المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌رابعاً: " الإنسان مدني بالطبع " هذه الكلمة التي أطلقها - السلفيون والأئمة الأربعة - رضي الله عنهم -

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

الفصل: ‌ ‌رابعاً: " الإنسان مدني بالطبع " هذه الكلمة التي أطلقها

‌رابعاً:

" الإنسان مدني بالطبع " هذه الكلمة التي أطلقها ابن خلدون تصف حقيقة بشرية وهي أن البشر يحتاجون أن يعيشوا في مدن وفي تجمعات. ومع اجتماع البشر وتكاثرهم ونماؤهم تتعدد معاملاتهم وتعظم مشكلاتهم، وينشأ أحياناً الصراع بينهم بدلاً من التعاون في سبيل حفاظهم على ذواتهم أو حبهم لها ووسط هذا التعاون الضروري والصراع الدائم تتشابك المعاملات وتختلف المصالح، ولو خلى الله بين البشر وأنفسهم لأكل بعضهم بعضاً، ولساد قانون الغاب، ولكن الله من رحمته أرسل الرسل معلمين وهادين ومرشدين وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط، والموازين التي أنزلها الله قاضية بالعدل بين الناس، وقد أكمل الله أصول هذا العدل في كتابه القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك نزل ما ينظم علاقة الرجل بالمرأة، والمسلم بأخيه من بيع وهبة والحاكم بالمحكوم، والمجتمع بالمجرم الخارج عليه. وكل ذلك في نظام بديع لو أقامه الناس لأقاموا سعادتهم على الأرض.

والنصوص القرآنية والحديثية التي نزلت في هذه المعاملات كانت بمثابة الضوابط والأصول العامة والإطار الذي يضيء للمسلمين الطريق ويسمح لهم أن يشرعوا لأنفسهم على هديه كلما جد لهم جديد مع أنفسهم أو مع أعدائهم. وهذا هو

ص: 26

أعظم المتغيرات في هذا الدين ولكنه ليس متغيراً مطلقاً ولكنه متغير وفق ثوابت من القواعد العامة والحدود الفاصلة بين الحلال والحرام والمطلوب والممنوع.

والمهم أن باب المعاملات باب عظيم من أبواب الاجتهاد وذلك لاتساع شئون المعاملات وتعددها وتغيرها بتغير الزمان والمكان والناس، ونستطيع أن نقول أن هذا الباب إذا عرفت أصوله وحدوده المنصوص عليها في الكتاب والسنة واستطعنا أن نستوعب حاجة المسلمين ومشكلاتهم اليومية في شئون حياتهم المختلفة من سياسية، واقتصادية، واجتماعية استطعنا أن نصل إلى اجتهاد سليم وإلى رقي دائم وسير سليم في ظل نظام الإسلام وقانونه. وهذه مشكلة المشكلات أيضاً وذلك أن الثابت من أبواب الإسلام العلمية " العقائد، والعبادات، والأخلاق "، لا يشكل مشكلة لأنه واضح قريب الفهم قليل الاختلاف فيه. وأما شئون المعاملات والسياسة والاقتصاد والاجتماع فهو مع ثبات أصوله متغير تغيراً عظيماً جداً، فأحوالنا السياسية تتغير كل يوم وتحتاج إلى اجتهاد جديد مع هذا التغير وكذلك معاملاتنا الاقتصادية، فنحن لا نعيش في العالم بمفردنا بل يشاركنا فيه أمم وشعوب كثيرة ولها معاملاتها ولهم ضغوطهم علينا فما الواجب معهم؟ أكتب هذه الرسالة وهذه مشكلة البترول قائمة ومنا من يقول يجب إدخال البترول في المعركة

ص: 27

ومنعه عن الدول التي تساعد إسرائيل ويقول آخرون لو منعناه انتهت الحضارة ودمرنا العالم وهذا إفساد في الأرض والله لا يحب الفساد ويقول آخرون بل لو منعناه حاربنا الأعداء واستولوا عليه وخسرناه. . الخ وكل هذا يحتاج من علماء المسلمين وإن لم يكن لهم اليوم في تصريف شئون بلادهم شيء يذكر - إلى اجتهاد ومشاركة لأنه من باب النصح للأمة كما قال رسول الله: [الدين النصيحة] ثلاثاً. قلنا: لمن؟ قال: [لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم](رواه مسلم) .

فمن النصح لعامة المسلمين تقديم النصح لحلول هذه المشكلات الذي لا تصيب واحداً منا فقط بل تقع على الأمة كلها. وهذه المشكلة واحدة من آلاف المشكلات الاقتصادية التي نواجهها الآن وكل هذه المشكلات تحتاج من المسلمين إلى فهم وعلم واجتهاد. وهذا الفهم كما أسلفنا القول مراراً يجب أن يكون في إطار النصوص والقواعد والحق الذي أنزله الله سبحانه وتعالى. وهذا الاجتهاد في هذه الأمور " المعاملات " هو أعظم المتغيرات في هذا الدين. وهو بالطبع متغير يخضع إلى الثابت الذي أنزله الله سبحانه وتعالى وتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 28