الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
مسائل العشرة الزوجية
إن من مسائل العشرة الزوجية التي تستقيم الحياة الزوجية بحسن التصرف فيها وتسوء حين لا تُعطى الاهتمام المطلوب (النفقة)، وقد اخترناها مثالًا لوقوعها في بيت النبوة ولما يشاهد في الواقع من آثارها على اجتماع الزوجين وتفرقهما، ولتكون مثالًا يُحتذى به في سائر أحوال العشرة الزوجية. وخلاصة ما وقع في بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو أن نساءه أكثرن عليه في طلب النفقة حتى بلغ بهن الحال أن يسألنه ما ليس عنده، فضاق صدره على سعته فأنزل الله عليه آية التخيير وأمره ربه أن يخير نساءه بين أن يصبرن معه على ضيق العيش وشدة الحال، أو يفارقهن. وهذا دليل على أهمية هذا الموضوع وأنه يجب أن يُولى العناية الفائقة إذ أنزل الله فيه قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.
وإليك الآيات فتدبر:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} [سورة الأحزاب، الآيتان: 28، 29]، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به فخيرهن واحدة واحدة، وقد كن رضي الله عنهن أعلى شأنًا وأرفع منزلة فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» . قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَاني بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}» ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ
(1)
.
قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت، وفي رواية:«لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»
(2)
.
دور الآباء والأمهات في تقويم الزوجات وتوجيههن إلى مراعاة أحوال أزواجهن:
روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا. قَالَ: فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: «هُنَّ
(1)
صحيح البخاري برقم (4786)، وصحيح مسلم برقم (1475).
(2)
صحيح مسلم برقم (1478).