المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌‌ ‌التوحيد التوحيد … العبادات في الإسلام1 وأثرها في إصلاح المجتمع لفضيلة الدكتور محمود السيد - العبادات في الإسلام وأثرها في إصلاح المجتمع

[محمود السيد شيخون]

الفصل: ‌ ‌‌ ‌التوحيد التوحيد … العبادات في الإسلام1 وأثرها في إصلاح المجتمع لفضيلة الدكتور محمود السيد

‌‌

‌التوحيد

التوحيد

العبادات في الإسلام1 وأثرها في إصلاح المجتمع

لفضيلة الدكتور محمود السيد شيخون

الحمد لله. نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد..

فإن الحديث عن العبادات في الإسلام لا بد أن يسبقه الحديث عن التوحيد فمنزلته من العبادات كمنزلة الأساس من البناء فكما أن البناء لا يثبت ولا يستقر ولا ينتفع به إلا إذا أقيم على أساس متين فكذلك العبادات لا تؤتي ثمارها ولا ينتفع بها إلا إذا بنيت على التوحيد فهو قوامها وعمادها وأصلها وأساسها.

_ التوحيد _

معناه: التوحيد المطلق هو العلم والاعتراف2 بتفرد الرب بصفات الكمال والإقرار بتوحيده بصفات العظمة والجلال وإفراده وحده بالعبادة.

أقسامه: وقد قسمه العلماء الموحدون إلى ثلاثة أقسام: _

القسم الأول: توحيد الربوبية: وهو أن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير الذي ربى جميع الخلق بنعمه3.

وهذا القسم لا ينكره المشركون ولا يجعلون لله فيه شريكا بل هم مقرون به.

فهم يقرون بأن الله خالقهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .

1 ألقيت هذه المحاضرة في منى في معسكر الجامعة الإسلامية صباح يوم الجمعة الموافق 12 من شهر ذي الحجة عام 1396هـ.

2 القول السديد في مقاصد التوحيد ص14.

3 المرجع السابق ص16.

ص: 83

ويقرون بأن الله خالق السموات والأرض {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ويقرون بأن الله هو الرازق وهو الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وأنه الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض وأنه الذي يملك السمع والأبصار والأفئدة {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} .

وهذا فرعون مع غلوه في كفره ودعواه أقبح دعوة ونطقه بالكلمة الشنعاء يقول الله في حقه حاكيا عن موسى عليه السلام: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِر} .

وقال إبليس: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} وقال: {فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .

فكل مشرك مقر بأن الله خالقه وخالق السموات والأرض وربهن ورب ما فيهما ورازقهم.

القسم الثاني: توحيد الأسماء والصفات وهو اعتقاد انفراد1 الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب وعن كل ما ينافي كماله.

1 القول السديد في مقاصد التوحيد ص15.

ص: 84

القسم الثالث: توحيد الألوهية ويقال له توحيد العبادة وهو العلم1 والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده.

وهذا القسم يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما لأن الألوهية التي هي صفة تعم أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والإفضال.

فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه ألا يستحق العبادة أحد سواه2.

وهذا القسم هو الذي من أجله أنزل الله الكتب وأرسل الرسل فجميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم إنما بعثوا لدعوة العباد إلى إفراد الله بالعبادة {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} .

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} .

وقال الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاه} وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآب} .

ومن أجل ذلك كان كل رسول يفتتح دعوته بقوله لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .

ومن هنا يعلم أن الإقرار بالربوبية لا يكفي في التوحيد لأن المشركين لم ينفعهم هذا الإقرار مع إشراكهم الأنداد لله في العبادة ولا أغنى عنهم من الله شيئا، وأن عبادتهم هي اعتقادهم فيهم أنهم ينفعون ويضرون وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وأنهم يشفعون لهم عند الله {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ

1 القول السديد في مقاصد التوحيد ص16.

2 المرجع السابق ص17.

ص: 85