المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة عشرين وثمانمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٦

[المقريزي]

الفصل: ‌(سنة عشرين وثمانمائة)

(سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة)

أهلت ومتملك مصر وَالشَّام والحجاز السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر سيف الدّين شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ والأمير الْكَبِير سيف الدّين ألطنبغا القرمشي وأمير سلَاح سيف الدّين قجقار القردمي وأمير مجْلِس الْأَمِير بيبغا المظفري وأمير أخور تنبك ميق والدوادار الْكَبِير الْأَمِير جقمق وَرَأس نوبه الْأَمِير برد بك. وأمير جندار نكباي. ونائب الشَّام الْأَمِير ألطنبغا العثماني ونائب حلب الْأَمِير أقباي ونائب طرابلس الْأَمِير يشبك اليوسفي ونائب حماة الْأَمِير حَار قطلي ونائب غَزَّة الْأَمِير اجترك ونائب الكرك الْأَمِير شاهين وقضاة الْقُضَاة بِمصْر وَكَاتب السِّرّ وَبَقِيَّة المباشرين على حَالهم كَمَا تقدم. شهر الله الْمحرم أَوله الْخَمِيس: فِيهِ ورد الْخَبَر بِأَن حَدِيثَة بن سيف أَمِير آل فضل لما توجه إِلَى مَدِينَة الرحبة صَحبه نائبها الْأَمِير زين الدّين عمر بن شَهْري وَطَائِفَة من عَسْكَر الشَّام افترق عذرا ومُوسَى ولدا على بن نعير وتسحبا فَعَادَت العساكر وَأقَام الْأَمِير حَدِيثَة على الرحبة ثمَّ نزل قَرِيبا من تدمر فَأَتَاهُ عذرا فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَارس فحاربهم وكسرهم. وَفِي ثَانِيه: جلس السُّلْطَان لعرض الأجناد البطالين فَعَن مِنْهُم طَائِفَة ليسافروا صحبته إِلَى الشَّام. وَفِي خامسه: علق الشاليش على الطبلخاناه بقلعة الْجَبَل ليتأهب الْعَسْكَر للسَّفر. وَفِيه نُودي أَن يكون سعر الْفضة المؤيدية على مَا هُوَ عَلَيْهِ كل مؤيدي بِثمَانِيَة دَرَاهِم فُلُوسًا وَأَن كل دِينَار أفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ درهما فُلُوسًا وكل مِثْقَال ذهب مصري بمائتين وَخمسين وكل رَطْل فلوس بِسِتَّة دَرَاهِم وَكَانَ بِخَمْسَة وَنصف فازداد نصف دِرْهَم فُلُوسًا وَعَاد كَمَا كَانَ فسر النَّاس بذلك وتمشت أَحْوَالهم إِلَّا أَنه حصل لكثير من النَّاس غبن ولآخرين فَوَائِد لتَفَاوت السعرين. وَفِي سادسه: وضعت جاموسة بِنَاحِيَة بلقس من ضواحي الْقَاهِرَة مولوداً أُنْثَى

ص: 427

برأسين وعنقين وَأَرْبع أَيدي وَرجلَيْنِ اثْنَيْنِ وسلسلتي ظهر وذنب مفروق من آخِره اثْنَيْنِ ودبر وَاحِد وَفرج وَاحِد. وَفِي سابعه: خلع على الْأَمِير طغرل بن صقل سيز ورسم بِسَفَرِهِ لجمع تراكمينه. وَفِيه جلس السُّلْطَان لتفرقة النَّفَقَات فَبعث إِلَى كل من أُمَرَاء الألوف ألفي دِينَار وَأعْطى كل مَمْلُوك ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين دِينَار صرفهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا فرقت فيهم فضَّة مؤيدية وفلوساً وذهباً مِنْهُ مَا زنة الدِّينَار الْوَاحِد مِنْهُ عشرَة مَثَاقِيل. وَفِي عشرينه: عرضت كسْوَة الْكَعْبَة على السُّلْطَان وَكَانَ قد صرف عَن نظر الْكسْوَة شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني وَكيل بَيت المَال فِي سنة سبع عشرَة وفوض ذَلِك إِلَى علم الدّين دَاوُد نَاظر الْجَيْش الْمَعْرُوف بِابْن الكويز ثمَّ فوض ذَلِك إِلَى زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل نَاظر الخزانة السُّلْطَانِيَّة فِي سنة ثَمَان عشرَة فاستمر فِيهِ وَزَاد فِي تَحْسِين الْكسْوَة وبهجتها. وَقدم الْخَبَر بِمَوْت الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان صَاحب درند وسيس وَاخْتِلَاف أَوْلَاده. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير أقباي نَائِب حلب إِلَى قطيا فِي ثَمَان هجن فكثرت الْأَقْوَال وَسَاءَتْ الظنون بِهِ ورسم بتلقيه فَسَار الْأُمَرَاء والخاصكية إِلَى سرياقوس وجهز لَهُ فرس بسرج ذهب وكنبوش ذهب وكاملية بِفَرْوٍ سمور فَقدم من الْغَد يَوْم السبت رَابِع عشرينه فلامه السُّلْطَان وعنفه على حُضُوره على هَذَا الْوَجْه فَاعْتَذر واستغفر الله ثمَّ أَمر السُّلْطَان باستقراره فِي نِيَابَة الشَّام وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة حلب الْأَمِير قجقار القردمي أَمِير سلَاح وأنعم بإقطاع قجقار القردمي على الْأَمِير بيبغا المظفري أَمِير مجْلِس وجهز أقبغا المؤيدي أَمِير أخور إِلَى دمشق للقبض على الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام وإيداعه القلعة والحوطة على موجوده.

ص: 428

وَفِيه نُودي للبطالين أَن كلا مِنْهُم يخْدم عِنْد الْأُمَرَاء أَو عِنْد السُّلْطَان وَمن امْتنع لَا يَلُومن إِلَّا نَفسه. وَفِيه قدم الركب الأول من الْحَاج مَعَ أَمِيرهمْ صَلَاح الدّين مُحَمَّد الْحَاجِب بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص. وَفِيه نصبت المدورة السُّلْطَانِيَّة برسم السّفر خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه قبض على جمَاعَة من البطالين الَّذين تركُوا الْخدمَة وتسببوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْأَسْوَاق واعتقلوا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْحَاج ببقيتهم مَعَ الْأَمِير أزدمر شايا وَقد قاسوا شدَّة من موت الْجمال وَغَلَاء الأسعار مَعَهم. وَفِي سادس عشرينه: توجه السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَنزل بمخيمه ظَاهر الْقَاهِرَة تجاه مَسْجِد تبر. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الشَّامي بحسبة الْقَاهِرَة وعزل عَنْهَا الْأَمِير منكلي بغا الْحَاجِب وَقدم من دمشق بخيمات مبيتين ومدورتين ومطبخين وبيوتات بلغت النَّفَقَة عَلَيْهِم عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام خلعة السّفر وَسَار جَرِيدَة على الْخَيل وخلع على الْأَمِير طوغان أَمِير أخور وَاسْتقر نَائِب الْغَيْبَة وعَلى الْأَمِير أزدمر شايا بنيابة القلعة وعَلى الْأَمِير قجقار القردمي نَائِب حلب خلعة السّفر وَسَار وَتقدم الشاليش صُحْبَة الْأَمِير شهر صفر أَوله السبت: فِي رابعه: اسْتَقر بِالْمَسِيرِ من ظَاهر الْقَاهِرَة بِبَقِيَّة العساكر يُرِيد الشَّام وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة وَمَعَهُ من القصاد الواردين فِي السّنة الخالية قَاصد قرا يُوسُف وقاصد سُلَيْمَان بن عُثْمَان وقاصد بير عمر صَاحب أرزنكان وقاصد ابْن رَمَضَان وَتَأَخر بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج الأستادار والصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص وخلع عَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَة العكرشة فِيهِ فعين الْأَمِير طوغان نَائِب العيبة من أجناد الْحلقَة - بعد عرضهمْ - مِائَتَيْنِ يكونُونَ مَعَ الْأَمِير فَخر الدّين.

ص: 429

وَفِي سَابِع عشره: سَار الْأَمِير فَخر الدّين باتباعه وأجناد الْحلقَة الْمَذْكُورين إِلَى الْوَجْه البحري لتَحْصِيل المَال وَقد كثر بِالْقَاهِرَةِ طرح البضائع على التُّجَّار والباعة فغرم النَّاس فِيهَا أَمْوَالًا جمة وداخل الْخَوْف كثيرا من النَّاس أَن يُوقع بهم الْأَمِير فَخر الدّين فَإِنَّهُ ألزم طَائِفَة من الْكتاب بالدواوين بِمَال وَمضى فِي مسيره هَذَا إِلَى الْمحلة ودمياط وجبى جَمِيع تِلْكَ الْأَعْمَال البحرية بفريضة ذهب يقرره على كل قَرْيَة من قرى ديوَان السُّلْطَان وَقَوي الْأُمَرَاء والأجناد لم يتْرك بَلَدا من بلدان الْوَجْه البحري حَتَّى أَخذ مِنْهُ مَا قَرَّرَهُ على أَهله فَكَانَ لَا يَأْخُذ إِلَّا الذَّهَب فَقَط فتحسن سعر الذَّهَب لِكَثْرَة طلبه وَبلغ الدِّينَار الْمصْرِيّ مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بعد مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وتتبع مَعَ ذَلِك كل من يشار إِلَيْهِ بغنى أَو مَال فَأخذ مَالا كثيرا من مصادرات النَّاس سوى مَا سَاق من الْخَيل وَالْجمال وَغَيرهَا فَأنْزل بالإقليم من الْخلَل مَا يخَاف عواقبه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر فَسَاد العربان بِبِلَاد الجيزة وكورة البهنسي. وَفِيه هدم الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الدّور الَّتِي بالأحكار فِيمَا بَين طهر المقس إِلَى قنطرة الموسكي ليعْمَل مَكَانهَا بستاناً فَأتى الْهدم على مَا لَا يدْخل تَحت حصر من الدّور والرباع والمساجد والأسواق وَغير ذَلِك مِمَّا يكون قدر مَدِينَة من مدن الشَّام. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي هَذَا الشَّهْر: كثر ضَرَر المفسدين بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري وثقلت وَطْأَة الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج على أهل النواحي البحرية وَعظم الْبلَاء بِالْوَجْهِ القبلي من جور الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين. وَفِيه هدمت الدّور الَّتِي فَوق البرج المجاور لباب الْفتُوح من الْقَاهِرَة رسم أَن يعْمل سجناً لأرباب الجرائم عوضا عَن خزانَة شمايل. وَفِيه كثرت حَرَكَة الإرجاف بحركة الفرنج فحفر خَنْدَق الْإسْكَنْدَريَّة واستعد أَهلهَا.

ص: 430

وَفِي حادي عشره: قدم الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ من الْوَجْه البحري وَنزل بداره الَّتِي شرع فِي عمارتها وتعرف بِبَيْت بهادر الأعسر وَكَانَت تعرف قَدِيما بدار الذَّهَب. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْخَبَر بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي أول الشَّهْر وَأَن الْأَمِير أق بردى المنقار مَاتَ وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سودن القَاضِي بعد مَا عُفيَ عَنهُ وَأخرج من سجنه بِدِمَشْق. وَفِي سادس عشره: سَار الْأَمِير الْوَزير المشير فَخر الدّين بن أبي الْفرج الأستادار بِجمع موفور إِلَى جِهَة الصَّعِيد وَمَعَهُ الْقرب والروايا ليتبع العربان فِي الْبَريَّة حَيْثُ سَارُوا فَإِنَّهُ كثر عبثهم وفسادهم. وَفِي عشرينه: دخل السُّلْطَان مَدِينَة حلب. وَفِي سادس عشرينه: مَاتَ الْأَمِير فرج بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَقد ناهز الِاحْتِلَام فَكَانَ فِي هَذَا عِبْرَة لمن يعْتَبر فَإِن أَبَاهُ النَّاصِر فرج أخرج أَخَوَيْهِ - عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم - إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لما توجه إِلَى الشَّام فماتا بهَا واتهم أَنه سمهما فَفعل الله كَذَلِك بأولاده وأخرجهم الْمُؤَيد شيخ عِنْد مسيره إِلَى الشَّام وسجنهم بالإسكندرية فَمَاتَ فرج - أكبرهم - فِي هَذَا الْيَوْم وبموته يثورون ويقيمونه فِي السلطة وَلَا يزالون يتربصون الدَّوَائِر لأجل ذَلِك فَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الْمَوْت بدمياط والإسكندرية وَمَا حولهما وَكَانَ مِنْهُ بِالْقَاهِرَةِ شَيْء بلغ فِي الْيَوْم عدَّة من يَمُوت نَحْو الْأَرْبَعين وكل ذَلِك بالطاعون. وَفِيه وَاقع الْأَمِير فَخر الدّين الْعَرَب بِنَاحِيَة القلندون من الأشمونين وَهَزَمَهُمْ. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: فِيهِ قدم قَاصد السُّلْطَان يبشر بقدومه حلب. وَأهل هَذَا الشَّهْر وَفِي جَمِيع أَرض مصر - أَعْلَاهَا الَّذِي يُقَال لَهُ بِلَاد الصَّعِيد وأسفلها الَّذِي يعرف بِالْوَجْهِ البحري وحاضرتها وَفِي الْقَاهِرَة ومصر - من أَنْوَاع الظُّلم مَا لَا يُمكن وَصفه بقلم وَلَا حكايته بقول من كثرته وشناعته فجملته أَن

ص: 431

الْحُكَّام بِالْقَاهِرَةِ وأعمالها مَا بَين محتسب ووال وحجاب وقضاة ونائب الْغَيْبَة والأمير فَخر الدّين الأستادار فالمحتسب بِالْقَاهِرَةِ والمحتسب بِمصْر كل مَا يكسبه الباعة مِمَّا تغش بِهِ البضائع وَمَا تغبن فِيهِ النَّاس فِي البيع يجبى مِنْهُم بضرائب مقررة لمحتسبي الْقَاهِرَة ومصر وأعوانهما فيصرفون مَا يصير إِلَيْهِم من هَذَا السُّحت فِي ملاذهم المنهى عَنْهَا ويؤديان مِنْهُ من استداناه من المَال الَّذِي دفع رشوة عِنْد ولاياتهما ويؤخران مِنْهُ بقيه لمهاداة أَتبَاع السُّلْطَان ليكونوا عوناً لَهما فِي بقائهما. وَأما الْقُضَاة فَإِن نوابهم يبلغ عَددهمْ نَحْو الْمِائَتَيْنِ مَا مِنْهُم إِلَّا من لَا يحتشم من أَخذ الرِّشْوَة على الحكم مَعَ مَا يأْتونَ - هم وكتابهم وأعوانهم - من الْمُنْكَرَات بِمَا لم يسمع بِمثلِهِ فِيمَا سلف وينفقون مَا يجمعونه من ذَلِك فِيمَا تهوى أنفسهم وَلَا يغرم أحد مِنْهُم شَيْئا للسلطنة بل يتوفر عَلَيْهِم فَلَا يتخولون فِي مَال الله تَعَالَى بِغَيْر حق وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء بل يصرحون بِأَنَّهُم أهل الله وخاصته افتراء على الله سُبْحَانَهُ. وَأما وَالِي الْقَاهِرَة ووالي مصر وَغَيرهمَا من سَائِر وُلَاة النواحي فَإِن جَمِيع مَا يسرق من النَّاس يأخذونه من السراق إِذا ظفروا بِهِ فَلَا يأْتونَ بسارق مَعَه سَرقَة إِلَّا أخذوها مِنْهُ فَإِن لم تكن السّرقَة مَعَه ألزموه مَالا ويتركوه لسبيله وَقد تَيَقّن أَنه مَتى عثر عَلَيْهِ صانع عَن نَفسه وتخلص. وَصَارَ كل من يقطع من السراق يَده إِنَّمَا يقطع لأحد أَمريْن إِمَّا لقُوَّة جاه الْمَسْرُوق مِنْهُ أَو عجز السَّارِق عَن الْقيام للولاة بِالْمَالِ وَيزِيد وُلَاة الْبر على وَالِي مصر والقاهرة بِأخذ من وجدوا مَعَه غنما أَو إبِلا أَو رَقِيقا من الفلاحين أَو العربان وَغَيرهم فَإِذا صَار أحد من ذكرنَا فِي أَيْديهم قَتَلُوهُ واستهلكوا مَاله وَمَعَ هَذَا فلأعوان الْوُلَاة فِي أَخذ الْأَمْوَال من النَّاس أَخْبَار لم يسمع قطّ بِمثل قبحها وشناعها حَتَّى أَنه إِذا أَخذ شَارِب خمر غرم المَال الْكثير وَكَذَلِكَ من سَاقه سوء الْقَضَاء إِلَيْهِم من المتخاصمين فَيغرم الشاكي والمشكو المَال الْكثير بِقدر جرمه بِحَيْثُ تبلغ الغرامة آلافا كَثِيرَة. وَجَمِيع مَا تجمعه الْوُلَاة كلهم من هَذِه الْوُجُوه لَا يصرف إِلَّا فِي أحد وَجْهَيْن إِمَّا للسلطة مصانعة عَن إقامتهم فِي ولاياتهم أَو فِيمَا تهواه أنفسهم من الْكَبَائِر الموبقات وينعم أعوانهم بِمَا يجمعونه من ذَلِك ويتلفونه إسرافاً وبدار فِي سَبِيل الْفساد ويتعرض الْوُلَاة لمقدميهم وَيَأْخُذُونَ مِنْهُم المَال حينا بعد حِين. وَأما الْحجاب فَإِنَّهُم وأعوانهم قد انتصبوا لأخذ الْأَمْوَال بِغَيْر حق من كل شَاك

ص: 432

إِلَيْهِم ومشكو عَلَيْهِ فَمَا من أحد من الْحجاب إِلَّا وَفِي بَابه رجل يُقَال لَهُ رَأس نوبَة يضمن لَهُ فِي كل يَوْم قدرا مَعْلُوما من المَال يقوم لَهُ بِهِ وَمن هَذَا المَال الْمَضْمُون يُقيم أوده فيقسط رَأس نوبَة على النُّقَبَاء الَّذين تَحت يَده مَا ضمنه للحاجب وَمَا لَا بُد لَهُ من صرفه على عِيَاله وَمؤنَة فرسه وَأُجْرَة سايسها وَمَا اعتاده من الْمُحرمَات الَّتِي لَا يتركونها مَا وجدوا إِلَيْهَا سَبِيلا وَمَا يرصده ويدخره عِنْده عدَّة لَهُ فِي وَقت مَكْرُوه ينزل بِهِ من عَزله أَو مصادرة الْحَاجِب لَهُ أَو غير ذَلِك من الْعَوَارِض فَيتَنَاوَل من كل وَاحِد من النُّقَبَاء شَيْئا مقرراً عَلَيْهِ عِنْد مضيه فِي طلب غَرِيم يُقَال لَهُ الْإِطْلَاق فَإِذا حضر الْغَرِيم فتح عَلَيْهِ رَأس نوبَة أبواباً من أَنْوَاع مَكْرهمْ الَّذِي تفقهوا فِيهِ فَيحْتَاج إِلَى بذل المَال لَهُ ولدوادار الْحَاجِب وللحاجب بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيهمْ. فَرُبمَا بلغ الْغرم فِي الشكوى الآلاف من الدَّرَاهِم فَإِنَّهُم يسلسلون قضايا ظلمهم حَتَّى يسْتَمر المشكو فِي الترسيم الْأَيَّام وَالْأَشْهر وَجَمِيع مَا يتَحَصَّل الْحجاب من هَذِه الْوَجْه فَإِنَّهُم يصرفونه فِيمَا لَا تجيزه أمة من الْأُمَم من أَنْوَاع قبائح الْمُحرمَات وَلَا يكلفون حمل شَيْء مِنْهُ إِلَى السُّلْطَان. وَأما نائحاً الْغَيْبَة وَأما الأستادار فَإِنَّهُ أمدهم باعاً وَأَقْوَاهُمْ فِي الظُّلم ذِرَاعا وأنفذهم فِي ضَرَر النَّاس أمرا وأشنعهم فِي الْفساد ذكرا وَذَلِكَ أَنه خرج إِلَى الْوَجْه البحري فَفرض على جَمِيع الْقرى فَرَائض ذهب قررها بِحَيْثُ أَن الجباية شملت أهل النواحي عَن آخِرهم وَلم يعف عَن أحد مِنْهُم الْبَتَّةَ فَمَا وصلت إِلَيْهِ مائَة دِينَار إِلَّا وَأخذ أعوانه مائَة دِينَار أُخْرَى ثمَّ تتبع أَرْبَاب الْأَمْوَال مصادرهم وَأخذ لنَفسِهِ ولأعوانه مَالا كثيرا ثمَّ طرح على جَمِيع النواحي بعد ذَلِك الجواميس الَّتِي نهبها فَقَامَتْ كل وَاحِدَة من الجواميس على النَّاس بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم وَأكْثر مَا تبلغ الجيدة مِنْهُنَّ إِلَى ألفي دِرْهَم فجبى من الْوَجْه البحري على اسْم الجاموس مَالا جماً ثمَّ أَنه ألزم الصيارفة أَلا تَأْخُذ الدِّرْهَم المؤيدي إِلَّا من حِسَاب سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف وَهُوَ مَحْسُوب على النَّاس بِثمَانِيَة دَرَاهِم وألزمهم أَيْضا أَلا يَأْخُذُوا الْفُلُوس إِلَّا من حِسَاب خَمْسمِائَة وَخمسين درهما القنطار وَهُوَ إِلَى النَّاس بستمائة دِرْهَم. فَإِذا أَمر بِصَرْف الْفُلُوس على أحد حسب عَلَيْهِ بستمائة دِرْهَم القنطار وَرُبمَا كَانَ هَذَا الَّذِي حسبت عَلَيْهِ بستمائة قد أخذت مِنْهُ أمس بِخَمْسِمِائَة وَخمسين وألزمهم أَيْضا أَن لَا يقبضوا الذَّهَب الأفرنتي إِلَّا من حِسَاب مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ الدِّينَار وَهُوَ مَعْدُود على النَّاس بمائتين وَسِتِّينَ وَإِذا صرف لأحد ذَهَبا يحسبه عَلَيْهِ بمائتين وَسِتِّينَ فَلَا يُورد أحد لديوان السُّلْطَان ألف دِرْهَم إِلَّا وَيحْتَاج إِلَى غَرَامَة مثلهَا أَو قريب مِنْهَا ثمَّ إِنَّه كل قَلِيل

ص: 433

يلْزم صيارفته ومقدميه وشادي أَعماله ومباشريها وولاتها بِمَال يقرره عَلَيْهِم فِي نَظِير مَا يعلم أَنهم أَخَذُوهُ من النَّاس ثمَّ تقرر فِي أَعْمَالهم حَتَّى يعلم أَنهم قد جمعُوا شَيْئا آخر أعَاد عَلَيْهِم المصادرة فَمَا من مرّة إِلَّا وهم يبالغون فِي ظلم النَّاس حَتَّى يفضل لَهُم بعد المصادرة شَيْء هَذَا وهم يبالغون فِي الترف ويتلفون المَال الْكثير فِي أَنْوَاع السَّرف فِي الْمُحرمَات ثمَّ أَنه لما عَاد من الْوَجْه البحري وَسَار إِلَى بِلَاد الصَّعِيد أوقع بلهانه على الأشمونين وكسرهم وسَاق من الأغنام والأبقار وَالْجمال وَالْخَيْل شَيْئا كثيرا فرقه على أهل الْوَجْه البحري بأغلى الْأَثْمَان وَهُوَ الْآن يفْرض على جَمِيع بِلَاد الصَّعِيد الذَّهَب كَمَا فَرْضه على نواحي الْوَجْه البحري وَمَعَ ذَلِك فقد شَمل باعة مصر والقاهرة رماية البضائع عَلَيْهِم من السكر وَالْعَسَل والصابون والقمح وَغير ذَلِك فَإِنَّهُ اشْترى من الْإسْكَنْدَريَّة وَغَيرهَا بضائع كَثِيرَة ثمَّ طرحها على الباعة بأغلى الْأَثْمَان فَلَا يصير إِلَيْهِ دِرْهَم حَتَّى يغرم لأعوانه نَظِيره وَله نوع آخر من الظُّلم وَهُوَ أَنه أَخذ دَار بهادر الأعسر بِخَط بَين السورين - فِيمَا بَين بَاب الخوخة وَبَاب سَعَادَة - وَشرع فِي عمارتها وَعمارَة مَا حولهَا وَمَا تجاهها من بر الخليج الغربي فَأخذ من النَّاس آلَات الْعِمَارَة بِغَيْر ثمن أَو بِأَقَلّ شَيْء وتفنن أعوانه فِي ظلم من يستدعيه بهم إِلَى هَذِه الْعِمَارَة حمل صنف من الْأَصْنَاف أَو عمل شَيْء من أَنْوَاع الْعِمَارَة حَتَّى يغرموه لأَنْفُسِهِمْ مَالا آخر هَذَا وَجَمِيع مَا يتَحَصَّل من وُجُوه الْأَمْوَال الَّتِي تقدم ذكرهَا فَإِنَّهُ يحمل إِلَى السُّلْطَان وأعوانه وَينْفق فِي سَبِيل الشَّهَوَات الْمُحرمَة. وَقد اخْتَلَّ إقليم مصر فِي هَذِه السّني خللاً شنيعاً يظْهر أَثَره فِي الْقَابِلَة. وَمَعَ ذَلِك فَفِي أَرض مصر من عَبث العربان ونهبهم وتخريبهم وقطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين من التُّجَّار وَغَيرهم شَيْء عَظِيم قبحه شنيع وَصفه. وَالسُّلْطَان بعسكره فِي الْبِلَاد الشامية يجول وَقد قَالَ الله سبحانه وتعالى: إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. ويضاف إِلَى مَا تقدم ذكره أَن الطَّاعُون فَاش بدمياط والغربية والإسكندرية والإرجاف بالإفرنج متزايد وَأهل الْإسْكَنْدَريَّة على تخوف من هجومهم وَقد اسْتَعدوا لذَلِك وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي سَابِع عشره: سقط من الْعمَّال بالعمارة السُّلْطَانِيَّة بجوار بَاب زويلة عشرَة مَاتَ مِنْهُم أَرْبَعَة وتكسر سِتَّة.

ص: 434

وَفِي عشرينه: قدم الْخَبَر برحيل السُّلْطَان فِي ثَانِي عشْرين شهر ربيع الأول من حلب ونزوله على العمق. وَفِي خَامِس عشرينه: سَار مُفْلِح - رَسُول النَّاصِر أَحْمد متملك الْيمن - عَائِدًا إِلَى بِلَاده وصحبته الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ بِكِتَاب السُّلْطَان وهديته. وَقد كثر بر مُفْلِح هَذَا وَصلَاته وصدقاته وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ من كَثْرَة مصروفه إِلَى قرض مَال. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْخَمِيس: فِي ثَانِيه: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع المؤيدي وَلم يكمل مِنْهُ سوى الإيوان القبلي وخطب بِهِ عز الدّين عبد السَّلَام الْقُدسِي - أحد نواب الحكم الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ - نِيَابَة عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ كَاتب السِّرّ. وَفِي خامسه: نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع وَكَانَت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع. وَفِي عاشره: سَافر الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله - نَاظر الْخَاص - إِلَى جِهَة الشَّام بالخزانة السُّلْطَانِيَّة. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج من الْوَجْه القبلي وَمَعَهُ سِتَّة آلَاف رَأس من الْبَقر وَثَمَانِية آلَاف رَأس من الْغنم وألفا جمل وألفا قِنْطَار من القند وَعدد كثير من الْإِمَاء وَالْعَبِيد ومبلغ وافر من الذَّهَب وَذَلِكَ أَنه فرض على أهل الْبِلَاد مَالا قَامُوا بِهِ فَمن النواحي من فرض عَلَيْهَا الألفي دِينَار. وَفرض على هوارة خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار عوضوه عَن أَكْثَرهَا أصنافاً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قدم أَخذ يطْرَح الأبقار وَغَيرهَا على نواحي بِلَاد الجيزة وَسَائِر الْوَجْه البحري وعَلى دواليب النَّاس بِالْقَاهِرَةِ من الْبَسَاتِين والمعاصر بأغلى الْأَثْمَان وَبث أعوانه فِي طرح ذَلِك وجباية ثمنه فأذاقوا النَّاس أَنْوَاع المكاره وَنظر فِي الرَّقِيق الَّذِي أحضرهُ - وَفِيه من بَنَات أهل الصَّعِيد عدَّة قد استرقهن بعد الْحُرِّيَّة - فَفرق من خيارهن طَائِفَة على الْأَعْيَان وطئوهن - على زعمهم - بِملك الْيَمين وَاخْتَارَ لنَفسِهِ طَائِفَة وَبَاعَ باقيهن مَعَ مَا جلبه من العبيد فشملت مضرته عَامَّة أهل مصر من أَعلَى الصَّعِيد إِلَى أَسْفَل مصر وصادر مَعَ هَذَا عدَّة من أَعْيَان الصَّعِيد فاختل الإقليم بِهَذَا من فعله خللاً فاضحاً. وَفِي تاسعه: نُودي أَن يكون سعر الدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ فنقص ثَلَاثِينَ وَأَن يكون الدِّينَار الهرجة بمائتين وَخمسين فنقص ثَلَاثِينَ أَيْضا وَأَن لَا يتعامل بالدينار الناصري وَإِنَّمَا يقص وَكَانَ قد بلغ إِلَى مِائَتَيْنِ وَعشْرين فوقفت أَحْوَال النَّاس

ص: 435

وكسدت الْأَسْوَاق وَذَلِكَ أَن الْقَصْد جباية مِمَّن مَا طرح من البضائع بِنَوْع آخر من التجسر. هَذَا والنيل يُنَادي عَلَيْهِ كل يَوْم إِصْبَع من سادس عشره إِلَى ثَالِث عشرينه فارتفع سعر الْقَمْح من مائَة وَثَمَانِينَ الأردب إِلَى مِائَتي دِرْهَم فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت رَابِع عشرينه لم يناد عَلَيْهِ فقلق النَّاس وطلبوا الْقَمْح وَسَاءَتْ ظنونهم وَأصْبح النَّاس يَوْم الْأَحَد وَقد نقص سِتَّة أَصَابِع ثمَّ زَاد سَبْعَة أَصَابِع فَرد النَّقْص وَزَاد إصبعاً نُودي بِهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه واستمرت الزِّيَادَة فِي كل يَوْم فانحل سعر الْقَمْح. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِي ثامن عشره: وَقع الشُّرُوع فِي بِنَاء برجين بجانبي بَاب السلسلة أحد أَبْوَاب قلعة الْجَبَل. وَفِي حادي عشرينه: عزل ابْن يَعْقُوب عَن حسبَة الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِيهَا عماد الدّين ابْن بدر الدّين بن الرشيد وَكَانَ يَنُوب فِي الْحِسْبَة عَن التَّاج وَغَيره وناب أَبوهُ فِي حسبَة مصر أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة مُتَوَالِيَة وخلع الْأَمِير طوغان نَائِب الْغَيْبَة. وَفِي رَابِع عشرينه: - الموافي لَهُ سادس عشْرين مسرى - وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليج على الْعَادة واستمرت زِيَادَة النّيل فِي كل يَوْم بَقِيَّة الشَّهْر. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ رَحل من العكرشة فِي رَابِع صفر فَلَمَّا نزل سبخَة بردويل - فِي ثَانِي عشره - قدم نَاصِر الدّين بن خطاب الْحَاجِب بِدِمَشْق وعَلى يَده سيف الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام وَقد قبض عَلَيْهِ وسجن بقلعة دمشق وَكَانَ من خَبره أَن كتب قبل ذَلِك إِلَى الْأَمِير شاهين الْحَاجِب الْكَبِير بِدِمَشْق بِالْقَبْضِ على الْمَذْكُور وسجنه فوافاه الْكتاب والنائب قد توجه من دمشق وَهُوَ بنابلس فَلَمَّا بلغه الْخَبَر بَادر بالتوجه إِلَى دمشق فَلَقِيَهُ شاهين بعسكر دمشق قَرِيبا من الخربة وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتاب السُّلْطَان فأذعن وَحل سَيْفه بِيَدِهِ وَتوجه صُحْبَة الْعَسْكَر إِلَى دمشق حَتَّى تسلمه نَائِب القلعة فَسَار السُّلْطَان وَنزل غَزَّة فِي يَوْم السبت خَامِس عشره على مصطبة استجدها بِظَاهِر الْمَدِينَة ضرب مخيمه عَلَيْهَا وَنُودِيَ بالأمان والاطمئنان فَقدم الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الجشاري نَائِب صفد والأمير بدر الدّين حسن بن بِشَارَة مقدم الْبِلَاد الصفدية بغزة ثمَّ مَا زَالَ يسير وأمراء العربان ومشايخ الْبِلَاد والمقدمين يردون عَلَيْهِ إِلَى أَن وصل إِلَى برج الكثيبة فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه فَقدم عَلَيْهِ قصاد الْأَمِير عَليّ باك بن دلغادر

ص: 436

وكردي باك بن كندر والأمير طغريل بن صقلسيز بمكاتباتهم يسْأَلُون الصفح وَالْعَفو عَنْهُم ويعدون بحضورهم إِلَى الطَّاعَة فأجيبوا بِأَنَّهُم أَن صدقُوا وداسوا الْبسَاط وَإِلَّا فليتخذ كل مِنْهُم نفقاً فِي الأَرْض أَو سلما فِي السَّمَاء ثمَّ قدم من الْغَد الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بعسكر دمشق لملاقاة السُّلْطَان وَقدم سيف الْأَمِير آق بردى أحد الْأُمَرَاء المقدمين الألوف بالديار المصرية وَقد مَاتَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس الْمَذْكُور بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل شهر ربيع الأول: حل السُّلْطَان بِمَنْزِلَة بَرزَة بالموكب السلطاني وَولده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم حَامِل الْقبَّة على رَأسه من قرب ميدان الْحَصَى خَارج دمشق من جِهَة مصر إِلَى المصطبة المستجدة بِمَنْزِلَة بَرزَة خَارج دمشق من جِهَة حلب فَكَانَ يَوْم مشهوداً وَفِي ثالثه: أفرج عَن الْأَمِير سودن القَاضِي من سجنه بقلعة دمشق وأركب فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رابعه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ بالمصطبة ظَاهر بَرزَة وحضره الْقُضَاة والأمراء والخاصكية والقراء فَكَانَت من اللَّيَالِي المشهودة الْمَذْكُورَة وأنعم على السَّادة الْقُرَّاء بِالْخلْعِ وَالْمَال. وَفِي ثامنه: توجه الخواجا زين الدّين ولى تَاجر الْخَاص إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان رَسُولا بِكِتَاب السُّلْطَان. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير يشبك نَائِب طرابلس وَقد نزل السُّلْطَان قَرِيبا من حسيا. وَفِي عاشره: نزل السُّلْطَان حمص فَقدم نَائِب طرابلس الْمَذْكُور تقدمته وَفِيه قدم الْأَمِير جَار قطلو نَائِب حماة فأعيد من سَاعَته إِلَيْهَا لعمل المهم وَسَار السُّلْطَان إِلَى حماة فَقدم عَلَيْهِ بهَا الْأَمِير حَدِيثَة بن سيف أَمِير آل فضل وَقدم غَنَّام بن زامل كَبِير عرب آل مُوسَى فَكَانَت بَينهمَا مشاجرة بِسَبَب قتل سَالم بن طويب من آل أَحْمد فسكن السُّلْطَان مَا بَينهمَا وَعرضت عَلَيْهِ تقادم نَائِب طرابلس وأمير آل مُوسَى ونائب حمص وَقدم قصاد الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وقصاد أَوْلَاد بن أوزر وهم يسْأَلُون الْعَفو فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ سَار السُّلْطَان وخيم فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشرَة بِمَنْزِلَة تل السُّلْطَان، وَبهَا من تقدم من العساكر فِي الجاليش.

ص: 437

وَقد رسم لَهُم أَن لَا يبرحوا مِنْهَا حَتَّى يقدم السُّلْطَان فَبَاتَ السُّلْطَان وَأصْبح يَوْم الثُّلَاثَاء وَقد ضرب لَهُ صيوان على التل الْمَذْكُور وَجلسَ فِي أبهة ملكه. وَنُودِيَ فِي العساكر أَن تتقدم للعرض بعددها وأسلحتها فعرضت بَين يَدَيْهِ. وَفِيه ورد الْخَبَر بوصول جَمِيع التراكمين من الأوجقية وَغَيرهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: رَحل السُّلْطَان إِلَى منزلَة قنسرين فَقدم بهَا الْأَمِير قجقار القردمي نَائِب حلب بعسكرها وَقدم أَيْضا الْأَمِير طغريل بن صقلسيز فِي ألف وَخَمْسمِائة فَارس. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: انْتقل السُّلْطَان إِلَى منزلَة الوضيحي. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: ركب السُّلْطَان عِنْد انْشِقَاق الْفجْر وَشرع فِي صف الأطلاب وتعبئة العساكر بِنَفسِهِ فانتشرت يَمِينا وَشمَالًا إِلَى أَن طبقت الأَرْض ثمَّ سَار إِلَى حلب وَمر من ظَاهرهَا وَدخل مِنْهَا نَائِب الشَّام ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد وعدة من العربان والتركمان وَخَرجُوا من الْبَاب الآخر وَنزل السُّلْطَان بالمصطبة الظَّاهِرِيَّة فِي مخيماته وترقب عود الرُّسُل المتوجهة إِلَى الْأَطْرَاف فَقدم فِي ثَانِي عشرينه خَلِيل بن بِلَال نَائِب مَدِينَة أياس وَكَانَ قد ولي نيابتها فِي عَاشر شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَمَعَهُ مَفَاتِيح قلعتها فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: جلس السُّلْطَان بالميدان وَحضر نواب الشَّام وأمراء مصر وَمن قدم من التركمان والعربان والأكراد وَعين السُّلْطَان الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام والأمير جَار قطلو نَائِب حماة وعسكر دمشق وحماة وَمَعَهُمْ خَمْسمِائَة ماش من التركمان الأوشرية والأينالية وَفرْقَة من البوصجاوية وَفرْقَة من عرب آل مُوسَى

ص: 438

المتوجة إِلَى ملطية وَإِخْرَاج حُسَيْن بن كبك مِنْهَا وَإِلَى كختا وكركر. وخلع عَليّ دَاوُد بن أوزر وجمائعه وسوغهم مَالا جزيلاً وأسلحة وأعادهم إِلَى بُيُوتهم بالعمق وَولي الْأَمِير سيف الدّين صاروجا مهمندار حلب نِيَابَة أياس عوضا عَن خَلِيل بن بِلَال وَقدم الجاليش بَين يَدَيْهِ وَفِيه الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي أتابك العساكر والأمير يشبك اليوسفي نَائِب طرابلس والأمير غرس الدّين خَلِيل الجشاري التوريزي نَائِب صفد فِي عدَّة من أُمَرَاء مصر فَسَارُوا إِلَى العمق وَركب السُّلْطَان إِلَى قلعة حلب وَأقَام بهَا ثمَّ رَحل السُّلْطَان بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر ربيع الآخر إِلَى جِهَة العمق على درب الأثارب فَقدم بالمنزلة الْمَذْكُورَة قصاد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان وَفِيهِمْ القَاضِي مصلح الدّين مرتيل - قَاضِي عسكره - بهدية وَكتاب يتَضَمَّن أَنه ضرب السِّكَّة المؤيدية ودعا للسُّلْطَان فِي الخطة وَبعث من جملَة الْهَدِيَّة طبقًا فِيهِ دَرَاهِم بالصكة المؤيدية فعنف السُّلْطَان رَسُوله ووبخه وَعدد لَهُ خطأ مرسله فِي تَقْصِيره فِي الْخدمَة لما وصل السُّلْطَان والعسكر إِلَى قيسارية وَمِنْهَا إهماله الْقَبْض على كزل وَمن مَعَه من المستحبين وَمِنْهَا عدم تَجْهِيزه مَفَاتِيح طرسوس لما استولى عَلَيْهَا فَاعْتَذر مصلح الدّين وَسَأَلَ الصفح فَقَالَ السُّلْطَان لَهُ: إِنَّمَا سرت وتكلفت هَذِه الكلفة الْعَظِيمَة لأجل طرسوس لَا غير ثمَّ فرق الدَّرَاهِم وَغَيرهَا على الْحَاضِرين وَأمر مصلح الدّين فَجَلَسَ وأنسه وَقدم كتاب الْأَمِير سلمَان بن أبي يزِيد ابْن عُثْمَان صَاحب برصا ثمَّ قدم الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وَابْن عَمه حَمْزَة بن أَحْمد بن رَمَضَان وَسَائِر أُمَرَاء التركمان الأوحقية فِي جمع كَبِير وَمَعَهُمْ أم

ص: 439

إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَأَوْلَاده الصغار فِي خَمْسمِائَة من أمرائه وأقاربه وألزامه فَقَامَ السُّلْطَان لَهَا وخلع على إِبْرَاهِيم وعَلى أَخِيه وأركبهما بالسروج الذَّهَب والكنابيش الذَّهَب. وَفِي يَوْم السبت سابعه: عمل السُّلْطَان الموكب بالعمق وَحلف التركمان على الطَّاعَة وأنفي فيهم وخلع عَلَيْهِم نَحوا من مِائَتي خلعة وألبس إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان الكلوتة وأنعم عَلَيْهِ وعَلى جماعته فقبلوا الأَرْض بأجمعهم وضجوا بِالدُّعَاءِ فَكَانَ وقتا عَظِيما ثمَّ تقرر الْحَال على أَن الْأَمِير قجقار نَائِب حلب يتَوَجَّه بِمن مَعَه إِلَى مَدِينَة طرسوس ويسير السُّلْطَان على جِهَة مرعش إِلَى الأبلستين وَيتَوَجَّهُ مصلح الدّين إِلَى ابْن قرمان بجوابه وَيعود فِي مستهل جُمَادَى الأولى بِتَسْلِيم طرسوس فَإِن لم يحضر مَشى السُّلْطَان إِلَى بِلَاد ابْن قرمان فَسَار مصلح الدّين صُحْبَة نَائِب حلب إِلَى طرسوس وَسَار السُّلْطَان يُرِيد الأبلستين فَنزل النَّهر الْأَبْيَض فِي حادي عشره وَقدم كتاب نَائِب حلب أَنه لما نزل بغراص قدم إِلَيْهِ خَليفَة الأرمن بسيس - الْمُسَمّى كريكون - وأكابر الأرمن وعَلى يدهم مَفَاتِيح قلعتي سيس وناورزا وَأَنه جهزهم فَحَضَرُوا بالمفاتيح فولى السُّلْطَان نِيَابَة القلعة الشَّيْخ أَحْمد أحد أُمَرَاء العشرات بحلب وخلع عَلَيْهِ وعَلى الأرمن وأعادهم إِلَى القلعة الْمَذْكُورَة. وَفِي ثَانِي عشره: نزل السُّلْطَان بِمَنْزِلَة كونيك فَقدم كتاب نَائِب الشَّام بِأَن حُسَيْن ابْن كبك أحرق ملطية فِي خَامِس شهر ربيع الآخر فشاهد أسواقها وَدَار السَّعَادَة بهَا قد عمهم الْحَرِيق وَأَنه لم يتَأَخَّر بهَا إِلَّا الضَّعِيف وَالْعَاجِز وَأَن فلاحي بلادها نزحوا بأجمعهم وَأَن ابْن كبك قد نزل عِنْد كوركي فَإِنَّهُ سَار من ملطية فِي إثره فندب عِنْد ذَلِك السُّلْطَان - وَهُوَ بكونيك - وَلَده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم للمسير وَوَجهه فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره وَمَعَهُ الْأَمِير جقمق الدوادار وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء لكبس الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر فَسَارُوا مجدين وَأَصْبحُوا بالأبلستين وَقد فر ابْن دلغادر مِنْهَا وأخلى الْبِلَاد من سكانها فجدوا فِي السّير لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى أَن نزلُوا بمَكَان يُقَال لَهُ كل دلى فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره فأوقعوا بِمن هُنَاكَ من التركمان وَأخذُوا بيولهم وأحرقوها. ومضوا إِلَى خَان السُّلْطَان فأوقعوا بِمن هُنَاكَ أَيْضا وأحرقوا بُيُوتهم وَأخذُوا من الدَّوَابّ شَيْئا كثيرا وصاروا إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ صاروش فحرفوا بيُوت من فِيهِ من التركمان وَأخذُوا مَا عِنْدهم وَبَاتُوا هُنَاكَ وتوجهوا بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره فأدركوا مُحَمَّد بن دلغادر وَهُوَ سَائِر بأثقاله وحريمه فتبعوه وَأخذُوا

ص: 440

أثقاله وأثاثه وَجَمِيع مَا كَانَ مَعَه وخلص على جرائد الْخَيل وَوَقع فِي قبضتهم عدَّة من أَصْحَابه ثمَّ عَادوا إِلَى السُّلْطَان بالغنائم وَمن جُمْلَتهَا مائَة بسرك - يَعْنِي بخْتِي - كالأفيلة وَخَمْسمِائة حمل من اللوكات - جمال الأثقال - ومائتي فرس وَأما مَا أَخذ من الأقمشة الْحَرِير والفرو والأواني مَا بَين فضيات وَغَيرهَا فشيء لَا يكَاد ينْحَصر. ومازال السُّلْطَان يتنقل فِي مرَاعِي الأبلستين فَقدم الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بعد أَن سَار فِي إِثْر حُسَيْن بن كبك إِلَى أَن بلغه أَنه دخل بِلَاد الرّوم وَبعد أَن قرر أَمر ملطية بِعُود أَهلهَا إِلَيْهَا وَبعد أَن جهز الْأَمِير جَار قطلو نَائِب حماة وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء ونائب البيرة ونائب قلعة الرّوم ونائب عين تَابَ ونائب كختا وكركر إِلَى جِهَة كختا وكركر فنازلوا القلعتين وَقد أحرق نَائِب كختا أسواقها وتحصن بقلعتها فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم نجدة فِيهَا ألف ومائتي ماش وعدة من آلَات الْحصار وَقدم كتاب مُحَمَّد بن دلغادر وَهُوَ يسْأَل الْعَفو وَأَنه يسلم قلعة درندة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكَانَ الْأَمِير قجقار نَائِب حلب لما توجه إِلَى طرسوس قدم بَين يَدَيْهِ إِلَيْهَا الْأَمِير شاهين الأيدكاري مُتَوَلِّي نِيَابَة السلطة بهَا وَقد بعث ابْن قرمان نجدة إِلَى نَائِبه بطرسوس الْأَمِير مقبل فَلَمَّا بلغ مقبل مسير عَسَاكِر السُّلْطَان إِلَيْهِ رَحل من طرسوس وَبعث إِلَى شاهين الأيدكاري يُخبرهُ برحيله فَدخل شاهين طرسوس وَقد امْتنع مقبل بقلعتها فَنزل الْأَمِير قجقار والأمير شاهين عَلَيْهَا وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك فورد كِتَابه فِي سادس عشرينه إِلَى الأبلستين فدقت البشائر لذَلِك وَبعث السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين أينال الأزعري - أحد مقدمي الألوف بديار مصر - إِلَى درندة ليحمل من معاملتها الْميرَة فأحضر شَيْئا كثيرا من العلوفات وَنَحْوهَا بِحَيْثُ أبيعت العليقة الشّعير بِنصْف دِرْهَم بمعاملة درندة. وَاسْتمرّ الْأَمِير قجقار والأمير شاهين على حِصَار قلعة طرسوس إِلَى أَن أخذت بالأمان فِي يَوْم

ص: 441

الْجُمُعَة ثامن عشره وَأخذ مقبل وَمن مَعَه وسجنوا وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فَقدم الْكتاب فِي عَشِيَّة يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه فانتقل السُّلْطَان إِلَى منزلَة سُلْطَان قرشي فَقدم قَاصد الْأَمِير على باك بن دلغادر بهديته وَكتابه وَقدم كتاب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر مَعَ وَلَده وصحبته كواهي ومفاتيح قلعة درندة فأضاف السُّلْطَان نِيَابَة الأبلستين إِلَى على باك بن دلغادر مَعَ مَا بِيَدِهِ من نِيَابَة مرعش وجهز لَهُ التشريف. ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي ثامن عشرينه ليرى درندة وَسَار جرائد الْخَيل ونازلها وَبَات عَلَيْهَا وَأصْبح فرتب الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام فِي إِقَامَته عَلَيْهَا واستدعى من المخيمات بالزردخاناه والعتالين والنقابين والصناع وألزمهم بأخذها وعادوا إِلَى المخيم فوصل فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مَفَاتِيح قلعة خندروس من مضافات درندة وَقدم الْخَبَر باستقرار على باك بن دلغادر فِي الأبلستين على يَد وَلَده حَمْزَة وَمَعَهُ هَدِيَّة وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أسنبك بن أينال وَاقع عَسْكَر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر وَأخذ مِنْهُم جَمِيع مَا مَعَهم وَأَنه قطعت يَد وَلَده الْكَبِير فِي الْوَقْعَة فسر السُّلْطَان بذلك وَركب إِلَى درندة وَبَات على سطح الْعقبَة المطلة عَلَيْهَا فَلَمَّا أصبح ركب بعساكره وَعَلَيْهِم السِّلَاح وَنزل بمخيماته على القلعة وَهِي فِي شدَّة من قُوَّة الْحصار فَلَمَّا رأى من فِيهَا السُّلْطَان قد نزل عَلَيْهِم طلبُوا الْأمان فَأَمنَهُمْ ونزلوا بكرَة الْجُمُعَة سلخه وَفِيهِمْ دَاوُد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان فألبسه السُّلْطَان تَشْرِيفًا وأركبه فرسا بقماش ذهب وخلع على جماعته وَاسْتولى السُّلْطَان على القلعة وَكتب بالبشارة إِلَى الْبِلَاد وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الْحكمِي أحد رُءُوس النوب وَاسْتقر فِي نِيَابَة درندة وأنعم عَلَيْهِ بأَرْبعَة أُلَّاف دِينَار سوى السِّلَاح وخلع على الْأَمِير منكلي بغا الأرغون شاوي - أحد الْأُمَرَاء الطبلخاناه بالديار المصرية - وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة ملطية ودوركي وأنعم عَلَيْهِ بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وَصعد السُّلْطَان من الْغَد إِلَى قلعة درندة وأحاط بهَا علما ثمَّ رَحل فورد كتاب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري يتَضَمَّن أَنه جهز فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع جُمَادَى الأولى عشرَة أنفس ليسرقوا قلعة كرت برت من أَصْحَاب مُحَمَّد بن دلغادر وأردفهم بعسكر فَقَاتلُوا من بالقلعة فِي يَوْم الْخَمِيس غده حَتَّى غلبوهم وَأخذُوا القلعة وجهز من أَهلهَا أحد عشر رجلا فصلبوا على قلعة درندة.

ص: 442

وَلما قضى السُّلْطَان الْغَرَض من أَمر درندة وطرسوس وأياس وَجعل أَمر الأبلستين إِلَى عَليّ باك بن دلغادر وَأمر مرعش إِلَى وَلَده حَمْزَة ارتحل بالعسكر وَنزل على النَّهر من غربي الأبلستين بِنَحْوِ مرحلة ليتوطد لَهُ أَمر ملطية ونائب درندة وتكمل رُجُوع أهل البلدين إِلَيْهِمَا فَأَقَامَ أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ عَاد وَنزل الأبلستين يُرِيد بهسنى وكختا وكركر وَأعَاد من هُنَاكَ حَمْزَة بن عَليّ باك دلغادر إِلَى أَبِيه وجهز دنكز رَسُول قرا يُوسُف وصحبته رَسُول على يَده جَوَابه وهدية وَكَانَ قد سَار الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام إِلَى بهسنى فَرَحل السُّلْطَان فِي أَثَره فَقدم الْخَبَر من الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بِأَنَّهُ كتب إِلَى الْأَمِير طغرق بن دَاوُد بن إِبْرَاهِيم بن دلغادر الْمُقِيم بقلعة بهسنى يرغبه فِي الطَّاعَة ويدعوه إِلَى الْحُضُور فَاعْتَذر عَن حُضُوره بخوفه على نَفسه مِمَّا زَالَ بِهِ حَتَّى سلم القلعة وَحضر إِلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ فِي سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير أقباي وَمَعَهُ الْأَمِير طغرق - وَقد قَارب السُّلْطَان فِي مسيره حصن مَنْصُور - فَخلع على طغرق وَمن مَعَه وأنعم عَلَيْهِم بِمَال والكساوى وَأنزل بخام ضرب لَهُ وَنزل السُّلْطَان بحصن مَنْصُور فَقدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير قجقار نَائِب حلب على كركر وكختا وَقدم أَيْضا قَاصد قرا يلك بهدية فَخلع عَلَيْهِ وَقدم رَسُول الْملك الْعَادِل سُلَيْمَان صَاحب حصن كيفا بهدية فَلَمَّا كَانَ الْغَد رَحل السُّلْطَان وَنزل شمَالي حصن مَنْصُور قَرِيبا من كركر وكختا وَأَرْدَفَ نَائِب حلب بالأمير حَار قطلو نَائِب حماة وَجَمَاعَة من أُمَرَاء مصر وَالشَّام وَبعث يشبك اليوسفي نَائِب طرابلس لمنازلة كختا. وَفِيه خلع على الْأَمِير منكلي خجا السيفي أرغون شاه بنيابة قلعة الرّوم عوضا عَن الْأَمِير أبي بكر بن بهادر البابيري الجعيري وخلع على الْأَمِير كمشبغا الركني رَأس نوبَة جمال الدّين الأستادار - كَانَ - بنيابة بهسنى عوضا عَن الْأَمِير طغرق بن دلغادر. وَقدم جَوَاب قرايوسف صُحْبَة القَاضِي حميد الدّين قَاضِي عسكره وَكتاب مُحَمَّد شاه بن قرايوسف وَكتاب بير عمر حَاكم أرزنكان وهدية جليلة من قرايوسف فَانْزِل حميد الدّين وأجرى عَلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ.

ص: 443

ثمَّ رَحل السُّلْطَان ونازل كختا وَحصر قلعتها وَقد نزح أهل كختا ومعامليها عَنْهَا فنصب للرمي على القلعة مدفعا زنة حجره سِتّمائَة رَطْل بالمصري وعدة مدافع دون ذَلِك فَبَيْنَمَا هُوَ فِي حصارها إِذْ ورد الْخَبَر بِقرب قرايوسف وَأَنه يقْصد قرايلك. فبادر قرايلك وجهز ابْنه الْأَمِير حَمْزَة العشاري صُحْبَة نَائِبه الْأَمِير شمس الدّين أَمِير حَمْزَة بهدية من خيل وشعير وَيسْأل الاعتناء بِهِ فَأكْرم السُّلْطَان وَلَده ونائبه وأنزلهما. وَقدم أَيْضا قَاصد طور على نَائِب الرها وقاصد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري نَائِب دوركي وقاصد بيرعمر حَاكم أرزنكان بكتابه أَنه مَشى يُرِيد قرا يلك مَعَه عشرُون ألف فَارس لأَخذه. وَقدم أَيْضا قَاصد الْأَمِير مُحَمَّد بن دولات شاه الْحَاكِم بِأَكْل من ديار بكر وَمَعَهُ مَفَاتِيح قلعتها فأعيدت إِلَيْهِ المفاتيح وَمَعَهَا تشريف أطلسين. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحصار على قلعة كختا وَفرع النقابون من النقب وَلم يبْق إِلَّا إِلْقَاء النَّار فِيهَا طلب قرقماس شمس الدّين أَمِير زاه فَبَعثه السُّلْطَان إِلَيْهِ فجرت أُمُور آلت إِلَى أَنه بعث وَلَده رهنا وَأَنه بعد رحيل السُّلْطَان عَنهُ ينزل فَرَحل السُّلْطَان إِلَى جِهَة كركر وَأقَام الْأَمِير جقمق على كختا وسارت الأثقال إِلَى عين تَابَ فنازل السُّلْطَان قلعة كركر وَنصب عَلَيْهَا منجنيقا يَرْمِي بِحجر زنته مَا بَين السِّتين وَالسبْعين رطلا بالدمشقي وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه. شهر رَجَب أَوله السبت: فِيهِ قدم الْخَبَر من الْأَمِير جقمق بنزول الْأَمِير قرقماس من قلعة كختا وَمَعَهُ حريمه فتسلمها نواب السُّلْطَان وَأَنه توجه وَمَعَهُ قرقماس إِلَى حلب وَقدم الْخَبَر من الْأَمِير منكلي بغا نَائِب ملطية بِأَن طَائِفَة من عَسْكَر قرايوسف نزلُوا تَحت قلعة منشار ونهبوا بيُوت الأكراد وعدى الْفُرَات مِنْهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَأَنه ركب عَلَيْهِم وكسرهم وَقتل مِنْهُم نَحْو الْعشْرين وغرق بالفرات نَحْو ذَلِك وَأسر اثْنَي عشر نَفرا وَأَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى خرت برت.

ص: 444

وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأَمِير شاهين الْحَاجِب بصفد وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة كركر وعَلى الْأَمِير كزل بغا - أحد أُمَرَاء حماة - بنيابة كختا فَمضى كزل بغا وتسلم كختا وقلعتها ورحل السُّلْطَان بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه وَقد عاوده ألم رجله الَّذِي يَعْتَرِيه فِي كل سنة فَركب المحفة عَجزا عَن ركُوب الْفرس وَقصد حلب ثمَّ ركب الْفُرَات فِي الزوارق من تجاه بَلْدَة يُقَال لَهَا كيلك وصحبته خاصته وَنزل قلعة الرّوم عَشِيَّة الْخَمِيس سادسه وَبَات بهَا وَنزل من الْغَد بالميدان بَعْدَمَا رتب أَحْوَال القلعة وأنعم على نائبها بِخَمْسِمِائَة دِينَار وعَلى بحريتها بِنَفَقَة فَقدم الْخَبَر فِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه من الْأَمِير قجقار نَائِب حلب بهزيمة قرا يلك من قرايوسف وَأَن من مَعَه من الْعَسْكَر الْمُقِيم على كركر خَافُوا وعزموا على الرحيل وبينما كِتَابه يقْرَأ إِذْ قدم كتاب الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بِأَن الْأَمِير قجقار رَحل عَن كركر بِمن مَعَه من غير أَن يُعلمهُ وَأَنه عزم على محاصرتها فَكتب إِلَيْهِ بِأَن يسْتَمر على حصارها. وَفِي بكرَة يَوْم السبت ثامنه: انحدر السُّلْطَان على الْفُرَات إِلَى البيرة فَدَخلَهَا من آخِره وَصعد قلعتها وَقرر أمورها فَقدم الْخَبَر من الْغَد بِقرب قرايوسف وَأَن الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام صَالح خَلِيل نَائِب كركر ورحل بِمن مَعَه فحنق السُّلْطَان من ذَلِك وَاشْتَدَّ غَضَبه على الْأَمِير قجقار نَائِب حلب ثمَّ رَحل السُّلْطَان من البيرة يُرِيد حلب فَدَخلَهَا بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره بأبهة الْملك وَقد تَلقاهُ أهل حلب وفرحوا بمقدمه لِكَثْرَة الإرجاف بقدوم قرايوسف فاطمأنوا وَصعد القلعة ونادي بالأمان وَفرق فِي الْفُقَهَاء والفقراء مَالا جزيلاً وَأمر بِبِنَاء الْقصر الَّذِي كَانَ الْأَمِير جكم شرع فِي عِمَارَته. وَفِي سَابِع عشره: قدم أقباي نَائِب الشَّام وقجقار نَائِب حلب وجار قطلو نَائِب حماة فَأَغْلَظ السُّلْطَان على الْأَمِير قجقا ووبخه فَأَجَابَهُ بدله وَلم يراع الْأَدَب فَقبض عَلَيْهِ وحبسه بالقلعة ثمَّ أفرج عَنهُ من يَوْمه بشفاعة الْأُمَرَاء وَبَعثه إِلَى دمشق بطالاً. وَاسْتقر بالأمير يشبك اليوسفي - نَائِب طرابلس - فِي نِيَابَة حلب وخلع عَلَيْهِ. وَاسْتقر بالأمير بردبك رَأس نوبَة فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج حلب وَعَاد إِلَى دَار الْعدْل فِي موكب عَظِيم وَحضر الْأَمِير حَدِيثَة أَمِير الْعَرَب وَحميد الدّين رَسُول قَاصد قرايوسف

ص: 445

وخلع عَلَيْهِ وأنعم لَهُ بِمَال وَأَعَادَهُ. وخلع على الْأَمِير ططر وَاسْتقر بِهِ وأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن برد بك نَائِب طرابلس وَاسْتقر بالأمير نكباي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن جَار قطلو وَاسْتقر بجار قطلو فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل التوريزي الجشاري وَاسْتقر خَلِيل فِي الحجوبية الْكُبْرَى بطرابلس وخلع على الْجَمِيع فاستعفى خَلِيل من حجوبية طرابلس فأعفي وخلع على الْأَمِير سودن قرا صقل حَاجِب الْحجاب بديار مصر وَاسْتقر فِي الحجوبية بطرابلس وَاسْتقر بالأمير شاهين الأرغون شاوي فِي نِيَابَة قلعة حلب عوضا عَن الْأَمِير ألطنبغا المرقبي بِحكم انْتِقَاله فِي جملَة مقدمي الألوف على إقطاع الْأَمِير أقبردي المنقار. وَفِي رَابِع عشرينه: رسم للنواب بالتوجه إِلَى مَحل كفالاتهم وخلع عَلَيْهِم خلع السّفر. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض على الْأَمِير طغرول بن صقل سيز وَابْن عَمه طر عَليّ وسجنا بقلعة حلب وَاسْتقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن التركماني فِي نِيَابَة شيزر عوضا عَن طغرول الْمَذْكُور وَاسْتقر الْأَمِير مبارك شاه فِي نِيَابَة الرحبة عوضا عَن عمر بن شَهْري. وَفِي سادس عشرينه: كملت عمَارَة الْقصر بقلعة حلب وَجلسَ فِيهِ السُّلْطَان واستدعى مقبل القرماني ورفاقه وضربه ضربا مبرحاً ثمَّ صلب هُوَ وَمن مَعَه. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْقَاهِرَة بوفاء النّيل وَقدم رَسُول سُلَيْمَان صَاحب حصن كيفا وَكتابه يسْأَل انتسابه إِلَى السُّلْطَان وَأَن ينعم عَلَيْهِ بتقليد باستقراره واستمراره وَاحِدًا من نواب السلطة وَطلب تَشْرِيفًا على عَادَة النواب فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخلع على قاصديه وَعين لَهُ حجرَة بقماش ذهب وتعبية ثِيَاب. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ عمل السُّلْطَان الْخدمَة بِالْقصرِ الْجَدِيد من قلعة حلب وَأصْلح بَين الْأَمِير حَدِيثَة

ص: 446

أَمِير آل فضل وَبَين غَنَّام بن زامل وحلفهما على الطَّاعَة وَأَن لَا يتضارا وَاسْتقر بالأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر فِي نِيَابَة الأبلستين على عَادَته وجهز لَهُ نَفَقَة وسيفاً وسلاحاً وجمالاً وخيولاً. وَفِيه قدم قَاصد كردِي باك وَمَعَهُ الْأَمِير سودن اليوسفي أحد المنسحبين من وقْعَة قانباي وَقد قبض عَلَيْهِ فسمر تَحت قلعة حلب من الْغَد ثمَّ وسط. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي يَوْمه - وَهُوَ سادس عشر توت - إِلَى عشر أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خامسه: خطب القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ - كَاتب السِّرّ - خطة الْجُمُعَة وَصلى بالسلطان فِي الْقصر المستجد بقلعة حلب. وَفِي يَوْم السبت سادسه: أمسك بِالْقَاهِرَةِ نَصْرَانِيّ وَقد خلا بِامْرَأَة مسلمة فاعترفا بِالزِّنَا فَرُجِمَا خَارج بَاب الشعرية ظَاهر الْقَاهِرَة عِنْد قنطرة الْحَاجِب وأحرق الْعَامَّة النَّصْرَانِي ودفنت الْمَرْأَة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وَفِي ثامنه: قدم على السُّلْطَان بحلب كتاب الْأَمِير سُلَيْمَان بن عُثْمَان بِأَنَّهُ قبض على مُحَمَّد بن قرمان وعَلى وَلَده مصطفى بعد محاصرته بقونيا وَأَنه استولى عَلَيْهَا وعَلى غَالب بِلَاد ابْن قرمان قيسارية وَغَيرهَا. وَفِيه خلع على تمراز بحجوبية حلب عوضا عَن أقبلاط الدمرداشي. وَفِيه اجْتمع عدَّة من فُقَهَاء الْقَاهِرَة عِنْد الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الأستادار فِي أَمر نَصْرَانِيّ ادّعى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب إِرَاقَة دَمه فتشطرت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلم يكمل النّصاب فَحكم قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن مقداد الأقفهسي الْمَالِكِي بتعزيره فعندما جرد ليضْرب أسلم فأنعم عَلَيْهِ وَترك لحاله وتجاورا مَا فِيهِ النَّصَارَى من كبر عمائمهم ولبسهم الفرجيات والجبب بالأكمام الطَّوِيلَة الواسعة كَهَيئَةِ قُضَاة الْإِسْلَام فَنُوديَ بمنعهم من ذَلِك وَمن ركوبهم الْحمر الفرة وَمن استخدامهم الْمُسلمين وَأَن يلتزموا الصغار وَلَا يلبسوا إِلَّا عِمَامَة من خَمْسَة أَذْرع فَمَا دونهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره: قدم الْأَمِير يشبك - أحد دوادارية السُّلْطَان - إِلَى الْقَاهِرَة وَقد اسْتَقر أَمِير ركب الْحَاج.

ص: 447

وَفِيه عزل السُّلْطَان تمراز عَن حجوبية حلب وَاسْتقر عوضه بالأمير عمر سبط بن شَهْري وخلع عَلَيْهِ وعَلى عمر شاه بن بهادر البابيري بنيابة جعبر عوضا عَن خَلِيل ابْن شَهْري. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره: جمع النَّاس بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة وبالجامع المؤيدي بجوار بَاب زويلة وَقَرَأَ عَلَيْهِم القَاضِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر بالجامع الْأَزْهَر كتاب السُّلْطَان بِأَنَّهُ وصل إِلَى الأبلستين وَملك كختا وسيس والمصيصة وأذنة وَغير ذَلِك وَأَن قرايوسف حَاكم توريز وبغداد بعث إِلَيْهِ بهدية وَقد قرب مَا بَينهمَا وَأَن السُّلْطَان عَاد إِلَى حلب وسطرها فِي تَاسِع عشر رَجَب وَقُرِئَ ذَلِك بالجامع المؤيدي فَكثر كَلَام النَّاس وَاخْتلف على قدر أغراضهم. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْخَبَر على السُّلْطَان بحلب من الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن طور على قرايلك وَمن الْأَمِير ألطنبغا نَائِب البيرة وَمن نَائِب قلعة الرّوم وَمن نَائِب كختا ونائب ملطية بِأَن الصُّلْح وَقع بَين قرايوسف على أَن قرايوسف تسلم قلعة صور وَعوض قرا يلك عَنْهَا ألف ألف دِرْهَم بمعاملتهم وَمِائَة فرس وَمِائَة جمل بسارك ثمَّ رَحل فِي رَابِع شهر شعْبَان عَنهُ إِلَى جِهَة توريز فَلَمَّا تحقق أهل حلب رحيل قرايوسف وَعوده إِلَى بِلَاده اطمأنوا بَعْدَمَا كَانُوا قد تهيئوا للرحيل عَن حلب. وَأصْبح السُّلْطَان بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره رَاجِلا عَن حلب إِلَى جِهَة مصر فَنزل عين مباركة.

ص: 448

وَفِيه أسلم الأسعد النَّصْرَانِي خَازِنًا وَكَانَ كَاتب الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الأستادار وَذَلِكَ بَعْدَمَا حفظ جُزْءا من الْقُرْآن الْكَرِيم وشدا طرفا من النَّحْو فتسمى بعد إِسْلَامه بمحب الدّين مُحَمَّد. وَفِي عشرينه: اسْتَقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ من عين مباركة وَنزل قنسرين وَأعَاد مِنْهَا الْأَمِير يشبك نَائِب حلب إِلَيْهَا بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ ثمَّ سَار وَنزل حماة بكرَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه. ورحل عَنْهَا من الْغَد وَنزل حمص ورحل عَنْهَا عَشِيَّة الْجُمُعَة سادس عشرينه. شهر رَمَضَان الْمُعظم أَوله الثُّلَاثَاء: فِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثالثه: دخل السُّلْطَان دمشق وَنزل بقلعتها وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَنُودِيَ فِي النَّاس بالأمان والاطمئنان. وَفِي سابعه: قبض على الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام وَقيد وسجن بقلعة دمشق وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان اشْتَرَاهُ صَغِيرا بألفي دِرْهَم ورباه ثمَّ عمله خازنداراً ثمَّ نَقله فِي أَيَّام سلطنته إِلَى أَن صَار من الْأُمَرَاء وَولي داوداراً كَبِيرا ثمَّ ولاه نِيَابَة حلب وَهُوَ مجبول على طبيعة الْكبر يحدث نَفسه - كلما انْتهى إِلَى غَايَة - بِأَعْلَى مِنْهَا فآوي جمَاعَة من مماليك قانباي بعد قَتله وعدة من العصاة فأشيع عَنهُ الْخُرُوج عَن الطَّاعَة فَلَمَّا بلغه ذَلِك بَادر إِلَى التَّوَجُّه إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم على السُّلْطَان بَغْتَة كَمَا سبق فِيمَا سبق فتنكر السُّلْطَان لَهُ وأسرها فِي نَفسه وولاه نِيَابَة الشَّام وَكَانَ الجاليش قد نصب وَفرقت نفقات السّفر فَظن أَن يصل قبل ذَلِك فيثني عزم السُّلْطَان عَن السّفر بعده كَمَا شرح فوشى بِهِ دواداره الْأَمِير شاهين الأرغون شاوي إِلَى السُّلْطَان فِي جمَاعَة من أُمَرَاء دمشق وَقد ذكرُوا للسُّلْطَان إِنَّه يسير إِذا مرض السُّلْطَان أَو عاوده ألم رجله وَأَنه استخدم جمَاعَة من أَعدَاء الدولة وَأَن حركاته كلهَا تدل على أَنه يطْلب فَوق مَا هُوَ فِيهِ وَأَنه يعاني غير مَا تعانيه النواب وَأَنه يكثر سماطه وجنايبه وهجنه إِذا ركب فِي الموكب وَنَحْو ذَلِك إِلَى أَن كَانَ يَوْم تَارِيخه الْتفت السُّلْطَان إِلَيْهِ بِحَضْرَة الْأُمَرَاء وَسَأَلَهُ عَن المماليك المستخدمين عِنْده وَعدد لَهُ من استجده من العصاة الَّذين كَانُوا مَعَ قانباي وَغَيره وَأنكر عَلَيْهِ تَركه إمْسَاك جمَاعَة رسم لَهُ بمسكهم وَكَونه قدم إِلَى مصر بَغْتَة وَأَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْأَمِير تنبك ميق أَمِير أخور كَبِير باستقراره فِي نِيَابَة الشَّام فَامْتنعَ من ذَلِك سَاعَة طَوِيلَة ثمَّ أذعن وَلبس التشريف وَقبل الأَرْض على الْعَادة. وَفِيه استدعى السُّلْطَان الْأَمِير قجقار القردمي نَائِب حلب - كَانَ - وأنعم عَلَيْهِ بإمرة الْأَمِير تنبك ميق.

ص: 449

وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام - كَانَ - ورسم بتوجهه إِلَى الْقُدس بطالاً. وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك. وَفِيه خلع على عز الدّين عبد الْعَزِيز الْمَقْدِسِي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن عبَادَة بِحكم وَفَاته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره: سَار السُّلْطَان من دمشق يُرِيد مصر وَنزل على قبَّة يلبغا ثمَّ اسْتَقل بِالْمَسِيرِ وَأعَاد الْأَمِير تنبك ميق إِلَى دمشق بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ. وَفِي ثامن عشره: سَار الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى مَكَّة فِي تجمل وَفِيه بلغ الْأَمِير فَخر الدّين أَن السجْن الَّذِي استجد عِنْد بَاب الْفتُوح بِالْقَاهِرَةِ - عوضا عَن خزانَة شمايل - تقاسى فِيهِ أَرْبَاب الجرائم شدَّة من ضيقه ويقاسون غماً وكرباً شَدِيدا فعين قصر الحجازية بِخَط رحبة بَاب الْعِيد ليَكُون سجناً وأنعم على من هُوَ بِيَدِهِ بعشره آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا عَن أُجْرَة سنتَيْن وَشرع فِي عمله سجناً ثمَّ أهمل. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشرينه: توجه الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج لملاقاة السُّلْطَان. وَفِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه: قدم السُّلْطَان بَيت الْمُقَدّس فزار وَفرق فِي أَهله مَالا جزيلاً وَصلى الْجُمُعَة وَجلسَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد الصَّلَاة وَقُرِئَ صَحِيح البُخَارِيّ من ربعه فرقت على من بَين يَدَيْهِ من الْفُقَهَاء القادمين إِلَى لِقَائِه من الْقَاهِرَة وَمن الْقُدس ثمَّ قَامَ المداح بعد فراغهم فَكَانَ وقتا مشهوداً. ثمَّ سَار السُّلْطَان من الْغَد إِلَى الْخَلِيل عليه السلام فزار وَتصدق وَسَار فَلَقِيَهُ الْأَمِير فَخر الدّين بَين قَرْيَة السكرية والخليل فَأقبل عَلَيْهِ وسر السُّلْطَان بالقائمة الَّتِي أوقفهُ الْأَمِير فَخر الدّين عَلَيْهَا مِمَّا أعده لَهُ من الْأَمْوَال وَنزل غَزَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشرينه فأراح بهَا. شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: فِيهِ صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد على المسطبة المستجدة ظَاهر غَزَّة وَصلى بِهِ وخطب شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ ورحل من آخِره فَقدم قَاضِي الْقُضَاة

ص: 450

جلال الدّين إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثامنه وَنزل السُّلْطَان على خانكاه سرياقوس فِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره ثمَّ رَحل وَنزل خَارج الْقَاهِرَة فَبَاتَ وَركب يَوْم الْخَمِيس من الريدانية فِي أمرائه وعساكره وَعبر من بَاب النَّصْر وَولده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم يحمل الْقبَّة على رَأسه فترجل المماليك وَمَشوا من دَاخل بَاب النَّصْر وَبَقِي الْأُمَرَاء ركاباً ببعد من السُّلْطَان وَعَلَيْهِم - وعَلى قُضَاة الْقُضَاة وَسَائِر أَرْبَاب الدولة - التشاريف وَفِي جُمْلَتهمْ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه فَمر كَذَلِك إِلَى الْجَامِع المؤيدي وَنزل بِهِ وَقد زينت الْقَاهِرَة وأشعلت بحوانيتها الْقَنَادِيل والشموع فَأكل السُّلْطَان سماطاً عبأه لَهُ الْأَمِير فَخر الدّين ثمَّ ركب إِلَى قلعة الْجَبَل ودخلها من بَاب السِّرّ رَاكِبًا بشعار الْملك حَتَّى دخل من بَاب الستارة وَهُوَ على فرسه إِلَى قاعة العواميد فَنزل عَن فرسه على فرَاشه بحافة الإيوان وَقد تَلقاهُ حرمه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير طوغان وَاسْتقر أَمِير أخور كَبِير. مَكَان الْأَمِير تنبك العلاي - وَيُقَال لَهُ ميق - المتنقل إِلَى نِيَابَة الشَّام وخلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا المرقبي نَائِب قلعة حلب وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وعَلى الْأَمِير فجقار القردمي وَاسْتقر أَمِير سلَاح على عَادَته قبل نِيَابَة حلب وعَلى الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج خلعة الِاسْتِمْرَار وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمِير بشبك الدوادار الثَّانِي أحد الطبلخاناه وَحصل فِي الْجمال شَيْء يستغرب وَهُوَ أَن الْعَادة غلو سعر الْجمال عِنْد سفر الْحَاج لطلبها فمنذ قدم السُّلْطَان من الشَّام انحط سعرها لِكَثْرَة مَا جَاءَ بِهِ الْعَسْكَر مِنْهَا حَتَّى أبيع الْجمل الَّذِي كَانَ ثمنه أَرْبَعِينَ دِينَارا بِخَمْسَة عشر دِينَارا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: سرح السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة لصيد الكركي

ص: 451

وَعَاد فِي آخِره من بَاب القنطرة وَمر بَين السورين وَنزل فِي بَيت الْأَمِير فَخر الدّين فَقدم لَهُ فَخر الدّين الْمَذْكُور عشرَة آلَاف دِينَار وَركب حَتَّى شَاهد الميضأة الَّتِي بنيت للجامع الْمُؤَيد وَصعد قلعة الْجَبَل ثمَّ ركب من الْغَد وسرح أَيْضا ثمَّ عَاد فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشريه إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشريه: خلع على الْأَمِير أرغون شاه الْأَعْوَر - أستادار نوروز - وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الْأَمِير فَخر الدّين وخلع على الْأَمِير فَخر الدّين خلعة باستمراره فِي الأستادارية وَأَن يكون مشير الدولة وَبَلغت تقدمه فَخر الدّين الَّتِي قدمهَا للسُّلْطَان عِنْد قدومه من الشَّام أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار عينا وَثَمَانِية عشر ألف أردب غلَّة من ذَلِك مَا وفره من ديوَان الوزارة مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَثَمَانِية عشر ألف أردب غلَّة وَمَا وفره من الدِّيوَان الْمُفْرد ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَمَا جباه من النواحي مِائَتي ألف دِينَار وَخمسين ألف دِينَار وَمن إقطاعه ثَلَاثِينَ شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: فِي سادسه: قدم الْخَبَر من الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام بِأَن فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين شَوَّال خرج الْأَمِير أقباي وَمن بالقلعة من المسجونين ففر نَائِب القلعة وَخرج فِي أَثَره أقباي إِلَى بَاب الْحَدِيد بِمن مَعَه وَقد أدْركهُ الْأَمِير تنبك ميق بالعسكر فأغلق الْبَاب وَامْتنع بالقلعة وَأَنه على حصاره فتشوش السُّلْطَان من ذَلِك وَكتب بالجد فِي أَخذه فَقدم من الْغَد كتاب الْأَمِير تنبك ميق بِأَن أقباي اسْتمرّ بالقلعة إِلَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شَوَّال ثمَّ نزل فِيهَا من قرب بَاب الْحَدِيد وَمَشى فِي نهر بردا إِلَى طاحون بَاب الْفرج فَقبض عَلَيْهِ هُنَاكَ وعَلى طَائِفَة فَأُجِيب بمعاقبته حَتَّى يقر على الْأَمْوَال ثمَّ يقتل وَحمل جمَاعَة من أهل القلعة إِلَى مصر وأنعم عَلَيْهِ بفرس قماش ذهب وكاملية حَرِير مخمل بِفَرْوٍ سمور وطراز عريض ورسم أَن يسْتَقرّ الْأَمِير شاهين - مقدم التركمان - الْحَاجِب الثَّانِي بِدِمَشْق نَائِب القلعة ويستقر عوضه حاجباً كمشبغا السيفي طولو. وَفِي تقدمة التركمان الْأَمِير شعْبَان بن اليغموري أستادار الْمُفْرد بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامنه: سَار الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْوَجْه القبلي لأخذ تقادم العربان وولاة الْأَعْمَال. وَفِي تاسعه: قدم رَسُول قرا يلك. وَفِيه خلع على الْأَمِير ططر رَأس نوبَة وَاسْتقر فِي نظر الشيخونية على عَادَة رُءُوس النوب وخلع على الْأَمِير طوغان أَمِير أخور وَاسْتقر فِي نظر الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق.

ص: 452

وسرح السُّلْطَان إِلَى الطرانة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر ذِي الْقعدَة. وَفِيه قدم مُحَمَّد وخليل - ولدا الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق - من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي تَاسِع عشره: وصلت رمة الْأَمِير فرج بن النَّاصِر مرج من الْإسْكَنْدَريَّة فصلى عَلَيْهَا بمصلى المؤمني تَحت قلعة الْجَبَل وَدفن بتربه جده الْملك الظَّاهِر برقوق خَارج بَاب النَّصْر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه: عَاد السُّلْطَان من السرحة وَهُوَ وصل إِلَى العظامي وَيعرف بِرَأْس الْقصر فَنزل بقصر أنشأه القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ على شاطئ النّيل من الْبر الغربي تجاه دَاره المطلة على النّيل وَكَانَ قد شرع فِي أساسه قبل سرحة السُّلْطَان ففرغ مِنْهُ بعد أَرْبَعَة أَيَّام وَاسْتمرّ بِهِ السُّلْطَان ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ركب النّيل وتصيد بِنَاحِيَة سرياقوس وَصعد القلعة. وَاتفقَ هَذَا الشَّهْر بِبِلَاد الصَّعِيد أَن غنما عدتهَا نَحْو الْأَرْبَعَة وَعشْرين ألف رَأس من الضَّأْن رعت بِبَعْض المراعي فَمَاتَتْ عَن آخرهَا. وَفِيه جهزت الْأَضَاحِي السُّلْطَانِيَّة فَقَامَ الْأَمِير فَخر الدّين مِنْهَا بِعشْرَة آلَاف رَأس من الضَّأْن وَقَامَ الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله - نَاظر الْخَاص - بألفي رَأس. وَفِي سلخه: نُودي بِأَن يكون سعر المؤيدي الْفضة تِسْعَة دَرَاهِم من الْفُلُوس وزنتها رَطْل وَنصف. وَأَن يكون الذَّهَب بسعره الَّذِي يتعامل بِهِ وَكَانَ قد بلغ المثقال الذَّهَب الهرجة الْمَخْتُوم إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما وَالدِّينَار الإفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما فُلُوسًا فآل الْأَمر على هَذَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر عَامَّة المبيعات من أغلال وَسَائِر الأقوات وَغَيرهَا من الملابس وَالدَّوَاب والأثاث. وَكَانَ فِي الظَّن أَن تغلو بقدوم الْعَسْكَر من الشَّام فجَاء الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَحَد: فِيهِ حمل إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين مائَة ألف دِينَار وَإِلَى الْأَمِير الْوَزير أرغون شاه خَمْسُونَ ألف دِينَار وَإِلَى الصاحب بدر الدّين نَاظر الْخَاص خَمْسُونَ ألف دِينَار وَأمر

ص: 453

الثَّلَاثَة أَن يَأْخُذُوا من الْقَاهِرَة بِهَذِهِ المائتي ألف دِينَار فُلُوسًا لتضرب بصكة مؤيدية. فَفرق الذَّهَب فِي النَّاس وألزموا بالفلوس على أَن كل دِينَار بمائتين وَسِتِّينَ. وَفِي ثَانِيه: قدم رَأس الْأَمِير أقباي من دمشق فعلق على بَاب النَّصْر بَعْدَمَا علقت جثته - بعد قَتله - على قلعة دمشق وصلب عَلَيْهَا جمَاعَة. وَفِي ثالثه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ من كَانَ عِنْده فلوس فليحملها إِلَى الدِّيوَان السلطاني. وهدد بالنكال من امْتنع من حملهَا أَو سَافر بهَا من الْقَاهِرَة. وَفِيه فرقت الْأَضَاحِي السُّلْطَانِيَّة. وَفِيه سَاق الْأَمِير فَخر الدّين إِلَى السُّلْطَان ألف رَأس من الكباش المعلوفة وَمِائَة وَخمسين بقرة فِي غَايَة السّمن. وَفِي سادس عشره: ركب السُّلْطَان بثبات جُلُوسه فِي قَلِيل من خاصكيته وَنزل بالجامع المؤيدي ثمَّ توجه مِنْهُ إِلَى بَيت نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الحمري كَاتب السِّرّ بسويقة المَسْعُودِيّ فَقدم لَهُ تقدمة ثمَّ ركب إِلَى القلعة. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا شَيْطَان. شاد الدَّوَاوِين ووالي الْقَاهِرَة فِي الْحِسْبَة عوضا عَن عماد الدّين بعد عَزله لسوء سيرته. وَاسْتقر الْأَمِير سودن القَاضِي - الْحَاجِب كَانَ - فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين ورسم بإحضاره. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه: قدم الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان من سَفَره بعد أَن وصل إِلَى جرجا وَأخذ التقادم وَمن جُمْلَتهَا تقدمة الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وتبلغ نَحْو اثْنَي عشر ألف دِينَار سوى الكلف من العلوفات والمآكل فِي مُدَّة النُّزُول عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقعت فتْنَة بدمياط قتل فِيهَا الْوَالِي وَهِي أَن أَعمال مصر مُنْذُ ابْتِدَاء الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق لَا يولي بهَا وَال إِلَّا بِمَال يقوم بِهِ أَو يلْتَزم بِهِ وَكَانَ من اتِّبَاع المماليك رجل سَوَّلت لَهُ نَفسه ولَايَة فِي دمياط يعرف بناصر الدّين مُحَمَّد السلاخوري إلتزم بِمَال ووليها واستدان مَالا حَتَّى عمل لَهُ مَا يتجمل بِهِ وباشرها غير مرّة فِي هَذِه الْأَيَّام المؤيدية فَلَمَّا وَليهَا فِي هَذِه السّنة جرى على عَادَته فِي ظلم النَّاس وَأخذ أَمْوَالهم وَنِسَائِهِمْ وشباب أَوْلَادهم. وَمن جملَة أهل دمياط طَائِفَة يُقَال لَهُم

ص: 454

السمناوية يتعيشون بصيد السّمك من بحيرة تنيس ويسكن كثير مِنْهُم بجزائر يسمونها العزب - واحدتها عزبة - فأنفوا من قبائح أَفعَال السلاخوري فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين ذِي الْحجَّة: وأوقعوا بنائب الْوَالِي وضربوه وأهانوه بِحَيْثُ كَاد يهْلك وجروه إِلَى ظَاهر الْبَلَد وتجمعوا على بَاب الْوَالِي وَقد امْتنع بهَا وَرَمَاهُمْ بالنشاب من أَعْلَاهَا فَأصَاب وَاحِدًا مِنْهُم قَتله وجرح ثَلَاثَة حردهم وألحوا فِي أَخذه وَهُوَ يرميهم حَتَّى نفدت سهامه فَألْقى نَفسه فِي الْبَحْر وَركب فِي سفينته إِلَى الجزيرة فتبعوه فِي السفن وأخذوه وتناوبوا ضربه وَأتوا بِهِ إِلَى الْبَلَد وسجنوه موثقًا فِي رجلَيْهِ بالخشب وَبَاتُوا يحرسونه إِلَى بكرَة غدهم ثمَّ أَخْرجُوهُ وحلقوا نصف لحية نَائِبه وشهروه على جمل والمغاني تزفه حَتَّى طافوا بِهِ الْبَلَد ثمَّ قَتَلُوهُ شَرّ قتلة وأخرجوا الْوَالِي من الْحَبْس وَأتوا بِبَعْض قضاتهم وشهودهم ليثبتوا عَلَيْهِ محضراً وأوقفوه على رجلَيْهِ مَكْشُوف الرَّأْس عاري الْبدن فبدره أحد السمناوية وصرعه. وتواثب عَلَيْهِ باقيهم حَتَّى هلك وسحبوه وأحرقوه بالنَّار ونهبوا دَاره وسلبوا حريمه وَأَوْلَاده مَا عَلَيْهِم وَقتلُوا وَفِي لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشرينه: طرق الْقَاهِرَة منسر عَددهمْ ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ رجلا مِنْهُم فارسان ومروا على الْجَامِع الْأَزْهَر أول اللَّيْل وَقتلُوا رجلَيْنِ برحبة الأيدمري ونهبوا عدَّة حوانيت وعادوا على حارة الباطلية فَكَانَ هَذَا مِمَّا لم يدْرك مثله فِي الشناعة ببلدنا.

ص: 455

وَفِي هَذَا الشَّهْر: قلت الغلال وَبلغ سعر الأردب الْقَمْح مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين بعد مائَة وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَخمسين وَبلغ الأردب من الشّعير والفول قَرِيبا من الْمِائَتَيْنِ بَعْدَمَا كَانَ الشّعير قَرِيبا من تسعين فَمَا دونهَا وَسبب ذَلِك قلَّة الْمَطَر فِي فَصلي الخريف والشتاء وَعَدَمه فَخفت زروع الْوَجْه البحري وَأمْسك النَّاس مَا عِنْدهم من الغلال فَلَمَّا طلبت تعذر وجودهَا فارتفع سعرها فتدارك الله بِلُطْفِهِ وَأنزل الْغَيْث - بَعْدَمَا قَنطُوا - فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره وَسقي الزروع عِنْد حَاجَتهَا فَإِن الزَّمن شهر أمشير حَتَّى جَادَتْ وزكت ونمت إِن الله بِالنَّاسِ لرءوف رَحِيم. وفيهَا نزل ابْن عُثْمَان صَاحب برصا على قونيا وحاصر مُحَمَّد بن قرمان فدهمه سيل عَظِيم كَاد أَن يهلكه وعساكره فَرَحل عَنْهَا. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير أقبردي المنقار أحد الْأُمَرَاء المقدمين بِمصْر فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشْرين صفر بِدِمَشْق وَقد توجه إِلَيْهَا صُحْبَة العساكر. وَهُوَ أحد المماليك المؤيدية وَلم يكن بالمشكور. وَمَات الْأَمِير فرج ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج ابْن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشْرين ربيع الأول بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَقد نفي إِلَيْهَا ثمَّ حملت رمته ودفنت بتربة جده خَارج بَاب النَّصْر وَلم يبلغ الْحلم وتحدث غير مرّة بإقامته فِي الْملك فَلم يقدر ذَلِك وَمَات القَاضِي الرئيس تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله بن حسن الفوي أَخُو الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ ومولده سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة ولي نظر الأحباس ووكالة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة وتوقيع الدست وناب عَن قُضَاة الْحَنَفِيَّة وَوَقع عِنْد عدَّة أُمَرَاء وَورثه أَبوهُ.

ص: 456

وَمَات الشَّيْخ مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَنَاوِيّ بِمَكَّة فِي ثَانِي شهر رَمَضَان وَلم تدْرك مثله فِيمَا رَأينَا وعاشرنا فَإِنَّهُ نَشأ بِالْقَاهِرَةِ يعاني طلب الْعلم وتفقه على مَذْهَب مَالك وَحفظ الْمُوَطَّأ حفظا جيدا وبرع فِي الْفِقْه والعربية ثمَّ زهد فِي الدُّنْيَا الفانية وَترك مَا كَانَ بِيَدِهِ من الوظائفي من غير عوض تعوضه وَانْفَرَدَ بالصحراء مُدَّة. ثمَّ خرج إِلَى مَكَّة فِي سنة تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَأَقْبل على الْعِبَادَة متخلياً عَن كل شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا معرضًا عَن جَمِيع النَّاس يسكن القفر وَالْجِبَال ويقتات مَا تنبته الأَرْض وَلَا يدْخل مَكَّة إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَقَط ليشهد بهَا الْجُمُعَة ثمَّ مضى لشأنه فِي الْجبَال وَأقَام بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة على هَذَا الْقدَم زَمَانا وَهُوَ يتَرَدَّد إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَلَا يأوي دَارا وَلَا يسكن إِلَى أحد ثمَّ سَافر إِلَى الْيمن وَعَاد إِلَى مَكَّة وطالما عرض عَلَيْهِ المَال الْكثير من الْمَذْهَب يحمل إِلَيْهِ من مصر وَغَيرهَا وَيَرَاهُ فَلَا يمسهُ بِيَدِهِ بل يَأْمر بتفرقته على من يُعينهُ لَهُم فَيدْفَع إِلَيْهِم وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى خلصه الله تَعَالَى إِلَى دَار الْقُدس والسعادة. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر البلالي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء بهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شهر رَمَضَان وَكَانَ فَقِيها مُعْتَقدًا لَهُ شهرة طارت فِي الْآفَاق وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد وَعَلِيهِ انتقاد. وَمَات الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام مقتولاً بهَا فِي ذِي الْقعدَة كَمَا شرح أمره. وَقتل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد السلاخوري وَالِي ثغر دمياط مقتولاً فِي رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة كَمَا ذكر. وَمَات عز الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين بن بهاء الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة وَكَانَ عَالما دينا حسن السِّيرَة.

ص: 457

فارغه

ص: 458

سنة إِحْدَى وَعشْرين وثماني مائَة أهل شهر الله الْمحرم بِيَوْم الثُّلَاثَاء. فِيهِ قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامتهم. وَفِي ثالثه: أعرس الْأَمِير فَخر الدّين بِبَعْض جواري السُّلْطَان وَعمل مهما جَلِيلًا ذبح فِيهِ ثَمَانِيَة وَعشْرين فرسا وأغناماً بلغ زنة لَحمهَا عشرَة آلَاف رَطْل وَمن الدَّجَاج أَلفَيْنِ وَمِائَة طَائِر وَمن الأوز ثَلَاثَة آلَاف طَائِر وَمن الدَّقِيق سِتَّة وَخمسين قِنْطَارًا وَمن الزَّبِيب خمسين قِنْطَارًا عملت مشروباً. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان إِلَى جَامع أَحْمد بن طولون وَصلى فِيهِ الْجُمُعَة ثمَّ عدى النّيل وسرح إِلَى نَاحيَة أوسيم. وَفِي حادي عشره: كتب من المخيم على يَد الْأَمِير حكم الخاصكي بِخُرُوج عَسْكَر من دمشق وَمن حمص وحماة والأمير حَدِيثَة بن سيف أَمِير آل فضل إِلَى قتال التركمان. وَكَذَلِكَ أَن الْأَمِير ألطنبغا الجكمي - نَائِب درندة - ركب على حُسَيْن كبك فتقنطر بِهِ فرسه فَقبض عَلَيْهِ وَقتل وَنزل حُسَيْن على ملطية وحصرها. وَفِي سادس عشره: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يشبك الدوادار أَمِير الْحَاج لما قدم الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بعد انْقِضَاء الْحَج أظهر أَنه يسير إِلَى الركب الْعِرَاقِيّ يبْتَاع مِنْهُ جمالاً وَمضى فِي نفر يسير وتسحب صُحْبَة الركب الْعِرَاقِيّ خوفًا أَن يُصِيبهُ من السُّلْطَان مَا أصَاب الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام.

ص: 459

وَفِي ثَالِث عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن جَمِيع الباعة من الجبانين والطباخين والخبازين واللحامين وَنَحْوهم يحمل كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة مسارج إِلَى بولاق لتعرض على الْأَمِير التَّاج فشرعوا فِي تَحْصِيل المسارج وَحملُوهَا إِلَى الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي. وَفِيه قدم محمل الْحَاج الْأَرْبَعَاء. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشرينه: كَانَ الوقيد ببر منبابة بَين يَدي السُّلْطَان وَذَلِكَ أَنه سَار من وسيم وَنزل بِالْقصرِ الَّذِي أنشأه ابْن الْبَارِزِيّ بحري منبابة على النّيل وألزم الْأُمَرَاء بِحمْل الزَّيْت والنفط فَجمع من ذَلِك شَيْء كثير وَأخذ من الْبيض وقشر النارنج وَمن المسارج الفخار الَّتِي أحضرها الباعة عدد كثير جدا وَعمل فِيهَا فتايل الْقطن المغموسة بالزيت وأشعلت بالنَّار ثمَّ أرْسلت فِي النّيل بعد غرُوب الشَّمْس بِنَحْوِ سَاعَة وأطلقت النقوط وَقد امْتَلَأَ البران بطوائف النَّاس وَمر لَهُم جَمِيعًا من السخف مَا لم نعهد مثله لملك قطّ. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم محمل الْحَاج ببقيتهم. وَفِيه عدى السُّلْطَان النّيل وَصعد قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: قبض على الْأَمِير سيف الدّين بيبغا المظفري: أحد مقدمي الألوف وأمير سلَاح وَحمل مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليعتقل بهَا. وَفِيه وجد السجْن المستجد بجوار بَاب الْفتُوح قد نقب وفر مِنْهُ جمَاعَة من المعتقلين. وَفِي ثامن عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن كل غَرِيب ينْزح إِلَى وَطنه فَإِنَّهُ كَانَ قد كثرت بِالْقَاهِرَةِ أَصْنَاف الطوائف من القلندرية وَغَيرهم من الْعَجم فاضطربت الْأَعَاجِم ثمَّ تركُوا على حَالهم. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل وَالنَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي ضيق من قلَّة الْفُلُوس فَإِن السُّلْطَان - كَمَا تقدم -

ص: 460

طرح على التُّجَّار والباعة الذَّهَب يُرِيد بدله فُلُوسًا فَقلت فِي الْأَيْدِي من الشُّح بإخراجها حَتَّى عزت بعد هوانها. وَفِي رابعه: وسط قرقماس مُتَوَلِّي كختا وَخَمْسَة عشر رجلا مَعَه خَارج بَاب النَّصْر. وَكَانُوا فِيمَن أحضرهُ السُّلْطَان مَعَه فِي الْحَدِيد وسجنوا بالقلعة. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه وَمَعَهُ ابْنه الْأَمِير إِبْرَاهِيم فِي نفر يسير إِلَى جَامعه بجوار بَاب زويلة ثمَّ توجه مِنْهُ إِلَى دَار الْأَمِير فَخر الدّين فَأكل عِنْده وَقدم لَهُ فَخر الدّين خَمْسَة آلَاف دِينَار ثمَّ توجه إِلَى بَيت الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَنزل عِنْده فَقدم لَهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَعرض عَلَيْهِ خزانَة الْخَاص فأنعم مِنْهَا على وَلَده وعَلى من مَعَه من الْأُمَرَاء وَفِي عاشره: نُودي أَن يكون سعر الدِّينَار الْمَخْتُوم بمائتين وَخمسين وَكَانَ بمائتين وَثَمَانِينَ وَأَن يكون الدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ وَكَانَ بمائتين وَسِتِّينَ وَأَن تكون الْفُلُوس على حَالهَا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم والمؤيدي بِحَالهِ كل نصف بِتِسْعَة دَرَاهِم. وَفِي سادس عشره: نُودي أَن يكون سعر الدِّينَار الْمَخْتُوم بمائتين وَثَلَاثِينَ وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَعشرَة وَأَن يكون المؤيدي بسبعة دَرَاهِم حَتَّى يصرف بالدينار الأفرنتي من المؤيدية بمبلغ ثَلَاثِينَ فماج النَّاس وَكثر قلقهم وَكَلَامهم لما نزل بهم من الخسارة فَلم يعْتد بهم وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك. وَفِي سَابِع عشره: طلب الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا شَيْطَان - وَالِي الْقَاهِرَة ومحتسبها وشاد الدَّوَاوِين - جَمِيع أَرْبَاب المعايش وَقرر أسعار المبيعات على حططتها بِقدر مَا انحط من سعر الذَّهَب وَالْفِضَّة وتشدد عَلَيْهِم فَلم يَجدوا بدا من امْتِثَال مَا أَمر بِهِ على مضض وَكره فغرم كثير من النَّاس غرامات مُتعَدِّدَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: ركب السُّلْطَان لعيادة الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي من وعك بِهِ ثمَّ مضى إِلَى بَيت الْأَمِير جقمق الدوادار وَأقَام عِنْده يَوْمه كُله وَعَاد من آخِره إِلَى القلعة على حَالَة غير مرضية فِي الدّيانَة من شدَّة السكر.

ص: 461

شهر ربيع الأول، أَوله الحمعة: فِي ثالثه: قدم عَلَاء الدّين مُحَمَّد الكيلاني الشَّافِعِي أحد فضلاء الْعَجم من بِلَاد الشرق فَبَدَأَ أَولا بزيارة قبر الإِمَام الشَّافِعِي ثمَّ نزل بِالْقَاهِرَةِ فَأكْرمه النَّاس وَأَتَاهُ قُضَاة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء للسلام عَلَيْهِ ثمَّ اجْتمع بالسلطان وَتردد إِلَى مَجْلِسه مَعَ الْفُقَهَاء. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: جمع الْأَمِير أقبغا شَيْطَان أهل الْأَسْوَاق من تجار الْبَز وَغَيرهم وَأنكر عَلَيْهِم مُخَالفَة مَا رسم بِهِ فِي سعر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَبَالغ فِي تهديدهم ووعيدهم من أجل أَنهم لم يَحُطُّوا من سعر البضائع بِقدر مَا انحط من سعر الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَضمن بعض أكَابِر الْأَسْوَاق لبَعض وواعدهم الْحُضُور بَين يَدي السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة وصرفهم فَكثر الإرجاف بهم وَتوقف أَحْوَال النَّاس وَقل جلب البَائِع وَكَثُرت خسارات النَّاس. وَفِي رَابِع عشره: انْقَطع السُّلْطَان عَن حُضُور الموكب بِالْقصرِ على الْعَادة لانتقاض ألم رجله عَلَيْهِ. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير برديك الخليلي - نَائِب طرابلس - خرج للدورة فَلَمَّا عَاد بلغه اتِّفَاق قُضَاة طرابلس وأمرائها ورعيتها على مَنعه من الدُّخُول إِلَى الْبَلَد كَرَاهَة فِيهِ لِكَثْرَة ظلمه وطمعه فَأَقَامَ بعد مراسلتهم فِي جِهَة من الْجِهَات حَتَّى يرد مرسوم السُّلْطَان ثمَّ سَار إِلَى جِهَة مصر فَكتب أهل طرابلس إِلَى السُّلْطَان بقبيح سيرته وَأَخذه الْأَمْوَال بِغَيْر حق ومخالفته المراسم وَقدم الْخَبَر بِقِيَام أهل الْمحلة - من النواحي الغربية - على الْوَالِي بهَا ورجمه بِسَبَب طلب الْفُلُوس وَذَلِكَ أَنه حمل إِلَى الغربية مبلغ كَبِير من الذَّهَب لتؤخذ بِهِ الْفُلُوس بِسعْر مِائَتَيْنِ وَعشرَة الأفرنتي فَنزل بِالنَّاسِ بلَاء عَظِيم وَعمِلُوا فِي الْحَدِيد ونزح كثير مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة فِي طلب الْفُلُوس فَانْحَطَّ سعر الدِّينَار إِلَى مائَة وَسبعين لعزة الْفُلُوس وهوان الذَّهَب. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: جمع الْأَمِير أقبغا شَيْطَان التُّجَّار وكبار المتعيشين وَمضى بهم إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد اشْتَدَّ خوفهم من السُّلْطَان وشنعت القالة بالإرجاف فَإِذا بالسلطان فِي شغل عَنْهُم بألم رجله فَلم يروه بل أوقفهم الْأَمِير جقمق الدوادار وَقرر مَعَهم أَن يكون المؤيدي هُوَ النَّقْد المتعامل بِهِ دون غَيره من الذَّهَب والفلوس فَلَا يُبَاع وَيَشْتَرِي إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ المؤيدية وَيدْفَع الذَّهَب أَو الْفُلُوس عوضا عَنْهَا ليَكُون النَّقْد الرابح الْمَنْسُوب إِلَيْهِ ثمن المبيعات وقيم الْأَعْمَال هِيَ المؤيدية وَأَن لَا يَأْخُذ التَّاجِر فِي

ص: 462

كل مائَة دِرْهَم اشْترى بهَا الْفَائِدَة سوى دِرْهَمَيْنِ وحذرهم من مُخَالفَة ذَلِك ثمَّ أفرج عَنْهُم فانصرفوا وكأنما ردَّتْ إِلَيْهِم الْحَيَاة بعد الْمَوْت. وَنُودِيَ من الْغَد على الْخَيل فِي سوقها تَحت القلعة بِالدَّرَاهِمِ المؤيدية وَعمل كَذَلِك فِي بَقِيَّة أسواق الْقَاهِرَة فَبَطل النداء على البضائع بالفلوس من يَوْمئِذٍ. وَفِيه نُودي أَن يكون الدِّينَار على حَاله بمائتين وَعشرَة والمؤيدي بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا إِلَّا فِي الدُّيُون الْقَدِيمَة وَأجر الْأَمْلَاك وجوامك وَفِي هَذَا الشَّهْر: تنكر السُّلْطَان على قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ لاستكثاره من النواب فكثرت القالة وتجرأ عَلَيْهِ رفاقه فعزل طَائِفَة من نوابه وَاقْتصر مِنْهُم على أَرْبَعَة عشر. وَفِي ثامن عشره: خلع على الشريف حسن بن الشريف عَليّ بن مُحَمَّد بن على الأرموي بنقابة الْأَشْرَاف عوضا عَن وَالِده بعد وَفَاته وَاسْتقر الْأَمِير فَخر الدّين فِي نظر وقف الْأَشْرَاف لصِغَر سنّ الشريف. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير بردبك الخليلي نَائِب طرابلس وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة الأمطار بالغربية وَأَنه سقط برد مِنْهُ مَا زنة الْحبَّة الْوَاحِدَة مائَة دِرْهَم تلف مِنْهُ زروع كَثِيرَة قد اسْتحق حصادها حَتَّى أَن مارساً فِيهِ ثَمَانمِائَة فدان تلف عَن آخِره وَهَلَكت عدَّة أَغْنَام بِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا. وَفِي سلخه: قدم الْأَمِير سودن الأسندمري من الْإسْكَنْدَريَّة وَقد أفرج عَنهُ وَكَانَ مسجوناً بهَا مُنْذُ زَالَت الدولة الناصرية فرج. وَفِيه قدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله الْهَرَوِيّ نَاظر الْقُدس والخليل ومدرس الصلاحية بالقدس فَأكْرمه السُّلْطَان وأنزله وَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء عدَّة تقادم. وأجرى لَهُ راتب. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: أهل هَذَا الشَّهْر وألم السُّلْطَان متزايد من رجله وَهُوَ مُنْقَطع ملازم للْفراش وَالنَّاس فِي ضيق من تعذر وجود الْفُلُوس، وَقلة وجود المآكل بالأسواق، مُنْذُ نُودي على المؤيدية بسبة دَرَاهِم.

ص: 463

وَفِي ثَانِيه: قبض على الْأَمِير أرغون شاه الْوَزير وعَلى الْأَمِير أقبغا شَيْطَان وسلما إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين متتبع حواشيهما وأسبابهما ودورهما. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بردبك نَائِب طرابلس فِي نِيَابَة صفد وَكتب بِنَفْي عمر بن الهذباني إِلَى طرسوس ثمَّ كتب باستقراره فِي نِيَابَة بهسنى عوضا عَن كمشبغا رَأس نوبَة جمال الدّين وَاسْتقر شاهين بن عبد الْعَزِيز - الْحَاجِب بصفد - فِي نِيَابَة قلعتها عوضا عَن عمر بن الطَّحَّان. وَفِيه قدم كتاب طغرول بن صقيل سيز على يَد أَخِيه طرعلي يسْأَل الْأمان وَكَانَ قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَسَار فِي ركاب السُّلْطَان ثمَّ فر من دمشق فأمن وقدمت مكَاتبه الْأَمِير شاهين الأيدكاري - نَائِب طرسوس - بِأَنَّهُ مَحْصُور مُدَّة أَرْبَعَة أشهر من إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وَقد عزم مُحَمَّد بن قرمان على الْمَشْي إِلَى طرسوس. وَفِي ثالثه: نقل الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ أبن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي من ولَايَة مصر إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن أقبغا شَيْطَان. وَفِي خامسه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن أقبغا شَيْطَان. وَفِي يَوْم السبت سابعه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وَاسْتقر فِي الوزارة وَفِي عاشره: أفرج عَن أرغون شاه من غير عُقُوبَة. وَفِي ثَانِي عشره: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأمَوِي وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين عِيسَى. وَفِي سادس عشره: ضرب عنق بعض أعوان الظلمَة المتصرفين بِأَبْوَاب الوزراء لتعرضه إِلَى مَا يريق دَمه شرعا. وَفِيه نقل سوق الرَّقِيق من مَوْضِعه بِخَط المطاح فِيمَا بَين الوزيرية وَخط الملحيين إِلَى فندق تجاه المشهد الْحُسَيْنِي ثمَّ أُعِيد إِلَى مَوْضِعه بعد قَلِيل. وَفِي سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير أرغون شاه وأركب فرسا وَاسْتقر فِي إمرة

ص: 464

لتركمان بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَكتب أَن ينْقل الْأَمِير سنقر نَائِب المرقب إِلَى نِيَابَة قلعة دمشق عوضا عَن شاهين ويستقر ألطنبغا الجاموس فِي نِيَابَة المرقب ويستقر سودن الأسندمري - الَّذِي أفرج عَنهُ - حاجباً بطرابلس عوضا عَن بزدار وَاسْتقر فِي وزارة دمشق يَعْقُوب الإسرائيلي بَعْدَمَا أسلم وَكَانَ صيرفياً فِي يَهُودِيَّته وَاسْتقر فِي وزارة حلب علم الدّين سُلَيْمَان بن الجابي. وَفِيه أوقع الْأَمِير سودن القَاضِي - نَائِب الْوَجْه القبلي - بعرب فَزَارَة وَنهب أَمْوَالهم وسَاق إِلَى السُّلْطَان مِنْهَا ألف جمل وَخمسين فرسا وفر من نجا مِنْهُم إِلَى الْبحيرَة فأوقع بهم الْأَمِير دمرداش نَائِب الْوَجْه البحري وَقتل كثيرا مِنْهُم وَنهب مَا مَعَهم وَحمل إِلَى السُّلْطَان مِنْهُ أَرْبَعمِائَة جمل وَعشْرين فرسا ورءوس رجال كَثِيرَة قد قطعهَا فانحسم أَمرهم وَقدم الْخَبَر بقتل منكلي بغا الأجرود وسودن الركني من جمَاعَة الْأَمِير أقباي وَقتل عَليّ بن نعير وناصر الدّين وَزِير حلب وصلبهم على شرفات قلعة دمشق. وَقدم الْخَبَر من حلب بوقعة عَظِيمَة بَين عَليّ باك بن دلغادر وأخيه مُحَمَّد باك انتصر فِيهَا مُحَمَّد وَكسر أَخَاهُ وغنم جَمِيع موجوده فأدركه الْأَمِير يشبك نَائِب حلب بعد الْوَاقِعَة وَقد انتصر فَتَلقاهُ وأضافه وَقدم لَهُ وَحلف على الطَّاعَة. وَفِيه جهز الْأَمِير جَار قطلو نَائِب حماة وصفد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا عِنْد حُضُوره من صفد إِلَى قطيا فَحمل مِنْهَا. وَفِي تَاسِع عشره: سَار الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج إِلَى الْوَجْه القبلي وخيم بالجيزة واستقل بِالْمَسِيرِ من غده فِي طوائف كَثِيرَة من العربان وعدة من المماليك. وَقد استعد للحرب وَأخذ مَعَه الروايا والقرب والزاد ليتتبع الْعَرَب حَيْثُ سَارُوا. وَفِيه ظهر بالمأذنة المؤيدية اعوجاج. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتمرّ الْأَمِير برسباي الدقماقي - أحد مقدمي الألوف - فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير بردبك الخليلي الْمُنْتَقل إِلَى نِيَابَة صفد وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير فَخر الدّين على الْوَزير الْأَمِير بدر الدّين وَكَانَ برسباي يَلِي كشف التُّرَاب وَعمل الجسور بالغربية فَطلب مِنْهَا وخلع عَلَيْهِ فِيهِ وَاسْتقر أَيْضا الْأَمِير سودن الأسندمري أَمِيرا كَبِيرا بطرابلس. وَفِيه كتب محْضر بهدم المأذنة المؤيدية فهدمت من الْغَد وغلق بَاب زويلة مُدَّة ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

ص: 465

شهر جُمَادَى الأولى أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ سَافر الْأَمِير أرغون شاه إِلَى دمشق على تقدمة التركمان بهَا. وَفِيه تحرّك عزم السُّلْطَان إِلَى الْحجاز فَكتب إِلَى أُمَرَاء الْحجاز بذلك. وَفِي رابعه: قدم من الشَّام ألف وثلاثمائة حمل جهزها الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام. وَذَلِكَ أَنه أوقع بعرب آل عَليّ قَرِيبا من حمص وكسرهم وَأخذ لَهُم ألفا وَخَمْسمِائة حمل بَاعَ مِنْهَا رديئها وجهز بَاقِيهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره: ولد للسُّلْطَان ولد ذكر سَمَّاهُ مُوسَى من أمة يُقَال لَهَا طولو باي فدقت البشائر وَكتب إِلَى الأقطار بذلك فَتوجه الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ إِلَى الشَّام للبشارة بولادته وزينت الْقَاهِرَة ومصر. وَفِي سادس عشره: ابتدئ بالنداء على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع وَجَاءَت الْقَاعِدَة أَرْبَعَة أَذْرع وَثَمَانِية أَصَابِع. وَفِي سَابِع عشره: كَانَت عقيقة الْأَمِير مُوسَى ابْن السُّلْطَان عمل فِيهَا مُدَّة جليلة وخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا خيولاً بقماش ذهب بلغ المصروف عَلَيْهَا خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير فَخر الدّين ركب فِي طلب هوارة فَتَبِعهُمْ من سيوط مُدَّة خَمْسَة أَيَّام حَتَّى أركبهم قريب أسوان فقاتلوه عَامَّة يومهم فجرح كثير مِنْهُم وَقتل جمَاعَة نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَعشْرين وَانْهَزَمَ باقيتهم إِلَى الواحات فأحاط بِأَمْوَالِهِمْ وَبعث خَمْسَة رُءُوس من أعيانهم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه: عرض السُّلْطَان مماليك الطباق بالقلعة وَعين مِنْهُم عدَّة للسَّفر مَعَه إِلَى الْحجاز وَأخرج الهجن وجهز الغلال فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة وينبع.

ص: 466

وَفِيه كتب أَن يسْتَقرّ الْأَمِير شاهين الزردكاش - حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق - فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن الْأَمِير نكباي ويستقر نكباي فِي الحجوبية. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان - وَمَعَهُ وَلَده - الْأَمِير إِبْرَاهِيم والأمراء وَنزل إِلَى المارستان المنصوري بِخَط بَين القصرين وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه فزار المرضى وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِيه فتح بَاب زويلة وَلم يعْهَد قطّ أَنه أَقَامَ هَذِه الْمدَّة مغلوقاً. وَفِيه كتب بِإِعَادَة إقطاع عَليّ بن أبي بكر الْجرْمِي إِلَيْهِ واستقراره فِي الإمرة على عَادَته وجهز لَهُ تشريفي وَكتب إِلَى الْأَمِير شاهين نَائِب الكرك أَنه جهز إِلَيْهِ نَائِب عزة ونائب الْقُدس وَكَاشف الرملة بِمن مَعَهم من العساكر لضرب عربان بني عقبَة وَأَخذهم وجهز إِلَيْهِ فوقاني بوجهي حَرِير كمخا بطراز عريض وَكتب إِلَى الْمَذْكُورين أَن يتوجهوا إِلَى الكرك لضرب بني عقبَة وَأَخذهم صُحْبَة نَائِب الكرك وَأسر إِلَى نَائِب غَزَّة بِأَن يقبض عَلَيْهِ ويوقع الحوطة على موجوده. وَفِيه جهز إِلَى ملطية مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار لعمارة طاحونين وخان وقيسارية تشْتَمل على أَرْبَعِينَ دكاناً وزاوية وَكتب إِلَى نَائِب طرابلس أَن يتَوَجَّه إِلَى ملطية بعسكره وَيُقِيم مَعَ نائبها لمعاضدته. وَفِي ثامن عشرينه: منع قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ من الحكم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: خلع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله الْهَرَوِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة عوضا عَن شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين بن اللقيني وَنزل من قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير جقمق الدوادار والأمير قطلوبعا التنمي رَأس نوبَة وعدة من الْأُمَرَاء والقضاة وَغَيرهم إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وَحكم على الْعَادة وَمضى إِلَى دَاره ثمَّ بعث إِلَى قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بِأَن يحمل مَا عِنْده من مَال الْحَرَمَيْنِ والأوقاف فَأبى أَن يُسلمهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين لما أُعِيد إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة تصدى لمحاسبة مباشري أوقاف الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهمَا بِنَفسِهِ فضبط عَلَيْهِم ضبطاً زَائِدا وخشي من تفريطهم فَجعل مَا يتَحَصَّل من المَال تَحت يَده وَصَارَ ينْفق مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من مصارف الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهمَا فَفَاضَ تَحت يَده نَحْو سَبْعَة آلَاف دِينَار مِنْهَا لجِهَة حرمي

ص: 467

مَكَّة وَالْمَدينَة سِتَّة آلَاف دِينَار ولجهة الْجَامِع الطولوني والمدرسة الأشرفية ألف دِينَار. وَهَذَا شَيْء لم يَقع لقاض قبله فِي الدولة التركية. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء غده: استدعى قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ شُهُود الْقَاهِرَة ومصر الجالسين بالحوانيت للتكسب بتحمل الشَّهَادَة وأدائها ليعرضوا عَلَيْهِ فأوقفهم بَين يَدَيْهِ طَائِفَة بعد أُخْرَى وأقرهم على مَا هم عَلَيْهِ وَلم يستنب سوى عشرَة وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين قد انْصَرف ونوابه أَرْبَعَة عشر ثمَّ زَاد الْهَرَوِيّ بعد ذَلِك فِي عدَّة النواب فِي الحكم حَتَّى بلغُوا نَحْو الْعشْرين وَأقَام أَيَّامًا يركب ويمر فِي الشوارع بهيئة الْعَجم وَهُوَ لابس فرجية مَفْتُوحَة عَن صَدره ولعمامته عذبة مرخاة على يسَاره وسلك فِي تحجبه مسلكاً غير مَسْلَك الْقُضَاة مَعَ قلَّة الدِّرَايَة بمصطلح الْبَلَد وَعَادَة النَّاس بِمصْر. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: ترقب النَّاس ركُوبه للقلعة ليخطب وَيُصلي بالسلطان فِي جَامع القلعة فَبعث نَائِبا عَنهُ فَإِن لِسَانه فِيهِ عجمة وَعِنْده حبسة بِحَيْثُ أَنه إِذا أَرَادَ أَن يتَكَلَّم عسر عَلَيْهِ ابْتِدَاء الْكَلَام قَلِيلا وَهُوَ يعالجه علاجاً ثمَّ يتَكَلَّم بعجمة وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مَعَه إِقَامَة الْخطْبَة وَاتفقَ لَهُ أَيْضا أَنه حضر مَعَ رفقائه قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث عِنْد السُّلْطَان فَلَمَّا حَان انصرافهم لم يسْتَطع قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالدُّعَاء كَمَا هِيَ الْعَادة فَقَرَأَ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ فَاتِحَة الْكتاب ودعا وَمن الْعَادة أَن لَا يتَقَدَّم أحد فِي الْقِرَاءَة على قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثالثه: وقفت طَائِفَة من بلد الْخَلِيل عليه السلام للسُّلْطَان وَشَكوا الْهَرَوِيّ على مَال أَخذه مِنْهُم فِي أَيَّام نظره على بلد الْخَلِيل وَأَنه طرح على بَعضهم بَيْضَاء وألزمه أَن يحمل بعدده دجاجاً فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ يَأْمُرهُ أَن يخرج لَهُم مِمَّا يلْزمه من الْحق. وَفِيه وشي للسُّلْطَان بالأمير جقمق الدوادار أَنه مُوَافق لقرايوسف وَذَلِكَ أَنه اتَّصل بالسلطان رجل ادّعى أَنه من أَوْلَاد عَليّ الدربندي فَأحْسن إِلَيْهِ وَأمر بتجهيزه لِلْحَجِّ فحج وَعَاد فوشي بالأمير جقمق أَنه لما كَانَ السُّلْطَان بكختا حسن لرَسُول قرايوسف جذبه إِلَى الْبِلَاد الشامية وَأَنه مَشى بَينه وَبَين قرايوسف بذلك فَبعث إِلَيْهِ قِطْعَة بلخش ثمينة فَأعْلم السُّلْطَان الْأَمِير جقمق بِمَا قيل عَنهُ وَلم يسم الْقَائِل وَأظْهر لَهُ أَنه لم يصدق النَّاقِل فقلق جقمق قلقاً كَبِيرا إِلَى أنكان فِي شهر تَارِيخه أعَاد ابْن الدربندي الْكَلَام وَأَنه قدم إِلَى جقمق كتاب فِي المعني الْمَذْكُور فأسلمه السُّلْطَان فِي

ص: 468

هَذَا الْيَوْم إِلَى جقمق وأعلمه بِخَبَرِهِ وَمَا نقل عَنهُ فعاقبه فَلم يثبت وأحضر وتداً مجوفاً مسدوداً بالحديد من رَأسه وطيه كتاب رق لطيف مَكْتُوب بِالْفَارِسِيَّةِ بِمَاء الذَّهَب مَعْنَاهُ أَنه للأمير جقمق من قرايوسف أَن القَاضِي حِين وصل إِلَيْهِ أوصله رسَالَته وهديته وَأَن هَذَا الْكَلَام لم يرد إِلَيْنَا مِنْك وَحدك وَلَكِن اعتمدنا عَلَيْك وعد من الَّذين فروا جمَاعَة واللقاء بَيْننَا وَبَيْنك حلب وَلَك نياتها فَطلب الْأَمِير جقمق الخراطين وأراهم الوتد الْمَذْكُور معرفَة بَعضهم وَقَالَ: أَنا صنعت هَذَا لشخص شَاب وَلم يُعْطِنِي أجره فأحضر الشَّاب وتنبع الْكتاب من الْعَجم فَوجدَ رجل أعجمي قد مرض وَنزل بالمارستان فَأوقف على الْكتاب فاعترف أَنه خطه فنفي الشَّاب إِلَى قوص وَطلب ابْن الدربندي وعنف على مَا عمل فَقَالَ: الْأَمِير ألطنبغا الصَّغِير ألجأني إِلَى الْكَذِب على الْأَمِير جقمق فَلم يعبأ بِهِ وَلَا بقوله وغرق فِي النّيل. وَمَات العجمي الْمَرِيض بالمارستان من ليلته. وَفِي رابعه: قدم الْخَبَر بِأَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الدربندي مَاتَ وَأَن قرايوسف بعث ابْنه الخان على سِتَّة آلَاف فَارس إِلَى شماخي فَأَتَتْهُ عَسَاكِر بِلَاد الدشت وكسرته وَقتل مِنْهُ أنَاس كثير. فَلَمَّا بلغ ذَلِك شاه ميرزه بن تيمورلنك عزم على أَن يصيف فِي تبريز لأجل قرايوسف وَأَن بير عمر حَاكم أرزن كَانَ انْكَسَرَ من عَسَاكِر الرّوم كسرة عَظِيمَة قتل فِيهَا كثير من أَصْحَابه وَأَن قرا يلك ركب على بِلَاد قرايوسف وَحَارب من بماردين مِنْهُم وكسرهم وَقتل وَأسر مِنْهُم نَحْو السّبْعين وَأخذ لَهُ ثَمَان قلاع ومدينتين ورحل مِائَتَيْنِ وَعشْرين قَرْيَة بأموالها وعيالها ليسكنهم ببلاده وَأَنه على حِصَار ماردين.

ص: 469

وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج من الْوَجْه القبلي وَمَعَهُ من الأغنام عشرُون ألف رَأس سوى مَا تلف مِنْهَا فَإِنَّهُ أَخذ أَرْبَعَة وَخمسين ألف رَأس لم يحضر للسُّلْطَان إِلَّا مَا ذكر وَمن الرَّقِيق العبيد وَالْإِمَاء ألف وثلاثمائة شخصا وَمن الْبَقر ثَلَاثَة آلَاف رَأس وَمن الجاموس تِسْعَة آلَاف رَأس وَمن الْجمال أَلفَانِ وَمن القند وَالْعَسَل والغلال شَيْء كثير جدا قوم عَلَيْهِ بِمِائَة ألف دِينَار يقوم بهَا. وَفِيه رسم أَن يسْتَقرّ الْأَمِير بردبك العجمي فِي نِيَابَة سيس وجهزت إِلَيْهِ الخلعة عوضا عَن أقبغا. وَفِي تاسعه: رسم بِإِخْرَاج من لَا وَظِيفَة لَهُ من الْعَجم بَين الْفُقَهَاء من الخوانك وَغَيرهَا ثمَّ أهمل أَمرهم. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْخَبَر بِأَن هوارة اجْتَمعُوا - مَا بَين رَاكب وماشي - نَحْو الْأَلفَيْنِ وَأَقْبلُوا يُرِيدُونَ الْأَمِير سودن القَاضِي وَكَانَ مَعَه من الْأُمَرَاء أينال الأزعري أحد مقدمي الألوف فَاقْتَتلُوا قتالاً كَبِيرا قتل فِيهِ من أَصْحَاب الأميرين جمَاعَة. ثمَّ كَانَت الكسرة على هوارة وَقتل مِنْهُم جمَاعَة حمل مِنْهُم عشرُون رَأْسا إِلَى السُّلْطَان. فَتوجه الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي والأمير جقمق الدوادار والأمير ططر رَأس نوبَة النوب والأمير ألطنبغا المرقبي حَاجِب الْحجاب والأمير قطلو بغا فِي عدَّة من المماليك فِي حادي عشرينه نجدة لسودن القَاضِي. وَفِي عشرينه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحَاج عمر بن شعْبَان الجابي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن يَعْقُوب. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن نَائِب غَزَّة وَكَاشف الرملة ونائب الْقُدس سَارُوا نجدة للأمير شاهين نَائِب الكرك على الْعَرَب فَتَلقاهُمْ ليسير بهم وَيُقَاتل الْعَرَب فامسكوه - كَمَا أسر إِلَيْهِم السُّلْطَان - وَحمل مَعَ نَائِب الْقُدس إِلَى دمشق وسجن بقلعتها وَقبض مَعَه على حَاجِب الكرك واعتقل بقلعتها وَسبب إمْسَاك شاهين هَذَا لم يحضر لملاقاة السُّلْطَان عِنْد عوده من بِلَاد الرّوم. وَقدم الْخَبَر بِأَن نَائِب حلب سَار بالعسكر الْحلَبِي ونواب القلاع وأمراء تركمان الطَّاعَة وَنزل على قلعة كركر فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة هَذَا وَحصر خَلِيل نائبها وَقد جلا أهل كركر عَنْهَا واستعد خَلِيل بقلعتها وحصنها. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرع السُّلْطَان فِي بِنَاء مارستان للمرضى مَوضِع مدرسة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حسن تجاه الطلبخاناه من القلعة.

ص: 470

وَفِي آخِره: نقل سوق الرَّقِيق من مَكَانَهُ إِلَى مَكَان بِطرف البندقانيين. فِيهِ وفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَزَاد إِصْبَعَيْنِ فَركب السُّلْطَان النّيل إِلَى المقياس حَتَّى خلق بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة مَكَان يَوْمًا مشهوداً وغرق فِيهِ جمَاعَة انقلبت بهم الْمركب فهلكوا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: ولد للسُّلْطَان ولد ذكر من خوند ابْنة الْأَمِير تنم الحسني نَائِب الشَّام سَمَّاهُ مُحَمَّدًا وكناه بِأبي الْمَعَالِي وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِي عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأُمَرَاء أوقعوا بهوارة على نَاحيَة جرجا فَقتلُوا مِنْهُم وأسروا نَحْو الْخمسين وَمر باقيهم على طَرِيق الواحات وَتركُوا حريمهم وَأَمْوَالهمْ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: كَانَت عقيقة الْأَمِير الْمَعَالِي مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان وخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا الْخَيل بالقماش الذَّهَب فَتَجَاوز المصروف عَلَيْهَا خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم سيف بردبك الخليلي نَائِب صفد بعد مَوته. شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ وجد السُّلْطَان ورقة بمجلسه. فِيهَا: يَا أَيهَا الْملك الْمُؤَيد دَعْوَة من مخلص فِي حبيه لَك ينصح انْظُر لحَال الشَّافِعِيَّة نظرة فالقاضيان كِلَاهُمَا لَا يصلح غطوا محاسنه بقبح صنيعهم وَمَتى دعاهم للهدى لَا يفلح وأخو هراة بسيرة اللنك اقْتدى فَلهُ سِهَام فِي الجوانح تجرح لَا درسه يقْرَأ وَلَا أَحْكَامه تَدْرِي وَلَا حِين الخطابة يفصح واكشف هموم الْمُسلمين بثالث فَعَسَى فَسَاد مِنْهُم يستصلح

ص: 471

فعرضها السُّلْطَان على الْفُقَهَاء الَّذين يحْضرُون مَجْلِسه فِي يَوْم الْأَحَد فَلم يعرفوا كاتبها وَاسْتحْسن السُّلْطَان الأبيات وَكَانَت ابْتِدَاء سُقُوط الْهَرَوِيّ من عينه. وَفِيه غرق ولد بعض الباعة فِي الخليج فَأخْرجهُ أَبوهُ مَيتا فَلم يُمكن من دَفنه إِلَّا بعد اسْتِئْذَان الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة - كَمَا هِيَ الْعَادة - فَأمر بِهِ عِنْدَمَا استأذنه إِلَى السجْن فسجن وَبعث إِلَيْهِ أَنه لَا سَبِيل إِلَى الإفراج عَنْك حَتَّى تحمل خَمْسَة دَنَانِير مِمَّا زَالُوا بِهِ حَتَّى وعدهم بذلك وَخرج وَهُوَ مُوكل بِهِ فَبَاعَ بضاعته الَّتِي يُقيم مِنْهَا أوده وأود عِيَاله فأحرزت ثَلَاثَة دَنَانِير ثمَّ أَخذ جَمِيع مَا عِنْد امْرَأَته - أم الغريق - وَبَاعه مبلغ دِينَارا وَاحِدًا واقترض دِينَارا حَتَّى كملت الْخَمْسَة دَنَانِير الَّتِي للوالي ثمَّ اقْترض شَيْئا أَخذه الموكلون عَلَيْهِ من أعوان الْوَالِي وشيئاً كفن بِهِ وَلَده ودمعه لمن دَفنه ثمَّ ترك امْرَأَته وفر. وَهَذَا من بعض مَا تَفْعَلهُ الْوُلَاة فِي هَذَا الزَّمن العجيب. وَفِي يَوْم السبت ثامن شعْبَان: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ تَتِمَّة ثَلَاثَة أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَكَانَ لَهُ من يَوْم النوروز - وَهُوَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر رَجَب لم يزدْ فَإِنَّهُ انْتهى فِي يَوْم النوروز إِلَى إِصْبَع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. ثمَّ نقص نصف ذِرَاع ثمَّ تراجع قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى ود النَّقْص وَزَاد إِصْبَعَيْنِ وَكَانَ مُنْذُ نقص النّيل ارْتَفع سعر الغلال. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من الْوَجْه القبلي بألفي جمل واثني عشر ألف رَأس من الْغنم الضَّأْن سوى مَا تفوقه الْأُمَرَاء من الْجمال وعدتها نَحْو الْأَلفَيْنِ وَسوى مَا نهب من الأغنام وَهُوَ شي كثير جدا. وَفِيه نُودي أَن لَا يتعامل النَّاس بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية النَّاقِصَة عَن دِرْهَم وَثمن فِي الْوَزْن وَأَن من وجد مَعَه دِينَار نَاقص يقص ويحضر بِهِ إِلَى دَار الضَّرْب وَأَن يكون الدِّينَار الأفرنتي التَّام على حَاله بِثَلَاثِينَ مؤيدياً وكل مؤيدي بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا ليَكُون الأفرنتي بمائتين وَعشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا وَالْأَصْل فِي هَذِه الدَّنَانِير المشخصة الَّتِي يُؤْتى بهَا من بِلَاد الفرنج وتعرف بالأفرنتية أَن تكون زنة كل مائَة دِينَار مِنْهَا أحد وَثَمَانِينَ مِثْقَالا وَربع مِثْقَال والمعاملة بهَا عددا لَا وزنا فَلم يَتْرُكهَا أهل الْفساد على حَالهَا بل يردئوا مِنْهَا حَتَّى فحش نَقصهَا نُودي عَلَيْهَا وَقع كثير من النَّاس فِي الخسارة من أجل مَا فِي الْأَيْدِي مِنْهَا وَوجدت الصيارفة والباعة السَّبِيل إِلَى أَخذ أَمْوَال النَّاس بِحجَّة أَن الدِّينَار نقص بِكَذَا وَكَذَا ويتحكم الصَّيْرَفِي بِمَا يُرِيد فَذهب كثير من أَمْوَال النَّاس فِي تَغْيِير أَحْوَال النُّقُود وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.

ص: 472

وَفِي تاسعه: قبض على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص بقلعة الْجَبَل وَأنزل بِهِ مَعَ بعض الْأُمَرَاء المقدمين إِلَى بَيت الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج وَسلم لَهُ وَكَانَ قد تقدم من ابْن نصر الله قبل ذَلِك بأيام يسيرَة مفاحشة خرج فِيهَا عَن الْحَد فِي حق ابْن أبي الْفرج وشافهه فِي حَضْرَة السُّلْطَان بعظائم تَقْتَضِي غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ فَمَا شكّ أحد فِي هَلَاكه فَكَانَ الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وأكرمه ابْن أبي الْفرج وأنزله وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ وَأرْسل إِلَى دَاره يعد أَهله بِكُل خير وَيَأْمُر غلمانه وَأَتْبَاعه أَن يلازموا مَا هم فِيهِ من خدمته على عَادَتهم وَركب فَخر الدّين من الْغَد إِلَى السُّلْطَان وَقد نزل إِلَى بركَة الْحَبَش لعرض الهجن الَّتِي بهَا إِلَى الْحجاز فَأَقَامَ عِنْده يَوْمه كُله وَهُوَ يلج فِي السُّؤَال أَن يفرج عَن ابْن نصر الله ويقره على مَا بِيَدِهِ إِلَى أَن قبل شَفَاعَته فِيهِ فَلَمَّا عَاد أركبه إِلَى دَاره فَبَاتَ بهَا وَركب فِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ خلعة الرِّضَا والاستمرار وَنزل إِلَى دَاره وَقد سر النَّاس بِهِ سُرُورًا كَبِيرا وعدت هَذِه الفعلة من ابْن أبي المرج نجداً لَا يشابهه شَيْء من أَخْلَاق أهل زَمَاننَا. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يشبك نَائِب حلب أَقَامَ على كركر أَرْبَعِينَ يَوْمًا مجداً فِي حصارها حَتَّى نفذ العليق من الْعَسْكَر فأخلى بِلَاد كركر من أَهلهَا وسيرهم إِلَى بِلَاد حلب ورعى الكروم وحرقها وَحرق الْقرى حَتَّى تَركهَا بَلَاقِع وَعَاد إِلَى حلب بِمن مَعَه من غير أَخذ قلعة كركر. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بيك بن عَليّ بيك بن قرمان نزل على طرابلس فِي خَامِس عشر رَجَب وحاصرها وَسَأَلَ نائبها الْأَمِير شاهين الأيدكاري النجدة فَكتب بِخُرُوج عَسَاكِر الشَّام إِلَيْهَا. وَاسْتقر الْأَمِير عز الدّين حَمْزَة ابْن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان فِي نِيَابَة أذنة وإمرة التركمان على عَادَة أَبِيه عوضا عَن إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان لانتمائه إِلَى ابْن قرمان. وأنعم على عَسَاكِر حلب بِعشْرَة آلَاف دِينَار نَفَقَة كَونهم توجهوا إِلَى كركر. وَاسْتقر فِي نِيَابَة كختا الْأَمِير بردبك الحمزاوي عوضا عَن الْأَمِير منكلي بغا وأعيد منكلي بغا إِلَى إمرته بحماة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة نصفه: نقص النّيل عشر أَصَابِع بعد مَا انْتهى فِي الزِّيَادَة إِلَى عشر أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَفِي سادس عشره: ابتدئ بهدم دَار التفاح خارجباب زويلة وَهِي جَارِيَة فِي

ص: 473

وقف الْأَمِير طقز دمر على خانكاته بالقرافة بعد مَا دفع فِيهَا ألف دِينَار أفرنتية ليعتاض أهل الْوَقْف بهَا مَكَانا غَيره. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر الْأَمِير مُرَاد خجا أحد أُمَرَاء الألوف - فِي نِيَابَة صفد وخلع عَلَيْهِ وأنعم بتقدمته وإقطاعه على الْأَمِير جلبان المؤيدي رَأس نوبَة السُّلْطَان وَرَأس نوبَة الْأَمِير إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: توجه الْأَمِير أزدمر الظَّاهِرِيّ - أحد مقدمي الألوف - فِي عدَّة الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى بِلَاد الصَّعِيد لإِقَامَة بهَا وَعَاد الْأَمِير جقمق الداودار بِمن بَقِي مَعَه. وَفِيه قدم الْخَبَر باستمرار ابْن قرمان على حِصَار طرسوس ونزول قرايوسف على آمد وفرار قرايلك مِنْهُ ونزوله على جَانب الْفُرَات تجاه قلعة نجمة واستئذانه نَائِب حلب فِي التَّعْدِيَة وَأَن أهل الْبِلَاد الحلبية عظم خوفهم وعزموا على الْفِرَار مِنْهَا مَخَافَة أَن يصيبهم مثل مَا أَصَابَهُم فِي نوبَة تمرلنك.

ص: 474

وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه شعْبَان: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر وَمر فِي شَارِع الْمَدِينَة إِلَى القلعة وَبَين يَدَيْهِ الهجن الَّتِي عينهَا للسَّفر مَعَه إِلَى الْحجاز وَعَلَيْهَا حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر بالقلعة قدم الْأَمِير بردبك الحمزاوي - أحد أُمَرَاء الألوف بحلب - وَمَعَهُ نَائِب كختا - الْأَمِير منكلي بغا - بِكِتَاب نَائِب حلب والأمير عُثْمَان بن طرعلي الْمَعْرُوف بقرايلك بِأَن قرايلك عدى الْفُرَات من مَكَان يُقَال لَهُ زغموا وَنزل على نهر الْمَرْزُبَان وَذَلِكَ أَنه بلغه أَن قرايوسف قصد كبسه مِمَّا أحسن قرايلك إِلَّا وَقد هجمت فرقة من عَسْكَر قرايوسف عَلَيْهِ من شميصات دخل بهم خَلِيل نَائِب كركر فأدركوا قرايلك عِنْد رحيله من نهر الْمَرْزُبَان إِلَى مرج دابق فَقَاتلهُمْ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان هَذَا وَأخذُوا بعض أثقاله فَنزل مرج دابق ثمَّ قدم حلب فِي نَحْو ألف فَارس باستدعاء الْأَمِير يشبك لَهُ فجفل من كَانَ خَارج سور مَدِينَة حلب ورحلوا لَيْلًا عَن آخِرهم. واضطرب من بداخل السُّور وألقوا بِأَنْفسِهِم من السُّور ورحل أجناد الْحلقَة ومماليك النَّائِب المستخدمين بحرمهم وَأَوْلَادهمْ فانثنى عزم السُّلْطَان عَن السّفر إِلَى الْحجاز وَكتب إِلَى العساكر الشامية فِي الْمسير إِلَى حلب وَالْأَخْذ فِي تهيئة الإقامات. وَأصْبح يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه وَقد جمع الْأُمَرَاء والخليفة وقضاة الْقُضَاة وَطلب شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ وقص عَلَيْهِم خبر قرايوسف وَمَا حصل لأهل حلب من الْخَوْف والفزع وجفلتهم - هم وَأهل حماة - وَأَن الْحمار بلغ ثمنه خَمْسمِائَة دِرْهَم فضَّة والأكديش إِلَى خمسين دِينَارا وَأَن قرايوسف فِي عصمته أَرْبَعُونَ امْرَأَة وَأَنه لأيدين بدين الْإِسْلَام وَكتب صُورَة فَتْوَى فِي الْمجْلس فِيهَا كثير من قبائحه وَأَنه قد هجم على ثغور الْمُسلمين وَنَحْو هَذَا من الْكَلَام. فَكتب شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ وقضاة الْقُضَاة بجوار قِتَاله. وَكتب الْخَلِيفَة خطه بهَا أَيْضا. وَانْصَرفُوا وَمَعَهُمْ الْأَمِير مقبل الداودار فَنَادوا فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ بَين يَدي الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بِأَن قرايوسف يسْتَحل الدِّمَاء

ص: 475

وَيَسْبِي الْحَرِيم وَيخرب الديار فَعَلَيْكُم بجهاده كلكُمْ بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ. فدهى النَّاس عِنْد سماعهم هَذَا وَاشْتَدَّ قلقهم. وَكتب إِلَى ممالك الشَّام أَن يُنَادي بِمثل ذَلِك فِي كل مَدِينَة وَأَن السُّلْطَان وَاصل إِلَيْهِم بِنَفسِهِ وعساكره. وَكتب إِلَى الْوَجْه القبلي بإحضار الْأُمَرَاء. وَفِيه بلغ مَاء النّيل فِي زِيَادَته عشر أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَنقص فِي يَوْمه إِصْبَعَيْنِ بَعْدَمَا نقص خمْسا وَذَلِكَ قبل أَوَان نَقصه فارتفع سعر الغلال وتخوف النَّاس الغلاء. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: نُودي بَين يَدي الْأَمِير خرز نقيب الْجَيْش فِي أجناد الْحلقَة بتجهيز أَمرهم للسَّفر إِلَى الشَّام وَمن تَأَخّر حل بِهِ كَذَا وَكَذَا من الْعقُوبَة. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِيهِ قدم الْخَبَر بِأَن قرايلك رَحل من حلب وَأقَام بهَا الْأَمِير يشبك نازلاً بالميدان وَعِنْده نَحْو مائَة وَأَرْبَعين فَارِسًا وَقد خلت حلب من أَهلهَا إِلَّا من التجأ إِلَى قلعتها. فَأَتَاهُ النذير لَيْلًا أَن عسكرا قرايوسف قد أدْركهُ فَركب قبيل الصُّبْح فَإِذا مقدمته مُعلى وَطْأَة بابلاً فواقعهم وَهَزَمَهُمْ وَقتل وَأسر جمَاعَة فأخبروه أَنهم جَاءُوا لكشف خبر قرايلك وَأَن قرايوسف بِعَين تَابَ. فَعَاد وَتوجه إِلَى سرمين فَلَمَّا بلغ قرايوسف هزيمَة عسكره كتب إِلَى نَائِب حلب يعْتَذر عَن نُزُوله بِعَين تَابَ وَأَنه مَا قصد إِلَّا قرايلك فَإِنَّهُ أفسد فِي ماردين فَبعث إِلَيْهِ صاروخان - مهمندار حلب - فَلَقِيَهُ على جَانب الْفُرَات وَقد جَازَت مَجْمُوعَة الْفُرَات وَهُوَ على نِيَّة الْجَوَاز فَأكْرمه وَاعْتذر عَن وُصُوله إِلَى عين تَابَ وَحلف أَنه لم يقْصد دُخُول الشَّام وَأَعَادَهُ بهدية للنائب فسر السُّلْطَان بذلك. وَكَانَ سَبَب حَرَكَة قرايوسف أَن الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن طر عَليّ بن مُحَمَّد - وَيُقَال لَهُ قرايلك - صَاحب آمد نزل فِي أَوَائِل شعْبَان على مَدِينَة ماردين من بِلَاد قرايوسف فأوقع بِأَهْلِهَا وأسرف فِي قَتلهمْ وَسبي نِسَاءَهُمْ وَبَاعَ الْأَوْلَاد وَالنِّسَاء حَتَّى أبيع صَغِير بِدِرْهَمَيْنِ وَحرق الْمَدِينَة وَرجع إِلَى آمد فَلَمَّا بلغ قرايوسف ذَلِك اشْتَدَّ حنقه وَسَار وَمَعَهُ الطَّائِفَة الْمُخَالفَة للسُّلْطَان يُرِيد أَخذ قرايلك وَنزل على آمد

ص: 476

ثمَّ رَحل عَنْهَا فِي ثامن شعْبَان جَرِيدَة خلف قرايلك وَقطع الْفُرَات من شميصات فِي عاشره وَلحق قرايلك وضربه على نهر الْمَرْزُبَان ففر مِنْهُ إِلَى حلب وَهُوَ فِي أَثَره فَتوجه قرايلك من حلب وَكَانَ من مواقعة نَائِب حلب لعسكر قرايوسف مَا ذكر. وَفِي ثَانِيه: كتب بِبيع الغلال المجهزة فِي الْبَحْر إِلَى الْحجاز لرجوع السُّلْطَان عَن السّفر إِلَى الْحَج. وَفِي خامسه: نُودي فِي أجناد الْحلقَة بِالْعرضِ على السُّلْطَان فعرضوا عَلَيْهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه وابتدأ بِعرْض من يركب مِنْهُم فِي خدمَة الْأُمَرَاء فَخَيرهمْ بَين الِاسْتِمْرَار فِي جملَة رجال الْحلقَة وَترك خدمَة الْأُمَرَاء وَبَين الْإِقَامَة فِي خدمَة الْأُمَرَاء وَترك أَخْبَار الْحلقَة فَاخْتَارَ بَعضهم هَذَا وَبَعْضهمْ هَذَا فَأخْرج اقطاعات من أَرَادَ خدمَة الْأُمَرَاء وَصرف من خدمَة الْأُمَرَاء من أَرَادَ الْإِقَامَة على إقطاعه وشكا إِلَيْهِ بَعضهم قلَّة متحصل إقطاعه فزاده وَكَانَ هَذَا من جيد التَّدْبِير فَإِن الْعَادة كَانَت أَن عَسْكَر مصر فِي هَذَا الدولة التركية على ثَلَاثَة أَقسَام قسم يُقَال لَهُم أجناد الْحلقَة وموضوعهم أَن يَكُونُوا فِي خدمَة السُّلْطَان وَلكُل مِنْهُم إقطاع يُقَال لَهُ خبز ونظيرهم فِي أَيَّام الْخُلَفَاء أهل الْعَطاء وَأهل الدِّيوَان وَقسم يُقَال لَهُم مماليك السُّلْطَان وَلَهُم جوامك مقروة فِي كل شهر وجرايات وَلُحُوم فِي كل يَوْم وَكِسْوَة فِي كل سنة وَقسم ثَالِث يُقَال لَهُم مماليك الْأُمَرَاء وهم الَّذين يخدمون الْأُمَرَاء ويعتد بطَائفَة من إقطاع الْأَمِير للعدة المقررة لَهُ مِنْهُم فَلذَلِك كَانَت عدَّة عَسَاكِر مصر كَثِيرَة ثمَّ تغير هَذَا فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق وَمن بعده وَصَارَ الْأُمَرَاء يَأْخُذُونَ إقطاعات الْحلقَة بأسماء مماليكهم وطواشيتهم وتخدم أجناد الْحلقَة عِنْدهم وَتَأْخُذ المماليك السُّلْطَانِيَّة أَيْضا الإقطاعات مَعَ الجوامك فَقلت عدَّة الرِّجَال وَكثر متحصل قوم وَقل لآخرين مَا يحصل من الإقطاعات وَخَربَتْ عدَّة بِلَاد من كَثْرَة المغارم وَعجز مقطعيها. وَفِي سابعه: أفرج عَن الْأَمِير كمشبغا الفيسي أَمِير أخور وَعَن قصروه من تمراز وَكَانَا بالإسكندرية وَعَن الْأَمِير كزل العجمي حَاجِب الْحجاب وَكَانَ بصفد وَعَن الْأَمِير شاهين نَائِب الكرك وَكَانَ بقلعة دمشق.

ص: 477

وَفِي تاسعه: قدم الْخَبَر بِأَن قرايوسف أحرق أسواق عين تَابَ ونهبها فَصَالحه أَهلهَا على مائَة ألف دِرْهَم وَأَرْبَعين فرسا فَرَحل عَنْهَا بعد أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى جِهَة البيرة وعدى مُعظم جَيْشه إِلَى الْبر الشَّرْقِي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر شعْبَان وعدى من الْغَد وَنزل ببساتين البيرة وحصرها فقاتله أَهلهَا يَوْمَيْنِ وَقتلُوا مِنْهُ جمَاعَة فَدخل الْبَلَد وَنهب واحرق الْأَسْوَاق حَتَّى بقيت رَمَادا امْتنع النَّاس مِنْهُ وَمَعَهُمْ حريمهم بالقلعة ثمَّ رَحل فِي تَاسِع عشره إِلَى جِهَة بِلَاده بعد مَا حرق وَنهب جَمِيع مُعَاملَة البيرة فسر السُّلْطَان بِرُجُوع قرايوسف وفتر عزمه عَن السّفر إِلَى الشَّام. وَقدم الْخَبَر بِأَن ابْن قرمان حَارب أهل طرسوس فَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير إِلَى أَن رَحل عَنْهَا فِي سَابِع شعْبَان من ألم اشْتَدَّ بباطنه. وَإِلَى ثَالِث عشره: جلس السُّلْطَان لعرض أجناد الْحلقَة فَعرض عَلَيْهِ مِنْهُم زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة مَا بَين غَنِي وفقير وكبير وصغير. فَمن كَانَ إقطاعه قَلِيل المتحصل أشرك مَعَه غَيره وَمِثَال ذَلِك أَن جندياً يتَحَصَّل من إقطاعه فِي السّنة سَبْعَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا وَآخر يتَحَصَّل لَهُ ثَلَاثَة آلَاف فألزم من إقطاعه ثَلَاثَة آلَاف أَن يُعْطي الَّذِي إقطاعه سَبْعَة آلَاف مبلغ ثَلَاثَة آلَاف ليسافر صَاحب السَّبْعَة آلَاف وَيُقِيم الَّذِي أعْطى الثَّلَاثَة آلَاف وأفرد جمَاعَة وجد إقطاعاتهم قَليلَة المتحصل ثمَّ ضم أَرْبَعَة مِنْهُم وَأمرهمْ أَن يختاروا مِنْهُم وَاحِدًا يُسَافر وَيقوم الثَّلَاثَة بكلفته ورسم أَن المَال الْمُجْتَمع من أجناد الْحلقَة يكون تَحت يَد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْهَرَوِيّ. وَفِي رَابِع عشره: قدم كمشبغا الفيسي وقصروه من تمراز من الْإسْكَنْدَريَّة فمثلا بَين يَدي السُّلْطَان وَنزلا إِلَى دورهما. وَفِي سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب الْفتُوح إِلَى القلعة. وَفِي ثامن عشره: قدم الْخَبَر من طرابلس بنزول التركمان - الأينالية والبياضية والأوشرية - على صافيتا من عمل طرابلس جافلين من قرا يُوسُف وَأَنَّهُمْ نهبوا بلاداً وأحرقوا مِنْهَا جانباً وَأَن الْأَمِير برسباي الدقماقي النَّائِب نَهَاهُم عَن ذَلِك فَلم يرجِعوا وَأَنه أَمرهم بِالْعودِ إِلَى بِلَادهمْ بعد رُجُوع قرايوسف فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فَركب

ص: 478

عَلَيْهِم برسباي ليَأْخُذ مَوَاشِيهمْ وَقَاتلهمْ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشْرين شعْبَان فَقتل مِنْهُم خلق كثير مِنْهُم الْأَمِير سودن الأسندمري وَثَلَاثَة عشر من عَسْكَر طرابلس وَانْهَزَمَ باقيهم عُرَاة فَغَضب السُّلْطَان ورسم بعزل برسباي عَن نِيَابَة طرابلس واعتقاله بقلعة المرقب وَكتب بإحضار سودن القَاضِي نَائِب الْوَجْه القبلي ليستقر فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الْمطعم خَارج الْقَاهِرَة وَعَاد فَلم يكد يسْتَقرّ حَتَّى فِي السَّاعَة الرَّابِعَة وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب القنطرة إِلَى السرحة وَعَاد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه. وَفِيه ختمت قِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل وَحضر السُّلْطَان خَتمه على الْعَادة وَفرق على الْجَمَاعَة الْحَاضِرين من الْفُقَهَاء - وعدتهم سَبْعُونَ - مبلغ مائَة وَأَرْبَعين مؤيدياً كل وَاحِد وخلع على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ جُبَّة صوف بِفَرْوٍ سمور على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرينه: عرض السُّلْطَان الأجناد على عَادَته وتشدد فِي طلب المَال مِنْهُم فَنزل بهم من ذَلِك شَدَائِد لفقر أَكْثَرهم وعجزهم عَن الْقيام بِمَا لَزِمَهُم فَلَمَّا انْقَضى مجْلِس الْعرض ركب السُّلْطَان وعدى النّيل إِلَى بر الجيزة وَبَات هُنَاكَ ثمَّ عَاد من الْغَد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أتلفت الدودة كثيرا من البرسيم المزروع بأراضي الجيزة. وَفِيه قدم مصطفى ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان إِلَى مَدِينَة طرسوس باستدعاء أَهلهَا من قَبِيح سيرة نائبها شاهين الأيدكاري واستحلاله أَمْوَالهم ودماءهم وَأخذ الْمَدِينَة وَحصر القلعة وَقد امْتنع بهَا شاهين الأيدكاري حَتَّى أَخذه وَبعث بِهِ ابْنه وَأَن قرايوسف لما مضى إِلَى بِلَاده مَاتَ ابْنه بير بدق على ماردين وعندما وصل إِلَى بِلَاده قبض على وَلَده إسكندر واعتقله، وَأَنه وَقع بَينه وَبَين وَلَده شاه مُحَمَّد صَاحب بَغْدَاد.

ص: 479

شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثَانِيه: عرض السُّلْطَان الأجناد. وَفِي خامسه: جلس للْحكم بَين النَّاس وَكَانَ قد ترك ذَلِك فَعَاد إِلَيْهِ وَضرب ابْن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع بَين يَدَيْهِ وَلم يعزله وَاسْتقر الْمَلْطِي فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن سودن القَاضِي. وَفِي لَيْلَة السبت سادسه: ركب السُّلْطَان وسرح إِلَى جِهَة سرياقوس. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير سودن القَاضِي من الْوَجْه القبلي وتمثل بمخيم السُّلْطَان من السرحة. وَفِي عاشره: عَاد السُّلْطَان من السرحة إِلَى القلعة. وَفِي ثَانِي عشره: ركب إِلَى الصَّيْد وَعَاد فِي ثَالِث عشره وَقد وعك بدنه وعاوده ألم رجله فَلَزِمَ الْفراش. وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير سودن القَاضِي وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير برسباي الدقماقي وخلع على الْأَمِير كمشبغا الفيسي وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا بطرابلس. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير سيف الدّين أبي بكر ابْن الْأَمِير قطلوبك الْمَعْرُوف بِابْن المزوق وَاسْتمرّ أستادار السُّلْطَان بعد وَفَاة الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن أبي الْفرج وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وَاسْتقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَن ابْن أبي الْفرج واشتملت تَرِكَة ابْن أبي الْفرج على نَحْو ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار مِنْهَا صندوق فِيهِ مبلغ اثْنَيْنِ وَسبعين ألف دِينَار وَثَلَاثَة مساطير بمبلغ سبعين ألف دِينَار وغلال وفرو وقماش وعدة بضائع بِنَحْوِ مائَة ألف دِينَار أحَاط السُّلْطَان بهَا كلهَا.

ص: 480

وَفِي حادي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الْبركَة مَعَ الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ورحل فِي رَابِع عشرينه بعد أَن تقدمه الركب فِي أمسه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عز وجود التِّبْن حَتَّى أبيع الْحمل بِدِينَار بعد خَمْسَة أحمال بِدِينَار. وَفِيه كثرت الْفِتَن بِالْوَجْهِ البحري. وانقضى الشَّهْر وَالسُّلْطَان مَرِيض. شهر ذِي الْقعدَة. أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: قبض على الْوَزير بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي. وَسلم إِلَى الْأَمِير أبي بكر الأستادار بعد إخراق السُّلْطَان بِهِ ومبالغته فِي إهانته لسوء تَدْبيره وقبح سيرته وخبث سَرِيرَته. وتتبعت حَوَاشِيه أَتْبَاعه فَقبض عَلَيْهِم ثمَّ أفرج عَنْهُم وَفِيه خلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله خلع الوزارة مُضَافا لنظر الْخَاص. وأنعم عَلَيْهِ مرّة مَاله وتقدمة ألف فَنزل الْأُمَرَاء وَأهل الدولة مَعَه وسر النَّاس بِهِ وَفِيه دقَّتْ الطبلخاناه على بَابه بعد غرُوب الشَّمْس على عَادَة الْأُمَرَاء الأكابر وَلم يَقع فِي الدولة التركية مثل هَذَا لوزير صَاحب قلم. وَفِيه خلع على الْأَمِير جربغا دوادار الْأَمِير يشبك نَائِب حلب وَاسْتمرّ على عَادَته وَكَانَ قد قدم فِي سادس عشْرين شَوَّال وصحبته شهَاب بن أَحْمد بن صَلَاح الدّين صَالح بن مُحَمَّد كَاتب سر حلب بِطَلَب لشكوى نَائِب حلب مِنْهَا فَسَار جربغا وَتَأَخر ابْن السفاح بِالْقَاهِرَةِ وَكتب بِقَبض على قرمش الْأَمِير الْكَبِير بحلب وسجنه بقلعتها. وَفِي خامسه: ركب السُّلْطَان المحفة - وَهُوَ مَرِيض - وسرح ثمَّ عَاد من آخِره. وَفِي سابعه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب فِي وزارة دمشق. وَفِي تاسعه: خلع على الشَّيْخ الأمجد رفائيل - كَاتب الجيزة - وَاسْتقر بطرك اليعاقبة عوضا عَن مَتى بعد مَوته. وَفِي عاشره: ركب السُّلْطَان وَنزل إِلَى بَيت كَاتب سره نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ المطل على النّيل وعدى الْأُمَرَاء إِلَى بر الجيزة ثمَّ سَار السُّلْطَان من بَيت كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره إِلَى السرحة ببركة الْحجَّاج وَركب من الْغَد النّيل

ص: 481

يُرِيد سرحة الْبحيرَة وَنزل بِالْبرِّ الغربي على الطرانة وانتهي إِلَى مريوط فَأَقَامَ بهَا أَرْبَعَة أَيَّام. ورسم بعمارة بُسْتَان السُّلْطَان بهَا وَقد تهدم واستأجر مريوط من مباشري وقف الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير على الْجَامِع الحاكمي وَتقدم بعمارة سواقيه ومعاهد الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري وَعَاد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عز وجود لحم الضَّأْن بأسواق الْقَاهِرَة وَلم يرْتَفع سعره. وَفِيه أفرج عَن الشريف عجلَان بن نعير الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة وللإفراج عَنهُ خبر فِيهِ مُعْتَبر: وَهُوَ أَن عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ - أحد جلساء السُّلْطَان - رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد انْفَتح قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَخرج مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَجلسَ وَعَلِيهِ أَكْفَانه وَأَشَارَ بِيَدِهِ المقدسة إِلَى عز الدّين فَقَامَ إِلَيْهِ حَتَّى دنا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: قل للمؤيد يفرج عَن عجلَان فانتبه وَصعد على عَادَته إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وَحلف لَهُ بالأيمان الحرجة أَنه مَا رأى عجلَان قطّ وَلَا بَينه وَبَينه معرفَة وقص عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَسكت حَتَّى انفض الْمجْلس وَخرج إِلَى مرمى نشاب استجدها بالقلعة فأحضر الشريف عجلَان وخلى عَنهُ وَقد حَدثنِي عز الدّين بالرؤيا وَأقسم لي بِاللَّه أَنه مَا كَانَ قبل رُؤْيَاهُ يعرف عجلَان وَلَا رَآهُ قطّ وَهُوَ غير مُتَّهم فِيمَا تحدث بِهِ شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قل وجود الْخبز بالأسواق وازدحم النَّاس فِي طلبه ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ كسد وَارْتَفَعت الأسعار ووافى عيد الْأَضْحَى وَالسُّلْطَان بِنَاحِيَة وردان وَهُوَ عَائِد فصلى بِهِ صَلَاة الْعِيد وخطب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ.

ص: 482

وَكَانَ الْحَال بِالْقَاهِرَةِ فِي الْأَضَاحِي بِخِلَاف مَا نعهد لقلَّة مَا ذبح فَإِن السُّلْطَان والأمراء لم يفرقُوا الْأَضَاحِي كَمَا جرت بِهِ الْعَادة. وَفِي ثَانِي عشره: قدم السُّلْطَان من سرحة الْبحيرَة وعدى النّيل إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ وَأقَام بِهِ إِلَى بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره وَركب إِلَى القلعة وألم رجله لم يبرح. وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء بتجهيزهم للسَّفر إِلَى الشَّام. وَفِي خَامِس عشره: عرض السُّلْطَان أجناد الْحلقَة على عَادَته وَعين مِنْهُم من يسامر وألزم من يُقيم بِالْمَالِ كَمَا تقدم. وَفِيه قدمت أم إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان التركماني من بِلَاد الشَّرْقِي وتمثلت بَين يَدي السُّلْطَان فوسم بتعويقها فعوقت. وَفِي تَاسِع عشره: عرض السُّلْطَان أجناد الْحلقَة ثمَّ ركب فِي خاصته بِثِيَاب جُلُوسه إِلَى جَامعه بجوار بَاب زويلة وَاجْتمعَ عِنْده الْقُضَاة فتنافس كل من القاضيين شمس الدّين الْهَرَوِيّ وشمس الدّين مُحَمَّد الديري وخرجا عَن الْحَد حَتَّى تسابا سباباً قبيحاً بِحَضْرَة السُّلْطَان وَقد اجْتمع من طوائف النَّاس خلق كثير وانفضوا وعناية السُّلْطَان بالهروي. فَكَانَ هَذَا مِمَّا لَا يَلِيق بالقضاة. وَفِيه بلغ الأردب الْقَمْح مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما والأردب الفول ثَلَاثمِائَة دِرْهَم لقلته. وَكثر كساد وَفِي ثَانِي عشرينه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر. وَفِي رَابِع عشرينه: أفرج عَن الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ الفخرية موكلاً بِهِ ومرسماً عَلَيْهِ. وَفِيه ركب السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد من يَوْمه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: جلس السُّلْطَان بالإسطبل لعرض أجناد الْحلقَة على عَادَته وتشدد فِي طلب المَال مِمَّن عين للإقامة وَضرب عدَّة مِنْهُم. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الشريف النَّقِيب شرف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الشريف النَّقِيب فَخر الدّين أبي عَليّ أَحْمد بن الشريف النَّقِيب شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن شهَاب الدّين حسن بن

ص: 483

مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن زيد بن الْحُسَيْن بن مظفر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن عَليّ بن أبي طَالب الأرموي نقيب الْأَشْرَاف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ربيع الأول وَكَانَ يعد من رُؤَسَاء الْبَلَد كرماً وأفضالاً من غير شهرة بِعلم وَلَا نسك. وَمَات فِيهِ عبد الله بن عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحي الدّين يحيي بن فضل الله الْعمريّ وَقد حمل وَمَات الْأَمِير أجترك القاسمي وَقد تنقل فِي عدَّة ولايات مِنْهَا نِيَابَة غَزَّة. وَقتل الْأَمِير حُسَيْن بن كبك أحد أُمَرَاء التركمان فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى وَكَانَ من خبر قَتله أَن الْأَمِير تغري بردى الجكمي - أحد العصاة على السُّلْطَان - فر وَالسُّلْطَان على مَدِينَة كختا فِيمَن تسحب ثمَّ لحق بالأمير منكلي بغا نَائِب ملطية مَعَ رفقته فَسَأَلَ السُّلْطَان فِي الصفح عَنهُ فصفح وَأقَام عِنْد منكلي بغا إِلَى أَن قدم حُسَيْن ابْن كبك على ملطية وحصرها فقرر الْأَمِير منكلي بغا تغري بردى هَذَا أَنه يظْهر الْهَرَب ويتسحب إِلَى حُسَيْن بن كبك وَيُقِيم عِنْده إِلَى أَن يجد فرْصَة يقْتله فِيهَا فَخرج من ملطية فَارًّا إِلَيْهِ فَأكْرمه وَاسْتمرّ بِهِ عِنْده إِلَى أَن توجه إِلَى بير عمر حَاكم أرزنكان فِي أول جُمَادَى فأنزله بير عمر فِي مخيم وأجرى لَهُ مَا يَلِيق بِهِ فَلم يبت عِنْده سوى لَيْلَة وَاحِدَة وجلسوا لشرب الْخمر فِي اللَّيْلَة الَّتِي بعْدهَا حَتَّى تفرق عَن حُسَيْن أَصْحَابه وَدخل إِلَى مبيته واستدعى بتغري بردى إِلَيْهِ ليكبسه فعندما نَام - وَهُوَ سَكرَان - أَخذ تعري بردى سَيْفه وحشاه فِي بطه فَلم يتنفس وَركب فرسه لَيْلًا إِلَى جِهَة شماخي وتوصل مِنْهَا إِلَى ملطية وَقدم حلب وَجَاء إِلَى مصر فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَثَلَاثَة أرؤس من الْخَيل كَامِلَة الْعدة وثياباً نفيسة وإقطاعاً بديار مصر كثير المتحصل وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء أَن يخلع كل مِنْهُم عَلَيْهِ فناله مَال كَبِير واستراح الناسمن حُسَيْن بن كبك.

ص: 484

وَمَات بِالْقَاهِرَةِ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد القرقشندي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة السبت عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَقد كتب فِي الْإِنْشَاء وبرع فِي الْعَرَبيَّة وشارك فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم وَعرف الْفَرَائِض ونظم ونثر. وصنف كتاب صبح الْأَعْشَى فِي صناعَة الإنشا جمع فِيهِ جمعا كَبِيرا مُفِيدا وَكتب فِي الْفِقْه وَغَيره. وَمَات الْأَمِير بيسق الشيخي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة فِي جُمَادَى الْآخِرَة بالقدس وترقي حَتَّى صَار من أُمَرَاء الطلبخاناه وأمير أخور وَولي إمرة الْحَج فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة والناصرية وَولي عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام لما احْتَرَقَ فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة ثمَّ تنكر عَلَيْهِ النَّاصِر فرج وَأخرجه من الْقَاهِرَة إِلَى بِلَاد الرّوم منفياً فَأَقَامَ بهَا حَتَّى تسلطن الْمُؤَيد شيخ قدم عَلَيْهِ فَلم يقبل عَلَيْهِ وَأقَام فِي دَاره مُدَّة ثمَّ أخرجه إِلَى الْقُدس بطالاً فَمَاتَ بهَا وَكَانَ عَارِفًا بالأمور متعصباً الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة على الشَّافِعِيَّة شرس الْخلق عسوفاً كثير المَال وَفِيه بر وصدقات. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا شَيْطَان مقتولاً فِي لَيْلَة الْخَمِيس سادس شعْبَان وَقد جمع لَهُ بَين ولَايَة الْقَاهِرَة وحسبتها وَشد الدَّوَاوِين وَكَانَ يحسن الْمُبَاشرَة وَلم يشهر عَنهُ تعَاطِي شَيْء من القاذورات الْمُحرمَة كَالْخمرِ وَنَحْوه. وَمَات الْأَمِير بردبك الخليلي بصفد فِي لَيْلَة الْخَمِيس نصف شهر رَجَب بهَا

ص: 485

وَهُوَ على نيابتها. وَمَات الْأَمِير سودن الأسندمري مقتولاً فِي وقْعَة التركمان خَارج طرابلس فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشْرين شعْبَان وَهُوَ أحد مماليك الظَّاهِرِيَّة وَمن جملَة أُمَرَاء مصر فَلَمَّا قتل النَّاصِر فرج قبض عَلَيْهِ وسجن ثمَّ أفرج عَنهُ وَعمل أَمِيرا بطرابلس فَقتل بهَا عَن قَلِيل. وَمَات الْأَمِير أَبُو الْفتُوح مُوسَى ابْن السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشْرين شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي الشَّهْر الْخَامِس فدمن بالجامع المؤيدي. وَمَات الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْأَمِير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الفوج فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ نصف شَوَّال وَدفن بجامعه. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا العثماني الظَّاهِرِيّ نَائِب الشَّام بطالاً بالقدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين شَوَّال. وَمَات الْأَمِير الطواشي بدر الدّين لُؤْلُؤ الْعزي كاشف الْوَجْه القبلي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشْرين شَوَّال. ولي كشف الْوَجْه القبلي فِي سنة ثَلَاث عشره ثمَّ فِي رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وعزل وصودر وَأخذ مِنْهُ مَال جزيل بعد عُقُوبَة شَدِيدَة ثمَّ ولي شدّ الدواليب السُّلْطَانِيَّة بِالْوَجْهِ القبلي حَتَّى مَاتَ وَكَانَ من الحمقاء المتمعقلين والظلمة الفاتكين فِي هَيْئَة متدين ناسك واعظ. وَتُوفِّي شرف الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين أبي الْيمن مُحَمَّد بن عبد اللطف بن أَحْمد بن مَحْمُود بن أبي الْفَتْح الشهير بِابْن الكويك الربعِي الإسكندري الشَّافِعِي فِي يَوْم

ص: 486

السبت سادس عشْرين ذِي الْقعدَة ومولده فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَقد انْفَرد بأَشْيَاء لم يروها غَيره. وتصدى للأسماع عدَّة سِنِين فَسمع عَلَيْهِ كثير من أهل الْقَاهِرَة والقادمين إِلَيْهَا وأضر قبل مَوته. وَكَانَ خيرا سَاكِنا كافا عَن الشَّرّ من بَيت رياسة. وَأول سَمَاعه حضوراً سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. وَلم يشْتَهر بِعلم. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا الخليلي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشْرين ذِي الْحجَّة وَكَانَ قد ولي حاجباً بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ تعطل سِتا وَعشْرين سنة فَسَاءَتْ حَاله إِلَى أَن ولاه الْملك الْمُؤَيد نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة مباشرها مُبَاشرَة مشكورة وَمَات وَهُوَ على نيابتها. وَمَات الْأُسْتَاذ إِبْرَاهِيم بن باباي العواد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل شهر ربيع الأول. وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة فِي الضَّرْب بِالْعودِ. وَكَانَ أبي النَّفس من ندماء السُّلْطَان مقرباً عِنْده وجدد عمَارَة بُسْتَان الْحلَبِي المطل على النّيل وَبِه مَاتَ.

ص: 487

فارغه

ص: 488