الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ} فنحروا لهم النحائر وطافوا بهم ونذروا النذور عليهم وقاموا متذللين متواضعين في خدمتهم وسجدوا لهم ومع هذا كله فهم مقرون لله بالربوبية وأنه الخالق ولكنهم لما أشركوا في عبادته جعلهم مشركين ولم يعتد بإقرارهم هذا لأنه نافاه فعلهم فلم ينفعهم الإقرار بتوحيد الربوبية فمن شأن من أقر لله وحده بتوحيد الربوبية أن يفرده بتوحيد العبادة فإن لم يفعل ذلك فالإقرار الأول باطل وقد عرف المشركون ذلك وهم في طبقات النار فقالوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} مع أنهم لم يسووهم به من كل وجه ولا يجعلوهم خالقين ولا رازقين لكنهم علموا وهم في قعر جهنم أن خلطهم الإقرار بذرة من ذرات الإشراك في توحيد العبادة صيرهم كمن سوى بين الأصنام وبين رب الأنام.
وبناء عليه فالتوحيد المنجي من النار إنما يكون بالإقرار لله بالربوبية والعبودية والتفرد بصفات الكمال والعظمة والجلال وهذا يقتضي من العبد أن ينسب إليه جميع النعم {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} وأن يخصه بالعبادة والاستعانة والخوف والرجاء والمحبة والتوكل والإنابة فمن فعل شيئا من ذلك لمخلوق حي أو ميت أو جماد أو غيره فقد أشرك وصار من تفعل له هذه الأمور إلها لعابديه سواء أكان ملكا أم نبيا أم وليا أم شجرا أم قبرا أم جنا أم حيا أم ميتا وصار العابد بهذه العبادة عابد لذلك المخلوق مشركا بالله.
وخلاصة القول في التوحيد أن يحقق العبد كلمة "لا إله إلا الله" وتحقيق هذه الكلمة ألا يعبد بجميع أنواع العبادة إلا الله فلا يخاف سواه، ولا يرجى سواه ولا يتوكل إلا عليه ولا يرغب إلا إليه ولا يرهب إلا منه، ولا يحلف إلا به ولا ينذر إلا له ولا يناب إلا إليه، ولا يطاع إلا أمره ولا يحتسب إلا به، ولا يستعان في الشدائد إلا به ولا يلتجأ إلا إليه، ولا يسجد إلا له، ولا يذبح إلا له وباسمه.
فضائل التوحيد
1_
إن التوحيد يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} .
2_
إن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققا كاملا بالإخلاص التام فإنه يصيِّر القليل من عمل العبد كثيرا ويضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب
فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهم غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله الله" رواه ابن حبان والحاكم.
3_
إن التوحيد سبب في تكفير الذنوب ومحو الخطايا فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركْ بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".
4_
إن التوحيد يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} .
5_
إن التوحيد يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة من خردل وأنه إذا اكتمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" أخرجه البخاري ومسلم.
وفي حديث عتبان "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار".
6_
إن الله يدفع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة ومن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
ويقول تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} .
7_
إن التوحيد هو السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه والفوز بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى مثنيا على المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
8_
إن الله تكفل لأهل التوحيد بالفتح والنصر والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى وإصلاح الأحوال والتسديد في الأقوال والأفعال.
9_
إن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.
10_
إن التوحيد يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي لما يخشى من سخطه وعقابه.
11_
إن التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله إلى صاحبه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله من الراشدين.
12_
إن التوحيد هو السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما.
13_
إن التوحيد هو الطريق إلى الفوز بمحبة الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} .
14_
إن التوحيد يخفف عن العبد المكاره ويهون عليه الآلام فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى المكاره بقلب منشرح وصدر رحب ونفس مطمئنة وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة.