المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: المبحث الرابع: مقارنة التربية الإسلامية بمتناقضات التربيات الأخرى - السبق التربوي مفهومه ومنهجه ومعالمه في ضوء النهج الإسلامي

[خالد بن حامد الحازمي]

الفصل: ‌باب: المبحث الرابع: مقارنة التربية الإسلامية بمتناقضات التربيات الأخرى

‌باب: المبحث الرابع: مقارنة التربية الإسلامية بمتناقضات التربيات الأخرى

المبحث الرابع: مقارنة التربية الإسلامية بمتناقضات التربيات الأخرى

إن التربية الأجنبية المعاصرة تعيش اليوم في جو مفعم بالتناقض والازدواجية، وأصبحت تعيش مأزقاً سلوكياً حرجاً، بينما التربية الإسلامية عندما طبقت بكاملها من لدن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنجبت جيلاً فريداً من نوعه في عبادته، وأخلاقه، وعلاقاته، في السلم والحرب، وفي المنشط والمكره، فقدم الأسلاف للخلف نموذجاً رائعاً لا يزيغ عنه إلا هالك، ليظهر بذلك سبق الإسلام في معالجة قضايا الإنسان التربوية، التي لا تستقيم حياة الناس إلا بمنهجه.

وفيما يلي عرض لمظاهر التناقض والازدواجية التي تعيشها التربية غير الإسلامية مع بيان سلامة منهج التربية الإسلامية1.

1-

الفردية في مقابل الروح الجماعية:

ويقصد بالفردية التمركز حول الأنا، والاعتقاد بأن الفرد هو الوحدة الأساسية الهامة في كل قرار2، فهناك من ينادي بحقوق الفرد على حساب المجتمع وتمثله التربية الماركسية، ومنهم من ينادي بحقوق المجتمع على حساب الفرد، وتمثله التربية الاشتراكية، في حين نجد أن الإسلام عيّن حقوقاً فردية وحقوقاً جماعية لا تناقض بينهما، ووضعت قواعد عامة لمقابلة المستجدات، وحل ما قد يحدث من تعارض بين حقوق الفرد والمجتمع، فجاءت القاعدة الفقهية العامة: “يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام”3.

1 انظر: ماجد عرسان الكيلاني، اتجاهات معاصرة في التربية الخلقية، ص (104-125) .

2 المرجع السابق، ص 104.

3 أحمد بن محمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ص (197) .

ص: 478

2-

كرامة الإنسان في مقابل إنجازات الفرد وممتلكاته:

وهي تعني أن قيمة الفرد ليس بآدابه وأخلاقه وإنما بإنجازاته وممتلكاته المادية، بصرف النظر عن منهجه وسلوكه.

في حين نجد أن الإسلام ينطلق في تقييمه للإنسان من التكريم، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} 1.

ثم التسوية بين البشر في الأساس التكويني {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} 2.

ثم التفرقة بقدر الطاعة لله تعالى، وبحسب الإيمان والعلم والتقوى. قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 3. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} 4.

ثم إن وسائل التفرقة بين الناس في منهج التربية الإسلامية لا تولد العداء، بل تولد التنافس في الطاعة والخير، وتولد الاحترام بين أهله، وهذا ما عجزت أن تحققه التربيات الأخرى.

وهنا لا ننفي بعض التصرفات السلوكية من بعض أفراد المجتمع المسلم في تقيمهم للآخرين بحسب مكانتهم المادية والاجتماعية بصرف النظر عن تمسكهم بالدين وتعاليمه، فهذه التصرفات نابعة من قصور معرفي وإدراكي عند أولئك، وليس في منهج التربية الإسلامية.

1 سورة الإسراء: آية رقم (70) .

2 سورة الحجرات: آية رقم (13) .

3 سورة الحجرات: آية رقم (13) .

4 سورة المجادلة: آية رقم (11) .

ص: 479

3-

المساواة في مقابل التنافس:

فقد أفرزت التربية الغربية طبقتين:

أ - طبقة المحافظين الذين يعودون إلى طبقة الدارونية الاجتماعية والاقتصاد الحر، والتحلل من المسؤولية نحو المحتاجين، وعدم التألم من الاستغلال والظلم.

ب - طبقة الرادكاليين: المطالبين بالمساواة والرعاية والضمانات الاجتماعية1. في حين نجد أن التربية الإسلامية تضمن للأفراد حقوقهم، وتغرس بينهم التنافس في فعل الخيرات، بما يغرس فيهم التراحم والتواد.

4-

الهيمنة في مقابل الحرية:

إن التربية الغربية أفرزت تناقضاً شعورياً عند الفرد بما يشاهده ويشعر به، بل ويمارسه، من استخدام العنف للهيمنة على القضايا والمقدرات الاقتصادية والبشرية بالحروب والمذابح، والتجويع المفتعل، والنكسات الاقتصادية، والتلوث والقنابل النووية، ومقابل ذلك المناداة بالحرية الفردية والجماعية، وهذه قضية حادثة متضاربة.

في حين نجد أن التربية الإسلامية بمنهجها الرباني تؤكد حرية الفرد والمجتمع المنضبطة بضوابط شرعية، وتجعل الهيمنة في يد السلطان الحاكم، وفي يد الوالدين، وفي يد المعلم، ولكنها تضبط هذه الهيمنة بضوابط شرعية تحقق المصلحة الفردية والجماعية، فيتولد لدى أتباع المنهج الإسلامي الاستقرار النفسي والاجتماعي.

ومن أمثلة ذلك في منهج التربية الإسلامية أن الزوج له سلطة الهيمنة في المنزل، ولكن هذه السلطة ذات ضوابط، لا تعطيه حق التعسف ومنع الزوجة من حريتها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ

1 ماجد عربيان الكيلاني، اتجاهات معاصرة في التربية الخلقية، ص (107-108) .

ص: 480

وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} 1.

وفي نفس الوقت قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} 2. وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 3.

وهذا يعطي الزوج حق الرئاسة، ويكفل للزوجة حقوقها بما يضمن لها إنسانيتها وحريتها.

وبالنسبة للحاكم (السلطان) فله حق الولاية وما يتبعها من سلطة ومسؤولية، قال صلى الله عليه وسلم “فالإمام راع ومسؤول عن رعيته” 4. وهذه المسؤولية تخول له القيام بتبعاتها من حفظ الدين وتنفيذ الأحكام وحفظ حقوق الرعية وتحصين الثغور5.

كما أن هذه الولاية تحتم على الرعية الطاعة، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مُجَدَّع الأطراف” 6. وقال صلى الله عليه وسلم: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني” 7. وهذه الطاعة مقيدة، قال صلى الله عليه وسلم: “على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” 8.

1 سورة النساء: آية رقم (34) .

2 سورة البقرة: آية رقم (228) .

3 سورة النساء: آية رقم (19)

4 البخاري (1/284-285) برقم (893) ، مسلم (3/1459) برقم (20-1829) .

5 انظر: الأحكام السلطانية للماوردي، ص (18) .

6 مسلم (3/1467) ، رقم (36-1837) .

7 المرجع السابق (3/1466) ، برقم (32-1835) .

8 المرجع السابق (3/1469) ، برقم (38-1839) .

ص: 481

5-

العنصرية مقابل العالمية:

المنهج التربوي اليهودي هو المسيطر والمهيمن على منحى التربية الغربية، وهي تسير في توجهاته ووفق تطلعاته، ومن معتقدات اليهود التي تربوا عليها العنصرية، فهم يرون أن لهم مكانة خاصة، دونها جميع الأجناس، وأنهم شعب الله المختار، مهما كان سلوكهم، وأفعالهم، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وهم يعتقدون أنهم مميزون عن شعوب العالم في كل شيء، في الأجساد والأرواح والمصير، فهم يزعمون أنهم خلقوا على الصورة البشرية استحقاقاً لذلك، أما الشعوب الأخرى فمن أجل أن يسهل على اليهود تسخيرهم للخدمة، ولكي يأنس الأسياد بالعبيد1.

وقد وصف الله تعالى عقائد هؤلاء القوم في القرآن الكريم، قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} 2. وقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} 3. وقال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 4.

ويقابل هذه التربية العنصرية الدعوة إلى التسامح، وحفظ الحقوق بهتاناً وزوراً؛ وذلك لتحقيق مآرب من وراء ذلك. وبالتالي فإن الناشئ في هذا الجو المفعم بالتناقض يخلق لديه توتراً نفسياً وخوفاً وشكوكاً وعدوانية تجاه العالم.

في حين نجد التربية الإسلامية تربي في أفرادها العدل البشري والتمايز

1 وفاء صادق، أخلاق اليهود وأثرها في حياتهم المعاصرة، ص (25) .

2 سورة البقرة: آية رقم (111) .

3 سورة البقرة: آية رقم (80) .

4 سورة آل عمران: آية رقم (75) .

ص: 482

بالتقوى والعمل الصالح لا بالجنس، والدم واللون والمكان والزمان، وهذا يرتضيه كل فرد؛ لأنه عين العدل، ومطمع الفطرة السوية، وفي نفس الوقت تجد الإسلام دعوة عالمية لكل بشر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} 1.

فهي دعوة للناس جميعاً دون تمايز بالألقاب والأجناس والأموال، ففاطمة بنت قيس القرشية تتزوج من أسامة بن زيد وهو مولى أسود اللون2 رضي الله عنهما وصهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي رضي الله عنهم صحابة إجلاء في كوكبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 3.

فهذه التربية الإسلامية تركت آثاراً عظيمة عميقة في الفرد والمجتمع الإسلامي لِتُكَوِّن منهم بناءً موحداً كالجسد الواحد فيما بينهم، ويحبون الخير للناس مؤكدين ذلك في نوايا فتوحاتهم أنها ليست للاستيلاء على مقدرات الأمم وإذلالاً لها، بل لإخراجها من الكفر إلى الإسلام، ففي فتوحاتهم لم يقتلوا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً4.

6-

الاغتراب في مقابل الانتماء:

تساعد التربية الغربية المعاصرة الطلاب للتكيف حسب متطلبات الثقافة المادية الجارفة دون النظر إلى الجانب الأخلاقي، ويوصف هذا الإسهام بالواقعية

1 سورة يونس: آية رقم (57) .

2 الحديث في صحيح مسلم (2/114) ، برقم (36-1480) .

3 سورة الحجرات: آية رقم (13) .

4 عن عالمية التربية الإسلامية، انظر: كتاب التربية الإسلامية والمشكلات المعاصرة، عبد الرحمن النحلاوي، ص (106-112) .

ص: 483

والمعقولية، وفي نفس الوقت يجد المربون غربة في الأهداف المادية وفي الوسائل، وفي عدم الالتزام بالغايات العليا للتربية.

وتتمثل الأزمة الثقافية المعاصرة في عجز المربين عن بلورة التزام أخلاقي عميق ومستمر، يمكن أن يبعث الحيوية في الحياة اليومية، ويسبغ عليها صفة الشرعية.

والمربون يعكسون الألم والكرب الناتجين عن الاغتراب، وهم يعلنون الفساد والانحطاط الكامنين في هذه الثقافة، ويدركون الأبعاد التاريخية والثقافية، وكذلك مخاطر الحلول السطحية التي يتم طرحها1.

فهذا الانتماء للمنهج التربوي بحكم المعايشة والولاء له، مع الشعور بالخواء الأخلاقي يحدث في النفس انفصاماً واضطراباً بين حنينه وولائه لمنهجه، وبين حياته المادية والثقافية التي لا تتوافق مع الفطرة البشرية، فيتولد عن ذلك ما يسمى بالغربة.

أما منهج التربية الإسلامية، فلا تناقض فيه بين منهجه وبين الفطرة البشرية ولا بين الأهداف والوسائل، فالأهداف كلها تنطلق من تحقيق العبودية لله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} 2. وأما الطريق والمنهج فقال تعالى عنه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3.

ومما أكدته القواعد الأصولية: أن الوسائل لها أحكام المقاصد4.

1 ماجد عرسان الكيلاني، اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، ص (119) .

2 سورة الذاريات: آية رقم (56) .

3 سورة يوسف: آية رقم (108) .

4 عبد الرحمن بن سعدي، القواعد والأصول الجامعة، ص (9) .

ص: 484

ومن جهة أخرى فإن المنهج الإسلامي لا يأمر بشيء إلا والفطرة الإنسانية السليمة والعقل الصحيح يقبله ويرضاه، ولا ينهى الإسلام عن أمر إلا والفطرة المستقيمة والعقل اللبيب يستقبحه ولا يرضاه، وهذه المواءمة بين التشريع والفطرة والعقل تخلق انسجاماً تربوياً ونفسياً لدى معتنقي الإسلام.

7-

التغيير والواقع:

تواجه التربية المعاصرة مشكلة وتناقصاً في القيام بوظيفتين متناقضتين:

الأولى: العمل على تحطيم الواقع الذي لا يتناسب مع حاجات المرحلة ومتطلباتها.

والثانية: العمل على استشعار الاستقرار والرضى بالواقع القائم الذي يقصر من مقاصد التربية1.

فهذه أزمة تواجه المنهج التربوي، بين قبول الواقع الذي لا يتلاءم مع الفطرة وتكذيب النفس وإخداعها باستشعار الرضي الكاذب وبين أهمية التغير وإصلاح البنية التعليمية بما يزيح الأزمة التربوية.

فهذه الأزمة التناقضية لا تجدها في التربية الإسلامية وفي مناهجها؛ لأن الأسس الإسلامية ثابتة لا تتغير مثل: القواعد الكلية والمبادئ العامة والأحكام الجزئية التي ورد فيها نص فإنها لا تتغير ولا تتبدل، بينما تظهر المرونة في القدرة على وضع الحلول التي تطرأ في حياة الناس، وذلك بتوجيه العلماء للنظر والاجتهاد في المسائل والحوادث الجزئية التي تستجد وفق ضوابط شرعية2.

ومن جانب آخر جعل للتغيير إطاراً عاماً لا يجوز الخروج عنه أو عليه، بأن لا يكون متعارضاً مع أصول الشريعة أو يلحق ضرراً بأطراف التغيير، وأن

1 ماجد عرسان الكيلاني، اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، ص (120) .

2 حسين مطاوع، مصادر النظم الإسلامية، ص (127) .

ص: 485

يكون هذا التغيير لا يقل عن درجة الإباحة، وهذا فيما يتعلق بالأمور المادية في حياة الناس. أما فيما يتعلق بالتغيير الخاص بإزالة منكر أو تحقيق معروف فله ضوابط شرعية كقوله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه “1.

8-

الفصل بين الدين والعلم:

إن أشد أزمات التربية الغربية المعاصرة فصلها الدين عن العلم وعن الحياة، فالدين مكانه الكنائس لا يتجاوز ذلك البتة، والعلم قائم على التجريب فقط، وكل ما لا يخضع للتجريب لا يعتد به، والوحي عندهم ليس له مكان في مجال العلم التجريبي، فهما يسيران في خطين متنافرين، وكذلك الحياة تحكمها اللذة والنفعية، ونشاط الإنسان تحركه الغرائز فقط.

فهذه الفواصل أحدثت أزمة تربوية ونفسية واجتماعية كبيرة جداً، فأفرزت العلمانية.

فالعلم في مفاهيم تلك التربيات أنه: “مجموعة من الأفكار والخبرات التي أصبحت المظهر الأساسي المميز للحضارة الحديثة” ويعرف أيضاً العلم بأنه مجموعة متشابكة من النظريات2 وجوهر العلم هو الملاحظة والتجريب3.

فهذه المفاهيم للعلم نحت بالتربية الغربية منحى أبعد أفرادها عن الطريق السوي، وحقق لأتباعها خواء روحياً، وأوردهم مهاوي القلق النفسي مع محاولة الهروب عن هذه المصائب باستخدام المخدرات والمسكرات، وعن طريق الملاهي التي حاربها الإسلام.

1 مسلم (1/69) ، برقم (78-49) .

2 فيليب فينكس، فلسفة التربية، ص (507) .

3 المرجع السابع، ص (517) .

ص: 486

وأما في التربية الإسلامية، فإن الدين هو المهيمن على حياة الإنسان، وهو الإطار الذي يجب أن يسعى الإنسان في حدوده، والعلم أساس الدين وأساس السلوك البشري، ومصدره الأساسي من الله تعالى، ومن فروعه النظر والتأمل والاستفادة من نتائج التجارب الحياتية في أمور الناس. وهذه العلاقة المترابطة بين العلم والدين ولحياة أنتجت منهجاً تربوياً متماسكاً.

ص: 487