الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغربية لا يجدون مخرجًا من مأزقهم إلَاّ برفض السُنَّة على أنها غير واجبة الاِتِّبَاعِ بين المسلمين، ذلك لأنها قائمة على أحاديث لا يُوثَقُ بها، وبذلك يصح تحريف تعاليم القرآن الكريم لكي تظهر موافقته لروح المدنية الغربية أكثر سهولة».
وهذا هو الخطر الكامن وراء مهاجمة السُنَّة
وإثارة الشُبْهَةِ حول الحديث النبوي.
لا مشاحة أَنَّ السُنَّةَ النبوية الشريفة هي المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن باعتباره عقيدة وباعتباره تشريعًا وباعتباره أخلاقًا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله الشريف:«أَلَا إِنِّى أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. أَلَا وَأَنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» .
وقد كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسُنَّةِ كما ينزل عليه القرآن ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن. قال الإمام الشافعي: «وَسُنَنُ رَسُولِ اللََّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَصُّ كِتَابٍ فَاتَّبَعَهُ رَسُولُ اللََّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَنْزَلَ اللََّهُ، وَالآخَرُ جُمْلَةً، بَيَّنَ رَسُولُ اللََّهِ فِيهِ عَنْ اللََّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ بِالجُمْلَةِ وَأَوْضَحَ كَيْفَ فَرْضُهَا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَكَيْفَ أَرَادَ أَنْ يَأْتِي بِهِ
العِبَادُ وَكِلَاهُمَا اتَّبَعَ فِيهِ كِتَابَ اللِه».
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُبَيِّنُ للناس القرآن عقيدة وشريعة وأخلاقًا على وجوه شتى وعلى أنحاء مختلفة وعلى أساليب متعددة، يُبَيِّنُ لهم ذلك بسلوكه وبقوله وبإقراراته، يقول:«مَا تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلَاّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا تَرَكْتُ شَيْئًا - مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ. إِلَاّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ» (1).
وقد عَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم الناس بثلاث طرق: تعليماته الشفوية التي هي أقواله، وسلوكه الشخصي الذي هو أعماله، وسكوته الذي يعني موافقته الحكيمة على أفعال غيره من الناس، يقول الدكتور محمد عبد الله دراز:«إِنَّ الأحاديث النبوية مرتبطة في الإسلام بالقرآن كما ترتبط قوانين الدولة بدستورها، فالقرآن يأمرنا بالرجوع مباشرة للحديث النبوي لأخذ التعليمات المفصلة منه فيما يتعلق بأكبر فرضين أساسيين: الصلاة والزكاة (الصلاة واجبنا تجاه الله والزكاة تجاه مجتمعنا) والقرآن يُقِرُّ السُنَّة ويمنحها حق إيضاح فرائض القرآن العامة والتعريف بها، ولولا السُنَّة لظلت النصوص القرآنية غير مفهرسة ولبقيت مجملة» .
ويقول الدكتور عبد الحليم محمود: «كان بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتمل على بيان ما أجمل في كتاب الله، أجمل القرآن الصلاة
(1)[رواه الشافعي في " الرسالة ": (ص 87) وأثبت الشيخ أحمد شاكر صحته، في الصفحات: (93 - 103)].
والزكاة والحج وفَصَّلَهَا رسول الله. بين ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسُنَنِهَا وعدد ركعاتها، والزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعُمرة، كان يُبَيِّنُ كيفية الصلاة بقوله:" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، وفي الحج:" خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ "، وفرض الله سبحانه الزكاة ولم يُبَيِّنْ مقاديرها ولم يذكر بالتفصيل الزروع والثمار والأموال التي تجب فيها، وقد بَيَّنَتْ السُنَّةُ أَنَّ القاتل لا يرث وأَنَّ الوصية لا تكون في أكثر الثلث وأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ على الوصية»
ومما يروى أَنَّ عمران بن حصين قال لرجل يريد أَنْ يقتصر على القرآن دون السُنَّةِ: «إنك أمرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله الظهر أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة؟» ثم عدَّد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا.
وقد أشار القرآن إلى مكانة السُنَّة وإلى مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفصيل ما أجمل القرآن وذلك في آيات بَيِّنَتٍ:
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (1).
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2).
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (3).
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (4).
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
(1)[النجم: 3، 4].
(2)
[الحشر: 7].
(3)
[المائدة: 92]، [التغابن: 12].
(4)
[النساء: 80].
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1).
وقد أشار الأئمة الأعلام إلى أنه لا يرى قول الإمام من أئمة المذاهب في القرنين الثاني والثالث إِلَاّ وقد سبقه إليه صحابي أو تابعي، وإِنَّ مكانة السُنَّة النبوية والحديث من الشريعة الإسلامية لا تخفى، وأثرها في الفقه الإسلامي منذ عصر النبي والصحابة حتى عصور الاجتهاد
…
واستقرار المذاهب، وَإِنَّ من يَطَّلِعُ على القرآن والسُنَّةِ يجد أَنَّ السُنَّةَ
(1)[الأحزاب: 21].
(2)
[الأعراف: 157].
(3)
[النحل: 44].
الأثر الأكبر في اتساع دائرة التشريع الإسلامي وعظمتها وخلوده، هذا التشريع العظيم الذي بهر أنظار علماء القانون في جميع أنحاء العالم هو ما حمل ويحمل أعداء الإسلام في الماضي والحاضر على مهاجمة السُنَّة والتشكيك في صحتها ورُواتها من أعلام الصحابة.
هذا وبالله التوفيق،،،
أنور الجندي.