المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخطبة العاشرة في التحذير من الغيبة والنميمة] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع - جـ ٧

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌[الخطبة الثالثة في صفة الحج والعمرة]

- ‌[الخطبة الرابعة في محظورات الإحرام]

- ‌[الخطبة الخامسة في الأضحية]

- ‌[الفرع السادس في الأخلاق والآداب]

- ‌[الخطبة الأولى في شيء من حقوق الله تعالى وحقوق الخلق]

- ‌[الخطبة الثانية في أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة]

- ‌[الخطبة الثالثة في شيء من سنن الفطرة]

- ‌[الخطبة الرابعة في جمل من الآداب]

- ‌[الخطبة الخامسة في بر الوالدين]

- ‌[الخطبة السادسة في صلة الأرحام]

- ‌[الخطبة السابعة في الحث على الصدق]

- ‌[الخطبة الثامنة في التحذير من الكذب]

- ‌[الخطبة التاسعة في التحذير من زلات اللسان]

- ‌[الخطبة العاشرة في التحذير من الغِيبة والنميمة]

- ‌[الخطبة الحادية عشرة في الحث على الأُلْفَة بين المسلمين والمودة]

- ‌[الخطبة الثانية عشرة في شيء من مفاسد الزنا]

- ‌[الفرع السابع في المعاملات]

- ‌[الخطبة الأولى في التحذير من آكل المال بغير حق]

- ‌[الخطبة الثانية في بيع ثمار النخيل]

- ‌[الخطبة الثالثة في الربا والتحيل عليه]

- ‌[الخطبة الرابعة في التحذير من الربا في الذهب]

- ‌[الخطبة الخامسة في حكم بيع البيوت المرهونة]

- ‌[الخطبة السادسة في التحذير من التعدي على الغير في ماله]

الفصل: ‌[الخطبة العاشرة في التحذير من الغيبة والنميمة]

[الخطبة العاشرة في التحذير من الغِيبة والنميمة]

الخطبة العاشرة

في التحذير من الغِيبة والنميمة الحمد لله جعل المؤمنين إخوةً يتعاونون بينهم على البر والتقوى ويحترم كل واحد منهم الآخر في نفسه وماله وعرضه «فكل المسلم على المسلم حرام» كما قال ذلك النبي المصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماء وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والوفاء وعلى التابعين لهم بإحسان ما تتابع القطر والندى وسلم تسليمًا.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واحترموا حقوق إخوانكم المسلمين وذبوا عن إعراضهم كما تذبون عن دمائهم وأموالهم.

أيها المسلمون لقد شاع بين كثير من المسلمين داءان عظيمان لكن السلامة منهما يسيرة على من يسرها الله عليه. أيها المسلمون فشا فينا داء الغِيبة وداء النميمة أما الغِيبة فهي ذكر الإنسان الغائب بما يكره أن يذكر فيه من عمل أو صفة فإن كثيرًا من الناس صار همه في المجالس أن يأكل لحم فلان وفلان. فلان فيه كذا وفيه كذا ومع ذلك لو فتشت لرأيته هو أكثر الناس عيبًا وأسوأهم خلقًا وأضعفهم أمانةً وإن مثل هذا الرجل يكون مشؤومًا على نفسه ومشؤومًا على جلسائه لأن جلساءه إذا لم ينكروا عليه صاروا شركاء له في الإثم وإن لم يقولوا شيئًا.

أيها المسلمون لقد صور الله الإنسان الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة مثلَّه بمن يأكل لحم أخيه ميتًا ويكفي قبحًا أن يجلس الإنسان على جيفة أخيه يقطع من لحمه ويأكله.

أيها المسلمون إن الواجب عليكم إذا سمعتم من يغتاب إخوانه من المسلمين أن تمنعوه وتذبوا عن أعراض إخوانكم ألستم لو رأيتم أحدًا قائمًا على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه، ألستم تقومون عليه جميعًا وتنكرون عليه. إن الغِيبة كذلك تمامًا كما قال الله تعالى {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] ولا يبعد أن يعاقب من يغتاب إخوانه يوم القيامة فيقربون إليه بصورة أموات ويرغم على الأكل منهم كما روي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد «مر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال مَنْ هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم

ص: 519

الناس ويقعون في أعراضهم» وقال عليه الصلاة والسلام «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته يعني ولو كان في بيته» .

أيها المسلمون إن كثيرًا من أهل الغِيبة إذا نُصِحوا قالوا نحن لا نكذب عليه هو يعمل كذا ولقد «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه» فبيَّن لأمته صلى الله عليه وسلم أن الغِيبة أن تعيب أخاك بما فيه أما إذا غبته بما ليس فيه فإن ذلك جامع لمفدستين البهتان والغِيبة. ولقد نص الإمام أحمد بن حنبل وفقهاء مذهبه على أن الغِيبة من كبائر الذنوب فاحذر أيها المسلم منها واشتغل بعيبك عن عيب غيرك وفتش نفسك هل أنت سالم فربما تعيب الناس وأنت أكثرهم عيبًا وإن كنت صادقًا في قولك مخلصًا في نصحك فوجدت في أخيك عيبًا فإن الواجب عليك أن تتصل به وتناصحه. هذا هو مقتضى الإخوة الإيمانية والطريقة الإسلامية.

أما الداء الثاني الذي انتشر بين بعض الناس فهو داء النميمة وهي أن ينقل الكلام بين الناس فيذهب إلى الشخص ويقول قال فيك فلان كذا وكذا لقصد الإفساد وإلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين وهذه هي النميمة التي هي من كبائر الذنوب ومن أسباب عذاب القبر وعذاب النار قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة نَمَّام» «ومر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي في أمر شاق تركه عليهما أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» . أيها المسلمون إن الواجب على من نقل إليه أحد أن فلان يقول فيه كذا أن ينكر عليه وينهاه عن ذلك وليحذر منه فإن من نقل إليك كلام الناس فيك نقل عنك ما لم تقله قال الله تعالى {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ - هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 10 - 11]

وفقني الله وإياكم لمحاسن الأخلاق وصالح الأعمال وجَنَّبَنا مساوئ الأخلاق ومنكرات الأعمال وهدانا صراطه المستقيم إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ص: 520