الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد التاسع
كتاب الطلاق
مدخل
*
…
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق
يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا1، وَعَنْهُ: لَا1، وَعَنْهُ: يُحَرَّمُ، وَيُسْتَحَبُّ لِتَرْكِهَا صَلَاةً وَعِفَّةً وَنَحْوَهُمَا، كَتَضَرُّرِهَا2 بِالنِّكَاحِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ لِعِفَّةٍ، وَعَنْهُ: وَغَيْرِهَا، فَإِنْ تَرَكَ حَقًّا لِلَّهِ فَهِيَ كَهُوَ فَتَخْتَلِعُ، وَالزِّنَا لَا يَفْسَخُ نِكَاحًا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْكِرُ زَوْجَ أُخْتِهِ يُحَوِّلُهَا إلَيْهِ، وَعَنْهُ أَيْضًا، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَيَجِبُ فِي الْمُوَلَّى وَالْحَكَمَيْنِ وَعَنْهُ: لَا، وَعَنْهُ: وَلِأَمْرِ أَبِيهِ، وَعَنْهُ: الْعَدْلِ.
فَإِنْ أَمَرَتْهُ أُمُّهُ فَنَصُّهُ: لا يعجبني طلاقه، ومنعه شيخنا منه3
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 -1 ليست في "ر".
2 في "ر": "كتضررهما".
3 ليست في الأصل.
وَنَصَّ فِي بَيْعِ السَّرِيَّةِ: إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَكَذَا نَصَّ فِيمَا إذَا مَنَعَاهُ1 مِنْ التَّزْوِيجِ.
وَيَصِحُّ مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ حَتَّى كِتَابِيٍّ وَسَفِيهٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا مُمَيِّزٌ يَعْقِلُهُ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: ابْنُ عَشْرٍ، وَعَنْهُ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ، وَعَنْهُ: لِأَبٍ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ فَقَطْ الطَّلَاقُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: هِيَ أَشْهَرُ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا سَيِّدُهُمَا، وَقَاسَ فِي الْمُغْنِي2 عَلَى الْحَاكِمِ يُطَلِّقُ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ بِالْإِعْسَارِ وَيُزَوِّجُ الصَّغِيرَ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: يَمْلِكُهُ غَيْرُ أَبٍ إنْ مَلَكَ تَزْوِيجَهُ، وَأَظُنُّهُ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ وَلَمْ يَحْتَجَّ الشَّيْخُ لِلْمَنْعِ، بَلْ قَالَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
وَطَلَاقُ مُرْتَدٍّ مَوْقُوفٌ، وَإِنْ تَعَجَّلَتْ الْفُرْقَةُ فَبَاطِلٌ، وَتَزْوِيجُهُ بَاطِلٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ كَرَجْعَتِهِ3 وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: يَصِحُّ، وَأَخَذَهُ4 أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ5 عَدَمِ إقْرَارِ وَلَدِهِ زَمَنَ ردته بجزية، وقيل: يصح مرتد لمرتدة.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الأصل: "معناه".
2 9/421.
3 في "ر": "كرجعته".
4 -
4 في "ر": "أبو طالب".
5 ليست في الأصل.
وَتُعْتَبَرُ إرَادَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ، فَلَا طَلَاقَ لِفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ وَحَاكٍ عَنْ نَفْسِهِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَغَيْرِهِ، وَنَائِمٍ وَزَائِلِ الْعَقْلِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْمُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ الْمَجْنُونَ لَمَّا أَفَاقَ أَنَّهُ طَلَّقَ وَقَعَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ وَمَنْ بِهِ نِشَافٌ فَلَا يَقَعُ.
وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمُبَرْسَمَ وَالْمُوَسْوِسَ إنْ عَقَلَ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ1 أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ، قَالَ شَيْخُنَا: بِلَا رَيْبٍ، ذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْ لَا، وَيَقَعُ مِنْ غَيْرِهِ. فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْمِلُهُ، فَوَجَدَهُ غَضْبَانَ فَحَلَفَ لا يحملهم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
وَكَفَّرَ الْحَدِيثَ1.
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فغضب حتى احمرت وجنتاه أو2 احمر وَجْهُهُ قَالَ: "مَا لَك وَلَهَا؟ دَعْهَا
…
" الْحَدِيثُ متفق عليه3 من حديث زيد بن خالد4. وَجْنَتَاهُ مُثَلَّثُ الْوَاوِ: مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْخَدَّيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فِي الْخُرُوجِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَّبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ مُغْضَبًا. الْحَدِيثَ5، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ6، وَلِأَنَّهُ مِنْ بَاطِنٍ كَالْمَحَبَّةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الزِّنَا، وَعِنْدَ شَيْخِنَا إنْ غَيَّرَهُ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ لَمْ يَقَعْ، لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ فَأَوْقَعَهُ وَهُوَ يَكْرَهُهُ لِيَسْتَرِيحَ مِنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ، وَلِهَذَا لَا يُجَابُ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ الطَّاعَةِ فِيهِ. وَفِي صحة حكمه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه البخاري 6623، ومسلم 1649، 7 عن موسى الأشعري، ولفظه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين استحمله، فقال: "والله لا أحملكم
…
" وفيه: "ما أنا حملتكم بل الله حملكم، وإني والله – إن شاء الله- لا أحلف على يمين، فأرى خيرا منها، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير". أو:"أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني".
2 في "ر" و "ط": "و".
3 البخاري 2436، ومسلم 1722، 2.
4 في الأصل و "ط": "أرقم" ولم تظهر في تصوير "ر".
5 أخرجه البخاري 6113، ومسلم 781، 213.
6 أورد البخاري تعليقا قبل حديث 5269، عن ابن عباس أنه قال: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز.
الْخِلَافُ. وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا يَزُولُ1 بِالْكَفَّارَةِ، وَهَذَا إتْلَافٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ2: لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاقٍ. قَالَ فِي رِوَايَةِ حنبل: يريد3 الْغَضَبَ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: أَظُنُّهُ الْغَضَبَ، وَهَذَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُكْرَهِ4 يَدُلُّ5 عَلَى أَنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْعَقِدُ، وَيَخُصُّ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ بِهَذَا، أَمَّا الْغَضَبُ يَسِيرًا فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فَيَقَعُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَذْرُ الْغَضَبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِظَاهِرِ قِصَّةِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجَمِيِّ الَّتِي أَفْتَاهَا الصَّحَابَةُ فِي قَوْلِهَا هِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ وَكَذَا6، وَعَلَيْهِ حَمَلَ صَاحِبُ المحرر حكمه للزبير7.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الأصل: "يوصل".
2 في "المسند"26360.
3 بعدها في "ط": "به".
4 في "ر": "الكره".
5 بعدها في "ط": "على".
6 ليست في "ر". وقد أخرج الدارقطني في "سننه" 4/162- 163، والبيهقي في "السنن الكبرى"، 10/66 عن أبي رافع أن مولته أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت: هي يوما يهودية، ويوما نصرانية، وكل مملوك لها حر، وكل مال لها في سبيل الله، وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما. فسألت عائشة وابن عمر وابن عباس وحفصة وأم سلمة، فكلهم قال لها: أتريدين أن تكوني مثل هاروت وماروت؟ وأمروها أن تكفر يمينها، وتخلي بينهما.
7 أخرج البخاري 2359، ومسلم 2357، 129، عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه: أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل. فقال الأنصاري: شرج الماء يمر. فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للزبير:"اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك". فغضب الأنصاري، فقال يا رسول الله: أن كان ابن عمتك. فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا زبير اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً} [النساء: 75] .
وَلِمَنْ اخْتَارَ هَذَا أَنْ يَحْمِلَ الْأَخْبَارَ الْمَذْكُورَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، كَظَاهِرِ خَبَرِ زَيْدٍ، فَلِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حُكْمُهُ مَعَهُ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَ غَيْرَهَا أَوْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِهِ صَحَّ، وَفِي الْفُنُونِ: مِنْ دَقِيقِ الْوَرَعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْبَذْلَ فِي اهْتِيَاجِ الطَّبْعِ وَهُوَ كَبَذْلِ السَّكْرَانِ، وَقَلَّ أَنْ يَصِحَّ رَأْيٌ مَعَ فَوْرَةِ طَبْعٍ مِنْ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ أَوْ حَقْنِ الْخُبْثِ أَوْ غَضَبٍ، فَإِذَا بَذَلَ فِي فَوْرَةِ ذَلِكَ يَعْقُبُهُ النَّدَمُ، وَمِنْ هُنَا لَا يَقْضِي غَضْبَانُ.
وَإِذَا أَرَدْت عِلْمَ ذَلِكَ فَاخْتَبِرْ نَفْسَك. وَقَدْ نَدِمَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى إحْرَاقِهِ بِالنَّارِ، وَالْحَسَنُ عَلَى الْمُثْلَةِ، فَمِنْ هُنَا وَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى حِينِ الِاعْتِدَالِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مِنْ الذُّنُوبِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْقَلْبِ الْغَضَبُ، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ اعْتِقَادِ الْكِبْرِ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّهْيَ عَنْهُ1، وَإِذَا كَظَمَهُ عَجْزًا عَنْ التَّشَفِّي احْتَقَنَ فِي الْبَاطِنِ، فَصَارَ حِقْدًا يُثْمِرُ الْحَسَدَ وَالطَّعْنَ فِيهِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ بَابُ إذَا لَطَمَ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ الْغَضَبِ ثُمَّ رَوَى قِصَّةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمَّا سَمِعَ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ: وَاَلَّذِي اصطفى موسى على البشر.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 سيورده المصنف بعد أسطر قليلة.
فَغَضِبَ فَلَطَمَهُ وَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ1، وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ الْغَضَبِ فَقَالَ لِرَجُلٍ:"لَا تَغْضَبْ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. وَالْمُحَالُ لَا يُنْهَى عَنْهُ، وَمَا حُرِّمَ لَا يَمْنَعُ تَرَتُّبَ الْأَحْكَامِ مَعَ وُجُودِ الْعَقْلِ، كَالْخَمْرِ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِهِ إنْ عُذِرَ فَكَسُكْرٍ عُذِرَ فِيهِ، وَإِلَّا كَبَنْجٍ، وَظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ فِعْلٍ وَرَدٍّ مع غضب. والله أعلم.
وَيَقَعُ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ مُحَرَّمٍ وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ وَشَيْخُنَا وَقَالَ: كَمُكْرَهٍ لَمْ يَأْثَمْ، فِي الْأَصَحِّ وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنْت أَقُولُ: يَقَعُ حَتَّى تَبَيَّنْتُهُ فَغَلَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً، وَاَلَّذِي يَأْمُرُ بِهِ أَتَى ثِنْتَيْنِ: حَرَّمَهَا عَلَيْهِ وَأَحَلَّهَا لِغَيْرِهِ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ وَهُوَ مَنْ يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ ثَوْبَهُ أَوْ هَذَى، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا3: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ قَدْ يَفْهَمُ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ، قَالَ شَيْخُنَا: وَزَعَمَ طَائِفَةٌ4 مِنْ أَصْحَابِ م ش وَأَحْمَدَ4 أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّشْوَانِ الَّذِي قَدْ يَفْهَمُ وَيَغْلَطُ، فَأَمَّا الَّذِي تَمَّ سُكْرُهُ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ مَا يَقُولُ: فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ جَعَلُوا النِّزَاعَ فِي الْجَمِيعِ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي أَقْوَالِهِ وَكُلِّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ الْعَقْلُ لَهُ، وَعَنْهُ: فِي حَدٍّ، وَعَنْهُ: وَقَوْلُ كَمَجْنُونٍ، وَغَيْرِهِمَا كَصَاحٍ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فيما
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه البخاري 2411، وَمُسْلِمٍ 2373، 160 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
2 في "صحيحه"6116.
3 في "ر": "وجهان".
4 -
ليست في "ر".
يَسْتَقِلُّ بِهِ كَعِتْقِهِ وَقَتْلِهِ كَصَاحٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ، لِلْخَبَرِ1، وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَالْبَنْجُ وَنَحْوَهُ كَجُنُونٍ، لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَقَعُ لِتَحْرِيمِهِ، وَلِهَذَا يُعَزَّرُ قَالَ شَيْخُنَا: قَصْدُ إزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٍ2، وَفِي الْوَاضِحِ: إنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ ظُلْمًا وَعَنْهُ: مِنْ سُلْطَانٍ بِإِيلَامِهِ3 بِضَرْبِهِ أَوْ حَبْسِهِ وَالْأَصَحُّ أَوْ لِوَلَدِهِ، وَيَتَوَجَّهُ أَوْ وَالِدِهِ وَنَحْوَهُ أَوْ أَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ، أَوْ هَدَّدَهُ بِأَحَدِهَا4 قَادِرٌ يَظُنُّ إيقَاعَهُ فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يَضُرُّهُ بِلَا تَهْدِيدٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، لَمْ يقع، وعنه: إن هدد بقتل5، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ، فَإِكْرَاهٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إحراق من يؤلمه إكراه6.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرج النسائي في "المجتبى" 8/317، وابن ماجه 3377، عن عبد الله بن عمرو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر وسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، وإن مات، دخل النار، فإن تاب، تاب الله عليه
…
". وأخرج الترمذي 1862، والنسائي في "المجتبى" 8/316، بنحوه من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
2 في "ر": "يحرم".
3 في "ر": "نائلا منه".
4 في "ر": "أحدهما".
5 بعدها في "ر": "وعنه".
6 في "ق": "ما".
وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَاضِحِ، قَالَ الْقَاضِي الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: لَا يَقَعُ مِنْ مُكْرَهٍ بمضر لا1 شتم وَتَوَعُّدٍ لِسُوقَةٍ2، وَإِنْ سَحَرَهُ لِيُطَلِّقَ فَإِكْرَاهٌ، قَالَهُ شَيْخُنَا.
وَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ إكره3 عَلَى مُبْهَمَةٍ فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً فَوَجْهَانِ م 1 و 2
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 و 2: قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى مُبْهَمَةٍ فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1 إذَا تَرَكَ الْمُكْرَهُ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَقَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 وَنَصَرَاهُ، وَيَأْتِي كَلَامُ الزركشي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: إنْ نَوَى الْمُكْرَهُ ظُلْمًا غَيْرَ الظَّاهِرِ نفعه تأويله، وإن ترك6 ذَلِكَ جَهْلًا أَوْ دَهْشَةً لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا نِزَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَلِابْنِ حَمْدَانَ احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ والحالة هذه، انتهى.
1 في "ر" و "ط": "و".
2 في الأصل: "كسوقه".
3 في "ط": "إكراه".
4 10/345.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 22/157.
6 في "ط": "ذكر".
وَفِي الِانْتِصَارِ: هَلْ يَقَعُ لَغْوًا أَوْ يَقَعُ بِنِيَّةِ طَلَاقٍ فَقَطْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا عِتْقُهُ وَيَمِينُهُ وَنَحْوَهُمَا، وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهَا غَيْرَهَا، وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ إكْرَاهًا لَكُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَلَا ثَوَابَ، لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ1: إنَّنَا مُكْرَهُونَ عَلَيْهَا، وَالثَّوَابُ بِفَضْلِهِ لَا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ عِنْدَنَا، ثُمَّ الْعِبَادَاتُ تُفْعَلُ لِلرَّغْبَةِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَيَقَعُ بَائِنًا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَحُكْمٍ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَكْشِفُ خَافِيًا أَوْ يُنْفِذُ وَاقِعًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَدْ قَامَ مَقَامَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا، وَعَنْهُ: يَقَعُ إنْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ.
وَيَجُوزُ فِي حَيْضِ، وَكَذَا عِتْقٌ2 فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَتَعْلِيلِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ سَلَّمَ فَلِإِسْقَاطِهِ حَقَّ الْبَائِعِ، وَلَا يَلْزَمُ نِكَاحَ الْمُرْتَدَّةِ والمعتدة، فإنه كمسألتنا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ فِي بَاطِلٍ إجْمَاعًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتَهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ.
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ تَزَوَّجَ عبد بلا
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -2: إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِمُبْهَمَةٍ فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا.
قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْوُقُوعَ هُنَا أَقْوَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْمُبْهَمَةِ إلَى مُعَيَّنَةٍ يَدُلُّ عَلَى نَوْعِ إرَادَةٍ. والله أعلم.
1 -1 ليست في "ر".
2 ليست في "ر".