الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدور الثاني:
قام في الطبقة الثانية من القرن الثاني، في بناء علم السيرة مجموعة من الأعلام وفي طليعتهم:(1) موسى بن عقبة، (2) ومجالد بن سعيد، (3) وسليمان التيمي، (4) ومحمد بن إسحق، (5) ومعمر بن راشد اليماني.
1-
أما موسى بن عقبة فهو ابن أبي عياش القرشي الأسدي مولاهم، أبو محمد المدني المتوفى نحو 141هـ (1) .
أدرك أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر وسهل بن سعد، وأم خالد بنت سعيد بن العاص ـ ولها صحبة ـ ويقال: كان مولاها، وهو من صغار التابعين. وقد روى العلم عن جمع من التابعين مثل: علقمة بن وقاص الليثيّ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسالم بن عبد الله بن عمر، والأعرج، ونافع بن جبير، وعروة بن الزبير، وعكرمة والزهري، وأبي الزناد، وغيرهم كثير.
وقد روى عنه خلق كثير منهم: بكير بن عبد الله الأشج -مع تقدمه- وشعبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك، والسفيانان، وأبو إسحق الفزاري، ومحمد بن فليح، وابن المبارك، وغيرهم.
وهو ثقة جليل حافظ إمام أثنى عليه الكبار: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن سعد وغيرهم.
وكان من أسرة علم، قال الواقدي: كان لإبراهيم، وموسى، ومحمد بني عقبة حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا كلهم فقهاء محدّثين، وكان
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد؛ القسم المتمم ص: 340، الجرح والتعديل 8/154، المعرفة والتاريخ للفسوي 3/32، 317، تهذيب الكمال للمزي 29/119 سير أعلام النبلاء 6/116، أسماء شيوخ مالك لابن خلفون ص: 177، تهذيب التهذيب 10/306، تذكرة الحفاظ 1/148 وغيرها.
موسى يفتي. وقال مصعب الزبيري: لهم هيبة وعلم.
كتب موسى المغازي وتتبعها وأتقنها، وسبب ذلك ما ذكره إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال كان بالمدينة شيخ يقال له: شُرَحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي، فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة، وكان قد احتاج فأسقطوا مغازيه، وعلمه.
قال إبراهيم: فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه فقال لي: كان شرحبيل بن سعد عالماً بالمغازي، فاتهموه أن يكون يُدْخِلُ فيهم من لم يشهد بدراً، ومَنْ قُتل يوم أحد، والهجرة، ومن لم يكن منهم وكان قد احتاج فسقط عند الناس، فسمع بذلك موسى بن عقبة فقال: وإن الناس قد اجترؤوا على هذا؟ فدبّ على كبر السن وقيد من شهد بدراً، وأحداً، ومن هاجر إلى أرض الحبشة، والمدينة وكتب ذلك.
وقد غدا كتابه هذا محل ثقة العلماء وراج في حلقات الدرس، فكان مالك بن أنس إذا سئل عن المغازي عمن تكتب قال: عليكم بمغازي موسى ابن عقبة فإنه ثقة، وفي رواية: عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي.
وسبب ثناء مالك عليها يوضحه ما جاء عنه في قوله: عليكم بمغازي موسى بن عقبة، فإنه رجل ثقة طلبها على كبر السن ليقيد من شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكثر كما كثر غيره.
قلت: هو يعرض بعمل محمد بن إسحق.
وبقي العلماء عبر العصور يشيدون به ويشيرون إليه، ومن ذلك قول علي ابن المديني، قال لي الدراوردي؛ قل ليوسف السمتي: يتقي الله ويرد كتاب
موسى بن عقبة. قلت: أي أنه كان قد أعاره إياه لينسخه.
وبالرجوع إلى طبقات ابن سعد نجده قد تتبعه حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، وجعله أحد مصادره الأربعة الأساسية.
واقتبس منه من الأوائل: يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ من طريق محمد بن فليح. والبيهقي في دلائل النبوة انظر مثلاً 3/206، والاعتقاد ص: 339، 351 وغيرهما من كتبه وقد اقتبس نصوصاً طويلة.
أما أبو عمر بن عبد البر في كتاب «الدرر في اختصار المغازي والسير» فقد قَدَّمه على غيره وقال: وأفردت هذا الكتاب لسائر خبره، ومبعثه وأوقاته صلى الله عليه وسلم، اختصرت ذلك من كتاب موسى بن عقبة، وكتاب ابن إسحق.. واعتمده ابن عساكر في تاريخه، واللالكائي والمتأخرون وكل من كتب في السيرة النبوية ناهيك بمصنفات الحديث التي تلته.
وقد وصل الكتاب كاملاً إلى المتأخرين ونجد ابن سيد الناس في سيرته عيون الأثر يعتمده، ويضعه في جملة المصنفات التي أكثر الرجوع إليها ورواها بسنده، انظر 2/457، ونجد الذهبي يقول في تذكرة الحفاظ (1) :«قرأت مغازي موسى بالمزّة على أبي نصر الفارسي» .
وقال في سير أعلام النبلاء (2) : ((الإمام الثقة الكبير، وكان بصيراً بالمغازي النبوية، ألفها في مجلد، فكان أول من صنف في ذلك)) .
وقال تعليقاً على قول مالك: «ولم يكثر كما كثر غيره» .
(قلت: هذا تعريض بابن إسحق، ولا ريب أن ابن إسحق كثر وطوّل
(1) انظر تذكرة الحفاظ 1/148.
(2)
سير أعلام النبلاء 6/115، 116.
بأنساب مستوفاة، اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة، حذفها أرجح، وبآثار لم تصح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح رواية ما فاته.
وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير سمعناها، وغالبها صحيح، ومرسل جيد، ولكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة) .
وقد اقتبس الذهبي منها كثيراً في تاريخه الكبير، وفي قسم السيرة، وفي السيرة التي أفردها حسام الدين القدسي وطبعها، ومن خلال ذلك يتبيّن لنا طريقة سياقه للنصوص، فتارة يروي بإسناده موصولاً، وتارة يروي عن شيوخه وخاصة الزهري مرسلاً، وتارة يسوق الخبر دون أن ينسبه إلى أحد بعبارته حسب ما استقى من مصادره في الوسط الذي عاش فيه: المدينة المنورة، ولولا خشية الإطالة لذكرت نماذج، وهذا بذاته يحتاج لمبحث مستقل، ولكن من التتبع لنصوصه عند ابن سعد، وابن سيد الناس والذهبي وغيرهم، نجد تأكيد ما قاله الذهبي وهو إمام الصنعة أن مراسيله وما لخصه بجملته صحيح ومقبول.
ولابد من الإشارة إلى أن موسى بن عقبة كان يريد أن يدقق في عمل رجلين معاصرين له، ويتجنب العثرات العلمية التي قصرا في تجنبها، وهما شُرَحبيل بن سعد، ومحمد بن إسحق، أما بالنسبة لشرحبيل فأراد أن يضبط من مصادر وثيقة ذوي السابقة في الإسلام الذين حضروا المشاهد، كل في مرتبته.
وأما محمد بن إسحق فأراد أن يبتعد عن الاستطراد والتطويل والجمع والحشد الذي وقع فيه محمد بن إسحق، وقد نجح إلى حدٍّ كبير في ذلك
حسب ما شهد له به العلماء الذين عاصروه وجاؤوا بعده.
وقد اختصر الكتاب واحتفظ بطرف منه ابن قاضي شهبة، وطبع، وحاول بعض الناس جمع نصوصه، والأمر ما زال فيه متسع.
2-
مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني، أبو عمر الكوفي المتوفى 144هـ (1) .
علامة محدث، ولد في أيام جماعة من الصحابة، ولكن لم تتهيأ له الرواية عنهم، ويدرج كما قال الذهبي: في عداد صغار التابعين، وقد روى عن الشعبي وأبي الوداك، وقيس بن أبي حازم، ومرَّة الهمداني
…
وغيرهم.
وروى عنه الكبار: السفيانان، وشعبة، وجرير بن حازم، وحفص بن غياث، وعبد الله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وحماد بن زيد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وابنه إسماعيل بن مجالد، وقد روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، وهو أكبر منه، وهذا يدخل في رواية التابعين عن الأتباع.
وقد وثقه بعضهم كالنسائي، وقال الفسوي: تكلم فيه الناس وهو صدوق. وقال العجلي: جائز الحديث، وقال البخاري: صدوق.
وكان يحيى بن سعيد يضعفه، وابن مهدي لايروي له شيئاً، وكان ابن مهدي يقول: حديث مجالد عند الأحداث - يحيى بن سعيد، وأبي أسامة - ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد، وهشيم وهؤلاء القدماء، يعني أنه تغيَّر حِفْظُه في آخر عمره. وقال ابن عدي: «ومجالد له عن الشعبي
(1) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/349، والتاريخ الكبير للبخاري 8/رقم: 1950، والجرح والتعديل 8/رقم: 1653 والمجروحين لابن حبان 3/10، والكامل لابن عدي 6/420، وتهذيب الكمال 27/219، وسير أعلام النبلاء 6/286، وتهذيب التهذيب 10/39، وتقريب التهذيب ص:605.
عن جابر أحاديث صالحة، وعن غير جابر من الصحابة أحاديث صالحة» . وجملة ما يرويه عن الشعبي، وقد روى عن غير الشعبي، ولكن أكثر روايته عنه وقال أحمد: يرفع حديثاً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس.
وقد أخرج له مسلم مقروناً، وأصحاب السنن.
وبعد الفحص والدرس، حكم عليه الإمام الذهبي بقوله: مشهور، صاحب حديث على لين فيه. وحكم عليه الحافظ ابن حجر بقوله: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره.
وقد وردت نصوص عديدة عن مجالد في السيرة النبوية في المصادر كما في طبقات ابن سعد 1/192 بواسطة عبد الله بن نمير الهمداني، 1/263 بواسطة الهيثم بن عدي الطائي. وقد نسب إليه كتاب في ذلك، وقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بقوله: نا محمد بن إبراهيم بن شعيب، نا عمرو بن علي الصيرفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لعبد الله: أين تذهب؟ قال أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة عن مجالد، قال: تكتب كذباً كثيراً، ولو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل. وفي تهذيب الكمال وسير أعلام النبلاء، يقول: لعبيد الله، وفيهما: أكتب السيرة يعني عن أبيه عن مجالد.
قلت: ووهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري الحافظ المتوفى 206هـ إمام ثقة أخرج له الجماعة. وأبوه جرير بن حازم المتوفى 170هـ حافظ ثقة، في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث عن حفظه، وقد أخرج له الجماعة.
ومن هذا النص النفيس يتبين لنا أن مجالداً قد صنف كتاباً في السيرة،
وهذا الكتاب قد ضم المسند الموصول، والمرسل وغيرهما؛ لأن يحيى بن سعيد يقول: لو أردت أن يجعلها كلها مرفوعة فعل.
وبهذا فهي مشابهة للتوجه العام عند موسى بن عقبة وغيره.
3-
سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر -ولم يكن من بني تيم وإنما نزل فيهم- البصري شيخ الإسلام المتوفى 143هـ (1) .
أحد التابعين العُبَّاد الزهاد الحفاظ المتقين، روى عن أنس بن مالك وجمع من الأئمة التابعين الكبار، أي عثمان النهدي، وطاوس، والحسن، وثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني، وغيرهم. وروى عنه جمع من الأئمة، ومنهم شيخه أبو إسحق السبيعي، والثوري، وشعبة وابن علية، وحماد بن سلمة، وابن عيينة، وهشيم بن بشير، وأبو زيد الأنصاري وغيرهم. قال شعبة: ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي، كان إذا حَدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلمتغيَّر لونه.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان من العباد المجتهدين، وكان يصلي الليل كله يصلي الغداة بوضوء العشاء الآخرة، وكان هو وابنه معتمر يدوران الليل على المساجد، فيصليان مرة في هذا المسجد، ومرة في هذا المسجد حتى يصبحا، وقد وثقه غير واحد من الأئمة، وأخرج حديثه الستة. وقد صنف سليمان التيمي كتاباً في السيرة النبوية، رواه عنه ابنه معتمر، وقد حمله عن معتمر، محمد بن عبد الأعلى الصنعاني.
(1) ترجمته قي طبقات ابن سعد 7/252، وتاريخ البخاري الكبير 4/ رقم 1828، والجرح والتعديل 4/رقم 539، وتهذيب الكمال 12/5. وسير أعلام النبلاء 6/195، وتذكرة الحفاظ 1/150، وتهذيب التهذيب 4/201. وحلية الأولياء 3/31 وغيرها.
ومعتمر بن سليمان من الثقات توفي سنة 182?، روى عنه الثوري، وهو أكبر منه، وابن المبارك وهو من أقرانه، ورى عنه الجَمّ الغفير من الأئمة، ووثقه غير واحد من الأئمة: ابن معين، وابن سعد، وأبو حاتم والعجلي، وغيرهم. وأما محمد بن عبد الأعلى الصنعاني المتوفى 245? فهو ثقة أخرج حديثه مسلم إذ روى عنه خمسة وعشرين حديثاً. والنسائي، وقال كتبنا عنه وأثنى عليه خيراً وأخرج له الترمذي، وأبو داود، في كتاب القدر وابن ماجه وغيرهم.
وقد روي كتاب التيمي من غير طريقه كما يتبين من المنقول وهذا الكتاب قد وصل إلى الأعصر المتأخرة، إذ نجد محمد بن أحمد المالكي الأندلسي قد ذكره في الجزء الذي جمعه في تسمية ما ورد به الخطيب إلى دمشق من الكتب التي رواها، فقال: مغازي سليمان التيمي (1) . ووصلت روايته إلى ابن خير الإشبيلي المتوفى 575هـ فهو ضمن مروياته وسماه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) . ونجده عند معاصره الحافظ أبي القاسم السهيلي المتوفى 581هـ في كتاب «الروض الأنف» (3)«وسماه: السير» .
واقتبس منه ابن قيم الجوزية في زاد المعاد (4) وسماه: المغازي.
واستفاد منه الإمام الذهبي في السيرة أخباراً عديدة منها بالأسانيد ومنها
(1) انظر جونة العطار للسيد أحمد بن الصديق، مرقون بالآلة، خاص 2/72.
(2)
انظر فهرسة ابن خير ص: 231.
(3)
انظر 1/271، 273، 2/48، 53، 177 وغيرها.
(4)
انظر 3/600.
بغير أسانيد (1) . وكذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2) ويسميه تارة بالمغازي، وتارة بالسيرة.
ومن المقتبسات يتبين أن هذا الكتاب فيه أخبار بدء الوحي، وأخبار المغازي ويذكر ذلك أحياناً بالأسانيد، وأحياناً يرسل ذلك إرسالاً، فهو موافق للخط العام في كتابه السير.
ومما يجدر ذكره أن التيمي لم تذكر له رواية عن الزهري في قائمة شيوخه التي ساقها المزي. وكذلك ابن إسحق الذي كان معاصراً له كان بينهما نفرة، ولم يكن سليمان التيمي يرتضيه؛ ولهذا فرواية ابن إسحق عنه أو التيمي عن ابن إسحق مستبعدة، والتيمي أكبر، وهو أقدم وفاة وسناً.
ويبدو - والله أعلم- أن هذه المغازي، أو السيرة كانت صغيرة محدودة ليس فيها توسع كثير في ذكر الأحداث وسياقها.
4-
محمد بن إسحق بن يسار، أبو بكر القرشي المطلبي مولاهم المدني المتوفى 151هـ (3) .
ولد سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، وطاف البلاد، وسمع من جمع كبير في مصر، والحجاز
(1) انظر ص: 81، 87، 159، 125، 148، 29.
(2)
انظر 1/23 و7/497 و8/29، 506، 13/274.
(3)
ترجمته في: طبقات ابن سعد 9/401 و7/321، والتاريخ الكبير للبخاري 1/رقم 61 والتاريخ الصغير 2/11، والجرح والتعديل 7/ رقم 1087، وثقات ابن حبان 7/380 والكامل لابن عدي 6/102، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي ص: 537، وتاريخ بغداد 1/214، وتهذيب الكمال 24/ 405، وسير أعلام النبلاء 7/33، وميزان الاعتدال 3/468 وتذكرة الحفاظ 1/172، وتهذيب التهذيب 9/38 وغيرها، وقد طول ترجمته ابن سيد الناس في صدر كتابه عيون الأثر في فنون المغازي والسير، ومحّصها.
والعراق، والرّي وما بينها، ومنهم: أبوه، وعمه موسى بن يسار، وأبان بن عثمان، والأعرج ومحمد بن إبراهيم التيمي، ومكحول، ونافع العمري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، ومحمد بن المنكدر، وطاوس. وحدَّث عنه شيخه يزيد بن أبي حبيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، -وهما من التابعين- وشعبة والثوري، والحمادان، وأبو عوانه، وهشيم، وسفيان بن عيينة، وخلقٌ كثير.
كان ابن إسحق ومازال إمام المغازي والسير، وهو حافظ علامة، أحد من دار عليهم الحديث والإسناد، وقد أثنى عليه في علم المغازي والسير، غير واحد من شيوخه وأقرانه والأئمة عبر العصور.
قال محمد مسلم بن شهاب الزهري، وقد سئل عن مغازيه، فقال: هذا أعلم الناس -يعني محمد بن إسحق-
وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحق. وقال شعبة: محمد بن إسحق أمير المؤمنين في الحديث.
وجاء عن البخاري قوله: محمد بن إسحق ينبغي أن يكون عنده ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد. قال ابن سعد في الطبقات: «كان محمد بن إسحق أول من جمع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلموألَّفها، وكان يروي عن عاصم ابن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان، ومحمد بن إبراهيم، وغيرهم ويروي عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وكانت امرأة هشام بن عروة، فقال: هو كان يدخل على امرأتي؟ كأنه أنكر ذلك» .
وخرج من المدينة قديماً فلم يرو أحد منهم عنه غير إبراهيم بن سعد، وكان ابن إسحق خرج مع العباس بن محمد إلى الجزيرة، وأتى أبا جعفر
بالحيرة، فكتب له المغازي، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب. وسمع منه أهل الجزيرة، وأتى الرّي فسمع منه أهل الري، فرواته في هذه البلدان أكثر ممن روى عنه من أهل المدينة. وكان كثير الحديث، وقد كتبت عنه العلماء، ومنهم من يستضعفه.
قلت: وقد تكلم فيه مالك وهشام بن عروة كما تقدم، واتهم بغير نوع من البدع، ودافع عنه عدد من العلماء بدءاً بالبخاري. قال البخاري: ((والذي يذكر عن مالك في ابن إسحق لا يكاد يبين أمره، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبع من رأينا لمالك، أخرج إلي كتب ابن إسحق عن أبيه في المغازي وغيرها فانتخبت منه كثيراً.
ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحوَ ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة، وفيمن كان قبلهم، وتناول بعضهم في العرض والنفس. ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عنه التهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير)) ، (انتهى كلام البخاري) .
وقال أبو زرعة الدمشقي: ومحمد بن إسحق رجل قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم سفيان، وشعبة، وابن عيينة
…
وروى عنه الأكابر: يزيد بن أبي حبيب وقد اختبره أهل الحديث فرأوا خيراً وصدقاً مع مدحة ابن شهاب له.
وقد ذاكرت دحيماً قول مالك - يعني فيه - فرأى أن ذلك ليس للحديث، وإنما هو لأنه اتهمه بالقدر.
وقد بحث ابن عدي في مروياته، وفتش في أحاديثه، وتقصى الأقوال فيه،
وقال: ولمحمد بن إسحق حديث كثير، وقد روى عنه أئمة الناس
…
وقد روى المغازي عنه: إبراهيم بن سعد، وسلمة بن الفضل، ومحمد بن سلمة، ويحيى بن سعيد الأموي، وسعيد بن بزيع، وجرير بن حازم، وزياد البكائي وغيرهم. ثم قال ابن عدي: ولو لم يكن لمحمد بن إسحق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شيء فصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبتدأ الخلق، ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه فضيلة لابن إسحق سبق بها. ثم بعده صنفها قوم آخرون، فلم يبلغوا مبلغ ابن إسحق منها.
وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به.
لقد أخذ ابن إسحق زمام الزعامة في علم المغازي والسير، وسار به إلى يوم الدين فكل من جاء بعده كان عالة عليه كما يقول الشافعي. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: وهو أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عجاجاً، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي. وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: إمام المغازي. ولهذا علق عنه البخاري في صحيحه، وروى له مسلم مقروناً بغيره، وأخرج له غيرهما.
لقد بلغ ابن إسحق في تصنيفه الذروة في علم السيرة من حيث الحشد والجمع والتنقير ثم من حيث المنهج إذ بدأ بالمبعث وما قبله، ثم بالمغازي واحدة تلو أخرى ولهذا فقد انتشر مصنفه في عصره، وما تلاه في شرق الأرض وغربها، ودرسه الدارسون من نواح عديدة قديماً وحديثاً، وبقيت
سيرته عبر العصور أم المصنفات في هذا الباب، وإليها المرجع على الدوام، وإن كانت هنا انتقادات وملاحظات، ولقيت من العناية والرعاية مالم يلقه كتاب آخر في السيرة، بل أستطيع أن أقول: إن ما كتب من كتب السيرة بعده كان هالة حول هذا الكتاب.
فابن سعد تلميذ الواقدي الذي جعل كتاب ابن إسحق موازياً لكتاب شيخه الواقدي، ومروراً بالأعلام بعد ابن سعد عبر القرون وإلى يومنا هذا، مما يؤكد كلمة ابن عدي أن هذه الفضيلة سبق بها ابن إسحاق، ولم يبلغ من بعده مبلغه.
وإذا أردت أن ألمع إلى ومضات موجزة من منهجه في هذا الكتاب أقول: رغم أن الكتاب كاملاً لم يظهر حتى نستطيع الجزم بمنهجه، ولم يظهر منه إلا قطعة رغم بقائه متداولاً حتى الأعصر المتأخرة، إلا أنه من خلال النصوص التي أخذت عنه ومن خلال تهذيب ابن هشام يمكننا أن نبني عنه تصوراً منهجياً ربما يكون قريباً من الحقيقة، ومن هذا يظهر أنه قد قسم كتابه ثلاثة أقسام: المبتدأ، والمبعث، والمغازي، فالمبتدأ عالج فيه ما كان من أحداث ورسل ووقائع قبل الإسلام، واعتمد في هذا القسم بقسط غير قليل على وهب بن منبه، وكعب الأحبار، ومسلمة أهل الكتاب، وغيرهم. وذكر فيه بعض أخبار القبائل العربية، وهذا القسم فيه الأخبار المنقطعة والآثار، والإسناد طبعاً نادر، إن لم يكن معدوماً بعد مَنْ حدّثه بها، وسواء غابت هذه الأخبار أو حضرت لا تضر بصفة عامة، وهي تروى ولا تدخل في السيرة أو التشريع من قريب ولا بعيد.
وأما القسم الثاني: وهو المبعث فيشمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة إلى أن
فجأه الوحي، ثم إلى الهجرة، وفي هذا القسم يروي النصوص بأسانيده وأحياناً يرسل عن شيوخه، وأحياناً يسوق الخبر بلا إسناد، وله في ذلك تفردات.
القسم الثالث: عرض الغزوات النبوية وحياته في المدينة بشكل عام إلى مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم.
وكان يسلك في هذا القسم مسلك التقسيم للأحداث على السنن، ويبرز أسانيده ورواته بصفة عامة، وقد يرسل، أو يسوق الخبر دون إسناده لأحد، أو يجمع عدة أسانيد، ويسوق الخبر عنهم جميعاً مساقاًَ واحداً، وأحياناً يبهم شيخه في الخبر كأن يقول: حدثني من لا أتهم من أهل العلم، أو ذكر بعض آل فلان، أو بلغني عن فلان، أو حدثني بعض أصحابنا..
ومما يلاحظ أنه اعتمد على عدد من علماء السيرة؛ الزهري، عروة بن الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم.. وقد حاول ابن إسحق ربط الآيات القرآنية بأسباب نزولها، وكان يذكر الأشعار التي بلغته في مواضع الغزوات والفخر أو الهجاء. وبعد أن شاع الكتاب وذاع تعاورته العقول والأقلام، ومن أبرز من عُني بهذا الكتاب حتى نسب إليه هو عبد الملك بن هشام المتوفى 218هـ؛ إذ حاول تهذيب الكتاب وتشذيبه، أي أنه أرد أن يُقوم ما يراه في الكتاب من عوج ومن خلال كلامه نتبين المآخذ على ابن إسحق. قال ابن هشام: وتارك بعض ما ذكره ابن إسحق في هذا الكتاب مما لرسول الله صلى الله عليه وسلمذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيراً له ولا شاهداً عليه لما ذكرت من الاختصار، وأشعاراً ذكرها لم أر أحداً من المعرفة بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره.
وبعض لم يقرّ لنا البكائي بروايته، ومستقصٍ إن شاء الله تعالى، ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية والعلم به (1) . وقد لقي عمل ابن هشام هذا القبول والرضا، وبه عرفت سيرة ابن إسحق بل ونسب إلى ابن هشام.
وتوالت الشروح والدراسات حول عمل ابن هشام هذا.
قال الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد يقول لعبيد الله: إلى أين تذهب؟ قال: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة، قال الذهبي: كان وهب يرويها عن أبيه عن ابن إسحق، وأشار يحيى القطان إلى ما في السيرة من الواهي من الشعر ومن بعض الآثار المنقطعة المنكرة، فلو حذف منها ذلك لحسنت، وَثَمَّ أحاديث جمَّة في الصحاح والمسانيد مما يتعلق بالسيرة والمغازي ينبغي أن تُضمَّ إليها وتُرَتَّب، وقد فعل غالب هذا الإمام أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة له (2) .
قلت: وبهذا فلا يعدو كتاب البيهقي أن يكون مستخرجاً على كتاب ابن إسحق وهذا ظاهر فيه.
ودون أن أمرّ على تأثير كتاب ابن إسحق ومغازيه فيمن جاء بعده أبدي ملاحظات حول أهمية كتاب ابن إسحق فأقول (3) :
1-
إن ابن إسحق لم يلتزم بالإسناد في قسم من أخباره، ولم يضع شروطاً معينة لتلقي أخبار السيرة من رجال معينين، أو كيفية معينة، ولهذا كان كثير السؤال والتطلاب لأخبار السيرة والمغازي حتى اشتهر بذلك،
(1) انظر: السيرة لابن هشام 1/ 2.
(2)
انظر: سير أعلام النبلاء 7/52.
(3)
كتابنا مصادر السيرة النبوية وتقديمها ص: 96.
فكان يأتيه أبناء البيوتات والأسر ليحدثوه عن أمجاد آبائهم، ويحملون له في ذلك أشعاراً قيلت في المناسبات التي يتحدث عنها وبخاصة الغزوات، فيرويها له في كتابه، حتى جاء النقاد بعده، وقالوا: إن كثيراً من هذه الأشعار غير صحيح. واضطر ابن هشام وغيره من بعده لحذف كثير من هذه الأشعار والأخبار، ولكن ابن إسحق جمع الجزئيات مع الكليات، فأطال وأطال، ولهذا عرّض به مالك، وأثنى على موسى بن عقبة بأن عمله مختصر غير طويل كغيره، -أي ابن إسحق-.
2-
إن سعة علم ابن إسحق وتطوافه في البلاد، وبحثه عن العلم، وتفوقه على أقرانه، واستناده إلى بيان مشرق، وقلم سيال، وكلمة وضاءة وتصوير بارع للأحداث جعلت عمله يحظى بالقبول عند جُلِّ معاصريه ومن جاء بعده، وسار مسير الشمس في الأرض، وقد أشاد بهذا غير واحد ممن اقتفى أثره، وانتحى نحوه. ومنهم الأديب البليغ، الكلاعي في كتابه "الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلموالثلاثة الخلفاء"، حين جعل اعتماده ابن إسحق دون الواقدي بقوله (1) : رأيته كثيراً ما يجري مع ابن إسحق، فاستغنيت عنه لفضل فصاحة ابن إسحق في الإيراد، وحسن بيانه الذي لا يعقل معه استحسان المعاد. وقد قام الخشني في شرح السيرة، وكذلك السهيلي، وهذا يدل على قوة النص الذي قدمه ابن إسحق.
3-
وهذا يقودنا إلى الأمر الثالث في عمل ابن إسحق ألا وهو صياغة السيرة بتسلسل منهجي، وتتابع تاريخي، وكان عصره مبتكراً يدلف بالقارئ
(1) الاكتفاء 1/4.
أو المستمع من خبر إلى تابعه، ومن غزوة إلى أخرى فكانت السيرة النبوية من الولادة إلى الهجرة إلى الغزوات المصطفوية قد سلكت أمام القارئ في سلك واحد، وكأنه يراها رأي العين. والأمر الذي يجب أن يلاحظ في تأريخ علم السيرة النبوية أن منهجية ابن إسحق هي التي صبغت جميع المؤلفات في هذا العلم، وبقيت تقفو أثر ابن إسحق، وهذا شيء في غاية الأهمية والقيمة والقدر المتجدد لعمل ابن إسحق أبرزِ كاتبٍ في السيرة النبوية عبر العصور وهو من رجال القرن الثاني.
4-
ولما لم يلتزم ابن إسحق الإسناد في كل أخبار السيرة، بل كان همُّه جمعَ أطراف الأخبار في الحدث الواحد وسوقها في كلياتها وجزئياتها مساقاً واحداً قاصداً إعطاء أكبر التفصيلات، هذا جعل بذلك السيرة التي صنفها في السيرة النبوية قصة متكاملة شاملة، قريبة للقارئ والمستمع، سهلة للفهم والتلقين والحفظ، وهذا سَهَّل لها القبول والانتشار في كل الأوساط العلمية المتخصصة وغير العلمية، وغدت في كل بيت.
وقد حاول غير واحد أن يسلك مسلكه كما فعل الواقدي، وابن حبان وغيرهما من بعده، وهذا مما جعل عمل ابن إسحق عمدة لهذا العلم بوجه أو بآخر ولأجله قال ابن سيد الناس في صدر سيرته التي لقيت بدورها القبول والثناء: وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن إسحق إذ هو العمدة في هذا الباب لنا ولغيرنا (1) .
وخلاصة القول: فإن ابن إسحق ـ مهما قيل في نقده ـ قد ارتقى
(1) انظر عيون الأثر 1/54.
بالتصنيف في السيرة النبوية مرتقى رفيعاً، وخلد بعمله علماً عظيماً، وفتح باباً للخير كبيراً، وسبق الناس في هذا المهيع سبقاً مبيناً، وأرسى ركناً ركيناً بنى من جاء بعده عليه، ونحا نحوه فيما يهدف إليه، فرحمه الله رحمة واسعة.
5-
معمر بن راشد الأزدي الجدَّاني البصري نزيل اليمن المتوفى 153هـ (1) .
ولد نحو سنة خمس وتسعين، وطلب العلم وهو حدث وكان من أطلب أهل زمانه للعلم، وحدّث عن قتادة والزهري وعمرو بن دينار، وهمام بن منبه، وأبي إسحق السبيعي، وثابت البناني، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم من الكبار. وحدّث عنه طائفة من شيوخه أبو إسحق، وعمرو بن دينار، وحَدَّث عنه السفيانان وابن المبارك وابن علية، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وعبد الرزاق بن هشام ومحمد بن كثير الصنعانيان، وخلق كثيرون. وقد وثقه جمع كثير، وشهدوا له بالحفظ والإتقان، والإمامة، قال ابن حبان في الثقات (2) : كان فقيهاً متقناً، حافظاً ورعاً. وقال قرينه ابن جريج (3) : عليكم بهذا الرجل - يعني معمراً -، فإنه لم يبق أحد من أهل زمانه أعلم منه. وحديثه في الكتب الستة وغيرها، وقال الإمام الذهبي: كان من أوعية العلم مع الصدق والتحري، والورع والجلالة، وحسن التصنيف.
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/046، والتاريخ الكبير للبخاري 7/رقم 1631، والجرح والتعديل 8/1165، وثقات ابن حبان 7/484، وتهذيب الكمال 28/303، وسير أعلام النبلاء 7/5، وتذكرة الحفاظ 1/190، وتهذيب التهذيب 10/243 وغيرها.
(2)
الثقات 7/484.
(3)
الجرح والتعديل 8/ رقم 1165.
وحلاه بقوله (1) : الإمام الحافظ، شيخ الإسلام وقد صنف معمر كتابه: الجامع، وهو مشهور عنه، ومنقول. وقد ألحقه تلميذه عبد الرزاق بكتابه المصنف وهو مطبوع معه.
وصنف كتاب المغازي، وقد ذكره له ابن النديم في كتابه الفهرست (2) . بقوله: من أصحاب السير والأحداث، وله من الكتب: كتاب المغازي.
واقتبس منه ابن سعد في الطبقات (انظر مثلاً: 1/194و 4/27، 43) عن محمد بن حميد – وهو أبو سفيان المعمري – عنه. و (1/194، 225، 227، 258 و 3/313- 319 و 8/314) وغيرها، عن الواقدي عنه. و (1/241) عن عفان بن مسلم، عن معتمر بن سليمان عنه.
وفي ترجمة الإمام الزهري في الجزء المتمم لتابعي المدينة: روى عن إسحاق ابن أبي إسرائيل، عن عبد؟ عنه. وعن سليمان بن حرب وعفان بن مسلم عن حماد بن زيد عنه.
وقد ذكر أنه من الطبقة الأولى من المصنفين في الإسلام من المحدّثين.
وقد احتفظ الإمام الطبري بعدة نصوص تتعلق بالسيرة النبوية، ولعلها منه (3) ، وجلها عن الزهري، ومنها ماهو بإسناد متصل، ومنها ماهو مرسل وقد اقتبس منه الحافظ الذهبي في السيرة النبوية (4)، ففي خبر انشقاق القمر يروي عن قتادة عن أنس. وفي فصل: فيما ورد من هواتف الجان، وأقوال
(1) سير أعلام النبلاء 7/5.
(2)
انظر ص: 106.
(3)
انظر التاريخ 2/281، 305، 698، 433، 554، 620، 625.
(4)
انظر السيرة النبوية ص: 132، 158، 182.
الكهان يروي عن الزهري عن علي بن الحسين، مرسلا.
وفي الإسراء ساقه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.
ومن هذه النصوص يتبين لنا أن مصنف معمر فيه المتصل المرفوع، وفيه المرسل والمقطوع، وفيه كذلك ذكر الأخبار دون أسانيد
وهو بذلك لم يخرج عن التوجه العام الذي كان يسود في كتابة السيرة النبوية في النصف الأول من القرن الثاني ويمكن أن نلاحظ على هذه الحقبة الملاحظات التالية:
1-
إن المصنفين في السيرة في هذه الحقبة – وتمتد من نهاية الربع الأول من القرن الثاني تقريباً حتى تبلغ منتصف هذا القرن تقريباً - كلهم أئمة أعلام رغم ما قيل في مجالد بن سعيد، ومحمد بن إسحق، وهم مشهورون مذكورون في حلقات الدرس والعلم.
2-
إن مصنفات هؤلاء الأعلام قد نقلت عنهم وكانت محل اهتمام اللاحقين عبر العصور وأصبحت محور التصنيف ومدار المصنفين في علم السيرة.
3-
كان توجه جميع المصنفين في هذه الحقبة عدم الالتزام الصارم بالأسانيد في أخبار السيرة، ولكنها كانت حاضرة، وكان كل مصنف يروي ما بلغ علمه من مصادره التي يستقيها من أهل العلم وغيرهم.
4-
بلغ التصنيف في السيرة مع علمين من أعلام هذه الحقبة، موسى بن عقبة ومحمد بن إسحق مكانة رفيعة، كادت تستوفي الموضوع.