المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

15_ إن الله تكفل لأهل التوحيد بالأمن والطمأنينة والولاية ودخول - العبادات في الإسلام وأثرها في إصلاح المجتمع

[محمود السيد شيخون]

الفصل: 15_ إن الله تكفل لأهل التوحيد بالأمن والطمأنينة والولاية ودخول

15_

إن الله تكفل لأهل التوحيد بالأمن والطمأنينة والولاية ودخول الجنان {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} .

هذه هي فضائل التوحيد ولا ينالها ولا يحظى بها إلا من حققه وتحقيقه ليس بالتمني ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق ولا بالحلي العاطلة وإنما ذلك بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان وصدقته الأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة الجليلة.

يقول ابن القيم رحمه الله في فضل كلمة التوحيد: "هي الكلمة1 التي قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات وعليها أسست الملة ونصبت القلة وجردت سيوف الجهاد وهي محض حق الله على جميع العباد وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار وهي المنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به والحبل الذي لا يصل إلى الله إلا من يتعلق بسببه وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان وهي العمود الحامل للفرض والسنة "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"2.

1 الجواب الكافي ص170.

2 رواه أحمد وأبو داود وعن معاذ وهو حديث صحيح.

ص: 89

‌العبادات وأثرها في إصلاح القلوب وتهذيب النفوس

‌مدخل

العبادات وأثرها في إصلاح القلوب وتهذيب النفوس

إن الإسلام قد فرض على الناس عبادات لها أثر حسن في إصلاح القلوب وتهذيب النفوس وسنشير في هذه العجالة إلى ما تشتمل عليه هذه العبادات من المثل العالية والمبادئ السامية التي تحقق السعادة في الدنيا والآخرة.

ص: 89

‌الصلاة وفضائلها:

إن من يدرس هذه الفضيلة دراسة واعية مستفيضة يدرك أنها تشتمل على كثير

ص: 89

من الفضائل التي تسهم في سعادة الفرد والمجتمع ومن هذه الفضائل ما يأتي: _

1_

إنها تسهم في حماية العبد من الأمراض التي تفتك به وتعوقه عن العمل لدنياه وأخراه لما فيها من الحث على النظافة فقد جعل الإسلام مفتاحها طهارة البدن والثوب والمكان.

2_

إنها تعوِّد المؤمن مراقبة الله وخشيته، إذ يقف العبد فيها فارغا من الشواغل موجها قلبه إلى مولاه يناجيه ويثني عليه بما هو أهله خائفا عقابه طامعا في رحمته طالبا منه العون والهداية فيؤثر ذلك في نفسه ويعوده مراقبة الله وخشيته فيجتنب ما يغضب مولاه عما حرم الله.

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} .

3_

الصلاة تمد المؤمن بقوة روحية تعينه على مواجهة المشقات والمكاره في الحياة الدنيا {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه1 أمر فزع إلى الصلاة2.

4_

إن في الصلاة غذاء روحيا للمؤمن يعينه على مقاومة الجزع عند الشر والمنع عند الخير والتغلب على جوانب الضعف الإنساني {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} .

5_

إن الصلاة سبب لمحو الخطايا وغفران الذنوب فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أرأيت لو أن نهرا على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فهل يبقى على بدنه من درنه شيء قالوا: لا قال فذلك مثَل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" أخرجه البخاري ومسلم.

6_

إن الصلاة تعلم العبد بما فيها من الركوع والسجود والثناء والتعظيم كيف يتواضع لله، وكيف يشكر من أحسن إليه ويكافئ من أسدى إليه معروفا.

1 أي نزلت به شدة.

2 رواه أحمد وأبو داود.

ص: 90

7_

إن الصلاة بما فيها من الخشوع ترقق قلب المؤمن وتملأه رحمة وقناعة فيرحم الضعفاء، ويواسي البؤساء، ويرضى عن الله في الشدة والرخاء.

8_

إن في الصلاة غذاء للروح لا يغني عنه علم ولا أدب فالصلوات الخمس هي وجبات الغذاء اليومي للروح كما أن للمعدة وجباتها اليومية يناجي المصلي فيها ربه فتكاد تشف روحه وتصفو نفسه فتسمع كلام الله الذي يقول: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" رواه مسلم.

9_

في الصلاة تدريب للمسلم على النظام وتعويد له على الطاعة ويظهر هذا واضحا في صلاة الجماعة إذ يقف المسلمون في صفوف مستقيمة متلاصقة فلا عوج ولا فرج المنكب إلى المنكب والقدم إلى القدم فإذا كبر الإمام كبروا وإذا قرأ أنصتوا، وإذا ركع ركعوا، وإذا سجد سجدوا، وإذا سلم سلموا، من خرج على هذا النظام فكأنما خرج على الإنسانية وانحط إلى مستوى الحيوانية1 ففي الحديث الشريف:"ألا يخشى الذي يركع أو يسجد قبل الإمام أن يمسخ الله رأسه رأس حمار" رواه البخاري ومسلم.

10_

في صلاة الجماعة مظهر من مظاهر المساواة الرائعة إذ يقف الأمير إلى جانب الفقير والغني في جوار المسكين، والسيد في محاذاة الخادم، فليس في المسجد لائحة تخصص الصف الأول للوزراء والصف الثاني للنواب، والصف الثالث للمدير وإنما الجميع سواسية كأسنان المشط فمن بكَّر في الذهاب إلى المسجد احتل مكانه في مقدمته أيّاً كانت منزلته وأيّاً كان عمله في الناس2.

11_

في صلاة الجماعة دعم لعاطفة الأخوة وتقوية لروابط المحبة وإظهار للقوة فبالاجتماع تذهب الضغائن وتزول الأحقاد، وتتآلف القلوب وتتحد الكلمة.

1 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص45.

2 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص58.

ص: 91

12_

في صلاة الجماعة تظهر عظمة ملك الملوك ورب الأرباب ويعم الخير وتنتشر الرحمة لأن المسلمين إذا اجتمعوا في صعيد واحد وراء إمام واحد إلى قبلة واحدة يعبدون ربّاً واحدا خاشعين خاضعين خائفين عذابه طامعين في فضله غشيتهم رحمته وعمهم إحسانه {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .

13_

الصلاة تعود على البدن بنفع عظيم فهي تقوى العضلات وتسبب اليقظة المبكرة والنشاط لجميع الجوارح فالجسم في الصلاة يعمل قائما وقاعدا وراكعا واللسان يعمل قارئا مكبرا مسبحا مهللا1 والعقل يعمل متدبرا متفكرا فيما يتلى عليه من القرآن والقلب يعمل مستحضرا رقابة الله تعالى وحشيته والشوق إليه.

عناية الإسلام بالصلاة

لقد عني الإسلام بالصلاة لما فيها من الفضائل ولما تشتمل عليه من الخير والنفع فشدد كل التشديد في طلبها وحذر كل التحذير من تركها أو تأخيرها عن أوقاتها فهي عمود الدين ومفتاح الجنة وخير الأعمال وأول ما يحاسب عليه المرء المؤمن2 يوم القيامة يذكرها القرآن الكريم في دعاء الخليل إبراهيم. عليه الصلاة والسلام {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} .

ويمدح بها إسماعيل عليه الصلاة والسلام {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} .

ويأمر الله تعالى كليمه موسى عليه الصلاة والسلام بإقامتها أول ما يأمره به في ساعات الوحي الإلهي {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} .

ويوحي إليه وإلى أخيه هارون عليهما الصلاة والسلام {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} .

ومن وصايا لقمان لابنه {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} .

1 المرجع السابق ص48.

2 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص34.

ص: 92

وينطق عيسى عليه السلام وهو في مهده {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} . ويأمر بها خام أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ} .

ويؤكد الإسلام عليها في الحضر والسفر والأمن والخوف والسلم والحرب {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانا} .

وينذر بالويل والهلاك من يصرف قلبه عنها أو يؤخرها عن وقتها فيضيعها {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} .

ويجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم الدليل الأول على التزام عقد الإيمان والشعار الفاصل بين المسلم والكافر ففي الحديث الشريف "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" رواه أحمد ومسلم.

وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" أحمد وابن حبان.

وفي توجيه هذا الحديث كلام حسن خلاصته أن من شغله عن الصلاة ماله فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.

وفي الحديث الشريف "من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله" رواه ابن حبان تلك هي مكانة الصلاة في الإسلام ولهذه المكانة كانت أول عبادة فرضت على المسلمين فقد فرضت في مكة قبل الهجرة بسنتين تقريبا، وكانت طريقة فرضيتها دليلا آخر على عناية الله تعالى بها إذ فرضت ليلة الإسراء والمعراج بخطاب مباشر من رب العالمين تبارك وتعالى إلى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

الصلاة التي يريدها الإسلام

إن الصلاة التي يريدها الإسلام والتي تشتمل على الفضائل التي سلفت ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان، وحركات تؤديها الجوارح بلا تدبر من عقل ولا خشوع

ص: 93