المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌المقصد الأول (الذرية):

النهوض بالواجبات.

على حد قول الشاعر:

دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا

وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي

ومنهم من يرى السعادة في القيام بهذه الحقوق وتحمل هذه المسئوليات والنهوض بتلك الأحمال ويجد في ذلك سعادته ومتعته لعلو همته وسمو نفسه، قال الشاعر:

لَوْلَا المَشَقّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ

الجُودُ يُفْقِرُ وَالإِقْدَامُ قَتَّالُ

وإلى بيان هذه المقاصد وفقنا الله وإياكم لفهمها والعمل بها.

‌المقصد الأول (الذرية):

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [سورة الرعد، آية رقم: 38]، روى أبو داود في سننه من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»

(1)

. فالذرية مطلب صحيح وله منافع دنيوية وأُخروية، قال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة الكهف، آية رقم: 46]، وقال تعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)} [سورة ص، آية رقم: 30]، وقال تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} [سورة الصافات، آية رقم: 101]، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ

(1)

سنن أبي داود برقم (2050)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (2/ 386) برقم (1804): حسن صحيح.

ص: 7

الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»

(1)

.

وهذا المقصد مشترك بين الزوجين على حد سواء، ومنافعه عائدة للزوجين كليهما.

وعليه فيجب على الزوجين أن يعلما أن كل واحد منهما له فضل على الآخر في إيجاد الذرية، ولا يحل لأي واحد منهما أن يرى له فضلًا في ذلك ليس للآخر، وبفهم هذه الحقيقة يحصل التعاون بينهما لحمل هذه المسئولية، ومن ثم يخف القيام بهذا الحمل الثقيل لتعاون الزوجين. وذلك بعكس ما لو تخلى أحدهما فإن الآخر سيقوم بحمله وحمل غيره، فيثقل عليه ذلك وربما عجز عنه فيقع الضرر ويحدث الفساد الذي نشاهد آثاره تزداد يومًا بعد يوم. وهذه الحقيقة هي التي فهمتها الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها لما ظاهر منها زوجها وجاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي مِنْهُ أَوْلَادًا؛ إِنْ ضُمَمْتُهُم إِلَيَّ جَاعُوا وِإِنْ ضَمَّهُم إِلَيْهِ ضَاعُوا

(2)

.

ففهمت رضي الله عنها أن تربية الأولاد والقيام عليهم لا يتم إلا بتعاون الزوجين، وأنها بدون ذلك - لفراق أو شقاق - يقع الضرر على الأولاد بالجوع والضياع. فإذا كان هذا في الزمن الأول الصالح، فكيف بنا

(1)

صحيح مسلم برقم (1631).

(2)

هذه الرواية ذكرها البغوي في تفسيره الوسيط (8/ 47)، وأصل الحديث ثابت، أخرجه أحمد في مسنده (40/ 228) برقم (24195)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.

ص: 8