الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر اعتراض أبي بصير وأصحابة لقافلة أبي العاص
…
خبر اعتراض أبي بصير1 وأبي جندل لقافلة أبي العاص
(ويلُ أمه مُسعر حرب، لو كان معه أحد)
رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفا أبًا بصير
البيهقي، دلائل:(4/173)
الله ربي العليُّ الأكبر
…
مَن ينصرِ الله فسوف يُنْصَر
ويقع الأمرُ على ما يُقَدَّر
…
"أبو بصير"
البيهقي، دلائل:(4/173)
1 هذا الخبر لا يدخل ضمن نطاق هذا البحث الخاص بسرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبو بصير وأبو جندل وأصحابهما كانوا لا يخضعون لسيطرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العسكرية في أعمالهم الاعتراضية ضد قوافل قريش التجارية، وإنما كان ذلك اجتهادا منهم كرد فعل انتقامي من قريش التي فتنتهم عن دينهم ومنعتهم من تحقيق أمنيتهم في اللحاق بإخوانهم في المدينة، ولكن بما أن بعض أهل المغازي قديما وبعض الباحثين المعاصرين اعتبروها سرية اعتراضية بقيادة زيد بن حارثة بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتراض قافلة أبي العاص التجارية، لذلك أدرجتها ضمن القسم الخاص بالسرايا الاعتراضية من هذا البحث لأوضح حقيقة الأمر، والله تعالى أعلم بالصواب.
اعتبر بعض أهل المغازي كابن إسحاق1، والواقدي، ومتابعيه2 أن هذا الخبر خاص بسرية اعتراضية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتراض قافلة قرشية مقبلة من الشام، ووافقهم في ذلك بعض المحدِّثين كالشعبي3، والحاكم من المتأخرين الذي ساق الخبر برواية موصولة من طربق ابن إسحاق إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها4.
وقد رجح ابن حجر روايته بناء على اتصال سندها على رواية الشعبي التي وصفها بالشذوذ5.
وبناء عليه أيضا رجح بعض الباحثين المعاصرين6 رواية الحاكم على رواية الزهري الذي جزم بأن الذي اعترض القافلة القرشية هو أبو جندل، وأبو بصير وأصحابهما الذين كانوا بسيف البحر لما وقع صلح الحديبية7.
وكان يمكن اعتبار رواية الحاكم هذه على أساس أنها أقوى الروايات سندا. ولكنهم ذهلوا جميعا عن علتها، وبالتالي تعجلوا بالحكم عليها، حيث
1 ذكر ابن إسحاق في رواية البكائي عنه: أن أبا العاص خرج قبل الفتح في عير لقريش، فلقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يوضح من كان في تلك السرية. كذلك في رواية ابن بكير عنه لكن لم يذكر فيها التاريخ، انظر ابن هشام، سيرة (2/657-658) ، والبيهقي، سنن (9/143) .
2 كان الواقدي ومتابعوه أكثر وضوحا في معلوماتهم حيث ذكروا أنها سرية بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة لاعتراض عير قرشية أقبلت من الشام فيها أبو العاص بن الربيع. انظر الواقدي، مغازي (2/553) ، وابن سعد، طبقات (2/87) ، وابن سيد الناس، عيون (2/140) ، وابن كثير، بداية (4/180) ، والمقريزي، إمتاع (1/265) .
3 ذكر الشعبي أن أبا العاص خرج في تجارة إلى الشام، فلما كان يقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه فيقتلوه ويأخذوا ما معه، فعلمت زوجه زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فأجارته، فلما علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خرجوا إليه عزَّلاً بلا سلاح
…
إلخ. ابن حجر، إصابة (4/121-122) .
4 انظر رواية الحاكم مفصلة في المستدرك (3/236) .
5 ابن حجر، إصابة (4/122) .
6 حكم الألباني على رواية موسى بن عقبة عن الزهري بعدم الصحة لإرسالها مرجحا عليها رواية الحاكم الموصولة، وأن الأولى الاعتماد عليها. الغزالي، فقه السيرة (ص: 338) (حاشية: 1) واستدل بها الحكمي على أن الذي أخذ عير أبي العاص هو زيد بن حارثة. انظر الحكمي، مرويات غزوة الحديبية، (ص: 192 الحاشية) .
7 انظر البيهقي، دلائل (4/174) ، وباقشيش، مرويات موسى بن عقبة (2/405) .
أعتقد أن في الرواية إدراجا في المتن وعلة في السند، أما إدراج المتن فقوله: "وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام، وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة، وذلك في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة
…
إلخ"1، فهذا الكلام لم يرد في بقية الروايات عن ابن إسحاق ومنها ما رواه ابن بكير واسطة الحاكم إليه2، فربما كان هذا الكلام مدرجا من أحد الرواة الحاكم فظنه من كلام عائشة رضي الله عنها والله أعلم.
أما علة السند فهي أن السند الذي جعله الحاكم لكامل القصة ليس كذلك، فالقصة وردت عن ابن إسحاق عند غير الحاكم مجزأة وبأسانيد مختلفة، والسند الموصول الذي ذكره الحاكم يختص بالجزء الذي يحكي قصة فداء أبي العاص من أسره يوم بدر فقط، وليس لكامل القصة، أما بقية الرواية فليست موصولة، فبعضها عن يزيد بن رومان، وبعضها عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم موقوفة عليهما3 خاصة فيما يتعلق بالعير التي خرج فيها أبو العاص تاجرا واعتراض السرية له والتي لم يرد فيها ذكر عن قائد السرية، بل إن في سياقها ما يؤيد ما ذهب إليه الزهري حيث ذكر أن خروجها كان قبيل الفتح أي في زمن الهدنة، وذكر فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لزينب:"ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" 4، فمن المعلوم أن قريشا لم تستأنف رحلاتها التجارية إلى الشام إلا زمن الهدنة، فهل يعقل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعث سرايا لاعتراض القوافل القرشية وهو مرتبط بمعاهدة صلح وتهادن مع قريش، كما أن تحريم المؤمنات على المشركين إنما نزل بعد الحديبية بقوله تعالى {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 5، فلو كان اعتراض أبي العاص قبل الحديبية لما قال
1 الحاكم أبو عبد الله، المستدرك (3/236) .
2 انظر البيهقي، سنن (9/143) .
3 ولكن الحاكم وصلها، انظر المستدرك (3/163) .
4 انظر ابن هشام، سيرة (2/658) ، وانظر الذهبي، تاريخ الإسلام، المغازي (359-360) .
5 الممتحنة (10) .
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك. وهذا هو الذي جعل ابن القيم، والصالحي يصوِّبون رواية الزهري1، والغريب أن الواقدي ذكر ذلك في روايته على الرغم من أنه أرخ للسرية في جمادى الأولى سنة ست2، والحديبية كانت في ذي القعدة بالإجماع3 حتى الواقدي أرخ لها في ذي القعدة. كما أن في روايته اضطرابا، فهو يذكر أن أصحاب السرية أسروا أبا العاص4. ثم يعود فيذكر أن أبا العاص جاء إلى زينب فاستجار بها5.
إذًا.. فأنا أعتقد أن الذي اعترض قافلة أبي العاص هو أبو بصير، وأبو جندل وأصحابهما الذين تحشدوا في منطقة العيص الساحلية6 بعد هروبهم من قريش التي فتنتهم عن دينهم ومنعتهم من تحقيق أمنيتهم في اللحاق بإخوانهم في المدينة، وذلك حسب اتفاقيات صلح الحديبية7 فكانوا "بين العيص وذي مروة من أرض جهينة، على طريق عيرات قريش، مما يلي سيف البحر، لا يمر بهم عير لقرش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها8 ولا زالوا كذلك
1 بعد أن ساق رواية ابن إسحاق، والواقدي، وموسى بن عقبة، عقَّب ابن القيم بقوله:"وقول موسى بن عقبة أصوب، وأبو العاص إنما أسلم زمن الهدنة، وقريش إنما انبسطت عيرها إلى الشام زمن الهدنة، وسياق الزهري للسياق بيِّن ظاهر أنها كانت في زمن الهدنة. ابن القيم، زاد المعاد (2/121-122) ، أما الصالحي فقال: "وقول ابن إسحاق أن هذه السرية كانت قبل الفتح يشعر بما ذهب إليه الزهري، وصوَّبه في زاد المعاد، واستظهر في النور. ويؤيد قول الزهري قوله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر وغيرهما لزينب:"لا يخلص إليك فإنك لا تحلين له"، فإن تحريم المؤمنات على المشركين إنما نزل بعد صلح الحديبية. الصالحي، سبل (6/137) .
2 الواقدي، مغازي (2/553) .
3 انظر الحكمي، مرويات غزوة الحديبية (ص: 28) .
4 الواقدي، مغازي (2/573) .
5 المصدر السابق (2/553) .
6 بكسر العين ومثناة تحتية ساكنة وصاد مهملة، وادٍ لجهينة بين المدينة والبحر يصب في أضم من اليسار من أطراف جبل الأجرد الغربية ومن الجبال المتصلة به، ومن حرار تقع بين أضم وينبع، وفيه عيون وقرى كثيرة. البلادي عاتق غبث، معجم المعالم الجغرافية في السيرة) (ص: 219) .
7 كان أحد شروط صلح الحديبية: أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه ردَّه عليهم، انظر: الحكمي حافظ، مرويات غزوة الحديبية (ص: 163) .
8 من رواية موسى بن عقبة عن الزهري. انظر البيهقي، دلائل (4/173) ، وباقشيش، مرويات ابن=
حتى مر بهم أبو العاص بن الربيع صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم1 قادمًا من الشام في نفر من قريش معهم تجارة لهم فسيطروا على القافلة، وأسروا رجالها دون أن يقتلوا منهم أحدًا إكرامًا لصهر أبي العاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقوا سراح أبي العاص، فقدم المدينة على امرأته زينب رضي الله عنها التي كانت عند أبيها منذ أن أذن لها أبو العاص باللحوق به "فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسر أبو جندل، وأبو بصير، وما أخذوا لهم"2.
وتروي أم المؤمنين أم سلمة قصة إجارة زينب رضي الله عنها لزوجها أبي العاص فتقول: "فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها، والنبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح يصلي بالناس، فقالت: أيها الناس، أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني قد أجرت أبا العاص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: "أيها الناس إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم" 3.
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، حيث وضح لهم مكانة أبي العاص منه، وذكر لهم ما أصابه وأصحابه، وأن زوجه زينب قد أجارته "فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه"، فقال الناس: نعم، فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى رد إليهم كل شيء أخذ منهم حتى العقال4 امتثالا لرغبة رسول الله
=عقبة (2/403-404) .
1 أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمي. أمه هالة بنت خويلد، كان يلقب جرو البطحاء، واختلف في اسمه، كان قبل البعثة مؤاخيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يكثر غشاءه في منزله، وزوَّجه زينب أكبر بناته وهي من خالته خديجة. وكان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، أسلم بعد الحديبية، ومات في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة. انظر ابن حجر، إصابة (4/121-122-123) .
2 من رواية موسى بن عقبة عن الزهري البيهقي، دلائل (4/174) ، وباقشيش، مرويات (2/405) .
3 أخرجه الطبراني من رواية أم سلمة. انظر المعجم الكبير (22/425، 23/275) وقال عنه الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. الهيثمي، مجمع (213) ، وأخرجه من نفس الطريق البيهقي سنن (9/95) .
4 الخبر بهذا السياق رواه ابن عقبة عن الزهري مرسلا. انظر البيهقي، دلائل (4/174) وباقشيش،=
صلى الله عليه وسلم. فهم وإن كانوا لا يخضعون لسيطرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العسكرية في عملياتهم الاجتهادية ضد قريش إلا أنهم كانوا يخضعون لأوامره ونواهيه ويحققون رغباته، ثم كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يقدموا عليه بعد شكوى قريش منهم وتنازلهم عن شرطهم السابق الذي اعتقدوا أنهم حققوا به كسبا ضد المسلمين، لكن الله جعله وبالا عليهم، فأسرعوا يتضرعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إلى أبي بصير، وأبي جندل ومن معه ولهم الحرية المطلقة في اللحاق بالمسلمين في المدينة إذا أرادوا، وبذلك فرج الله على المستضعفين من المسلمين.
ويذكر الشعبي أن أبا العاص رجع إلى مكة فأدى على الناس ما كان معه من بضائعهم حتى إذا فرغ وأدى "إلى كل ذي حق حقه قام فقال: يا أهل مكة أوفيت ذمتي، قالوا: اللهم نعم، فقال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم قدم المدينة مهاجرًا، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته بالنكاح الأول"1.
ويستفاد من هذه القصة من الأحكام جواز إجارة المرأة، قال ابن المنذر:
=مرويات ابن عقبة (2/405-406) ، كما ورد الخبر بسياقات أخرى مختلفة من طرق كل من الشعبي. انظر ابن حجر، إصابة (4/122) وابن إسحاق، ابن هشام، سيرة (2/657-658) البيهقي، سنن (9/143) ، والواقدي (2/553-554) وابن سعد، طبقات (2/87) ، وقد رجح ابن القيم، والصالحي رواية الزهري على الروايات الأخرى بناء على النقد الباطني للروايات. انظر ابن القيم، زاد (2/122) ، والصالحي، سبل (6/137) . وربما يعتضد الخبر بروايات موصولة يعتقد أنها منتزعة من نفس القصة منها رواية أم سلمة في حديث الإجارة والتي أخرجها الطبراني، والبيهقي. انظر الطبراني، المعجم (2/425، 23/275) ، والبيهقي، سنن (9/95) وقال عنها الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات.
الهيثمي، مجمع (9/213) ، ورواية ابن عباس في حديث رد زينب التي أخرجها كل من أبي داود، والترمذي، وابن ماجه وصححها الألباني. انظر الألباني، صحيح أبي داود (2/421) وصحيح الترمذي (1/333) ، وصحيح ابن ماجه (1/340) والله تعالى أعلم بالصواب.
1 من مرسل الشعبي. انظر ابن حجر، إصابة (4/121-122) ، ولكن رد حديث زينب رضي الله عنها على ابن العاص بالنكاح الأول أخرجه أبو داود، والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس. راجع الألباني، صحيح أبي داود (2/421) ، وصحيح الترمذي (1/333) ، صحيح ابن ماجه (1/340)، وقال عنه الترمذي: حديث ابن عباس ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجهه. انظر المباركفوري، تحفة الأحوذي (4/296) .
أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة، إلا شيئا ذكره عبد الملك – يعني ابن الماجشون – صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره، قال: إن أمر الأمان إلى الإمام، وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة.
قال ابن المنذر: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يسعى بذمتهم أدناهم" دلالة على إغفال هذا القائل
…
انتهى.
وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال: هو إلى الإمام، إن أجازه جاز وإن رده رُدَّ1.
والإجارة حكم شرعي كان يُعمل به في الجاهلية، وقد أقره الإسلام، وتتضح مدى أهميته بوروده بندا أساسيًّا في دستور المدينة الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تأسيسه لدولة الإسلام في المدينة2.
وهو حكم عظيم يوضح استعلاء المسلمين على غيرهم من الأمم، وهم فيه سواء لا فرق بين شريفهم ووضيعهم، وذلك على خلاف ما كان عليه الناس في الجاهلية حيث لا يستطيع أن يقوم بالإجارة إلا الشريف منهم، أما في الإسلام "فالمؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم على من سواهم"3 قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائد هذه الأمة صراحة: "يُجير على أمتي أدناهم"4.
كما ورد في ثنايا الخبر ما يفيد أن رسول لله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب رضي الله عنها إلى زوجها بالنكاح السابق دون إحداث نكاح جديد ومهر جديد. وهذه المسألة خلافية بين الفقهاء، حيث يخالف هذا الحديث آخر أخرجه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد، ونكاح جديد".
1 انظر ابن حجر، فتح (6/273) .
2 انظر محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، (ص 60) البند (15) .
3 رواه أحمد. انظر البنا، الفتح الرباني (14/115) .
4 المرجع السابق (14/116) .
وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها وهي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق1.
وقال في مكان آخر: قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب2.
وقال ابن عبد البر: حديث أنه صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول متروك، لا يعمل به عند الجميع، وحديث ردها بنكاح جديد عندنا صحيح يعضده الأصول، وإن صح الأول أريد به على الصداق الأول وهو حمل حسن3.
وقال بعضهم: تصحيح ابن عبد البر الحديث أنه ردها بنكاح جديد مخالف لكلام أئمة الحديث كالبخاري وأحمد بن حنبل، ويحي بن سعيد القطان، والدارقطني، والبيهقي وغيرهم4.
وقد اختلف العلماء في تأويل وترجيح أحد الحديثين على الآخر بما لا طائل لذكره هنا.
قال ابن حجر بعد أن ذكر أقوالهم في ذلك: وأحسن المسالك في هذين الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص، ولا مانع من ذلك من حيث العادة فضلاً عن مطلق الجواز5.
1 انظر المباركفوري، تحفة الأحوذي (4/295-296) .
2 انظر المبار كفوري، تحفة الأحوذي (4/295-296) .
3 الحلبي، سيرة (3/178) .
4 المصدر السابق.
5 ابن حجر، فتح (9/424) .