المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الأصل العظيم

- ‌بيان معنى الباء في الآية والحديث

- ‌الحمد لله ثمن كل نعمة

- ‌بيان معنى النعم وأنّ الحمد منها

- ‌الجنة والعمل من فضل الله تعالى

- ‌الشقاء والسعادة بعدله ورحمته جلَّ وعلا

- ‌ما يجب عَلَى العبد معرفته

- ‌الاشتغال بالشكر أعظم النعم

- ‌العمل لا يوجب النجاة

- ‌الاعتراف بفضل الله عز وجل

- ‌ما عَلَى العبد للفوز والنجاة

- ‌بيان أَحَبِّ الأعمال إِلَى الله

- ‌معنى سدِّدوا وقاربوا

- ‌بيان ما تفوَّق به الصحابة

- ‌قاعدة جليلة

- ‌بيان جملة من التيسير في التشريع

- ‌معنى الغدوة والروحة وأوقاتها وفضائلها

- ‌معنى القصد في السير

- ‌سلوك صراط الله عز وجل

- ‌الأعمال بالخواتيم

- ‌فضل تقرب العبد إِلَى الله عز وجل

- ‌أنواع الوصول إِلَى الله تعالى

- ‌حال من التزم الإِسلام أو الإِيمان أو الإِحسان

- ‌فضل وَقْتَي الغَدّاة والعَشِي والمقصود بهما

- ‌حال من ركن إِلَى الآخرة ومن ركن إِلَى الدُّنْيَا

- ‌فصل في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]

- ‌بيان ما يصير هباء منثورًا من الأعمال

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌النوع الرابع:

- ‌النوع الخامس

- ‌النوع السادس

- ‌النوع السابع

- ‌هم الدُّنْيَا وشقاء الآخرة

- ‌الحذر…الحذر

الفصل: ‌معنى القصد في السير

‌معنى القصد في السير

وقول صلى الله عليه وسلم: "القصد القصد تبلغوا" حثٌّ عَلَى الاقتصاد فى العبادة والتوسط فيها بين الغلو والتقصير، ولذلك كرره مرةٌ بعد مرةٍ.

وفي "مسند البزَّار"(1) من حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: "ما أحسن القصد في الفقر، وما أحسن القصد في الغني، وما أحسن القصد في العبادة".

وكان لمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير ابنٌ قد اجتهد في العبادة، فَقَالَ له أبوه: خير الأمور أوسطها، الحسنة بين السيئتين، وشرُّ السير الحقحقة. قَالَ أبو عبيد: يعني أن الغلوَّ في العبادة سيئة، والتقصير سيئة والاقتصاد بينهما حسنةٌ.

قَالَ: والحقحقة أن يلحَّ في شدة السير حتى تقوم عليه راحلته وتعطب فيبقى منقطعًا به سفره، انتهى.

ويشهد لهذا المعنى الحديث المروي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا:

"إنَّ هذا الدينَ متينٌ فأوغلْ فيه برفقٍ ولا تبغض إِلَى نفسك عبادة الله، فإنَّ المنبتَّ لا سفرًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فاعمل عمل امرئ يظن أنّه لن يموت إلَاّ هَرِمًا، واحذر حذر امرئ (يخشى) (*) أن يموت غدًا". أخرجه حميد بن

(1) برقم (2946)، وقال: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن حذيفة إلَاّ بهذا الإسناد.

وقال الهيثمي في المجمع (10/ 252): رواه البزار من رواية سعيد بن حكيم عن مسلم بن حبيب، ومسلم هذا لم أجد من ذكره إلَاّ ابن حبان في ترجمة سعيد الرواي عنه، وبقية رجاله ثقات.

(*) يحذر: "نسخة".

ص: 422

زنجويه (1) وغيره.

وفي تكرير أمره بالقصد إشارة (إِلَى)(**) المداومة عليه، فإن شدة السير والاجتهاد مظنةُ السامة والانقطاع، والقصد أقرب إِلَى الدوام، ولهذا جعل عاقبةَ القصد البلوغَ كما قَالَ:"من أدلج بلغ المنزل".

فالمؤمن في الدنيا يسيرُ إِلَى ربه حتى يبلغَ إِلَيْهِ، كما قَالَ تعالى:{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، وقال تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].

قَالَ الحسن: يا قوم، المداومةَ المداومةَ فإنَّ الله يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم تلا هذه الآية.

وقال أيضاً: نفوسكم مطاياكم فأصلحوا مطاياكم تُبلِّغكم إِلَى ربكم عز وجل.

والمرادُ بصلاح المطايا: الرفقُ بها، وتعاهُدها بما يصلحها من قوتها والرفق بها في سيرها، فإذا أحسَّ منها بتوقفٍ في السير تعاهدها تارةً بالتشويق، وتارةً بالتخويف حتى تسير.

قَالَ بعض السَّلف: الرجاء قائدٌ والخوف سائقٌ، والنفس بينهما كالدابة الحَرُون (2).

فمتى فتر قائدها وقصَّر سائقها وقفت فتحتاج إِلَى الرفق بها والحدو لها حتى يطيب لها السير.

كما قَالَ حادي الإِبل بالبوادي:

بَشَّرها دليلها وقال لها

غدًا ترَيْن الطلح والجبالا

(1) وأخرجه البيهقي في "السنن الكبير"(3/ 19).

(**) عَلَى: "نسخة".

(2)

الدابة الحرون: هي التي إذا استدر جريها وققت لسان العرب (13/ 110).

ص: 423

ولما كان الخوف كالسَّوط فمتى ألحَّ بالضرب بالسوط عَلَى الدابة تلفت، فلا بد لها الضرب من حادي الرجاء، يطيِّب لها السير بحدائه حتى تقطع.

قَالَ أبو يزيد: ما زلت (أقودُ)(*) نفسي إِلَى الله وهي تبكي حتى سُقتُها وهي تضحك.

كما قيل:

إذا شكتْ من كَلالِ السير أو عدها

روحَ القدومِ فتحيا عندَ ميعادِ

(*) أسوق: "نسخة".

ص: 424