المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخطبة الثانية فيما يجب إخراجه من زكاة الثمار] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌[الخطبة الثانية فيما يجب إخراجه من زكاة الثمار]

[الخطبة الثانية فيما يجب إخراجه من زكاة الثمار]

الخطبة الثانية

فيما يجب إخراجه من زكاة الثمار الحمد لله الذي من على عباده بما أخرج لهم من الزروع والثمار، وأنعم عليهم بمشروعية صرفها فيما يرضيه عنهم من غير إسراف، ولا إقتار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزة والاقتدار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان آناء الليل والنهار، وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أمدكم به من أموال وبنين وجنات وعيون، أمدكم بثمرات النخيل تتفكهون بها رطبا ويسرا، ثم تدخرونها قوتا وتمرا، فهو الذي خلقها، وأوجدها وهو الذي نماها، وأصلحها، وهو الذي نوعها جودا ورداءة وقسمها، اشكروا الذي أبقاكم حتى أدركتم جناها، واشكروا الذي شرع لكم الإنفاق منها على ما يرضيه، وزكاها، أدوا ما أوجب الله عليكم فيها من الزكاة لتفوزوا بالخلف العاجل والثواب الجزيل من جزيل العطايا والهبات:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]

عباد الله أتحسبون أن ما تخرجونه من الزكاة لا ينفعكم؟ أتحسبون أن ما تخرجونه من ذلك فائت عليكم غير مدخر لكم؟ أتحسبون أن ذلك غرم وخسارة؟ لا والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة إن ما تخرجونه من ذلك هو ما تبقونه لأنفسكم في الحقيقة، وهو المال الرابح:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] وإن الذي تبقونه، وتبخلون به هو المال الزائل؛ لأنكم إما أن تأكلوه في حياتكم، فيفنى أو تتركوه لمن بعدكم بعد موتكم، فيغنمه الوارث البعيد، أو الأدنى هذا هو حقيقة ما تبقونه من المال وتلك حقيقة ما تقدمونه عند الملك العلام. «ذبح آل النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فتصدقوا بها، ولم يبق منها إلا الكتف، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما بقي منها؟ " فقالت عائشة: ما بقي منها إلا كتفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بقي كلها إلا كتفها» . صلى الله عليه وسلم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الذي بقي من الشاة حقيقة هو ما تصدقوا به؛ لأنه هو الذي سيجدونه مدخرا عند الله، أما ما أبقوه فسيفنى.

عباد الله إن النفوس مجبولة على الشح، ولكن من يوق شح نفسه فقد أفلح. إن الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالبخل، ولا سيما البخل بالزكاة؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام فهو حريص على أن تبخلوا بها حريص على أن تمنعوها بالكلية، أو أن تمنعوا ما يجب فيها من قدر

ص: 451

أو وصف إنه يعدكم، ويمنيكم وما يعدكم الشيطان إلا غرورا.

أيها المسلمون إننا في وقت جذاذ النخيل ووقت إخراج زكاتها، وإن الواجب عليكم أن تحاسبوا أنفسكم في الدنيا قبل أن تحاسبوا عليها في الآخرة. لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما يجب عليهم من زكاة الثمار بيانا ظاهرا لا إشكال فيه، بيانا تقوم به الحجة، وتزول به الشبهة، فقال صلوات الله وسلامه عليه:«فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» . وهذا بيان ما بعده بيان فالزكاة فيما سقي بالنضح أي: بالسواني والمكائن نصف العشر. سهم بين، ومقدار معلوم، قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وبلغه إليهم، فمات صلوات الله وسلامه عليه، وقد فرض إليهم الأمر، ووكلهم إلى ما عندهم من الدين والأمانة وربه سبحانه هو المتولي لحسابهم:{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40] أيها المسلم، حاسب نفسك، أخرج السهم الذي قدره الله لك ورسوله، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] أخرج نصف العشر من ثمار نخيلك مراعيا بذلك اختلاف الأنواع وقيمة الجيد منها، لا تبخل على نفسك، فربك لم يفرض الزكاة عليك إلا تكميلا لعبادتك، وتطهيرا لما لك، وإبراء لذمتك.

أيها المسلمون إننا في زمن تختلف فيه أنواع النخيل اختلافا بينا ظاهرا، فبينما بعض النخيل يباع الكيلو منها بثلاث ريالات أو أكثر إذا ببعضها يباع الكيلو منه بنصف ريال أو أقل، ثم يغلب الشح بعض الناس، فيخرج زكاة النوع الأول من هذا النوع الثاني الذي نسبته إليه السدس، وهذا حيف بلا شك، فإن هذا ليس بإخراج لنصف العشر باعتبار النخل كله أرأيت لو كان لك سهم من بستان مقدار سهمك نصف العشر هل ترضى أن تأخذ من النوع الذي كيلوه بنصف ريال بدلا عن الذي كيلوه بثلاثة ريالات؟ لن ترضى أبدا إذن فكيف لا ترضاه لنفسك في الدنيا، ثم ترضاه لربك ولنفسك في الآخرة؟

أيها المسلمون إذا عرفتم أن الواجب نصف العشر سهم بين بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من العلماء من قال: يجب عليه أن يخرج زكاة كل نوع من ذلك النوع يخرج زكاة الطيب من الطيب، وزكاة المتوسط من المتوسط، وزكاة الرديء من الرديء، وهذا أمر شاق، ولا سيما مع كثرة الأنواع، ولذلك قال بعض العلماء: لا بأس أن يخرج عن الجيد من المتوسط بقدر القيمة.

ص: 451

وقال الإمام أحمد فيما رواه عنه ابنه وبعض الصحابة، إذا باع ثمره أو زرعه، وقد بلغ ففي ثمنه العشر أو نصفه، فجعل رحمه الله الواجب في الثمن، إذا بيع، وهذا من أعدل ما يكون.

أيها المسلمون إنني لا أتكلم بهذا لأن لى حظا في الزكاة، ولا لأسألكم عليه أجرا، ولكني أتكلم به إبراء لذمتي بإبلاغكم، وإبراء لذممكم بإخراج ما يجب عليكم، ولعلكم ستقولون: لماذا لم يتكلم عليه من قبلي؟ ولكن الواجب على هذا سهل فإن التباين الكثير وكثرة الأنواع الجيدة جدا لم يكن إلا من مدة سنين قليلة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ - الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 267 - 268]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . الخ.

ص: 453