المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌شهادة التاريخ: التاريخ يدخر المواعظ والعبر لنتعظ بها، ولنسلك طريق المستقبل - الفكرة السنية والحاجة إليها

[محمد إسحاق الصديقي]

الفصل: ‌ ‌شهادة التاريخ: التاريخ يدخر المواعظ والعبر لنتعظ بها، ولنسلك طريق المستقبل

‌شهادة التاريخ:

التاريخ يدخر المواعظ والعبر لنتعظ بها، ولنسلك طريق المستقبل في ضوئها، فنشير إلى بعض الحوادث الماضية التي تصدق ما قلناه من أن (الفكرة السنّية) لها أثر عظيم في رقي الأمة المسلمة وعروجها، وإن تركها موجب لزوالها وانحطاطها، فإن زوالها إنما بدأ حين ضعف اعتصامها بالكتاب والسنة، ولاشك أن هذا الضعف قد طرأ عليها بسبب التغير في منهاج فكرها ووجهة نظرها، وذلك بأن المجتمع الإسلامي من حيث المجتمع قد ترك (الفكرة السنّية) في الأمور الاجتماعية لاسيما في الأعمال السياسية وإن بقيت مختارة لكثير من الأفراد في الحياة الفردية، وكفاك مثلا وعبرة حادثة زوال الخلافة العباسية فإنها سقطت في أول فتنة في التاريخ الإسلامي التي أثارها المنافقون، وأصبحت تلك الفتنة قائدة لجيش الفتن التي صحبتها، كفتنة القول بخلق القرآن وفتنة إنكار الحديث وأمثالها من الفتن التي ظهرت في عصر العباسيين وانتهت بزوالهم.

وتوضيح هذا المجمل أن أول فتنة ظهرت في الإسلام هي فتنة تنقيص شأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإن سعي اليهود لإزالة حب الصحابة وتعظيمهم وتوقيرهم عن قلوب المسلمين أنتجت فرقة في الأمة تسمي نفسها باسم الشيعة.

وهذه الفرقة التي نشأت على عداوة الصحابة وتنقيص شأنهم، قد قويت على عهد الخلافة العباسية، لأن العباسيين استعانوا بها حين أثاروا الثورة ضد الأمويين، ثم إن خلفاءهم وزعماءهم قربوا هذه الفرقة ونصبوا رجالها على مناصب جليلة وأشركوهم في أمور الخلافة، حتى أنها تسلطت عليهم، وكان عاقبة الأمر أن الشيعة لعداوتهم لأهل السنة ولدينهم الحق دمروا الخلافة العباسية تدميرا واستأصلوها بالمؤامرة بتآمر الذين دعوهم للتدمير وأعانوهم على هذا المقصد الشنيع.

والسبب الأساسي لتلك الحادثة الفاجعة الأليمة هو أن العباسيين ومن كان معهم من المسلمين أي من أهل السنة صرفوا النظر عن هداية الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} . (الآية) وخالفوها باتخاذ أعداء الإسلام المنافقين بطانتهم وبالاعتماد عليهم وتركوا الفكرة السنّية فذاقوا وبال خطئهم.

ثم إن هذا المرض أصبح وباء متعديا إلى العامة من أهل السنة وأفسد مزاج المجتمع لأن الاختلاط والمودة بالذين أشربوا في قلوبهم عداوة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

ص: 69

والسخط على دينهم الحق أدّى إلى ضعف حب الصحابة وسنتهم ونقص عظمتهم في قلوبهم، فأدى إلى ضعف في اعتصامهم بالكتاب والسنة وقد حفظ الله تعالى شأنه طائفة من المؤمنين من هذا الداء العضال حتى أصبحت مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم". أو كما قال، لكنها كانت قليلة في العدد.

وكما أن التاريخ يقص قصص زوال الأمة وأسبابها ويرفع الحجاب عن الحقيقة أن إهمال الفكرة السنّية وتركها واختيار فكرة غير سنّية هي أعظم أسباب زوال الأمة وانحطاطها كذلك ينبئنا عن عروج الأمة ورقيها وأسبابه، ويضيء لنا الطريق إليه ويأتينا بأخبار كثيرة تدل دلالة واضحة على أن (الفكرة السنية) كفيلة بعروج الأمة ورقيها وهي الطريقة الوحيدة إليه.

وإني أستطيع أن آتي من التاريخ بأمثلة كثيرة لهذا الأصل، لكني قصداً للإيجاز أكتفي بإيراد قصة المجاهد الجليل والفتى النبيل محمد بن القاسم الثقفي رحمه الله حين وصل إلى قلعة محكمة في غزوة السند، وكانت القلعة التي غزاها على ساحل بحر السند، ولم يكن هناك جسر ولا سفينة، فنظر إلى جيوشه وسألهم: أرب البحر والبر واحد أم لهما ربان؟ قالوا: إن الله وحده هو رب البحر والبر ورب كل شيء وهو رب العالمين، فقال: ربنا الذي نصرنا وحفظنا في البر وإنا خرجنا في سبيل الله فلا ينبغي لنا أن نرجع على أعقابنا فادخلوا البحر، فدخل المجاهدون في الماء يمشون عليه كما يمشي الرجل على الأرض، ولما رأت جيوش الهندوس الذين كانوا يرمون الحجارة عليهم بالمنجنيق هذه الحالة المدهشة العجيبة طرحوا أسلحتهم وفتحوا باب الحصن وأطاعوا المسلمين المجاهدين، وواضح أن محمداً بن القاسم ومن كان معه من المجاهدين تفكروا بفكرة سنية، فنظروا إلى وعد الله تعالى شأنه لا إلى الأسباب الظاهرة، واستعانوا بالإيمان فأفلحوا ونجحوا، ثم لا يخفى على من طالع تاريخ السند أن الفتح المذكور، جاء في تلك البلاد ببركات كثيرة من غلبة الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا، ونشاط علمي وفكري كما جاء بالأمن والسلام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 70