الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنعام
قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [28]
.
قد يُستبعَد فيمن شاهد أمور الآخرة وقاسى العذاب، أن يكون بحيث لو رُدَّ إلى الدنيا لعاد لِمَا تحقّق عندَه أنه مُوجِب لذلك العذاب الذي شاهده وذاقه.
وخطر لي جوابان:
الأول: أنه لو أُعيد إلى الدنيا لكان كالمولود ابتداء، لا يذكر شيئًا مما عرفه وشاهده بعد الموت، ولكن الخبث الذي كان بنفسه في الحياة الأولى يبقى راسخًا فيها، فيسوقه ذلك لزامًا إلى مثل ما جرى له في الحياة الأولى.
الجواب الثاني: أنه لا ينسى، ولكن ما استقرّ في نفسه من الخبث يجرّه إلى العود إلى الخبائث، ويغالط نفسه ويعلّلها تارة بأنه سيتوب، وتارة بأنه إن مات ثانية على الخبث سأل الإعادة مرّة أخرى، ونحو ذلك من المعاذير.
وشاهد هذا ما تراه في المجرمين الذين استحكم الإجرام في أنفسهم، يُؤْخَذ أحدهم فيُسْجَن ويعذَّب حتى يجزم هو قبل غيره بأنه إذا خُلِّص من ذلك العذاب فلن يعود إلى الإجرام البتة. ثم تجده إذا خُلِّص لا يلبث أن يعود
(1)
.
* * * *
(1)
مجموع [4730]. وسيأتي مزيد تفصيل في هذه المسألة في الفوائد العقدية (ص 97).
الحمد لله.
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
…
} [68].
وقال في آية أخرى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140].
ففي المقارنة بين هاتين الآيتين دلالة على أن كل ما خوطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد خوطب به أمّته. أي إلّا أن يقوم دليل في بعض المخاطبات يدل على الخصوص. والله أعلم.
وفيها ــ أيضًا ــ دلالة على أن حكاية القرآن للأقوال قد تكون بالمعنى، وإن كان المحكيّ بالعربية
(1)
.
* * * *
[المراد بالظلم في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}]
قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} الآيات إلى أن قال: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ
(1)
مجموع [4730].
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ .. } [74 - 83].
فبيّنٌ من السياق أن
(1)
المراد بالظلم ههنا الشرك؛ لأن الكلام مراجعة من إبراهيم ــ عليه الصلاة والسلام ــ لقومه المشركين، فقال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ [عَلَيْكُمْ]
(2)
سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
والفريقان: أحدهما: نفسه والذي آمن بالله تعالى ولم يشرك به شيئًا، والفريق الآخر: قومه الذين كانوا مشركين.
فقوله ــ عليه الصلاة والسلام ــ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعني نفسَه ومن كان على طريقته.
فإن قال قائل: فإن قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} يفيد أنهم لم يكونوا مشركين.
قلتُ: كلا، وإنما يفيد هنا أنهم اعترفوا بألوهية الله عز وجل كما قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]. قال البخاري في كتاب التوحيد
(3)
: باب قول الله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ
(1)
تكررت في الأصل.
(2)
سقطت في الأصل.
(3)
(9/ 152 - السلطانية).
أَنْدَادًا} [البقرة: 22]. وقال عكرمة: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ} و {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25، الزمر: 38] فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره
(1)
.
* * * *
وقوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [75].
قوله: {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} يُضعف التأويل بأن قوله: «هذا ربّي» من باب الاستفهام الإنكاري أو نحوه. ثم قوله: {هَذَا رَبِّي} أراد ــ والله أعلم ــ بالرب هنا المعبود كأنه قال: أمَّا الأحجار هذه فلا تصلح للعبادة، فينبغي أن يُنظر
(2)
فيما هو أرقى منها، فلما رأى الكوكب قال: هذا. فلما أَفَلَ قال: وهذا أيضًا لا يصلح للعبادة لأنه إن عُبِد حين طلوعه فكيف بعد أفوله، ثم هكذا القمر والشمس.
ولكن قوله بعد آيات
(3)
: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} [الأنبياء: 51] يحتمل أن يؤيّد التأويل. والله أعلم
(4)
.
(1)
مجموع [4711].
(2)
يصلح أن يكون: «ننظر»
(3)
كذا في الأصل مع أن الآية من سورة الأنبياء.
(4)
مجموع [4716].