الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعجمية عند الضرورة، على طريقة: العرب في تعريبهم).
فقال رحمه الله: (وفي رأيي أن اللغة لا تفسد بالدخيل بل حياتها في هضم هذا الدخيل؛ لأن مقدرة لغة ما على تمثُّل الكلام الأجنبي، تُعَدّ مزيَّة وخصيصة لها إْن هي صاغته على أوزانها، وصبَّتْهُ في قوالبها، ونفخت فيه من روحها.
والحقُّ أن مشكلة تعريب ألفاظ العلم ومستحدثات الحضارة، هي مشكلتنا الحقيقية في العصر الحديث. ومجامعنا العلمية لم تستطع حتى الآن معالجة هذه المشكلة معالجة حاسمة، فإنها تنتظر حتى يشيع اللفظ الأجنبي على كل لسان، وتستخدمه العامة والخاصة، وتنشره وسائل الأعلام المختلفة، ثم تسعى بعد فوات الأوان إلى محاربته، والبحث عن بديل له عند العرب القدماء، وبذلك يُولد هذا اللفظ ميتاً، لاشتهار اللفظ الأعجمي، وشيوعه على الألسنة.
وكم من ألفاظ وضعتها المجامع اللغوية
لمستحدثات الحضارة، غير أنها لم تتجاوز أبواب هذه المجامع، فمثلا:«المذياع» للراديو، و «المأوى»
للوكاندة، و «الخيالة» للسينما و «الطارمة» للكشك، و «الملوحة» للسيمافور، و «المرناة» للتليفزيون، وغير ذلك من الألفاظ، ولدت ميتة لهذا السبب الذي ذكرته.
ولو أننا سمَّينا مستحدثات الحضارة بأسماء عربية، واصطلحنا على هذه التسمية أو تلك، عند أول ظهور هذا المستحدث الحضاري أو ذاك، وعملت وسائل الإعلام المختلفة عندنا، على ذيوعه وانتشاره، لارتبط في أذهان الناس بمسماه، وقضينا على هذه المشكلة من أساسها.
وإنك لتعجب حين ترى الألمان يقومون في لغتهم بمثل ما ننادي به هنا، فمعظم المخترعات الأجنبية لها عندهم أسماء ألمانية خالصة. وفي قدرتنا النسج على هذا المنوال للحفاظ على عروبة لغتنا، أمام هذا الغزو الهائل من الألفاظ الأجنبية، وفي ذلك حياة للغة، وتجديد لشبابها). انتهى كلام د. رمضان.
ــ وقد علق الأمير الشهابي على قيد «الضرورة» الوارد في قرار المجمع بقوله: (أرى أن قيد «الضرورة» الذي وضعه المجمع للتعريب هو ضرورة، أقول هذا لأنني عارف بسخافات بعض أساتيذ العلوم الحديثة، الذين عرَّبوا ألفاظاً علمية أعجمية، كان في استطاعتهم أن يجدوا لها ألفاظاً عربية مقبولة بقليل من الجهد، ومن المعرفة بأصول تلك الألفاظ الأعجمية
وبمعانيها).
…
(1)
أما بعد
فهذا الطواف حول الموضوع يُمثِّلُ مقدمةً وتمهيداً؛ ليتحدث حول القضية أهلُ الاختصاص، بفصولٍ تأخذ رقابَ فصول أخرى، تنتقل من الكلام إلى الفِعال، ومن المجالس إلى المجامع، فلغتنا مجمعُ المحاسن، ولهجاتنا مفصَّلةٌ على ألسنتنا، وأسماعنا العربية تريد مقاييسنا العربية، ونبرات اللسان من نبرات القلب، فما يخفيه المرء تظهره فلتات اللسان، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
(1)«بحوث ومقالات في اللغة» (ص 186)، «المصطلحات العلمية» (ص 63)، أفاده د. صبحي الصالح في كتابه «دراسات في فقه اللغة» (ص 321).