المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رد عليهم مصطفى السباعي، وأبو الحسن الندوي، وصبحي الصالح وعشرات: - السنة النبوية في مواجهة شبهات الاستشراق - أنور الجندي

[أنور الجندي]

الفصل: ‌ رد عليهم مصطفى السباعي، وأبو الحسن الندوي، وصبحي الصالح وعشرات:

المائة الثانية للهجرة أعطى فرصة للمسلمين ليزيدوا وينقصوا في الحديث وفي وضع أحاديث لخدمة أغراضهم.

يُرَدِّدُ هذا جولدتسيهر ودُوزِيِ وشبرنجر.

وقد شك جولدتسيهر في صحة وجود صحف كثيرة في عهد الرسول، راميًا من وراء ذلك إلى إضعاف الثقة باستظهار السُنَّة وحفظها في الصدور، وهو يرمي أيضًا إلى وصم السُنَّة (أو أغلبها) بالاختلاق والوضع على أَلْسِنَةِ المُدَوِّنِينَ، وهو يزعم أَنَّ هؤلاء المُدَوِّنِينَ لم يجمعوا من الأحاديث إِلَاّ ما يوافق هواهم، ويرى شبرنجر في كتابه " الحديث عند العرب " أَنَّ الشروع في التدوين وقع في القرن الهجري الثاني وأَنَّ السُنَّةَ انتقلت بطريق المشافهة. أما دُوزي فهو ينكر نسبة هامة (التركة المجهولة) كما يُسَمِّيهَا من الأحاديث إلى الرسول. وقد رَدَّ كثير من الباحثين المسلمين داحضين هذه الأهواء المُوغلة في الحقد والخصومة،‌

‌ رَدَّ عليهم مصطفى السباعي، وأبو الحسن الندوي، وصُبحي الصالح وعشرات:

أولاً - ما أورده الدكتور مصطفى السباعي حين قال: «حرص الصحابة على حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقله وحرص التابعين وتابعي التابعين

ص: 13

فمن بعدهم، على نقل هذا الحديث وجمعه وتنقيته من شوائب التحريف والتزيد، وما قام به علماء السُنَّة من جهود جبارة في تتبع الكذابين والوضَّاعين، وفضح نواياهم ودخائلهم، وبيان ما زادوه في السُنَّة من أحاديث مكذوبة، حتى جمعت السُنَّة في كتب صحيحة، وأشبعها النُقَّاد بحثاً وتمحيصاً، ثم خرجوا من ذلك إلى الاعتراف بصحتها والتسليم بها، إذا أمعنت النظر في ذلك كله، أيقنت أنَّ هؤلاء المستشرقين يخبطون في أودية الأوهام، ويتأثرون بأهوائهم [وتعصبهم في الحكم على حقائق يعتبر العبث بها في نظر المحقق المنصف إسفافاً وتلاعباً بالعلم، وإخضاعاً لحقائق التاريخ إلى نظريات الهوى والعصبية](1).

ثانيًا - ما أشار إليه السيد أبو الحسن الندوي من أَنَّ الصحابة بدأوا في تدوين الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك مجموعات من الأحاديث لعدد من الصحابة منها " الصحيفة الصادقة " لعبد الله بن عمرو بن العاص، وكان لِعَلِيٍّ بن أبي طالب صحيفة، وكان لأنس ولعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، لكل منهم صحيفة، وهناك " صحيفة هَمَّاٍم بْنِ مُنَبِّهٍ، فإذا جمعت هذه الصحف والمجاميع كونت العدد الأكبر من

(1)[نقلاً عن " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص 195. الطبعة الثالثة - بيروت: 1402 هـ - 1982 م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان].

ص: 14

الأحاديث التي جمعت في الجوامع والمسانيد والسُنن في القرن الثالث، وقد تحقق أَنَّ المجموع الأكبر من الأحاديث سبق تدوينه ونسخه من غير نظام وترتيب في عصر الرسول وفي عصر الصحابة، وقد شاع في الناس حتى المثقفين والمؤلفين أنَّ الحديث لم يكتب ولم يسجل إلَاّ في القرن الثالث الهجري

وأحسنهم حالاً من يرى أنه كتب في القرن الثاني وما نشاهد هذا الغلط إلَاّ عن طريقين:

الأول: أَنَّ عامة المؤرخين يضطرون إلى ذكر مُدَوِّنِي الحديث في القرن الثاني ولا يُعْنُونَ بذكر هذه الصحف والمجاميع التي كتبت في القرن الأول لأنَّ عامتها فقدت أو ضاعت مع أنها اندمجت وذابت في المؤلفات المتأخرة.

الثاني: أَنَّ المحدثين يذكرون عدد الأحاديث الضخم الهائل الذي لا يتصور أَنْ يكون في هذه المجاميع الصغيرة التي كتبت في القرن الأول؛ مع أَنَّ عدد الأحاديث الصحاح غير المتكررة المتحررة من المتابعات لا يزال قليلاً، فحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مثلاً يُرْوَى من سبعمائة طريق، فلو جَرَّدْنَا مجاميع الأحاديث من هذه المتابعات والشواهد لبقي

ص: 15

عدد قليل من الأحاديث، فـ " الجامع الصحيح " للبخاري لا تزيد الأحاديث التي رويت بالسند الصحيح فيه عن ألفين وستمائة وحديثين. وأحاديث " مسلم " يبلغ عددها أربعة آلاف حديث. ومعظم هذه الثروة الحديثية قد كتب ودُوِّنَ بأقلام رُوَاةِ العصر الأول، وقد يزيد ما حفظ في الكتب والدفاتر كتابة وتحريرًا في العصر النبوي وفي عصر الصحابة على عشرة آلاف حديث إذا جمعت في صحف ومجاميع أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعلي وابن عباس.

وبذلك يمكن أَنْ يقال: إِنَّ ما ثبت من الأحاديث الصحاح وما احتوت عليه مجاميعها ومسانيدها قد كُتِبَ وَدُوِّنَ في عصر الصحابة قبل أَنْ يُدَوَّنَ " الموطأ " و " الصحاح " بكثير.

وكانت الخطوة التالية أَنْ قام المحدثون فَنَقَّبُوا في البلاد في البحث عن الروايات، المختلفة والأسانيد الصحيحة وكان لهم في ذلك هيام وغرام لم يعرف عن أُمَّةٍ من الأمم في التاريخ من التجول في البلاد والسفر في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ولم يقتصروا على جمع الحديث وتدوينه بل

ص: 16