المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المستعيذ - اللباب في علوم الكتاب - جـ ١

[ابن عادل]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَاتِحَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي حكم التَّعَوُّذ قبل الْقِرَاءَة

- ‌فصل فِي الْجَهْر والإسرار بالتعوذ

- ‌فصل فِي مَوضِع الِاسْتِعَاذَة من الصَّلَاة

- ‌فصل فِي بَيَان هَل التَّعَوُّذ فِي كل رَكْعَة

- ‌فصل فِي بَيَان سَبَب الِاسْتِعَاذَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي اسْتِحْبَاب تَحْسِين الْقِرَاءَة جَهرا

- ‌فصل فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ النُّطْق بالضاد والظاء

- ‌فصل فِي عدم جَوَاز الصَّلَاة بالوجوه الشاذة

- ‌فصل فِي قَوْلهم: " الْقرَاءَات الْمَشْهُورَة منقولة بالتواتر

- ‌فصل فِي اشتقاق الِاسْتِعَاذَة وإعرابها

- ‌فصل فِي احتجاج الْمُعْتَزلَة لإبطال الْجَبْر

- ‌فصل فِي المستعاذ بِهِ

- ‌فصل فِي المستعيذ

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وجود الْجِنّ

- ‌فصل فِي قدرَة الْجِنّ على النّفُوذ خلال الْبشر

- ‌فصل فِي تنزه الْمَلَائِكَة عَن شهوتي الْبَطن والفرج

- ‌فصل فِي اشتقاق الْبَسْمَلَة

- ‌فصل فِيمَا يحصر بِهِ الْجَرّ

- ‌فصل فِي لُغَات " الِاسْم

- ‌فصل فِي مُتَعَلق الْجَار وَالْمَجْرُور

- ‌فصل الِاسْم هَل هُوَ نفس الْمُسَمّى أم لَا

- ‌فصل فِي الْأَدِلَّة على أَن الِاسْم لَا يجوز أَن يكون هُوَ الْمُسَمّى

- ‌فصل فِي اخْتِصَاص لفظ الْجَلالَة بِهِ سُبْحَانَهُ

- ‌فصل فِي خَواص لفظ الْجَلالَة

- ‌فصل فِي رسم لَفْظَة الْجَلالَة

- ‌فصل فِي بَيَان هَل الْبَسْمَلَة آيَة من كل سُورَة أم لَا

- ‌فصل فِي بَيَان أَن أَسمَاء الله توقيفية أم اصطلاحية

- ‌فصل فِي بَيَان صِفَات لَا تثبت فِي حق الله

- ‌فصل فِي عدد أَسمَاء الله

- ‌فصل فِي فضل الْبَسْمَلَة

- ‌فصل

- ‌[سُورَة فَاتِحَة الْكتاب]

- ‌فصل فِي فضائلها

- ‌القَوْل فِي النُّزُول

- ‌ 3

- ‌6]

- ‌8

- ‌ 30]

الفصل: ‌فصل في المستعيذ

‌فصل فِي المستعاذ بِهِ

وَهُوَ وعَلى وَجْهَيْن:

أَحدهمَا: أَن يُقَال: " أعوذ بِاللَّه ".

وَالثَّانِي: " أَن يُقَال: " أعوذ بِكَلِمَات الله التامات ". فَأَما الِاسْتِعَاذَة بِاللَّه، فبيانه إِنَّمَا يتم بالبحث عَن لفظ " الله " وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي تَفْسِير: " بِسم الله " وَأما الِاسْتِعَاذَة بِكَلِمَات الله، فَاعْلَم أَن المُرَاد ب " كَلِمَات الله " هُوَ قَوْله: {إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} [النَّحْل: 40] .

وَالْمرَاد من قَوْله: " كن " نَفاذ قدرته فِي الممكنات، وسريان مَشِيئَته فِي الكائنات؛ بِحَيْثُ يمْتَنع أَن يعرض لَهُ عائق ومانع، وَلَا شكّ أَنه لَا تحسن الِاسْتِعَاذَة بِاللَّه - تَعَالَى - إِلَّا لكَونه مَوْصُوفا بِتِلْكَ الْقُدْرَة الْقَاهِرَة، والمشيئة النافذة.

قَالَ ابْن الْخَطِيب - رَحمَه الله تَعَالَى - فرق بَين أَن [يَقُول] : " أعوذ بِاللَّه " وَبَين أَن يَقُول: " بِاللَّه أعوذ "، فَإِن الأول لَا يُفِيد الْحصْر، وَالثَّانِي يفِيدهُ، فَلم ورد الْأَمر بِالْأولِ دون الثَّانِي، مَعَ أَنا بَينا أَن الثَّانِي أكمل؟

وَأَيْضًا: جَاءَ قَوْله: " الْحَمد لله " وَجَاء أَيْضا: قَوْله: " لله الْحَمد " وَأما هَا هُنَا، فقد جَاءَ قَوْله:" أعوذ بِاللَّه "، وَمَا جَاءَ " بِاللَّه أعوذ " فَمَا الْفرق؟ .

‌فصل فِي المستعيذ

اعْلَم أَن قَوْله: " أعوذ بِاللَّه " أَمر مِنْهُ لِعِبَادِهِ أَن يَقُولُوا ذَلِك، وَهُوَ غير مُخْتَصّ بشخص معِين، فَهُوَ أَمر على سَبِيل الْعُمُوم، لِأَنَّهُ - تَعَالَى - حَتَّى ذَلِك عَن الْأَنْبِيَاء، والأولياء، وَذَلِكَ يدل على أَن كل مَخْلُوق يجب أَن يكون مستعيذا بِاللَّه تَعَالَى؛ كَمَا حُكيَ عَن نوح عليه الصلاة والسلام أَنه قَالَ:{أعوذ بك أَن أسئلك مَا لَيْسَ لي بِهِ علم} [هود: 47] ؛ فَأعْطَاهُ [الله] خلعتين: السَّلَام والبركات؛ {اهبط بِسَلام منا وبركات عَلَيْك} [هود: 48] .

وَقَالَ يُوسُف عليه الصلاة والسلام: {معَاذ الله إِنَّه رَبِّي} [يُوسُف: 23] ، فَأعْطَاهُ الله خلعتين صرف السوء عَنهُ والفحشاء، وَقَالَ أَيْضا:{معَاذ الله أَن نَأْخُذ إِلَّا من وجدنَا متاعنا عِنْده} [يُوسُف: 79] فَأكْرمه الله تَعَالَى بخلعتين: رفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش الْعَرْش وخروا لَهُ سجدا.

وَحكي عَن مُوسَى عليه الصلاة والسلام قَالَ: {أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين}

ص: 105

[الْبَقَرَة: 67] ؛ فَأعْطَاهُ الله خلعتين: إِزَالَة التُّهْمَة، وإحياء الْقَتِيل.

وَحكي عَن مُوسَى عليه الصلاة والسلام أَيْضا: {وَإِنِّي عذت بربكم وربكم أَن ترجمون} [الدُّخان: 20]، وَفِي آيَة أُخْرَى:{إِنِّي عذت بربي وربكم من كل متكبر لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب} [غَافِر: 27] ؛ فَأعْطَاهُ الله خلعتين: أفنى عدوه، وأورثهم أَرضهم وديارهم.

وَحكي أَن أم مَرْيَم قَالَت: {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم} [آل عمرَان: 36] ؛ فَأَعْطَاهَا الله - تَعَالَى - خلعتين: {فتقبلها رَبهَا بِقبُول حسن وأنبتها نباتا حسنا} [آل عمرَان: 37] .

وَمَرْيَم عليها السلام لما رَأَتْ جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام فِي صُورَة بشر يقصدها: {قَالَت أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا} [مَرْيَم: 18] ؛ فَوجدت نعمتين: ولدا من غير أَب، [وتبرئة] الله إِيَّاهَا بِلِسَان ذَلِك الْوَلَد عَن السوء؛ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{إِنِّي عبد الله} [مَرْيَم: 30] .

وَأمر نبيه - مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة مرّة أُخْرَى: فَقَالَ: {وَقل رب أعوذ بك من همزات الشَّيْطَان وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون} [الْمُؤْمِنُونَ: 97، 98] .

وَقَالَ تَعَالَى: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق من شَرّ مَا خلق} [الفلق: 1 و 2]، وَقَالَ تَعَالَى:{قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} [النَّاس: 1]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم} [الْأَعْرَاف: 200] ، فَهَذِهِ الْآيَات دَالَّة على أَن الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - كَانُوا أبدا فِي الِاسْتِعَاذَة بِاللَّه عز وجل 0 من شَرّ شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس.

وَأما الْأَخْبَار؛ فكثيرة:

عَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ: استب رجلَانِ عِنْد النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 106

وشرّف، وكرّم، وبجّل، وعظّم، وفخّم - وأغرقا فِيهِ؛ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:" إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب ذَلِك عَنهُ؛ هِيَ قَوْله: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ".

وَعَن معقل بن يسَار - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " من قَالَ حِين يصبح ثَلَاث مَرَّات: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم "، وَفِي رِوَايَة:" من الشَّيْطَان الرَّجِيم ". وَقَرَأَ ثَلَاث آيَات من آخر سُورَة الْحَشْر؛ كل الله بِهِ سبعين ألف ملك يصلونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِي، فَإِن مَاتَ فِي ذَلِك الْيَوْم مَاتَ شَهِيدا، وَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي، كَانَ بِتِلْكَ الْمنزلَة.

وَعَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وشرّف، وكرّم، وبجّل، وعظّم

ص: 107

وفخّم - أَنه قَالَ: " من استعاذ بِاللَّه فِي الْيَوْم عشر مَرَّات، وكّل الله تَعَالَى بِهِ ملكا؛ يذود عَنهُ الشَّيْطَان ".

وَعَن خَوْلَة بنت حَكِيم - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - عَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام أَنه قَالَ: " من نزل منزلا فَقَالَ أعوذ بِكَلِمَات الله التامات كلهَا من شَرّ مَا خلق؛ لم يضرّهُ شَيْء حَتَّى يرتحل من ذَلِك الْمنزل ".

وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" إِذا فزع أحدكُم من النّوم فَلْيقل أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة: من غَضَبه، وعقابه، وَشر عباده، وَمن شَرّ همزات الشَّيَاطِين، وَأَن يحْضرُون، فَإِنَّهَا لن تضره "؛ وَكَانَ عبد الله بن عمر - رَضِي الله تَعَالَى

ص: 108

عَنْهُمَا - يعلمهَا من بلغ من عبيده، وَمن لم يبلغ كتبهَا فِي صك ثمَّ علقها فِي عُنُقه.

وَعَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا - عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: كَانَ يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن عليهما السلام وَيَقُول: " أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة، من كل شَيْطَان وَهَامة، وَمن كل عين لَامة "؛ وَيَقُول: " كَانَ إِبْرَاهِيم عليه السلام يعوّذ بهَا إِسْمَاعِيل، وَإِسْحَاق - عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام ".

وَكَانَ عليه السلام يعظم أَمر الِاسْتِعَاذَة؛ حَتَّى أَنه لما تزوج امْرَأَة، وَدخل بهَا، وَقَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك؛ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: " عذت بمعاذ، فالحقي بأهلك ".

وروى الْحسن رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رجل يضْرب مَمْلُوكا لَهُ، فَجعل الْمَمْلُوك يَقُول: أعوذ بِاللَّه، إِذْ جَاءَ نَبِي الله عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: أعوذ برَسُول الله؛ فَأمْسك عَنهُ فَقَالَ عليه السلام: " عَائِذ الله أَحَق أَن يمسك عَنهُ "، قَالَ: فَإِنِّي أشهدك يَا رَسُول الله أَنه حر؛ لوجه الله - تَعَالَى -، فَقَالَ عليه السلام:" أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو لم تقلها لدافع وَجهك سفع النَّار ".

ص: 109