الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشكلات تعترض طريقنا
بالرغم من حاجتنا الماسة إلى العلماء المجتهدين العاملين المخلصين وإلى سواد الأمة الذي يخلع ربقة التقليد ويطالب بالدليل ويسير خلف العلماء على بصيرة فيطالبهم بالحجة ويناقشهم الرأي ولا يسير خلفهم كالسائمة. أقول: بالرغم من هذه الحاجة الملحة لتخرج الأمة من سباتها الطويل، وتبعيتها الطويلة للمفسدين في الأرض من حكام السوء الذين أذلوها بسوط الطغيان، وحكموها بشريعة الشيطان، بالرغم من كل ذلك فإن هناك عقبات تقف في طريقنا، وأهم هذه العقبات ما يلي: -
أولاً:
الانفصال الذي حدث في الأمة بين الحكم والشريعة. فمنذ سقوط الخلافة العثمانية -وإن كانت في آخر أيامها حكماً ظاهرياً بالإسلام- والبلاد الإسلامية تحكم بقوانين وضعية منافية لحكم الله، وبالرغم من أن هذا التبديل لم يمر عليه غير نصف قرن فقط، فإنه قد نشأ جيل جديد من أبناء المسلمين يعادي الإسلام أو على الأقل يجهل شريعته. وهذه الخمسون سنة الأخيرة قد أحدثت آثاراً مدمرة في البشرية جميعاً، فالتحولات
الاجتماعية والسياسية والعقائدية سريعة جداً فقد حدث في هذه الحقبة حربان عالميتان اندثرت فيها دول وحضارات وقامت دول أخرى، وتبدلت القوانين والأخلاق والعقائد تبدلاً كاملاً في كل ناحية من نواحي الأرض تقريباً.
ولا يكاد الناس يلاحقون اليوم التحولات السياسية والعقائدية والفكرية، وهذه التحولات بالطبع يتبعها القانون والتشريع فما كان حراماً بالأمس أصبح مباحاً بل مستحباً اليوم والعكس بالعكس، ووسائل التأثير على الناس قد تطورت تطوراً سريعاً فأين " خطبة الجمعة المحدودة " من البث الإذاعي والتلفزيوني، وأين " الكتاب " من المدارس والجامعات التي تنشر المبادئ الجديدة، وأين المخطوطات القليلة التي كانت تتداولها الأيدي من الذي تقذف به المطابع اليوم من ملايين الأطنان من الصحف والكتب والنشرات، وعامة ما تقذف به يهدم العقائد القديمة والأخلاق والشرائع. هذا كله إلى سياسة عليا للدول تسير في اتجاه إلى المادية وصراع على البقاء. هذا العالم الذي نعيش فيه والذي يغير جلده مع مطلع كل شمس، ويغير عقائده ومناهجه وتشريعاته ونظمه وأخلاقه وسياساته كما يغير ألوان الملابس والسيارات أصبح عالماً سمته الأساسية التغيير، وليس نحو الأفضل وإنما التغيير للتغيير فليس هناك وقت للمفاضلة بين الفاضل والأفضل أو بين الجيد والرديء.
وعلماء الإسلام يجدون أنفسهم اليوم وسط هذه الدوامة المدمرة وليس في أيديهم من وسائل الاتصال بالناس إلا وسائل إعلامية محدودة كخطبة أو درس في مسجد أو صحيفة محدودة لا يقرؤها إلا نفر يسير، وقد حجب الناس عنهم بتلك الوسائل الإعلامية الضخمة التي يملكها الباطل وتسير في ركاب الشيطان. ثم وهؤلاء العلماء لا يجدون من الأوقات ما يتفرغون به في الرد على الشبهات أو ملاحقة ما يقذفه أهل الباطل من شكوك وظلمات ولذلك تعطلت فاعلة الاجتهاد وقل رجاله بل ندروا، وأصبح المجال مفتوحاً أمام رواد الباطل ومروجي الخرافات.
وهكذا أدى انفصال السياسة والحكم عن الدين إلى إنزواء علماء الشريعة ووضع شأنهم وانشغالهم بتحصيل عيشهم وقوت أولادهم عن النظر في الدين والعلم والحياة. فلا نجد عند أحدهم فرصة لقراءة صحيفة أو متابعة لأخبار الناس وتحولاتهم أو معرفة لعقائدهم وسلوكهم، وبذلك ظهر علماء الشريعة وكأنهم يعيشون في غير عصورهم ويتكلمون مع غير بني جنسهم.
ولو كانت السياسة والحكم تسير في ركاب الدين لكان لعلماء الشريعة شأن آخر، وذلك أنهم سيستشارون ويؤخذ رأيهم في مشكلات الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسيكون لهم شأن آخر، فسيطلعون على أحوال الناس ويشاركون في