الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل السَّادِس الصَّبْر الْجَمِيل والصفح الْجَمِيل والهجر الْجَمِيل
وأقسام التَّقْوَى وَالصَّبْر وَسُئِلَ الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَامِل الحبر الْكَامِل شيخ الاسلام ومفتي الْأَنَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية أيده الله وزاده من فَضله الْعَظِيم عَن الصَّبْر الْجَمِيل والصفح الْجَمِيل والهجر الْجَمِيل وَمَا أَقسَام التَّقْوَى وَالصَّبْر الَّذِي عَلَيْهِ النَّاس فَأجَاب رحمه الله الْحَمد لله أما بعد فَإِن الله أَمر نبيه بالهجر الْجَمِيل والصفر الْجَمِيل وَالصَّبْر الْجَمِيل فالهجر الْجَمِيل هجر بِلَا أَذَى والصفح الْجَمِيل صفح بِلَا عتاب وَالصَّبْر الْجَمِيل صَبر بِلَا شكوى قَالَ يَعْقُوب عليه الصلاة والسلام انما أَشْكُو بثي وحزني الى الله مَعَ قَوْله فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون فالشكوى الى الله لَا تنَافِي الصَّبْر الْجَمِيل ويروى عَن مُوسَى عليه الصلاة والسلام أَنه كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَك الْحَمد واليك المستكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان وَمن دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اليك أَشْكُو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس أَنْت
رب الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنت رَبِّي الله الى من تَكِلنِي الى بعيد يتجهمني أم الى عَدو ملكته أَمْرِي ان لم يكن بك غضب عَليّ فَلَا أُبَالِي غير أَن عافيتك هِيَ أوسع لي أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن ينزل بِي سخطك أَو يحل عَليّ غضبك لَك العتبى حَتَّى ترْضى وَكَانَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر انما أَشْكُو بثي وحزني الى الله ويبكي حَتَّى يسمع نَشِيجه من آخر الصُّفُوف بِخِلَاف الشكوى الى الْمَخْلُوق قرىء على الامام أَحْمد فِي مرض مَوته أَن طاووسا كره أَنِين الْمَرِيض وَقَالَ انه شكوى فَمَا أَن حَتَّى مَاتَ وَذَلِكَ أَن المشتكي طَالب بِلِسَان الْحَال اما ازالة مَا يضرّهُ أَو حُصُول مَا يَنْفَعهُ وَالْعَبْد مَأْمُور أَن يسْأَل ربه دون خلقه كَمَا قَالَ تَعَالَى فَإِذا فرغت فانصب والى رَبك فارغب وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاس اذا سَأَلت فاسأل الله واذا استغنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَلَا بُد للانسان من شَيْئَيْنِ طَاعَته بِفعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور وَصَبره على مَا يُصِيبهُ من الْقَضَاء الْمَقْدُور فَالْأول هُوَ التَّقْوَى وَالثَّانِي هُوَ الصَّبْر قَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا الى قَوْله وان تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا ان الله بِمَا يعْملُونَ محيظ وَقَالَ تَعَالَى بلَى ان تصبروا وتتقوا
ويأتوكم من فورهم هَذَا يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين وَقَالَ تَعَالَى لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَقد قَالَ يُوسُف أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فَإِن الله لايضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَصِيَّة الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَنَحْوه من المشائح المستقيمين يوصون فِي عَامَّة كَلَامهم بِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ المسارعة الى فعل الْمَأْمُور والتقاعد عَن فعل الْمَحْظُور وَالصَّبْر وَالرِّضَا بِالْأَمر الْمَقْدُور وَذَلِكَ أَن هَذَا الْمَوْضُوع غلط فِيهِ كثير من الْعَامَّة بل وَمن السالكين فَمنهمْ من يشْهد الْقدر فَقَط وَيشْهد الْحَقِيقَة الكونية دون الدِّينِيَّة فَيرى أَن الله خَالق كل شَيْء وربه وَلَا يفرق بَين مَا يُحِبهُ الله ويرضاه وَبَين مَا يسخطه ويبغضه وان قدره وقضاه وَلَا يُمَيّز بَين تَوْحِيد الألوهية وَبَين تَوْحِيد الربوبية فَيشْهد الْجمع الَّذِي يشْتَرك فِيهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات سعيدها وشقيها مشْهد الْجمع الَّذِي يشْتَرك فِيهِ الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر وَالنَّبِيّ الصَّادِق والمتنبيء
الْكَاذِب وَأهل الْجنَّة وَأهل النَّار وأولياء الله وأعداؤه وَالْمَلَائِكَة المقربون والمردة الشَّيَاطِين أفهام خاطئة فِي الْقَضَاء وَالْقدر فَإِن هَؤُلَاءِ كلهم يشتركون فِي هَذَا الْجمع وَهَذِه الْحَقِيقَة الكونية وَهُوَ أَن الله رَبهم وخالقهم ومليكهم لَا رب لَهُم غَيره وَلَا يشْهد الْفرق الَّذِي فرق الله بِهِ بَين أوليائه وأعدائه وَبَين الْمُؤمنِينَ والكافرين والأبرار والفجار وَأهل الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ تَوْحِيد الألوهية وَهُوَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ وطاعته وَطَاعَة رَسُوله وَفعل مَا يُحِبهُ ويرضاه وَهُوَ مَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله أَمر ايجاب أَو أَمر اسْتِحْبَاب وَترك مَا نهى الله عَنهُ وَرَسُوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَجِهَاد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ بِالْقَلْبِ وَالْيَد وَاللِّسَان فَمن لم يشْهد هَذِه الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة الفارقة بَين هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء وَيكون مَعَ أهل الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة والا فَهُوَ من جنس الْمُشْركين وَهُوَ شَرّ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى اقرار الْمُشْركين بِالْحَقِيقَةِ الكونية فَإِن الْمُشْركين يقرونَ بِالْحَقِيقَةِ الكونية اذ هم يقرونَ بِأَن الله رب كل شَيْء كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله وَقَالَ تَعَالَى قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا ان كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ قل من رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم سيقولون لله قل أَفلا تَتَّقُون قل من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ ان كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل فَأنى تسحرون وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه الا وهم
مشركون قَالَ بعض السّلف تَسْأَلهُمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَيَقُولُونَ الله وهم مَعَ هَذَا يعْبدُونَ غَيره فَمن أقرّ بِالْقضَاءِ وَالْقدر دون الْأَمر وَالنَّهْي الشرعيين فَهُوَ أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِن أُولَئِكَ يقرونَ بِالْمَلَائِكَةِ وَالرسل الَّذِي جَاءُوا بِالْأَمر وَالنَّهْي الشرعيين لَكِن آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الَّذين يكفرون بِاللَّه وَرُسُله ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض ويريدون أَن يتخذوا بَين ذَلِك سَبِيلا أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا وَأما الَّذِي يشْهد الْحَقِيقَة الكونية وتوحيد الربوبية الشَّامِل للخليقة ويقر أَن الْعباد كلهم تَحت الْقَضَاء وَالْقدر ويسلك هَذِه الْحَقِيقَة فَلَا يفرق بَين الْمُؤمنِينَ والمتقين الَّذين أطاعوا أَمر الله الَّذِي بعث بِهِ رسله وَبَين من عصى الله وَرَسُوله من الْكفَّار والفجار فَهَؤُلَاءِ أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَكِن من النَّاس من قد لمحوا الْفرق فِي بعض الْأُمُور دون بعض بِحَيْثُ يفرق بَين الْمُؤمن وَالْكَافِر وَلَا يفرق بَين الْبر والفاجر أَو يفرق بَين بعض الْأَبْرَار وَبَين بعض الْفجار وَلَا يفرق بَين آخَرين اتبَاعا لظَنّه وَمَا يهواه فَيكون نَاقص الايمان بِحَسب مَا سوى بَين الْأَبْرَار والفجار وَيكون مَعَه من الايمان بدين الله تَعَالَى الْفرق بِحَسب مَا فرق بِهِ بَين أوليائه وأعدائه وَمن أقرّ بِالْأَمر وَالنَّهْي الدينيين دون الْقَضَاء وَالْقدر كَانَ من الْقَدَرِيَّة كالمعتزلة وَغَيرهم الَّذين هم مجوس هَذِه الْأمة فَهَؤُلَاءِ يشبهون الْمَجُوس وولئك يشبهون الْمُشْركين الَّذين هم شَرّ من الْمَجُوس
وَمن أقرّ بهما وَجعل الرب متناقضا فَهُوَ من أَتبَاع ابليس الَّذِي اعْترض على الرب سُبْحَانَهُ وخاصمه كَمَا نقل ذَلِك عَنهُ فَهَذَا التَّقْسِيم فِي القَوْل والاعتقاد أَقسَام النَّاس فِي الْعِبَادَة وَكَذَلِكَ هم فِي الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال فَالصَّوَاب مِنْهَا حَالَة الْمُؤمن الَّذِي يَتَّقِي الله فيفعل الْمَأْمُور وَيتْرك الْمَحْظُور ويصبر على مَا يُصِيبهُ من الْمَقْدُور فَهُوَ عِنْد الْأَمر وَالنَّهْي وَالدّين والشريعة ويستعين بِاللَّه على ذَلِك كَمَا قَالَ تَعَالَى اياك نعْبد واياك نستعين واذا أذْنب اسْتغْفر وَتَابَ لَا يحْتَج بِالْقدرِ على مَا يَفْعَله من السَّيِّئَات وَلَا يرى للمخلوق حجَّة على رب الكائنات بل يُؤمن بِالْقدرِ وَلَا يحْتَج بِهِ كَمَا فِي الحَدِيث الصيحيح الَّذِي فِيهِ سيد الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا اله الا أَنْت خلقتني وَأَنا عَبدك وَأَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ وأبوء بذنبي فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب الا أَنْت فَيقر بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ فِي الْحَسَنَات وَيعلم أَنه هُوَ هداه ويسره لليسرى ويقر بذنوبه من السَّيِّئَات وَيَتُوب مِنْهَا كَمَا قَالَ بَعضهم أطعتك بِفَضْلِك والْمنَّة لَك وعصيتك بعلمك وَالْحجّة لَك فأسألك بِوُجُوب حجتك عَليّ
وَانْقِطَاع حجتي الا غفرت لي وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح الالهي يَا عبَادي انما هِيَ أَعمالكُم أحصيها لكم ثمَّ أوفيكم اياها فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن الا نَفسه وَهَذَا لَهُ تَحْقِيق مَبْسُوط فِي غير هَذَا الْموضع وَآخَرُونَ قد يشْهدُونَ الْأَمر فَقَط فتجدهم يجتهدون فِي الطَّاعَة حسب الِاسْتِطَاعَة لَكِن لَيْسَ عِنْدهم من مُشَاهدَة الْقدر مَا يُوجب لَهُم حَقِيقَة الِاسْتِعَانَة والتوكل وَالصَّبْر وَآخَرُونَ يشْهدُونَ الْقدر فَقَط فَيكون عِنْدهم من الِاسْتِعَانَة والتوكل وَالصَّبْر مَا لَيْسَ عِنْد أُولَئِكَ لكِنهمْ لَا يلتزمون أَمر الله وَرَسُوله وَاتِّبَاع شَرِيعَته وملازمة مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة من الدّين فَهَؤُلَاءِ يستعينون الله وَلَا يعبدونه وَالَّذين من قبلهم يُرِيدُونَ أَن يعبدوه وَلَا يستعينوه وَالْمُؤمن يعبده ويستعينة وَالْقسم الرَّابِع شَرّ الْأَقْسَام وَهُوَ من لَا يعبده وَلَا يستعينة فَلَا هُوَ مَعَ الشَّرِيعَة الأمرية وَلَا مَعَ الْقدر الكوني وانقسامهم الى هَذِه الْأَقْسَام هُوَ فِيمَا يكون قبل وُقُوع الْمَقْدُور من توكل واستعانة وَنَحْو ذَلِك وَمَا يكون بعده من صَبر ورضا وَنَحْو ذَلِك فهم فِي التَّقْوَى وَهِي طَاعَة الْأَمر الديني وَالصَّبْر على مَا يقدر عَلَيْهِ من الْقدر الكوني أَرْبَعَة أَقسَام أَقسَام النَّاس فِي التَّقْوَى وَالصَّبْر أَحدهَا أهل التَّقْوَى وَالصَّبْر وهم الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من أهل السَّعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالثَّانِي الَّذين لَهُم نوع من التَّقْوَى بِلَا صَبر مثل الَّذين يمتثلون
مَا عَلَيْهِم من الصَّلَاة وَنَحْوهَا ويتركون الْمُحرمَات لَكِن اذا أُصِيب أحدهم فِي بدنه بِمَرَض وَنَحْوه أَو فِي مَاله أَو فِي عرضه أَو ابْتُلِيَ بعدو يخيفه عظم جزعه وَظهر هلعه وَالثَّالِث قوم لَهُم نوع من الصَّبْر بِلَا تقوى مثل الْفجار الَّذين يصبرون على مَا يصبيهم فِي مثل أهوائهم كاللصوص والقطاع الَّذين يصبرون على الآلام فِي مثل مَا يطلبونه من الْغَصْب وَأخذ الْحَرَام وَالْكتاب وَأهل الدِّيوَان الَّذين يصبرون على ذَلِك فِي طلب مَا يحصل لَهُم من الْأَمْوَال بالخيانة وَغَيرهَا وَكَذَلِكَ طلاب الرِّئَاسَة والعلو على غَيرهم يصبرون من ذَلِك على أَنْوَاع من الْأَذَى الَّتِي لَا يصبر عَلَيْهَا أَكثر النَّاس وَكَذَلِكَ أهل الْمحبَّة للصور الْمُحرمَة من أهل الْعِشْق وَغَيرهم يصبرون فِي مثل مَا يهوونه من الْمُحرمَات على أَنْوَاع من الْأَذَى والآلام وَهَؤُلَاء هم الَّذين يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض أَو فَسَادًا من طلاب الرِّئَاسَة والعلو على الْخلق وَمن طلاب الْأَمْوَال بالبغي والعدوان والاستمتاع بالصور الْمُحرمَة نظرا أَو مُبَاشرَة وَغير ذَلِك يصبرون على أَنْوَاع من المكروهات وَلَكِن لَيْسَ لَهُم تقوى فِيمَا تَرَكُوهُ من الْمَأْمُور وفعلوه من الْمَحْظُور وَكَذَلِكَ قد يصبر الرجل على مَا يُصِيبهُ من المصائب كالمرض والفقر وَغير ذَلِك وَلَا يكون فِيهِ تقوى اذا قدر وَأما الْقسم الرَّابِع فَهُوَ شَرّ الْأَقْسَام لَا يَتَّقُونَ اذا قدرُوا وَلَا يصبرون اذا ابتلوا بل هم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى ان الانسان خلق هلوعا واذا مَسّه الشَّرّ جزوعا واذا مَسّه الْخَيْر منوعا فَهَؤُلَاءِ تجدهم من أظلم النَّاس وأجبرهم اذا قدرُوا وَمن أذلّ النَّاس وأجزعهم اذا قهروا ان قهرتهم ذلوا لَك ونافقوك وحابوك واسترحموك ودخلوا فِيمَا يدْفَعُونَ بِهِ عَن أنفسهم من أَنْوَاع الْكَذِب والذل وتعظيم المسؤول وان
فهروك كَانُوا من أظلم النَّاس وأقساهم قلبا وَأَقلهمْ رَحْمَة واحسانا وعفوا كَمَا قد جربه الْمُسلمُونَ فِي كل من كَانَ عَن حقائق الايمان أبعد مثل التتار الَّذين قَاتلهم الْمُسلمُونَ وَمن يشبههم فِي كثير من أُمُورهم وان كَانَ متظاهرا بلباس جند الْمُسلمين وعلمائهم وزهادهم وتجارهم وصناعهم قالاعتبار بالحقائق فَإِن الله لَا ينظر الى صوركُمْ وَلَا الى أَمْوَالكُم وَإِنَّمَا ينظر الى ينظر الى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ فَمن كَانَ قلبه وَعَمله من جنس قُلُوب التتار وأعمالهم كَانَ شَبِيها لَهُم من هَذَا الْوَجْه وَكَانَ مَا مَعَه من الْإِسْلَام أَو مَا يظهره مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا مَعَهم من الْإِسْلَام وَمَا يظهرونه مِنْهُ بل يُوجد فِي غير التتار المقاتلين من المظهرين لِلْإِسْلَامِ من هُوَ أعظم ردة وأولي بالأخلاق الْجَاهِلِيَّة وَأبْعد عَن الْأَخْلَاق الإسلامية من التتار وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي خطبَته خير الْكَلَام كَلَام الله وَخير الْهدى هدي مُحَمَّد وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل مبدعة صلالة وَإِذا كَانَ خير الْكَلَام كَلَام الله وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد فَكل من كَانَ الى ذَلِك أقرب وَهُوَ بِهِ أشبه كَانَ الى الْكَمَال أقرب وَهُوَ بِهِ أَحَق وَمن كَانَ عَن ذَلِك أبعد وَشبهه بِهِ أَضْعَف كَانَ عَن الْكَمَال أبعد وبالباطل أَحَق والكامل هُوَ من كَانَ لله أطوع وعَلى مَا يُصِيبهُ أَصْبِر فَكلما كَانَ أتبع لما يَأْمر الله بِهِ وَرَسُوله وَأعظم مُوَافقَة لله فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه وصبرا على مَا قدره وقضاه كَانَ أكمل وَأفضل وكل من نقص عَن هذَيْن كَانَ فِيهِ من النَّقْص بِحَسب ذَلِك
الصَّبْر وَالتَّقوى فِي الْكتاب وَالسّنة وَقد ذكر الله الصَّبْر وَالتَّقوى جَمِيعًا فِي غير مَوضِع من كِتَابه وَبَين أَنه ينصر العَبْد على عدوه من الْكفَّار الْمُحَاربين المعاندين وَالْمُنَافِقِينَ وعَلى من ظلمه من الْمُسلمين ولصاحبه تكون الْعَاقِبَة قَالَ الله تَعَالَى بلَى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هَذَا يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين وَقَالَ الله تَعَالَى لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا ودوا مَا عنتم قد بَدَت الْبغضَاء من أَفْوَاههم وَمَا تخفي صُدُورهمْ أكبر قد بَينا لكم الْآيَات ان كُنْتُم تعقلون هَا أَنْتُم أولاء تحبونهم وَلَا يحبونكم وتؤمنون بِالْكتاب كُله واذا لقوكم قَالُوا آمنا واذا خلوا عضوا عَلَيْكُم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بِذَات الصُّدُور ان تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وان تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا وان تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا ان الله بِمَا يعْملُونَ مُحِيط وَقَالَ اخوة يُوسُف لَهُ أانك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَقد قرن الصَّبْر بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة عُمُوما وخصوصا فَقَالَ تَعَالَى وَاتبع مَا يُوحى اليك واصبر حَتَّى يحكم الله وَهُوَ خير الْحَاكِمين
وَفِي اتِّبَاع مَا أُوحِي اليه التَّقْوَى كلهَا تَصْدِيقًا لخَبر الله وَطَاعَة لأَمره وَقَالَ تَعَالَى وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل ان الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ واصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَقَالَ تَعَالَى فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك وَسبح بِحَمْد رَبك بالْعَشي والأبكار وَقَالَ تَعَالَى فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا وَمن آنَاء اللَّيْل وَقَالَ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وانها لكبيرة الا على الخاشيعن وَقَالَ تَعَالَى اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة ان الله مَعَ الصابرين فَهَذِهِ مَوَاضِع قرن فِيهَا الصَّلَاة وَالصَّبْر وَقرن بَين الرَّحْمَة وَالصَّبْر فِي مثل قَوْله تَعَالَى وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة وَفِي الرَّحْمَة الاحسان الى الْخلق بِالزَّكَاةِ وَغَيرهَا فَإِن الْقِسْمَة أَيْضا ربَاعِية اذ من النَّاس من يصبر وَلَا يرحم كَأَهل الْقُوَّة وَالْقَسْوَة وَمِنْهُم من يرحم وَلَا يصبر كَأَهل الضعْف واللين مثل كثير من النِّسَاء وَمن يشبههن وَمِنْهُم من لَا يصبر وَلَا يرحم كَأَهل الْقَسْوَة والهلع والمحمود هُوَ الَّذِي يصبر وَيرْحَم كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء فِي الْمُتَوَلِي يَنْبَغِي أَن يكون قَوِيا من غير عنف لينًا من غير ضعف فبصبره يقوى وبلينه يرحم وبالصبر ينصر العَبْد فَإِن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وبالرحمة يرحمه الله تَعَالَى كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم انما يرحم الله من عباده
الرُّحَمَاء وَقَالَ من لَا يرحم لَا يرحم وَقَالَ لَا تنْزع الرَّحْمَة الا من شقي وَقَالَ الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء وَالله أعلم انْتهى