الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ركائز العشرة الزوجية
ركائز العشرة الزوجية، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة النساء، آية رقم: 19]، ترتكز العشرة الزوجية على أمور ثلاثة وهي المودة، والرحمة، وإقامة حدود الله، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم، آية رقم: 21]، وقال تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [سورة البقرة، آية رقم: 230]، وقال تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [سورة البقرة، آية رقم: 229] فإذا اجتمعت هذه الثلاث للزوجين فقد نالا سعادة الدنيا، ويُرجى لهما سعادة الآخرة.
وعقد الزوجية من أعظم العقود التي يُجب الوفاء بها، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة، آية رقم: 1]، وسماه الله ميثاقًا غليظًا، قال تعالى:{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [سورة النساء، آية رقم: 21].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عقبة بن عامر
-رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَحَقَّ مَا وَفَّيْتُمْ بِهِ مِنَ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»
(1)
.
وعقد الزواج في الإسلام عقد اختيار لا إجبار، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم:«لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ:«أَنْ تَسْكُتَ»
(2)
.
ولذلك سهل الله أمر الفراق بين الزوجين عند تعذر الحياة الزوجية، فإن قام بذلك الزوج وإلا حلَّ للمرأة أن تفتدي نفسها ولا جناح عليها في ذلك، قال تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة، آية: 229]. أو يحكم القاضي الشرعي بالتفريق بينهما، لكن يجب أن يعلم أن هذا العقد الغليظ لا يجوز حله إلا بانعدام هذه الأمور الثلاثة التي هي ركائز العشرة الزوجية، فإذا عدمت المودة بينهما فإنه يبقى بينهما رابط الرحمة وإقامة حدود الله، فإن عدمت الرحمة أيضًا فإنه يبقى بينهما رابط أن يطيع كل واحد منهما الله في الآخر. روي أن رجلًا قال في عهد عمر رضي الله عنه لامرأته: نشدتك بالله هل تحبيني؟ فقالت: أما إذ نشدتني بالله فلا. فخرج حتى أتى عمر، فأرسل إليها، فقال: أنت التي تقولين لزوجك: لا أحبك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين نشدني بالله، أفأكذب؟ قال: نعم فأكذبيه، ليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب
(3)
.
(1)
صحيح البخاري برقم (5151)، وصحيح مسلم برقم (1418).
(2)
صحيح البخاري برقم (5136)، وصحيح مسلم برقم (1419).
(3)
شرح السنة للبغوي (13/ 120).
ولعلهما حين يطيع كل واحد منهما الله في الآخر يؤلِّف الله بين قلبيهما وتعود المودة والرحمة، فإن من أحب الأعمال إلى الشيطان التفريق بين الزوجين لما ينتج عنه من مفاسد وأضرار. وأعداء الإسلام عندما يريدون إفساد بلد وهدم أمة يزرعون فيه الأسباب التي ينتج عنها تفرق الأزواج ومن ثم تشتت الأسر، وهدم البيوت.
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ» . قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ»
(1)
.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا»
(2)
، فإذا عدمت هذه الركائز فإنه والحالة هذه لم يبق بينهما رابط يجمعهما وتعيَّن الفراق، قال تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)} [سورة النساء، آية رقم: 130].
وإن مما يجب التنبه له أن كثيرًا من حالات الفراق تقع بناء على تقييم أحد الزوجين للآخر تقييمًا جائرًا لا يلتزم فيه صاحبه العدل والإنصاف، ولذلك عندما تنقشع غمامة الهوى يندم حين لا ينفع الندم.
(1)
برقم (2813).
(2)
قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (9/ 259) برقم (5357)، وقال محققوه: حديث صحيح.