المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مبدأ التاريخ الهجري - الشماريخ في علم التاريخ

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ذكر مبدأ التاريخ الهجري

‌ذكر مبدأ التاريخ الهجري

أخبرني شيخنا شيخ الإسلام البلقيني "شفاها" عن أبي إسحاق التنوخي أنا محمد بن عساكر "إجازة" عن عبد الرحيم بن تاج الأمناء أنا حافظ الإسلام أبو القاسم بن عساكر أنا أبو الكرم الشهرزوري وغيره "إجازة" أنا ابن طلحة أنا الحسن بن الحسين أنا إسماعيل الصفار أنا محمد بن إسحق ثنا "أبو عاصم" عن ابن جريج عن أبي سلمة عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتاريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع الأول

"رواه يعقوب بن سفيان حدثنا يونس ثنا ابن وهب عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال:

التاريخ من يوم قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا1.

1 في المواهب المدنية: "وذكر الحاكم أن خروجه عليه الصلاة والسلام كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها.

وجزم ابن إسحاق أنه خرج أول يوم من ربيع الأول.

ثم قال: وكذا جزم الأموي في المغازي عن ابن إسحق فقال: كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال"

قال: "وخرج لهلا ربيع الأول وقد المدينة لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.

وقال الكتاني صاحب كتاب "التراتيب الإدارية" ج1 ص 180 "حكى أبو جعفر بن النحاس في كتابه "صناعة الكتاب" وحكاه عنه القلقشندي في صبح الأعشى ص 240 من الجزء السادس عن محمد بن جرير أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة - وقدمها في شهر ربيع الأول- أمر بالتأريخ.

قال القلقشندي: وعلى هذا يكون ابتداء التأريخ في عام الهجرة" إلى أن قال: "فاتفق رأيهم أن يكون التأريخ من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام والذي أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأسس المساجد وعبد الله آمنا كما يحبه فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل".

ص: 11

قال ابن عساكر: هذا أصوب والمحفوظ أن الآمر بالتاريخ عمر قلت: "وقفت على ما يعضد الأول فرأيت بخط ابن القماح في مجموع له: قال ابن الصلاح: "وقفت على كتاب في الشروط للأستاذ أبي طاهر ابن محمش "الزيادي" ذكر فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصارى نجران وأقر عليا أن يكتب فيه "إنه كتب لخمس من الهجرة".

فالمؤرخ إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر تبعه.

وقد يقال: هذا صريح في أنه أرخ سنة خمس والحديث الأول فيه أنه أرخ يوم قدم المدينة؟!

ص: 12

ويجاب بأنه لا منافاة فإن الظرف وهو قوله: "يوم قدم المدينة" ليس متعلقا بالفعل وهو "أمر" بل بالمصدر وهو "التاريخ" أي أمر بأن يؤرخ بذلك اليوم لا أن الأمر في ذلك اليوم فتامله فإنه نفيس.

وقال البخاري في تاريخه الصغير: ثنا ابن أبي مريم ثنا يعقوب ابن إسحاق -هو العلوي- ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة".

أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة في "تاريخه"1 حدثنا مصعب ابن عبد الله الزبيري عن ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل عن سعد2 قال:

"أخطأ الناس العدد ولم يعدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته إنما عدوا من مقدمة المدينة".

قال مصعب: وكان تاريخ قريش من متوفى هشام بن المغيرة "يعني أرخوا تواريخهم"

وأخرج البخاري في صحيحه حديث سهل بلفظ: "ما عدوا" إلى آخره ولم يقل "أخطأ الناس".

1 هو: محمد بن عثمان الكوفي المتوفى سنة 297 سبع وتسعين ومائتين.

2 هو سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 13

وقال أحمد بن حنبل: ثنا روح ثنا زكريا بن إسحق ثنا عمرو بن دينار: أن أول من أرخ في الكتب يعلى بن أمية وهو باليمن وكان يعلى أميرا عليها لعمر.

وقال البخاري في - التاريخ الصغير - ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ثنا عبد العزيز بن محمد بن عثمان بن رافع سمعت سعيد بن المسيب يقول قال عمر: "متى نكتب التاريخ"؟؟؟ فجمع المهاجرين فقال له علي: "من يوم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم نكتب التاريخ".

"رواه الواقدي عن ابن سيرين عن عثمان بن عبد الله بن رافع - فكأنه نسب إلى جده -".

وأخرج ابن عساكر عن الشعبي قال: كتب أبو موسى إلى عمر: إنه تاتينا من قبلك كتب ليس لها تاريخ فأرخ.

فاستشار عمر في ذلك؟ فقال بعضهم: أرخ لبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: لوفاته فقال عمر: "لا بل نؤرخ لمهاجره فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل" فأرخ به

وأخرج عن أبي الزناد قال: "استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة".

وأخرج ابن المنير عن سعيد بن المسيب قال: "أول من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته فكتبه لست عشرة من المحرم بمشورة علي بن أبي طالب.

وقال ابن أبي خيثمة: أنبأنا علي بن محمد - هو المدائني- أنبأنا قرة

ص: 14

ابن خالد عن ابن سيرين أن رجلا من المسلمين قدم من اليمن فقال لعمر: رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وشهر كذا فقال عمر: إن هذا لحسن فأرخوا.

فلما أجمع على أن يؤرخ شاور فقال قوم: بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وقال قوم: بالمبعث وقال قوم: حين خرج مهاجرا من مكة وقال قائل: من الوفاة - حين توفى -.

فقال: عمر أرخوا خروجه من مكة إلى المدينة.

ثم قال: بأي شهر نبدأ فنصيره أول السنة؟؟ فقالوا: رجب فإن أهل الجاهلية كانوا يعظمونه

وقال آخرون: شهر رمضان وقال بعضهم: ذو الحجة فيه الحج.. وقال آخرون: الشهر الذي خرج فيه من مكة وقال آخرون: الشهر الذي قدم فيه.

فقال عثمان1: أرخوا من المحرم أول السنة - أول السنة المحرم- وهو شهر حرام وهو أول الشهور في العدة2 وهو منصرف الناس عند الحج. فيصير أول السنة المحرم وكان ذلك سنة سبع عشرة ويقال سنة ست عشرة في نصف ربيع الأول

قلت: وقفت علي نكتة أخرى في جعل المحرم أول السنة فروى سعيد بن منصور في سننه قال حدثنا نوح بن قيس حدثنا عثمان

1 سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وعنا به.

2 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ} من سورة التوبة الآية 36.

ص: 15

بن محصن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال في قوله تعالى - {وَالْفَجْرِ} - قال: "الفجر شهر المحرم هو فجر السنة".

"أخرجه البيهقي في الشعب وإسناده حسن"

قال شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر في أماليه1 بهذا يحصل الجواب عن الحكمة في تاخير التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم بعد أن اتفقوا على جعل التاريخ من الهجرة وإنما كانت في ربيع الأول.

وقال البخاري في "تاريخه": حدثنا إبراهيم حدثنا يونس عن إسحق عن الأسود عن عبيد بن عمير قال: المحرم شهر الله وهو رأس السنة فيه يكسى البيت ويؤرخ التاريخ ويضرب فيه الورق2.

وسيأتي السبب في وضع التاريخ في الباب الثاني.

قال ابن عساكر: وذكر أبو الحسن: محمد بن أحمد الوراق المعروف ب "ابن القواس إن أول المحرم سنة الهجرة كان يوم الخميس اليوم الثامن من أيام سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة لذي القرنين.

1 هو الحافظ: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 اثنين وخمسين وثمانمائة أكثر كتابه حديث أملاه بمدينة حلب كذا في كشف الظنون.

2 بكسر الراء وهو الفضة أي يبتدأ فيه بسك العملة وصيغها وفيه إشارة واضحة إلى أن أعمال المسلمين الهامة تعمل في كل عام مع بدء العام الهجري.

ص: 16