الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد ذلك يدعو لعز الإسلام والمسلمين، ويطيل في الدعاء للنصر والتأييد لإمام المسلمين وأتباعه وأوليائه، والدعاء على خصومه ومخالفيه وأعدائه، ثم يدعو لعامة المسلمين.
هذا إذا أطنب وفصَّل، وإذا اقتضى المقام أن يوجز ترضَّى ــ بعد الصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم ــ عن "أهل بيته الأطهار، وخلفائه الأبرار، وصحابته الأخيار" دون ذكر الأسماء والألقاب.
(3) المحتوى:
1) الخطب التي ألقيت في العيدين والشهور والأيام الفاضلة أو بعض المناسبات كان الحديث فيها منصبًّا على تلك المواسم والمواقيت.
فالخطب التي ألقاها في شعبان ذكر فيها فضل ليلة النصف من شعبان وأورد الأحاديث الواردة فيه، ودعا الناس إلى استقبال شهر رمضان والاستعداد له.
وفي خطب رمضان بيَّن لهم فضائله، وأنه شهر التوبة والإقلاع، وأنه أنزل فيه القرآن، وأن فيه ليلة القدر؛ وحثهم على اغتنام ساعاته. وفي آخر خطب رمضان نبَّههم على إخراج زكاة الفطر قبل خروجهم إلى صلاة العيد.
ثم في خطبة العيد ذكر أحكام زكاة الفطر وفضلها، وأن لا يقصروا عن طاعة الله سبحانه بعد انقضاء رمضان، وأن يعلموا أنهم قد خرجوا من شهر الصيام إلى أشهر الحج الحرم.
وكذلك في خطب ذي الحجة ذكر فضل الأيام العشرة من الشهر، ثم في خطبة عيد الأضحى فصّل القول في أحكام الأضحية، وأورد خطبة النبي
- صلى الله عليه وسلم يوم النحر. وأشار إلى فضل اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد.
وفي خطب رجب أشار إلى أن هذا الشهر شهر الله الحرام، وشهر العبادة والفضيلة، وأنه تضاعف فيه الأعمال.
ويتصل بخطب المواقيت والمناسبات هذه خطبة خطب بها أيام الجدب، فحث الناس على التوبة والإقلاع عن الذنوب، والإكثار من الصدقات، وتطهير الصدور من الحسد والشحناء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وذكَّرهم بأن المعاصي تزيل النعم وتستنزل النقم، وأن النقمة إذا نزلت قلما ترفعها إلا التوبة عن أسبابها، وتلا عليهم قول الله تعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
…
} الآيات، وأورد الحديث القدسي المشهور:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" الحديث.
ويتصل بها أيضا خطبة فريدة كتبها الشيخ لما جاءه نبأ وفاة أخيه "الفاضل العالم العامل عز الإسلام: محمد بن يحيى بن علي المعلمي" فذكر عظم مصابه، ووصف شدة حزنه وتفجعه عليه.
أما سائر الخطب فهي تدور حول الوصية بالتقوى، والتحذير من حب الدنيا الخداعة، والغفلة عن الآخرة، والتهاون بالمحرمات، والاغترار بطول الأمل، وهجوم الموت في أي لحظة؛ والترغيب في ذكر الله وتلاوة القرآن، والحث على أداء الفرائض والسنن، واجتناب المحرمات، والابتعاد عن المكروهات، والدعوة إلى التفكير في خلق الإنسان ولطف الله به ورحمته، وحساب النفس قبل هول الحساب، والاعتبار بمن مضى من الملوك
والمترفين وبمن اختطفهم هاذم اللذات من أحبائه وأقربائه، والتسويف بالتوبة، والإصرار على المعاصي؛ والتخويف بما أمام الإنسان من أهوال القبر، وتصوير عاقبة الصالحين ومآل الفاسقين، وما إلى ذلك.
هذه موضوعات الخطب الأوَل، وهي التي تناولها الشيخ في الموعظة القصيرة التي تتضمنها الخطب الثواني أيضا.
وعلى أن فواتح الخطب كلها تشتمل على صفات الله سبحانه، فصَّل الشيخ في بعضها أصول الإيمان والأسماء والصفات.
2) قد التزم الشيخ ــ كما سبق ــ أن يورد في كل خطبة بعد الموعظة حديثا أو أكثر، ولكن لم يلتزم أن يكون الحديث صحيحًا، بل تساهل مثل غيره من العلماء والخطباء في ذكر أحاديث ضعيفة، بعضها شديد الضعف، وبعضها موضوع.
وكذلك ردَّد في بعض الخطب مقولات مبنية على أحاديث ضعيفة أو موضوعة، نحو وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه "سبب الوجود"(41)، وأنه "فاتحة خلقهم، فهو أول أولهم، وأوسط أوسطهم، وآخر الآخرين"(36)، وأن "أهل بيته أمان أهل الأرض، كما أن النجوم أمان أهل السماء"(5)، ووصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنه "باب مدينة العلم"(60، 59، 58).
ومن الأحاديث الضعيفة: ما أخرجه ابن ماجه (1388) في فضل ليلة النصف من شعبان من حديث علي بن أبي طالب بلفظ: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا إليها، وصوموا يومها". وفي سنده أبو بكر بن أبي سبرة، وقد رمي بالوضع. أورده الشيخ في الخطبة (36) كذا مختصرًا،
ثم أورده كاملا في الخطبتين (44، 38).
ومنها: حديث "ألا، إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك"(62، 58).
ومن الأحاديث الموضوعة: ما أورده في فضل شهر رجب في الخطبة (16): "فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام". قال الحافظ ابن حجر: موضوع، كما في الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي (381).
ومنها الحديث المشهور على ألسنة الخطباء: "أصحابي كالنجوم، فبأيهم اقتديتم اهتديتم"(62، 58).
ومن أغربها: الحديث الطويل الذي أورده في الخطبة (52) ــ وهي من أقدم خطبه كما سبق ــ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من بيت إلا ملك الموت يقف على بابه كل يوم
…
" الحديث.
هذا الحديث هو الحديث الأربعون من المجموعة المسماة بالأربعين الودعانية، وهي بأسرها موضوعة باطلة. نقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ المزي أنها "فضيحة مفتعلة وكذبة مؤتفكة". وقد وضعها زيد بن رفاعة ملفقًا بين بعض كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام المشايخ والحكماء، وسرقها منه ابن ودعان، فركَّب لها أسانيد من أناس عامتهم مجهولون، ومن يُشَكُّ في وجوده! وذكر الشوكاني أن هذه المجموعة هي التي يقال لها في ديار اليمن "السَّيلقية". انظر: لسان الميزان (7/ 383 - 384) والفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي (366).
وكانت لهذه المجموعة المختلقة شأن عظيم عند أئمة الزيدية وعلمائهم، فعني غير واحد منهم بشرحها، فذكر الشوكاني في ترجمة "الإمام المؤيد" يحيى بن حمزة (ت 705) أنه شرحها في مجلدين بعنوان "الأنوار المضية شرح الأحاديث النبوية على السيلقية". قال:"والسيلقية هي المعروفة عند المحدثين بالودعانية". انظر: البدر الطالع (2/ 331 - 332).
ومن شروحها: "حديقة الحكمة النبوية في شرح الأربعين السيلقية" لعبد الله بن حمزة الملقب بالإمام المنصور (ت 614)، واختصره أحمد بن علي مرغم في كتابه "التحفة السنية المنتزع من الحديقة النبوية"، وقد طبع هذا المختصر، كما في مصادر الفكر الإسلامي في اليمن للحبشي (1/ 602).
وفي إحدى الخطب (56) جاء في وصف الله سبحانه وتعالى أنه "لا في السماء محلُّه، ولا على العرش منزلُه". وهذا مخالف للعقيدة الصحيحة التي قررها الشيخ فيما بعد، ونافح عنها، ورد على منكرها. وقد بيَّنها في وصيته لتلميذه محمد بن أحمد المعلمي أيضًا، وهي ضمن هذا المجموع.
وأحب أن أنبه هنا على أن قيمة هذه الخطب ليست في الأحاديث الواردة فيها، بل في أسلوبها وصياغتها، ثم في كونها تمثِّل مرحلة خاصة من مقتبل حياته، وهي مدة قصيرة من خمس سنوات قضاهن في إمارة السيد الإدريسي. وهو وإن كان قد تفوق في هذه المرحلة المبكرة على أقرانه في العلوم المتداولة في عهده وبيئته، وأصبح رئيس القضاة وشيخ الإسلام، ولكن مذهبه في العقيدة والتصوف لم يكن مختلفا اختلافًا كبيرًا عن مذهب السيد الإدريسي وغيره من معاصريه من فقهاء الشافعية. أما المنزلة العليا التي بلغها الشيخ فيما بعد في علم الحديث والرجال، فكانت تنتظره في