الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة أَربع عشرَة وَثَمَانمِائَة)
أهلت وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وَأَرْض الْحجاز الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات فرج بن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أبي سعيد برقوق بن أنص وَخَلِيفَة الْوَقْت الإِمَام المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد. وأتابك العساكر الْأَمِير تمرتاش المحمدي. والدوادار الْكَبِير الْأَمِير طوغان الحسني وَرَأس نوبَة قنباي وحاجب الْحجاب يلبغا الناصري. وقاضي الْقُضَاة بديار مصر شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين أبي حَفْص عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي القفساة كَمَال الدّين عمر بن العديم وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن معبد الْمدنِي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة مجد الدّين سَالم بن سَالم الْمَقْدِسِي. وَكَاتب السِّرّ فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نَفِيس وناظر الْجَيْش الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله والوزير الصاحب سعد الدّين إِبْرَاهِيم البشيري. والأستادار الْأَمِير تَاج الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم ونائب الشَّام الْأَمِير تغري بردى ونائب حلب الْأَمِير شيخ المحمودي ونائب طرابلس الْأَمِير نوروز الحافظي ونائب حماة الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش وَيعرف بسيدي الصَّغِير ونائب صفد الْأَمِير قرقماس بن أخي دمرادش الْمَعْرُوف بسيدي الْكَبِير ونائب غَزَّة الْأَمِير أينال الرجبي وَقد عزل وَاسْتقر عوضه الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ومتملك بَغْدَاد وتبريز قرا يُوسُف ابْن قرا مُحَمَّد التركماني وينوب عَنهُ بِبَغْدَاد وَلَده مُحَمَّد شاه. وأمير مَكَّة المشرفة الشريف حسن بن عجلَان وَصَاحب الْيمن الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل وَصَاحب بِلَاد قرمان الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد باك بن الْأَمِير عَلَاء الدّين بن قرمان وَصَاحب
أجات الْأَمِير مُوسَى جلبي بن الْأَمِير أبي يزِيد بن مُرَاد خَان بن أزمان بن عُثْمَان جق. وَصَاحب قرم وصراي وبلاد الدشت الْأَمِير أيدكي وَصَاحب سَمَرْقَنْد وبخاري وبلاد فَارس فرخشاه بن تيمورلنك. والأسعار بديار مصر: أما الذَّهَب الهرجة فَكل مِثْقَال بِمِائَتي دِرْهَم وَخَمْسَة عشر درهما بالفلوس المتعامل بهَا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم. وَالدِّينَار الأفرنتي وَالدِّينَار الناصري كل شخص مِنْهَا بِمِائَة وَتِسْعين درهما إِذا عوض الذَّهَب فِي ثمن مَبِيع حسب بِزِيَادَة خَمْسَة دَرَاهِم. وَأما الْقَمْح فَإِن الأردب بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما إِلَى مَا دونهَا فَيكون على حِسَاب الذَّهَب فِي غَايَة الرُّخص فَإِنَّهُ بِثُلثي مِثْقَال. والأردب من الشّعير والفول بِمِائَة دِرْهَم فَمَا دونهَا. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله السبت: فِيهِ تسلم الْأَمِير أسنبغا الزردكاش قلعة الكرك من الأميرين شيخ ونوروز فَوجدَ مَدِينَة الكرك خراباً لَيْسَ فِيهَا من أَهلهَا سوى خمسين إنْسَانا وَقد تشَتت أَهلهَا فِي الْبِلَاد من كَثْرَة الظُّلم وَشدَّة الْجور. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى دمشق وَنزل بدار السَّعَادَة على الْعَادة فَنُوديَ بالزينة فزين النَّاس حوانيتهم. وَفِي ثامنه: وصل الأميران شيخ نَائِب حلب ونوروز نَائِب طرابلس إِلَى دمشق وَنزلا بسطح المزة فَخرج الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَيْهِمَا وَسلم عَلَيْهِمَا وترحب بهما وَعَاد. وَكَانَ لما بلغه قدومهما خرج ليلقاها على قبَّة يلبغا فَبَلغهُ أَنَّهُمَا مضيا إِلَى المزة فَعَاد إِلَى دَار السَّعَادَة وتخفف من ثِيَابه وَركب إِلَيْهِمَا بِثِيَاب بذلته فَوجدَ الْأَمِير شيخ فِي أثْنَاء الطَّرِيق وَقد ركب إِلَيْهِ ليسلم عَلَيْهِ فَرجع مَعَه وَتوجه إِلَى الْأَمِير نوروز
فقضي حَقه من السَّلَام. ثمَّ جَاءَ إِلَى دَار السَّعَادَة فَركب الْأَمِير شيخ وأتى إِلَى الْبَلَد وَنزل بدار القرماني وَنزل الْأَمِير نوروز بدار فرج بن منجك بَعْدَمَا ركب إِلَى النَّائِب وَسلم عَلَيْهِ. وَفِي تاسعه: نزل السُّلْطَان بقطيا وسرح الطَّائِر إِلَى قلعة الْجَبَل بِأَنَّهُ يقدم يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره فتأهب النَّاس إِلَى لِقَائِه وَخَرجُوا إِلَيْهِ فَنزل بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء بتربة وَالِده السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر خَارج بَاب النَّصْر وخلع على الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء وَسَائِر أَرْبَاب الْوَظَائِف وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب وولاه حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن الدَّمِيرِيّ وخلع على مُحَمَّد بن النجار. وعزل ابْن الْهوى من حسبَة مصر وَقبض عَلَيْهِ ليحضر مَا خَلفه أَبوهُ من المَال. وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي سَابِع عشره: سَار الْأَمِير شيخ من دمشق إِلَى حلب بَعْدَمَا قضى أشغاله فَخرج الْأَمِير تغري بردى مَعَه ليوادعه حَتَّى نزل بسطح المزة ثمَّ خرج الْأَمِير نوروز فَنزل بالمزة أَيْضا واستقلا بِالْمَسِيرِ فِي غده وَكَانَ الْأَمِير شيخ قد بعث متسلمه إِلَى حلب وَهُوَ مَمْلُوكه قنباي فَقَدمهَا فِي ثَالِث عشره فَخرج الْأَمِير قرقماش ابْن أخي دمرداش من حلب وخيم بظاهرها ثمَّ سَار من غده يُرِيد صفد. وَفِي حادي عشرينه: خلع السُّلْطَان على زين الدّين حاجي التركماني الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر وَأحد أَئِمَّة السُّلْطَان وولاه مشيخة التربة الظَّاهِرِيَّة برقوق خَارج بَاب النَّصْر وعزل عَنْهَا صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود القيصري - الْمَعْرُوف بِابْن العجمي - من أجل أَنه ودع عِنْده قبل سَفَره عشرَة آلَاف دِينَار فأنفقها كلهَا فِي مأكل وملابس وَحج مِنْهَا فَقبض عَلَيْهِ السُّلْطَان وَطلب مِنْهُ المَال فَبَاعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأورد بعضه وَعجز عَن الْبَعْض فَتَركه لَهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: وصل الْأَمِير بكتمر جلق من الشَّام فَركب السُّلْطَان وتلقاه وَألبسهُ تَشْرِيفًا سنياً وخلع على الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش تَشْرِيفًا بِنَظَر المارستان المنصوري على الْعَادة وَعبر السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وهما بتشريفهما بَين يَدَيْهِ حَتَّى مر بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار برحبة بَاب الْعِيد نزل إِلَيْهَا وَصلى بهَا ثمَّ ركب مِنْهَا. وَذَلِكَ أَن جمال الدّين لما قتل فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقبض السُّلْطَان على أَمْوَاله حسن أعداؤه للسُّلْطَان أَن يهدم هَذِه الْمدرسَة وَيَأْخُذ رخامها فَإِنَّهُ فِي غَايَة الْحسن
ويسترجع الْأَمْلَاك والأراضي الْمَوْقُوفَة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تغل جملَة كَبِيرَة فعزم على ذَلِك وَلم يبْق إِلَّا أَن تهدم فَقَامَ فتح الله كَاتب السِّرّ فِي صرف السُّلْطَان عَن ذَلِك ومازال بِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ على أَنه ينْقض مَا وَقفه جمال الدّين ويجدد السُّلْطَان وَقفهَا فَتَصِير مدرسته وَذَلِكَ أَن مَكَان هَذِه الْمدرسَة كَانَ وَقفا على تربة فاستبدله جمال الدّين بِقِطْعَة أَرض من أَرَاضِي مصر الخراجية فَأخذ السُّلْطَان المستبدل بهَا وَقَالَ: إِنِّي لم أذن لَهُ فِي أَخذ هَذِه الأَرْض وَهِي من جملَة أَرَاضِي الْخراج وَإِنَّمَا أَخذهَا افتئاتا. فَصَارَت أَرض هَذِه الْمدرسَة وَقفا على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل بنائها. فَحكم قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي أَن الْبناء الْمَوْقُوف على هَذِه الأَرْض ملك لم يَصح وَقفه فَاشْترى السُّلْطَان عِنْد ذَلِك بِنَاء الْمدرسَة بَعْدَمَا قوم بمبلغ عشرَة آلَاف دِينَار من وَرَثَة جمال الدّين ثمَّ أشهد عَلَيْهِ أَنه وَقفه بَعْدَمَا عوض مستحقي أرْضهَا بدلهَا. وَحكم الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِصِحَّة الِاسْتِبْدَال. وَكتب لَهَا كتاب وقف على مَا كَانَ جمال الدّين قَرَّرَهُ فِيهَا من الْفُقَهَاء والقراء وَغَيرهم. وأبطل مَا كَانَ لأَوْلَاد جمال الدّين من الفائض بعد المصروف. ومزق كتاب وقف جمال الدّين وأفرد لهَذِهِ الْمدرسَة بعض مَا كَانَ جمال الدّين جعله وَقفا عَلَيْهَا وزادها قِطْعَة أَرض بأراضي الجيزية. وَفرق بَاقِي وقف جمال الدّين على التربة الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر وعَلى أَوْلَاده وَحكم الْقُضَاة الْأَرْبَعَة بِصِحَّة ذَلِك كُله وَإِبْطَال مَا عمله جمال الدّين. فَلَمَّا تمّ ذَلِك أَمر أَن يمحي اسْم جمال الدّين ورنكه من الْمدرسَة فمحي وَكتب بدله اسْم السُّلْطَان فَصَارَت تدعى بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية بَعْدَمَا كَانَ يُقَال لَهَا الجمالية. وَلما سَار السُّلْطَان من هَذِه الْمدرسَة مر بمدرسة أَبِيه فِي بَين القصرين فَنزل إِلَيْهَا أَيْضا وزار جده. ثمَّ ركب وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَعبر الْأَمِير تمرتاش إِلَى المارستان وَمَعَهُ فتح الله كَاتب السِّرّ وَقد ولاه السُّلْطَان أَيْضا نظر المارستان وَهُوَ بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ بعد وَفَاته فَنَظَرا فِي أمره وانصرفا وَقد استناب الْأَمِير تمرتاش عَنهُ فِي المارستان الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. شهر صفر أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سادسه: وصل الْأَمِير قرقماس نَائِب صفد إِلَى دمشق فأراح بهَا وَسَار إِلَى صفد بَعْدَمَا قدم لَهُ الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام مَا يَلِيق بِهِ وأكرمه غَايَة الْإِكْرَام. وَفِي ثَانِي عشره: عين السُّلْطَان اثْنَيْنِ وَعشْرين أَمِيرا من الْأُمَرَاء البطالين ليتوجهوا
إِلَى الشَّام على إقطاعات عينهَا لَهُم مِنْهُم الْأَمِير حزمان الحسني والأمير تمان تمر الناصري والأمير سونجبغا والأمير شادي خجا والأمير أرطوبغا والأمير قنباي الْأَشْقَر وَمَعَهُمْ مِائَتَا مَمْلُوك ليكر النَّائِب وَفِي ثَالِث عشره: قتل بسجن الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير جَانِبك القرمي والأمير أسندمر الْحَاجِب والأمير سودن البجاسي والأمير قنباي أَخُو بلاط. وَفِي حادي عشرينه: خلع على تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْوَزير الصاحب فَخر الدّين ماجد بن أبي شَاكر وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص وَلم يول السُّلْطَان فِيهَا بعد مجد الدّين بن الهيصم أحدا. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض السُّلْطَان على ثَلَاثَة أُمَرَاء من المقدمين وهم الْأَمِير قنباي رَأس نوبَة والأمير يشبك الموساوي الأفقم والأمير كمشبغا المزوق وَقبض على الْأَمِير منجك أَمِير عشْرين والأمير قنباي الصَّغِير ابْن بنت أُخْت الْملك الظَّاهِر برقوق أَمِير عشرَة وشاهين وَخير بك ومأمور وخشكلدي وحملوا فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا ورسم للأمير تمراز الناصري أَن يكون طرخانا لَا يحضر الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَيُقِيم بداره وَيتَوَجَّهُ إِلَى دمياط وَعين وَفِي سَابِع عشرينه: ورد كتاب الْملك مانويل صَاحب إصطبول وَهِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة وهدية خمس كواهي فتضمن كِتَابه مَا عِنْده من الْمحبَّة وَيسْأل الْوَصِيَّة بالنصارى ومراعاة كنائسهم وَنَحْو ذَلِك. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الْأَمِير سنقر الرُّومِي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير عوضا عَن قنباي. وَفِي سلخه: انْقَطع الْأَمِير طوغان الدوادار عَن الطُّلُوع إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بقلعة الْجَبَل على الْعَادة خوفًا على نَفسه فَإِنَّهُ وشى بِهِ مملوكان من مماليكه ومملوك من مماليك السُّلْطَان أَنه يُرِيد الرّكُوب على السُّلْطَان ومحاربته فَأرْسل السُّلْطَان إِلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش والأمير يلبغا الناصري حَاجِب الْحجاب ليحضراه فَمَا زَالا بِهِ حَتَّى صعد مَعَهُمَا إِلَى القلعة فآل الْأَمر بعد كَلَام كثير إِلَى أَن خلع عَلَيْهِ وَسلم لَهُ غرماؤه فِي الْحَدِيد.
وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتهى الطَّاعُون الَّذِي ابْتَدَأَ فِي الْبِلَاد الشامية من شَوَّال فأحصي من مَاتَ من أهل دمشق وسكان غوطتها فَكَانُوا نَحْو خمسين ألفا سوى من لم يعرف فخلت عدَّة من الْقرى وَبقيت الزروع قَائِمَة لَا تَجِد من يحصدها. شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ قدم الْأَمِير أينال الساقي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي رابعه: أخرج الْأَمِير تمراز الناصري والأمير شرباش كباشة إِلَى دمياط منفيين. وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك الخاصكية مِنْهُم جَان بك العثماني وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الأميرين شيخ ونوروز لم يمضيا حكم المناشير السُّلْطَانِيَّة وأنهما أخرجَا إقطاعات حلب وطرابلس لجماعتهما وَأَن الْأَمِير شيخ سير يشبك العثماني لمحاصرة قلعة البيرة وقلعة الرّوم وَأَنه خرج من حلب وَخرج نوروز من طرابلس وَأَن عزمهما الْعود على مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْخُرُوج عَن الطَّاعَة. وَقدم الْخَبَر بِأَن جلبي بن أبي يزِيد بن عُثْمَان - صَاحب برصا - قتل أَخَاهُ سلمَان وَأخذ جَمِيع بِلَاده وَهُوَ عازم على الْمسير إِلَى أَخِيه كرشجي. وَفِي خامسه: قبض السُّلْطَان على جمَاعه من كبار مماليك أَبِيه الخاصكية وسجنهم بالبرج ثمَّ قَتلهمْ بعد شهر. وَفِي سابعه: قبض على الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة وَهُوَ يَوْمئِذٍ أحد أُمَرَاء الألوف بديار مصر وَقبض على عدَّة من المماليك وَحَملهمْ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَفِيه قدم الْخَبَر بقتل الْأَمِير قرا يشبك والأمير أقبغا جركس والأمير أسندمر الناصري والأمير سودن
الْحِمصِي بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي عشرينه: قدم سودن الجلب من بِلَاد الشرق إِلَى حلب فسيره الْأَمِير شيخ إِلَى الْأَمِير نوروز. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نوروز بعث عسكراً لحصار قلعة الأكراد.
فِي ثَانِيه: خلع على الْأَمِير أسنبغا الزركاش أحد أُمَرَاء الأولوف وَزوج أُخْت السُّلْطَان وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه عوضا عَن الْأَمِير سودن الْأَشْقَر. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن أبي الْفرج كاشف الْوَجْه البحري وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم بعد عَزله وَالْقَبْض عَلَيْهِ وتسليمه وحواشيه وأسبابه لَهُ مَعَ إِيقَاع الحوطة على بيوته وحواصله. وَفِي ثامن عشره: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان وعدى النّيل إِلَى المقياس حَتَّى خلق بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على عَادَته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْخَبَر بِأَن قرا يُوسُف سَار وَنزل على بِلَاد قرايلك وَحصر آمد ففر قرايلك إِلَى جِهَة الأطاغ وَأَن عَسَاكِر قرا يُوسُف تَفَرَّقت على قلاع قرايلك وَسَار ابْنه على عَسْكَر كَبِير إِلَى ماردين وَأَن الْحَرْب امتدت بَين قرا يُوسُف وقرايلك مُدَّة اثْنَيْنِ يَوْمًا قتل بَينهمَا خلائق كَثِيرَة فَبَيْنَمَا هم فِي ذَلِك إِذْ قدم الْخَبَر على قرا يُوسُف بِأَن ابْن تيمورلنك نزل على توريز فَرَحل من وقته وَترك أثقاله فَركب قرايلك فِي أَثَره وَأخذ مِنْهُ جمَاعَة وَمضى إِلَى أرزنكان ليخرب بلادها كَمَا خرب قرا يُوسُف بِلَاده وَأَن نَائِب عينتاب كبس أكراد قلعة الرّوم وَقَاتلهمْ فَقبض عَلَيْهِ طوغان نَائِب قلعة الرّوم واعتقله بهَا وَأَن كردِي بن كندر ركب على نَائِب إنطاكية وَأَخذه وَمضى بِهِ وَأَن الْأَمِير نوروز نَائِب طرابلس نزل على قلعة صهيون وحاصرها أَيَّامًا حَتَّى صَالحه أَهلهَا على مَال ثمَّ رَحل وَعَاد إِلَى طرابلس وَأَن الْأَمِير شيخ نَائِب حلب قبض على المماليك الَّذين فروا من الكرك وَأَنه مَشى هُوَ والأمير نوروز على الْأَمِير الْعجل بن نعير فتركهم وَتوجه إِلَى الرحبة من غير لِقَاء
فَعَاد الْأَمِير شيخ وَنزل على سرمين وَعَاد الْأَمِير نوروز وَنزل على جبلة وَأَن الْأَمِير شيخ مَا زَالَ حَتَّى أفرج عَن نَائِب عنتاب وَأَن نَائِب صهيون قبض على نَائِب اللاذقية وَقَتله. وَأَن ابْن أوزر التركماني حصر إنطاكية وَأخذ الْأَمِير جَانِبك نائبها واعتقله. وَأَن الْأَمِير الْعجل بن نعير استولى على بلد عانة فَبعث إِلَيْهِ قرا يُوسُف عسكراً فَكَسرهُ وَمضى إِلَى الأنبار فَرَحل من بَغْدَاد من التركمان خوفًا مِنْهُ فَبعث إِلَيْهِم وَطيب قُلُوبهم وَكَانُوا فِي اخْتِلَاف شَدِيد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ضربت الحوطة على قرايب الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار فَأمْسك ابْنه الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد وأخواه القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد وناصر الدّين وابنا أُخْته الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد الْحَاجِب وَحَمْزَة وَزوج ابْنة أَخِيه شرف الدّين أَبُو بكر بن العجمي وعوقبوا عقوبات شَدِيدَة وألزموا بأموال كَثِيرَة. فَمَاتَ نَاصِر الدّين أَخُو جمال الدّين فِي الْعقُوبَة بعد مَا وَفِيه وَردت من طَائِفَة الفرنج الكيتلانية والجنوية جمَاعَة إِلَى ميناء الْإسْكَنْدَريَّة واقتتلوا فخاف أهل الْإسْكَنْدَريَّة وظنوا أَنَّهَا مكيدة فَلَمَّا تَمَادى الشَّرّ بَينهم وَبَلغت عدَّة قتلاهم نَحْو الْأَلفَيْنِ اطمأنوا قَلِيلا وَكَانَ من الجنويين رجل من العتاة المفسدين - يعرف بالبسقاوني - قد أسرته الكيتلانية فأسلموه للسُّلْطَان وَحمل فِي الْحَدِيد إِلَى قلعة الْجَبَل فَالْزَمْ بِمِائَة وَخمسين ألف دِينَار فَذكر أَن مَاله بيد الجنويين فَطلب مِنْهُم ذَلِك فَأَبَوا أَن يعطوه شَيْئا فَقبض على تجارهم بالإسكندرية فغضبوا وَسَارُوا بمراكبهم إِلَى الطينة فَسبوا نسَاء أَهلهَا وبنيهم بعد وقْعَة كَانَت لَهُم مَعَ الْمُسلمين فَخرجت طَائِفَة من دمياط لنجدتهم فاستشهد مِنْهُم فَقير مُعْتَقد يعرف بمحيي الدّين فِي نفرين من فقرائه وَأخذ الفرنج مَا كَانَ بالطينة من مَال أَهلهَا وأموال التُّجَّار وَسَارُوا. وَصَالح السُّلْطَان البساقي بستين ألف دِينَار. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت:
فِيهِ أَمر السُّلْطَان بهدم مدرسة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد ابْن قلاوون الَّتِي تجاه الطبلخاناه فَوَقع الْهدم فِيهَا وَكَانَت من أعظم بِنَاء رَأَيْنَاهُ وَعمر بأحجارها فِي مَوَاضِع بالقلعة وَأمر أَيْضا بهدم الدّور الَّتِي كَانَت ملاصقة لسور القلعة مَا بَين الصوة وَتَحْت الطبلخاناه إِلَى قريب بَاب القرافة فهدمت وَصَارَت خرابا موحشة وتشتت سكانها وتمزقوا وألسنتهم وَفِي ثَانِيه: ختم على جَمِيع حواصل الْقَاهِرَة الَّتِي يتَوَهَّم أَن فِيهَا فُلُوسًا لتؤخذ فَلَمَّا كَانَ فِي رَابِع عشرينه رسم لقَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم الْحَنْبَلِيّ أَن يتَوَجَّه مَعَ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الطبلاوي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة وَبَعض ممالك السُّلْطَان وَعبد الرَّحْمَن بن فَيْرُوز الصَّيْرَفِي إِلَى الحواصل الْمَخْتُوم عَلَيْهَا وَأخذ مَا فِيهَا من الْفُلُوس وتعويض أَرْبَابهَا عَن ذَلِك ذَهَبا ناصرياً من حِسَاب كل دِينَار بِمِائَتي دِرْهَم وَكَانَ صرفه يَوْمئِذٍ بِمِائَة وَتِسْعين. فَمَضَوْا لذَلِك وفتحوا الحواصل فِي غيبَة أَرْبَابهَا وَأخذُوا نَحْو خَمْسمِائَة قفة فُلُوسًا كل قفة سِتّمائَة دِرْهَم بِثَلَاثَة دَنَانِير ناصرية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشتدت الْعقُوبَة على أقَارِب الْأَمِير جمال الدّين الأستادار ثمَّ خنق أَحْمد ابْن أُخْته وَأحمد ابْنه وَحَمْزَة بن أُخْته فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أخذت عَسَاكِر قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد بَغْدَاد بعد حصارها نَحْو عشرَة أشهر وهم بِبَغْدَاد يشيعون أَن السُّلْطَان أَحْمد بن أويس قد وصل إِلَيْهِم مختفياً وتبرز المراسيم عَن أمره ويخرجونه أَحْيَانًا فيكبسون عَسْكَر قرا يُوسُف وَيَأْخُذُونَ مَا قدرُوا عَلَيْهِ ثمَّ أشاعوا خُرُوجه غَدا وزينوا الْمَدِينَة. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل اجْتمع عَسْكَرهمْ وَسَارُوا نَحْو تستر بأجمعهم فَدَخلَهَا أَصْحَاب قرا يُوسُف مَعَ وَلَده شاه مُحَمَّد ونهبوها وَقتلُوا بهَا جمَاعَة. واستمرت بَغْدَاد وَفِيه كتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير شيخ يعتبه على مَا وَقع مِنْهُ ويحذره ويخوفه ويأمره أَن يُجهز إِلَيْهِ يشبك العثماني وَبرد بك وقنباي الخازندار محتفظاً بهم وَيُرْسل سودن الجلب إِلَى دمشق أَو صفد ليَكُون من جملَة الْأُمَرَاء بهَا. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي أَوله: قدم كتاب السُّلْطَان إِلَى دمشق بعمارة القلعة وَالْمَدينَة فَنُوديَ بذلك. وَفِي رابعه: وصل إِلَى دمشق حَرِيم الْأَمِير تغري بردى وَأَوْلَاده من الْقَاهِرَة وَفِي هَذَا الشَّهْر فَارق الْأَمِير برد بك - نَائِب حماة - الْأَمِير نوروز وَسَار عَنهُ من طرابلس فَقدم دمشق فَأكْرمه الْأَمِير تغري بردى وَكتب يعلم السُّلْطَان بِهِ.
وَفِيه تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بِأَن الأميرين شيخ ونوروز قد الفقا على الْخُرُوج عَن طَاعَة السُّلْطَان وعزما على أَخذ حماة فَوَقع الشُّرُوع فِي عمَارَة قلعة دمشق وَكتب تَقْدِير المصروف على ذَلِك مبلغ ثَلَاثِينَ ألف فِي ينار. وَفِيه وَقع الاهتمام فِي بِلَاد الشَّام بتجهيز الإقامات للسُّلْطَان فَإِنَّهُ عزم على السّفر. وَفِيه شنعت المصادرات بِالْقَاهِرَةِ وفحش أَخذ الْأَمْوَال من النَّاس حَتَّى خَافَ البريء وتوقع كل أحد أَن يحل بِهِ الْبلَاء من الْأَمِير فَخر الدّين الأستادار. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم وخلع عَلَيْهِ خلعة الرِّضَا فاستماله الْأَمِير فَخر الدّين إِلَيْهِ وعزما على أَن يتحدثا مَعَ السُّلْطَان فِي تسليمهما الْوَزير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشيري والرئيس تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر نَاظر الْخَاص بِمَال يقومان بِهِ فِي نَظِير مَا عساه يُؤْخَذ مِنْهُمَا بأنواع الْعُقُوبَات. فَلَمَّا بلغهما ذَلِك بادرا واتفقا مَعَ السُّلْطَان وأرضياه بِمَال جزيل فَقبض على الْأَمِير فَخر الدّين وعَلى الْأَمِير تَاج الدّين فِي عصر يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه على حِين غَفلَة وسلمهما للوزير سعد الدّين ففوجئ النَّاس من السرُور مَا لَا يعبر عَنهُ وأظهروا من الْفَرح شَيْئا زَائِدا. وَنزل الْوَزير بِابْن أبي الْفرج مَعَه إِلَى دَاره وَأذن لَهُ فِي عُقُوبَته فَلم يدع نوعا من أَنْوَاع الْعَذَاب حَتَّى عاقبه بِهِ فَلم يعْتَرف بِشَيْء وَوجد لَهُ نَحْو سِتَّة آلَاف دِينَار وجرار كَثِيرَة قد ملئت خمرًا فطرحت كل جرة بِمِائَة دِرْهَم على باعة الْخمر فَكَانَ هَذَا من أقبح مَا سمع بِهِ. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ شرع الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الأشقتمري الأستادار بِدِمَشْق فِي تَقْرِير الشّعير على بساتين دمشق وضياعها كَمَا فعل فِيمَا مضى. وَفِيه رجم رجل تركماني تَحت قلعة دمشق أقرّ بِالزِّنَا وَكَانَ رجمه بَعْدَمَا كتف وأقعد فِي حُفْرَة. وَمَا زَالَ يرْجم حَتَّى مَاتَ. ثمَّ غسل وَصلى عَلَيْهِ وَدفن. وَفِي هَذَا الشَّهْر خرج السُّلْطَان للصَّيْد فَبَاتَ لَيْلَة وعزم على مبيت لَيْلَة أُخْرَى بِنَاحِيَة سرياقوس فَبَلغهُ أَن طَائِفَة من الْأُمَرَاء والمماليك اتَّفقُوا عَلَيْهِ فَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل سَرِيعا وتتبع مَا قيل لَهُ حَتَّى ظفر بمملوكين عِنْدهمَا الْخَبَر فعوقبا فِي ثامن عشره فاظهرا ورقة فِيهَا خطوط جمَاعَة وَكَبِيرهمْ الْأَمِير جانم. وَكَانَ جانم قد سَافر
إِلَى منية ابْن سلسيل من الغربية وَهِي من جملَة إقطاعه فكثرت القالة بِالْقَاهِرَةِ وَخرج الْأَمِير طوغان الدوادار والأمير بكتمر جلق لإحضار الْأَمِير جانم فِي يَوْم السبت عشرينه. على أَن الْأَمِير طوغان يلقاه والأمير بكنمر يمسك عَلَيْهِ الطَّرِيق وَقبض السُّلْطَان على جمَاعَة من الْأُمَرَاء والمماليك مِنْهُم الْأَمِير عَاقل والأمير سودن الأبايزيدي وَقدم طوغان على جانم فاقتتلا فِي الْبر ثمَّ فِي المراكب على ظهر النّيل قتالاً شَدِيدا تعين فِيهِ طوغان فألقي جانم نَفسه فِي المَاء لينجو فَرَمَاهُ أَصْحَاب طوغان بِالسِّهَامِ حَتَّى هلك فَقطع رَأسه فِي ثَانِي عشرينه وَقدم بِهِ فِي رَابِع عشرينه. وَكَانَ السُّلْطَان قد قبض فِي ثَانِي عشرينه على الْأَمِير أينال الصصلاني الْحَاجِب والأمير أرغز والأمير سودن الظريف وعَلى جمَاعَة من المماليك. وَقبض فِي ثَالِث عشرينه على الْأَمِير سودن الأسندمري أحد أُمَرَاء الألوف وأمير أخور ثَانِي وعَلى الْأَمِير شرباش الْعمريّ رَأس نوبَة وَأحد أُمَرَاء الألوف. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض على جمَاعَة من أكَابِر مماليك أَبِيه ووسط خَمْسَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير منكلي أستادار الْأَمِير جركس الخليلي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نوروز نَائِب طرابلس توجه مِنْهَا إِلَى حصن الأكراد وحاصرها. وَأَن الْأَمِير شيخ كتب إِلَيْهِ أَنه اتّفق مَعَ جمَاعَة من قلعة حلب على أَن يسلموها لَهُ وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يرجع إِلَى طرابلس يحصل قلعة حلب بِيَدِهِ وَأَن الِاتِّفَاق وَقع بَينهمَا على أَن يجهزا سودن الجلب على ثَلَاثمِائَة فَارس ليَأْخُذ حماة وَأَن الْأَمِير شيخ أرسل إِلَى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر يعرض عَلَيْهِ نِيَابَة عينتاب فَلم يقبل ذَلِك وَأَنه خرج من حلب يُرِيد العمق فنزله سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَجمع عَلَيْهِ طَائِفَة التركمان البياضية وَابْن سقل سيز ابْن صَاحب الباز وَغَيرهم من التركمان وَالْعرب وَأَنه أوقع بعمر بن كندر فِي ثَالِث رَجَب ثمَّ قَاتل التركمان فِي سابعه فكسرهم وَأسر مِنْهُم جمَاعَة. وَأَنه بعث أَحْمد الجنكي أحد ندمائه بهدية إِلَى قرا يُوسُف وَأَن نوروز بعث إِلَيْهِ بهدية أُخْرَى صُحْبَة بهلوان من أَصْحَابه. وَفِيه كتب إِلَى الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام بِالْقَبْضِ على الْأَمِير يشبك بن أزدمر والأمير أينال الخازندار والأمير برد بك الخازندار والأمير برد بك أخي طولو والأمير سودن من إخْوَة يشبك والأمير تنبك من إخْوَة يشبك والفحص عَن الْأَمِير نكباي
الْحَاجِب فَإِن وَحده من جملَة الْمُخَالفين فليقبض عَلَيْهِ، ويعتقلهم، وينعم على الْأَمِير تمراز بالإمرة الْكُبْرَى بِدِمَشْق. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء مستهله: ذبح السُّلْطَان عشْرين رجلا مِمَّن قبض عَلَيْهِم من المماليك. ووسط فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَلَاثَة عشر رجلا تَحت القلعة مِنْهُم الْأَمِير حزمان نَائِب الْقُدس وَأحد أُمَرَاء العشرات والأمير عَاقل والأمير أرغز أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق والأمير سودن الظريف والأمير مغلباي وَمُحَمّد بن الْأَمِير قجماس ابْن عَم الْملك الظَّاهِر. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِيه: قتل السُّلْطَان بالقلعة زِيَادَة على مائَة من أكَابِر الجراكسة وعتاتهم وَركب السُّلْطَان سحر يَوْم الْخَمِيس للصَّيْد بِنَاحِيَة بهتيت من الضواحي. وَتقدم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة أَن يقتل عشرَة من المماليك لتخلفهم عَن الرّكُوب مَعَه فَقتلُوا. وَعَاد السُّلْطَان من الصَّيْد فَمر بشارع الْقَاهِرَة فِي دون الْمِائَة فَارس وَعَلِيهِ ثِيَاب جُلُوسه وَهُوَ ثمل لَا يكَاد يثبت على فرسه حَتَّى صعد القلعة نصف النَّهَار وَلم يعرف قطّ بِمصْر ملك شقّ الْقَاهِرَة بِثِيَاب جُلُوسه قبل هَذَا. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: عزم السُّلْطَان على شرب دَوَاء مسهل وَبعث رَئِيس الْأَطِبَّاء علم الدّين سُلَيْمَان بن جنيبة إِلَى الْأُمَرَاء يعلمهُمْ بذلك فتهيئوا بأجمعهم لتجهيز التقادم فِي غده وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد فِي حملهَا على مقاديرهم فَحمل الْوَزير مبلغ ألفي دِينَار وَأَرْبَعمِائَة طَائِر من الدَّجَاج وَمِائَة طَائِر إوز وقنطارين سكرا مكرواً وفواكه وحلوى وَغير ذَلِك. وَحمل نَاظر الْخَاص وَغَيره حَتَّى محتسب الْقَاهِرَة وَاسْتمرّ هَذَا عَادَة فِي كل سنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ مرض الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام فَكتب إِلَى الْأَمِير قرقماس نَائِب صفد بالحضور فَتوجه إِلَى دمشق وَكَانَ خبر قتل جانم قد اشْتهر بِدِمَشْق فتخيل الْأَمِير يشبك بن أزدمر وَخَافَ على نَفسه وعزم أَن يثور بِجَمَاعَة ثمَّ ركب وَخرج من الْبَلَد فِي سابعه فَقدم نَائِب صفد إِلَى دمشق فِي تاسعه فَقبض فِيهِ على جمَاعَة مِنْهُم تمراز الْأَعْوَر وأينال الخازندار وخشكلدي وسودن وأزدمر فماج النَّاس. ثمَّ حمل تمراز الأعوار وَبرد بك الخازندار وجركس التنمي وأزدمر إِلَى
قلعة الصبيبة فسجنوا بهَا فِي عاشره وَقبض على تغري برمش دوادار بن أزدمر وسجن. وَأما ابْن أزدمر فَإِنَّهُ لحق بنوروز وَقد اجْتمع مَعَ الْأَمِير شيخ فِي نَاحيَة التركمان فَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى بَلَده وأخذا فِي إِظْهَار الْخلاف. وَفِي عشرينه: قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير نكباي الْحَاجِب وَحمل إِلَى الصبيبة فسجن بقلعتها. وَكثر الإرجاف بِدِمَشْق أَن الْأَمِير شيخ قد عزم على أَخذهَا فاستعد الْعَسْكَر وحصنت القلعة وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان وَأَن يعجل بتجهيز ألف فَارس نجدة لِئَلَّا يطْرق الْأَمِير شيخ دمشق وَيُشِير عَلَيْهِ الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام بِأَن يحضر بِنَفسِهِ إِلَى دمشق: فَأُجِيب بتجهيز الإقامات وَأَنه عزم على السّفر فَاشْتَدَّ الطّلب بِدِمَشْق على النَّاس وألزموا بِالشَّعِيرِ وَغَيره. وَفِيه كَانَت فتْنَة بَين كرشجي بن أبي يزِيد بن مُرَاد بن أورخان بن عُثْمَان جق وَبَين أَخِيه مُوسَى جلبي فانكسر فِيهَا مُحَمَّد كرشجي من أَخِيه مُوسَى جلبي على قسطنطينية. وَفِيه نزل قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد متملك تويز وبغداد على قرا بَاغ ليشتي بهَا فَوَقع فِي عسكره فنَاء عَظِيم. وَفِيه نهب الْأَمِير عُثْمَان قرا يلك بن طور على بِلَاد قرا يُوسُف وَنهب بلد سنجار وَأخذ قفل الْموصل وأوقع بالأكراد وَأسر عدَّة من أَمْوَالهم حَتَّى افْتَدَوْا مِنْهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَألف رَأس من الْغنم وَعشرَة أَفْرَاس فَبعث قرا يُوسُف إِلَيْهِ فِي الصُّلْح فَامْتنعَ من ذَلِك. وَفِيه أجتمع أَصْحَاب تيمورلنك على حَرْب قرا يُوسُف وقصدوا مَدِينَة توريز. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: فِيهِ نُودي بِالْقَاهِرَةِ لجَمِيع المماليك بالأمان وَأَنَّهُمْ عُتَقَاء شهر رَمَضَان فَظهر مِنْهُم جمَاعَة فَأمنُوا. وتتابع بَقِيَّتهمْ حَتَّى ظهر قريب من ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا فِي عدَّة أَيَّام فوعدوا بِخَير وَأَن يُعْطوا الْخَيل. ورسم لَهُم بِيَوْم يَجْتَمعُونَ فِيهِ لأخذ خيولهم فاغتروا وحضروا فَقبض عَلَيْهِم كلهم وحبسوا وتتبع الممالك السُّلْطَانِيَّة وَجلسَ السُّلْطَان لتفريق
القرقلات برسم الرَّسْم عَلَيْهِم فَقبض على جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم وسجنهم فَمَا انْقَضى شهر رَمَضَان حَتَّى زَادَت عدَّة المسجونين من المماليك السُّلْطَانِيَّة على أَرْبَعمِائَة رجل. وَفِي رابعه: أبل الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام من مَرضه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تَأَكد عِنْد السُّلْطَان خُرُوج الأميرين شيخ ونوروز عَن طَاعَته وأنهما عزما على أَخذ دمشق وَأَن سودن الجلب ويشبك بن أزدمر سعيا فِي ذَلِك وَأَن الْأَمِير نوروز قتل أقسنقر الْحَاجِب وَأَن الْأَمِير شيخ بعث فِي رابعه إِلَى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر خلعة وبدلة قماش كَامِلَة - حَتَّى السَّرَاوِيل - برسم لِبَاسه وبدلة نسائية كَامِلَة برسم امْرَأَته وَذَلِكَ بَعْدَمَا بعث الْأَمِير شيخ يشبك الساقي وجقمق الدوادار إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيه على باك بن دلغادر يستدعيهما ليحضرا إِلَى عينتاب فامتنعا من ذَلِك وأعادا قاصديه ثمَّ أَنَّهُمَا اخْتلفَا فَمضى على باك إِلَى جِهَة بِلَاد الرّوم فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير شيخ أعَاد يشبك الساقي وَمَعَهُ تتر إِلَى مُحَمَّد بن دلغادر لقيَاهُ بأبلستين وَمَا زَالا بِهِ حَتَّى سَار مَعَهُمَا إِلَى عينتاب فقدموها فِي حادي عشره وَنزل بهَا مُحَمَّد ابْن دلغادر حَتَّى أَتَتْهُ الخلعة والبدلتان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توجه الْأَمِير شيخ بِمن مَعَه إِلَى قلعة نجمة وعدى الْفُرَات ليوقع بالعربان فغرق جمَاعَة من أَصْحَابه فَعَاد وَجمع النجارين وَأَنْشَأَ بِنَاحِيَة الْبَاب - قَرِيبا من حلب - مركبا وَحمله إِلَى قلعة نجمة فَكَانَ طوله اثْنَتَيْنِ وَعشْرين خطْوَة وَهُوَ محمل خمسين رجلا. فَجهز إِلَيْهِ الْأَمِير مبارك شاه نَائِب قلعة الرّوم ثَلَاثِينَ فَارِسًا لإحراقه. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثالثه: ذبح السُّلْطَان من مماليك أَبِيه الَّذين فِي الاعتقال مائَة رجل وسحبوا ثمَّ ألقوا من سور القلعة إِلَى الأَرْض ورموا فِي جب مِمَّا يَلِي القرافة. وَاسْتمرّ الذّبْح فيهم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عاشره: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى نَاحيَة وسيم وَبَات بهَا ورحل سحرًا يُرِيد الْإسْكَنْدَريَّة بَعْدَمَا نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَلا يتَأَخَّر أحد من المماليك السُّلْطَانِيَّة فِي الْقَاهِرَة وَأَن يعدوا إِلَى بر الجيزة فعدوا بأجمعهم فَمنهمْ من أمره بِالسَّفرِ فِي خدمته وَمِنْهُم من أمره بِالسَّفرِ فِي خدمته وَمِنْهُم من أبره بِالْإِقَامَةِ. وَبعث الْأَمِير طوغان
الدودار والأمير جَانِبك الصُّوفِي والأمير سودن الْأَشْقَر والأمير يلبغا الناصري فِي
عدَّة من المماليك إِلَى عدَّة جِهَات من أَرض مصر لأخذ الأغنام والخيول وَالْجمال حَيْثُ وجدت فَشُنُّوا الغارات على النواحي وَمَا عفوا وَلَا كفوا. وَسَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدَخلَهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره وَقد قدم عَلَيْهِ مَشَايِخ الْبحيرَة بِنَاحِيَة تروجة وَمَعَهُمْ تقادمهم فَخلع عَلَيْهِم ثمَّ أمسكهم وساقهم فِي الْحَدِيد واحتط على أَمْوَالهم ففر باقيهم إِلَى جِهَة برقة وَقدم الْأُمَرَاء وَقد ساقوا عشرات آلَاف من الْغنم الَّتِي انتهبوها من النواحي وَقد تلف كثير مِنْهَا فسيقت
إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمْوَال وَالْجمال والجاموس وَالْخَيْل. ورسم السُّلْطَان أَن يُؤْخَذ من تجار المغاربة الْعشْر وَكَانَ يُؤْخَذ مِنْهُم الثُّلُث فَشكر لَهُ هَذَا. ثمَّ خرج السُّلْطَان من الْإسْكَنْدَريَّة عَائِدًا إِلَى الْقَاهِرَة فَترك نَاحيَة وسيم فِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه وَأقَام على مرابط خيوله. وَكَانَ الْوَقْت شتاء وَهِي مرتبطة على البرسيم الْأَخْضَر. وَفِيه أضيف إِلَى الْأَمِير قتلوبغا الخليلي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة كشف الْوَجْه البحري وَلبس التشريف الَّذِي جهز إِلَيْهِ من السُّلْطَان. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير خير بك - نَائِب غَزَّة - بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: غلا الزَّيْت الْحَار حَتَّى بيع بِتِسْعَة دَرَاهِم الرطل بِسعْر الزَّيْت الزَّيْتُون وَلم يعْهَد ذَلِك قطّ. وَفِيه بلغ المثقال الذَّهَب إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم وَالدِّينَار الناصري إِلَى مِائَتي دِرْهَم. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني الشَّافِعِي وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ وسجن بقلعة دمشق فِي سَابِع عشره بمرسوم السُّلْطَان. وَفِيه قدم كتاب الْأَمِير نوروز على يَد فَقِيه يُقَال لَهُ سعد الدّين ومملوك اسْمه قنغر ومحضر شهد فِيهِ من أهل طرابلس ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا مَا بَين قَاضِي وفقيه وتاجر بِأَنَّهُ لم يظْهر مِنْهُ مُنْذُ قدم طرابلس إِلَّا الْإِحْسَان للرعية والتمسك بِطَاعَة السُّلْطَان وامتثال مراسيه وَأَن أهل طرابلس كَانُوا قد نزحو مِنْهَا فِي أَيَّام جانم لما نزل بهم من الضَّرَر فعادوا إِلَيْهَا. وَأَنه كلما ورد عَلَيْهِ مِثَال سلطاني يتَكَرَّر مِنْهُ تَقْبِيل الأَرْض أَمَامه وَأَنه حلف بِحَضْرَة من يضع خطه فِيهِ بالأيمان الْمُغَلَّظَة الجامعة لمعاني الْحلف أَنه مُقيم على الطَّاعَة متمسك بالعهد واليمن الَّتِي حَلفهَا للسُّلْطَان بالكرك لم يحل ذَلِك وَلَا يخرج عَنهُ وَنَحْو ذَلِك. فَلم يغتر السُّلْطَان بِهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل على دمياط فِي ثَانِي عشرينه أَرْبَعَة أغربة وبيونيين تحمل عدَّة من الفرنج فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ على بر الطينة قتالاً كَبِيرا جرح فِيهِ جمَاعَة من الْمُسلمين وَقتلت خيولهم. فَمضى الفرنج فِي آخر النَّهَار إِلَى بر الطينة الْقَدِيمَة ونهبوا مَا
كَانَ هُنَاكَ وَأتوا من الْغَد إِلَى حَيْثُ كَانُوا فَقَاتلُوا الْمُسلمين مرّة ثَانِيَة قتالاً كثيرا وعادوا إِلَى مراكبهم. فَقدم فِي الْحَال غراب من أغربة الْمُسلمين فأحاط بِهِ الفرنج فَلم يثبت من كَانَ فِي الْغُرَاب وألقوا أنفسهم فِي المَاء وخلصوا إِلَى الْبر - وَكَانُوا قَرِيبا مِنْهُ - ثمَّ مضوا إِلَى دمياط. فتكاثر الْمُسلمُونَ على الفرنج وَأخذُوا مِنْهُم غراب الْمُسلمين بعد قتال شَدِيد وَقتلُوا مِنْهُم إفرنجيين وَأخذُوا سِلَاحا فَانْهَزَمَ بَقِيَّتهمْ وَحمل الرأسان وَالسِّلَاح إِلَى السُّلْطَان. وَفِيه وصلت سَرِيَّة مبارك شاه نَائِب قلعة الرّوم إِلَى قلعة نجمة تُرِيدُ إحراق الْمركب الَّذِي أنشأه الْأَمِير شيخ فدفعهم أَصْحَابه عَنهُ وعادوا خائبين. فَبعث عسكرا عدته مائَة فَارس فِي سادس عشره فَقَاتلُوا أَصْحَاب الْأَمِير شيخ قتالاً شَدِيدا حَتَّى أثخنوا جراحهم وأحرقوا الْمركب حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْء وغرقوا مركبا صَغِيرا يحمل فارسين. وَفِيه عَاد إِلَى الْأَمِير شيخ رَسُوله المجهز إِلَى قرا يُوسُف وصحبته فاختبط النَّاس وغلقت حوانيت الباعة كِتَابه على يَد قاصده. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: عدى السُّلْطَان النّيل وَصعد قلعة الْجَبَل. وَفِي سادس عشره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن تكون الْفُلُوس بِاثْنَيْ عشر درهما الرطل فَلم يقدر على الْخبز وَلَا غَيره فَغَضب السُّلْطَان غَضبا شَدِيدا وهم أَن يركب مماليكه الجلبان فتضع السَّيْف فِي النَّاس وَتحرق جَمِيع الْأَسْوَاق مِمَّا زَالَ بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى كف عَن ذَلِك وَأمر فَقبض على جمَاعَة وضربوا بالمقارع. وَفِي سَابِع عشره: شنق رجل وَأشيع أَنه قتل بِسَبَب الْفُلُوس. وَفِيه قتل بسجن الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير شرباش الْعمريّ والأمير خشكلدي ودفنا بالثغر. وَفِيه قبض على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي كاشف الشرقية وعَلى الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم وعَلى الْحِجَازِي نقيب الْجَيْش وسلموا للوزير سعد بن البشيري. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر زين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْهوى فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل بن شعْبَان. وَفِي رَابِع عشرينه: أنْفق السُّلْطَان على المماليك نَفَقَة للسَّفر لكل نفر سبعين دِينَارا
ناصرياً ومبلغ سِتَّة آلَاف دِرْهَم حسابا عَن كل قِنْطَار بِأَلف ومائتي دِرْهَم وَبعث إِلَى الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش المحمدي ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَلكُل من أُمَرَاء الألوف ألفي دِينَار ولأمراء الطبلخاناه مَا بَين سَبْعمِائة دِينَار وسِتمِائَة دِينَار وَخَمْسمِائة دِينَار بِحَسب رتبهم. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشرينه: ضرب السُّلْطَان عنق الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن الطبلاوي بِيَدِهِ. وَقتل السُّلْطَان امْرَأَته - ابْنة الْأَمِير صروق - فَإِنَّهُ وشى بهَا أَنَّهَا تَأتي ابْن الطبلاوي هَذَا فِي منزله وَأمر بهما فلفا فِي لِحَاف ودفنا مَعًا فِي قبر وَاحِد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: هَذَا خرج الْأَمِير بكنمر حلق رَأس نوبَة النوب والأمير طوغان الحسني الدوادار والأمير شاهين الأفرم أَمِير سلَاح والأمير شاهين الزردكاش
بمضافيهم وَعَلَيْهِم آلَة الْحَرْب بأجمعهم وهم فِي تجمل كَبِير فعرضوا على السُّلْطَان وهم مارون من تَحت القلعة ثمَّ مضوا فنزلوا بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة فِي مخيماتهم. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي خامسه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ على الْفُلُوس أَن تكون على عَادَتهَا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم فسر النَّاس بذلك. وَفِيه رَحل الْأُمَرَاء من الريدانية وَسَارُوا يُرِيدُونَ دمشق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِيمَن بَقِي عِنْده من الْعَسْكَر وَقد لبسوا كلهم السِّلَاح وتباهوا بزِي لم نر مثله حسنا وإتقاناً وجر السُّلْطَان ثَلَاثمِائَة جنيب من عتاق الْخَيل بالسروج الذَّهَب الثَّقِيلَة الَّتِي بَعْضهَا مرصع بالجوهر ومياثرها من حَرِير مطرز بِالذَّهَب الْمُوشى بأبدع إتقان وعَلى أكفالها عبي الْحَرِير البديعة الصَّنْعَة وفيهَا مَا هُوَ مطرز بِالذَّهَب الثقيل وَبَعضهَا على أكفالها الكنافيش الذَّهَب وَكلهَا باللجم المسقطة بِالذَّهَب الثقيل وَمن وَرَاء الجنائب الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة آلَاف فرس سَاقهَا جشار ثمَّ عدد كثير من الْعجل الَّتِي تجرها الأبقار وَعَلَيْهَا آلَات الْحصار من مكاحل النقط الْكِبَار ومدافع النفط المهولة وَنَحْو ذَلِك. وَخرجت خزانَة السِّلَاح على مَا ينيف على ألف جمل تحمل القرقلات والخوذ وَنَحْوهَا فِي الْحَوَائِج خاناه الْخشب الَّتِي غشيت باللباد الْأَحْمَر وبجلود الْبَقر وَتحمل الرماح وَتحمل الصناديق المملوءة بالنشاب وَغير ذَلِك من السيوف وَنَحْوهَا. وَخرجت خزانَة المَال فِي الصناديق المغشاة بالحرير الملون وفيهَا مَا ينيف على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَخرج المطبخ وَقد سَاق الرعيان برسمه ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف رَأس من الْغنم وَكَثِيرًا من
الأبقار والجواميس تحلب أَلْبَانهَا. وَتقدم الْحَرِيم فِي سبع محفات قد غشيث بالحرير وَبَعضهَا مطرز بِالذَّهَب وَمن وَرَائِهَا نَحْو الثَّلَاثِينَ حملا من المحاير المغشاة بالحرير والجوخ فبلغت عدَّة الْجمال إِلَى ثَلَاثَة وَعشْرين ألف جمل فَكَانَ شَيْئا مستكثراً إِلَى الْغَايَة. وَنزل السُّلْطَان فِي مخيمه تجاه مَسْجِد تبر خَارج الْقَاهِرَة وَخرج الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وأرباب الدولة وَكلهمْ قد بَالغ فِي تَحْسِين جماله وخيوله وخيمه وآلات سَفَره وَزَاد فِيهَا على عَادَته فنزلوا مَنَازِلهمْ. وَتردد السُّلْطَان من الريدانية إِلَى تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر وَبَات بهَا لَيَال وَنحر بهَا ضحاياه على عَادَته وَجعل الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب الْغَيْبَة. وَأنزل بِبَاب السلسلة الْأَمِير ألطنبغا العثماني. وَأنزل بقلعة الْجَبَل الْأَمِير أسنبغا الزردكاش شاد الشَّرَاب خاناه وَزوج أُخْته خوند بيرم. وَولي نَائِب القلعة شاهين الرُّومِي عوضا عَن الْأَمِير كمشبغا الجمالي. وَبعث الجمالي صُحْبَة الْحَرِيم وَقَدَّمَهُمْ بَين يَدَيْهِ بمرحلة. وَفِي حادي عشره: خلع عَليّ زين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل بن الْهوى. ورحل السُّلْطَان من التربة قبل غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرَة بطالع اخْتَارَهُ لَهُ الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن زقاعة. وَبَات بمخيمه من الريدانية تجاه مَسْجِد تبر واستقل بِالْمَسِيرِ سحر يَوْم السبت. وَفِي ثَانِي عشره: فر من دمشق الْأَمِير سودن اليوسفي. وَفِيه انتكس الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام وَلم يزل بِمَا بِهِ حَتَّى مَاتَ. وَفِيه قدم الْأَمِير شيخ من حلب إِلَى حمص. ثمَّ جَاءَهُ الْأَمِير نوروز فَكثر الإرجاف بِدِمَشْق وفر إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهَا. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ حذر من مَعَه من الرحيل قبل النفير فَبَلغهُ وَهُوَ بالريدانية - إِن طَائِفَة رحلت فَركب بِنَفسِهِ وَقبض على وَاحِد ووسطه. ونصبت مشنقة يرهب بهَا فَمَا وصل إِلَى غَزَّة حَتَّى قتل عدَّة من الغلمان من أجل الرحيل قبل النفير. فتشاءم النَّاس بِهَذِهِ السفرة. ثمَّ لما نزل بغزة وسط تِسْعَة عشرَة من المماليك الظَّاهِرِيَّة وَهُوَ لَا يعقل من شدَّة السكر فَقدم عَلَيْهِ - عقب ذَلِك - الْخَبَر بِأَن
الْأُمَرَاء الَّذين تقدموه قد خَرجُوا عَن الطَّاعَة فَلم يثبت وَسَار من غَزَّة مجداً فِي طَلَبهمْ وَقد نفرت مِنْهُ الْقُلُوب وتمالت على بغضه لقبح سيرته وَسُوء سَرِيرَته. وَفِي ثَانِي عشرينه: أفرج بِدِمَشْق عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني بعد سجنه ثَلَاثَة وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَفِي سادس عشرينه: نزل الْأُمَرَاء الَّذين تقدمُوا بقبة يلبغا خَارج دمشق وركبوا إِلَى الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام فعادوه وَقد اشْتَدَّ بِهِ مَرضه وأعلنوا بِمَا هم عَلَيْهِ من الْخلاف للسُّلْطَان وَالْخُرُوج عَن طَاعَته. ثمَّ رحلوا عَن قبَّة يلبغا فِي تَاسِع عشرينه ونزلوا على بَرزَة يُرِيدُونَ اللحاق بالأميرين شيخ ونوروز على حمص فَلم يوافقهم على ذَلِك الْأَمِير شاهين الزردكاش فقبضوا عَلَيْهِ ومضوا. وَنزل السُّلْطَان الْكسْوَة فِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه وَقد فت فِي عضده مُخَالفَة الْأُمَرَاء عَلَيْهِ ولاحت إمارات الخذلان عَلَيْهِ وَظَهَرت كآبة الزَّوَال والإدبار. فألبس من مَعَه من الْعَسْكَر السِّلَاح ورتبهم بِنَفسِهِ. ثمَّ سَاق بهم وَقصد دمشق فَدَخلَهَا وَقت الزَّوَال من يَوْمه. وَفِي هَذِه السّنة: قوي الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان وَفتح مملكة كرميان جَمِيعهَا. وفيهَا حاصر الْأَمِير مُوسَى بن عُثْمَان الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَفتح مِنْهَا عده بِلَاد وغنم غَنَائِم كَثِيرَة ومزق كل النَّصَارَى. وفيهَا انخسف قبر بمقبرة بَاب الصَّغِير خَارج دمشق فَخرج من الْخَسْف ذُبَاب أَزْرَق كبار حَتَّى صَارَت كالظلة. وَوجد ذَلِك قد خرج من قبر طوله اثْنَان وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وبطوله ميت قد صَار على هَيْئَة الرماد من الْبلَاء. وَمَات فِي هَذِه السّنة من لَهُ ذكر السُّلْطَان الْملك الصَّالح الْمَنْصُور حاجي بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن الْأَمِير حُسَيْن
ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون الألفي الصَّالِحِي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شَوَّال. وَولي سلطنة مصر وَالشَّام والحرمين مرَّتَيْنِ كَمَا تقدم ذكره. ثمَّ أَقَامَ بدوره من قلعة الْجَبَل وتعطلت حَرَكَة رجلَيْهِ وَيَديه مُدَّة سِنِين قبل مَوته. وَتُوفِّي عَن بضع وَأَرْبَعين سنة. وَقتل من المماليك الظَّاهِرِيَّة سِتّمائَة وَثَلَاثُونَ رجلا وطأ الْملك النَّاصِر بِقَتْلِهِم لمن بعده سُلْطَانه. وَقتل عدَّة من الْأُمَرَاء مِنْهُم: الْأَمِير تمراز الناصري فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق بالإسكندرية وَقد نقل إِلَيْهَا من
فارغه
دمياط وَقد بلغ نَحْو سِتِّينَ سنة. وَكَانَ تركياً غَيره شَرّ مِنْهُ. والأمير خير بك فِي تَاسِع عشْرين شَوَّال لم يعرف عَنهُ خبر. والأمير جانم قتل فِي ثَانِي عشْرين شهر رَجَب وَكَانَ من شرار الْخلق المفسدين فِي الأَرْض. والأمير يشبك الموساوي الأفقم وَكَانَ كثير الشَّرّ وَالظُّلم محباً للفتن مُفْسِدا لَا خير فِيهِ. والأمير قردم الحسني قتل بالإسكندرية وَكَانَ من أُمَرَاء الألوف خازنداراً كَبِيرا وَله تربة بِبَاب الفافة. والأمير قنباك رَأس نوبَة كَبِير قتل أَيْضا وَكَانَ من سيئات الزَّمَان جهلا وظلماً وفسقاً.
وَمَات الْأَمِير آقبغا القديدي دوادار يشبك أحد أُمَرَاء العشرات وَمن جملَة دوادارية السُّلْطَان توفّي لَيْلَة الثَّالِث عشر من شَوَّال. وَقتل الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَكَاشف الشرقية. قتل لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة فأراح بِهِ النَّاس من ظلمه وفسقه وعتوه. وَمَات الْأَمِير الشريف عَلَاء الدّين عَليّ الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الأخميمي وَالِي دمياط ثمَّ وَزِير الديار المصرية. وَمَات الطواشي فَيْرُوز. توفّي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع شهر رَجَب وَكَانَ قد شرع فِي بِنَاء مدرسة خطّ الغرابليين دَاخل بَاب زويلة من الْقَاهِرَة ووقف عَلَيْهَا عدَّة أوقاف فَمَاتَ قبل فراغها فَدفن بحوش السُّلْطَان خلف قبر الْملك الظَّاهِر برقوق. فَأقر السُّلْطَان مَا قَرَّرَهُ فِي كتاب وَقفه من المصارف على الْفُقَهَاء والأيتام وَغَيرهم وأضاف الْوَقْف إِلَى تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه فاستمر ذَلِك وَأخذ السُّلْطَان آلَات عمَارَة فَيْرُوز وأنعم بمكانها على الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش المحمدي فشرع فِي بنائها قيسارية وكمل بظاهرها عدَّة حوانيت. فَمَا شعر حَتَّى خرج فِي خدمَة السُّلْطَان إِلَى الشَّام وَتركهَا وَكَانَ من أمرهَا مَا يَأْتِي ذكره - إِن شَاءَ الله - فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة. وَتُوفِّي الأديب أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن أبي الْوَفَاء الشاذلي غريقاً
ببحر النّيل فِي يَوْم تاسوعاء. وغرق مَعَه أَيْضا جمال الدّين عبد الله بن نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي قَاضِي الْقُضَاة وَتُوفِّي الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْملك يُوسُف بن عبد الله بن عمر بن خضر العجمي الكوراني فِي يَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَدفن بزاوية الشَّيْخ يُوسُف العجمي بالقرافة وَكَانَ حشماً يركب الْخُيُول ويتردد إِلَى الْأُمَرَاء وَله غنى وسعة.