الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دولة حيدراباد الدكن. فأصبح عالمًا محققًا مستقلًّا بآرائه ومذاهبه غير مقلِّد لأحد، مع احترامه البالغ لجميع أئمة الإسلام وعلماء الأمة.
3) لم ينشد الشيخ شعرًا في شيء من خطبه إلا خطبة واحدة كتبها إثر وفاة أخيه وهو بعيد عنه، فقد أنشد فيها أحد عشر بيتًا: بيتين لأبي الفرج الساوي في غرور الدنيا، وبيتين للعباس بن الأحنف، وأربعة أبيات لسلمة بن يزيد الجعفي في رثاء أخيه، وبيتًا لكعب بن زهير، وآخر لحريث بن زيد الخيل. هذه الأبيات العشرة تمثل بها الشيخ، والبيت الحادي عشر أنشده لنفسه فقال:
أحقًّا عبادَ الله أن لستُ رائيًا
…
شقيقيَ بعد اليوم إلا توهُّما
(4) اللغة والأسلوب
1) جميع هذه الخطب مسجوعة. وسجعها ممتع جميل لا يبدو عليه أثر التكلف إلا ما ندر. وقد تفنن الشيخ في السجع، فيبني الخطبة أحيانًا على حرف واحد يختم الفقرات به، ولكن السجعات في داخل كل فقرة تأتي على حروف مختلفة. ومن أمثلة ذلك قوله في الخطبة التي بناها على حرف الراء:
"ولم يزل يتودد إليكم بالنعم، ويخوفكم بقوارع النقم، وأنتم راكضون في المعاصي ركضَ الجواد في المضمار!
تمنِّيكم الدنيا زورًا، ويعدكم الشيطان غرورًا، كأنكم واثقون بامتداد الأعمار!
هذا هاذم اللذات بين نظركم يغدو ويروح، وله كل حين زورة تفرِّق بين جسد وروح، وما يدريك ــ ابن آدم ــ أيَّ ساعة يُنشِب فيك الأظفار!
فالتوبةَ التوبةَ قبل هجومه، والإنابةَ الإنابةَ قبل قدومه، فإذا نزل انسدَّت أبواب الأعذار".
وقد بنى خمس خطب (52، 51، 50، 37، 36) على آيات من القرآن الكريم، فالخطبة (50) مثلا اشتملت من مقدمتها إلى آخر موعظتها على تسع فقرات، وكل فقرة تشتمل على أربع فواصل إلى إحدى عشرة فاصلة بنيت على مثال فاصلة الآية التي ختمت بها الفقرة.
فالفقرة الثانية مثلا فواصلها: قدرتِه، بعزته، حكمتِه، حجتِه. وخاتمتها قول الله تعالى في سورة الإنسان:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} .
والفقرة التاسعة فواصلها: الذراع، بالاقتلاع، إيداع، القناع، الارتفاع، الانتفاع، انقطاع، الأطماع. وخاتمتها قوله تعالى في سورة الرعد:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)} .
وقد سبق أن الخطب الثلاث (50، 51، 52) مؤرخة بالجمعتين الأخيرتين من جمادى الآخرة والجمعة الأولى من رجب.
أما الخطبتان (36، 37) فذكر في أولاهما بعض أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان، أما الأخرى فلم نجد فيها ما يدل على الشهر الذي ألقيت فيه، ولكنها مكتوبة على الوجه الثاني من الورقة التي كتبت فيها الأولى، فلعلها ألقيت في شهر رجب، فهاتان الخطبتان أيضًا في ظني كالخطب الثلاث السابقة أقدم هذه المجموعة، فلعل الشيخ لما نُصب خطيبًا، وكان إذ ذاك شابًّا ابن زهاء سبع وعشرين سنة، أراد إثبات مقدرته الأدبية واللغوية،
فاحتشد لتحبيرخطبه الأولى على هذا النمط. ومن مظاهر عنايته واحتفاله أنه في الخطبة الثالثة لجمادى الآخرة، وهي أقدم الخطب، ترك فراغًا بعد كل فاصلة.
وأحيانًا ينوِّع الفواصل بين فقرات الخطبة، وكذلك في داخل كل فقرة. فيأتي في فقرتين متواليتين بفاصلتين على حرف واحد، ثم خمس فواصل على حرف آخر، وفي الفقرة التي بعدها خمس فواصل كلها على حرف واحد. انظر مثلا الخطبة رقم (8).
وأحيانًا يبني فواصل الخطبة كلها على حرف واحد، كالخطبة (9) فإنها بنيت على حرف الدال، ومع ذلك ليست مملة، لأن الفواصل لا تأتي متقاربة، وقد يباعد بين فاصلتين بسجعات عديدة قصيرة. كقوله فيها:
"واعلموا أن الأعمال هي الجنة، فأكثروا أو أقلوا أو اتركوا، قبل انقطاع العمر وهجوم الصائد.
قبل مفاجأة الموت القاطع، والسم الناقع، والبلاء الصادع، للأقارب والأباعد.
قبل حلول التراب، وحلول الثواب والعقاب، وسؤال منكر ونكير، فتنبه يا راقد!
قبل البعث والنشور، ودعوى الويل والثبور، وبلوغ المواعد.
قبل نصب الميزان، وزفير النيران، ومناقشة الحساب بين يدي أبصرِ ناقد".
2) تمتاز هذه الخطب بحسن الديباجة، وجودة السبك، ونصاعة البيان.
وأسلوبه يجمع بين السهولة والجزالة. وقد أكثر فيها من استعمال التراكيب الإنشائية، من الأمر والنهي والاستفهام والتعجب والنداء.
3) تجنب الشيخ استعمال المفردات الغريبة والتراكيب المعقدة، غير أنه لما كان معظم مخاطبيه من عامة الناس تسرَّب إلى كلامه ألفاظ وتراكيب دارجة، ومنها:
- مُستَرّ (3) بمعنى مسرور.
- بَشاش (7) بمعنى البشاشة.
- تجارأ (35) من الجراءة.
- حبَّط (39).
- قُذورات (50، 51).
-لجَّيتم (56) بالإدغام.
- مواددة (49) بفك الإدغام.
ومن الاستعمالات العامية: قوله في الخطبة (47): "قريب ثلاثة ريال
…
خمسة ريال
…
عشرة ريال".
ومنها: صرف كلمة "سكران" في قوله: "تقلبه الدنيا جنبًا على جنب سكرانًا".
ومن التراكيب القليلة الورود: "كأنه يظنُّ إمهالَه ربُّه من الإهمال"(28)، أضاف المصدر إلى مفعوله، ورفع فاعله بعده.
وقد استعمل الشيخ صيغتين أستغرب غلطه فيهما. إحداهما: "لَقِيُوا"