المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كيف نجتهد عرف العلماء الاجتهاد الشرعي بأنه بذل الجهد للوصول إلى - السلفيون والأئمة الأربعة - رضي الله عنهم -

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

الفصل: ‌ ‌كيف نجتهد عرف العلماء الاجتهاد الشرعي بأنه بذل الجهد للوصول إلى

‌كيف نجتهد

عرف العلماء الاجتهاد الشرعي بأنه بذل الجهد للوصول إلى ظن بحكم شرعي. وهذا يعني أن المجتهد يبذل جهده ليعرف مراد الله سبحانه وتعالى في قضية ما. فإما أن نعرف الحكم من نص قرآني أو حديث نبوي أو إجماع للصحابة رضوان لله عليهم.

وأما أن يعرف هذا باستنباط وفهم من آية أو حديث وهذا الفهم يصيب ويخطئ، ولذلك كان الاجتهاد الذي ينبني على الفهم والاستنباط ظنياً لأن الفهم والاستنباط غير معصوم ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله: كل رجل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر. يعني النبي صلى الله عليه وسلم (إرشاد السالك (227: 1)) .

والذي يعمل عقله وفهمه لمعرفة حكم ما لا بد بالطبع أن يكون أهلاً لذلك، ولذلك وضع العلماء شروطاً للاجتهاد أعدلها: أن يكون المجتهد على علم بالقرآن والسنة وفهم لغة العرب وفهم الحادثة والواقعة المراد التشريع لها ومعرفة النصوص الخاصة في شأن مثل هذه الواقعة. وهذا العلم بحمد الله متيسر

ص: 12

لكل من بذل في هذا جهداً مناسباً كما قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر: 17)، وقال صلى الله عليه وسلم:[بعثت بالحنيفية السمحة](أخرجه أحمد (266: 5) والطبراني (7868) وهو حديث حسن) ، وقال:[إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه](أخرجه البخاري (93: 1) ، ويسر الإسلام ليس في العمل فقط بل في الفهم أيضاً. ولذلك لم يخل تاريخ المسلمين في كل عصورهم -بحمد الله- وتوفيقه من رجال أكفاء كانوا على مستوى الاجتهاد والفهم العام لدين الله سبحانه وتعالى وتعليم الأمة وتوجيه مسارها إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى.

ولا يشترط بالضرورة أن يكون كل من قال قولاً في الدين أن يكون قوله صواباً موافقاً للحق بل كل من اجتهد في هذا الدين بعد رسول الله وإلى يومنا هذا قد أصاب وقد أخطأ وقد رد على غيره ورد غيره عليه كما قال الإمام مالك أيضاً: ما منا إلا قد رد ورد عليه.

فهذا عمر بن الخطاب يرد عليه الصحابة في وقائع كثيرة جداً كالتيمم وتقسيم السواد، وتحديد المهور، وكذلك عثمان

ص: 13

رضي الله عنه رد عليه الصحابة في وقائع كثيرة من العبادات والمعاملات، وعلي خالفه الصحابة في كثير من القضايا الفقهية والسياسية. . الخ (انظر أعلام الموقعين لابن القيم) .

فكيف بغيرهم من العلماء والفقهاء؟ ! !

ومهما كان الأمر فإن الله سبحانه وتعالى الذي ضمن لنا حفظ هذا الدين لم يضمن حفظ نصوصه فقط بل ضمن سبحانه وتعالى تطبيقه وفهمه في الأمة وإلى قيام الساعة، فلا يزال قائم لله بحجة فرداً. كان أو جماعة حتى يأتي الدجال كما قال صلى الله عليه وسلم:[لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك](اخرجه البخاري (164: 1) ومسلم (1524: 3) وهو حديث متواتر) .

وهذه الطائفة التي تقوم بالحق لا شك أنه يعترضها كل يوم من المشكلات والأقضيات والحوادث ما لم يكن في زمن الصدر الأول ولا شك أن هذه الطائفة محتاجة دائماً إلى اجتهاد دائم ينير طريقها وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا الاجتهاد الدائم المتجدد للحوادث المتجددة هو ما نحتاجه دائماً. وهو ما يقع فيه الخطأ والصواب.

والإسلام منذ أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قد راعى ذلك، فالرسول الموحى إليه علم الله أنه لن يبقى في الأمة إلى نهاية الدنيا وأنه سيخلفه الخلفاء

ص: 14

وسينقطع الوحي من السماء ويبقى لهم الفهم والاستنباط والاجتهاد، وعلم الرب تبارك وتعالى أيضاً أنهم سيتعرضون للخطأ والصواب ولذلك لم يكلفهم شططاً بالوصول إلى الصواب في كل رأي وفي كل اجتهاد لأن هذا تكليف بما لا يطاق ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:[إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر](رواه البخاري ومسلم وأحمد)، ووقعت حوادث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اقتضت الاجتهاد واجتمع الصحابة فيها أحياناً على رأي واحد واختلفوا أحياناً إلى آراء كثيرة. وكان من هذه المشكلات: الخلافة لمن؟ وهل ينفذ جيش أسامة وقد ارتد العرب أم يحارب المرتدون؟ وهل مانعوا الزكاة مرتدون يجب قتالهم أم مسلمون لا يجوز سفك دمائهم؟ وهل يحارب فارس والروم أم لا؟ وهل عمر بن الخطاب يستحق الخلافة بالعهد أم لا؟ ومن يتولى بعد عمر هل بعهد كما فعل أبو بكر أم بترك الأمر للمسلمين كما فعل رسول الله؟ واقترح عمر النفر الستة الذين توفى الرسول وهو عنهم راض ونظم نظاماً فريداً لاختيار رجل منهم. ومئات المشكلات في خلافة عثمان ومثلها في خلافة علي بن أبي طالب هذا إلى مئات من المشكلات الاجتماعية التي كان للخليفة رأي مخالف لرأي الناس نحو مشكلة اسكان سبى الفرس وصناعهم بالمدينة النبوية: رأى عمر أن تطهر المدينة منهم ورأى العباس

ص: 15

وابنه عبد الله أنه لا بأس بهذا وكان رأي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يمنعوا من سكنى المدينة.

هذه المشكلات وغيرها كثير جداً احوجت المسلمين إلى اجتهاد، وإذا جئت تعدد مشكلاتنا اليوم في كل ناحية من نواحي الحياة لوجدت أننا في حاجة ماسة إلى جهود عظيمة واجتهاد بالغ وفهم عميق للكتاب والسنة لنستطيع أن نسير حياتنا وفق منهج الله سبحانه وتعالى.

ص: 16