الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة تسع وَثَمَانمِائَة)
استهلت والخليفة المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المتَوَكل على الله وَالسُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق ودمشق بيد الْأَمِير نوروز من قبل الْأَمِير جكم وحلب وحماة وطرابلس بيد الْأَمِير جكم وَهُوَ خَارج عَن طَاعَة السُّلْطَان. ونائبه بديار مصر الْأَمِير تمراز وبدمشق الْأَمِير شيخ وَقد توجه بعد الكسرة على حمص إِلَى جِهَة الرملة. شهر الله الْمحرم أَوله الْجُمُعَة وَيُوَافِقهُ رَابِع عشْرين بؤونة: والمثقال الذَّهَب بِمِائَة دِرْهَم وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما بالفلوس وكل دِينَار أفرنتي بِمِائَة وَخَمْسَة عشر درهما والقمح بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وَالشعِير والفول بِنَحْوِ مائَة دِرْهَم والفلوس كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَالْفِضَّة لَا تظهر بَين النَّاس وَإِذا ظَهرت تبَاع كل دِرْهَم كاملي بِخَمْسَة دَرَاهِم من الْفُلُوس - زنة عشر أواقي - وَبِهَذَا فَسدتْ أَحْوَال أَرْبَاب الجوامك من الْفُقَهَاء وأمثالهم الَّذين رزقهم على الْأَوْقَاف والمرتبات السُّلْطَانِيَّة فصاروا يَأْخُذُونَ معاليمهم عَن كل دِرْهَم فضَّة أوقيتين فُلُوسًا وتسمي درهما وَارْتَفَعت أسعار جَمِيع المبيعات حَتَّى بلغت أَضْعَاف قيمتهَا الْمُعْتَادَة بِالْفِضَّةِ فَصَارَ من معلومه مثلا مائَة دِرْهَم فِي الشَّهْر - وَكَانَ قبل هَذِه الْحَوَادِث والمحن يَأْخُذهَا فضَّة عَنْهَا خَمْسَة مَثَاقِيل ذَهَبا - فَإِنَّهُ الْآن يَأْخُذ عَن الْمِائَة سَبْعَة عشر رطلا وثلثي رَطْل من الْفُلُوس يُقَال لَهَا مائَة دِرْهَم وَلَا تبلغ دِينَارا وَاحِدًا فيشتري بِهَذِهِ الْمِائَة مَا كَانَ قبل هَذَا يَشْتَرِيهِ بِأَقَلّ من عشْرين بِكَثِير فَإِن كل سلْعَة كَانَت تبَاع بِدِينَار لَا تبَاع الْآن إِلَّا بِدِينَار وبأكثر من دِينَار. وَأما الأجراء وَأَصْحَاب الصَّنَائِع فَإِن أجرهم تزايدت فَكل من كَانَت أجرته درهما لَا يَأْخُذ الْآن إِلَّا خَمْسَة فَمَا فَوْقهَا. وَكَذَلِكَ التُّجَّار ضاعفوا ربحهم فِي بضائعهم وَأما أَرْبَاب الإقطاعات فَإِنَّهُم جعلُوا كل فدان بِسِتَّة أَمْثَال مَا كَانَ فَلم يخْتل من حَالهم شَيْء إِلَّا أَنه صَار بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يُرْجَى الرخَاء بِمصْر فَإِن الْغلَّة تقوم على صَاحبهَا بِقِيمَة زَائِدَة من أجل غلاء أُجْرَة الطين وَثمن الْبذر وَأُجْرَة الحصادين وَنَحْوهم وكل ذَلِك من سوء نظر وُلَاة الْأُمُور. وَقد كتبت فِي هَذَا مصنفاً اسْمه إغاثة الْأمة بكشف الْغُمَّة وَقد اعتذر لي بَعضهم عَن إِفْسَاد أهل الدولة الدِّرْهَم فَإِنَّهُ حملهمْ على ذَلِك كَثْرَة مَا عَلَيْهِم من جوامك المماليك وَذَلِكَ أَن نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة تبلغ فِي كل شهر إِلَى
ألف ألف ومائتي ألف دِرْهَم سوى مَا لَهُم من لحم وعليق خيولهم وكسوتهم. وحامكية الْمَمْلُوك مِنْهُم من أَرْبَعمِائَة إِلَى خَمْسمِائَة وَكَانَت أَولا الْمِائَة دِرْهَم عَنْهَا خَمْسَة مَثَاقِيل ذَهَبا فَجعل المباشرون المثقال بِهَذَا السّعر لعلمهم أَن الْأَمْتِعَة لَا تنزل عَن سعرها من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَنَّهُمْ لَا يُنْفقُونَ للمماليك إِلَّا الْفُلُوس وَقَطعُوا ضرب الْفضة وَأَكْثرُوا من ضرب الْفُلُوس فرخصت الْفُلُوس وبذل الْكثير مِنْهَا فِي الذَّهَب لقلَّة الْفضة وَكَثْرَة احْتِيَاج الْمُسَافِرين إِلَى حمل النُّقُود حَتَّى بلغ الدِّينَار إِلَى هَذَا الْقدر فَصَارَ الدِّرْهَم بعد أَن كَانَ قيراطاً وَبَعض قِيرَاط من الدِّينَار لَا يُسَاوِي كل خَمْسَة مِنْهُ أَو سِتَّة قيراطا. واستمرت نَفَقَة المماليك على ذَلِك وهم لَا يَشْعُرُونَ بِحَقِيقَة الْحَال فَعم الْفساد وَخص الْفُقَهَاء وَنَحْوهم من ذَلِك أعظم الْبلوى. ومؤسس هَذَا الْفساد بديار مصر رجلَانِ هما: سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وجمال الدّين يُوسُف الأستادار وَذَلِكَ أَن ابْن غراب مُنْذُ ولي نظر الْخَاص فِي آخر الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة لم يزل لِكَثْرَة مَا ظفر بِهِ من الذَّهَب يزِيد فِي سعره حَتَّى بلغ هَذَا الْقدر وَهُوَ آخذ فِي الزِّيَادَة أَيْضا على هَذَا الْقدر. وَأما جمال الدّين فَإِنَّهُ مُنْذُ كَانَ يَلِي أستادارية الْأَمِير بجاس فِي أُجْرَة الراضي: ثمَّ لما مَاتَ الظَّاهِر ولي فِي الْأَيَّام الناصرية أستادارية جمَاعَة كَثِيرَة من الْأُمَرَاء الأكابر فَجرى على عَادَته وَزَاد فِي أجر الْأَرَاضِي حَتَّى عمل ذَلِك كل أحد وَصَارَ بِاعْتِبَار غلاء سعر الذَّهَب كل شَيْء يُبَاع فَإِنَّهُ بأضعاف ثمنه وَبِاعْتِبَار غلاء الأطيان لَا يُرْجَى الرخَاء وَهَذَانِ الفسادان سَبَب عَظِيم فِي خراب إقليم مصر وَزَوَال نعم أَهله سَرِيعا إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئا. وَفِي أَوله: كتب باستقرار الْأَمِير خير بك فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثالثه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الْمَنَاوِيّ - الْمَعْرُوف بالطويل وبالبدنة - فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْهوى. وَفِي رابعه: نُودي على النّيل. وَفِي حادي عشرينه: قدم الركب الأول من الْحَاج إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج من الْغَد. وَفِي خَامِس عشرينه: نُودي فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة بِالْعرضِ لأخذ نَفَقَة السّفر. وَفِي ثامن عشرينه ابْتَدَأَ السُّلْطَان فِي نَفَقَة المماليك يفرقها عَلَيْهِم فأنفق لكل وَاحِد أَرْبَعِينَ مِثْقَالا فبلغت النَّفَقَة على ثَلَاثَة آلَاف. وَنُودِيَ فِي يَوْمه بِأَن سعر كل مِثْقَال بِمِائَة وَخمسين بعد مائَة وَثَلَاثِينَ فَكثر الضَّرَر بذلك.
وَأما الشَّام فَإِن فِي خامسه قدم الْخَبَر بانهزام الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من حكم إِلَى غَزَّة فاهتم السُّلْطَان للسَّفر. وَفِي حادي عشره: توجه الْأَمِير سودن من زادة إِلَى الْأَمِير شيخ باستمراره فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته وصحبته سلَاح كثير أنعم بِهِ عَلَيْهِ وتشرف ليلبسه مَعَ عدَّة ثِيَاب. وَفِيه خرج المطبخ إِلَى ملاقاة الْأَمِير شيخ. وَفِيه أنكر على الْأَمِير كزل العجمي أَمِير الْحَاج مَا فعله فَإِنَّهُ أَخذ من الْحجَّاج عَن كل حمل دِينَارا وباعهم المَاء الَّذِي يريدوه فصودر وَأخذ مِنْهُ قريب المائتي ألف دِرْهَم ففر فِي سلخه فَأخذ لَهُ حَاصِل فِيهِ قماش وَغَيره وَأخرج إقطاعه. وَأما الشَّام فَإِن الأميرين جكم ونوروز وَجها فيرابعه الرُّسُل إِلَى السُّلْطَان بِصُورَة مَا جرى وَخرج الْأَمِير جكم من دمشق هُوَ والأمير نوروز فِي حادي عشره مُتَوَجّه جكم إِلَى جِهَة حلب وَتوجه نوروز فِي طلب شيخ فَلم يُدْرِكهُ وفر سودن المحمدي من عِنْد الْأَمِير شيخ - وَكَانَ مُقَيّدا - وَلحق بالأمير نوروز. وَفِي آخِره: أثبت قُضَاة حماة أَن طائرات سمع وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ انصر حكم. شهر صفر أَوله السبت: أهل والأسعار غَالِيَة وَبلغ لحم الْبَقر إِلَى سَبْعَة دَرَاهِم الرطل وَلحم الضَّأْن إِلَى تِسْعَة والأسواق متعطلة وَالنَّاس فِي خوف ووجل من كَثْرَة الظُّلم. وَفِيه خرج الْأَمِير يشبك وَغَيره من الْأُمَرَاء إِلَى ملاقاة الْأَمِير شيخ. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير شيخ وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب والأمير خير بك نَائِب غَزَّة والأمير ألطنبغا العثماني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق والأمير يُونُس الحافظي نَائِب حماة - كَانَ - والأمير سودن الظريف والأمير تنكز بغا الحططي وَغَيرهم فَصَعِدُوا القلعة وأكرموا غَايَة الْإِكْرَام وَذَلِكَ وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير شيخ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته وعَلى الْأَمِير دمرادش بنيابة حلب على عَادَته.
وَفِي سابعه: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله فِي نظر الأحباس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد الطناحي. وَفِي حادي عشرينه: حمل السُّلْطَان أَخَاهُ الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز وأخاه إِبْرَاهِيم إِلَى إسكندرية مَعَ الْأَمِير قطلوبغا الكركي والأمير أينال حطب العلاي ليقيموا بهَا وَخرج مَعَ أَخَوَيْهِ أمهاتهما وخدمهما وأجرى لَهما فِي كل يَوْم خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَلكُل من الْأَمِير ألف دِرْهَم فِي الْيَوْم. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ برز الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام والأمير دمرداش نَائِب حلب ومعهما جمَاعَة من عَسْكَر دمشق وحلب وَنزلا خَارج الْقَاهِرَة بالريدانية وَلحق بهما الْأَمِير سودن الحمزاوي الدوادار والأمير سودن الطيار أَمِير سلَاح. وَفِيه أُعِيد الْهوى إِلَى الْحِسْبَة وعزل شمس الدّين الطَّوِيل ورحل الْأَمِير شيخ والأمير دمرداش بالشاميين. وَفِي ثامنه: سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَنزل مخيمه بالريدانية. وَفِي حادي عشره: أُعِيد الطَّوِيل إِلَى الْحِسْبَة وعزل الْهوى. وَفِي ثَانِي عشره: رَحل السُّلْطَان من الريدانية يُرِيد الشَّام وَجعل الْأَمِير تمراز الناصري نَائِب الْغَيْبَة فَلم يحمد رحيله فِي يَوْم الْجُمُعَة فقد نقل عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله أَنه قَالَ: مَا سَافر أحد يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا رأى مَا يكره. وَفِي رَابِع عشرينه: نزل السُّلْطَان غَزَّة ورحل مِنْهَا فِي سَابِع عشرينه.
وَأما الشَّام فَإِن الْأَمِير نوروز جهز فِي أَوله عسكراً من دمشق عَلَيْهِم الْأَمِير سودن المحمدي وأزبك الدوادار فَسَارُوا إِلَى جِهَة الرملة. وَفِي حادي عشره: خرج الْأَمِير بكتمر شلق من دمشق لجمع العشران فَقدم فِي ثَالِث عشره الْأَمِير أينال بيه بن قجماس والأمير يشبك بن أزدمر وَكَانَا مختفيين بِالْقَاهِرَةِ من حِين عَاد الْملك النَّاصِر إِلَى الْملك بعد أَخِيه الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز وَوصل مَعَهُمَا الْأَمِير سودن المحمدي لضعف حصل لَهُ فأكرمهما الْأَمِير نوروز وأنعم عَلَيْهِمَا. وعقيب ذَلِك عَاد الْعَسْكَر المتوجه مَعَ سودن المحمدي إِلَى الرملة لوصول الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة إِلَيْهَا - هُوَ والأمير ألطنبغا العثماني - وأخبروا باستقرار الْأَمِير شيخ فِي نِيَابَة الشَّام وَأَن السُّلْطَان قد خرج من الْقَاهِرَة فاضطرب نوروز وَخرج من دمشق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره فَبَلغهُ وُصُول الْأَمِير ألطنبغا العثماني إِلَى صفد وَقد ولي نيابتها وَمَعَهُ شاهين دوادار الْأَمِير شيخ. ففر مِنْهُ بكتمر شلق وَقدم على نوروز فَعَاد حِينَئِذٍ من جسر يَعْقُوب وَقد عزم على الْفِرَار خوفًا من السُّلْطَان وَلحق بِهِ من كَانَ بِدِمَشْق من أَصْحَابه. وَسَار من دير زيتون فِي سادس عشرينه على بعلبك إِلَى حمص فَدخل شاهين - دوادار شيخ - من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه إِلَى دمشق ثمَّ قدم الْأَمِير شيخ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ آخِره وَمَعَهُ دمرداش نَائِب حلب وألطنبغا العثماني نَائِب صفد والأمير زين الدّين عمر بن الهذباني أتابك دمشق فَلم يجد من يمانعه. شهر ربيع الآخر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سابعه: مَاتَ الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن الظَّاهِر برقوق بالإسكندرية. بعد مَرضه مُدَّة إِحْدَى وَعشْرين لَيْلَة. وَمَات بعقب مَوته من ليلته أَخُوهُ إِبْرَاهِيم ودفنا من الْغَد فَكَانَت جنازتهما جمعهَا كَبِير ولهج النَّاس بِأَنَّهُمَا مَاتَا مسمومين. وَفِي هَذَا الْيَوْم: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي تجمل عَظِيم وَنزل بدار السَّعَادَة إِلَى أَن توجه يُرِيد حلب فِي سَابِع عشره فَدَخلَهَا فِي سادس عشرينه وَقد رَحل الْأَمِير جكم عَنْهَا وعدى الْفُرَات وَمَعَهُ الْأَمِير نوروز والأمير تمربغا المشطوب وَجَمَاعَة منزل السُّلْطَان بالقلعة وَبعث الْأُمَرَاء فِي وَفِي ثامن عشرينه: قدمت رمة الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز وأخيه إِبْرَاهِيم من الْإسْكَنْدَريَّة على ظهر النّيل إِلَى سَاحل الْقَاهِرَة وحملا إِلَى تَحت القلعة وأمهاتهما وجواريهن مسلبات فصلى عَلَيْهِمَا ودفنا عِنْد أَبِيهِمَا تَحت الْجَبَل بتربته الَّتِي أوصى بعمارتها.
شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت: فِيهِ خرج السُّلْطَان من حلب عَائِدًا إِلَى دمشق وَولي بحلب الْأَمِير جركس المصارع. وَولي الْأَمِير سودن بقجة نِيَابَة طرابلس. وَأقر الْأَمِير شيخ على نِيَابَة الشَّام وجد فِي مسيره حَتَّى قدم دمشق فِي خَمْسَة أَيَّام وَترك الخام وَرَاءه. فثارت طَائِفَة من المماليك وَمَعَهُمْ عَامَّة حلب على جركس المصارع وَقدم الْأَمِير نوروز بعسكره ففر جركس يُرِيد دمشق ونوروز فِي أَثَره فعثر بخام السُّلْطَان فَقَطعه وَوَقع النهب فِيهِ. وخلص الْأَمِير جركس إِلَى السُّلْطَان وَدخل مَعَه دمشق فِي ثامنه فَنزل السُّلْطَان دَار السَّعَادَة ونادى بِالْإِقَامَةِ فِي دمشق شَهْرَيْن. وَكَانَ الْأَمِير يشبك قد دخل بالْأَمْس وَهُوَ مَرِيض وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش والأمير باش باي رَأس نوبَة. وَهِي خَامِس عشره: أُعِيد شمس الدّين الأخناي إِلَى قَضَاء دمشق وعزل ابْن حجي. وَقدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير نوروز حماة ثمَّ حمص ووصول جكم إِلَى حلب فَسَار السُّلْطَان من دمشق يَوْم الْأَحَد سادس عشره بَعْدَمَا تقدم إِلَى الْعَسْكَر بِأَن من كَانَ فرسه عَاجِزا فليذهب إِلَى الْقَاهِرَة وَألا يتبعهُ إِلَّا من كَانَ قَوِيا فَتسَارع أَكثر العساكر إِلَى الْعود إِلَى الْقَاهِرَة. وَلم يتبع السُّلْطَان مِنْهُم كثير أحد فَانْتهى فِي مسيره إِلَى قريب منزلَة قارة ثمَّ عَاد مجداً فَدخل دمشق يَوْم الْخَمِيس عشرينه. وَقد فرق شَمله وَتَأَخر جمَاعَة من الْأُمَرَاء مَعَ شيخ نَائِب الشَّام فَخرج الْأَمِير يشبك فِي ثَانِي عشرينه وَخرج شبح ودمرداش وألطنبغا العثماني فِي عدَّة أُمَرَاء يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه إِلَى صفد. وَسَار السُّلْطَان ويشبك يُرِيد مصر فَدخل إِلَى الْقُدس وَقد تخلف الْأَمِير سودن الحمزاوي بِدِمَشْق وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء مغاضبين للسُّلْطَان. ثمَّ توجه الحمزاوي من دمشق يُرِيد صفد وَأخذ كثيرا من الأثقال السُّلْطَانِيَّة وَاسْتولى على صفد. وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع جُمَادَى الأولى: أعَاد نَائِب الْغَيْبَة ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل الطَّوِيل. وَأما الشَّام فَإِن الْأَمِير سودن الحمزاوي الدوادار دخل بالجاليش السلطاني إِلَى دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شهر ربيع الآخر وَدخل الْأَمِير بيغوت فِي رابعه وَقدم السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سابعه والأمير شيخ نَائِب الشَّام قد حمل الجتر على رَأسه وَبَين يَدَيْهِ الْخَلِيفَة والقضاة والأمير يشبك وَبَقِيَّة العساكر فَنزل السُّلْطَان بدار السَّعَادَة. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامنه: بعث الْوَزير فِي طلب عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء قَاضِي دمشق ففر من الأعوان بَعْدَمَا قبضوا عَلَيْهِ.
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: هَذَا خلع على الْأَمِير سودن بقجة بنيابة طرابلس وَسَار إِلَيْهَا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره: صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بِجَامِع بني أُميَّة وحطب بِهِ وَصلى الشهَاب أَحْمد بن الحساباني. وَفِي هَذِه الْأَيَّام ركب المماليك السُّلْطَانِيَّة تَحت قلعة دمشق وطلبوا النَّفَقَة وَتَكَلَّمُوا كثيرا بِمَا لَا يَلِيق وَفِي ثامن عشره: توجه الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام والأمير دمرداش نَائِب حلب من دمشق يُريدَان حلب وَضرب خام السُّلْطَان ببرزة وَخرج السُّلْطَان من الْغَد فَنزل ببرزة. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن عدنان إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وَكَانَت بيد ابْن الْآدَمِيّ فَلَمَّا قدم الْأَمِير نوروز اختفى مِنْهُ مباشرها تَقِيّ الدّين الْقرشِي موقع نوروز حَتَّى حوج من الْبَلَد. وَفِي تَاسِع عشره: ولي نجم الدّين عمر بن حجي قَضَاء دمشق. وعزل الشهَاب الحساني. وَفِي حادي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق وَكَاد قد ولي بعد صرفه من قَضَاء ديار مصر خطابة الْقُدس. وَفِي خَامِس عشرينه: وصل إِلَى دمشق الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَكَانَ قد تَأَخّر بعد السُّلْطَان بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي آخِره: قبض على قُضَاة حماة وَوَضَعُوا فِي الْحَدِيد وألزموا بِمَال كَونهم أثبتوا محْضر الطَّائِر بِالدُّعَاءِ لجكم. وَأهل جُمَادَى الأول: وَالنَّاس فِي دمشق وأعمالها فِي ضَرَر كَبِير لما نزل من جباية الشّعير للسُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشره: طلب السُّلْطَان قُضَاة طرابلس فقدموا عَلَيْهِ بحلب وَأخذ مِنْهُم مَالا. وأعادهم إِلَى حَالهم. وَأخذ من قُضَاة حلب مَالا وأقرهم. وَفِي خَامِس عشرينه: ولي صدر الدّين عَليّ بن الأدمِيّ قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق بِمَال كَبِير. وَقدم الْأَمِير يشبك من حلب إِلَى دمشق فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ قدم السُّلْطَان فِي ثامنه وخلع فِي عاشره على شيخ خلعة الِاسْتِمْرَار فِي نِيَابَة الشَّام وعَلى
سودن الحمزاوي خلعة الِاسْتِمْرَار. وَنُودِيَ بِالْإِقَامَةِ فِي دمشق فَقدم الْخَبَر فِي سادس عشره بوصول نوروز إِلَى حمص فَنُوديَ بالرحيل فَتقدم الْأَمِير شيخ. ثمَّ سَار السُّلْطَان فِي آخِره. وَتوجه كثير من الْعَسْكَر إِلَى جِهَة الْقَاهِرَة فوصل السُّلْطَان إِلَى قارا وَعَاد إِلَى دمشق يَوْم الْخَمِيس عشرينه مخرج الْأَمِير يشبك فِي يَوْم السبت وَهُوَ مَرِيض يُرِيد الْقَاهِرَة. وَخرج شيخ ودمرداش وألطنبغا العثماني فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه إِلَى جِهَة صفد وَمَعَهُمْ جمَاعَة من الْأُمَرَاء ندبهم السُّلْطَان إِلَيْهَا. وَخرج السُّلْطَان ليتبعهم فَنزل الْكسْوَة يُرِيد مصر ورحل فثار بِدِمَشْق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشرينه جمَاعَة نوروز الَّذين كَانُوا مختفين وَنَادَوْا بالأمان ودقوا البشائر. ثمَّ قدم فِي سَابِع عشرينه عدَّة أُمَرَاء مِنْهُم سودون الْحَلب وجمق وأزبك دوادار نوروز إِلَى دمشق. وَقدم من الْغَد أينال بيه بن قجماس ويشبك بن أزدمر ويشبك الساقي فِي عدَّة من النوروزية. شهر وَجب أَوله الْأَحَد: فِيهِ قدم الْأَمِير نوروز دمشق فِي موكب جليل. وَفِي ثَانِيه: وصلت طَائِفَة من عَسْكَر السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة وتتابع دُخُولهمْ. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير جمال الدّين الأستادار. وَفِي سادسه: أُعِيد الطَّوِيل إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن شعْبَان. وفيهقدم حَرِيم السُّلْطَان من الشَّام وَقدم عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَغَيرهم. وَفِي حادي عشره: قدم السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل وَلم ينل غَرضا وَقد تلف لَهُ مَال كثير جدا ونقصت عساكره فزينت الْقَاهِرَة لقدومه. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب والأمير سودن من زَاده نَائِب غَزَّة وَقد ثار وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر زين الدّين حاجي التركماني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل الطَّوِيل ثمَّ أُعِيد فِي سَابِع عشرينه. وَكَانَ الْأَمِير سودن الحمزاوي قد أَخذ صفد وقلعتها وَاسْتمرّ هُوَ والأمير شيخ ودمرداش. ففر عَنْهُم دمرداش وَأخذ الحمزاوي يسْعَى فِي صلح شيخ مَعَ نوروز حَتَّى
أجَاب نوروز إِلَيْهِ. وَكتب فِي ذَلِك إِلَى جكم فَخرج الحمزاوي يَوْمًا من صفد ليسير فِي برهَا فَسَار شيخ وَأخذ فِي عيبته القلعة فنجا الحمزاوي بِنَفسِهِ وَبَعض أَصْحَابه وَقدم دمشق فِي ثَانِي عشره فَأخذ شيخ جَمِيع مَا كَانَ لَهُ بصفد وَقبض على جماعته. وَنزل دمرداش بغزة فَأخذ نوروز فِي عمَارَة قلعة دمشق ووقف عَلَيْهَا بِنَفسِهِ وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والقضاة وَفرض الْأَمْوَال على الْأَرَاضِي فجبي مَالا كَبِيرا وَأخرج الْأَوْقَاف إقطاعات لإصحابه وأقطع الْأَمْلَاك أَيْضا. شهر شعْبَان أَوله الثُّلَاثَاء: فِي رابعه: قبض على الْوَزير المشير فَخر الدّين بن غراب وَسلم إِلَى الْأَمِير جمال الدّين الأستادار ليعاقبه. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين فِي وظيفتي الوزارة وَنظر الْخَاص مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَكَانَ بن غراب قد قطع فِي شهر رَجَب اللَّحْم الْمُرَتّب على الدولة للمماليك السُّلْطَانِيَّة والأمراء وَأهل الدولة وَصرف لأربابه عَن كل رَطْل لحم درهما وسعره يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة دَرَاهِم الرطل فَخفت كلفة الدولة وَصَارَ الوزراء فِي رَاحَة. وَذَلِكَ أَن اللَّحْم كَانَ ثمنه فِي كل يَوْم زِيَادَة على خمسين ألف دِرْهَم فَنزل بِالنَّاسِ من أجلهَا أَنْوَاع من الْبلَاء ويمر بالوزير من القباض - إِذا تَأَخَّرت - إهانة لَا تُوصَف وَيحْتَاج فِي هَذَا إِلَى مصادرات النَّاس وَأخذ الْأَمْوَال بأنواع الظُّلم وَلذَلِك كَانَ الوزراء يعجزون عَن سد الوزارة فَمنهمْ من يختفي وَمِنْهُم من يستعفي وَمِنْهُم من ينكب. وَكَانَ ثمن هَذَا اللَّحْم يُقَال لَهُ النقدة وَالَّذين يقضونه من الْوَزير يُقَال لَهُم المعاملون وَلَهُم سلاطة فَإِذا أحيلوا على أحد استخصوا مِنْهُ بِأَيْدِيهِم فَإِن تعاسر عَلَيْهِم نهبوا دَاره أَو حانوته. وَإِذا لم يجد الْوَزير سَبِيلا إِلَى إعطائهم تِلْكَ اللَّيْلَة ثمن اللَّحْم وَلَا أحالهم على أحد أسمعوه مَا يكره ومدوا أَيْديهم إِلَى مَا يجدوه تَحْتَهُ من فرَاش أَو عِنْده من شَيْء وأخذوه فَزَالَ عَن النَّاس عَامَّة وَعَن الوزراء خَاصَّة بترك صرف لحم الرَّاتِب وتعويض أربابه عَنهُ مَالا بلَاء عَظِيم. وَصَارَ الْوَزير بَعْدَمَا كَانَ يحْتَاج إِلَى النقدة فِي كل لَيْلَة وَلَا يقدر أَن ينَام حَتَّى يَدْفَعهَا إِلَى المعاملين أَو يوزعها على من يحيلهم عَلَيْهِم قد أَمن فَإِنَّهُ لَا يصرف مِمَّن ذَلِك لأربابه إِلَّا من الشَّهْر إِلَى الشَّهْر. وَمَعَ هَذَا فَيعْطى فِي الدِّرْهَم سدسه أَو سبعه وَاسْتمرّ الْأَمر على هَذَا. وَفِي خَامِس عشره: نُودي على المثقال الذَّهَب بِمِائَة وَعشْرين درهما وعَلى الدِّينَار الإفرنتي بِمِائَة دِرْهَم، بعد مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ، فتوقفت الْأَحْوَال.
وَفِيه انحل سعر الْقَمْح فَنزل إِلَى سِتِّينَ درهما الأردب وَنزل الشّعير إِلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ والفول إِلَى خَمْسَة وَعشْرين الأردب. وَنُودِيَ أَن يكون الْخبز ثَلَاثَة أرغفة بدرهم زنة الرَّغِيف عشر أواقي فَقل وجوده فِي الْأَسْوَاق ثمَّ نُودي أَن كل أَرْبَعَة أرغفة بدرهم زنة تسع أواقي كل رغيف فَبيع كَذَلِك وَتعذر وجوده غَالِبا. وَفِي ثامن عشره: قبض بغزة على الْأَمِير خير بك. وَحمل مُقَيّدا إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم فِي ثَانِي عشرينه. وَأما الشَّام فَإِن المصادرات كثرت بِدِمَشْق وَصَارَ أَهلهَا فِي شدَّة من كَثْرَة مَا جبي مِنْهُم لعمارة القلعة وأخرجت أوقافهم وأملاكهم إقطاعات للنوروزية. وَأخذت أَمْوَال كثير من التُّجَّار. وَفِي رَابِع عشرينه: ولي الْأَمِير نوروز نِيَابَة غَزَّة للأمير أينال بيه بن قجماس وَولي أسن بيه كاشف الرملة وأخرجهما ومعهما يشبك بن أزدمر وسودن الحمزاوي فَسَارُوا إِلَى جِهَة غَزَّة. وَبعث سودن الْحَلب إِلَى الكرك نَائِبا بهَا فَأطلق من كَانَ سجنه السُّلْطَان فِيهَا وبعثهم إِلَى دمشق. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: وَفِي عاشره: خرج من الْقَاهِرَة عَسْكَر إِلَى الشَّام فِيهِ الْأَمِير تمراز الناصري والأمير أقباي فورد الْخَبَر بِأَن عسكراً من الشَّام قد أَخذ غَزَّة وَأَن يشبك بن أزدمر نزل قطيا وخربها وَعَاد إِلَى وَفِي هَذَا الشَّهْر: أخرج أهل الْقُدس عبد الرَّحْمَن المهتار ويشبك الساقي. وَابْن قجماس وَمن مَعَهم إِلَى وَادي بني زيد فَكثر هُنَاكَ جمعهم وَسَارُوا إِلَى الرملة وقاتلوا الْعَسْكَر فَقتل مِنْهُم نَحْو الْخمسين رجلا وَأسر خَمْسَة عشر وجرح أسنباي وَانْهَزَمَ من بقى. وَفِيه سَار عَسْكَر من دمشق يُرِيد الرملة فَخرج ألطنبغا العثماني من صفد إِلَى قاقون وَكتب إِلَى السُّلْطَان أَن ينجده بعسكر.
وَفِي هَذَا الشَّهْر: تسلطن الْأَمِير جكم بحلب يَوْم حادي عشره وتلقب بالسلطان الْملك الْعَادِل أبي الْفتُوح عبد الله جكم وخطب باسمه من حلب إِلَى الْفُرَات إِلَى غَزَّة مَا عدا صفد فَإِن الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام كَانَ قد أَخذهَا من الحمزاوي وَأقَام بقلعتها. ففر مِنْهُ الحمزاوي وَقَامَ الْأَمِير شيخ على طَاعَة السُّلْطَان. وَلم يجب جكم إِلَى التَّوَجُّه إِلَيْهِ. شهر شَوَّال أَوله الْجُمُعَة: فِي رابعه: خلع الْأَمِير نوروز على الْأَمِير بكتمر شلق بنيابة صفد عَن أَمر الْملك الْعَادِل عبد الله جكم. وَفِي سابعه: عَاد الْأَمِير تمراز والأمير أقباي بِمن مَعَهُمَا إِلَى الْقَاهِرَة من غير أَن يتجاوزوا السعيدية وقدمت عدَّة كتب من الشاميين إِلَى المماليك السُّلْطَانِيَّة بترغيبهم فِي اللحاق بهم وتخويفهم من التَّأَخُّر بديار مصر وقدمت عدَّة كتب من الْأَمِير جكم وَغَيره إِلَى عربان مصر وفلاحيها يمنعهُم من دفع الْخراج إِلَى السُّلْطَان وأمرائه وتخويفهم وتحذيرهم. وَفِي ثامن عشره: قدم إِلَى دمشق قَاصد الْملك الْعَادِل جكم وَمَعَهُ مرسومه بتقرير الْأَمِير سودن الحمزاوي دوداراً وَتَقْرِير الْأَمِير إينال بيه بن قجماس أَمِير أخور والأمير يشبك بن أزدمر رَأس نوبَة والأمير سودن الحمزاوي. أَمِير مجْلِس والأمير نوروز قسيم الْملك وَمَا يخْتَار يفعل وَأمرهمْ بِلبْس الكلفتاة وَكَانُوا قد تركوها مُدَّة إِشَارَة مِنْهُم أَنهم غير طالعين السُّلْطَان. وَفِي خَامِس عشرينه: لبس الْأَمِير نوروز خلعة الْملك الْعَادِل حكم ودقت البشائر بِدِمَشْق وزينت. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ابْتَدَأَ الطَّاعُون بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وتزايد حَتَّى فَشَا فِي النَّاس وَكثر الْمَوْت الْوَحْي وَبلغ عدد من يرد اسْمه الدِّيوَان إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين فِي كل يَوْم
وترجف الْعَامَّة بِأَن عَددهمْ أَضْعَاف ذَلِك وشبهتهم أَن الحوانيت الْمعدة لإِطْلَاق الْأَمْوَات أحد عشر حانوتاً فِي كل حَانُوت نَحْو الْخمسين تَابُوت مَا مِنْهَا تَابُوت إِلَّا ويتردد إِلَى الترب كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات وَأكْثر مَعَ كَثْرَة ازدحام النَّاس عَلَيْهَا وَعز وجودهَا فَيكون على هَذَا عدَّة من يَمُوت لَا يقصر عَن ألف وَخَمْسمِائة فِي الْيَوْم سوى من لَا يرد اسْمه الدِّيوَان من مرضى المارستان وَمن يطْرَح على الطرقات وغالب من يَمُوت الشَّبَاب وَالنِّسَاء. وَمَات بِمَدِينَة منوف الْعليا أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة إِنْسَان كَانَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة وَأَرْبَعُونَ نَفرا. وَاتفقَ فِي هَذَا الشَّهْر أَنه كَانَ لبَعض الْأُمَرَاء صَاحب من فُقَرَاء الْعَجم وَكَانَ لَهُ أَيْضا ولد صَغِير كيس فَكَانَ الْفَقِير يحب ذَلِك الصَّغِير وَيكثر أَن يَقُول: لَو مَاتَ هَذَا الصَّغِير لمت من الأسف عَلَيْهِ فَقدر الله موت الصَّغِير فَمَا فرغوا من غسله حَتَّى مَاتَ الْفَقِير فَسَارُوا بالجنازتين مَعًا ودفنا متجاورين. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي سادس عشره: اسْتَقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ عرف بِابْن المكللة ربيب ابْن جمَاعَة وعزل الطَّوِيل. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل ربيب بن جمَاعَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الموتان فِي النَّاس وَعز وجود الْبِطِّيخ الصيفي من كَثْرَة طلبه للمرضى. فبيعت بطيخة بِمِائَتي دِرْهَم وَسبعين درهما.
وَفِي آخِره: توجه عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى جِهَات مصر فَمضى الْأَمِير يشبك فِي طَائِفَة إِلَى الْبحيرَة وَمضى الْأَمِير يلبغا الناصري فِي طَائِفَة إِلَى أطفيح لأخذ جمال النَّاس من أجل التجريدة لقِتَال جكم. وَفِيه ظَهرت بثرة بِرَجُل فوصف لَهُ شخص أَن يُؤْخَذ فروج وَيُوضَع دبره على تِلْكَ البثرة فَإِن مَاتَ الْفروج وضع دبر فروج آخر. وَفعل كَمَا قَالَ فَمَاتَ عشرُون فروجاً عِنْدَمَا يلصق دبر الْفروج بالبثرة يَمُوت لوقته. وَفِيه ملك الْعَادِل جكم البيرة. وَفِي رَابِع عشرَة: بعث الْأَمِير شيخ - وَهُوَ بصفد - عسكره إِلَى نابلس فَقبض على عبد الرَّحْمَن المهتار وَحمل إِلَيْهِ فعاقبه ثمَّ قَتله. وَفِي ثامن عشره: حلف الْأَمِير نوروز وَمن مَعَه بِدِمَشْق للْملك الْعَادِل حكم ولبسوا الكلفتاه. وَوَقع الْجد فِي عمَارَة قلعة دمشق وسخر نوروز فِيهَا النَّاس. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ كبس الناصري بأطفيح على العربان وسَاق عدَّة من إبلهم فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ وأوقعوا بساقته وَأخذُوا عدَّة من بغاله وَقتلُوا مِنْهُ جمَاعَة وجرحوا طَائِفَة. وَقدم الْخَبَر بِأَن عربان الْبحيرَة أحاطوا بِمن توجه إِلَيْهِم من الْأُمَرَاء وحصروهم فِي مَدِينَة دمنهور فَخرجت النجدة إِلَيْهِم بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر أحد من الْأُمَرَاء فمرت العربان فِي الْبَريَّة إِلَى جِهَة الحمامات.
وَفِيه وَقع الاهتمام بِالسَّفرِ إِلَى الشَّام. وَفِيه طلب ابْن التركية من الْأَمِير يشبك الْأمان فَأَمنهُ وَحلف لَهُ فندما نزل قَرِيبا مِنْهُ بَينه وَقبض عَلَيْهِ وَقتل عدَّة من أَصْحَابه وَبعث إِلَى أَمْوَاله فنهبها وسَاق لَهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ ألف رَأس غنم وبعثها مَعَ الْأَمِير تعري بردى والأمير أقباي والأمير بشباي فوصلوا إِلَى الجيزة فِي سادس عشره بعد مَا لقوا فِي رمل الحاجر شدَّة وَتَلفت لَهُم عدَّة خُيُول. وَقدم يشبك بِمن مَعَه فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشره وَبَين يَدَيْهِ بن التركية وَجَمَاعَة من أهل الْبحيرَة فوسط السُّلْطَان ابْن التركية وعلق رَأسه على بَاب زويلة. وَفِي خَامِس عشرينه: علق الجاليش لتجهز الْعَسْكَر للسمر. وَفِي تَاسِع عشرينه: رسم بِالنَّفَقَةِ وصر لكل فَارس مبلغ ثَلَاثِينَ مِثْقَالا وَألف دِرْهَم فُلُوسًا فتجمع المماليك تَحت القلعة وامتنعوا من أَخذهَا. وَفِيه دقَّتْ البشائر بِمَوْت جكم. وَكَانَ من خَبره أَنه لما تسلطن استعد لأخذ بِلَاد الشمَال وَأعْرض عَن مصر. ثمَّ حرج من حلب يُرِيد الْأَمِير عُثْمَان بن طور عَليّ بن قوايلك وَقد نزل بتركمانه فِي أَرَاضِي آمد. فَحَضَرَ جكم البيرة حَتَّى أَخذهَا وَقتل نائبها كزل ثمَّ عدا الْفُرَات من البيرة فَأَتَتْهُ رسل قرايلك ترغب إِلَيْهِ فِي رُجُوعه إِلَى حلب وَأَنه يحمل إِلَيْهِ من الْجمال والأغنام عددا كثيرا فَلم يقبل. وَسَار حَتَّى قرب من ماردين فَنزل وَأقَام أَيَّامًا حَتَّى نزل إِلَيْهِ الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى وحاجبه فياض من ماردين فَسَار بِهِ إِلَى قرايلك وحطم عَلَيْهِ فقاتله قتالاً كَبِيرا أبلي فِيهِ جكم بِنَفسِهِ بلَاء عَظِيما وَقتل بِيَدِهِ إِبْرَاهِيم بن قرايلك فَانْهَزَمَ لقَتله التركمان إِلَى مَدِينَة آمد وامتنعوا بهَا فاتحكم جكم فِي طَائِفَة عَلَيْهِم حَتَّى توَسط بَين بساتين آمد فَإِذا هم قد أرْسلُوا الْمِيَاه فوحلت الْأَرَاضِي بِحَيْثُ يرتطم فِيهَا الْفَارِس بفرسه فَلَا يقدر على الْخَلَاص فَأخذ جكم وَمن مَعَه الرَّجْم من كل جِهَة وَقد انحصروا فِي مضيق لَا يُمكن فِيهِ كرّ
وَلَا فر وَصوب بعض التراكمين على جكم ورماه بِحجر فِي مقلاع أصَاب جَبهته فتجلد قَلِيلا وَمسح الدَّم عَن وَجهه ولحيته ثمَّ اخْتَلَط وَسقط عَن فرسه فتكاثر التركمان على من مَعَه وقتلوهم فَانْهَزَمَ بَقِيَّة الْعَسْكَر والتركمان فِي أَعْقَابهم تقتل وتأسر فَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَطلب جكم بَين الْقَتْلَى حَتَّى عرفه بعض التراكمين فَقطع رَأسه وبعثها إِلَى مصر وَقتل فِي هَذِه الْوَقْعَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري حَاجِب حلب والأمير أقمول نَائِب عينتاب وَالْملك الظَّاهِر عِيسَى صَاحب ماردين وحاجبه فياض وفر الْأَمِير كمشبغا العيساوي والأمير تمربعا المشطوب حَتَّى لَحقا بحلب. وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة فِي سَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا ركب الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من صفد يُرِيد الْأُمَرَاء بغزة وهم سودن الحمزاوي والأمير أينال بيه بن قجماس والأمير يشبك بن أزدمر فطرقهم على حِين غَفلَة فقاتلوه على الجديدة فِي يَوْم الْخَمِيس رابعه فَقتل أينال بيه وَيُونُس الحافظي نَائِب حماة وسودن تلِي المحمدي وسودن قرناس. وَقبض على سودن الحمزاوي بَعْدَمَا قلعت عينه وفر يشبك بن أزدمر إِلَى دمشق وَوَقع فِي قَبْضَة الْأَمِير شيخ عدَّة من المماليك فوسط تِسْعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وغرق أحد عشر وَأَفْرج عَن مماليك الْأُمَرَاء وَقَالَ لَهُم: قد وفيتم لأستاذيكم وَبعث بطَائفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى السُّلْطَان وَعَاد إِلَى صفد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خسف جَمِيع جرم الْقَمَر فِي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشره. وَفِيه عَاد الْأَمِير نوروز إِلَى طَاعَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بعد قتل جكم وافتتح كتبه بالملكي الناصري وأعيدت الْخطْبَة للناصر بِدِمَشْق يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرينه. وَسمع بعض أهل طَرِيق الله صَوتا فِي الْهَوَاء بِدِمَشْق حفظ مِنْهُ: يمر السَّحَاب بِأَرْض الشَّام كمر الْحمام بِأَرْض الْحرم تروم النُّزُول فَلَا تسطيع لفعل الْخَطَايَا وذنب الْأُمَم وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد الطنبدي الشَّافِعِي وَقد أناف على السِّتين فِي حادي عشْرين ربيع الأول وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء العارفين بالأصول وَالتَّفْسِير والغريب. وَأفْتى ودرس
وَوعظ عدَّة سِنِين وَكَانَ من الأذكياء والأدباء الفصحاء وَلم يكن مرضى الدّيانَة. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حيدرة بن عبد الله الدجوي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى عَن سِتَّة وَسبعين سنة وَكَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث والنحو واللغة والتاريخ وَغير ذَلِك حَافِظًا ضابطاً ثِقَة حدث فِي آخر عمره. بعد طول خموله. وَمَات شرف الدّين أَبُو بكر بن تَاج الدّين مُحَمَّد بن اسحق السّلمِيّ الْمَنَاوِيّ أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِيَّة وخطب الْجَامِع الحاكمي فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة عَن بضع وَخمسين. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن فهيز المغيربي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ فِي شبابه لَهُ تنسك. وخدم عبد الله اليافعي بِمَكَّة. ثمَّ صحب طشتمر الدوادار فِي الْأَيَّام الأشرفية فَنَوَّهَ بِهِ حَتَّى صَار يعد من الْأَعْيَان والأغنياء المترفين. وَمَات الشريف بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن حسن النسابة الْحسنى شيخ خانكاه بيبرس فِي لَيْلَة السبت سادس عشر شَوَّال عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة. حدث عَن الوادياشي والميدومي والحافظ قطب الدّين عبد الْكَرِيم وَغَيرهم. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن زَاده الخرزباني شيخ خانكاه شيخو فِي يَوْم الْأَحَد
آخر ذِي الْقعدَة وَدفن بالخانكاه. وَكَانَ من أَعْيَان الْحَنَفِيَّة وَله يَد فِي الْعُلُوم الفلسفية واستدعاه السُّلْطَان من بَغْدَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن سُلَيْمَان القرمي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الأولى. وَولي حسبَة مصر ثمَّ حَسبه الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز أستادار السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شهر وَجب. وَمَات الْأَمِير نعير بن حيار بن مهنا ملك الْعَرَب قَتله جكم فِي قلعة حلب. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري أستادار السُّلْطَان بحلب. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن بهاء الدّين أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَاضِي قُضَاة دمشق لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده بهَا فِي سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة. وَقدم الْقَاهِرَة صَغِيرا وَنَشَأ بهَا ثمَّ عَاد إِلَى دمشق ودرس بهَا ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بهَا غير مرّة وَطَلَبه السُّلْطَان فاختفي حَتَّى مَاتَ. وَمَات زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الكفري قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق لَيْلَة السبت سادس عشر ربيع الآخر. ومولده سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق. وَقدم الْقَاهِرَة وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق غير مرّة، فَسَاءَتْ سيرته. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجواشني الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْأَحَد
سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَقدم الْقَاهِرَة وناب فِي الحكم بهَا وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق ودرس فِي عدَّة مدارس وَكَانَ مشكوراً. وَمَات شرف الدّين مَسْعُود بن شعْبَان الْحلَبِي فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شهر رَمَضَان بطرابلس. قدم الْقَاهِرَة غير مرّة وَولي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وطرابلس مرَارًا. وَمَات عبد الرَّحْمَن المهتار مقتولاً بصفد فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد تَأمر وغزا الكرك وأفسد فِيمَا هُنَالك بِكَثْرَة الْفِتَن.