العين

(1)

، ويشفَّع في سبعين إنسانًا

(2)

من أقاربه»

(3)

. فلما كان هذا يختصُّ

(4)

بالشهيد قال: «إنَّ للشهيد» ، ولم يقل: إنّ

(5)

للمؤمن.

وكذلك قولُه في حديث قيسٍ الجُذاميِّ: «يعطَى الشهيدُ ستَّ خصال»

(6)

. وكذلك سائر الأحاديث والنصوص التي عُلِّق فيها الجزاءُ بالشهادة. وأما ما عُلِّق فيه الجزاءُ بالإيمان، فإنَّه يتناول كلَّ مؤمن، شهيدًا كان أو غير شهيد.

وأما النصوصُ والآثار

(7)

التي ذُكرت

(8)

في رزق الشهداء وكَوْنِ

(1)

هذه الخصلة ساقطة من (ن).

(2)

لم يرد «إنسانًا» في (أ، غ).

(3)

تقدم تخريجه في المسألة العاشرة (ص 233).

(4)

(ط): «هذه تختص» .

(5)

ساقطة من (ط).

(6)

أخرجه الإمام أحمد (17783)، والطبراني في مسند الشاميين (204)، والبيهقي في شعب الإيمان (4252، 4253)، وفي إثبات عذاب القبر (161) من طريق عبد الرحمن ابن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن قيس الجذاميّ.

وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي فيه ضعف من قِبل حفظه، وبقية رجاله ثقات. (قالمي)

(7)

(ق): «فالآثار» .

(8)

ما عدا (ن): «ذكر» .

ص: 296

أرواحهم في الجنّة، فكلُّها حقٌّ، وهي لا تدلُّ على انتفاءِ دخول أرواح المؤمنين الجنَّة، ولاسيَّما الصدِّيقين الذين هم أفضلُ من الشهداء بلا نزاع

(1)

بين الناس. فيقال لهؤلاء: ما تقولون في أرواح الصدِّيقين، هل هي في الجنة أم لا؟ فإن قالوا: إنَّها في الجنة ــ ولا يسوغ لهم غير هذا القول ــ قيل: فثبت أنَّ هذه النصوص لا تدلُّ على اختصاص أرواح الشهداء بذلك.

وإن قالوا: ليست في الجنة، لزمهم من ذلك أن تكون أرواحُ سادات الصحابة كأبي بكر الصدِّيق

(2)

وأُبَيِّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وحذيفة بن اليمان وأشباههم ليست في الجنة؛ وأرواحُ شهداء زماننا في الجنة. وهذا معلومُ البُطلانِ ضرورةً.

فإن قيل: فإذا كان هذا حكم

(3)

لا يختصُّ بالشهداء، فما الموجِبُ لتخصيصهم بالذكر في هذه النصوص؟

قيل: تخصيصهم بالذكر في هذه النصوص دلَّ على

(4)

التنبيه على فضل الشهادة وعلوِّ درجتها، وأنَّ هذا مضمون لأهلها ولا بدَّ، وأنَّ لهم منها أوفرَ نصيب. فنصيبُهم

(5)

من هذا النعيم في البرزخ أكملُ من نصيب غيرهم

(1)

(ب، ط): «فلا نزاع» ، تصحيف.

(2)

(ق): «كأبي بكر وعمر» . وانظر ما يأتي في (ص 332).

(3)

كذا في جميع النسخ. وفي (ج): «حكمًا» ، ولكن الظاهر أنه إصلاح.

(4)

«قيل

دلَّ» مستدرك في طرّة الأصل بخط ناسخه، وفي صلب المتن في (غ). والعبارة ساقطة من غيرهما، إلا أن بعض قراء (ط) غيّر «على» إلى «قلت». وفي متن (ن) في موضعها:«قلنا» ، فاستقام الكلام.

(5)

ما عدا (ب، ط): «فيصيبهم» ، تصحيف.

ص: 297

من الأموات على فُرُشِهم، وإن كان الميِّت على فراشه أعلى درجةً من كثير

(1)

منهم، فله نعيمٌ يختصُّ به، لا يشاركه فيه مَن هو دونه.

ويدلُّ [63 ب] على هذا أنَّ الله سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خُضر، فإنَّهم لما بذلوا أبدانَهم

(2)

لله حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضَهم منها في البرزخ أبدانًا خيرًا منها، تكونُ فيها إلى يوم القيامة. ويكون تنعُّمها بواسطة تلك الأبدان أكملَ من نعيم

(3)

الأرواح المجرَّدة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمةُ الشهيد في جوف طير.

وتأمَّلْ لفظ الحديثين، فإنه قال:«نسمةُ المؤمن طير» ، فهذا يعمُّ الشهيد وغيرَه. ثم خصَّ الشهيد بأن قال:«هي في جوف طير» ، ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صَدَق عليها أنها طير. فصلوات الله وسلامه على مَن يصدِّقُ كلامُه بعضُه بعضًا، ويدلُّ على أنه حقٌّ من عند الله. وهذا الجمع أحسن من جمعِ أبي عمر وترجيحِه روايةَ مَن روى:«أرواحهم كطير خضر» . بل الروايتان حقٌّ وصواب، فهي كطير خضر، وفي أجواف طير خضر.

فصل

وأما قول مجاهد: ليس هي في الجنة، ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها. فقد يُحتَجُّ لهذا القول بما رواه الإمام أحمد في مسنده

(4)

(1)

«من كثير» ساقط من (ط).

(2)

(ق): «أنفسهم» .

(3)

ما عدا (أ، غ): «تنعم» .

(4)

برقم (2390). وأخرجه ابن حبان (4658)، والحاكم (2/ 74)، والطبراني في المعجم الكبير (10825)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر، كلهم من طريق ابن إسحاق، به. وهو في سيرة ابن إسحاق (2/ 119 ــ سيرة ابن هشام) وإسناده حسن لأجل ابن إسحاق وقد صرّح بالتحديث في السيرة وعند أحمد وابن حبان وغيرهما. وصححه الحاكم، وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 164):«وهو إسناد جيد» . (قالمي).

ص: 298

من حديث ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر

(1)

، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء على بارِقِ نهرٍ

(2)

بباب الجنة، في قبةٍ خضراءَ، يخرج عليهم رزقُهم من الجنة بكرةً وعشيةً».

وهذا لا ينافي كونَهم في الجنة، فإنَّ ذلك النهرَ من الجنّة، ورزقُهم يخرج عليهم من الجنة، فهم في الجنة، وإن لم يصيروا على مقاعدهم منها. فمجاهدٌ نفى الدخول الكامل من كلِّ وجه، والتعبيرُ يقصُر عن الإحاطة بتمييز هذا من هذا. وأكملُ العبارة وأدلُّها على المراد عبارةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عبارة الصحابة. وكلَّما علوتَ رأيتَ الشفاء والهدى والنور، وكلَّما نزلتَ رأيتَ الحَيْرة والدعاوى والقولَ بلا علم.

(1)

كذا في جميع النسخ. وهو عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري كما في الأهوال لابن رجب (96). ولكن الرواية في المسند من طريق ابن إسحاق عن الحارث بن فضيل الأنصاري. ولم أجده من طريق عاصم.

(2)

ضبط في المسند وغيره «بارِقِ نهرٍ» بالإضافة وقال السندي: «لعل المراد به الموضع الذي يبرُق منه النهر الذي بباب الجنة ويظهر» . ولكن لفظه في الروض الأنف (3/ 307): «والشهداء بنهر ــ أو على نهر ــ يقال له: بارق، عند باب الجنة

». وفي تفسير القرطبي (5/ 414): «أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له: بارق

». وهذا يقتضي أن يضبط هكذا: «على بارقٍ ــ نهرٍ بباب الجنة ــ في قبة

» وانظر: تاج العروس (برق).

ص: 299

قال أبو عبد الله بن منده

(1)

: وروى موسى بن عبيدة

(2)

، عن عبد الله بن يزيد

(3)

، عن أم كبشة بنت المعرور

(4)

قالت: دخل علينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسألناه عن هذه الأرواح. فوصفها صِفةً أبكَى

(5)

أهلَ البيت، فقال: «إن أرواح المؤمنين [64 أ] في حواصل طيرٍ خُضْرٍ ترعى في الجنة، وتأكلُ من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، تقول: ربَّنا أَلحِق بنا إخواننا وآتِنا ما وعدَتنا. وإنَّ أرواح الكفار في حواصل طيرٍ سُودٍ تأكل من النار، وتشرب من النار، وتأوي إلى حُجَر

(6)

في النار، يقولون: ربَّنا لا تُلحِقْ بنا إخواننا، ولا تُؤتِنا ما وعدتنا».

وقال الطبراني

(7)

: حدثنا أبو زُرعة الدمشقيُّ، ثنا عبد الله بن صالح،

(1)

وعزاه إليه ابن رجب في الأهوال (104) والسيوطي في شرح الصدور (310) أيضًا.

(2)

(أ، ق، غ): «عبدة» . (ط): «عبيد» . وقد نصّ ابن رجب على أنه موسى بن عبيدة الرَّبَذي. قال: وهو شيخ صالح، شغلته العبادة عن حفظ الحديث، فكثرت المناكير في حديثه. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 356).

(3)

(ن): «بريدة» ، تصحيف.

(4)

كذا في جميع النسخ، وشرح الصدور، وإتحاف السادة المتقين (10/ 386). ولم أجد لها ترجمة. والظاهر أنها أم مبشر بنت البراء بن معرور. انظر: الإصابة (8/ 300).

(5)

(ب، ط): «وصفًا أسكن» ، ولعل «وصفًا» من إصلاح النسّاخ إذ رأوا أن «صفة» مؤنث، والفعل بعدها مذكر. وخفي عليهم أنها مصدر. و «أسكن» تحريف. وفي شرح الصدور:«صفةً لكنه أبكى» .

(6)

لم ينقط في الأصل. وفي غيرها جميعًا بالحاء قبل الجيم.

(7)

لم أجده في معاجمه الثلاثة.

ص: 300

حدثني معاوية بن صالح

(1)

، عن ضَمْرة بن حبيب، قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين، فقال:«في طيرٍ خضرٍ تسرَح في الجنة حيث شاءت» . قالوا: يا رسول الله، أرواحُ الكفار

(2)

؟ قال: «محبوسة في سجِّينٍ» .

ورواه أبو الشيخ عن هشام بن يونس، عن عبد الله بن صالح. ورواه أبو المغيرة

(3)

، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب

(4)

.

وذكر أبو عبد الله بن منده

(5)

من حديث غُنجار، عن الثوري، عن

(1)

«حدثني معاوية بن صالح» ساقط من (أ، غ).

(2)

(ن): «وأرواح الكفار» .

(3)

«أبو» ساقط من (ب، ط، ج).

(4)

عزاه ابن رجب في الأهوال (105) إلى ابن منده، والسيوطي في شرح الصدور (307) إليه وإلى الطبراني وأبي الشيخ.

وإسناده حسن لولا أنه مرسل. ضمرة بن حبيب من ثقات تابعي أهل الشام. (قالمي).

(5)

في إسناده غنجار وهو لقب عيسى بن موسى البخاري، وهو ثقة في نفسه لكن أخذ عليه التدليس وكثرة الرواية عن الضعفاء والمجهولين، كما في ترجمته من التهذيب (8/ 233)، وقد خولف أيضًا في هذا الإسناد.

فرواه البيهقي في شعب الإيمان (196) من طريق محمد بن يوسف عن الثوري به، عن عبد الله بن عمرو من قوله. وقد تابع الثوريَّ على هذا الوجه الموقوف غير واحد، منهم عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد له (446)، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عند ابن أبي شيبة (33978) ومن طريقه أبو نعيم في صفة الجنة (133)، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد عند أبي نعيم في الحلية (1/ 289).

وعزاه ابن رجب في أهوال القبور (ص 204) لابن منده أيضًا ونقل عنه أنه قال: «رواه جماعة عن الثوري موقوفًا. يعني على عبد الله بن عمرو» قال ابن رجب: «والصواب وقفه» . (قالمي).

ص: 301

ثور بن يزيد

(1)

، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرواح المؤمنين في طيرٍ كالزرازير، تأكل من ثمر الجنة» ورواه غيرُه موقوفًا.

وذكر يزيدُ الرَّقاشيُّ عن أنس، وأبو عبد الله

(2)

الشاميُّ عن تميمٍ الداريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا عَرَج ملك الموت بروح المؤمن إلى السماء استقبله جبريلُ في سبعين ألفًا من الملائكة، كلٌّ منهم

(3)

يأتيه ببشارة من السماء سوى بشارةِ صاحبه. فإذا انتهى به إلى العرش خرَّ ساجدًا، فيقول الله عز وجل لملك الموت: انطلِقْ بروح عبدي، فضَعْه في سِدْرٍ مخضودٍ

(4)

، وظلٍّ ممدود، وماء مسكوب». رواه بكر بن خُنَيس

(5)

، عن ضرار بن عمرو، عن يزيد وأبي عبد الله

(6)

.

(1)

(ن): «الثوري عن يزيد» ، خطأ.

(2)

(ق): «أبي عبد الله» خطأ.

(3)

(ب، ط، ج): «كلهن» وهي ساقطة من (ن).

(4)

زاد بعده في طرّة الأصل: «وطلح منضود» مع علامة صح. وليست بخط الناسخ. وقد أدخلها ناسخ (غ) في المتن.

وهي في متن (ط) بين «لا» و «إلى» فوق السطر يعني حذفها أو أنها ليست في نسخة أخرى.

(5)

(أ، ق، غ): «حُبيش» . (ط): «حُنبش» . والصواب ما أثبتنا من (ب، ج).

(6)

ويُفهم من هذا السياق أنهما حديثان: الأول من رواية بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن يزيد الرقاشي، عن أنس. والثاني: من رواية بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن أبي عبد الله الشامي، عن تميم الداري.

ولم أجده بهذا السياق فينظر، وهو جزء من حديث طويل جدًّا أخرجه أبو يعلى. كما في المطالب العالية (4558) ــ قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا محمد بن بكر البرساني، قال: قال أبو عاصم الحبطي، وكان من خيار أهل البصرة، وكان من أصحاب حزم وسلام بن أبي مطيع قال: حدثنا بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، عن تميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقول الله تبارك وتعالى لملك الموت: انطلق إلى وليي فأتني به، فإني قد جربته بالسراء والضراء، فوجدته حيث أحبُّ، ائتني به فلأريحنه» فساقه بطوله.

قال الحافظ ابن حجر عقبه: «هذا حديث عجيب السياق، وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء رضي الله عنه الطويل المشهور، ولكن هذا الإسناد غريب، لا نعرف أحدًا روى عن أنس، عن تميم الداري رضي الله عنهما إلا من هذا الوجه، ويزيد الرقاشي سيئ الحفظ جدًّا، كثير المناكير، كان لا يضبط الإسناد فيلزق بأنس كل شيء يسمعه من غيره، ودونه أيضًا من هو مثله أو أشد ضعفًا» . (قالمي)

ص: 302

فصل

وأما قول من قال: الأرواحُ على أفنية قبورها، فإن أراد أنَّ هذا أمر لازمٌ لها

(1)

لا تفارق

(2)

أفنية القبور أبدًا فهذا خطأ تردُّه

(3)

نصوص الكتاب والسنة من وجوه كثيرة، قد

(4)

ذكرنا بعضها، وسنذكر منها ما لم نذكره إن شاء الله.

وإن أراد أنها تكون على أفنية القبور وقتًا، أو لها إشرافٌ على قبورها وهي في مقرِّها

(5)

، فهذا حقٌّ، ولكن لا يقال: مستقرُّها أفنية القبور.

وقد ذهب إلى هذا [64 ب] المذهب جماعةٌ، منهم أبو عمر بن عبد البرِّ.

(1)

«لها» ساقط من (ب، ن، ج، غ).

(2)

في (ب، ن، ج): «يفارق» ، تصحيف.

(3)

(ب، ط): «ردّه» .

(4)

(ب، ط): «وقد» .

(5)

(ب، ط، ج): «منزلها» .

ص: 303

قال في كتابه

(1)

في شرح حديث ابن عمر: «إن أحدكم إذا مات عُرِض عليه مقعدُه بالغداة والعشي» : وقد استدل به من ذهب إلى أنَّ الأرواح على أفنية القبور. وهو

(2)

أصح ما ذهب إليه في ذلك من طريق الأثر، ألا ترى أنَّ الأحاديث الدَّالَّة على ذلك ثابتة متواترة، وكذلك أحاديث السلام على القبور.

قلت: يريد بالأحاديث المتواترة مثلَ حديث ابن عمر هذا، ومثل حديث البراء بن عازب الذي تقدَّم

(3)

، وفيه:«هذا مقعدُك حتى يبعثك الله يوم القيامة» ، ومثلَ حديث أنس:«إن العبد إذا وُضِع في قبره وتولّى عنه أصحابُه إنه لَيسمع قرْعَ نعالهم» ، وفيه: أنه يرى مقعدَه من الجنة والنار، وأنه يُفسَح للمؤمن في قبره سبعين ذراعًا، ويضيَّق على الكافر

(4)

؛ ومثلَ حديث جابر: «إن هذه الأمة تُبتلَى في قبورها، فإذا دخل المؤمن قبرَه وتولَّى عنه أصحابه أتاه ملك

» الحديث، وأنه يرى مقعده من الجنة فيقول:«دعوني أبشِّرْ أهلي، فيقال له: اسكن، فهذا مقعدك أبدًا»

(5)

. ومثلَ سائر أحاديث عذاب القبر ونعيمه التي تقدَّمتْ

(6)

، ومثلَ أحاديث السلام على أهل القبور، وخطابهم، ومعرفتِهم بزيارة الأحياء لهم

(7)

. وقد تقدَّم ذكرُ ذلك كلِّه

(8)

.

(1)

التمهيد (14/ 109).

(2)

(ن): «وهذا» .

(3)

هذا اللفظ من حديث ابن عمر، ولم أجده عن البراء.

(4)

سبق في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 157).

(5)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6744) بهذا اللفظ.

(6)

في المسألة الملحقة بالسادسة.

(7)

«لهم» ساقطة من (ن).

(8)

في المسألة الأولى.

ص: 304

وهذا القول تردُّه السنة الصحيحة والآثار التي لا مَدْفَعَ لها، وقد تقدَّم ذكرها. وكلُّ ما ذكره من الأدلّة، فهو يتناول الأرواح التي هي في الجنة بالنصِّ وفي الرفيق الأعلى. وقد بيَّنَّا أنَّ عرضَ مقعد الميِّت عليه من الجنة أو النار لا يدلُّ على أنّ الرُّوح في القبر ولا على فنائه دائمًا من جميع الوجوه، بل لها إشرافٌ واتصال بالقبر وفِنائه، وذلك القدرُ منها يُعرَض عليه مقعده. فإنَّ

(1)

للروح شأنًا آخرَ: تكون في الرفيق الأعلى في أعلى علِّيين، ولها اتصال بالبدن، بحيث إذا سلَّم المسلِّم على الميِّت ردَّ الله عليه روحَه، فيردُّ

(2)

عليه السلام، وهي في الملأ الأعلى.

وإنما يغلط أكثرُ الناس في هذا الموضع حيث يعتقد أنَّ الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلتْ مكانًا لم يمكن أن تكون في غيره. وهذا غلط محضٌ، بل الروحُ تكون فوق السموات في أعلى عليين، وتُرَدُّ

(3)

إلى القبر، فَتَرُدُّ السّلام، وتعلم بالمسلِّم، وهي في مكانها هناك.

وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى دائمًا، ويردُّها

(4)

الله سبحانه وتعالى إلى القبر، فترُدُّ السّلام على من سلّم عليه، وتسمعُ كلامه

(5)

. وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى قائمًا يصلِّي في قبره، ورآه في السماء السادسة أو السابعة

(6)

. فإما أن تكون سريعةَ الحركة والانتقال كلمح البصر، وإما أن

(1)

(ن): «قال» ، تصحيف. فلمّا صحّف كتب بعده: للروح شأن.

(2)

(ب، ط، ج): «فردّ» .

(3)

ضبطه في (ط): «تَرِد» من الورود.

(4)

(ن): «الأعلى وإنّما يردّها» .

(5)

(ب، ط، ن، ج): «سلامه» .

(6)

تقدم في المسألة السادسة (ص 125).

ص: 305

يكون المتّصِلُ منها

(1)

بالقبر وفِنائه بمنزلة شعاعِ الشمس، وجِرمُها في السماء

(2)

.

وقد ثبت أنّ روح النائم تصعدُ حتى تخترقَ السبع الطّباق، وتسجدَ لله بين يدي العرش، ثم تُرَدُّ إلى جسده في أيسر زمان. وكذلك روح الميِّت تصعد بها الملائكة حتى تُجاوزَ السموات السبع، وتقِفها بين يدي الله، فتسجدُ له، ويقضي فيها قضاءه

(3)

. ويُريها الملَكُ ما أعدَّ الله لها في الجنة، ثم تهبط، فتشهد

(4)

غسلَه وحمله ودفنه.

وقد تقدَّم

(5)

في حديث البراء بن عازب أنَّ النفسَ يُصعَد بها حتى تُوقَف بين يدي الله، فيقول تعالى:«اكتبوا كتاب عبدي في علِّيين، ثم أعيدوه إلى الأرض» . فيعاد إلى القبر، وذلك في مقدارِ تجهيزه وتكفينه. فقد صرَّح به في حديث ابن عباس حيث قال: «فيهبطون به

(6)

على قدر فراغه من غُسْله وأكفانه، فيُدخلون ذلك الروحَ بين جسده وأكفانه»

(7)

.

وقد ذكر أبو عبد الله بن منده من حديث عيسى بن عبد الرحمن، ثنا ابن شهاب، ثنا عامر بن سعد، عن إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه قال:

(1)

(ب، ط، ن، ج): «بها» ، وهو خطأ.

(2)

انظر ما سبق في المسألة السادسة (ص 128) من ردّ شيخ الإسلام على هذا المثل.

(3)

(ق): «قضاؤه» .

(4)

في الأصل نقطه بالتاء والياء معًا. وفي (ب، ط، ج): «وتشهد» .

(5)

في أول المسألة السادسة.

(6)

«به» ساقط من (ق).

(7)

تقدم في المسألة السادسة (ص 142).

ص: 306

أردتُ مالي بالغابة

(1)

، فأدركني الليل، فأوَيْتُ إلى قبر عبد الله بن عمرو بن حرام

(2)

، فسمعت قراءةً من القبر ما سمعت أحسنَ منها، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: «ذلك عبد الله، ألم تعلم أن الله قبضَ أرواحهم، فجعلها في قناديل من زَبَرْجَد وياقوت، ثم علَّقها وسط الجنة. فإذا كان الليلُ رُدَّت إليهم أرواحُهم، فلا تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر رُدَّت أرواحُهم إلى مكانهم الذي

(3)

كانت به»

(4)

.

(1)

موضع أسفل المدينة من ناحية الشام، لا يزال معروفًا. انظر: المغانم المطابة (299).

(2)

في الأصل ضرب بعضهم على «بن عمرو» ، فأثبت ناسخ (غ):«عبد الله بن حرام» . وتحرّف «حرام» في (ن) إلى «حزم» .

(3)

في (أ، غ، ن): «التي» ، خطأ.

(4)

في إسناده عيسى بن عبد الرحمن هو ابن فروة أبو عُبادة الأنصاري، قال البخاري: منكر الحديث وكذا قال أبو حاتم: ضعيف الحديث شبيه بالمتروك، لا أعلم روى عن الزهري حديثًا صحيحًا. وقال ابن عدي: يروي عن الزهري أحاديث مناكير. انظر: تهذيب التهذيب (8/ 218).

وابن شهاب هو الإمام الزهري، وعامر بن سعد هو ابن أبي وقاص الزهري.

وأما إسماعيل بن طلحة فلم أجد له ذكرًا في كتب الرجال المتوفرة، ولا ذكره علي بن المديني في ولد الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي رضي الله عنه في جزئه «تسمية من روي عنه من أولاد العشرة» (ص 37)، لكن له ابن اسمه يعقوب هو من رواة الحديث، له ترجمة في الجرح والتعديل (9/ 204)، وثقات ابن حبان (5/ 554).

والحديث عزاه ابن رجب في أهوال القبور (ص 84، 85) لابن منده أيضًا وضعَّف إسناده. وقال في موضع آخر (ص 185): «وهو منكر، وأبو عبادة هذا ــ يعني عيسى بن عبد الرحمن ــ ضعيف جدًّا» . (قالمي).

ص: 307