المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ورثاه بعد موته بقصيدة يقول فيها…قلوب الناس قاسية سلاط وليس لها الى العليا نشاط…اينشط بعد وفاة حبر لنا من نثر جوهره التقاط…تقي الدين ذو ورع وعلم خروق المعضلات به تخاط…قضى نحبا وليس له قرين ولا لنظيره لف القماط…فتى في علمه أضحى فريدا…وحل - الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية

[مرعي الكرمي]

الفصل: ‌ورثاه بعد موته بقصيدة يقول فيها…قلوب الناس قاسية سلاط وليس لها الى العليا نشاط…اينشط بعد وفاة حبر لنا من نثر جوهره التقاط…تقي الدين ذو ورع وعلم خروق المعضلات به تخاط…قضى نحبا وليس له قرين ولا لنظيره لف القماط…فتى في علمه أضحى فريدا…وحل

الصَّغِير توفّي بحلب سنة تسع واربعين وَسَبْعمائة

قَالَ فِي رحلته لما ذكر عُلَمَاء دمشق وَتركت التعصب وَالْحمية وَحَضَرت مجَالِس ابْن تَيْمِية فاذا هُوَ بَيت القصيدة واول الخريدة عُلَمَاء زَمَانه فلك هُوَ قطبه وجسم هُوَ قلبه يزِيد عَلَيْهِم زِيَادَة الشَّمْس على الْبَدْر وَالْبَحْر على الْقطر

بحثت بَين يَدَيْهِ يَوْمًا فاصبت الْمَعْنى فكناني وَقبل بَين عَيْني الْيُمْنَى فَقلت

ان ابْن تَيْمِية

فِي كل الْعُلُوم وَاحِد

احييت دين احْمَد

وشرعه يَا احْمَد

‌ورثاه بعد مَوته بقصيدة يَقُول فِيهَا

قُلُوب النَّاس قاسية سلاط وَلَيْسَ لَهَا الى الْعليا نشاط

اينشط بعد وَفَاة حبر لنا من نثر جوهره الْتِقَاط

تَقِيّ الدّين ذُو ورع وَعلم خروق المعضلات بِهِ تخاط

قضى نحبا وَلَيْسَ لَهُ قرين وَلَا لنظيره لف القماط

فَتى فِي علمه أضحى فريدا

وَحل

المشكلات بِهِ يناط

ص: 30

وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرتها كلهَا مَعَ مراثي عديدة فِي كتاب المناقب فيراجع

4 -

وَمِنْهُم أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة علم الْقُرَّاء أستاذ النُّحَاة والأدباء جمال الْمُفَسّرين أثير الدّين أَبُو حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن يُوسُف بن حَيَّان الأندلسي الجياني الغرناطي ثمَّ الْمصْرِيّ الظَّاهِرِيّ

ولد بأعمال غرناطة قَاعِدَة بِلَاد الأندلس فِي شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة

وَتُوفِّي فِي صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بعد أَن أضرّ فِي آخر عمره

قَالَ القَاضِي الْفَاضِل ابْن فضل الله الْعمريّ وَلما سَافر ابْن تَيْمِية على الْبَرِيد سنة سَبْعمِائة وحض أهل مصر على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَأَغْلظ فِي القَوْل للسُّلْطَان والأمراء ثمَّ رتب لَهُ فِي مُدَّة مقَامه بِالْقَاهِرَةِ فِي كل يَوْم دِينَار وتحفة وجاءته بقجة قماش فَلم يقبل من ذَلِك شَيْئا قَالَ وَحضر عِنْده شَيخنَا أَبُو حَيَّان وَكَانَ عَلامَة وقته فِي النَّحْو فَقَالَ مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثل ابْن تَيْمِية ثمَّ مدحه أَبُو حَيَّان على البديهة فِي الْمجْلس

ص: 31

فَقَالَ

لما أَتَيْنَا تَقِيّ الدّين لَاحَ لنا

دَاع إِلَى الله فَرد مَال لَهُ وزر

على محياه من سِيمَا الأولى صحبوا

خير الْبَريَّة نور دونه الْقَمَر

حبر تسربل مِنْهُ دهره حبرًا

بَحر تقاذف من أمواجه الدُّرَر

قَامَ ابْن تَيْمِية فِي نصر شرعتنا

مقَام سيد تيم إِذْ عَصَتْ مُضر

فأظهر الْحق إِذْ أثاره درست

وأخمد الشَّرّ إِذْ طارت لَهُ الشرر

كُنَّا نُحدث عَن حبر يَجِيء فها

أَنْت الإِمَام الَّذِي قد كَانَ ينْتَظر

قَالَ ثمَّ دَار بَينهمَا كَلَام فِيهِ ذكر سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ ابْن تَيْمِية فِيهِ كلَاما نافره عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان وقطعه بِسَبَبِهِ ثمَّ عَاد من أَكثر النَّاس ذما لَهُ واتخذه لَهُ ذَنبا لَا يغْفر

وَقَالَ الشَّيْخ زين الدّين ابْن رَجَب فِي كِتَابه الطَّبَقَات عَن هَذِه الأبيات وَيُقَال إِن أَبَا حَيَّان لم يقل أبياتا خيرا مِنْهَا وَلَا أفحل انْتهى

وَهَذِه الْقِصَّة ذكرهَا الْحَافِظ الْعَلامَة ابْن كثير فِي تَارِيخه وَهِي أَن أَبَا حَيَّان تكلم مَعَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فِي مَسْأَلَة فِي النَّحْو فَقَطعه ابْن تَيْمِية فِيهَا وأكزمه الْحجَّة فَذكر أَبُو حَيَّان كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ ابْن تَيْمِية يفشر سِيبَوَيْهٍ أسيبويه نَبِي النَّحْو أرْسلهُ الله بِهِ حَتَّى يكون مَعْصُوما سِيبَوَيْهٍ أَخطَأ فِي الْقُرْآن فِي ثَمَانِينَ موضعا لَا تفهمها أَنْت وَلَا هُوَ

ص: 32

قَالَ وَكَانَ ابْن تَيْمِية لَا تَأْخُذهُ فِي الْحق لومة لائم وَلَيْسَ عِنْده مداهنة وَكَانَ مادحه وذامه فِي الْحق عِنْده سَوَاء

وَمِنْهُم ابْن الْقيم وَهُوَ الْعَلامَة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ اُحْدُ الْمُحَقِّقين علم المصنفين نادرة الْمُفَسّرين ابو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي ألاصل ثمَّ الدِّمَشْقِي ابْن قيم الجوزية وتلميذ ابْن تَيْمِية لَهُ التصانيف الانيقة والتلآليف الَّتِى فِي عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة

ولد سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَمَات فِي رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق

وَكَانَ قد لَازم أبن تَيْمِية واخذ عَنهُ علما جما فَكَانَ ذَا فنون من الْعُلُوم صَاحب ادراك لسرائر الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم وبرع فِي علم الحَدِيث بِحَيْثُ انْتَهَت اليه فِيهِ الرِّئَاسَة

قَالَ الْحَافِظ ابو بكر مُحَمَّد بن الْمُحب قلت لشَيْخِنَا الْحَافِظ الْمزي ابْن الْقيم فِي دَرَجَة ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ هُوَ فِي هَذَا الزَّمَان كَابْن خُزَيْمَة فِي زَمَانه

وَمن مصنفاته زَاد الْمعَاد فِي هدي خير الْعباد فِي اربعة

ص: 33

مجلدات وَكتاب سفر الهجرتين وَبَاب السعادتين

قَالَ رحمه الله فِي تَرْجَمته لِابْنِ تَيْمِية شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين الْقَائِم بِبَيَان الْحق ونصرة الدّين الدَّاعِي الى الله وَرَسُوله الْمُجَاهِد فِي سَبيله الَّذِي اضحك الله بِهِ من الدّين مَا كَانَ عَابِسا وأحيى من السّنة لل مَا كَانَ دارسا والنور الَّذِي اطلعه الله فِي ليل الشُّبُهَات فكشف بِهِ غياهب الظُّلُمَات وَفتح بِهِ من الْقُلُوب مقفلها وازاح بِهِ عَن النُّفُوس عللها فقمع بِهِ زيغ الزائغين وَشك الشاكين وانتحال المبطلين وصدقت بِهِ بِشَارَة رَسُول رب الْعَالمين يَقُول ان الله يبْعَث لهَذِهِ الامة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا وَبِقَوْلِهِ يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين

وَهُوَ الشَّيْخ الْعَلامَة الزَّاهِد العابد الخاشع الناسك الْحَافِظ المتبع تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شيخ الاسلام ابي المحاسن عبد الْحَلِيم بن الشَّيْخ الْإِسْلَام ومفتى الْفرق عَلامَة الدُّنْيَا مجد الين عبد السَّلَام ابْن الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الْكَبِير شيخ الاسلام فَخر الدّين عبد الله بن ابي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي قدس الله روحه وَنور ضريحه

قَالَ ابْن الْقيم وَسمعت شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية يَقُول ان فِي الدُّنْيَا جنَّة من لم يدْخل جنَّة الاخرة

ص: 34

وَكَانَ يَقُول بِالصبرِ وَالْيَقِين تنَال المامة فِي الدّين

وَكَانَ يَقُول لَا بُد للسالك الى الله عز وجل بَين مُشَاهدَة الْمِنَّة ومطالعة عيب النَّفس وَكَانَ يتَمَثَّل كثيرا

عوى الذِّئْب فاستأنست بالذئب إِذْ عوى

وَصَوت إِنْسَان فكدت أطير

وَكَانَ يتَمَثَّل أَيْضا

وَأخرج من بَين الْبيُوت لعلني أحدث عَنْك النَّفس فِي السِّرّ خَالِيا

6 وَمِنْهُم ابْن الزملكاني

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة جمال المناظرين كَمَال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن خطيب زملكاه الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي

أَخذ النَّحْو عَن ابْن مَالك وَالْفِقْه عَنهُ الشَّيْخ تَاج الدّين بن عبد الرَّحْمَن وَالْأُصُول عَن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين بن الزكي

ص: 35

وَكَانَ كثير الْفضل سريع الْإِدْرَاك يتوقد ذكاء وفطنة وَأجْمع النَّاس على فَضله وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْمَذْهَب فِي عصره وَتَوَلَّى قَضَاء حلب وَأقَام بهَا إِلَى أَن طلب إِلَى مصر ليتولى قَضَاء دمشق فَمَاتَ بِمَدِينَة بلبيس فِي رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَحمل إِلَى القرافة وَدفن بجوار قبه الإِمَام الشَّافِعِي وَكَانَ مولده فِي شَوَّال سنة سِتّ أَو سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة

تولى مناظرة شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية غير مَا مرّة وَمَعَ ذَلِك كَانَ يعْتَرف بإمامته وَلَا يُنكر فَضله

قَالَ مرّة عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَانَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعلم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يعرف غير ذَلِك الْفَنّ وَحكم أَن أحدا لَا يعرف مثله

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي طبقاته وَبَلغنِي من طَرِيق صَحِيح عَن ابْن الزملكاني أَنه سُئِلَ عَن الشَّيْخ يَعْنِي ابْن تَيْمِية فَقَالَ لم ير من خَمْسمِائَة سنة أَو قَالَ أَرْبَعمِائَة سنة الشَّك من النَّاقِل وغالب ظَنّه أَنه قَالَ من خَمْسمِائَة سنة أحفظ مِنْهُ انْتهى

وَقَالَ ابْن الزملكاني أَيْضا لقد أعطي ابْن تَيْمِية الْيَد الطُّولى فِي حسن التصنيف وجودة الْعبارَة وَالتَّرْتِيب والتقسيم والتبيين وَقد الْآن الله لَهُ الْعُلُوم كَمَا ألان الْحَدِيد لداود كَانَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعلم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يعرف غير ذَلِك الْفَنّ وَحكم أَن أحدا لَا يعرف

ص: 36

مثله وَكَانَ الْفُقَهَاء من سَائِر الطوائف إِذا جَلَسُوا مَعَه استفادوا فِي مَذْهَبهم مِنْهُ مَا لم يَكُونُوا عرفوه قبل ذَلِك وَلَا يعرف أَنه نَاظر أحدا فَانْقَطع مَعَه وَلَا تكلم فِي علم من الْعُلُوم سَوَاء كَانَ من عُلُوم الشَّرْع أم من غَيرهَا إِلَّا فاق فِيهِ أهل والمنتسبين إِلَيْهِ

وَقد رُوِيَ واشتهر وَذكر وانتشر مَا كتبه الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني على كتاب بَيَان الدَّلِيل على بطلَان التَّحْلِيل تأليف ابْن تَيْمِية هُوَ مَا نَصه من مصنفات سيدنَا وَشَيخنَا وقدوتنا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد البارع الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع الْقدْوَة الْكَامِل الْعَارِف تَقِيّ الدّين شيخ الْإِسْلَام سيد الْعلمَاء قدوة الْأَئِمَّة الْفُضَلَاء نَاصِر السّنة وقامع الْبِدْعَة حجَّة الله على الْعباد راد أهل الزيغ والعناد أوحد الْعلمَاء العاملين آخر الْمُجْتَهدين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي حفظ الله على الْمُسلمين طول حَيَاته وَأعَاد عَلَيْهِم من بركاته إِنَّه على كل شَيْء قدير

وَكتب ابْن الزملكاني أَيْضا بِخَطِّهِ على كتاب رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مَا نَصه تأليف الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الأوحد الْحَافِظ الْمُجْتَهد الزَّاهِد العابد الْقدْوَة إِمَام الْأَئِمَّة قدوة الْأمة عَلامَة الْعلمَاء وَارِث الْأَنْبِيَاء آخر الْمُجْتَهدين أوحد عُلَمَاء الدّين بركَة الْإِسْلَام حجَّة الْأَعْلَام برهَان الْمُتَكَلِّمين قامع المبتدعين محيي السّنة وَمن عظمت بنفعه علينا الْمِنَّة وَقَامَت بِهِ على أعدائه الْحجَّة واستبانت ببركته وهديه المحجة تَقِيّ الدّين

ص: 37

أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية أَعلَى الله مناره وشيد من الدّين أَرْكَانه ثمَّ قَالَ

مَاذَا يَقُول الواصفون لَهُ

وَصِفَاته جلت عَن الْحصْر

هُوَ حجَّة الله قاهرة

هُوَ بَيْننَا أعجوبة الدَّهْر

هُوَ آيَة فِي الْخلق ظَاهِرَة

أنوارها أربت على الْفجْر

7 -

وَمِنْهُم الْحَافِظ الذَّهَبِيّ

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الْهمام مُفِيد الشَّام ومؤرخ الْإِسْلَام ناقد الْمُحدثين وَإِمَام المعدلين والمجرحين إِمَام أهل التَّعْدِيل وَالْجرْح وَالْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْمَدْح والقدح شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان التركماني الفارقي الأَصْل ثمَّ الدِّمَشْقِي

ولد سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَمَات بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة

ومشيخته بِالسَّمَاعِ وَالْإِجَازَة نَحْو ألف شيخ وثلاثمائة يجمعهُمْ مُعْجَمه الْكَبِير

وَكَانَ آيَة فِي نقد الرِّجَال عُمْدَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل عَالما بالتفريع

ص: 38

والتأصيل إِمَامًا فِي الْقرَاءَات فَقِيها فِي النظريات لَهُ دربة بمذاهب الْأَئِمَّة وأرباب المقالات قَائِما بَين الْخلف بنشر السّنة وَمذهب السّلف

وَمن كَلَامه رحمه الله

الْفِقْه قَالَ الله قَالَ رَسُوله

إِن صَحَّ وَالْإِجْمَاع فاجهد فِيهِ

وحذار من نصب الْخلاف جَهَالَة بَين النَّبِي وَبَين رَأْي فَقِيه

وَله المؤلفات المفيدة والمصنفات السديدة مِنْهَا تَارِيخ الْإِسْلَام فِي عشْرين مجلدا وسير النبلاء فِي عشْرين مجلدا وميزان الإعتدال فِي نقد الرِّجَال وَغير ذَلِك

وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام عِنْد اجتماعه بِهِ بِدِمَشْق وَالشَّام

مَا زلت بِالسَّمْعِ أهواكم وَمَا ذكرت

أخباركم قطّ إِلَّا ملت من طرب

وَلَيْسَ من عجب أَن ملت نحوكم

فَالنَّاس بالطبع قد مالوا إِلَى الذَّهَب

وَقد ترْجم الذَّهَبِيّ هَذَا ابْن تَيْمِية فِي عدَّة مَوَاضِع وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء

ص: 39

حسنا فَقَالَ فِي كِتَابَة طبقَة سَماع كتاب رفع الملام عَن الائمة الْأَعْلَام سمع هَذَا الْكتاب على مُؤَلفه شَيخنَا الامام الْعَالم الْعَلامَة الاوحد شيخ الاسلام مفتي الْفرق قدوة الامة اعجوبة الزَّمَان بَحر الْعُلُوم حبر الْقُرْآن تَقِيّ الدّين سيد الْعباد ابي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية رضي الله عنه وَذكر بَقِيَّة الطَّبَقَة

وَكتب الذَّهَبِيّ ايضا تَحت خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية هَذَا خطّ شَيخنَا الامام شيخ الاسلام فَرد الزَّمَان بَحر الْعُلُوم تَقِيّ الدّين قَرَأَ الْقُرْآن وَالْفِقْه وناظر وَاسْتدلَّ وَهُوَ دون الْبلُوغ

برع فِي الْعلم وَالتَّفْسِير وافتى ودرس وَله نَحْو الْعشْرين وصنف التصانيف وَصَارَ من اكابرالعلماء فِي حَيَاة شُيُوخه وَله المصنفات الْكِبَار الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان وَلَعَلَّ تصانيفه فِي هَذَا الْوَقْت تكون أَرْبَعَة آلَاف كراس وَأكْثر وَفسّر كتاب الله تَعَالَى مُدَّة سِنِين من صَدره فِي أَيَّام الْجمع وَكَانَ يتوقد ذكاء وسماعاته من الحَدِيث كَثِيره وشيوخه أَكثر من مِائَتي شيخ ومعرفته بالتفسير اليها الْمُنْتَهى وَحفظه للْحَدِيث وَرِجَاله وَصِحَّته وسقمه فَمَا يلْحق فِيهِ وَأما نَقله للفقه ومذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فضلا عَن الْمذَاهب الاربعة فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِير واما مَعْرفَته بالملل والنحل والاصول وَالْكَلَام فَلَا اعْلَم لَهُ فِيهِ نظيرا ويدري جملَة صَالِحَة من اللُّغَة وعربيته قَوِيَّة جدا ومعرفته بالتاريخ وَالسير فَعجب عَجِيب وَأما شجاعته وجهاده واقدامه فَأمر يتَجَاوَز الْوَصْف ويفوق النَّعْت وَهُوَ اُحْدُ الاجواد الاسخياء الَّذين يضْرب بهم الْمثل وَفِيه زهد وقناعة باليسير فِي المأكل وَالْمشْرَب انْتهى

ص: 40

وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وَله بَاعَ طَوِيل فِي معرفَة مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقل أَن يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة إِلَّا وَيذكر فِيهَا مَذَاهِب الْأَرْبَعَة وَقد خَالف الْأَرْبَعَة فِي مسَائِل مَعْرُوفَة وصنف فِيهَا وَاحْتج لَهَا بِالْكتاب وَالسّنة وَلما كَانَ معتقلا بالإسكندرية التمس مِنْهُ صَاحب سبتة أَن يُجِيز لَهُ مروياته وينص على أَسمَاء جملَة مِنْهَا فَكتب فِي عشر وَرَقَات جملَة من ذَلِك بأسانيدها من حفظه بِحَيْثُ يعجز أَن يعْمل بعضه أكبر مُحدث يكون وَله خبْرَة تَامَّة بِالرِّجَالِ وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم وَمَعْرِفَة بفنون الحَدِيث وبالعالي والنازل وبالصحيح والسقيم مَعَ حفظه لمتونه فَلَا يبلغ أحد فِي الْعَصْر رتبته وَلَا يُقَارِبه وَهُوَ عجب فِي استحضار واستخراج الْحجَج مِنْهُ وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي عزوه إِلَى الْكتب السِّتَّة والمسند بِحَيْثُ يصدق عَلَيْهِ أَن يُقَال كل حَدِيث لَا يعرفهُ ابْن تَيْمِية فَلَيْسَ بِحَدِيث وَلَكِن الْإِحَاطَة لله غير أَنه يغترف من بَحر وَغَيره من الْأَئِمَّة يَغْتَرِفُونَ من السواقي وَله الْآن عدَّة سِنِين لَا يُفْتِي بِمذهب معِين بل بِمَا قَامَ الديل عَلَيْهِ عِنْده وَلَقَد نصر السّنة الْمَحْضَة والطريقة السلفية وَاحْتج لَهَا ببراهين ومقدمات وَأُمُور لم يسْبق إِلَيْهَا وَأطلق عِبَارَات أحجم عَنْهَا الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وهابوا وجسر عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ خلق من عُلَمَاء مصر وَالشَّام قيَاما لَا مزِيد عَلَيْهِ وبدعوه وناظروه وكاتبوه وَهُوَ ثَابت لَا يداهن وَلَا يحابي بل يَقُول الْحق المر الَّذِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ إجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته فِي السّنَن والأقوال مَعَ مَا اشْتهر مِنْهُ من الْوَرع وَكَمَال الْفِكر وسعة الْإِدْرَاك وَالْخَوْف من الله الْعَظِيم والتعظيم لحرمات الله فَجرى بَينه وَبينهمْ حملات حربية ووقعات شامية ومصرية وَكم من نوبَة قد رَمَوْهُ عَن قَوس وَاحِد فينجيه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ دَائِم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التَّوَكُّل

ص: 41

ثَابت الجأش لَهُ أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية وَله من الطّرف الآخر محبون من الْعلمَاء والصلحاء وَمن الْجند والأمراء وَمن التُّجَّار والكبراء وَسَائِر الْعَامَّة تحبه لِأَنَّهُ منتصب لنفعهم لَيْلًا وَنَهَارًا بِلِسَانِهِ وقلمه

وَأما شجاعته فِيهَا تضرب الْأَمْثَال وببعضها يتشبه أكَابِر الْأَبْطَال فَلَقَد أَقَامَهُ الله فِي نوبَة غازان والتقى أعباء الْأَمر بِنَفسِهِ وَقَامَ وَقعد وطلع وَخرج وَاجْتمعَ بِالْملكِ مرَّتَيْنِ وبخطلو شاه وببولاي وَكَانَ قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغول

وَله حِدة قَوِيَّة تعتريه فِي الْبَحْث حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْث حَرْب وَهُوَ أكبر من أَن يُنَبه مثلي على نعوته فَلَو حَلَفت بَين الرُّكْن وَالْمقَام لحلفت أَنِّي مَا رَأَيْت بعيني مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه فِي الْعلم

وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا وَكَانَ يَعْنِي ابْن تَيْمِية آيَة من الذكاء وَسُرْعَة الْإِدْرَاك رَأْسا فِي معرفَة الْكتاب وَالسّنة وَالِاخْتِلَاف بحرا فِي النقليات هُوَ فِي زَمَانه فريد عصره علما وزهدا وشجاعة وسخاء وأمرا بِالْمَعْرُوفِ ونهيا عَن الْمُنكر وَكَثْرَة تصانيف وَقَرَأَ وَحصل وبدع فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وتأهل للتدريس وَالْفَتْوَى وَهُوَ ابْن سبع عشرَة وَتقدم فِي علم التَّفْسِير وَالْأُصُول وَجَمِيع عُلُوم الْإِسْلَام أُصُولهَا وفروعها ودقها وجلها فَإِن ذكر التَّفْسِير فَهُوَ حَامِل لوائه وَإِن عد الْفُقَهَاء فَهُوَ مجتهدهم الْمُطلق وَإِن حضر الحفاط نطق وخرسوا وسرد وأبلسوا وَاسْتغْنى وأفلسوا وَإِن سمي المتكلمون فَهُوَ فردهم وَإِلَيْهِ مرجعهم وَإِن لَاحَ ابْن سينا يقدم

ص: 42

الفلاسفة فَلهم وهتك استارهم وكشف عوارهم وَله يَد طولى فِي معرفَة الْعَرَبيَّة وَالصرْف واللغة وَهُوَ اعظم من ان تصفه كلمي وينبه على شأوه قلمي فان سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته يحْتَمل ان تُوضَع فِي مجلدين فَالله تَعَالَى يغْفر لَهُ ويسكنه اعلى جنته فانه كَانَ رباني الامة وفريد الزَّمَان وحامل لِوَاء الشَّرِيعَة وَصَاحب معضلات الْمُسلمين راسا فِي الْعلم يُبَالغ فِي أَمر قِيَامه بِالْحَقِّ وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مُبَالغَة مَا رَأَيْتهَا وَلَا شاهدتها من اُحْدُ وَلَا لحظتها من فَقِيه

وَقَالَ الذَّهَبِيّ ايضا جمعت مصنفات شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين ابْن تيميه فَوجدت الف مُصَنف ثمَّ رَأَيْت لَهُ ايضا مصنفات اخر

وتراجم الذَّهَبِيّ لِابْنِ تيميه اشهر من أَن تذكر وَأكْثر من تحصر رَحْمَة الله تَعَالَى

ورثاه الذَّهَبِيّ بعد مَوته بقوله

يَا موت خُذ من اردت أوفدع

محوت رسم الْعُلُوم والورع

اخذت شيخ الاسلام وانفصمت

عرى التقى واشتفى ألوا الْبدع

غيبت بحرا مُفَسرًا جبلا

حبرًا تقيا مُجَانب الشِّبَع

فان تحدث فَمُسلم ثِقَة وان يناطر فَصَاحب اللمع

ص: 43

.. وَإِن يخض نَحْو سِيبَوَيْهٍ يفه

بِكُل معنى من الْفَنّ مخترع

وَصَارَ عالي الْإِسْنَاد حافظه

كشعبة أَو سعيد الضبعِي

وَالْفِقْه فِيهِ فَكَانَ مُجْتَهدا

وَذَا جِهَاد عَار من الْجزع

وجوده الْحَاتِمِي مشتهر

وزهده القادري فِي الطمع

أسْكنهُ الله فِي الْجنان وَلَا

زَالَ عليا فِي أجمل الْخلْع

مَعَ مَالك وَالْإِمَام أَحْمد والنعمان وَالشَّافِعِيّ والخلعي

مضى ابْن تيمة وموعده

مَعَ خَصمه يَوْم نفخة الْفَزع

8 -

وَمِنْهُم الْحَافِظ الْمزي

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام حَافظ الْإِسْلَام مُحدث الْأَعْلَام الحبر النَّبِيل أستاذ أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل شيخ الْمُحدثين جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف الْقُضَاعِي ثمَّ الْكَلْبِيّ الْحلَبِي الدِّمَشْقِي ثمَّ الْمزي الشَّافِعِي

ولد بِظَاهِر حلب سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَنَشَأ بالمزة وَسمع الْكثير من الْكتب الطوَال والقصار والأجزاء الْكِبَار وَغير الْكِبَار ورحل إِلَى

ص: 44

عدَّة من الْأَمْصَار وصنف كتاب التَّهْذِيب وَكتاب الْأَطْرَاف وَخرج لغير وَاحِد التخاريج المطولة واللطاف

وَكَانَ غزير الْعلم ثِقَة حجَّة حسن الْأَخْلَاق صَادِق اللهجة ترافق هُوَ وَابْن تَيْمِية شيخ الْإِسْلَام فِي السماع وَالنَّظَر فِي عُلُوم مَعَ عدَّة من الْأَعْلَام

مَاتَ فِي عَام اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَدفن بجوار ابْن تَيْمِية وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ بعض الْعلمَاء الأفاضل

مَا زلت أسمع عَن إحسانكم خَبرا

الْفضل يسْندهُ عَنْكُم وَيَرْفَعهُ

حَتَّى الْتَقَيْنَا فشاهدت الَّذِي سَمِعت

أُذُنِي وأضعف مَا كنت أسمعهُ

حدث غير وَاحِد من الشُّيُوخ عَن الْمزي أَنه قَالَ عَن ابْن تَيْمِية مَا رَأَيْت مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَمَا رَأَيْت أحدا أعلم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُول الله وَلَا أتبع لَهما مِنْهُ

وَقَالَ الْمزي أَيْضا عَن ابْن تَيْمِية ابْن تَيْمِية لم ير مثله مُنْذُ أَرْبَعمِائَة سنة

وَكتب الْمزي على كتاب تَرْجَمَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية

ص: 45

تصنيف ابْن عبد الهادي مَا صورته كتاب مُخْتَصر فِي ذكر حَال الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن تَيْمِية وَذكر بعض مصنفاته ومناقبه جمع الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي الْمَقْدِسِي

وَكتب الْمزي أَيْضا بِخَطِّهِ طبقَة سَماع على الْجُزْء الثَّانِي من حَدِيث الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي مَا صورته سمع هَذَا الْجُزْء على الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية وَالْإِمَام علم الدّين البرزالي بقرأته من لَفظه وَكَاتب السماع يُوسُف ابْن الركي

وَقد قَالَ قَاضِي الْقُضَاة صَالح بن عمر البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي لقد افتخر قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين السُّبْكِيّ فِي تَرْجَمَة أَبِيه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فِي ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ بِأَن الْحَافِظ الْمزي لم يكْتب بِخَطِّهِ لَفْظَة شيخ الْإِسْلَام إِلَّا لِأَبِيهِ وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وللشيخ شمس الدّين بن أبي عمر الْحَنْبَلِيّ

ص: 46

9 -

وَمِنْهُم الْحَافِظ البرزالي

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الثِّقَة الْحجَّة مؤرخ الشَّام وَأحد محدثي الْإِسْلَام مُفِيد الْمُحدثين علم الدّين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف البرزالي الإشبيلي الأَصْل الدِّمَشْقِي صَاحب التَّارِيخ الخطير والمعجم الْكَبِير

كَانَ بأسماء الرِّجَال بَصيرًا وناقلا لأحوالهم نحريرا

ولد سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَمَات بخليص محرما فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة

وَلَقَد حكى بعض مَشَايِخنَا عَنهُ أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ الحَدِيث وَمر بِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة الرجل الَّذِي كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فوقصته نَاقَته وَهُوَ محرم فَمَاتَ الحَدِيث وَفِيه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا فَكَانَ إِذا قَرَأَهُ البرزالي يبكي ويرق قلبه فَمَاتَ بخليص محرما

وَفِيه يَقُول الذَّهَبِيّ

إِن رمت تفتيش الخزائن كلهَا

وَظُهُور أَجزَاء حوت وعوالي

ونعوت أَشْيَاخ الْوُجُود وَمَا رووا

طالع أَو أسمع مُعْجم البرزالي

وَفِيه يَقُول الشَّيْخ الإِمَام ابْن الْموصِلِي الطرابلسي

مَا زلت أسمع عَنْك كل عارفة

لمثلهَا أَو إِلَيْهَا يَنْتَهِي الْكَرم

وَكنت بِالسَّمْعِ أهواكم فَكيف وَقد

رأيتكم وبدا لي فِي الْهوى علم

ص: 47

كتب البرزالي بِخَطِّهِ سَماع طبقَة على جُزْء فِيهِ أَحَادِيث منتقاة من جُزْء الْحسن بن عَرَفَة وَهِي قَرَأَ هَذِه الْأَحَادِيث الثَّمَانِية شَيخنَا وَسَيِّدنَا الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد الْقدْوَة الزَّاهِد العابد الْوَرع الْحَافِظ تَقِيّ الدّين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْعلمَاء فِي الْعَالمين حبر الْأمة مقتدي الْأَئِمَّة حجَّة الْمذَاهب مفتي الْفرق أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية أدام الله بركته وَرفع دَرَجَته

وَقد ذكر البرزالي فِي مُعْجم شُيُوخه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَقَالَ أَحْمد بن عبد الْحَلِيم ابْن عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس الإِمَام الْمجمع على فَضله ونبله وَدينه قَرَأَ الْقُرْآن وبرع فِيهِ والعربية وَالْأُصُول وَمهر فِي علمي التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ إِمَامًا لَا يلْحق غباره فِي كل شَيْء وَبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الْمُجْتَهدين وَكَانَ إِذا ذكر التَّفْسِير أبهت النَّاس من كَثْرَة مَحْفُوظَة وَحسن إِيرَاده وإعطائه كل قَول مَا يسْتَحقّهُ من التَّرْجِيح والتضعيف والإبطال وخوضه فِي كل علم كَانَ الْحَاضِرُونَ يقضون مِنْهُ الْعجب هَذَا مَعَ انْقِطَاعه إِلَى الزّهْد وَالْعِبَادَة والاشتغال بِاللَّه تَعَالَى والتجرد من أَسبَاب الدُّنْيَا وَدُعَاء الْخلق إِلَى الله تَعَالَى

وَكَانَ يجلس فِي صَبِيحَة كل جُمُعَة يقْرَأ على النَّاس تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم فَانْتَفع بمجلسه وبركة دُعَائِهِ وطهارة أنفاسه وَصدق نِيَّته وصفاء ظَاهره وباطنه وموافقة قَوْله لعمله وأناب إِلَى الله تَعَالَى خلق كثير وَجرى على طَريقَة وَاحِدَة من اخْتِيَار الْفقر والتقلل من الدُّنْيَا ورد مَا يفتح بِهِ عَلَيْهِ

وَقَالَ البرذالي فِي تَارِيخه بعد أَن ذكر وَفَاة ابْن تَيْمِية وَوصف دَفنه

ص: 48

وَشدَّة الزحام عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَخلق كثير سمع مِنْهُم الحَدِيث وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير وَطلب الحَدِيث وَكتب الطباق وَالْإِثْبَات ولازم السماع بِنَفسِهِ مُدَّة سِنِين وَقل أَن يسمع شَيْئا إِلَّا حفظه ثمَّ اشْتغل بالعلوم وَكَانَ ذكيا كثير الْمَحْفُوظ فَصَارَ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وَمَا يتَعَلَّق بِهِ عَارِفًا بالفقه فَيُقَال إِنَّه كَانَ أعرف بِفقه الْمذَاهب من أَهلهَا الَّذين كَانُوا فِي زَمَانه وَغَيره وَكَانَ عَالما باخْتلَاف الْعلمَاء عَالما بالأصول وَالْفُرُوع والنحو واللغة وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية وَمَا قطع فِي مجْلِس مناظرة وَلَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن من فنون الْعلم إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ متقنا لَهُ

وَأما الحَدِيث فَكَانَ حَامِل رايته حَافِظًا لَهُ مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك

وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَأثْنى عَلَيْهِ وعَلى فضائله وعلومه جمَاعَة من عُلَمَاء عصره مثل ابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن النّحاس وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ قَاضِي قُضَاة مصر ابْن الحريري وَابْن الزملكاني وَغَيرهم

10 -

وَمِنْهُم الْحَافِظ بن رَجَب

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الزَّاهِد الْقدْوَة الْبركَة الْحَافِظ

ص: 49

الْعُمْدَة الثِّقَة الْحجَّة واعظ الْمُسلمين مُفِيد الْمُحدثين زين الدّين أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ الإِمَام المقرىء الْمُحدث أَحْمد بن رَجَب الْبَغْدَادِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ

أحد الْأَئِمَّة الزهاد وَالْعُلَمَاء الْعباد توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق

وَقد حدث من حفر لحد ابْن رَجَب إِن الشَّيْخ ابْن رَجَب جَاءَ قبل أَن يَمُوت بأيام قَالَ فَقَالَ لي احْفِرْ لي هُنَا لحدا وَأَشَارَ إِلَى الْبقْعَة الَّتِي دفن فِيهَا قَالَ فحفرت لَهُ فَلَمَّا فرغ نزل فِي الْقَبْر واضطجع فِيهِ فأعجبه وَقَالَ هَذَا جيد ثمَّ خرج قَالَ فوَاللَّه مَا شَعرت بعد أَيَّام إِلَّا وَقد أُوتِيَ بِهِ مَيتا مَحْمُولا فِي نعشه فَوَضَعته فِي ذَلِك اللَّحْد وواريته فِيهِ

لَهُ مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة مِنْهَا شرح جَامع التِّرْمِذِيّ وَشرح من أول صَحِيح البُخَارِيّ إِلَى الْجَنَائِز شرحا نفيسا وَله كتاب طَبَقَات أَصْحَاب مذْهبه جعله ذيلا على من بَدَأَ بِهِ وَهُوَ القَاضِي أَبُو يعلى بن الْفراء

قَالَ فِيهِ أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي

ص: 50

الْقَاسِم الْخضر بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الإِمَام الْفَقِيه الْمُجْتَهد الْمُحدث الْحَافِظ الْمُفَسّر الأصولي الزَّاهِد تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس شيخ الْإِسْلَام وَعلم الْأَعْلَام وشهرته تغني عَن الإطناب فِي ذكره والإسهاب فِي أمره

ثمَّ ذكر ابْن رَجَب تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وفيهَا ذكر مَوته وَدَفنه ثمَّ قَالَ وَصلى عَلَيْهِ صَلَاة الغائبة فِي غَالب بِلَاد الْإِسْلَام الْقَرِيبَة والبعيدة حَتَّى فِي بِلَاد الْيمن والصين وَأخْبر المسافرون أَنه نُودي بأقصى الصين للصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة الصَّلَاة على ترجمان الْقُرْآن

11 -

وَمِنْهُم الْحَافِظ ابْن عبد الْهَادِي

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ النَّاقِد ذُو الْفُنُون عُمْدَة الْمُحدثين متقن المحررين شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن عبد الحميد بن عبد الْهَادِي بن قدامَة بن مِقْدَام بن نصر الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ

ولد سنة أَربع أَو خمس وسِتمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وَسمع مَا لَا يُحْصى من المرويات وعني بِالْحَدِيثِ وأنواعه وَمَعْرِفَة رِجَاله وَعلله وتفقه وَأفْتى ودرس وَجمع وَألف وَكتب الْكثير وصنف وتصدى للإفادة

وَمن مصنفاته تَنْقِيح التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث التَّعْلِيق مجلدان وَالْمُحَرر فِي الْأَحْكَام وَالْكَلَام على أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب مؤلفان

ص: 51

مطول ومختصر وجزء فِي الرَّد فِيمَا أوردهُ على ابْن مَالك وَجمع التَّفْسِير الْمسند لكنه مَاتَ قبل إِتْمَامه

وَكَانَ إِمَامًا فِي عُلُوم كالتفسير والْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفِقْه واللغة والعربية

وَذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه الْمُخْتَص بالمحدثين وَفِي طَبَقَات الْحفاظ وَأثْنى عَلَيْهِ فيهمَا ثَنَاء حميدا وَقَالَ وَالله مَا اجْتمعت بِهِ قطّ إِلَّا واستفدت مِنْهُ

مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَكَانَت جنَازَته حافلة

وَمن مصنفاته كتاب مَنَاقِب ابْن تَيْمِية فِي مُجَلد قَالَ فِيهِ هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الرباني إِمَام الْأَئِمَّة وعلامة الْأمة ومفتي الْفرق وبحر الْعُلُوم سيد الْحفاظ وَفَارِس الْمعَانِي والألفاظ فريد الْعَصْر ووحيد الدَّهْر شيخ الْإِسْلَام بركَة الْأَنَام عَلامَة الزَّمَان وترجمان الْقُرْآن وَعلم الزَّمَان وأوحد الْعباد قامع المبتدعين وَآخر الْمُجْتَهدين يقى الدّين ابو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أبي المحاسن عبد الْحَلِيم إِبْنِ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين أبي البركات عبد السَّلَام بن تَيْمِية الْحَرَّانِي نزيل دمشق وَصَاحب التصانيف الَّتِي لم يسْبق إِلَى مثلهَا وَلَا يلْحق فِي شكلها توحيدا أَو تَفْسِيرا وإخلاصا وفقها وحديثا ولغة ونحوا وَجَمِيع الْعُلُوم كتبه طافحة بذلك وانتهت اليه الْإِمَامَة فِي الْعلم وَالْعَمَل والزهد والورع والشجاعة وَالْكَرم والتواضع والحلم والإنابة وَالْجَلالَة والمهابة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن

ص: 52

الْمُنكر وَسَائِر أَنْوَاع الْجِهَاد مَعَ الصدْق وَالْأَمَانَة والعفة والصيانة وَحسن الْقَصْد وَالْإِخْلَاص والآبتهال إِلَى الله وَكَثْرَة الْخَوْف مِنْهُ والمراقبة لَهُ وَشدَّة التَّمَسُّك بالآثر وَالدُّعَاء إِلَى الله وَحسن الْأَخْلَاق ونفع الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَالصَّبْر على من آذاه والصفح عَنهُ وَالدُّعَاء لَهُ وَسَائِر أَنْوَاع الْخَيْر

وَكَانَ رحمه الله سَيْفا مسلولا على الْمُخَالفين وشجا فِي حلوق أهل الْأَهْوَاء من المبتدعين وإماما قَائِما بِبَيَان الْحق ونصرة الدّين

وَكَانَ بحرا لَا تكدره الدلاء وحبرا يَقْتَدِي بِهِ الرِّجَال الألباء وطفت بِذكرِهِ الْأَمْصَار وضنت بِمثلِهِ الْأَعْصَار واشتغل بالعلوم وَكَانَ ذكيا كثير الْمَحْفُوظ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وَمَا يتَعَلَّق بِهِ عَارِفًا بالفقه وَاخْتِلَاف الْعلمَاء والأصلين والنحو واللغة وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية

وَمَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ متقنا لَهُ

وَأما الحَدِيث فَكَانَ حَافِظًا لَهُ مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول

وَلَقَد أثنى عَلَيْهِ وعَلى فضائله جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وَلَقَد تَرْجمهُ ابْن عبد الْهَادِي هَذَا بشيخ الْإِسْلَام مدَار أَكثر وَذكر من مناقبه فِي تَرْجَمته أَشْيَاء خطيرة وعد كثيرا من مصنفاته وَنَصّ على نفائس من مؤلفاته

ص: 53

وَذكره فِي كِتَابه طَبَقَات الْحفاظ بترجمة مختصرة ونعوت جَامِعَة محررة من أَوْصَاف الْأَئِمَّة رَحمَه الله تَعَالَى

وَقَالَ من الله تَعَالَى على الشَّيْخ بِسُرْعَة الْكِتَابَة وَيكْتب من حفظه من غير نقل قَالَ وَأَخْبرنِي غير وَاحِد أَنه كتب مجلدا لطيفا فِي يَوْم وَكتب غير مرّة أَرْبَعِينَ ورقة فِي جلْسَة وأحصيت مَا كتبه فِي يَوْم وبيضه فَكَانَ ثَمَانِيَة كراريس فِي مَسْأَلَة من أشكل الْمسَائِل وَكَانَ يكْتب على السُّؤَال الْوَاحِد مجلدا وَأما جَوَاب يَكْتُبهُ فِيهِ خمسين ورقة وَسِتِّينَ فكثير جدا

12 -

وَمِنْهُم ابْن فضل الله الْعمريّ

وَهُوَ القَاضِي الْفَاضِل البارع النَّبِيل الْعَالم الْأَصِيل أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن القَاضِي الإِمَام يَمِين مملكة الْإِسْلَام يحيى بن فضل الله الْعَدوي الْعمريّ الشَّافِعِي

ولد سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة

ذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه الْمُخْتَص بالمحدثين وَقَالَ صَاحب النّظم والنثر والمآثر

وَقَالَ ابْن فضل الله هَذَا فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بمسالك الْأَبْصَار فِي ممالك الْأَمْصَار فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وَهِي طَوِيلَة تبلغ كراسة فَأكْثر

ص: 54

وَمِنْهُم أَحْمد ابْن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام الْعَلامَة الْحَافِظ الْمُجْتَهد الْمُفَسّر شيخ الْإِسْلَام نادرة العصرة علم الزهاد

هُوَ الْبَحْر من أَي النواحي جِئْته والبدر من أَي الضواحي رَأَيْته رضع ثدي الْعلم مُنْذُ فطم وطلع وَجه الصَّباح ليحاكيه فلطم وَقطع اللَّيْل وَالنَّهَار ردائين وَاتخذ الْعلم وَالْعَمَل صاحبين إِلَى أَن أنسى السّلف بهداه وأنأى الْخلف عَن بُلُوغ مداه على أَنه من بَيت نشأت مِنْهُ عُلَمَاء فِي سالف الدهور ونشأت مِنْهُ عُظَمَاء على الْمَشَاهِير الشُّهُور فأحيا معالم بَيته الْقَدِيم إِذْ درس وجنى من فننه الرطيب مَا غرس وَأصْبح فِي فَضله آيَة إِلَّا أَنه آيَة الحرس عرضت لَهُ الكدي فزحزحها وعارضته الْبحار فضحضها ثمَّ كَانَ أمة وَحده وفردا حَتَّى نزل لحده أخمل من القرناء كل عَظِيم وأخمد من أهل الْبدع كل حَدِيث وقديم جَاءَ فِي عصر مأهول بالعلماء مشحون بنجوم السَّمَاء تموج فِي جوانبه بحور خضارم وَتَطير بَين خافقيه نسور قشاعم وتشرق فِي أنديته بدور دجنة وتبرق فِي ألويته صُدُور أسنة إِلَّا أَن شمسه طمست تِلْكَ النُّجُوم وبحره طم على تِلْكَ الغيوم وابتلع غديره المطمئن جداولها واقتلع طوده المرجحن جنادلها ثمَّ عبيت لَهُ الْكَتَائِب فحطم صفوفها وخطم أنوفها وأخمدت أنفاسهم رِيحه وأكمدت شراراتهم مصابيحه

تقدم ركابا فيهم إِمَامًا

ولولاه لما ركبُوا وَرَاءه

فَجمع أشتات الْمذَاهب وشتات الذَّاهِب وَنقل عَن أَئِمَّة الْإِجْمَاع فَمن سواهُم مذاهبهم الْمُخْتَلفَة واستحضرها وَمثل صورهم الذاهبة وأحضرها فَلَو شعر أَبُو حنيفَة بِزَمَانِهِ وَملك أمره لأدنى عصره إِلَيْهِ مقتربا

ص: 55

أَو مَالك لأجرى وَرَاءه أشهبه وكوكبا أَو الشَّافِعِي لقَالَ لَيْت هَذَا كَانَ للْأُم ولدا وليتني كنت لَهُ أَبَا أَو الشَّيْبَانِيّ ابْن حَنْبَل لما لَام عذاره إِذْ غَدا مِنْهُ لفرط الْعجب أشيبا لَا بل دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَسنَان الباطني لظنا تَحْقِيقه من منتحله أَو ابْن حزم والشهرستاني لحشر كل مِنْهُمَا ذكره فِي نحله أَو الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي والحافظ السلَفِي لأضافه هَذَا إِلَى مُسْتَدْركه وَهَذَا إِلَى رَحْله

ترد إِلَيْهِ الْفَتَاوَى وَلَا يردهَا وتفد عَلَيْهِ فيجيب عَنْهَا بأجوبة كَأَنَّهُ كَانَ قَاعِدا لَهَا يعدها

أبدا على طرف اللِّسَان جَوَابه

فَكَأَنَّمَا هِيَ دفْعَة من صيب

وَكَانَ من أذكى النَّاس كثير الْحِفْظ قَلِيل النسْيَان قَلما حفظ شَيْئا فنسية

وَكَانَ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن عَارِفًا بالفقه وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء والأصوليين والنحو وَمَا يتَعَلَّق بِهِ واللغة والمنطق وَعلم الْهَيْئَة والجبر والمقابلة وَعلم الْحساب وَعلم أهل الْكِتَابَيْنِ وَعلم أهل الْبدع وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية

وَمَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن من الْفُنُون إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه

وَكَانَ حافظة للْحَدِيث مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة وفتاوى مشبعة فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول والْحَدِيث ورد الْبدع بِالْكتاب وَالسّنة

ص: 56

13 -

وَمِنْهُم بهاء الدّين السُّبْكِيّ

وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة علم المناظرين أحد المتبحرين بهاء الدّين مُحَمَّد بن عبد الْبر بن يحيى بن عَليّ بن تَمام الْأنْصَارِيّ الخزرجي السُّبْكِيّ الشَّافِعِي

ولد سنة سبع وَسَبْعمائة وَتُوفِّي بِدِمَشْق سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة

ذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه فَقَالَ إِمَام متبحر مناظر بَصِير بِالْعلمِ مُحكم للعربية وَغَيرهَا قَالَ وناب فِي الحكم يَعْنِي عَن الإِمَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ ثمَّ ولي الْقَضَاء اسْتِقْلَالا سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة ثمَّ ولي قَضَاء الديار المصرية سنة سِتّ وَسِتِّينَ ثمَّ صرف عَنهُ عَام اثْنَيْنِ وَسبعين ثمَّ ولي قَضَاء دمشق ثَانِيًا

قَالَ الْعَلامَة صَاحب كتاب الرَّد الوافر حكى بعض من لَقيته من الشُّيُوخ أَنه حضر مرّة مَعَ قَاضِي الْقُضَاة بهَا الدّين السُّبْكِيّ درسا أَلْقَاهُ بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية بِدِمَشْق فجَاء طَائِفَة من القلندرية يسألونه فَأمر لَهُم بِشَيْء ثمَّ جَاءَ طَائِفَة أُخْرَى من الحيدرية وَهُوَ يتَوَضَّأ على

ص: 57

بركَة الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فَأمر لَهُم بِشَيْء ثمَّ جَاءَ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ رحم الله ابْن تَيْمِية كَانَ يكره هَؤُلَاءِ الطوائف على بدعهم قَالَ فَلَمَّا قَالَ ذَلِك ذكرت لَهُ كَلَام النَّاس فِي ابْن تَيْمِية فَقَالَ لي وَالله يَا فلَان مَا يبغض ابْن تَيْمِية إِلَّا جَاهِل أَو صَاحب هوى فالجاهل لَا يدْرِي مَا يَقُول وَصَاحب الْهوى يصده هَوَاهُ عَن الْحق بعد مَعْرفَته بِهِ قَالَ فَأَعْجَبَنِي ذَلِك مِنْهُ وَقبلت يَده وَقلت جَزَاك الله خيرا

قَالَ فَكيف هَذَا لَو سمع مِمَّا صحت بِهِ الرِّوَايَة عَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ من مدحه لِابْنِ تَيْمِية لطار فَرحا من السرُور ولأنشد متمثلا بذلك الْبَيْت الْمَشْهُور

ومليحة شهِدت لَهَا ضراتها

وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء

كتب الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِيمَا اشْتهر إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ يعاتبه على مَا صدر فَكتب الْجَواب يعْتَذر عَن تِلْكَ الحادثات وَمن بعضه مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ زين الدّين بن رَجَب فِي كِتَابه الطَّبَقَات فَقَالَ وَمِمَّا وجد فِي كتاب كتبه الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ إِلَى الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي أَمر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يَعْنِي ابْن تَيْمِية أما قَول سَيِّدي فِي الشَّيْخ فالمملوك يتَحَقَّق كبر قدره وزخارة بحره وتوسعه فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه فِي كل من ذَلِك الْمبلغ الَّذِي لَا يتَجَاوَز الْوَصْف والمملوك يَقُول ذَلِك دَائِما وَقدره فِي نَفسِي أعظم من ذَلِك وَأجل مَعَ مَا جمع الله لَهُ من الزهادة والورع والديانة نصْرَة الْحق

ص: 58

وَالْقِيَام فِيهِ لَا لغَرَض سواهُ وجريه على سنَن السّلف وَأَخذه من ذَلِك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله فِي هَذَا الزَّمَان بل من أزمان إنتهى

14 -

وَمِنْهُم

الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن طغريل الْخَوَارِزْمِيّ أَخذ عَن خلائق من رَوَاهُ الْآثَار مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة

كتب بِخَطِّهِ سَماع طبقَة فَقَالَ وَسَيِّدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الصَّدْر الْكَبِير الْكَامِل الْقدْوَة الْحَافِظ الزَّاهِد العابد الْوَرع شيخ الْإِسْلَام مفتي الْفرق حجَّة الْمذَاهب مقتدى الطوائف لِسَان الشَّرِيعَة مُجْتَهد الْعَصْر وحيد الدَّهْر إِمَام الْأَئِمَّة تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَذكر بَقِيَّة نسبه وَشَيخنَا الإِمَام الْعَالم الزَّاهِد الْوَرع الْمُحدث الْعُمْدَة الْحجَّة الْحَافِظ الْكَبِير مُحدث الْعَصْر جمال الدّين أبي الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي الْمزي وَذكر بَقِيَّة الْمَشَايِخ والقارىء وَبَعض السامعين

15 -

وَمِنْهُم

الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث البارع المؤرخ جمال المؤرخين شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْمسند الْكَبِير يحيى بن الشَّيْخ الْفَقِيه الْفَاضِل الأديب البارع مُحَمَّد بن سعيد بن مُفْلِح الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي وَذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه

ص: 59

كتب بِخَطِّهِ فِي طبقَة سَماع لجزء الْحسن بن عرفه الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد البارع الْحجَّة الْحَافِظ الزَّاهِد العابد الْوَرع شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام بَقِيَّة الْأَئِمَّة الْأَعْلَام إِمَام الْأَئِمَّة قدوة الْأمة عَلامَة الزَّمَان فريد الْعَصْر والأوان بَحر الْعُلُوم تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَذكر بَقِيَّة نسبه وَبَقِيَّة الْمَشَايِخ ثمَّ قَالَ بِقِرَاءَة الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْحَافِظ النَّاقِد البارع مؤرخ الْإِسْلَام علم الدّين البرزالي

16 -

وَمِنْهُم

الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث المؤرخ الْمُفِيد الأديب أَبُو مُحَمَّد الْحسن ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ عمر بن الْحسن بن عَمْرو بن حبيب الدِّمَشْقِي الْحلَبِي

سمع الحَدِيث وَجمع فأوعى وَسمع وروى وَله مؤلفات عدَّة مِنْهَا درة الأسلاك فِي دولة الأتراك قَالَ فِيهِ فِي تَرْجَمَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وفيهَا توفّي شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن تَيْمِية بَحر زاخر فِي النقليات وَحبر ماهر فِي حفظ عقائد العقليات وَإِمَام فِي معرفَة الْكتاب وَالسّنة وَهَمَّام لَا يمِيل إِلَى حلاوة من الْمِنَّة كَانَ ذَا ورع زَائِد وزهد فَرعه فِي روض الرضى مائد وسخاء وشجاعة وعزلة وقناعة وتصانيف مَشْهُورَة وفتاوى أعلامها منشورة يصدع بِالْحَقِّ وَيتَكَلَّم فِيمَا جلّ ودق وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويثابر على إِقَامَة الْحُدُود إِن شكر أَو لم يشْكر

ص: 60

17 -

وَكَذَلِكَ الْعَلامَة صَاحب الْفَتَاوَى القاسمية فِي مَذْهَب السَّادة الْحَنَفِيَّة يترجم ابْن تَيْمِية بشيخ الْإِسْلَام عِنْد ذكره فِي عدَّة مَوَاضِع من فَتَاوِيهِ

وَبِالْجُمْلَةِ فَذكر الْعلمَاء الْأَعْلَام الَّذين ترجموا ابْن تَيْمِية بشيخ الْإِسْلَام وأثنوا عَلَيْهِ مِمَّا يطول وهم كثيرا جدا ذكر مِنْهُم صَاحب الرَّد الوافر نَحْو ثَمَانِينَ يترجمهم ثمَّ يذكر مدحهم لِابْنِ تَيْمِية

وَقد قَالَ الشَّيْخ الإِمَام قَاضِي قُضَاة مصر وَالشَّام مفتي الْمُسلمين مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ صفي الدّين الْأنْصَارِيّ الْحَنَفِيّ ابْن الحريري إِن لم يكن ابْن تَيْمِية شيخ الْإِسْلَام فَمن

وَسُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث أَبُو حَفْص عمر بن مُسلم الْقرشِي قَاضِي أهل دمشق فِي عصره وواعظ أهل مصر عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فَقَالَ هُوَ شيخ الْإِسْلَام على الْإِطْلَاق

وَقد أثنى على الشَّيْخ ابْن تَيْمِية عُلَمَاء بَغْدَاد وَأَرْسلُوا كتبا فِي شَأْنه لما كَانَ مَحْبُوسًا بالقلعة مَكْتُوب فِيهَا ثمَّ إِن هَذَا الشَّيْخ الْمُعظم الْجَلِيل وَالْإِمَام المكرم النَّبِيل أوحد الدَّهْر فريد الْعَصْر طراز المملكة

ص: 61

الملكية وَعلم الدولة السُّلْطَانِيَّة لَو أقسم مقسم بِاللَّه الْعَظِيم الْقَدِير إِن هَذَا الإِمَام الْكَبِير لَيْسَ لَهُ فِي عصره مماثل وَلَا نَظِير لكَانَتْ يَمِينه برة غنية عَن التَّكْفِير وَقد خلت من وجود مثله السَّبْعَة الأقاليم إِلَّا هَذَا الإقليم يُوَافق على ذَلِك كل منصف جبل على الطَّبْع السَّلِيم ولسنا بالثناء عَلَيْهِ نطريه بل لَو أطنب مطنب فِي مدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ لما أَتَى على بعض الْفَضَائِل الَّتِي فِيهِ أَحْمد بن تَيْمِية درة يتيمة يتنافس فِيهَا تشترى وَلَا تبَاع لَيْسَ فِي خَزَائِن الْمُلُوك درة تماثلها وتؤاخيها انْقَطَعت عَن وجود مثله الأطماع وَلَقَد أَصمّ الأسماع وأوهى قوى المتبوعين والأتباع سَماع رفع أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية إِلَى القلاع وَلَيْسَ يَقع من مثله أَمر ينقم مِنْهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون أمرا قد لبس عَلَيْهِ وَنسب إِلَى مَا لَا ينْسب مثله إِلَيْهِ

والتطويل على الحضرة الْعلية لَا يَلِيق إِن يكن فِي الدُّنْيَا قطب فَهُوَ القطب على التَّحْقِيق أرسلوها فِي مكاتباتهم وفتاويهم الْمُوَافقَة لقَوْله الناصرة لَهُ وَقد ذكرت ذَلِك كُله فِي كتاب مَنَاقِب ابْن تَيْمِية

وَلَقَد أنصف ابْن فضل الله الْعمريّ حَيْثُ قَالَ فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية فَلَقَد اجْتمع عَلَيْهِ عصب الْفُقَهَاء والقضاة بِمصْر وَالشَّام وحشدوا عَلَيْهِ خيلهم ورجلهم فَقطع الْجَمِيع وألزمهم الْحجَج الواضحات أَي إِلْزَام فَلَمَّا أفلسوا أَخَذُوهُ بالجاه والحكام وَقد مضى ومضوا إِلَى المليك العلام {ليجزي الَّذين أساؤوا بِمَا عمِلُوا وَيجْزِي الَّذين أَحْسنُوا بِالْحُسْنَى} النَّجْم 31

ص: 62